التعليق على تفسير القرطبي - سورة ص (06)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله الرحم الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

 قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى- "قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ} قِيلَ: فُتِنَ سُلَيْمَانُ بَعْدَ مَا مَلَكَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَمَلَكَ بَعْدَ الْفِتْنَةِ عِشْرِينَ سَنَةً، ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَ"فَتَنَّا"؛ أَيِ: ابْتَلَيْنَا وَعَاقَبْنَا. وَسَبَبُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «اخْتَصَمَ إِلَى سُلَيْمَانَ-عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ جَرَادَةَ امْرَأَةِ سُلَيْمَانَ، وَكَانَ يُحِبُّهَا فَهَوَي أَنْ يَقَعَ الْقَضَاءُ لَهُمْ، ثُمَّ قَضَى بَيْنَهُمَا بِالْحَقِّ، فَأَصَابَهُ الَّذِي أَصَابَهُ عُقُوبَةً لِذَلِكَ الْهَوَى».

 وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إِنَّ سُلَيْمَانَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- احْتَجَبَ عَنِ النَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَقْضِي بَيْنَ أَحَدٍ، وَلَا يُنْصِفُ مَظْلُومًا مِنْ ظَالِمٍ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: "إِنِّي لَمْ أَسْتَخْلِفْكَ لِتَحْتَجِبَ عَنْ عِبَادِي، وَلَكِنْ لِتَقْضِيَ بَيْنَهُمْ، وَتُنْصِفَ مَظْلُومَهُمْ".

 وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: إِنَّ سُلَيْمَانَ-عَلَيْهِ السَّلَامُ- سَبَى بِنْتَ مَلِكٍ غَزَاهُ فِي الْبَحْرِ، فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ يُقَالُ لَهَا: صِيدُونَ. فَأُلْقِيَتْ عَلَيْهِ مَحَبَّتُهَا، وَهِيَ تُعْرِضُ عَنْهُ، لَا تَنْظُرُ إِلَيْهِ إِلَّا شَزْرًا، وَلَا تُكَلِّمُهُ إِلَّا نَزْرًا، وَكَانَ لَا يُرْقَأُ لَهَا دَمْعٌ حُزْنًا عَلَى أَبِيهَا، وَكَانَتْ فِي غَايَةٍ مِنَ الْجَمَال، ثُمَّ إِنَّهَا سَأَلَتْهُ أَنْ يَصْنَعَ لَهَا تِمْثَالًا عَلَى صُورَةِ أَبِيهَا حَتَّى تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَأَمَرَ فَصُنِعَ لَهَا، فَعَظَّمَتْهُ وَسَجَدَتْ لَهُ، وَسَجَدَتْ مَعَهَا جَوَارِيهَا، وَصَارَ صَنَمًا مَعْبُودًا فِي دَارِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً، وَفَشَا خَبَرُهُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعَلِمَ بِهِ سُلَيْمَانُ فَكَسَرَهُ، وَحَرَقَهُ ثُمَّ ذَرَّاهُ فِي الْبَحْرِ.

 وَقِيلَ: إِنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا أَصَابَ ابْنَةَ مَلِكِ صِيدُونَ وَاسْمُهَا جَرَادَةُ، فِيمَا ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ، أُعْجِبَ بِهَا، فَعَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَأَبَتْ، فَخَوَّفَهَا فَقَالَتِ: اقْتُلْنِي وَلَا أُسْلِمُ، فَتَزَوَّجَهَا وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَكَانَتْ تَعْبُدُ صَنَمًا لَهَا مِنْ يَاقُوتٍ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي خُفْيَةٍ مِنْ سُلَيْمَانَ إِلَى أَنْ أَسْلَمَتْ، فَعُوقِبَ سُلَيْمَانُ بِزَوَالِ مُلْكِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا.

وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: إِنَّهُ لَمَّا ظَلَمَ الْخَيْلَ بِالْقَتْلِ سُلِبَ مُلْكَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّهُ قَارَبَ بَعْضَ نِسَائِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ أُمِرَ أَلَّا يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً إِلَّا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ غَيْرِهِمْ، فَعُوقِبَ عَلَى ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- من سبب فتنة سليمان، الفتنة مقطوع بها؛ لأنها جاء التنصيص عليها في كتاب الله -جلّ وعلا-، والفتنة معناها الابتلاء والاختبار، لكن ما سبب هذه الفتنة؟

ما ذكره المؤلف من هذه الأسباب لا يثبت منها شيء، وهي متلقاةٌ عن بني إسرائيل، الذين لا يصدقون ولا يكذبون، فإن كان ما عندهم يوافق ما عندنا قبلناه، والعبرة أولاً وآخرًا بما عندنا، وإن كان يخالف ما عندنا رددناه، وإن كان لا يوافق ولا يخالف فهذا الذي يجوز التحدث به، «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»، لا حرج من الحديث فيه، إلا أنه لا يُبنى عليه حكم؛ لأن شرعنا ناسخ لما تقدم.

 ما ذكر من القول الأول أنه كان يحب امرأته، وأنه اختصم إليه قوم من أهلها، وآخرون من غيرهم، فهوي وأحب أن يكون الحق لأهلها، هذا مثل ما تقدم أنه مما يلزم القاضي أن يكون عادلاً في جميع تصرفاته بين الخصوم، ولا يلمس ولا يحس أي الخصمين بميلٍ إليه، أو إلى غيره دون الآخر، وإذا أسر في نفسه مجرد حديث نفس أنه يحب أن تكون الغلبة لفلان على فلان، فهذه المحبة إما أن يكون سببها حبه الجبلي لأحد الخصمين، كقومه مثلاً، أو عشيرته، أو عشيرة زوجه، أو ما أشبه ذلك، هذا له حكم، وإن كانت محبته لأحد الخصمين بسبب المحبة الدينية الشرعية فهذه أيضًا لها حكم.

 يعني لو اختصم شخصان أحدهما من أهل الخير وأهل الفضل والدين، والآخر بضد ذلك، لا يجوز أن يحكم بغير ما أنزل الله، ولا يجوز أن يحكم لأحدٍ بغير ما يستحقه، لكن كونه يتمنى أن يكون الحق لهذا الرجل الصالح؛ لأنه لو أخذ ما ترتب على هذا الحكم استعان به على طاعة الله- جلّ وعلا-، والآخر لو أخذه استعان به فيما لا يرضي الله -جلّ وعلا- هذا أيضًا له حكم، وأيضًا قد يلحظ القاضي أنه لو حكم لهذا على هذا أن هذا فيه انتصار لقوم هؤلاء، وهم قومٌ أشداء ألداء أضداد للحق، فمثل هذه الأمور بمقاصدها، لكن كل هذا لا يجوز أن يؤثر على الحكم، لكن الكلام في الميل القلبي، رجل من أهل الخير والفضل والإحسان، وحصل منه ما حصل، واختصم مع خصم له بضده من أجل أن لا يفرح الأعداء على هذا العبد الصالح مثلاً، هذا ميل قلبي، لا يجوز أن يؤثر في الحكم، لكن كون القاضي يميل إلى هذا؛ لصلاحه، ولديانته، ولفضله، ولما يترتب على الحكم من بعض الآثار؛ لأن بعض الناس يتصيدون على أهل الخير فإذا حُكم عليه، قيل: انظروا إلى أهل الخير، والمسألة قديمة، وليست جديدة، ليست وليده اليوم.

لما اتهم شهر بن حوشب بسرقة خريطة، اتهم القراء كلهم بسببه، حتى قال القائل:

"لقد باع شهرٌ دينه بخريطةً         فمن يأمن القراء بعدك يا شهر"

 يعني لو حكم القاضي، يود أن يكون الحكم لهذا العبد الصالح؛ لئلا يقال: انظروا إلى المتدينين كيف يفعلون، كيف يصنعون، كيف. هذا الميل القلبي لا شك أنه لا يجوز أن يؤثر في القضية، ولا يجوز أن يحكم لهذا العبد الصالح لمجرد هذا الميل أبدًا، إنما يُحكم "بالبينة على المدعي، واليمين على من أنكر"، سواء أن كان الخصم مسلمًا أو غير مسلم مِن مْن يجوز بقائه في ديار المسلمين، من ذمي، أو معاهد.

المقصود أن هذا متفق على أنه لا يجوز أن يؤثر في الحكم، لكن الميل القلبي قد يؤجر عليه أحيانًا إذا كان القصد صحيحًا سليمًا، وأما كونه يهوى ويميل إلى أن الحق يكون مع فلان؛ لأنه من قبيلته، من عشيرته، من قرابته، من قرابة زوجته، فهذا لا يجوز على ما تقدم في جعل داود خليفة؛ ليحكم بين الناس بالحق.

 احتجاب سليمان -عليه السلام- ثلاثة أيام لا يحكم بين الناس، هذا لم يرد به نصٌّ صحيح، وقد يحتجب القاضي لظرف من الظروف، والحاكم لمرض، ويختلف في تقدير هذا المرض، هل يصل إلى حدٍّ يجوز معه أن يحتجب، أو لا يجوز، وهذه مسألةٌ في غاية الأهمية، لجميع من له كسبٌ من بيت المال، أو أجير أو غير ذلك.

