تعليق على تفسير سورة النساء من أضواء البيان (16)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين:

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى-:

قوله تعالى: {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ} [سورة النساء:104] إلى قوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [سورة النساء:17] نهى الله تعالى المسلمين في هذه الآية الكريمة عن الوهن وهو الضعف في طلب أعدائهم الكافرين، وأخبرهم بأنهم إن كانوا يجدون الألم من القتل والجراح فالكفار كذلك، والمسلم يرجو من الله، والمسلم يرجو من الله من الثواب والرحمة ما لا يرجوه الكافر، فهو أحق بالصبر على الآلام منه، وأوضح هذا المعنى في آيات متعددة كقوله: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ} [سورة آل عمران :139-140]، وكقوله: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [سورة محمد:35] إلى غير ذلك من الآيات."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كل شيء له مقابل يخف أثره، كل شيء له مقابل يخف أثره، فأنتم ترون خطَّاب الدنيا وأهل اللهث وراءها يتعبون تعبًا شديدًا، لكنهم يرجون من المكاسب والمنافع الدنيوية ما يرجون، ولذلك يهون عليهم الأمر، ولا يمكن أن يعمل مثل هذا العامل من أول النهار إلى آخره وقد يلحقه بشيء من الليل تعبًا شديدًا بدون شيء، لن يقبل هذا أبدًا، لكن إذا كان هناك مقابل خف عليه ما يعانيه من شدة وألم، وكذلك المسلم الذي يرجو من الله ما لا يرجوه الكافر من رحمة الله ومغفرته ورضوانه وجناته يهون عليه كل شيء، المصائب تهون عليه، تجده لا ينام الليل من الآلام والمصائب وجروح وكسور وما أشبه ذلك، لكنه يرجو الله -جل وعلا-، فيهون عليه ما يعانيه ويقاسيه، لكن الكافر الذي لا يرجو، الذي لا يرجو من الله شيئًا فما يصيبه من الألم لا شك أنه أشد وقعًا عليه من ألم المسلم؛ لأن المسلم يرجو من الله ما لا يرجوه الكافر، والله -جل وعلا- يسلي عباده الذين يقاتلون في سبيله ويصيبهم ما يصيبهم من الجروح والكسور وإزهاق الأرواح والموت في سبيل الله والشهادة في سبيله، يسليهم بذلك {إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ} [سورة النساء:104].

 هذا الذي لا يرجو شيئًا، ولا يؤمل في شيء، مثل هذا ألم وحسرة، ولذلكم دنياهم وإن كان فيها نعيم ظاهر إلا أنها جحيم مستمر، ولذا جاء في الخبر: «الدنيا جنة الكافر وسجن المؤمن»، هذا من حيث الظاهر، وإلا فكم من مؤمن مبتلى بأمراض وفقر وحاجة وشدة ولأواء، ومع ذلك يعيش في نعيم في الدنيا قبل الآخرة، وأشار إلى هذا النعيم وهذه الجنة. شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من كتبه يعني الذي يقوم في الثلث الأخير من الليل في الليالي الشاتية، وقد لا يكون عنده من وسائل التدفئة ولا من الألبسة ما يقيه شر البرد، ويتوضأ في الماء الذي يكون أحيانًا فيه كسر الثلج، وينصب قدميه الساعة والساعتين والثلاث والأربع أحيانًا، هل هذه مشقة أم راحة؟

هي في ظاهرها مشقة، لكن في حقيقة الأمر وفي واقع الأمر وما يعانيه المسلم من هذه المقاساة والمعاناة هي راحة، ولذا جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- وقد تفطرت قدماه من أثر القيام يقول: «أرحنا يا بلال بالصلاة»، ونحن الله يعفو ويسامح نكابد الفريضة خمس دقائق ومتى تنتهي، وعلى كل حال على الإنسان أن يجاهد نفسه حتى يتلذذ بالعبادة.

