شرح ألفية الحديث للحافظ العراقي (40)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح ألفية الحافظ العراقي (40)
(تابع كتابة الحديث وضبطه - المقابلة)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
أشرنا في الدرس الماضي بالأمس أن ما يتعلق بالمصطلح الخاص المقصود في هذا الفن الذي يترتب عليه التصحيح والتضعيف إنه انتهى في النصف الأول من هذه الألفية، وما بقي إلا ما يتعلق بملح هذا الفن مما له صلة –أيضًا- بالعلوم الأخرى.
واستشكل بعض الإخوان من هذا الكلام أننا نقلل من قيمة وأهمية ما بقي، وليس الأمر كذلك، ولم أقصد بهذا التقليل من شأن النصف الثاني، بل ما كتب في علوم الحديث لا سيما في الألفية وشروحها هو أفضل ما دون بالنسبة للتعامل مع الكتب المخطوطة القديمة وتصحيحها، والتعليق عليها، من أجل نشرها، في قواعد البحث العلمي، منه ما يتعلق بإنشاء الموضوعات، وكتابة الموضوعات الذي هو التأليف، ومنها ما يتعلق بتحقيق المخطوطات، وخير ما يقرأ في هذا الجانب ما دوّن في كتب علوم الحديث، يعني كتابة الحديث وضبطه، والتعامل مع كتب الحديث، وأجزاء الحديث، ونسخ الحديث، والأصول، والفروع، والمقابلة، والتصحيح، والتضبيب، واللحق، والتعليق، هذا كله يحتاج إليه طالب العلم لكي يتعامل مع الكتب الخطية، لا يمكن أن يستغني بالكتب المطبوعة عن المخطوطات، بل لا بد أن يحتاج في يوم من الأيام إلى مراجعة المخطوطات، وإذا لم يكن على دراية ومعرفة بما كتبه علماء الحديث في هذا الباب، كل العلوم يرجعون إلى ما كتبه المحدثون في هذا الباب.
ليس معنى هذا أن ما كتب عبث، لا، أو تسلية، لا، لكن ما يتعلق بتصحيح الحديث، وتضعيفه هذا تقدم، بقي ما يتعلق به وبغيره، لكن أهل الحديث لهم السبق في هذا، وكتبوا ما يغنيهم، ويغني غيرهم في هذا الباب، يعني الكتب المخطوطة، مقابلة فروعها على أصولها هذا يستوي فيه الكتاب، سواءً كان كتاب حديث، أو تفسير، أو فقه، أو عقيدة، أو غيرها من الفنون، وكيف تصحح؟ كيف تقابل فروعها على أصولها؟ كيف تصحح؟ كيف يكتب اللحق الساقط؟ كيف يمحى بعض الكلمات دون بعض؟ يعني إذا تكررت الكلمة ما الذي تمحى منهما؟ يعني هل هذا خاص بكتب الحديث؟ إذا تكررت الكلمة، وأنت تكتب، آداب الكتابة، آداب المقابلة، آداب..، أمور كثيرة موجودة دونت في غاية الأهمية لطالب العلم لا يمكن أن يستغني عنها، والذي يستغني عنها لا شك أن عمله سوف يكون مشلولًا، نعم هناك أمور تطورت، وتغيرت، يعني كتابة اللحق الذي يدرس في درس اليوم -إن شاء الله تعالى-، استغنى عنه المعاصرون بالأرقام، يضع رقم على الكلمة أو على ما يريد شرحه، وبيانه، أو إلحاقه من ساقط ونحوه، وبالأقواس، وما أشبه ذلك، لكن يبقى أن المرجع والمآل إلى ما كتبه أهل العلم في هذه الأبواب.
بقي من الباب السابق قول الناظم -رحمه الله تعالى-:
واكتب ثناء الله والتسليما |
| مع الصلاة للنبي تعظيمًا |
ما يتعلق بالثناء على الله -جل وعلا- من قول: سبحانه وتعالى، أو قول: عز وجل، وما يتعلق بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو الترضي على الصحابة، أو الترحم على من بعدهم، هذا يقول أهل العلم: إنه ليس من باب الرواية، وإنما هو من باب الدعاء والثناء، وعلى كل حال إذا وجدت ذكر لله -جل وعلا-، وقلت: سبحانه وتعالى، أو عز وجل، وهو لا يوجد في الأصل؛ ما يقال أن هذا يخالف الأمانة العلمية؛ لأنك زدت في الكتاب ما ليس منه؛ لأن هذا لا يقرأ على أساس الرواية، ومثله لو وجدت اسم النبي -عليه الصلاة والسلام- مجردًا، وقلت: صلى الله عليه وسلم، ما يقال: إن هذا ينافي الأمانة العلمية، بل هو دعاء للنبي -عليه الصلاة والسلام-، أبو بكر، أو عمر، أو عثمان، أو علي، أو غيرهم من الصحابة، تقول: رضي الله عنه، ومن بعدهم تترحم عليه، ومثل هذا لا يحتاج إلى أن يوجد في الأصل، وإن كان بعضهم من أهل التشديد يرى أنك لا تزيد على ما في الكتاب، ولا تنقص منه، وإذا أردت أن تصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ يقول: ارفع رأسك عن الكتاب، لا تنظر في الكتاب، ليعرف أنك تقرأ من تلقاء نفسك لا من النظر في الكتاب، هذا زيادة تحرٍّ، وإلا ما يترتب عليه شيء.
