بلوغ المرام - كتاب البيوع (19)

وعن سمرة بن جندب -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحاط حائطاً على أرضٍ فهي له)) رواه أبو داود، وصححه ابن الجارود.

وعن عبد الله بن مغفل -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حفر بئراً فله أربعون ذراعاً عطناً لماشيته)) رواه بن ماجه بإسنادٍ ضعيف.

وعن علقمة بن وائلٍ عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقطعه أرضاً بحضرموت، رواه أبو داود والترمذي، وصححه ابن حبّان.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن سمرة بن جندب -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحاط حائطاً على أرضٍ فهي له))" وهو بمعنى ما تقدم من أحيا أرضاً ميتة عمّر أرضاً فهي له ((من أحيا أرضاً ميتة فهي له)) و((من عمّر أرضاً فهو أحقّ بها)) من العمارة، ومن الإحياء ضرب السور على هذه الأرض، وعرفنا أنه ليس كل سورٍ يكفي، بل لا بد أن يكون سوراً يمنع من أراد الدخول فيها، كما أنه يمنع من أراد الخروج منها، وقدر ذلك بثلاثة أذرع، يعني متر ونصف.

((من أحاط حائطاً على أرضٍ فهي له)) يقول: "رواه أبو داود، وصحّحه ابن الجارود" لكن سنده عند ابن الجارود فيه ضعف، سنده فيه ضعف، وهو من رواية الحسن عن سمرة وهي مختلف في وصلها؛ لأن العلماء يختلفون في رواية الحسن عن سمرة، فمنهم من يحمله على الاتصال؛ لأنه ثبت أنه روى عنه حديث العقيقة، ومنهم من يحمله على الانقطاع، ومنهم من يفصل فيثبت الاتصال بحديث العقيقة دون غيره، على كل حال الحديث إسناده ضعيف، لكن له شواهد، وهو داخل في القاعدة العامة ((من أحيا أرضاً ميتةً فهي له)) وهذا نوع من الإحياء عند أهل العلم، فيكون حينئذٍ مندرجاً، هذا مندرج في الحديث السابق العام، قد يقول قائل: إن الناس في هذا الوقت، أن الناس كلهم لديهم استعداد أن يضعوا أحواش واستراحات ويستبقوا إليها، فهل هذا التمليك الشرعي على أطلاقه، أو أنه لا بد من أن يحال دون الناس وبين الجشع الذي يعيشونه؟

أولاً: الحق الشرعي الذي يثبت بالأدلة الصحيحة ليس لأحدٍ أن يلغيه كائناً من كان، يعني ليس لولي الأمر أن يمنع الإحياء، لكن له أن ينظم وينظر في ما يحقق العدالة بين الناس، أما أن يلغي لا، ليس من حقه أن يلغي حكماً شرعياً، لكن له أن يسنّ أنظمة من أجل تحقيق العدالة بين الناس؛ لأن هذا موضوع يلتبس على كثير من الناس في الأمور المباحة في الأصل ((من سبق إلى مباح فهو أحق به)) يقولون: نحن نمنع مما أعطانا الشرع، فكيف نمنع؟ هل ولي الأمر يملك منع الناس مما أباحه لهم الشرع؟ لا يملك، هل له أن يلغي حكماً شرعياً؟ ليس له ذلك، لكن لولي الأمر أن ينظم ما يحقق العدالة، وتجدون في فروع كتب الفقه ما يظن أنه اعتراض على هذا الحق الذي أعطاه إياه الشرع، لكن الأمور بواسطتها تتحقق العدالة وإلا لو لم توجد مثل هذه الأمور لوجدنا النزاع والشقاق والقتال، بل القتل من أجل التراب، وعلى كل حال فهذا الأمر من أحاط حائطاً على أرضٍ فهي له مندرج تحت ما تقدم، وهذا نوع من الإحياء والحياة قد تكون جزئية، وقد تكون كلية، قد يكون الإحياء بزراعتها وزراعتها بما يثمر، ويستفيد منه الزارع وغير الزارع هذه حياة بلا شك وهي الأكمل، قد تكون ببناء مسكن يسكنه هو وأولاده، ويواريهم، ويقيهم الحر والبرد، وقد تكون بمثل هذا وهذا أقلها، أقلها أن تحاط بجدران تحدها من الجهات.

