شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (026)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، والذي نستضيف فيه صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: كنا توقفنا مع الإخوة المستمعين الكرام حول شرحكم لحديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان» لعلنا نستكمل مع الإخوة المستمعين الكرام ما تبقى حول هذا الحديث.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ذكرنا في الحديث أن من أهل العلم من اجتهد في حصر هذه الشُّعَب، وتطَلَّبها من الكتاب والسنة، وحصل على العِدَّة المذكورة، وابن حجر -رحمه الله تعالى- أيضًا اجتهد، وذكر بعد أن قسمها إلى ما يتعلق بالقلب واللسان والجوارح، ثم ذكر الخصال المتعلقة بالقلب، ثم اللسان، ثم الجوارح، ولكن حقيقة بالنسبة لي أنا لا أرى مثل هذه الأعداد التي ليس فيها نص على أن هذا هو مراد النبي -عليه الصلاة والسلام- من حديثه، وذكرت -في الحلقة السابقة- أن الإبهام وعدم التوقيف في مثل هذه الأمور من مقاصد الشرع، وله نظائر كساعة الجمعة وليلة القدر، وإحصاء الأسماء الحسنى، وما أشبه ذلك، من أجل أن يجتهد الناس، ويحرصوا على تتبع هذه الشُّعَب كل شخص بنفسه، ويحرص على تدبر الكتاب من أجل أن يستخرج هذه الشُّعَب، ومثل ذلك تتبع ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ليجتهد ويعمل، كل هذا مما يبعث العمل عند المسلم، ولا يجعله يتَّكِل على غيره، كما أن ليلة القدر باستطاعته -عليه الصلاة والسلام- أن يقول: هي الليلة الفلانية، ولا يجعل الناس يجتهدون حتى بلغت الأقوال في ليلة القدر ما يقرب من خمسين قولاً لأهل العلم، ما يقرب من خمسين قولاً.

المقدم: مع أنها ثلاثين ليلة رمضان.

مع أن رمضان ثلاثين ليلة، والجماهير كلهم على أنها في العشر، التمسوها في العشر، في السبع الأواخر، ومع ذلكم بلغت الأقوال قرابة خمسين قولاً، كل هذا من أجل أن يجتهد الناس في تحصيل هذه الليلة عظيمة الأجر، على أن القاضي عياض -رحمه الله تعالى- يقول: ولا يقدح عدم معرفة ذلك على التفصيل في الإيمان، إذ أصول الإيمان وفروعه معلومة محقَّقة، والإيمان بأن هذا العدد واجب على الجملة، وتفصيل الأصول، وتعيينها على هذا العدد يحتاج إلى توقيف.

يقول الخطابي: هذه منحصرة في علم الله وعلم رسوله -صلى الله عليه وسلم-، موجودة في الشريعة على أن الشرع لم يوقفنا عليها، وذلك لا يضرنا في علمنا بتفاصيل ما كُلِّفْنا به، فما أمرنا بالعمل به عملنا، وما نهانا عنه انتهينا، وإن لم نُحِط بحصر أعداده. نَعَم، اعملوا وكل عمل أجره مُثْبَت موفور لصاحبه، ما لم يخدشه برياء أو غيره، والكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، لسنا بحاجة إلى مثل تتبع هذه الأشياء.

زاد مسلم في روايته: «أعلاها لا إله إلا الله، وأدنها إماطة الأذى عن الطريق» قال ابن حجر: وفي هذا إشارة إلى أن مراتبها متفاوتة، لا شك أنها متفاوتة، أين قول لا إله إلا الله أول واجب على المكلَّف، الكلمة التي يدخل بها المرء الإسلام «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» وبيْن إماطة الأذى عن الطريق؟! يجد المسلم ما يؤذي المارَّة فينحينه عن الطريق، لا شك أن هذه من شعب الإيمان، لكن أين هذا من قول لا إله إلا الله؟ يقول ابن حبان: والدليل على أن الإيمان أجزاء وشعب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في خبر عبد الله بن دينار: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله» فذكر جزءًا من أجزاء شعبه، هي كلها فرض على المخاطَبين في جميع الأحوال؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يقل: وإني رسول الله، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار، وما يشبه هذا من أجزاء هذه الشعبة، واقتَصر على ذكر جزء واحد منها، حيث قال: «أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله» فدل على أن سائر الأجزاء من هذه الشعبة كلها من الإيمان، ثم عطف فقال: «وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» فذكر جزءًا من أجزاء شعبه هي نفل كلها للمخاطَبين في كل الأوقات، فدل ذلك على أن سائر الأجزاء التي هي من هذه الشعبة، وكل جزءٍ من أجزاء الشعب التي بين الجزأين المذكورين في هذا الخبر اللذين هم من أعلى الإيمان وأدناها كله من الإيمان، فذكر الأعلى والأدنى وسكت عما بين الأعلى والأدنى.