يقول:
واكتب ثناء الله والتسليما |
| ................................... |
ثناء الله: يعني أثني على الله -جل وعلا-، فإذا مر ذكره فقل: عز وجل، سبحانه وتعالى،
........................والتسليما |
| مع الصلاة للنبي تعظيمًا |
إذا مر ذكره -عليه الصلاة والسلام- تقول: صلى الله عليه وسلم، بالجمع بين الصلاة والتسليم، ولا تقتصر على الصلاة فقط، ولا على السلام فقط، فتجمع بين الصلاة والسلام امتثالًا للأمر، في آية الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب]، ولا يتم الامتثال إلا بالجمع بين الصلاة والتسليم، والاقتصار على أحدهما أطلق النووي الكراهة فيه، يقول: يكره أن تقتصر على السلام، كما أنه يكره أن تقتصر على الصلاة دون السلام، وانتقد الإمام مسلم في صنيعه بمقدمة صحيحه حيث اقتصر على الصلاة، انتقده، قال: إن الامتثال ما تم، حتى يقول: وسلم، وأطلق الكراهة، لكن جمع من أهل العلم كابن حجر، وغيره يرون أن الكراهة إنما تتجه في حق من كان ديدنه ذلك، يعني باستمرار يصلي ولا يسلم، أو يسلم ولا يصلي، أما من كان يصلي أحيانًا، ويسلم أحيانًا، ويجمع بينهما أحيانًا، هذا الكراهة لا تتجه في حقه، نعم؟
طالب:......
وبركاته.
طالب:......
كيف؟
طالب:......
يعني الصيغة، المقصود أنك تصلي وتسلم، سواءً قلت: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام، ما يختلف، أما زيادة البركة التي جاءت في الصلاة الإبراهيمية: اللهم بارك على محمد، فهذه كالصلاة على الآل، يعني قدر زائد على امتثال الأمر، نعم في الصلاة بعد التشهد لا بد أن تأتي بما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- بحروفه بحيث لا يجوز أن تغير؛ لأنه لفظ متعبد به، لا تزيد ولا تنقص؛ لأنه لفظ متعبد به، أما خارج الصلاة فإذا جمعت بين الصلاة والتسليم كفى، وتم امتثال قوله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب]، وإذا أردت أن تزيد، وتعطف على النبي -عليه الصلاة والسلام- غيره من الآل والأصحاب، ومن تبعهم بإحسان ما فيه إشكال، بعضهم يقول: اللهم صلِّ وسلم على النبي المختار، وعلى أصحابه من المهاجرين والأنصار، يكفي، وإلا ما يكفي؟ هل عم الصحابة بقوله: من المهاجرين والأنصار؛ لأنه وجدت مكتوبة، ووجدت –أيضًا- مسموعة وبكثرة، من أجل السجع، يعني بعد فتح مكة من أسلم بعد الفتح هل يلزمه الهجرة؟ لا هجرة بعد الفتح، وهل يسمى مهاجرًا أو أنصاري مثل هذا؟ ليس بمهاجر، ولا أنصاري، وحينئذ لا تشمله الصلاة المعطوفة على الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ففي مثل هذا الأسلوب نقص، نقص يخرج بعض الصحابة.
يقول:
واكتب ثناء الله والتسليما |
| مع الصلاة للنبي تعظيمًا |
يعني ولو لم تجده في الأصل، وإن كان هذا مسقط في الأصل، فليس عليك، ولا يلزمك أن تتقيد بما في الأصل؛ لأن هذا كما قال أهل العلم: ليس من باب الرواية، وإنما هو من باب الثناء والدعاء "وقد خولف" في الصلاة "في سقط الصلاة أحمد" الإمام أحمد -رحمه الله- إذا لم تكن الصلاة والسلام على النبي -عليه الصلاة والسلام- في الأصل ما يذكرها، ما يقولها، وهذا لا شك أنه، وإن كان من مذاهب أهل التشديد، إلا أنه بالنسبة لأحمد –عمومًا- يعني إذا ترك اتباعًا لحرفية الكتاب هو من جهة تحرٍّ من حيث الزيادة على الكتاب المزبور، ومن جهة أخرى فيه تفريط لما رتب من الأجر على الصلاة والسلام عليه، لكن أهل العلم قالوا: بالنسبة للإمام أحمد إنه يصلي لفظًا، يعني إذا نسخ كتاب الإمام أحمد، أو نسخ أحاديث، وليس فيها الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد ذكره ما يكتبها، لكنه يصلي عليه لفظًا، وهذا هو المظنون به -رحمه الله-، وقد خولف في هذا، فعامة أهل العلم على أنهم يكتبونها، ولو لم تكن موجودة في الأصل، يكتبونها في الفرع، وينطقون بها التماسًا للأجر؛ ولذا قال:
........................... وقد |
| خولف في سقط الصلاة أحمد |
يعني إنما ينطق بها نطقًا، ولا يكتبها، ولا يرويها من أراد الرواية عنه، تبعًا للأصل.
والعنبري وابن المديني بيضا |
| لها لإعجال وعادا عوضا |
يكتبون من لفظ الشيخ، الشيخ إما في مجلس إملاء، أو في مجلس تحديث، وهم يكتبون عنه، فبدلًا من أن يكتب -صلى الله عليه وسلم-، أربع كلمات تحتاج إلى وقت مع كثرة المكتوب، ومع كثرة تكرار هاتين الجملتين يتركون بياضًا، فإذا انتقلوا من مجلس التحديث كتبوها في مواضع هذا البياض؛ اغتنامًا للوقت، وليس على جهة الإسقاط، إنما هو اغتنام للوقت.
والعنبري وابن المديني بيضا |
| لها لإعجال وعادا عوضا |
يعني سدد هذا البياض.
