شرح الموطأ - كتاب الاستسقاء (1)

كتاب: الاستسقاء باب: العمل في الاستسقاء:

"حدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أنه سمع عباد بن تميم يقول: سمعت عبد الله بن زيد المازني يقول: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المصلى فاستسقى، وحول رداءه حين استقبل القبلة.

وسئل مالك -رحمه الله- عن صلاة الاستسقاء كم هي؟ فقال ركعتان، ولكن يبدأ الإمام بالصلاة قبل الخطبة، فيصلي ركعتين، ثم يخطب قائمًا، ويدعو ويستقبل القبلة، ويحول رداءه حين يستقبل القبلة، ويجهر في الركعتين بالقراءة، وإذا حول رداءه جعل الذي على يمينه على شماله، والذي على شماله على يمينه، ويحول الناس أرديتهم إذا حول الإمام رداءه، ويستقبلون القبلة وهم قعود".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "كتاب الاستسقاء" السين والتاء للطلب كالاسترقاء والاستشفاء طلب الشفاء وطلب الرقية، وطلب السقيا كما هنا من الله -جل وعلا-، السُّقيا بضم السين وهي المطر، تطلب من الله -عز وجل- عند الجدب على وجه مخصوص، وصلاة الاستسقاء جمهور أهل العلم على شرعيتها.

الاستسقاء: طلب السقيا مشروع اتفاقًا، لكن هل له صلاة؟ جمهور أهل العلم أن له صلاة، وأنها ركعتان يجهر فيهما بالقراءة، وقال أبو حنيفة والنخعي وطائفة: لا يصلى لها، وإنما هو الدعاء والتضرع الخاص، النبي -صلى الله عليه وسلم- استسقى بالدعاء عند أحجار الزيت، واستسقى في خطبة الجمعة من غير صلاة خاصة، وخرج بالناس إلى المصلى وصلى ركعتين، فدل على أنها على صور، واستسقاءاته -عليه الصلاة والسلام- أنواع، ستة أنواع ذكرها ابن القيم -رحمه الله- في الهدي، لكن منها الصلاة؛ ولذا جمهور أهل العلم على أن صلاة الاستسقاء مشروعة.

باب: العمل في الاستسقاء: حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم" المدني قاضي المدينة "أنه سمع عباد بن تميم" بن غزية المازني الأنصاري "يقول: سمعت عبد الله بن زيد -بن عاصم بن كعب- المازني" راوي حديث الوضوء، لا راوي خبر الأذان كما زعم ابن عيينة، وقد وهمه البخاري في صحيحه، البخاري -رحمه الله- لما ساق الحديث قال: إن ابن عيينة يرى أن عبد الله بن زيد هذا هو راوي حديث الأذان وقد وهم "يقول: خرج رسول الله إلى المصلى" لأنه أبلغ في التواضع، وأوسع للناس، فيخرج الإمام بالناس متخشعًا متذللًا متضرعًا مظهرًا الحاجة، مظهرًا الفاقة، مظهرًا المسكنة لله -جل وعلا-، مجتنبًا موانع قبول الدعاء، هو ومن معه، عليهم أن يجتنبوا ما يمنع قبول الدعاء وإلا صار هذا استخفاف ما هو باستسقاء، والله المستعان.

وليتحرى أتقى الناس وأورعهم وأبعدهم عن أكل الحرام أن يستسقي بالناس، وأن يدعو لهم، وأن يصلى بهم، والناس في هذا المقام ليسوا بحاجة إلى مقامات وخطب رنانة، هم بحاجة إلى قلوب مقبلة خاشعة متذللة ضارعة إلى الله -جل وعلا-؛ ولذا كانوا يستسقون بالنبي -صلى لله عليه وسلم- بدعائه أفضل الخلق، وسيأتي أنه دعا فمطروا في الحال، ثم استسقى عمر -رضي الله عنه- بالعباس، يعني بدعائه لا بذاته، واستسقى معاوية بيزيد بن الأسود، المقصود أن الناس بحاجة إلى رجلٍ مخلص يستسقي لهم، وليسوا بحاجة إلى خطيبٍ يصف الكلام وينمقه ويرتبه، ويكثر من الأسجاع هذه لها مقامات، لكن في مثل هذا الموضع يختلف الوضع، والله المستعان.