 قد يمرض قد يصاب بوعكة، لكن ما الحد الذي يجوز معه أن يترك العمل؟ إن هذا أمرٌ مقلق عند كثير من الناس، فتجد صاحب التحري لا يحتجب ولو تضرر بالمرض، ولو نصحه الأطباء بالراحة، ويوجد من هذا النوع، وتجد بعضهم يترخص لأدنى سبب، يترخص لأدنى سبب، ويستوي في ذلك الأمور الشرعية التي عُلق الترخص فيها على الأمراض، كالفطر مثلاً، أو ترك الصلاة في المسجد، أو غير ذلك بعض الناس لأدنى سبب، يقول: والله أنا مريض ولا، يختلفون في تقدير هذه الأمور، فبغضهم يترخص لأدنى سبب، وبعضهم يتضرر لعدم الترخص ومع ذلك لا يترخص.

 استعمال الماء بالنسبة للمريض، بعضهم يقول: أنا أحتمل، وهو في الحقيقة لا يحتمل، يتأخر برؤه، ويزيد مرضه، لكنه لشدة تحريه لا يترخص، ومنهم لأدنى سبب يترخص، وهكذا.

 لما قيل عن سليمان -عليه السلام- أنه احتجب عن الناس ثلاثة أيام لا يقضي بينهم، أولاً: لم يثبت هذا بنص، بسند ملزم، لكن لو قُدِّر ثبوته يمكن أن  يكون قدّر أن هذا مما يسوغ له الاحتجاب بسببه، وهو في الحقيقة لا يسوغ إلا باعتبار أن هذا، ويمكن أن يكون بالنسبة لغيرة مسوغ، وبالنسبة له غير مسوغ؛ لأن الناس منازل؛ يعني بعض الناس لو ترخص، فالأمر سهل لا يعاتب على ذلك، وبعض الناس إذا ترخص يُلام على الترخص، يعني فرقٌ أن يكون شخص عادي يترخص لسبب من الأسباب، وإذا سئل قال: والله مريض، وهو ينظر إليه مريض، لكن يخرج إلى محله إلى تجارته، إلى وظيفته، ما يصلي الفجر مع الجماعة، لكن إذا جاءت الساعة السابعة خرج إلى الوظيفة، نعم عليه آثار المرض، لكن ماذا يعني هذا أنك تترخص هنا ولا تترخص هناك؟

نقبل منه عذره في مثل هذه الحالة، باعتبار أنه من أوساط الناس، لكن بالنسبة لخيار الناس لا يُقبل منهم مثل هذا الكلام، كما جاء عن لسان أهل العلم الذين قالوا: "حسنات الأبرار، سيئات المقربين"، حسنات الأبرار، بالنسبة لهذا الشخص، حسنه، يعني يحضر للجماعة فوت ركعة، ركعتين، هذا طيب بالنسبة له، لكن لو نظر إلى رجل من أهل العلم والفضل فهذا الأمر ليس بالسهل، فلهذا أن يترخص، وليس لهذا أن يترخص، وإن كان في الجملة في العموم الرخصة حكمٌ شرعي، يحبها الله -جلّ وعلا-، لكن ليست لأدنى سبب، فالناس يختلفون في تقديرها، فلعل هذا من هذا النوع إن صح.

عبادة الصنم في بيت سليمان -عليه السلام- من قِبْل امرأته المشركة وهو لا يدري ولا يشعر بذلك، النبي -عليه الصلاة والسلام- وجِدَ في بيته الكلب، وهو لا يدري، واحتجب الوحي بسببه، فالذي لا يعلم به الإنسان، نعم عليه أن يتحرى، وعليه أن يدقق بأموره بحيث لا يصل إلى حد الظنة والتهم، لكن عليه أن لا يكون مغفلاً، قد يتغافل عن بعض الأمور التي يمكن أن يُتغافل عنها، لكن ما لا يجوز السكوت عليه لا يجوز أن يغفل عنه، فإذا حصل شيءٌ لم يشعر به لا يكلف، إلا إذا علم به.

طالب:......

نعم، نعم، والصورة وغيرها كلها موجودة، التي تمنع من دخول الملائكة، قال كعب الأحبار: إنه لما ظلم الخيل بالقتل سُلِبَ مُلكه، سلب المُلك لما ظلم الخيل، إذ تقدم في آية سبقت أنه طفق مسحًا بالسوق والأعناق، ومنهم من يقول: قتل، وهذا هو الأكثر، ومنهم من يقول: إنه مجرد مسح باليد من غير قتلٍ، لكن إذا قُدِّر أنه قتل، وحصل بسببها تضييع لحق الله -جلّ وعلا-، فمن كفارة ما حصل أن يقتل السبب، إذا كان مما لا يترتب عليه إضاعة مال، يعني مما يؤكل مثلاً، اشتغل بتجارته عن الصلاة حتى سمع الإقامة، وصلى الناس وهو في تجارته، فتصدق بما تقتضيه هذه الصفقة التي صدته عن الصلاة مثلاً، أو أشغلته عن الصلاة، فهذا أمرٌ شرعي ما فيه إشكال.

طالب: يقال: إن هذا كله من الإسرائيليات،.............وبخاصة أنها لا تليق بخيار الناس وهم الأنبياء.

لكن، أولا مثل ما ذكرنا سابقًا أنها لا شيء يثبت منها، وتفسير هذه الأسباب في الجملة، لا لأنها لسليمان على وجه الخصوص، تكلمنا عليها إجمالاً، لا لأنها ثابتة عن سليمان، الأمر الثاني، أنه وإن جاء في الصحيحين أنه أقسم لله أنه يطوف على مائة امرأة تلد كلٌّ منهن غلامًا، يقاتل في سبيل الله ولم يستثني؛ لم يقل إن شاء الله، فم تلد واحدةٌ منهن إلا شق إنسان، لكن هذا الشق هو الذي ألقي على كرسيه، نعم، كيف ألقي على كرسيه؟

طالب:........

نعم، لكن كيف ألقي على كرسيه، حتى نرجح؟

 طالب:........

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} قِيلَ: شَيْطَانٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، أَلْقَى اللَّهُ شَبَهَ سُلَيْمَانُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَلَيْهِ، وَاسْمُهُ صَخْرُ بْنُ عُمَيْرٍ صَاحِبُ الْبَحْرِ، وَهُوَ الَّذِي دَلّ سُلَيْمَانَ عَلَى الْمَاسِ حِينَ أَمَرَ سُلَيْمَانُ بِبِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَصَوَّتَتِ الْحِجَارَةُ لَمَّا صُنِعَتْ بِالْحَدِيدِ، فَأَخَذُوا الْمَاسَ فَجَعَلُوا يَقْطَعُونَ بِهِ الْحِجَارَةَ وَالْفُصُوصَ وَغَيْرَهَا وَلَا تُصَوِّتُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ مَارِدًا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ جَمِيعُ الشَّيَاطِينِ، وَلَمْ يَزَلْ يَحْتَالُ حَتَّى ظَفِرَ بِخَاتَمِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ لَا يَدْخُلُ الْكَنِيفَ بِخَاتَمِهِ، فَجَاءَ صَخْرٌ فِي صُورَةِ سُلَيْمَانَ حَتَّى أَخَذَ الْخَاتَمَ مِنِ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَاءِ سُلَيْمَانَ أُمِّ وَلَدٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا: الْأَمِينَةُ، قَالَهُ شَهْرٌ وَوَهْبٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ: اسْمُهَا جَرَادَةُ. فَقَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَسُلَيْمَانُ هَارِبٌ، حَتَّى رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ الْخَاتَمَ وَالْمُلْكَ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: كَانَ سُلَيْمَانُ قَدْ وَضَعَ خَاتَمَهُ تَحْتَ فِرَاشِهِ، فَأَخَذَهُ الشَّيْطَانُ مِنْ تَحْتِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَخَذَهُ الشَّيْطَانُ مِنْ يَدِ سُلَيْمَانَ؛ لِأَنَّ سُلَيْمَانَ سَأَلَ الشَّيْطَانَ وَكَانَ اسْمُهُ آصِفَ: كَيْفَ تُضِلُّونَ النَّاسَ؟ فَقَالَ لَهُ الشَّيْطَانُ: أَعْطِنِي خَاتَمَكَ حَتَّى أُخْبِرَكَ. فَأَعْطَاهُ خَاتَمَهُ، فَلَمَّا أَخَذَ الشَّيْطَانُ الْخَاتَمَ جَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ، مُتَشَبِّهًا بِصُورَتِهِ، دَاخِلًا عَلَى نِسَائِهِ، يَقْضِي بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَيَأْمُرُ بِغَيْرِ الصَّوَابِ. وَاخْتُلِفَ فِي إِصَابَتِهِ لِنِسَاءِ سُلَيْمَانَ، فَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِنَّ فِي حَيْضِهِنَّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مُنِعَ مِنْ إِتْيَانِهِنَّ، وَزَالَ عَنْ سُلَيْمَانَ مُلْكُهُ، فَخَرَجَ هَارِبًا إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ يَتَضَيَّفُ النَّاسَ، وَيَحْمِلُ سُمُوكَ الصَّيَّادِينَ بِالْأَجْرِ، وَإِذَا أَخْبَرَ النَّاسَ أَنَّهُ سُلَيْمَانُ أَكْذَبُوهُ.