قوله في الحديث: «والحياء شعبة من الإيمان» الشعبة القطعة والخَصلة والجزء، والحياء بالمد، قالوا في اللغة: تغيُّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، وقد يُطلَق على مجرد ترك الشيء بسبب، والترك إنما هو من لوازمه، الترك هو من لوازم الحياء، وليس هو الحياء، يقول الواحدي: قال أهل اللغة: الاستحياء من الحياة، واستحيا الرجل من قوة الحياء فيه لشدة علمه بمواقع العيب، قال: والحياء من قوة الحس ولطفه، لا شك أن الذي يستحيي هو الشخص الحساس، أما الشخص الذي لا يكترث، وليست لديه الحساسية المطلوبة شرعًا مثل هذا لا يستحيي، والاستحياء كما في قوله: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي} [سورة البقرة 26] هو بياءين كما هو معروف في لغة قريش، وإن كانت لغة تميم بياء واحدة، ولذا جاء في الحديث: «إذا لم تستحي» بياء «فاصنع ما شئت» لا بد من ذكر الياء؛ لأنه حذف واحدة وبقي واحدة للجازم، هذه لغة قريش، وأما مقتضى لغة تميم تقول: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» في الصحيح متن الحديث على لغة قريش: «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» والترجمة من صنيع الإمام البخاري على لغة تميم، باب «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» وهذه من اللطائف.

الحياء في الشرع خلُق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق. نقل النووي في شرحه عن الرسالة لأبي قاسم القشيري، وهي رسالة مشهورة معروفة عند أهل العلم، وإن كانت لا تَسْلَم من شيء من المخالفات التي يعتني بها بعض العباد والمتصوفة، لأبي قاسم القُشَيري عن الجُنَيد قال: رؤية الآلاء أي النِعم ورؤية التقصير فيتولد بينهما حالة تسمَّى الحياء، لا شك أن الذي يؤدي العمل على الوجه المطلوب لا يستحي، لكن إذا طُلِب منك عمل فقصَّرت فيه، ووُفِّيت الأجر كامل لا بد أن يتولَّد بينهما حياء، تستحي من هذا الشخص الذي أكرمك، وهذا في حق المخلوق، تستحي من هذا الشخص الذي أكرمك وأعطاك الأجر كاملاً، وعملت له عملاً ناقصًا، وقد جاء مدح الحياء في نصوص كثيرة، كقوله -عليه الصلاة والسلام-: «الحياء من الإيمان» وقوله: «الحياء لا يأتي إلا بخير» وقوله: «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» وغير ذلك من النصوص، قال القاضي عياض وغيره من الشراح: إنما جُعِل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة، قد يقول قائل: كثير من الناس يستحيي غريزة جِبِلَّة، فكيف يُرتَّب عليه الثواب وهو غريزة؟

جِبِلَّة في الشخص، يقول: إنما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة لأنه يكون تخلقًا واكتسابًا كسائر أعمال البِر، وقد يكون غريزة، لكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية وعلم، فهو من الإيمان لهذا؛ ولكونه باعثًا على أفعال الخير، ومانعًا من المعاصي. نعم، الغرائز موجودة في الإنسان، لكن تكييف هذه الغرائز وتسييرها على مراد الله -سبحانه وتعالى- اكتساب، فهو يُثاب على هذا المكتسَب، وعلى تطويعه النفس على مراد الله -سبحانه وتعالى-، وأما كونه خيرًا كله ولا يأتي إلا بخير فقد يُستشكَل من حيث أن صاحب الحياء قد يستحيي أن يواجه بالحق رجلاً يجلُّه فيترك أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وقد يحمله الحياء على الإخلال بالحقوق وغير ذلك مما هو معروف في العادة، هذا مشاهَد، إذا رأى الإنسان من يُجِلُّه حينئذٍ يستحيي من أن ينكر عليه ما يرتكبه من منكر، أو ما يفرِّط به من واجب، وهذا موجود بين المسلمين، ويزداد سوءًا حقيقة إذا وجد مِمن ينتسب إلى العلم، والجواب كما في شرح النووي عن هذا الإشكال أن هذا المانع المذكور ليس بحياء حقيقة، يعني ليس بحياء شرعي، وإن سمَّاه الناس حياء عرفًا، ليس بحياء حقيقة، بل هو عجز ومهانة وضعف، وإنما تسميته حياء من إطلاق بعض أهل العُرْف أطلقوه مجازًا لمشابهته الحياء الحقيقي، وإنما حقيقة الحياء خُلُق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع عن التقصير في حق ذي الحق.