واجتنب الرمز لها والحذفا |
| منها صلاة أو سلامًا تُكفى |
"اجتنب" الرمز يعني لا تقتصر على حرف، أو على حرفين، أو على أربعة حروف، كما فعل بعضهم، بعضهم يكتب: (ص) رمزًا لها، وهذا كثير في كتابات المتأخرين، وبعضهم يكتب: (صم)، وبعضهم يكتب: (صلم)، وبعضهم يكتب: (صلعم)، ويذكر أهل الحديث في هذا الباب، في هذا المجال أن أول من رمز لها قطعت يده، ولا شك أن الأجر المرتب على الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، من صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشرًا، لا يناله من اقتصر على الرمز، بل لا بد أن تكتب كاملة، ومما ينبغي أن يتنبه له أن بعض الناس -مثل ما أشرنا في درس الأمس- يأكل بعض الحروف، فإذا أراد أن يقول: صلى الله عليه وسلم، ما يتبين ولا نصف المطلوب، هذا نسمعه حتى من بعض من ينتسب إلى العلم، إذا أراد أن يقول: صلى الله عليه وسلم؛ أكل بعض الحروف، وهذا موجود، هذا –أيضًا- الأجر ناقص، بقدر ما خفي من الحروف، هذا ما يصح أنه صلى على النبي -عليه الصلاة والسلام-، إنما نيته يؤجر عليها، وما برز من الحروف يؤجر عليها، والباقي لا يناله نصيب من الأجر، فينتبه لمثل هذا، تحقق الحروف من أجل ترتب الأجر والثواب عليها، وهذا في القرآن أمره أشد، الذي يزعم أنه يقرأ القرآن، ويختم القرآن مع العجلة والسرعة، ويظن أنه حاز على الأجر الكامل، وقد أخفى بعض الحروف، أو ما نطق ببعض الحروف هذا أجره ناقص بقدر ما يخفيه من هذه الحروف، نعم؟
طالب:......
هو لا شك أن الأجر مرتب على النطق بالجملة، لكن هناك أجورًا مرتبة على الكتابة باعتبار أنه نبه القارئ، صار سببًا في الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- من كل من يقرأ هذا الكلام فله مثل أجورهم، وجاء حديث لكنه متفق على ضعفه أن من كتب -صلى الله عليه وسلم- في كتاب لم يزل ما أدري كم، أجور عظيمة رتبوا على هذا، المقصود أنه لا حاجة لنا به؛ لأنه متفق على ضعفه؛ ولذلك تجد بعض الناس يمر على المصاحف في المساجد، وفي الحرمين على وجه الخصوص، ويكتب -صلى الله عليه وسلم-.
طالب:......
على كل حال ما يتعلق بعلي -رضي الله عنه- فخصه كثير من الكتاب بـ "كرم الله وجهه"، وسئل بعضهم وقال: لأنه لم يسجد لصنم، وبعض الجهات التي يكثر فيها من ينتصر له يقولون: عليه السلام، كثير هذا، وإن كانوا محسوبين على السنة، وعلماء السنة لكن البيئة فرضت مثل هذا، يعني تجد كتب الصنعاني، وكتب الشوكاني كلها -عليه السلام- يكتبون، لكن هذا لا شك أنه من التأثر بالبيئة، وإلا فليس بأفضل من أبي بكر، وعمر، وعثمان -رضي الله عن الجميع-.
طالب:......
ما فيه إشكال؛ لأنه لا يخشى أن تختلط بشيء، لا يظن أنها مقول القول، لن يظن أحد أنها مقول القول، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تظنها مقول القول، لا شك أن علامات الترقيم مما يزيد الكلام إيضاحًا، ووضوحًا، ووضعها في غير موضعها يوقع في حرج عظيم، يوقع في حرج، يعني لو تقول: قال رسول الله -وتضع نقطتين-: صلى الله عليه وسلم، ظن القارئ أنها هي مقول القول، لكن مع بعده ينبغي أن يجتنب مثل هذا، لكن أحيانًا تقلب المعنى، إذا وضعت علامة الترقيم في غير موضعها انقلب المعنى: ((من اقتنى كلبًا..)) نعم غير المستثنى ((... نقص من أجره في كل يوم قيراط)) متفق عليه، ولمسلم كذا، رواية أخرى، وفي رواية "وضع نقطتين" : له قيراطان، لما وضع النقطتين قبل له، انقلب المعنى، وفي رواية له، يعني لمسلم، وينقص قيراطان، فالذي يعتني بعلامات الترقيم لا شك أنها تزيد الكلام في الوضوح، لكنها توقع في إشكال كبير إذا وضعت في غير موضعها.
واجتنب الرمز لها والحذفا |
| منها صلاة أو سلامًا تكفى |
اجتنب الحذف لأحد الجملتين، بل اجمع بينهما تكفى، يعني تكفى أمر دينك، وأمر دنياك، وجاء في الحديث عند أحمد، والترمذي: "أرأيت إن جعلت لك ربع صلاتي، ثلث صلاتي، نصف صلاتي، أجعل لك صلاتي كلها"؟ قال: ((إذن تكفى))، والمقصود أنه يصلي عليه -عليه الصلاة والسلام- مع صلاته، سواءً كانت الشرعية، أو اللغوية إذا دعا، فتختم الصلاة الشرعية بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم الدعاء، والأدعية –أيضًا- خارج الصلاة تختم بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-.
سم.