"فاستسقى" وذلك في رمضان سنة ست من الهجرة "وحول رداءه حين استقبل القبلة" وفي البخاري من رواية الزهري عن عباد: "فقام فدعا الله قائمًا، ثم توجه قبل القبلة وحول رداءه"، وتحويل الرداء للتفاؤل بتحويل الحال وتغييرها، وبهذا جزم كثير من أهل العلم، وتعقبهم ابن العربي: بأن من شرط الفأل أن لا يقصد إليه، يعني يحصل مفاجأة، يحصل لك أمر تستحسنه وتستحسن اسمه، أو ما يقارنه فتتفاءل به خيرًا، يقول: "من شرط الفأل أن لا يقصد إليه" قال: "وإنما التحويل أمارة بينه وبين ربه" بين النبي -عليه الصلاة والسلام- وبين ربه، قيل له: "حول رداءك لتتحول حالك" قال ابن حجر: "وتعقب بأن الذي جزم به يحتاج إلى نقل، ما الدليل على أن هذه أمارة بين النبي -عليه الصلاة والسلام- وبين الله؟ ثم إذا كانت هذه أمارة جعلت بينه وبين ربه فماذا عن أتباعه هل نقول: هذه أمارة بين المسلمين وبين ربهم؟ هذا يحتاج إلى نقل، والذي رده هو التفاؤل، ورد في حديث رجاله ثقات كما يقول ابن حجر أخرجه الدارقطني والحاكم، فهو أولى من القول بالظن.

"وسئل مالك عن صلاة الاستسقاء كم هي؟ فقال ركعتان" في حديث ابن عباس -رضي الله عنه- قال: "خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متواضعًا متبذلًا متخشعًا مترسلًا متضرعًا فصلى ركعتين كما يصلي في العيد، لم يخطب خطبتكم هذه" [رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان] صلى ركعتان كما يصلي في العيد، يعني صفة صلاة الاستسقاء كصفة صلاة العيد، وصلاة العيد قبل الخطبة وإلا بعدها؟ قبل الخطبة، إذن صلاة الاستسقاء؟ قبل الخطبة، مقتضى قياسه على صلاة العيد أنها قبل الخطبة، وعلى هذا يكبر في أولها سبعًا، وفي الركعة الثانية خمسًا، على ما تقدم من تفصيل.

"فقال: هي ركعتان، ولكن يبدأ الإمام بالصلاة قبل الخطبة" يبدأ بالصلاة قبل الخطبة، يعني مثل صلاة العيد، في البخاري: "فاستسقى فاستقبل القبلة، وقلب رداءه فصلى ركعتين، فاستسقى فاستقبل القبلة، فقلب رداءه فصلى ركعتين، قد استدل بهذه الرواية من يقول بتقديم الخطبة، لكن وقع عند أحمد التصريح بأنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة.

"ثم يخطب قائمًا، ويستقبل القبلة" إذا فرغ من الخطبة "ويحول رداءه حين يستقبل القبلة، ويجهر في الركعتين بالقراءة" لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- جهر فيهما بالقراءة، وحكي في الإجماع على ذلك، "ويحول الناس أرديتهم" يعني هذا لا يختص بالإمام يحول الناس أرديتهم، وبهذا قال الجمهور، وقال الليث وأبو يوسف يحول الإمام وحده، ولا يحول المأموم، واستثنى ابن الماجشون النساء فقط، فقال: لا يستحب في حقهن، لا شك أن المرأة إذا صلت في مصلى الرجال من غير حاجز ولا فاصل أنه لا ينبغي لها أن تحول رداءها؛ لأنه يترتب على ذلك مفسدة، تنكشف أمام الرجال، لكن إذا كان النساء في مكان منعزل بحيث تستطيع أن تقلب رداءها وعباءتها من غير رؤية رجال أجانب فالأصل الاقتداء، وأن هن شقائق الرجال.

"إذا حول الإمام رداءه، ويستقبلون القبلة وهم قعود" الأصل أنهم قعود والإمام يخطب، فهل نقول: إذا أرادوا تحويل الرداء يقومون ويدعون قيامًا؟ أو يدعون وهم قعود؟ أو نقول: الأمر فيه سعة إن دعوا وهم قعود، إن دعوا وهو قيام؟ هذا إذا أمكنهم تحويل الأردية وهم قعود.

وتحويل الرداء يكون بجعل طرفه الأيمن على الأيسر والعكس، ولا يلزم تنكيسه كما يقول الإمام الشافعي -رحمه الله-، يجعل أعلاه أسفله أو أسفله أعلاه ما يلزم، نعم؟

طالب:........

الموجود يعني الذي عليه عباءة، بشت، رداء يحول، والذي ليس عليه إلا الشماغ مثلًا لا بأس، هو نوع من التحويل، يحصل به بعض المقصود.

طالب:........

نعم تحويل الحال.

طالب:........

نعم، جاء في السنن ما يدل أن الخطبة واحدة للعيد، لكن عامة أهل العلم جروا على أنها خطبتان، وفي الخبر ما يدل على ذلك، نعم وتشبيه صلاة الاستسقاء بصلاة العيد لا يعني أنه تشبيه من كل وجه؛ ولذا قال ابن عباس: "لم يخطب خطبتكم هذه".

طالب:........

نعم، الأمر فيه سعة، فإذا كان القيام أقرب إلى الخشوع والتواضع لا بأس، مثل الدعاء في يوم عرفة وغيره  يكون أولى.