قَالَ قَتَادَةُ: ثُمَّ إِنَّ سُلَيْمَانَ بَعْدَ أَنِ اسْتَنْكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ حُكْمَ الشَّيْطَانِ أَخَذَ حُوتَةُ مِنْ صَيَّادٍ. قِيلَ: إِنَّهُ اسْتَطْعَمَهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخَذَهَا أُجْرَةً فِي حَمْلِ حُوتٍ. وَقِيلَ: إِنَّ سُلَيْمَانَ صَادَهَا، فَلَمَّا شَقَّ بَطْنَهَا وَجَدَ خَاتَمَهُ فِيهَا، وَذَلِكَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مِنْ زَوَالِ مُلْكِهِ، وَهِيَ عَدَدُ الْأَيَّامِ الَّتِي عُبِدَ فِيهَا الصَّنَمُ فِي دَارِهِ، وَإِنَّمَا وَجَدَ الْخَاتَمَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ الَّذِي أَخَذَهُ أَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: بَيْنَمَا سُلَيْمَانُ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ وَهُوَ يَعْبَثُ بِخَاتَمِهِ، إِذْ سَقَطَ مِنْهُ فِي الْبَحْرِ وَكَانَ مُلْكُهُ فِي خَاتَمِهِ. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ".

هذا أيضًا ما تقدم ذكره  من إلقاء الجسد بسبب هذه الأمور التي ذكرها المفسر، هي كسابقتها من أخبار بني إسرائيل وما تُلقّي عنهم، ونُسب إلى سليمان فيما ذكر عن الحسن أنه قارف بعض نسائه في حال حيض، وهذا لا يجوز أن يُنسب لمثل سليمان -عليه السلام-، وفي إلقاء الجسد قال: اُختلف في إصابته لنساء سليمان، يعني الشيطان، فحكي عن ابن عباس وابن منبه: أنه كان يأتيهن في حيضهن، وهذا لا يمكن أن يكون مثل هذا، لا يجوز أن يُعتقد مثل هذا، وإن كان بعض أهل العلم وهو قولٌ ليس بصحيح، أخذ من قول النبي -عليه الصلاة والسلام- لعائشة «إن كنتي قارفتي» أنه مما يجوز أن يقع من نسائه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه لو لم يكن جائزًا لما سألها عن ذلك، لكن عامة أهل العلم على أن أعراض الأنبياء مصانة، قد يوجد الكفر من نساء بعض الأنبياء، لكن لا يمكن أن يوجد الزنا؛ لأن هذا عرض النبي -عليه الصلاة والسلام-، سواء أن كان نبينا -عليه الصلاة والسلام-، أو من قبله من الأنبياء، وأعراضهم مصونة.

 نعم حصل ما حصل من الاتهام في قصة الإفك، لكنه اتهامٌ باطل، والله المستعان، فمثل هذا الكلام لا يجوز نقله، فضلاً عن إقراره واعتقاده، إلا على سبيل التنبيه على أنه باطل.

 يعني أنه كان يأتينهن في حيضهن، يعني عرض النبي سليمان -عليه السلام-، يخلف على نسائه، هذا الكلام باطل من كل وجه، ولا يجوز تصديره إلا على جهة البيان، إلا على جهة بيان بطلانه.

كون الخاتم يرتبط به المُلك، هذا له أصل، فعثمان -رضي الله عنه- جلس يعبث بالخاتم فسقط من يديه، فحصلت الفتن من ذلك الوقت، حصلت الفتن من ذلك الوقت، بُحِث عنه ولم يوجد، فاضطربت الأمور على عثمان -رضي الله عنه-، ولا يمنع أن يكون سليمان جلس لأمرٍ، {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}[الأنفال:42]، يعبث بالخاتم فسقط من يده؛ لأن العبث اليسير مقر في الشرائع، العبث اليسير، النبي -عليه الصلاة والسلام- قد ينكت بالعود، ومثل هذا لا إشكال فيه، العبث اليسير، لكن العبث الكثير الذي يتسبب لإهدار الأوقات وضياعها والصد عن ذكر الله وما أشبه ذلك، فمثل هذا لا يجوز.

طالب:.......

يعني هذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، خصائص محمد، «أن الشيطان لا يتمثل بي»، لو أن جميع الأنبياء في حكمه، باعتبار أن العلة موجودة؛ لأنه لو تمثل بالنبي لأثر فيما يوحى إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، سواء أن كان النبي نبيًّا أو غيره، يتمثل به ويأمر وينهى ويتلو ما يلقى على لسانه من باطل، على أنه قرآن، أو أنه من عند الله -جلّ وعلا-؟ الذي يظهر أن صيانة الأنبياء من تمثل الشيطان عامٌ له ولغيره -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن التمثل من قِبْل الشيطان مؤثر فيما أُمر بتبليغه.

طالب:.....

تفسير الصحابي، الصحابي الذي عُرف بالتلقِّي من أهل الكتاب، نعم، هذا إذا صح ما يخالف شرعنا، أو ما لا مخالفة ولا موافقة فإن هذا غير ملزم، باعتبار أنه يحتمل أن يكون مما تلقَّاه من أهل الكتاب كعبد الله بن عمرو بن العاص من الزاملتين المعروفتين، وجمع من الصحابة، عُرفوا بالأخذ عن كعب وغيره، عُرفوا بالأخذ عن كعب وغيره، لكن من لم يُعرَف بالتلقّي عن أهل الكتاب، ما عرف بذلك عن الصحابة، وهو أمر غيبي لم يُدرك إلا من قِبْل النبي- عليه الصلاة والسلام- محمولٌ على أهل الاتصال كما قال الحاكم وغيره.

طالب:......

هذا إذا صح عن ابن عباس، فأكثر المرويات عن ابن عباس من طريق الكلبي، السدي الصغير عن الكلبي عنه، سلسة واهية، ومنها التفسير المجموع باسمه، تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، هذا كله لا يثبت، نعم قد توجد بعض أفراده له ما يشهد لها، وكثير منها لا تثبت. يُروى عن الصحابة، وجاء بأسانيد صحيحة بعضها أن الجراد نثرة حوت، وعلى هذا فهو بحري، لا يُفدى في الإحرام ولا في الحرم، ويُروى عن جمع منهم أنه بري، كما هو مشاهد، توالد في البر، وثابت عن الصحابة أنه نثرة حوت، نقول: هذا مما تلقّوه عن أهل الكتاب، ولا يلزم قبوله.

 "وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ".

مخرَّج؟

طالب: نعم.

ماذا يقول؟

طالب: قال موضوع أخرجه ابن عدي، وفي إسناده شيخ ابن أبي خالد متهم بالوضع، قال الحاكم: روى أحاديث موضوعة، وقال الذهبي: هو دجال، ومن أباطيله هذا الحديث وغيره.

نعم.

"وَحَكَى يَحْيَى بْنُ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ أَنَّ سُلَيْمَانَ وَجَدَ خَاتَمَهُ بِعَسْقَلَانَ، فَمَشَى مِنْهَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى. وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: ثُمَّ إِنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ مُلْكَهُ، أَخَذَ صَخْرًا الَّذِي أَخَذَ خَاتَمَهُ، وَنَقَرَ لَهُ صَخْرَةً وَأَدْخَلَهُ فِيهَا، وَسَدَّ عَلَيْهِ بِأُخْرَى، وَأَوْثَقَهَا بِالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ، وَخَتَمَ عَلَيْهَا بِخَاتَمِهِ وَأَلْقَاهَا فِي الْبَحْرِ، وَقَالَ: هَذَا مَحْبِسُكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: لَمَّا أَخَذَ سُلَيْمَانُ الْخَاتَمَ، أَقْبَلَتْ إِلَيْهِ الشَّيَاطِينُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَالطَّيْرُ وَالْوَحْشُ وَالرِّيحُ، وَهَرَبَ الشَّيْطَانُ الَّذِي خَلَفَ فِي أَهْلِهِ، فَأَتَى جَزِيرَةً فِي الْبَحْرِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الشَّيَاطِينُ فَقَالُوا: لَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ يَرِدُ عَيْنًا فِي الْجَزِيرَةِ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا، وَلَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْكَر! قَالَ: فَنَزَحَ سُلَيْمَانُ مَاءَهَا وَجَعَلَ فِيهَا خَمْرًا، فَجَاءَ يَوْمَ وُرُودِهِ، فَإِذَا هُوَ بِالْخَمْرِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكِ لَشَرَابٌ طَيِّبٌ إِلَّا أَنَّكِ تُطِيشِينَ الْحَلِيمَ، وَتَزِيدِينَ الْجَاهِلَ جَهْلًا. ثُمَّ عَطِشَ عَطَشًا شَدِيدًا، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، ثُمَّ شَرِبَهَا فَغَلَبَتْ عَلَى عَقْلِهِ، فَأَرَوْهُ الْخَاتَمَ فَقَالَ: سَمْعًا وَطَاعَةً. فَأَتَوْا بِهِ سُلَيْمَانَ، فَأَوْثَقَهُ وَبَعَثَ بِهِ إِلَى جَبَلٍ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ جَبَلُ الدُّخَانِ، فَقَالُوا: إِنَّ الدُّخَانَ الَّذِي تَرَوْنَ مِنْ نَفَسِهِ، وَالْمَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْجَبَلِ مِنْ بَوْلِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: اسْمُ ذَلِكَ الشَّيْطَانِ آصِفُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: اسْمُهُ حَبْقِيقُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ".