أحسن الله إليك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
المقابلة
ثم عليه العرض بالأصل ولو |
| إجازة أو أصل أصل الشيخ أو |
لما انتهى الناظم -رحمه الله تعالى- مما يتعلق بكتابة الحديث، وضبطه، بقي بعد ذلك المقابلة، المقابلة على الأصل، هذا المكتوب الفرع لا بد أن يقابل على الأصل بحيث يؤمن الغلط؛ لأن الكاتب مهما بلغ من الحذق والنباهة لا بد أن يسقَط، لا بد أن يكرر، والناس يتفاوتون، منهم من يسقط الشيء الكثير، ومنهم من سقطه قليل، ومنهم من تكراره كثير، ومنهم من تكراره قليل، وتؤمن الزيادة والنقص بالمقابلة على الأصل، الذي نسخ منه الكتاب، المقابلة يحتاجها من يعاني التحقيق، تحقيق المخطوطات، أمر لا بد منه؛ ولذا نسخ، أو نشر كتاب ليس له إلا نسخة واحدة، وليس على هذه النسخة ما يدل على اهتمام ناسخها بها لا شك أنه تحقيق ناقص، كم استغلق من كتاب بسبب عدم المقابلة، يعني بدءًا من..، سمه أسوأ ما طبع، أو من أسوأ ما طبع، عارضة الأحوذي لابن العربي في مطبعة الصاوي والتازي، قبل سبعين، أو ثمانين سنة، في ثلاثة عشر جزءًا، هذا الكتاب مثال لسوء الطباعة والعناية، لا تكاد تستقيم لك جملة واحدة، أو سطر واحد، والكتاب في جملته كأنه أعجمي، لماذا؟ لأنه ما فيه عناية، ما جمعت نسخه، ولا قوبلت هذه النسخ، فخرج بهذه الكيفية، يعني يحتاج إلى مثله للتصويب، حتى أن الطابع أدخل تعليقات بعض المعاصرين في الكتاب، فأذهب قيمة الكتاب، الكتاب مازال بحاجة إلى إخراج مناسب لقيمته، هذا سببه ماذا؟ عدم المقابلة، فسواءً كانت في نسخ الكتب، أو في طبعها، كلها تحتاج إلى مقابلة، يعني ماذا يظن بكتاب أخطئ في عنوانه؟ ماذا يظن في مضمونه؟ "جزء القراءة خلف الصلاة" عنوان الكتاب، "جزء القراءة خلف الصلاة" هل يستطيع طالب علم أن يثق بهذه الطبعة، والعنوان غلط، وهو: "جزء القراءة خلف الإمام" للإمام البخاري، والسبب في ذلك هو الاستعجال؛ لأن النيات كما دلت القرائن على ذلك، وإلا ما في القلوب لا يعلمه إلا علام الغيوب، لكن القرائن دلت على هذا، هذه الأخطاء تدل على أن المقصد تجاري؛ ولذا تجدون في النساخ في القديم والحديث منهم صاحب العناية، ومنهم المرتزق، المقصود أن المطابع الآن حلت محل الوراقين، وتجد البون الشاسع بين مطبعة ومطبعة، وهذا المستعجل صارت سمعته رديئة، ودخله ضعيف، ولو كثرت مطبوعاته، بينما الذي عرف بالتحري، والتحقيق، والتدقيق أقبل الناس على منشوراته، يعني يبالغ في بعض الكتب المخطوطة بحيث تباع بأضعاف مضاعفة عن نسخ أخرى، كلها بسبب العناية والمقابلة، يعني لو وجدنا –مثلًا- نسخة من البخاري، يعني موجودة في تركيا، نسخة كتبت في القرن السادس، وتداولها الأئمة قرأها مجموعة من أهل العلم قرأها المزي، وقرأها ابن سيد الناس، وقرأها الحافظ العراقي، وكلهم لهم لمسات واضحة على الكتاب، هذه ما قيمتها؟ يعني شيء ما يخطر على البال، يعني لو عرضت كان ما تقدر بثمن، بينما النسخ الخطية تباع الآن كاملة بخمسة آلاف، ستة آلاف وكأنها..، ومع أنه بيع من المطبوع بخمسة آلاف، لأنها ما لها قيمة، ما لها ميزة إلا أنها خطية، وقل مثل هذا في المطبوعات، المطابع التي عرفت بالتحري، والعناية كتبها أقيامها مرتفعة جدًّا، بينما المطابع التي همهم التجارة، ولا يعتنون لا بمقابلة ولا شيء، يعني فيه كتاب طبع في مجلدين مكتوب على الصفحة الأولى: تحقيق وتعليق فلان، وعندك كتاب محرف، مع أنه قال: تحقيق، وتعليق ما فيه إلا ترقيم الآيات فقط، وقال: تحقيق، ما فيه أي أثر لمقابلة، ولا تعليقة واحدة إلا ترقيم الآيات، وجاء في جدول الخطأ والصواب، وكتب صفحة العنوان، يعني بدل ما يكتب رقم واحد صفحة العنوان صحيح، تعليق هذا خطأ، صواب شرح، يعني كيف يوثق بمثل هؤلاء؟
أيضًا في الكتب المطبوعة لا بد من العناية بها، دعونا من كون الكتاب يقابل، ويتعب عليه، ثم بعد ذلك يعثر على أخطاء يسيرة، هذا لا بد منها، لا بد أن يوجد خطأ، وما في كتاب يسلم إلا كتاب الله -جل وعلا-، يعني الطبعة السلطانية توافر على تصحيحها سبعة عشر من أعلم أهل زمانهم في هذا الفن، سبعة عشر، وبالفعل ضبطوها وأتقنوها، ثم بعد ذلك لما روجعت وجد في كل جزء خمسة، ستة، إلى عشرة أخطاء، تلوفيت هذه الأخطاء في الطبعة الثانية، ومع ذلك الطبعة الثانية إذا روجعت بدقة لا بد أن يوجد فيها، يعني في طبعة المصحف في المجمع، يعني قبل أن تظهر الطبعة الأولى، يقول القائمون عليه: إنه في المراجعة مائة وواحد وأربعين شوف كيف المراجعة، وهذا من حفظ كتاب الله -جل وعلا-، من حفظ الله لكتابه أن هيأ مثل هذه المؤسسات التي تعتني بالقرآن بدقة، يعني المراجعة مائة وأربعين مرة، وجد لا في حرف خطأ، ولا في نقط، ولا في شكل، إلا في شكل اعتادوا أن يقدموا مثلًا فتحتين أحيانًا تصير الأولى متجهة إلى اليمين والثانية تحتها متجهة إلى اليسار في بعض السور، نعم؟
طالب:......