"قوله تعالى: {وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ} [سورة النساء:111] ذكر في هذه الآية أن من فعل ذنبًا فإنه إنما يضر به خصوص نفسه لا غيرها، وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [سورة الأنعام:164]، وقوله: {وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [سورة فصلت:46] الآية إلى غير ذلك من الآيات.

قوله تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [سورة النساء:113] ذكر في هذه الآية الكريمة أنه علّم نبيه -صلى الله عليه وسلم- ما لم يكن يعلمه، وبيَّن في مواضع أخر أنه علّمه ذلك عن طريق هذا القرآن العظيم الذي أنزله عليه كقوله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [سورة الشورى:52] الآية، وقوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [سورة يوسف:3] إلى غير ذلك من الآيات."

لأن الإنسان حينما يولد لا يعلم شيئًا {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً} [سورة النحل:78]، ولكن الله يعلم هذا الإنسان بالتعلم، يعلمه بالتعلم، وعلم نبيه وغيره من الأنبياء بما أوحى إليهم، وعلم أتباعهم بما أوحي على.. إلى أنبيائهم وآمنوا به وقرؤوه وعملوا به وفهموه وطبقوه، علمهم بهذه الطريقة، ومع هذا القرآن العظيم ما يأتيهم عن أنبيائهم من سنة نبينا- عليه الصلاة والسلام- وسنن الأنبياء السابقين بالنسبة لأممهم هذه مصادر العلم الكتاب والسنة وما تفرع عنهما، وما يعين على فهمهما، هذه المصادر الأصلية مصادر التلقي عند المسلم ومن حاد عن هذين المصدرين وما يعين على فهمها وما يتفرع عنهما يضل، لا شك أنه يضل، وقد رأينا أمثلة وسمعنا أمثلة ممن حادوا عن الكتاب والسنة، فضلوا وأضلوا.

"قوله تعالى: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ} [سورة النساء:114] الآية ذكر في هذه الآية الكريمة أن كثيرًا من مناجاة الناس فيما بينهم لا خير فيه، ونهى في موضع آخر عن التناجي بما لا خير فيه، وبيَّن أنه من الشيطان؛ ليحزن به المؤمنين، وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [سورة المجادلة:9-10] وقوله في هذه الآية.."

التناجي والنجوى الإسرار بالكلام وعدم إظهاره لغير من يراد مناجاته.

"وقوله في هذه الآية الكريمة: {أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [سورة النساء:114] لم يبين هنا هل المراد بالناس المسلمون دون الكفار أو لا، ولكنه أشار في مواضع آخر أن المراد بالناس المرغب في الإصلاح بينهم هنا المسلمون خاصة، كقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [سورة الحجرات:10]، وقوله: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [سورة الحجرات:9]، فتخصيصه المؤمنين بالذكر يدل على أن غيرهم ليس كذلك، كما هو ظاهر، وكقوله تعالى: {فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} [سورة الأنفال:1]."

وهل معنى هذا أن الإصلاح بين غير المسلمين لا يشرع التنصيص على المسلمين وهم بعض أفراد العام، بعض أفراد الناس بحكم هل يقتضي التخصيص؟ الحكم موافق الأمر بالإصلاح بين الناس أو إصلاح بين الناس عموم، وجاء ما يدل على الاهتمام بشأن الإصلاح بين المؤمنين وبين المسلمين وبين الإخوة، لكن هل هذا يقتضي تخصيصًا بحيث لا يترتب عليه أي أجر بحيث لو أصلحنا بين كافرين غير مسلمين سواء كانوا من أهل الذمة أو غيرهم؟

طالب: ........

من الناس، لكن الآن {بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [سورة الحجرات:10] من المؤمنين، وأصلحوا ذات بينكم، كلها خاصة بالمؤمنين المسلمين، الإخوة في الله، لكن هل هذا ينفي الإصلاح بين غيرهم؟

طالب: ........

خل ما يضر به مسلم أو يتضرر به المسلمون، هذا شيء آخر، لكن اثنين بينهما خصومة، وتدخلت بينهما وأصلحت بينهما.

طالب: ........