 

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول: لدينا آلة تصوير في المدرسة نصور فيها أوراق تخص المدرسة، وكذلك الطلاب هل في ذلك شيء؟

أوراق تخص المدرسة، وهي آلة للمدرسة من أين تأتي الشبهة؟
نعم وكذلك الطلاب هل في ذلك شيء؟
أذا كانت يصور للطلاب جمعيًا من غير تخصيص لبعضهم دون بعض، أو لبعضهم دون بعض بالرسوم التي تعود إلى مصلحة المدرسة لا بأس.
طالب:.......
كيف......؟ آلة تصوير للمدرسة ويصور فيها أوراقًا تخص المدرسة؟ نعم على كل حال إذا كانت لا تطيق ما يطلب من تصويرها فهي أولويات، يبدأ بالأهم فالأهم، نعم، كذا؟
طالب:.......
يبدأ بالأهم فالأهم، والله أعلم.

يقول: نحن موظفون تصل إلينا تقاويم هدايا من قبل بعض المؤسسات والشركات التي لها تعاقد مع وكالتنا، فهل يجوز أخذ هذه التقاويم؟ وهل يجوز أيضًا استخدامها في المنزل أو جعلها في المسجد؟

الورع ألا تأخذ هذه التقاويم، الورع ألا تأخذ، لكن إن كانت تبذل لجميع الناس على حد سواء فأنت واحد من الناس، لكن الورع تركها.

يقول: هل من السنة أن تغطي المرأة رأسها عند شدة الألم؟

كيف تغطي رأسها؟ العصابة ما فيها شيء، عصب الرأس؟ ما فيه شيء.
طالب:........
هل من السنة أن تغطي المرأة رأسها؟ هذه مسألة حاجة إن احتيج للعصابة فعلت كعلاج، وإن لم يحتاج إليها فلا داعي لها.

الحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوصاه 0بصيام ثلاثة أيام من كل شهر بمعناه، لقد سمعنا بتضعيف هذا الحديث، فما مدى صحة هذا الكلام؟

هذا الكلام ليس بصحيح، وقد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا ثلاثة من أصحابه.
وإذا كان ضعيف فقد سمعنا منكم أن على طالب العلم أنه إذا ضعف هذا الحديث ألا يزهد في تحصيل هذا الأفعال كغيره من الناس؟
لا أدري والله ما الكلام هذا؟ على كل حال الحديث لا إشكال فيه، "أوصاني خليلي بثلاث" لا إشكال فيه، أما تعيين الثلاثة الأيام بالبيض فهذا ورد فيه أحاديث أقل منه، وهو حسن لغيره -إن شاء الله تعالى-.

يقول: هل تارك جنس العمل كافر كفر مخرج من الملة؟ مع الخلاف الموجود في حكم تارك الصلاة، فما قولكم فيمن يقول: إنه ليس بكافر ولا مبتدع؟

على كل حال العمل شرط صحة لصحة الإيمان، والمراد جنسه كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، إذ لا يتصور مسلم لا يعمل، يأمر بأوامر، وينهى عن نواهي ولا يعمل شيئًا البتة، هذا ما قرره شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في كتابه الإيمان.

هل يجوز قتل النصارى الموجودين في المملكة؟ وما رأيكم فيمن يقول: إن العهد نقض بقتالهم المسلمين؟

وإن العهد له شروط: وأن يسمعوا كلام الله، وأن يكون تجارًا، ولا تزيد مدة الإقامة على سنة، وأنه يجوز لأي أحد أن ينقض العهد كما في قصة خزاعة وبني بكر، نرجو التعليق -أثابكم الله- لأنه أمر خطير، ووجد من يفتي به خارج المملكة؟
على كل حال تعريض الأمن لأي بلد آمن لا يجوز بحال، لا سيما إذا ترتب عليه ضرر على المسلمين، فكيف بهذه البلاد التي هي مصدر الإسلام، ومرجعه ومأواه، ومعقل المسلمين؟! لا يجوز بأية حال أن يتعرض لأحد، من استحق القتل فالذي ينفذ ولي الأمر فقط، هذا بالنسبة لمن استحق القتل، لا يجوز لأحد أن ينفذ وإن كان مستحق للقتل من غير جهة ولي الأمر، فإن الحدود إليه لا إلى غيره، والأمن كما ذكرنا في مقدمة صلاة الخوف شيء لا يعدله شيء، أمر في غاية الأهمية في حياة الناس كلهم، للمسلمين وغيرهم، كيف يأمن على نفسه؟ كيف يأمن على عرضه؟ كيف يأمن على ماله؟ كيف يأمن على دينه؟ كيف يؤدي؟ كيف يتعبد وهو خائف؟ فتعريض هذا الأمن لأي خلل جريمة من أعظم الجرائم، نسأل الله العافية.