قالوا: إنه ما طبق هذا في موضع واحد، هذه الدقة، ونحن زرناهم، وشرحوا لنا قالوا: لو وجد نقطة، أي نقطة بأي لون كان، ولو كانت في حاشية المصحف يعني نقطة صغيرة جدًّا إما سوداء، وإلا حمراء فورًا تتلف، وهذا من حفظ الله لكتابه، أما الكتب الأخرى ما يصل إلى هذا الحد، لا يلزم أن يصل إلى مثل هذا الحد، لكن –أيضًا- يجب أن تخرج كتب العلم بصورة مناسبة ينتفع بها طلاب العلم، وأما ما يوجد في الأسواق فكثير منه غثاء، غثاء "جزء القراءة خلف الصلاة" هذا العنوان؟! عجب!.
يقول: "المقابلة" وهي العرض، يعني عرض النسخة الثانية على النسخة الأولى.
صحيح البخاري فيه نسخة يقال لها: اليونينية، اليونيني جمع روايات الصحيح كلها، جمع روايات الصحيح، وقابل هذه الروايات بعضها على بعض، وأثبت الفروق برموز، هذه يقال لها اليونينية، ثم نسخ منها فرع، وقوبل هذا الفرع على أصله ست عشرة مرة، بحيث صار لا فرق البتة بين الفرع والأصل، ولذا القُسْطلَّاني لما أراد شرح البخاري اعتمد على الفرع؛ لأنه ما وجد الأصل، اعتمد على الفرع، فرع اليونينية، ثم بعد ذلك يقول: وجدت المجلد الثاني من الأصل يباع فاشتريته، وقابلت عليه، فإذا لا فرق بين الأصل والفرع، ثم وجد المجلد الأول بعد حين كذلك؛ ولذلك تجدونه يقول: كذا في فرع اليونينية كهي، ما قال: كذا في اليونينية، وهذه دقة؛ لأنه الأصل مقابلة الكتاب على الفرع، فما تجاوز الفرع؛ لأنه وجد الأصل، وهكذا ينبغي أن يكون طالب العلم، فإذا سلم طالب العلم من العجلة، العجلة هذه هي التي تجعله يتجاوز، ولا يستطيع أن يراجع؛ لأن بعض الناس يكتب الخطاب صفحة واحدة، وما عنده استعداد يعيد النظر فيه، ثم يلاحظ عليه ما يلاحظ، وبعض الناس يأخذ الورقة مكتوبة موجهة لغيره، ومن العجلة ينظر فيها، ويشرح عليها يظنها له، هذا ما يصلح، ما يمشي في العلم أبدًا، ورأينا من دقة بعض المسئولين أنه إذا حرر الخطاب، وأعطاه الناسخ، ثم أعطاه، رده إليه ليراجعه وجد فيه نقطة ناقصة، حاء، والمفترض تكون خاء، أو جيم، استدعى الناسخ، وقال: راجع، وصحح، الآن النسخ بحبر أسود، ومعه قلم أسود بإمكانه أن يضع هذه النقطة، لكن من أجل ماذا؟ يرد على الناسخ، ويقول له: صحح، وآت به مرة ثانية، واستخرج الخطأ أنت، من أجل أن ينتبه مرة ثانية؛ لأنه لو صحح له ما اهتم المرة الثانية، يعني العلم لا بد من العناية به، ولا بد من الاهتمام به، هناك ألفاظ، ألفاظ يعني تروى في الكتب، وتتابع الناس عليها، ثم مع التحقيق، ومع التحري، ومراجعة الأصول يوجد أن فيها خلل؛ ولذا يعقد أهل العلم مثل هذه الترجمة، المقابلة.
ثم يقول:
ثم عليه العرض بالأصل ولو |
| إجازة أو أصل أصل الشيخ أو |
"فرع مقابل" عليه العرض بالأصل، يعني الفرع إذا لم يقابل، نسخ الكتاب، ولم يقابل، ثم جاء ناسخ، ونسخ من هذا الفرع الذي لم يقابل، ثم جاء ثالث، وأوجد فرع الفرع، وهكذا، يعني إذا نسخ الكتاب، ولم يقابل، ثم نسخ ولم يقابل، كما يقول أهل العلم: خرج أعجميًّا؛ لماذا؟ لأن الناسخ الأول وجد عنده أخطاء، الناسخ الثاني يوجد عنده أخطاء زائدة على ما عند الناسخ الأول، وهكذا، ثم بعد ذلك يخرج أعجميًّا؛ لكثرة الأخطاء، ولا يستقيم إلا بالمقابلة.