ولكنه أشار في مواضع أُخَر أن المراد بالناس المرغَّب في الإصلاح بينهم المسلمون خاصة، ولا شك أن المسلمين فرد من أفراد الناس.

طالب: ........

ماذا؟

طالب: ........

سيجيء الكلام فيها، وبعد ففيها نصوص قول الشافعي أنه لازم تحكم بينهم.

"وقال بعض العلماء: إن الأمر بالمعروف المذكور في هذه الآية في قوله: {إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ} [سورة النساء:114] يبينه قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [سورة العصر:1-3]، وقوله: {إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً} [سورة النبأ:38]، والآية الأخيرة فيها أنها في الآخرة والأمر بالمعروف والأمر بالمعروف المذكور إنما هو في الدنيا، والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى.."

طالب: ........

مقتضى الآية {أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [سورة النساء:114] أنه ندب، أنه من باب الندب لا من باب الإباحة.

طالب: ........

لا، الندب {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ} [سورة النساء:114] وكذا كلها مندوبة.

طالب: ........

نعم بما.. الناس {أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [سورة النساء:114] الذين منهم الكفار، الشيخ يرى أنها خاصة بالمسلمين، ولا مدخل للكفار، ولا يُصلح بينهم، وقد يلوح لبعض الناس أن كثرة المشاكل بينهم وعدم الإصلاح بينهم إضعاف لهم، وفي هذا مصلحة للمسلمين، ما يفهم منه هذا؟

طالب: ........

نعم من أساليب الدعوة قد يكون الإصلاح بينهم.

طالب: ........

على كل حال الأمور بمقاصدها، فإذا كان في عدم الإصلاح بينهم إضعاف لهم، وفيه قوة للمسلمين ورجحان لكفتهم فهذا مقصد وهدف، وإذا كان في الإصلاح بينهم تأليف بين قلوبهم وأسلوب من أساليب دعوتهم، وإظهار المسلمين بمظهر يليق بهم، ويقرِّب منهم فلا شك أن الأمور بمقاصدها.

طالب: ........

ماذا؟

طالب: ........

العمل الواحد قد يكون له مراتب ومنازل بحسب الأشخاص العاملين، وهو عمل واحد في ظاهره، والرجلان في الصف بين صلاتيهما أبعد مما بين السماء والأرض، وكل إنسان بحسب ما يقر في قلبه وما يقع في قصده إلى آخره، هذا معروف، التفاوت من هذه الحيثية معروف.

طالب: ........

يعني الأصل لا خير فيهم.

طالب: ........

مراتبها تختلف {إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ} [سورة النساء:114] ماذا تقول فيها؟

طالب: ........

لا بد من النية لا بد من النية.

"قوله تعالى: {وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً} [سورة النساء:117] المراد في هذه الآية بدعائهم الشيطان المريد عبادتهم له ونظيره قوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [سورة يــس:60] الآية، وقوله عن خليله إبراهيم مقررًا له: {يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ} [سورة مريم:44]، وقوله عن الملائكة: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} [سورة سبأ:41] الآية، وقوله: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ} [سورة الأنعام:137]، ولم يبين في هذه الآيات ما وجه عباداتهم للشيطان، ولكنه بيَّن في آيات أخر أن معنى عبادتهم للشيطان إطاعتهم له واتباعهم لتشريعه، وإيثاره على ما جاءت به الرسل من عند الله تعالى كقوله: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ = 121 } [سورة الأنعام:121]، وقوله: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ} [سورة التوبة:31] الآية، فإن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- لما قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-: كيف اتخذوهم أربابًا؟ قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنهم أحلوا لهم ما حرم الله، وحرموا عليهم ما أحل الله، فاتبعوهم» وذلك هو معنى اتخاذهم إياهم أربابًا ويفهم من.."

في الأخير قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فتلك عبادتهم»، «أليس يحرمون ما أحل الله فتتبعونهم؟» قال: نعم، «أليسوا يحلون ما حرم الله فتطيعونهم؟» قال: نعم، قال: «فتلك عبادتهم».