وهذه أيضًا كسوابقها من القصص التي لا تثبت، وإنما يتداولها المفسرون مما يُنقل عن أهل الكتاب، وقد اشترط القرطبي في مقدمة التفسير أن لا يذكر شيئًا من هذا النوع، لا يذكر شيئًا من الإسرائيليات، ومع ذلك كأنه غفل عن شرطه في هذه القصص، كان في نصف التفسير الأول أنظف من نصفه الثاني في هذه القصص، يعني في النصف الأول كان يستحضر الشرط، ثم إنه نسيه، أو انساق وراء هذه القصص، ورأى أهل العلم يتداولونها، مع أنه ليس من أهل التمحيص، كالنظر في الأسانيد، قد يستدل ببعض الأحاديث الموضوعة، ومر علينا شيء منها.     

"وَقَدْ ضُعِّفَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَصَوَّرُ بِصُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ مِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَى أَهْلِ مَمْلَكَةِ سُلَيْمَانَ الشَّيْطَانُ بِسُلَيْمَانَ حَتَّى يَظُنُّوا أَنَّهُمْ مَعَ نَبِيِّهِمْ فِي حَقٍّ، وَهُمْ مَعَ الشَّيْطَانِ فِي بَاطِلٍ.

وَقِيلَ: إِنَّ الْجَسَدَ وَلَدٌ وُلِدَ لِسُلَيْمَانَ، وَأَنَّهُ لَمَّا وُلِدَ اجْتَمَعَتِ الشَّيَاطِينُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنْ عَاشَ لَهُ ابْنٌ لَمْ نَنْفَكَّ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ وَالسُّخْرَةِ، فَتَعَالَوْا نَقْتُلْ وَلَدَهُ أَوْ نَخْبِلْهُ. فَعَلِمَ سُلَيْمَانُ بِذَلِكَ فَأَمَرَ الرِّيحَ حَتَّى حَمَلَتْهُ إِلَى السَّحَابِ، وَغَدَا ابْنُهُ فِي السَّحَابِ خَوْفًا مِنْ مَضَرَّةِ الشَّيَاطِينِ، فَعَاقَبَهُ اللَّهُ بِخَوْفِهِ مِنَ الشَّيَاطِينِ، فَلَمْ يَشْعُرْ إِلَّا وَقَدْ وَقَعَ عَلَى كُرْسِيِّهِ مَيِّتًا. قَالَ مَعْنَاهُ الشَّعْبِيُّ. فَهُوَ الْجَسَدُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا}.

وَحَكَى النَّقَّاشُ وَغَيْرُهُ: إِنَّ أَكْثَرَ مَا وَطِئَ سُلَيْمَانُ جَوَارِيَهُ طَلَبًا لِلْوَلَدِ، فَوُلِدَ لَهُ نِصْفُ إِنْسَانٍ، فَهُوَ كَانَ الْجَسَدَ الْمُلْقَى عَلَى كُرْسِيِّهِ، جَاءَتْ بِهِ الْقَابِلَةُ فَأَلْقَتْهُ هُنَاكَ.

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ سُلَيْمَانُ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً ، كُلُّهُنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ»".

في قوله فيما حكاه عن النقاش وغيره أن أكثر ما وطئ سليمان جواريه طلبًا للولد، يعني بهذا القصد، يعني النكاح له أهداف، لا ينحصر في هدفٍ واحد، له أهداف، فكون الإنسان يحصر الهدف في واحد، أو هذه الأهداف في شيء واحد مما أُبيح له، بل رغب فيه، كطلب الولد، والتكاثر، والتناسل، هذا أمر مطلوب شرعًا، فكون الإنسان يكثر من النساء؛ من أجل أن يحقق هذا الأمر فهذا لا يُلام عليه، بل يُثاب عليه، نعم هناك أهداف أخرى، يحققها النكاح، وينبغي أن تكون على ذكر من الناكح والمتزوج، ولا ينكر في ذلك أنه سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فمن رغب عن سنته فليس منه، ومن ذلك أيضًا تحقيق المباهاة بكثرة أمته -عليه الصلاة والسلام-، وهذا أيضًا هدف شرعي، من ذلك إحصان الطرفين، ووجود الألفة والمودة في أطراف المجتمع وأفراده، كل هذه أهداف شرعيه.

 لكن لو أن الإنسان حصر الهدف في الاستمتاع والتلذذ، ولم ينظر إلى شيء سوى ذلك، نعم هذا الذي يُلام، أما كونه يتزوج ليُرزق الولد، فهذا لا يُلام عليه، بل يؤجر عليه، وهنا يقول: إن أكثر ما وطئ سليمان جواريه طلبًا للولد، فولد نصف إنسان. يعني في غير سليمان -عليه السلام-، يعني لو أن الإنسان صار له هذا هدفًا، وسلك مسالك بعضها مقبول، وبعضها غير مقبول، كلها من أجل الولد، المقصود أن مثل هذا قد يُلام عليه، لكن يبقى أن طلب الولد هدفٌ شرعي من أهداف النكاح، فلا يُلام عليه، في القصة التي فيها أمره بالاستثناء، قال له الملك: قل: إن شاء الله، ولم يقل، على كل حال ليس من باب المعاندة، هذا ليس من باب المعاندة، إنما غفل عنه؛ {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}؛ لتحقق هذه النتيجة، وإنه لا يلد منهن إلا واحدة، إلا واحده شق إنسان؛ ليبين له ولغيره أهمية هذا الاستثناء، {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[الكهف:23،24]، هذا الاستثناء إن كان على جهة التبرك، فشأنه معروف، وإن كان على جهة التعليق أيضًا بمشيئة الله -جلّ وعلا- فهو من أنفع الأمور في مثل هذا الاستثناء.

طالب:.....

لا، هو الأصل، التعدد هو الأصل، {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3] فإن لم تستطع، فواحدة.

"وَقِيلَ: إِنَّ الْجَسَدَ هُوَ آصِفُ بْنُ بَرْخِيَا".

قد يقول قائل: إن العدل لا يمكن تحقيقه، نقول: هذا لا يخفى على من شرع التعدد، {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}[النساء:129]، ومع ذلك شرع التعدد، لكن {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْل} الآية.

"الصِّدِّيقُ كَاتِبُ سُلَيْمَانَ، وَذَلِكَ أَنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا فُتِنَ سَقَطَ الْخَاتَمُ مِنْ يَدِهِ وَكَانَ فِيهِ مُلْكُهُ، فَأَعَادَهُ إِلَى يَدِهِ فَسَقَطَ فَأَيْقَنَ بِالْفِتْنَةِ، فَقَالَ لَهُ آصِفُ: إِنَّكَ مَفْتُونٌ، وَلِذَلِكَ لَا يَتَمَاسَكُ فِي يَدِكَ، فَفِرَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى تَائِبًا مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَا أَقُومُ مَقَامَكَ فِي عَالَمِكَ إِلَى أَنْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَلَكَ مِنْ حِينِ فُتِنْتَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا. فَفَرَّ سُلَيْمَانُ هَارِبًا إِلَى رَبِّهِ، وَأَخَذَ آصِفُ الْخَاتَمَ فَوَضَعَهُ فِي يَدِهِ فَثَبَتَ، وَكَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ. وَقَامَ آصِفُ فِي مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَعِيَالِهِ، يَسِيرُ بِسَيْرِهِ وَيَعْمَلُ بِعَمَلِهِ، إِلَى أَنْ رَجَعَ سُلَيْمَانُ إِلَى مَنْزِلِهِ تَائِبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ مُلْكَهُ، فَأَقَامَ آصِفُ فِي مَجْلِسِهِ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ وَأَخَذَ الْخَاتَمَ. وَقِيلَ: إِنَّ الْجَسَدَ كَانَ سُلَيْمَانَ نَفْسَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا حَتَّى صَارَ جَسَدًا. وَقَدْ يُوصَفُ بِهِ الْمَرِيضُ الْمُضْنَى، فَيُقَالُ: كَالْجَسَدِ الْمُلْقَى".

الْمُضْنَى: المتعب.

"وَقَدْ يُوصَفُ بِهِ الْمَرِيضُ الْمُضْنَى فَيُقَالُ: كَالْجَسَدِ الْمُلْقَى.

صِفَةُ كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ وَمُلْكِهِ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ".

يعني كلام آصف هذا لسليمان، قوله: إنك مفتون، وفر إلى الله -جلّ وعلا-، ولا شك أن ما عند آصف إذا كان من أتباع سليمان أنه أوتيه من قِبْل سليمان، إنما أعطيه من قِبْل سليمان، إن كان أمرًا شرعيًّا، فالمرد فيه إلى سليمان -عليه السلام- لا لآصف هذا، وإن كان من باب المشورة فمن أصفياء الأنبياء وحواريهم من يشيرون إليهم، هذا إن كان من باب المشورة، وأنك افعل كذا من باب أنه أفضل وأحسن، لا على جهة الحكم الشرعي، وإنما من باب المشورة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- استشار قومه، وجاء الأمر {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران:159].