قال ابن حجر: فإن قيل: لِمَ أفرده بالذِّكر؟ نعود إلى المسألة السابقة، وهي أن الإنسان قد يستحيي ممن يُجِلُّه فلا ينكِر عليه، وهذه لا شك أنها -مع الأسف الشديد- في هذه الأزمان وهذه العصور موجودة عند كثير من المسلمين، ولا شك أن عدم القيام بما يجب على الإنسان لاسيما ممن ينتسب إلى العلم من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لله ولرسوله، ولأئمة والمسلمين وعامتهم، لا شك أن هذا ضعف، هنا يقول ابن حجر: فإن قيل: لِمَ أفرده، يعني الحياء بالذكر؟ أجيب: بأنه كالداعي إلى باقي الشعب إذ الحيي يخاف فضيحة الدنيا والآخرة، فيأتمر وينزجر، والله الموفِّق. لا شك أن الحياء الشرعي يبعث على باقي الشعب، فكيف تستحيي ممن أغرقك بالنعم، وأنت تزعم أنك تستحيي منه، وأنت لا تأتمر بأوامره، ولا تنزجر عن نواهيه؟! لا يمكن أن تتصف بهذه الصفة من الحياء الذي تزعمه إلا إذا امتثلت الأوامر، واجتنبت النواهي، ولذا يقول الحافظ: أُجيب بأنه كالداعي إلى باقي الشعب إذ الحيي يخاف فضيحة الدنيا والآخرة، فيأتمر وينزجر، والله الموفق.

وجاء تفسير الحياء مرفوعًا عند الترمذي من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «استحيوا من الله حق الحياء» قالوا: إنا لنستحيي من الله يا رسول الله والحمد لله، قال: «ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبِلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، وآثر الآخرة على الأولى، فمن يعمل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء» أولاً: هذا الحديث ضعيف، يقول الترمذي: هذا حديث غريب، إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث أبان بن إسحاق عن الصبَّاح بن محمد وهو ضعيف، لا شك أنه ضعيف، الحديث ضعيف، ولو صح هذا الخبر لكان هذا التفسير من الرسول -عليه الصلاة والسلام- كما جاء في تفاسير بعض الحقائق التي تختلف فيها الحقائق العرفية عن الحقائق الشرعية، كتفسيره -عليه الصلاة والسلام- للمفْلِس، لما سألهم عن المفلس، قالوا: المفلس من لا دينار له ولا متاع، فقال -عليه الصلاة والسلام-: المفلس من كذا وكذا... إلى آخره، لكن لو صح هذا الخبر، وعرفنا أنه غير صحيح، وهذه الأشياء المذكورة «تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى» كل هذه أمور مطلوبة «ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا» يتقلل من الدنيا، وإن كان مأمورًا بألا ينسى نصيبه من الدنيا «وآثر الآخرة على الأولى» وهذا أيضًا أمر مطلوب، يقول القسطلاني في الحديث -حديث الباب-: وفي هذا الحديث دلالة على قبول الإيمان الزيادة؛ لأن معناه -كما قال الخطابي- أن الإيمان الشرعي اسم لمعنى له أجزاء، أدنى وأعلى، والاسم يتعلق ببعض تلك الأجزاء كما يتعلق بكلِّها، الاسم الذي هو الإيمان الشرعي يتعلق بالشعب كلها كما أنه يتعلق ببعضها، فلا إله إلا الله أعلى شعب الإيمان، وإماطة الأذى عن الطريق أدنى الشعب، الصلاة من الإيمان، الزكاة من الإيمان، الجهاد من الإيمان... وهكذا، فالإيمان له أجزاء، وله أيضًا أعلى وأدنى، وما بين ذلك.

المقدم: يعني كأن تعليقه هذا على اللفظ الآخر؛ لأنه قال: أعلى وأدنى، وبالتالي هذا ليس موجود بنص هذا الحديث: «الإيمان بضع وستون شعبة» يبدو أنه...