"ويفهم من هذه الآيات بوضوح لا لبس فيه أن من اتبع تشريع الشيطان مؤثرًا له على ما جاءت به الرسل فهو كافر بالله عابد للشيطان، متخذ الشيطان ربًّا، وإن سمى أتباعه وإن سمى.."

اتِّباعه.

"وإن سمى اتِّباعه للشيطان بما شاء من الأسماء؛ لأن الحقائق لا تتغير بإطلاق الألفاظ عليها كما هو معلوم."

{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ} [سورة الشورى:21] والذي يشرِّع شريك لله في حكمه ومنازِع له فيه، والحكم بغير ما أنزل الله حكمه معروف، وفي الجملة في كلام ابن عباس هو كفر دون كفر، وقال غيره غير ذلك، وفرق بين حاكم وحاكم.. من التفاصيل ستأتي في آيات المائدة، إن شاء الله تعالى.

"قوله تعالى: {وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً} [سورة النساء:118] بيَّن هنا فيما ذكر الشيطان كيفية اتخاذه لهذا النصيب المفروض في قوله: {وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [سورة النساء:119] المراد بتبتيك آذان الأنعام شق آذن البحيرة مثلاً وقطعها؛ ليكون ذلك سمة وعلامة لكونها بحيرة أو سائبة، كما قاله قتادة والسدي وغيرهما، وقد أبطله تعالى بقوله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ} [سورة المائدة:103] الآية، والمراد ببحرها: شق أذنها كما ذكرنا، والتبتيك في اللغة: التقطيع، ومنه قول زهير:

حتى إذا ما هوت كف الوليد لها

 

طارت وفي كفه من ريشها بتك

أي قطع كما بيَّن كيفية اتخاذه لهذا النصيب المفروض في آيات أُخر كقوله: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [سورة الأعراف:16-17]، وقوله.."

{وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ} [سورة الأعراف:17] يعني نصيبه أكثر الناس {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [سورة الأنعام:116] فيقال لآدم: أخرج بعث النار يوم القيامة، فتكون النسبة تسعمائة وتسعة وتسعين للنار، وواحد من الألف للجنة، الله المستعان.

"وقوله: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} [سورة الإسراء:62] الآية، ولم يبيِّن هنا هل هذا الظن الذي ظنه إبليس ببني آدم أنه يتخذ منهم نصيبًا مفروضًا، وأنه يضلهم، تحقق لإبليس أو لا، ولكنه بيَّن في آية أخرى أن ظنه هذا تحقق له، وهي قوله: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} [سورة سبأ:20] الآية، ولم يبين هنا.."

إلا من اصطفاه الله من عباده المخلصين إن عبادي ليس لك عليهم سلطان، ولكنهم قلة بالنسبة لمن أضلهم الشيطان واستجابوا له.

"ولم يبيَّن هنا الفريق السالم من كونه من نصيب إبليس، ولكنه بيَّنه في مواضع أخر كقوله: {لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [سورة ص:82-83]، وقوله: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [سورة النحل:100] إلى غير ذلك من الآيات، ولم يبين هنا هل نصيب إبليس هذا هو الأكثر أو لا، ولكنه بيَّن في مواضع أخر أنه هو الأكثر كقوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ} [سورة هود:17]، وقوله: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [سورة يوسف:103]، وقوله: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ} [سورة الأنعام:116]، وقوله: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ} [سورة الصافات:71]. وقد ثبت في الصحيح أن نصيب الجنة واحد من الألف، والباقي في النار.

 قوله تعالى: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [سورة النساء:119]، قال بعض العلماء: معنى هذه الآية أن الشيطان يأمرهم بالكفر وتغيير فطرة الإسلام التي خلقهم الله عليها، وهذا القول يبينه ويشهد له قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [سورة الروم:30]؛ إذ المعنى على التحقيق: لا تبدلوا فطرة الله التي خلقكم عليها بالكفر، فقوله: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [سورة الروم:30] خبر أريد به الإنشاء إيذانًا بأنه لا ينبغي إلا أن يمتثل حتى كأنه خبر واقع بالفعل لا محالة.