طالب:.....

ثم فسَّره فيما بعد بأن سليمان نفسه ما مرض.

طالب:.....

لكنها تتشكل، تتشكل.

طالب:.....

لكن مادام تشكل ورُئي في شكل إنسان أو على أي هيئةٍ كانت لا شك أنه يمكن وصفه بذلك، نعم.

طالب:.....

قراءته وتفسيره، يعني لا يسترسل في مثل هذه القصص والأخبار التي لم تثبت، فقراءتها وتفسيرها.

"رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ سُلَيْمَانُ يُوضَعُ لَهُ سِتُّمِائَةِ كُرْسِيٍّ، ثُمَّ يَجِيءُ أَشْرَافُ النَّاسِ فَيَجْلِسُونَ مِمَّا يَلِيهِ، ثُمَّ يَأْتِي أَشْرَافُ الْجِنِّ فَيَجْلِسُونَ مِمَّا يَلِي الْإِنْسَ، ثُمَّ يَدْعُو الطَّيْرَ فَتُظِلُّهُمْ، ثُمَّ يَدْعُو الرِّيحَ فَتُقِلُّهُمْ، وَتَسِيرُ بِالْغَدَاةِ الْوَاحِدَةِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ.

وَقَالَ وَهْبٌ وَكَعْبٌ وَغَيْرُهُمَا: إِنَّ سُلَيْمَانَ-عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمَّا مَلَكَ بَعْدَ أَبِيهِ، أَمَرَ بِاتِّخَاذِ كُرْسِيٍّ لِيَجْلِسَ عَلَيْهِ لِلْقَضَاءِ، وَأَمَرَ أَنْ يُعْمَلَ بَدِيعًا مَهُولًا بِحَيْثُ إِذَا رَآهُ مُبْطِلٌ أَوْ شَاهِدُ زُورٍ ارْتَدَعَ وَتَهَيَّبَ، فَأَمَرَ أَنْ يُعْمَلَ مِنْ أَنْيَابِ الْفِيَلَةِ مُفَصَّصَةٍ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، وَأَنْ يُحَفَّ بِنَخِيلِ الذَّهَبِ، فَحُفَّ بِأَرْبَعِ نَخَلَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ، شَمَارِيخُهَا الْيَاقُوتُ الْأَحْمَرُ وَالزُّمُرُّدُ الْأَخْضَرُ، عَلَى رَأْسِ نَخْلَتَيْنِ مِنْهُمَا طَاوُسَانِ مِنْ ذَهَبٍ، وَعَلَى رَأْسِ نَخْلَتَيْنِ نِسْرَانِ مِنْ ذَهَبٍ بَعْضُهَا مُقَابِلٌ لِبَعْضٍ، وَجَعَلُوا مِنْ جَنْبَيِ الْكُرْسِيِّ أَسَدَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، عَلَى رَأْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمُودٌ مِنَ الزُّمُرُّدِ الْأَخْضَرِ. وَقَدْ عَقَدُوا عَلَى النَّخَلَاتِ أَشْجَارُ كُرُومٍ مِنَ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ، وَاتَّخَذُوا عَنَاقِيدَهَا مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ، بِحَيْثُ أَظَلَّ عَرِيشُ الْكُرُومِ النَّخْلَ وَالْكُرْسِيَّ. وَكَانَ سُلَيْمَانُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِذَا أَرَادَ صُعُودَهُ وَضَعَ قَدَمَيْهِ عَلَى الدَّرَجَةِ السُّفْلَى، فَيَسْتَدِيرُ الْكُرْسِيُّ كُلُّهُ بِمَا فِيهِ دَوَرَانُ الرَّحَى الْمُسْرِعَةِ، وَتَنْشُرُ تِلْكَ النُّسُورُ وَالطَّوَاوِيسُ أَجْنِحَتَهَا، وَيَبْسُطُ الْأَسَدَانِ أَيْدِيَهُمَا، وَيَضْرِبَانِ الْأَرْضَ بِأَذْنَابِهِمَا. وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ فِي كُلِّ دَرَجَةٍ يَصْعَدُهَا سُلَيْمَانُ، فَإِذَا اسْتَوَى بِأَعْلَاهُ أَخَذَ النِّسْرَانِ اللَّذَانِ عَلَى النَّخْلَتَيْنِ تَاجَ سُلَيْمَانَ فَوَضَعَاهُ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ يَسْتَدِيرُ الْكُرْسِيُّ بِمَا فِيهِ، وَيَدُورُ مَعَهُ النِّسْرَانِ وَالطَّاوُسَانِ وَالْأَسَدَانِ مَائِلَانِ بِرُءُوسِهِمَا إِلَى سُلَيْمَانَ، وَيَنْضَحْنَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْوَافِهِنَّ الْمِسْكَ وَالْعَنْبَرَ، ثُمَّ تُنَاوِلُهُ حَمَامَةٌ مِنْ ذَهَبٍ قَائِمَةٌ عَلَى عَمُودٍ مِنْ أَعْمِدَةِ الْجَوَاهِرِ فَوْقَ الْكُرْسِيِّ التَّوْرَاةَ، فَيَفْتَحُهَا سُلَيْمَانُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَيَقْرَأُهَا عَلَى النَّاسِ، وَيَدْعُوهُمْ إِلَى فَصْلِ الْقَضَاءِ. قَالُوا: وَيَجْلِسُ عُظَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى كَرَاسِيِّ الذَّهَبِ الْمُفَصَّصَةِ بِالْجَوَاهِرِ، وَهِيَ أَلْفُ كُرْسِيٍّ عَنْ يَمِينِهِ، وَيَجْلِسُ عُظَمَاءُ الْجِنِّ عَلَى كَرَاسِيِّ الْفِضَّةِ عَنْ يَسَارِهِ، وَهِيَ أَلْفُ كُرْسِيٍّ، ثُمَّ تَحُفُّ بِهِمُ الطَّيْرُ تُظِلُّهُمْ، وَيَتَقَدَّمُ النَّاسُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ. فَإِذَا تَقَدَّمَتِ الشُّهُودُ لِلشَّهَادَاتِ، دَارَ الْكُرْسِيُّ بِمَا فِيهِ وَعَلَيْهِ دَوَرَانَ الرَّحَى الْمُسْرِعَةِ، وَيَبْسُطُ الْأَسَدَانِ أَيْدِيَهُمَا وَيَضْرِبَانِ الْأَرْضَ بِأَذْنَابِهِمَا، وَيَنْشُرُ النِّسْرَانِ وَالطَّاوُوسَانِ أَجْنِحَتَهُمَا، فَتَفْزَعُ الشُّهُودُ فَلَا يَشْهَدُونَ إِلَّا بِالْحَقِّ".

النسران، والطاوسان، نون المثنى.

"وَيَنْشُرُ النِّسْرَانِ وَالطَّاوُوسَانِ أَجْنِحَتَهُمَا، فَتَفْزَعُ الشُّهُودُ فَلَا يَشْهَدُونَ إِلَّا بِالْحَقِّ. وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي كَانَ يَدُورُ بِذَلِكَ الْكُرْسِيِّ تِنِّينٌ مِنْ ذَهَبٍ ذَلِكَ الْكُرْسِيُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ عَظْمٌ مِمَّا عَمِلَهُ لَهُ صَخْرٌ الْجِنِّيُّ".

وهو ماذا؟ عظيم، عظيم.

"وَهُوَ عَظْيمٌ مِمَّا عَمِلَهُ لَهُ صَخْرٌ الْجِنِّيُّ، فَإِذَا أَحَسَّتْ بِدَوَرَانِهِ تِلْكَ النُّسُورُ وَالْأُسْدُ وَالطَّوَاوِيسُ الَّتِي فِي أَسْفَلِ الْكُرْسِيِّ إِلَى أَعْلَاهُ دُرْنَ مَعَهُ، فَإِذَا وَقَفْنَ وَقَفْنَ كُلُّهُنَّ عَلَى رَأْسِ سُلَيْمَانَ، وَهُوَ جَالِسٌ، ثُمَّ يَنْضَحْنَ جَمِيعًا عَلَى رَأْسِهِ مَا فِي أَجْوَافِهِنَّ مِنَ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ سُلَيْمَانُ بَعَثَ بُخْتُنَصَّرُ فَأَخَذَ الْكُرْسِيَّ فَحَمَلَهُ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، فَأَرَادَ أَنْ يَصْعَدَ إِلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ كَيْفَ يَصْعَدُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَضَعَ رَجُلَهُ ضَرَبَ الْأَسَدُ رِجْلَهُ فَكَسَرَهَا، وَكَانَ سُلَيْمَانُ إِذَا صَعِدَ وَضَعَ قَدَمَيْهِ جَمِيعًا. وَمَاتَ بُخْتُنَصَّرُ وَحُمِلَ الْكُرْسِيُّ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ قَطُّ مَلِكٌ أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَدْرِ أَحَدٌ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ، وَلَعَلَّهُ رُفِعَ".

أما الآية فتثبت أن سليمان له كرسي، وأنه كرسي لائق بمن جمع الله له بين المُلك والنبوة، فالزيادة على ذلك تحتاج إلى نص، وما ذكر من هذه التفاصيل، وإن تتابع على ذكرها المفسرون بما فيهم الإمام الحافظ الناقل ابن كثير -رحمه الله- هذا ما يلزم قبوله.