موجودة في بعض طرق الحديث عند غير الصحيح، عند مسلم.

المقدم: إذًا هذا التعليق ليس على هذا الموضع.

هم يشرحون الحديث بكامله، إذا شرحوا الحديث استحضروا الروايات الأخرى؛ لأن أَولى ما يُفَسَّر به الحديث الحديث، كما أن أولى ما يُفَسَّر به القرآن القرآن، الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب: أمور الإيمان قال العيني: أي هذا بابٌ في بيان أمور الإيمان، فيكون ارتفاع باب على أنه خبر مبتدأ محذوف، والمراد بالأمور هي الإيمان؛ لأن الأعمال عنده هي الإيمان، يعني عند البخاري هي الإيمان، فعلى هذا تكون الإضافة بيانية، ويجوز أن يكون التقدير باب الأمور التي للإيمان في تحقيق حقيقته وتكميل ذاته، فعلى هذا تكون الإضافة بمعنى اللام، وفي رواية الكُشميهني: باب أمر الإيمان بالإفراد على إرادة الجنس، يقول ابن بطال: التصديق أول منازل الإيمان، والاستكمال إنما هو بهذه الأمور، وأراد البخاري الاستكمال، ولهذا بوَّب أبوابه عليه، فقال: باب أمور الإيمان، بابٌ الجهاد من الإيمان، بابٌ الصلاة من الإيمان، بابٌ الزكاة من الإيمان، وأراد بهذه الأبواب كلها الرد على المرجئة القائلين بأن الإيمان قول بلا عمل، وتبيين غلطهم ومخالفتهم للكتاب والسنة، والحديث مخرَّج في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وهو موجود في مسند أحمد، وصحيح ابن حبان، وعند غيرهم أيضًا، فهو حديث مشهور مستفيض في دواوين الإسلام.

المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخنا، جاء في حديث أن الأحنف بن قيس عندما جاء في وفد قومه للنبي -صلى الله عليه وسلم- تعجَّل قومه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وانتظر هو، وجهَّز نفسه ولباسه وراحلته، يعني في مكانها المناسب، ثم جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له -عليه الصلاة والسلام-: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله» قال: يا رسول الله أخصلتين جُبِلْتُ عليهما أم تخلَّقْتُ بهما؟ قال: «بل جُبِلْتَ عليهما» قال: الحمد لله الذي جبلني على شيء يحبه الله ورسوله، أليس في هذا دليل على أن الخصلة التي جُبل عليها الإنسان سواء كانت الحياء أو غيره -وموضوعنا في الحياء- يؤجر عليها الإنسان، وإن كانت محض فضل من الله لا اكتساب له فيها؟ والله -عز وجل- هو الممتن بالفضل والجزاء.

الخصال والغرائز والأوصاف التي يمنحها الله -سبحانه وتعالى- من يشاء من عباده فضلاً منه وتكرُّمًا كما أن بعض العباد عدلاً من الله -سبحانه وتعالى- لا ظلمًا قد يحرمه من بعض هذه الخصال على أن وجود مثل هذه الخصال وفقدان مثل بعض هذه الخصال امتحان وابتلاء من الله -سبحانه وتعالى-، هذه نعمة من النعم التي يُخْتَبَر فيها الإنسان، هل يشكر الله -سبحانه وتعالى- ويؤدي حق الله -سبحانه وتعالى- على الوجه المطلوب شكرًا لهذه النعم التي منها ما جُبل عليه ما يحبه الله ورسوله؟ وبالمقابل من جبل على خصال لا يحبها الله ورسوله كالغضب مثلاً.

المقدم: المجاهدة.

نعم، إذا صبر واحتسب وتطبَّع وامتثل أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: «لا تغضب» لا شك أنه ينال من الله -سبحانه وتعالى- الثواب العظيم والمجاهدة والمصابرة أمر لا بد منه في حال السرَّاء وفي حال الضرَّاء، بعض الناس يُبتلَى بالغنى، ومع ذلكم قد لا ينجح في هذا الابتلاء، وأصل المال نعمة من الله -سبحانه وتعالى-، لكن هل يَشكُر الإنسان؟ وهل يحاول أن يُسَخِّر هذا المال لخدمة دينه وأمته؟ أو يعبث به، ويتخبط في مال الله على غير مراد الله؟ ومثله أو بالمقابل من حرم نعمة المال، هل يصبر ويحتسب، ويصبر على ما صبر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام، على ما نالهم من شظف العيش وشدَّته، قد كان -عليه الصلاة والسلام- يُرى الهلال الأول والثاني والثالث