إذا جاء الإنشاء الذي هو الأمر أو النهي بصيغة الخبر كان أبلغ؛ لأنه يأتي الحديث عنه وكأنه واقع إن كان أمرًا فهو حاصل، وإن كان نهيًا فهو غير موجود، وهذا أبلغ من مجرد الأمر به أو النهي عنه؛ لأنه يفترض في المسلم أنه امتثل، فأوقع الأمر ما أمر به في الواقع، ونفى ما نهي عنه في الواقع كأنه غير موجود أصلاً، وهذا أبلغ.

"ونظيره قوله تعالى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ} [سورة البقرة:197] الآية أي: لا ترفثوا، ولا تفسقوا. ويشهد لهذا ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء، هل تجدون فيه من جدعاء»، وما رواه مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار بن أبي حمار التميمي قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم»، وأما على القول بأن المراد في الآية بتغيير خلق الله خصاء الدواب، والقول بأن المراد به الوشم."

كل هذه أمثلة، أمثلة مما أحدثه بنو آدم من تغيير خلق الله.

"فلا بيان في الآية المذكورة، وبكل من الأقوال المذكورة قال جماعة من العلماء، وتفسير بعض العلماء لهذه الآية بأن المراد بها خصاء الدواب يدل على عدم جوازه؛ لأنه مسوق في معرض الذم واتباع تشريع الشيطان، وأما خصاء بني آدم فهو حرام إجماعًا؛ لأنه مثلة وتعذيب وقطع عضو وقطع نسل من غير موجِب شرعي، ولا يخفى أن ذلك حرام، وأما خصاء البهائم، فرخص فيه جماعة من أهل العلم، إذا قصدت به المنفعة؛ إما لسمن أو غيره. وجمهور العلماء على أنه لا بأس أن يضحي بالخصي، واستحسنه بعضهم إذا كان أسمن من غيره، ورخص في خصاء الخيل عمر بن عبد العزيز، وخصى عروة بن الزبير بغلاً له، ورخَّص مالك في خصاء ذكور الغنم.

 وإنما جُوِّز ذلك؛ لأنه لا يُقصد به التقرب إلى غير الله، وإنما يُقصد به تطييب لحم ما يؤكل وتقوية الذكر إذا انقطع أمله عن الأنثى، ومنهم من كره ذلك؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون»، قاله القرطبي، واختاره ابن المنذر قال: لأن ذلك ثابت عن ابن عمر، وكان يقول: هو نماء خلق الله، وكره ذلك عبد الملك بن مروان وقال الأوزاعي: كانوا يكرهون خصاء كل شيء له نسل، وقال ابن المنذر: وفيه حديثان أحدهما عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن خصاء الغنم والبقر والإبل والخيل، وثانيهما حديث ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صبر الروح وخصاء البهائم، والذي في الموطأ في هذا الباب.."

صبر الروح أن يُتخذ ما فيه روح غرضًا للسهام يوثق في مكان إما دابة أو طائر أو ما أشبه ذلك مما فيه روح، ثم يتمرن عليه في الرمي.

طالب: ........

نعم، لكن أقوى له، ما ينقطع أمله في النساء أو في الإناث، فيتجه إلى القوة والحمل..

طالب: ........

..ما يخصى.

طالب: ........

ممكن، على كل حال الأنثى ما تخصى، لا بد أن يكون ذكرًا، جاء سؤال نظير لهذا من امرأة قالت: إن عندها قطة تقول ألفتها فأنا أحبها وتحبني، ولكنها آذتنا بكثرة النسل، فتستأذن في خصائها، هذا سؤال وارد يعني ما هو بمفترض، مفترض للمناسبة، لا، لكنه وارد ومادام أنثى..!