 وقد يقول قائل: لماذا لا يكون لنبينا -عليه الصلاة والسلام- وهو أعظم من سليمان مثل هذه الأمور المفصلة التي تدل على عظم ملك سليمان -عليه السلام-؟

 قلنا: النبي -عليه الصلاة والسلام- اختار أن يكون عبدًا رسولاً، ولم يختر الملك، فصار في عيشته على ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- في صحيح السنة، وأنه يجوع يومًا ويشبع يومًا، وينام على الأرض، ينام على الحصير الذي يؤثر في جنبه، كل هذا ليُدخر له عمله كاملاً يوم القيامة، -عليه الصلاة والسلام-، وأن ما ذكر عن كرسي سليمان، هو مما أثر عن بني إسرائيل، على أن فيه ما فيه من ذكر التماثيل، ذكر التصاوير المجسمة التي أجمع العلماء على تحريمها، إلا أن هذا في شرعنا، ولا ندري ما حكمها في شرعهم.

طالب:.....

قالوا: إن العجل، العجل الذي له خوار، ماذا؟

طالب:....

على كل حال هناك أمور لا تُدرك بالعقل، يعني إن صح بها النقل، وإلا فالأصل عدمها.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَنَابَ}؛ أَيْ رَجَعَ إِلَى اللَّهِ وَتَابَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى:{ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي}؛ أَيِ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} يُقَالُ: كَيْفَ أَقْدَمَ سُلَيْمَانُ عَلَى طَلَبِ الدُّنْيَا، مَعَ ذَمِّهَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَبُغْضِهِ لَهَا، وَحَقَارَتِهَا لَدَيْهِ؟".

لكن قد يقول قائل: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} إن هذا فيه نوع من أنواع الحسد، أنه خلاص ملكه لا يمكن أن يحصل لأحد، الله -جلّ وعلا- أجاب دعاءه، وامتثل النبي -عليه الصلاة والسلام- ما تضمنته هذه الدعوة، كما في الحديث الصحيح، «أنه أراد أن يوثق الجني  ليراه الناس بالمدينة، تذكر دعوة سليمان فتركه». يقول: كيف أقدم سليمان على طلب الدنيا؟ {وَهَبْ لِي مُلْكًا}، طلب دنيا، {لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}، هب لي ملكًا؛ قد يكون طلب الملك في الأصل مذمومًا؛ لأنه مذلة قدم، ما كل أحد يتخلص منه، لكنه مع العصمة يمكن التخلص منه، النبوة مع الملك إذا سمعت، ترتبت الآثار وانتفت المفاسد، وسليمان نبي معصوم وإلا فغيره لا يليق به أن يطلب الملك؛ لأن الملك مذلة قدم، عبد الرحمن بن سمرة، لا تطلبوا الإمارة، وجاء في وصفها أنها "نعمة المرضعة، وبئست الفاطمة"، فطلبه لها من هذه الحيثية، لكن كونه لا ينبغي لأحد من بعدي، يريد أن يختص بهذا الملك العظيم الذي لا يكون لأحد من بعده، للعلماء فيه كلام، وسيأتي.

طالب:.....

ويبقي تأويله وتفسيره، يبقى، هذه فتنة، هذه فتنة، وهذه علامتها ودلالتها، ثم بعد ذلك رجع وتاب إلى الله -جلّ وعلا-.

طالب:......

ما فيه إلا قصة وطأه للنساء، لكن إلقاء هذا الشخص، أو هذا الشق من الولد على كرسيه، لكن هل يتعين تفسير لهذه الآية؟ لأنه قد يرد في الكتاب شيء، ويرد في السنة ما يمكن أن يفسر به، ما يمكن، فهل نجزم أن مراد الله -جلّ وعلا- من هذه الآية ما جاء في السنة مما لا يتعين تفسيره به، بل يمكن، فلو كان غير التعيين، بل نجزم بأنه هو المراد نحتاج إلى توقيع.

طالب:......

ما نقول إنه أصح شيء في أنه هو المراد بالآية، نقول: هذا صحيح بلا شك، ثابت في الصحيحين وغيرهما، وهذا بمنطوق القرآن أيضًا ثابت، والتوفيق بينهما، وأن مراد الله -جلّ وعلا- هو ما ثبت في هذه القصة، هذا يحتاج إلى تنصيص.

طالب:......

نعم يقدم كثير من الأخيار على طلب الوظائف والأعمال من أجل خدمة الدين وخدمة أهله، وتخفيف الشر بقدر الإمكان، الأمور بمقاصدها، لكن ألزم ما على الإنسان نفسه؛ لأنه مذلة قدم، ولذلك تورع السلف عن هذه الأعمال.

"فَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَدَاءِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَسِيَاسَةِ مُلْكِهِ، وَتَرْتِيبِ مَنَازِلِ خَلْقِهِ، وَإِقَامَةِ حُدُودِهِ، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى رُسُومِهِ، وَتَعْظِيمِ شَعَائِرِهِ، وَظُهُورِ عِبَادَتِهِ، وَلُزُومِ طَاعَتِهِ، وَنُظُمِ قَانُونِ الْحُكْمِ النَّافِذِ عَلَيْهِمْ مِنْهُ، وَتَحْقِيقِ الْوُعُودِ فِي أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ حَسَبَ مَا صَرَّحَ بِذَلِكَ لِمَلَائِكَتِهِ فَقَالَ: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} وَحَاشَا سُلَيْمَانُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُ طَلَبًا لِنَفْسِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ وَالْأَنْبِيَاءُ أَزْهَدُ خَلْقِ اللَّهِ فِيهَا، وَإِنَّمَا سَأَلَ مَمْلَكَتَهَا لِلَّهِ، كَمَا سَأَلَ نُوحٌ دَمَارَهَا وَهَلَاكَهَا لِلَّهِ، فَكَانَا مَحْمُودَيْنِ مُجَابَيْنِ إِلَى ذَلِكَ، فَأُجِيبَ نُوحٌ فَأُهْلِكَ مَنْ عَلَيْهَا، وَأُعْطِيَ سُلَيْمَانُ الْمَمْلَكَةَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ -جَلَّ وَعَزَّ- عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَضْبِطُهُ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ دُونَ سَائِرِ عِبَادِهِ، أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ مُلْكًا عَظِيمًا فَقَالَ: {لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ".

يعني سبق لسانه إلى {لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}، وكان مراده أن يقول: ملكًا عظيمًا، يعني ولو أعطي غيره مثله، ولو أعطي غيري مثله، لكن هذا الكلام فيه بعد، كلام لا يمكن حمل كلام الله عليه.

" ثُمَّ قَالَ لَهُ: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} قَالَ الْحَسَنُ: مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَلِلَّهِ عَلَيْهِ تَبِعَةٌ فِي نِعَمِهِ غَيْرَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَإِنَّهُ قَالَ: هَذَا عَطَاؤنَا الْآيَةَ.

قُلْتُ: وَهَذَا يَرُدُّ مَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ: إِنَّ آخِرَ الْأَنْبِيَاءِ دُخُولًا الْجَنَّةَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِمَكَانِ مُلْكِهِ فِي الدُّنْيَا. وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْقُوتِ، وَهُوَ حَدِيثٌ لَا أَصْلَ لَهُ".

صاحب القوت، أبو طالب المكي، "قوت القلوب"، الذي هو أصل إحياء علوم الدين وغيره من كتب التصوف. سؤال الوظيفة، أو الإمارة، أو القضاء، أو ما أشبه ذلك إذا كان فيه من التبعات ما فيه مما جعل السلف يتورعون عنه وجاءت النصوص بالتحذير منه، هذا إذا كان القاضي أو الحاكم نيته صالحه ولا مؤثر عليه مما يؤثر في العمل شيء من المخالفات؛ لأن الأعمال كانت كلها صافية بيد المسلمين، يحكم منهم من يحكم بمقتضى شرع الله، ولا نعقب عليه، وقد يحكم الإنسان بهوى، وقد يحكم برشوة، وإثمه عليه، ولا أحد ملزم له لهذا، لكن الآن اختلطت الأمور، وكثيرٌ من الأعمال مشتملة على كثير من المنكرات، فتجد هذا العمل فيه من شرع الله، وفيه من غيره.