"ثم عليه العرض" وهو المقابلة، عرض الفرع على الأصل،
ثم عليه العرض بالأصل ولو |
| إجازة .......................... |
يعني ولو كان يروي الكتاب بالإجازة، ينسخ كتاب الشيخ الذي أجيز به بنفس الرواية التي يروي بها الشيخ، يعني لو افترضنا أن شيخًا مسندًا، يروي صحيح البخاري بالسند المتصل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو إلى البخاري، ثم بإسناد البخاري إلى آخره أجيز به فلان، ما يكفي أن يذهب إلى المكتبات، ويشتري أي نسخة، ويحدث يقول: عن فلان عن فلان عن شيخه الذي أجازه، لا، لا بد أن تعرف نسخة شيخك، ولو كنت تروي عنه بالإجازة، لاحتمال أن تكون رواية شيخك تختلف عن الروايات الموجودة في الأسواق، ينتبه لمثل هذا؛ لأن بعض الإخوان يحرص على الإجازات، ثم بعد ذلك يروي من صحيح البخاري أي طبعة كانت، أو أي نسخة وجدت، يمكن شيخك يروي على رواية أبي ذر، وأنت وجدت رواية النسفي مثلًا، أو رواية غيرهما من الرواة، ما يصلح؛ ولذلك تجدون الفروق في الكلمات كثير، في الحروف كثير، في الزيادة والنقص من الأحاديث –أيضًا- موجود، قالوا: رواية حماد بن شاكر تنقص عن رواية غيره ثلاثمائة حديث، طيب إذا كان شيخ يروي عن طريق حماد بن شاكر، وأنت وقفت على نسخة برواية غيره، وفي زيادة ثلاثمائة حديث عن مرويات شيخك، هل يسوغ هل يجوز لك أن تروي عن شيخك هذه الأحاديث؟ لا يجوز؛ ولذلك قال: "ولو إجازة أو أصل أصل الشيخ" قلت لشيخك: أنا أريد نسختك لأنسخ منها، أو أقابل عليها، عندي نسخة أقابلها على نسختي، والله نسختي استعارها واحد وسافر، وما ندري متى يأتي، ابحث عن نسخة شيخ شيخك، أو أصل أصل الشيخ، يعني النسخة التي نسخ منها الشيخ، لماذا لا نبحث عن نسخة شيخ الشيخ، أصل الأصل مباشرة إذا كانت موجودة، لماذا؟ يعني نفترض أن زيدًا يروي عن عمرو، وعمرو يروي عن بكر، زيد أراد نسخة عمرو، قال: أنا والله أعرتها، ولم أدرِ متى تأتي، أو تلفت، احترقت، ضاعت، ابحث عن نسخة بكر، لماذا لا يبحث زيد عن نسخة بكر من غير مرور بعمرو؛ لأنها هي الأصل؟ أصل الأصل؟
طالب: ليروي عن عمرو.
هو فيه احتمال أن يكون هناك فروق يسيرة بين الأصل وأصله؛ ولذلك كونك تلتزم بنسخة من تروي عنه لا شك أن هذا أضمن، وأضبط "أو أصل أصل الشيخ أو فرع مقابل" قال لك الشيخ: والله ضاعت نسختي، تلفت، ولك زملاء نسخوا، أو قابلوا نسخهم على نسخة الشيخ هذا فرع مقابل، مثل ما قلنا في فرع اليونينية.
أو فرع مقابل وخير العرض مع |
| أستاذه بنفسه إذ يسمع |
"وقيل: بل مع نفسه"،
................خير العرض مع |
| أستاذه بنفسه إذ يسمع |
يعني أنت عندك نسخة، والشيخ الذي تروي عنه عنده نسخته، المقابلة على نسخة شيخه كما هو المفترض تقابل مع شيخك، شيخك يكون معه نسخته، وأنت معك نسختك، وتقابل هذه النسخة على هذه النسخة، وإذا كان هناك فروق تثبت، هناك أخطاء تصحح، أسقاط تلحق، وهكذا.
"مع أستاذه بنفسه" ما يوكل أحدًا، هذا الأصل أن الإنسان لا يثق بغيره "إذ يسمع وقيل: بل مع نفسه" يستعير نسخة الشيخ، وينظر في النسختين، الآن في مقابلة الأصول الخطية، يعني هذا مر على كثير من الناس، الرسائل الجامعية، أو غيرها، تجد الناس طرفين ووسط، من الناس من يستأجر من يقابل الأصل والفرع مع غيره، كلاهما مع غيره، يدفع أجره لزيد وعمرو، ويقول: قابل فقط، انتهينا، والأجير في الغالب ما هو مثل صاحب الحاجة، تجدهم يتساهلون، وأيضًا يتفاوتون، ولا في أحرص من الإنسان على عمله هو، ما يوجد، هذا تفريط، وبعضهم يقول: لا، أنا أقابل النسختين بنفسي، يكون عندي الأصل هنا، والفرع هنا، وأنظر في هذا كلمة كلمة، وهذا تشديد أيضًا، وقد يفوت شيئًا؛ لأن النظر قد لا يستوعب النظر في الأمرين معًا، منهم من يقول: أنا أسجل الأصل على شريط، ما أعتمد على أحد، وهذا فعله بعض الزملاء، سجل الأصل على شريط، وأسمعه من الشريط، وصحح الفرع، أو علق على الفرع من الأصل، نعم؟
طالب:......
هذا، لا، الخطأ يعني قليل بالنسبة لهذا، لكنه تشديد على النفس، يعني إذا وجد من يقابل معه، هو لا بد أن يكون موجودًا، أما الاعتماد على الغير هذا تفريط، لابد أن يكون موجودًا، ومعه ثقة، يكون معه ثقة؛ لأن بعض الناس، ما هو أجير، دع الأمور تمشي فقط، ما يكلف نفسه أنه يرد كل كلمة، وبدل ما تكون الجلسة ثلاث ساعات خلها ساعة، ماذا يصير؟ يعني ما هو بمهتم والعمل لن يخرج باسمه، هو ليس بأمين، ولا ثقة في هذه الحالة، لكن إذا وجد ثقة لا يستجيز مثل هذا الإمرار يمكن أن يعتمد عليه.
وقيل: بل مع نفسه واشترطا |
| بعضهم هذا .................... |
"اشترط بعضهم هذا" أنه لا يعتمد على أحد، جعله شرط لصحة الرواية من هذا الفرع، لا بد أن يقابل بنفسه الأصل والفرع كلاهما بين يديه:
...................... واشترطا |
| بعضهم هذا وفيه غلطا |
لأن هذا لا شك أنه تعنت، بل إذا وجد الأصل أو الفرع بيد ثقة، والنسخة الأولى بيد صاحب العمل يكفي:
ولينظر السامع حين يطلب |
| في نسخة وقال يحيى: يجب |
يقول: إذا حضر الطلاب مجلس التحديث الشيخ يحدث، لا بد أن يكون بيد الطالب نسخة ينظر فيها، ما يأتي هكذا: "يسعى إلى الهيجاء بغير سلاح"، ما يصلح طالب علم يأتي بغير كتاب؛ ولذا قال:
ولينظر السامع حين يطلب |
| في نسخة وقال يحيى: يجب |
يجب أن يكون معه نسخة ينظر فيها، يحيى بن معين قال: يجب أن يكون معه نسخة ينظر فيها، أما الشخص الذي يأتي إلى الدروس بغير كتاب هذا قليل ما يفلح، هذا لا يفلح إلا نادرًا.