"والذي في الموطأ من هذا الباب ما ذكره عن نافع عن ابن عمر أنه كان يكره الإخصاء ويقول فيه: تمام الخلق، قال أبو عمر: يعني في ترك الإخصاء تمام الخلق، وروي: نماء الخلق، قال القرطبي بعد أن ساق هذا الكلام الذي ذكرنا: قلت: أسند أبو محمد عبد الغني من حديث عمر بن إسماعيل عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا تخصوا ما ينمي خلق الله»، رواه عن الدارقطني شيخه قال: حدثني عباس بن محمد قال: حدثنا قراد قال: حدثنا أبو مالك النخعي عن عمر بن إسماعيل فذكره، قال الدارقطني: ورواه عبد الصمد بن النعمان عن أبي مالك، انتهى من القرطبي بلفظه.

وكذلك على القول بأن المراد بتغيير خلق الله الوشم فهو يدل أيضًا على أن الوشم حرام، وقد ثبت في الصحيح عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله -عز وجل-. ثم قال: ألا ألعن من لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في كتاب الله -عز وجل-، يعني قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [سورة الحشر:7]."

طالب: ........

على حسب المصلحة إذا كان هناك مصلحة راجحة هو النسل ينقطع، لكن إذا كان هناك مصلحة أرجح من بقاء النوع وتمام النسل فالمسألة مسألة منافع؛ لأن البهيمة سلعة ينظر فيها الأنفع لصاحبها.

طالب: ........

لا، الدارقطني ذكره، الدارقطني.. يكون من باب الكراهة أو خلاف الأولى.

"وقالت طائفة من العلماء: المراد بتغيير خلق الله في هذه الآية هو أن الله تعالى خلق الشمس والقمر والأحجار والنار وغيرها من المخلوقات للاعتبار وللانتفاع بها، فغيرها الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة، وقال الزجاج: إن الله تعالى خلق الأنعام؛ لتركب وتؤكل فحرّموها على أنفسهم، وجعل الشمس والقمر والحجارة مسخرة للناس، فجعلوها آلهة يعبدونها، فقد غيروا ما خلق الله. وما روي عن طاوس -رحمه الله- من أنه كان لا يحضر نكاح سوداء بأبيض ولا بيضاء بأسود ويقول: هذا من قول الله تعالى: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [سورة النساء:119]."

يعني أن النسل يأتي بلون لا أبيض ولا أسود، فهذا على حد زعمه من تغيير خلق الله، لكن هذا القول ليس بصحيح، بل هو قول باطل.

"فهو مردود بأن اللفظ وإن كان يحتمله فقد دلت السنة على أنه غير مراد بالآية، فمن ذلك إنفاذه -صلى الله عليه وسلم- نكاح مولاه زيد بن حارثة -رضي الله عنه- وكان أبيض بظئره بركة أم أسامة، وكانت حبشية سوداء، ومن ذلك.."

وجاءت بأسامة على لونها.

"ومن ذلك إنكاحه -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد فاطمة بنت قيس، وكانت بيضاء قرشية، وأسامة أسود، وكانت تحت بلال أخت عبد الرحمن بن عوف من بني زهرة بن كلاب، وقد سهى طاوس -رحمه الله- مع علمه وجلالته عن هذا، قال مقيده -عفا الله عنه-: ويشبه قول طاوس هذا في هذه الآية ما قاله بعض علماء المالكية من أن السوداء تزوج بولاية المسلمين العامة.."

لأن الولي إنما يطلب للشريفة دون الوضيعة، للشريفة عندهم عند المالكية الولاية، إنما تطلب للشريفة دون الوضيعة، والسواد في نظرهم في خلال كلامهم هذا ضعة.

"بناء على أن مالكًا يجيز تزويج الدنية بولاية عامة مسلم.."

بولاية المسلمين العامة، بولاية المسلمين العامة.

طالب: ........

أين؟

طالب: ........

بولاية.. فيه تزوج بولاية المسلمين العامة، وبعدها بولاية عامة المسلمين، مع أن المقصود ولاية المسلمين العامة على من لا ولي له، والأصل أن يتولى ولايتها الحاكم، ما هو عموم المسلمين.