ما أوقدت النار في بيته، فالمال ليس بنعمة محضة، إنما هو ابتلاء، كما أن الفقر والمسكنة والحاجة والفاقة ليست بشَرٍّ محض، المقصود في الأمرين معًا الأثر المترتب عليهما، هل يصبر من ابتلي بالضرَّاء؟ وهل يشكر من ابتلي بالسرَّاء؟ فكون الإنسان يَمْتَنّ الله عليه -سبحانه وتعالى- بنعمة ليختبره فيها، هل يشكر هذه النعمة ويسخِّرها في خدمة دينه وأمته؟ أو يكفر هذه النعمة فيضر بها نفسه ويضر بها غيره؟ على سبيل المثال لو أن شيخًا من الشيوخ مَدَح لطلابه كتابًا من الكتب، فهرع بعض الطلبة للبحث عن هذا الكتاب في المكتبات ولم يتيسر لبعضهم، وبعضهم تعب ونالته الكلفة والمشقة في البحث عنه، والبعض الآخر قال لهم الشيخ: إن الكتاب في المكتبة الفلانية، وقسم ثالث قال لهم الشيخ: عندي لكم نسخ من هذا الكتاب، هل يكون الشيخ ظالم للقسم الأول الذي ذهب يبحث عن الكتاب هنا وهناك؟ لا، ليس بظالم، بل يؤجر على هذا البحث، وبحثه عن هذا الكتاب الذي يبين له شرع الله، ويفسِّر له كلام الله وكلام رسوله، ويجعله يعبد الله -سبحانه وتعالى- على بصيرة، ويدعو إلى الله على بصيرة هذه عبادة، فالشيخ حينما مدح هذا الكتاب، وانقسم الطلاب إلى ثلاثة أقسام: منهم من تعب في تحصيل هذا الكتاب هذا يؤجر على هذا التعب، والشيخ ليس بظالم له ألبتة، والقسم الثاني: الذي وصف لهم وعيَّن لهم الشيخ مكان هذا الكتاب أيضًا ليس بظالم له في مقابل من أهدى إليه الكتاب، نعم هو تفضل على بعض الطلاب بالهدية، ولا يلزمه التعديل بينهم {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}.

المقدم: أحسن الله إليكم هل نستطيع أن نقول أن الحياء عبادة قلبية لها آثار في الجوارح والقول، كما يقسم بعض العلماء العبادات إلى قلبية وغيرها؟

لا شك أن الحياء مبعثه القلب، مصدره القلب، وآثاره على الجوارح ظاهرة، لا شك أنه تغير وانكسار، تبدو على الملامح وتظهر على الوجه آثاره، ثم يتعدَّى إلى الأفعال، لا شك أن الحيي حق الحياء الحياء الشرعي ينكف عن فعل المحرمات استحياء من الله -سبحانه وتعالى-، ويفعل المأمورات حياء من الله -سبحانه وتعالى- فهي عبادة قلبية، آثارها عملية.

المقدم: النبوة الأولى التي قال عنها -عليه الصلاة والسلام-: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت».

نعم، هذا مما تواطأت عليه الرسالات.

المقدم: المقصود تواطؤ الرسالات.

تواطأت عليه الرسالات، وتوارثته الرسل، وجاء مقررًا في الشرائع كلها.

المقدم: وكان معروفًا أن الحياء عندهم بهذه الكيفية.

نعم، بهذه الكيفية.

أحسن الله إليكم، إذًا يا مستمعيَّ الكرام بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من حلقات هذا البرنامج. انتهينا بهذا من الحديث حول هذا الحديث سوف نستكمل بقية الأحاديث في هذا الباب -بإذن الله تعالى- في حلقة الأسبوع القادم، -وكما وعدتكم- سأخصص حلقات لمجموعة من أسئلة الإخوة والأخوات، من المستمعين والمستمعات التي وردتنا.

في ختام هذه الحلقة أتوجه بالشكر الجزيل -بعد شكر الله سبحانه وتعالى- إلى صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وأشكر لفضيلته ما تفضَّل به، شكرًا لكم أنتم على حسن استماعكم.

عنوان البرنامج مرة أخرى: المملكة العربية السعودية، وزارة الإعلام، إذاعة القرآن الكريم، صندوق البريد: 60095، الرياض: 11545، أو الفاكس: 4425544، برنامج: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. ألقاكم -بإذن الله تعالى- في الحلقة القادمة وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.