قال: ومثله الذي يجعل الكتاب مثلًا في محل الدرس، ويخرج بدونه، أو لا ينظر في الكتاب إلا في وقت الدرس، هذا يقولون: قل أن يفلح، فكيف إذا كان يحضر يدرس من غير كتب؛ ولذا قال يحيى بن معين: يجب النظر، نظر السامع حين يطلب العلم في نسخة، ولا يكتفي بمجرد السماع، بعضهم يقول: لا يجب، لكنه عند الرواية إذا أراد أن يروِّي لغيره لا بد أن يعتمد على أصل مقابل على أصل الشيخ.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
ولينظر السامع حين يطلب |
| في نسخة وقال يحيى: يجب |
يحيى بن معين يرى أنه لا بد أن توجد معه نسخة ينظر فيها أثناء السماع، وأشار الإمام يحيى مع إيجابه لهذا الأمر أن رواية كثير من الشيوخ على خلاف ما أوجبه، أنهم يحضرون بدون نسخ، والنسخة إنما تشترط عند الأداء، يعني كما هو الشأن في شروط التحمل، وشروط الأداء، يعني يصح تحمل الصبي، يصح تحمل الكافر، يصح تحمل الفاسق، يعني ما يشترطون للتحمل شروطًا، لكن عند الأداء لا بد من استيفاء الشروط التي ذكروها، نعم؟
طالب:......
والعبرة في وقت الأداء، فإذا أدى ما سمعه مع توافر الشروط: ضبط، وإتقان، وأدى الشيخ كما سمع هذا ما أحد يرده، هذا الأصل، يعني رواية أبي بكر وعمر على هذا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا هو الأصل في الرواية، لكن لما اعتمد الناس على الكتابة، وضعف الحفظ لا بد من أن يوجد أقل شيء الكتاب.
وجوز الأستاذ أن يروي من |
| غير مقابَل ................... |
الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني، ومر من أمثاله عدد: الرازي، والغزالي، والآمدي، وغيرهم من أهل النظر، وذكرنا أن بعض طلاب العلم ينتقد إيراد أقوال أمثال هؤلاء في هذا العلم، ويقول: إنهم لا مدخل لهم في هذا العلم، وصرحوا أن بضاعتهم في الحديث مزجاة، فكيف تذكر أقوالهم في علوم الحديث؟ كيف ننقل رأي الغزالي، ومر بنا مرارًا أقوال الغزالي في الألفية موجودة، أقوال الرازي، أقوال الآمدي، وهنا الآن الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني ليسوا من أهل هذا الشأن.
وأجبنا فيما سبق أن من متعلقات هذا الفن ما معوله على الرواية المحضة، وهذا لا مدخل لهم فيه، ولا ناقة لهم فيه ولا جمل؛ لأنهم ليسوا من أهل الرواية.
ومن متعلقات هذا الفن ما يدرك بالرأي، فمثل هذا ينظر في أقوالهم، ولو قلنا: إنهم لا ينظر في أقوالهم لانسد الباب على كثير ممن يعاني هذا العلم، تجده يعلم، يعلم علوم الحديث، ويدرس الحديث لكن ليس من الحفاظ، يعني لو سألته كم عندك من محفوظ؟ ما حفظ شيئًا، إنما هو شيء يرددونه من قبل النظر؛ لأن هناك رواية، وهناك دراية، فكثير ممن يعلم مصطلح الحديث لو فتشت عن محفوظه من الحديث ما وجدت شيئًا، وجدته مثل الغزالي، ومثل الرازي يتأمل، وينظر في أقوال الآخرين، ويرجح، ولو سددنا هذا الباب، وقلنا: لا مدخل فيه إلا لأهل هذا الشأن، قلنا: ما يدرس مصطلح الحديث إلا الحفاظ، وبعد ذلك ما نجد أحدًا يدرس.
وضربنا مثالاً فيما سبق؛ لأنه إشكال مطروح وبقوة، كيف يقول الغزالي عن نفسه: بضاعتي في الحديث مزجاة، ونجد في كتب علوم الحديث في كل باب يذكر الغزالي؟ لأن مبحث السنة في المستصفى يعني مبحث كبير، ويعول عليه أهل العلم في هذا الباب.