"بناء على أن مالكًا يجيز تزويج الدنية بولاية عامة المسلمين إن لم يكن لها ولي خاص مجير.."

مجبِر.

"مجبِر قالوا: والسوداء دنية مطلقًا؛ لأن السواد شَوَه في الخِلقة، وهذا القول مردود عند المحققين من العلماء، والحق أن السوداء قد تكون شريفة، وقد تكون جميلة، وقد قال بعض الأدباء:

وسوداء الأديم تريك وجهًا

 

ترى ماء النعيم جرى عليه

رآها ناظري ................

 

............................."

فرنا إليها.

"رآها ناظري فرنا إليها

 

وشكل الشيء منجذب إليه

وقال آخر.."

يعني كون الأبيض ما يرغب في السوداء والعكس مثله الأسود ما يرغب في البيضاء، والله- جل وعلا- مغني كل طائفة وكل فرقة جعل لهم من الغنية بما لديهم ما لا يحتاجون فيه إلى غيرهم.

"وقال آخر:

ولي حبشية سلبت فؤادي

 

ونفسي لا تشوق إلى سواها"

تتوق تتوق.

".............................

 

ونفسي لا تتوق إلى سواها

كأن شروطها طرق ثلاث

 

تسير بها النفوس إلى هواها"

الشروط موجودة في ذلك الوقت؟ الشقوق التي في الخدود هي موجودة الآن.

طالب: ........

قديمة، ولذلك كأن شروطها.. يريدونه جمالًا أم اعتقادًا؟

طالب: ........

كيف انتساب؟

طالب: ........

نعم، لكن هذه القبيلة يعني كونها من بين القبائل تُشرِّط الخدود هل هو جمال أو مجرد عادة؟

"وقال آخر في سوداء:

أشهبك المسكُ وأشبهته

 

.............................."

المسكَ.. أشبهك المسكُ، نعم.

"أشبهكِ المسكُ وأشبهته

 

قائمة في لونه قاعدة

لا شك إذ لونكما واحد

 

أنكما من طينة واحدة"

في كتب الأدب من هذا النوع الشيء الكثير من الأشعار التي تتعلق بهذه الأمور سواء كانت في السواد وفي البياض وفي غيرهما من الألوان، وكل يغني على ما يعجبه.

"وأمثاله في كلام الأدباء كثيرة.

 وقوله: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ} [سورة النساء:119] يدل على أن تقطيع آذان الأنعام لا يجوز، وهو كذلك، أما قطع أذن البحيرة والسائبة تقربًا بذلك للأصنام فهو كفر بالله إجماعًا، وأما تقطيع آذان البهائم لغير ذلك فالظاهر أيضًا أنه لا يجوز، ولذا أمرنا -صلى الله عليه وسلم- أن نستشرف العين والأذن، ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء، أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربع والبزار وابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث علي -رضي الله عنه-، وصححه الترمذي، وأعله الدارقطني.

والمقابِلة المقطوعة طرف الأذن، والمدابِرة المقطوعة مؤخر الأذن، والشرقاء مشقوقة الأذن طولاً، والخرقاء التي خرقت أذنها خرقًا مستديرًا، فالعيب في الأذن مراعى عند جماعة العلماء، قال مالك والليث: المقطوعة الأذن لا تجزئ أو جل الأذن، قاله القرطبي، والمعروف من مشهور مذهب مالك أن الذي يمنع الإجزاء قطع ثلث الأذن فما فوقه لا ما دونه، فلا يضر."

لأنه جاء في الحديث الصحيح: «الثلث كثير»، فيكون المقطوع من الأذن كثيرًا، ومنهم من يرى أن الحكم للغالب، فإذا قطع أكثر الأذن لا تجزئ.

"وإن كانت سكناء، وهي التي خلقت بلا أذن."

سَكَّاء.