 فالاشتراك مثلاً في البرلمانات، في البلدان التي لا تحكم بشرع الله، ويوجد فيها من المسلمين من يوجد، ويريد أن يدخل في هذه الأعمال ويزاحم ويقلد الشر بقدر الإمكان هل له ذلك؟

 لا ليس له ذلك، هذه أمور من عضل المسائل، وإذا عرفنا أن الإنسان ألزم ما عليه نفسه، فعليه أن يجتنب هذه الأعمال؛ لأنه يقحم في أمور تصدر قرارات مخالفه لشرع الله، وإن تحفَّظ عليها، لكنه يُوصل إلى بعض ما يراد من طريقه، هذه مشكلة، وتشرع مثل هذه الأعمال بوجود فلان، العالم الفلاني، الشيخ الفلاني، وما أشبه ذلك، هذه أمور حقيقة موجودة في الساحات اليوم، ويسأل عنها باستمرار فهل تقبل أو لا تقبل؟ هل يترك المجال للأشرار مائة بالمائة؟ أو يزاحمهم الأخيار فيخففوا من الشر؟

هذه أمور حقيقة جديرة بالعناية، وأهل العلم قد ينصحون بعض الناس بالدخول في بعض الأشياء؛ لأنه يستطيع التأثير ولا يتأثر، وبعض الناس ينصح أن لا يدخل فيها؛ لاحتمال أن يتأثر، وتتغير حاله وتزداد سوءً، الشيخ محمد رشيد رضا في فتاويه سئل من قبل بعض علماء الهند، بعض علماء الهند، حينما كانت الهند تابعة لبريطانيا، تابعة للانجليز، والحكم بغير ما أنزل الله معروف، فطلب قضاة، فقال بعض العلماء من المسلمين: هل ندخل في سلك القضاء والحكم حكم بغير ما أنزل الله، والحاكم كافر؟ أو لا ندخل؟ كان الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-  قال: ادخلوا وخففوا الشر بقدر الإمكان.

 ولا شك أن هذه وجهة نظر، يعني قد يوصى بها بعض الناس، ويضطر هذا في بعض القنوات مثلاً، قد يقول قائل: أنا عندي من العلم ما لا أستطيع تبليغه لبعض الناس وبعض الشرائح إلا من قِبْل هذه القنوات، كيف؟ هذه القنوات تنشر السموم، تنشر الشر، تنشر الفجور، الشهوات، الشبهات، يقول: أنا ما لي دخل بهذه الأمور، إنما أريد أن أوصل الحق الذي معي إلى أُناس لا يأتون إلى المساجد ولا إلى الدروس، ولا ينظرون إلى القنوات التي أحسن منها، فتجد من أهل العلم من يتساهل في مثل هذه الأمور، ويقول: ندخل نخفف الشر، ونوصل الخير، لكن إذا عرفنا أن الأصل أن الإنسان يلزمه أن يدفع عن نفسه قبل غيره، وأن يسعي في خلاص نفسه قبل غيره، عليه أن يسعى في خلاص نفسه قبل غيره، وحين عليه أن ينكف عن هذه الأمور؛ لأنه ما الذي يضمن أن يفتن؟ ما الذي يضمن أن يفتن؟ وتتدرج هذه الأمور إلى أن تصل إلى مسألة العزلة والخلطة والدخول على الأمراء والوجهاء والأعيان، مما يُخشى عليه من التأثير أو عدم الدخول عليهم.

 هذه مسائل لا شك أن السلف كانوا يتحرجون منها كثيرًا، وقبل سبعمائة سنة كان المرجح عند أهل العلم العزلة، قالوا: لعدم خلو المحافل عن المنكرات، يعني هذا في وقتهم، لكن لمن يترك الأمر؟ والتفصيل هو الصحيح؛ يعني من استطاع التأثير بحيث لا يتأثر بحال من الأحوال عليه أن يخالط، والذي لا يستطيع التأثير ويُخشى عليه من التأثر لا يجوز له أن يخالط، وأما بالنسبة للقنوات والآلات والمستحدثات، فأنا بالنسبة لي شخصيًّا لا يمكن أن أشارك فيها، ولا يمكن أن أفتي أحدًا أن يشارك فيها، وقد يوجد من يُفتيه، ويوجد من الكبار من لا يقتحمها، ولا يشارك فيها، لكنه لا يمنع من المشاركة فيها من باب تخفيف الشر، والله المستعان. لكن مثل ما ذكرنا سابقًا كررناه مرارًا أن الإنسان عليه أن يسعى في خلاص نفسه، وأن يحسب لما يريد أن يفعله ألف حساب، وأن ينظر في الآثار المترتبة على ذلك.

 يعني على سبيل المثال، يعني من أسلم القنوات الآن قناة المجد، من أهل العلم من قال لي: لماذا لا تخرج؛ لأنه يشاهدها الملايين من الناس؟ ومنهم من قال لي: إن خروجك في الدروس الصوتية فتنة لكثير من الناس، يشترون المجد من أجلك، ووجهات النظر متباينة جدًّا، ومع ذلك على الإنسان أن ينظر إلى نفسه وفي ترتيبه، وعليه أن يسعى في خلاصه، وما كنا نرى مثل هذه المحدثات لا المكبرات ولا غيرها. الآن توسع الناس، وصاروا يصورون دروسًا علمية وحلقات تحفيظ وغيرها، يعني دخلت هذه المحدثات في عمق الدين والأمور الشرعية، حتى إنهم الآن يحاولون في الخطبة بالجوال، والقراءة في الصلاة تكون معروضة أمامه، بواسطة البروجتور أو ما أدري إيش، هذا إحداث في الدين، يعني هذه عبادات محضة، هذه عبادات محضة لا يجوز الإحداث فيها بحال، والله المستعان.

 فالتوسع بهذه الكيفية غير مرضي أصلاً، وإن كانت وجهات النظر تتباين، بعضهم في أقصي اليمين، وبعضهم في أقصى الشمال، لكن الخير في الوسط، والله المستعان.

"وَهُوَ حَدِيثٌ لَا أَصْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ إِذَا كَانَ عَطَاؤهُ لَا تَبِعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْمِنَّةِ، فَكَيْفَ يَكُونُ آخِرَ الْأَنْبِيَاءِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}؟ وَفِي الصَّحِيحِ".

كأن من ذكر هذا الخبر، يعني نظر إلى ما جاء في أن «الفقراء يدخلون قبل الأغنياء بخمسمائة عام»، «بمائة وعشرين عامًا»، «بسبعين عامًا»، «بأربعين عامًا»، وصنف -سليمان عليه السلام- من الأغنياء من هذه الفئة وغيرهم من الأنبياء من يحشر في زمرة المساكين، نعم، من يحشر في زمرة المساكين، وأنه بناءً على ما جاء في دخول الأغنياء والفقراء مما يشمل الأنبياء وغيرهم، كأن هذا هو السبب الذي جعل هذا يقول مثل هذا الكلام، أن سليمان يدخل بعد الأنبياء باعتباره غنيًّا وملكًا، وعنده من أبهات الملك، وسخر له كل شيء، أنه يتأخر دخوله الجنة عن غيره من الأنبياء ممن هم في عداد المساكين.

 على كل حال العبرة بما يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- المعصوم، ومثل هذا لا يثبت لا أصل فيه.

طالب:......

لا، هو يتميز سليمان؛ لأنه لما أُعطي العطاء قيل له: {فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ}؛ يعني أمر المال إليك، تصرف فيه كيفما شئت، أعطي من شئت وأحرم من شئت، من هذه الحيثية.

" وَفِي الصَّحِيحِ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعَوْتَهُ...»: الْحَدِيثُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فَجَعَلَ لَهُ مِنْ قَبْلِ السُّؤَالِ حَاجَةً مَقْضِيَّةً، فَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ تَبِعَةٌ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} أَيْ: أَنْ يَسْأَلَهُ. فَكَأَنَّهُ سَأَلَ مَنْعَ السُّؤَالِ بَعْدَهُ، حَتَّى لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ أَمَلُ أَحَدٍ، وَلَمْ يَسْأَلْ مَنْعَ الْإِجَابَةِ.

وَقِيلَ: إِنَّ سُؤَالَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ؛ لِيَكُونَ مَحَلُّهُ وَكَرَامَتُهُ مِنَ اللَّهِ ظَاهِرًا فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- لَهُمْ تَنَافُسٌ فِي الْمَحَلِّ عِنْدَهُ، فَكُلٌّ يُحِبُّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خُصُوصِيَّةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَحَلِّهِ عِنْدَهُ، وَلِهَذَا لَمَّا أَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعِفْرِيتَ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَأَمْكَنَهُ اللَّهُ مِنْهُ، أَرَادَ رَبْطَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ قَوْلَ أَخِيهِ سُلَيْمَانَ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} فَرَدَّهُ خَاسِئًا. فَلَوْ أُعْطِيَ أَحَدٌ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ذَهَبَتِ الْخُصُوصِيَّةُ، فَكَأَنَّهُ كَرِهَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُزَاحِمَهُ فِي تِلْكَ الْخُصُوصِيَّةِ، بَعْدَ أَنْ عَلِمَ أَنَّهُ شَيْءٌ هُوَ الَّذِي خُصَّ بِهِ مِنْ سُخْرَةِ الشَّيَاطِينِ، وَأَنَّهُ أُجِيبَ إِلَى أَلَّا يَكُونَ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

وبهذا يُستدل على أنه لا يجوز الاستعانة بالجن بحال من الأحوال، لا بطرق شرعية ولا غير شرعية، لا يجوز أن يُستعان بهم في شيء، ويكثر السؤال عن هذا، ويقال: إننا إذا رقينا من به مس، وتكلم الجني، سألناه عن بعض الأشياء الضارة كالمخدرات وغيرها فيخبرنا، نقول: لا يجوز الاستفادة منهم بحال؛ لأن الإفادة من هؤلاء الشياطين إنما هي من خواص سليمان -عليه السلام-، وأيضًا سد الذريعة الموصلة للشرك، قد يكون الشيطان يعين بغير مقدمات، ومن غير تقديم، لكن الإنسان إذا تورَّط وصار يتعامل معهم، ثم رفضوا التعاون معه إلا بما يقدم لهم مما يشرك به مع الله -جلّ وعلا- أنه إذا وصل إلى منتصف الطريق فإنه يصعب عليه الرجوع.