نقول: إن هذا العلم من شقين، شق رواية محضة لا مدخل لهؤلاء فيها، وشق يمكن أن يدرك بالنظر فأقوالهم تنظر كأقوال غيرهم، ضربنا مثالاً فيما سبق قلنا: إن ابن الصلاح نسب للإمام أحمد، ويعقوب بن شيبة أن "عن" محمولة على الاتصال، و"أن" محمولة على الانقطاع، لماذا؟ قال ابن الصلاح: حديث عن محمد بن الحنفية عن عمار: "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر به"، قالوا: متصل؛ لأنه قال: محمد بن الحنفية عن عمار، فهو متصل، وعن محمد بن الحنفية: "أن عمارًا مر به النبي -عليه الصلاة والسلام-" قالوا: منقطع؛ لأنه بصيغة "أن" ففرق بين الصيغتين، والحافظ العراقي يقول: كذا له ولم يصوب صوبه، ما هو السبب باختلاف الصيغة، السبب أنه في الصيغة الأولى يروي القصة عن صاحبها، يروي القصة عن صاحبها فهي متصلة، وفي السياق الثاني يروي قصة لم يشهدها، ولم يدركها فهي منقطعة، لكن لو قال: عن محمد بن الحنفية: أن عمارًا قال له"، انتهى الإشكال، ما صار أثرًا للصيغة؛ لأنه حينئذٍ..، مثل هذه الأمور يعني يمكن يدركها الإنسان بالتأمل، ما تحتاج إلى أن تكون رواية تلقاها عن فلان، أو عن فلان، وقل: لعل الحامل لبعض الإخوان الذين يكررون مثل هذا الكلام أن أمثال هؤلاء ما يسلمون من شوب بدعة، فكيف يدخلون في علوم السنة؟ مع تصريحهم بأنهم لا عناية لهم بهذا الفن؟ يعني الرازي في تفسير سورة العصر ذكر قصة، قصة امرأة شربت في رمضان، وزنت، وقتلت الولد، وجاءت في المدينة تسأل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في قصة طويلة ذكرها الرازي في تفسيره، ويقول الألوسي لما ساق القصة نقلًا عن الرازي قال: تفرد بذكرها الإمام، ومصطلح عليه عندهم أنه الإمام، الرازي في أصول الفقه، وكتب الشافعية –عمومًا- يقولون: الإمام، يقول: تفرد بها الإمام، ولعمري إنه إمام في نقل ما لا يعرفه أهل الحديث، يعني ما يعرفه أهل الحديث، يعني هذا مدح وإلا ذم؟ ذم بلا شك، فكيف تدخل أقوال مثل هذا في هذا العلم نقول: إن هذا العلم له شقان: شق رواية محضة لا مدخل لهؤلاء فيها، ولا مدخل لكثير ممن يعلم هذا العلم، ولو ادعى التخصص في هذا العلم؛ لأنه ليس من أهل الرواية، ما يحفظ شيئًا من السنة، ما في جوفه شيء من السنة، وإن علم هذا العلم، هذا مثل الرازي، ومثل غيره، وإن سلم من البدعة التي تلبسوا بها، وهناك ما يدرك بالنظر فينظر في أقوال هؤلاء كغيرهم، وهم من أهل النظر.
وجوز الأستاذ أن يروي من |
| غير مقابَل ................... |
يعني يأتي بأصل، أو بفرع غير مقابل، ويروي منه، يعني أنت تروي البخاري عن شيخك فلان، ثم تقول: أذهب إلى المكتبة، وأشتري نسخة، وأروي منها، وأقول: هذه رواية عن فلان، وأنا ما قابلت على أصله، ولا شيء، هذا قول الأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني، يقول: يجوز أن تروي من غير أصل مقابل، أو من فرع غير مقابل على أصله.
"وللخطيب إن بيَّن" يجوز أن تروي من فرع غير مقابل بأصله مع البيان، تبين تقول: والله أنا هذه النسخة ما قابلتها على أصل الشيخ، لكن لي رواية في البخاري عن الشيخ فلان، لكني ما قابلت هذه النسخة على الأصل، يبغون السامع على بينة مما يسمع، "وللخطيب إن بين والنسخ من أصل" من أصل ليس من فرع، هذا الفرع الذي معك منسوخ من أصل، لكنه ما عورض به، ولا قوبل، هذا الشرط الثاني "وليزد صحة نقل ناسخ" يكون الناسخ معروفًا بالضبط، والإتقان، ولو لم يقابل؛ لأنه في هذا الحالة يكون الخطأ عنده يسير.
......................... وليزد |
| صحة نقل ناسخ فالشيخ قد |
الشيخ من هو؟
طالب: ابن الصلاح.
ابن الصلاح.
كقال أو أطلقت لفظ الشيخ ما |
| أريد إلا ابن الصلاح مبهما |
"فالشيخ قد شرطه" يعني ما تروي من فرع غير مقابل بأصله إلا إذا كان الناسخ محل ثقة، وعناية، وضبط، وإتقان، ولو لم يقابل على الأصل "ثم اعتبر ما ذكرا" ثم اعتبر ما ذكرا في كل ما تقدم "في أصل الأصل" يكون الفرع مقابلًا على الأصل، و الأصل مقابل على أصله، وهكذا، ما يتخلل هذه النسخ المتوارثة ناسخ عن ناسخ، أن يتخللها أصل غير مقابل بأصله، وإن سميَ أصلًا، فهو في الحقيقة ليس بأصل ما عري عن المقابلة.
........... ثم اعتبر ما ذكرا |
| في أصل الأصل لا تكن مهورا |
لا تكن متساهلًا، لا تكن مفرطًا في الرواية، كن حازمًا ضابطًا، صاحب عناية بحيث يوثق بعلمك، وفي نقلك، وفي نسخك، ومقابلتك، الناس لا سيما القراء بل حتى من عامة الناس عندهم تمييز، يميزون بين الشيخ الذي له اهتمام، وعناية بما يقول، وبما يكتب، وبما يلقي، وبما يفتي، الناس يميزون، الذي له عناية يجد القبول، والذي لا عناية له يجد الإعراض عنه، كثيرًا ما يأتي من عامة الناس من يسأل بعض المشايخ يقول: سمعنا لكن ما نثق، حتى عامة يميزون بين الشخص المتساهل، والشخص المعتدل، وشخص عنده شيء من التحري والإتقان، حتى من خلال ألفاظه يميزون، يعرفون أن هذا من خلال كلامه أنه ليس من أهل العناية والتحري؛ ولذلك قال: لا تكن مهورًا، غير مكترث، ولا مهتم، لا بد من العناية مادام تصدى لهذا العلم لا بد من الاهتمام، لا بد من بذل الجهد للضبط، والإتقان، والتحري.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
"