"وإن كانت سَكَّاء وهي التي خلقت بلا أذن فقال مالك والشافعي: لا تجزئ، وإن كانت صغيرة الأذن أجزأت، وروي عن أبي حنيفة مثل ذلك، وإن كانت مشقوقة الأذن للميسم أجزأت عند الشافعي وجماعة الفقهاء، قاله القرطبي في تفسير هذه الآية، والعلم عند الله تعالى.

قوله تعالى: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} [سورة النساء:123] لم يبين هنا شيئًا من أمانيهم ولا من أماني أهل الكتاب، ولكنه أشار إلى بعض ذلك في مواضع أخر، كقوله في أماني العرب الكاذبة: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سورة سبأ:35]، وقوله عنهم: {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} [سورة الأنعام:29]، ونحو ذلك من الآيات. وقوله في أماني أهل الكتاب: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} [سورة البقرة:111] الآية، وقوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [سورة المائدة:18] الآية، ونحو ذلك من الآيات.

 وما ذكره بعض العلماء من أن سبب نزول الآية أن المسلمين وأهل الكتاب تفاخروا فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، فنحن أولى بالله منكم. وقال المسلمون: نحن أولى بالله منكم، ونبينا خاتم النبيين، وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله، فأنزل الله {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ} [سورة النساء:123] الآية لا ينافي ما ذكرنا؛ لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب."

وعموم اللفظ لفظ الآية يشمل هذه كلها، يشمل جميع ما ذكر، ويشمل غيرها مما لم يذكر.

"قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ} [سورة النساء:125] الآية ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه لا أحد أحسن دينًا ممن أسلم وجهه لله في حال كونه محسنًا؛ لأن استفهام الإنكار مضمَّن معنى النفي، وصرح في موضع آخر أن من كان كذلك فقد استمسك بالعروة الوثقى، وهو قوله تعالى: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [سورة لقمان:22]، ومعنى إسلام وجهه لله إطاعته وإذعانه."

استسلامه لله -جل وعلا- الذي هو الإسلام اللغوي؛ لأن الإسلام في اللغة هو الاستسلام والانقياد والطاعة، وإذا حصل معه الإحسان صار أعلى الدرجات.

"وانقياده لله تعالى بامتثال أمره واجتناب نهيه في حال كونه محسنًا أي مخلصًا عمله لله لا يشرك فيه به شيئًا، مراقبًا فيه لله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فالله تعالى يراه، والعرب تطلق إسلام الوجه وتريد به الإذعان والانقياد التام، ومنه قول زيد بن نفيل العدوي:

وأسلمت وجهي لمن أسلمت

 

له المزن تحمل عذبًا زلالاً

وأسلمت وجهي لمن أسلمت

 

له الأرض تحمل صخرًا ثقالاً"

يكفي بركة.

طالب: ........

مجرد زينة لا يجوز؛ لأنه تعذيب، قطع.. منصوص عليه {فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ} [سورة النساء:119]، فالأمر مقطوع بمنعه، لكن إذا جاء تبعًا إما لوسم أم شيء مطلوب شرعًا فلا بأس.

طالب: ........

ما يمنع، لكن ما هو بقطع، ما هو قطع.

طالب: مع تطور أدوات الحلاقة هل يقصد به الموس أو المكائن؟

الموس المكان الذي يبقى منها شيء...

طالب: ........

إذا كان فيه شيء يحس.. فهو تقصير..

طالب: ........

هذا مثل الوسم إذا كان فيه شيء يسير يصير مثل الوسم.

طالب: ..التعليق في نسخة البخاري.. ماذا تنصح؟

يجمعهن في كتاب واحد.. أنا عندي كل بيت فيه نسخة من الكتاب، وإذا وافق أني قرأت هذا الكتاب بهذه النسخة علقت، والبيت الثاني مثله، والثالث، ولذلك ما تجد عندي شيئًا مجتمعًا في نسخة واحدة إلا القديم الذي قرأته بنفسي من نسخة واحدة، أما في الأخير... فالله المستعان.

بارك الله فيك.

"