 راقٍ من الرقاة يقول: أنه أحترق على يديه سبعون مملكة من الشياطين، وأنه مشى على يديه أكثر من مائة مقاتل، وأنه كذا، وكذا، وأنه يستفيد منهم، لكن هؤلاء لو انسحبوا من إفادته من منتصف الطريق، فلا بد أن يستمر معهم ولو طُلب منه ما طلب؛ فهو يُستدرج، يُستدرج شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى حد الشرك، وقد وقع في مثل هذا وغيره.

 المقصود أن هذا الباب لا بد من إيصاده، وهم عالم مجهول، لا يدرى صادقهم من كاذبهم، والأصل أنهم مجاهيل، "وإذا وجد الجهالة فلا عدالة".

طالب: يصير عند السحرة وكذا ما يسمونه خاتم سليمان، فهل يستطيع أن يتحكم فيه؟

كذبوا، كذبوا، كذبوا، دجاجلة هؤلاء.

طالب: لكن هل من أصل الخاتم أنه يتحكم به؟

لا، لا، الملك لسليمان، الملك لسليمان، قد يكون انتظامه أو عدم انتظامه مرتبط بهذا الخاتم، هذا شيء ثانٍ، لكنه بوجود سليمان.

طالب:.....

هذا كله من الدجل، نعم. 

طالب:.....

هذا شرك، هذا شرك أكبر، هذا مقصود نعم، بناءً على هذه الخرافات. 

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً}؛ أَيْ لَيِّنَةً مَعَ قُوَّتِهَا وَشِدَّتِهَا حَتَّى لَا تَضُرَّ بِأَحَدٍ، وَتَحْمِلَهُ بِعَسْكَرِهِ وَجُنُودِهِ وَمَوْكِبِهِ. وَكَانَ مَوْكِبُهُ فِيمَا رُوِيَ فَرْسَخًا فِي فَرْسَخٍ، مِائَةَ دَرَجَةٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، كُلُّ دَرَجَةٍ صِنْفٌ مِنَ النَّاسِ، وَهُوَ فِي أَعْلَى دَرَجَةٍ مَعَ جَوَارِيهِ وَحَشَمِهِ وَخَدَمِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.

وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ إِدْرِيسَ بْنِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كَانَ لِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَلْفُ بَيْتٍ، أَعْلَاهُ قَوَارِيرُ، وَأَسْفَلُهُ حَدِيدٌ، فَرَكِبَ الرِّيحَ يَوْمًا فَمَرَّ بِحَرَّاثٍ فَنَظَرَ إِلَيْهِ الْحَرَّاثُ فَقَالَ: لَقَدْ أُوتِيَ آلُ دَاوُدَ مُلْكًا عَظِيمًا، فَحَمَلَتِ الرِّيحُ كَلَامَهُ فَأَلْقَتْهُ فِي أُذُنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ فَنَزَلَ حَتَّى أَتَى الْحَرَّاثَ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ قَوْلَكَ، وَإِنَّمَا مَشَيْتُ؛ إِلَيْكَ لِئَلَّا تَتَمَنَّى مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ، لَتَسْبِيحَةٌ وَاحِدَةٌ يَقْبَلُهَا اللَّهُ مِنْكَ لَخَيْرٌ مِمَّا أُوتِيَ آلُ دَاوُدَ. فَقَالَ الْحَرَّاثُ: أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّكَ كَمَا أَذْهَبْتَ هَمِّي.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {حَيْثُ أَصَابَ} أَيْ أَرَادَ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَصَابَ الصَّوَابَ، وَأَخْطَأَ الْجَوَابَ. أَيْ: أَرَادَ الصَّوَابَ وَأَخْطَأَ الْجَوَابَ، قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ.

 وَقَالَ الشَّاعِرُ:

أصاب الكلام فلم يستطع           فأخطا الجواب لدى المفصل

 

وَقِيلَ: أَصَابَ أَرَادَ بِلُغَةِ حِمْيَرَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ بِلِسَانِ هَجَرَ. وَقِيلَ: حَيْثُ أَصَابَ: حِينَمَا قَصَدَ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ إِصَابَةِ السَّهْمِ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ.

{وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ}، أَيْ وَسَخَّرْنَا لَهُ الشَّيَاطِينَ، وَمَا سُخِّرَتْ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ. "كُلَّ بَنَّاء" بَدَلٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ، أَيْ: كُلَّ بَنَّاءٍ مِنْهُمْ، فَهُمْ يَبْنُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ. قَالَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ:

إِلَّا سُلَيْمَانَ إِذْ قَالَ الْإِلَهُ لَهُ
 

قُمْ فِي الْبَرِيَّةِ فَاحْدُدْهَا عَنِ الْفَنَدِ
 

وَخَيِّسِ الْجِنَّ إِنِّي قَدْ أَذِنْتُ لَهُمْ
 

يَبْنُونَ تَدْمُرَ بِالصُّفَّاحِ وَالْعُمُدِ
 

"وَغَوَّاصٍ" يَعْنِي فِي الْبَحْرِ يَسْتَخْرِجُونَ لَهُ الدُّرَّ. فَسُلَيْمَانُ أَوَّلُ مَنِ اسْتُخْرِجَ لَهُ اللُّؤْلُؤ مِنَ الْبَحْرِ. {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} أَيْ وَسَخَّرْنَا لَهُ مَرَدَةَ الشَّيَاطِينِ حَتَّى قَرَنَهُمْ فِي سَلَاسِلِ الْحَدِيدِ وَقُيُودِ الْحَدِيدِ، قَالَ قَتَادَةُ. وَقَاَلَ السُّدِّيُّ: الْأَغْلَالُ. ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي وَثَاقٍ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

فَآبَوْا بِالنِّهَابِ وَبِالسَّبَايَا
 

وَأُبْنَا بِالْمُلُوكِ مُصَفَّدِينَا"
  

فآبوا، يعني رجعوا.

"قَالَ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ: وَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا بِكُفَّارِهِمْ، فَإِذَا آمَنُوا أَطْلَقَهُمْ وَلَمْ يُسَخِّرْهُمْ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَذَا عَطَاؤُنَا} الْإِشَارَةُ بِهَذَا إِلَى الْمُلْكِ، أَيْ: هَذَا الْمُلْكُ عَطَاءُنَا فَأَعْطِ مَنْ شِئْتَ أَوِ امْنَعْ مَنْ شِئْتَ لَا حِسَابَ عَلَيْكَ، عَنِ الْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الْحَسَنُ: مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى أَحَدٍ نِعْمَةً إِلَّا عَلَيْهِ فِيهَا تَبِعَةٌ إِلَّا سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.

وَقَالَ قَتَادَةُ: الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا عَطَاؤُنَا إِلَى مَا أُعْطِيَهُ مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى الْجِمَاعِ، وَكَانَتْ لَهُ ثَلَاثُمِائَةِ امْرَأَةٍ وَسَبْعُمِائَةِ سُرِّيَّةٍ، وَكَانَ فِي ظَهْرِهِ مَاء مِائَةِ رَجُلٍ، رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمَعْنَاهُ فِي الْبُخَارِيِّ".

رجوع الضمير إلى المذكور، وهو الملك، وما سخر له.

"وَعَلَىَ هَذَا؛ فَامْنُنْ مِنَ الْمَنِيِّ، يُقَالُ: أَمْنَى يُمْنِي وَمَنَى يَمْنِي لُغَتَانِ، فَإِذَا أَمَرْتَ مَنْ".

مِنْ، فإذا أمرت يعني من الفعل أمنى.

" فَإِذَا أَمَرْتَ مِنْ أَمْنَى قُلْتَ: أَمْنِ، وَيُقَالُ: مِنْ مَنَى يَمْنِي فِي الْأَمْرِ: امْنِ، فَإِذَا جِئْتَ بِنُونِ الْفِعْلِ نُونِ الْخَفِيفَةِ قُلْتَ: امْنُنْ. وَمَنْ ذَهَبَ بِهِ إِلَى الْمِنَّةِ قَالَ: مَنَّ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْأَمْرِ أَبْرَزَ النُّونَيْنِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُضَاعَفًا فَقَالَ امْنُنْ.

فَيُرْوَى فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ سَخَّرَ لَهُ الشَّيَاطِينَ، فَمَنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ وَالتَّخْلِيَةِ، وَمَنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ، قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ. وَعَلَى مَا رَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ: جَامِعْ مَنْ شِئْتَ مِنْ نِسَائِكَ، وَاتْرُكْ جِمَاعَ مَنْ شِئْتَ مِنْهُنَّ لَا حِسَابَ عَلَيْكَ. {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}؛ أَيْ إِنْ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا فَلَهُ عِنْدَنَا فِي الْآخِرَةِ قُرْبَةٌ وَحُسْنُ مَرْجِعٍ".

يعني ما صار ما أعطيه في الدنيا على حساب جزائه وثوابه بالآخرة.

 والله أعلم.

 وصلى الله على نبيه وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب:.....

خيِّث الجن؟

طالب: .....

 أي ذلِّل، نعم ذلِّلهم.