يقول: "وعن عبد الله بن مغفل" قلنا: إن الحديث بسنده المذكور عند بن الجارود الذي يقول: صححه ابن الجارود فيه ضعف، لا يسلم من ضعف، لكنه بشواهده يصل إلى درجة الحسن لغيره، وهو مندرج في القاعدة العامة المؤيدة بالحديث.

"وعن عبد الله بن مغفل -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من حفر بئراً فله أربعون ذراعاً عطناً لماشيته)) رواه ابن ماجه بإسنادٍ ضعيف".

جاء سؤال من الأسئلة يقول: لماذا ابن حجر ضمن البلوغ بعض الأحاديث الضعيفة التي لا يحتج بها، يعني في الأحكام على قول الجمهور، أو مطلقاً على قول بعضهم؟ لماذا؟ ابن حجر نفسه يقول: بإسنادٍ ضعيف ليش تدخله في البلوغ؟ البلوغ أحاديث أحكام، وعامة أهل العلم لا يحتجون بالضعيف في الأحكام، لماذا يدخل مثل هذا في الأحكام؟ نعم، نقول: إذا كان إسناده ضعيف الذي يشير إليه الحافظ، وخلا مما يقويه، وخلا ممن عمل به من أهل العلم فلا يدخل؛ لأن وجوده مثل عدمه، لكن بعض الأحاديث هي من جهة نظر ابن حجر ضعيفة، لكن عمل بها بعض أهل العلم فهو يدخلها في كتابه من هذه الحيثية ليجد المستدل من جميع المذاهب ما يفيده في هذا الكتاب، وعلى كل حال الحديث له شاهد عند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة، وبه يرتقي إلى الحسن.

قال: ((من حفر بئراً فله أربعون ذراعاً عطناً لماشيته)) حفر بئر في أرضه أو في أرضٍ موات ويكون هذا نوع من الإحياء؟ وحينئذٍ يقدر ما يحتاجه هذا الذي حفر هذه البئر، يعني إذا حفر البئر في أرض موات هل نقول له: إن حدودك في هذه الأرض هي شفير البئر فقط؟ كيف يصل إلى هذه الأرض ليسقي ماشيته؟ كيف تبرك هذه الماشية حول هذه البئر التي يراد الاستقاء منها؟ إذا قلنا: أنت تصور أرض مخططة ليس فيها شوارع ولا منافذ ولا مرافق هل يمكن العيش فيها؟ ما يمكن، هذه البئر التي حفرها صاحب الإبل أو صاحب الزرع هل نقول له: إن مالك إلا ما أحييت هذه البقعة فقط، أو نقول: هذه مثل الجبيرة لك مقدار الجرح وما يحتاج إليه أيضاً؟ لو قلنا: إن لك مثل مقدار الجرح وقدرنا الجرح بسانتيمتر واحد مربع، وأتينا بلصق فيه علاج أو شيء بقدره سنتيمتر مربع يمسك وإلا ما يمسك؟ ما يمسك، ما يمسك إذا كان بمقدار الجرح إلا إذا وضعنا له حريم، يعني شيء يحتاج إليه من يمينه وعن شماله.. الخ، البئر هكذا، لو قلنا: لك تحفر بئر قطرها خمسة أمتار، وليس لك إلا هذه المساحة، مترين ونصف في مترين ونصف في النسبة التقريبية، يعني مالك إلا هذه المساحة يستفيد منها وإلا ما يستفيد؟ كيف ينزل عليها من الجو؟ أو نقول: لا بد لهذه البئر من حريم؟ يسمونها حريم، تكون عطناً لماشيته، موطن مبارك لهذه الماشية لكي ترد على هذه البئر؟ لا شك أن حفر البئر حتى يصل إلى الماء ويستفاد منه هذا إحياء، هذا لا يختلف فيه أنه إحياء، بل هو أولى من الحائط، لكن إذا حفر هذه البئر وعجز عن أن يصل إلى الماء، انقطعت به النفقة، الماء يحتاج إلى مائة متر، وصل إلى ثمانين متر وانقطعت به النفقة، هل لكل أحد أن يأتي ليحيي هذه البئر ويحفرها؟ أو نقول: تفيده اختصاص لا ملك؟ إن وصل إلى الماء أفادت الملك، إن لم يصل إلى الماء أفادته اختصاص وهو أحق بها إن استطاع ولو بعد حين أن يصل إلى الماء وإلا فتعود موات، هذا من جهة، من جهةٍ أخرى هذه البئر عرفنا أنه ليس له لا يمكّن من مساحتها فقط، بل له ما يستفيد منه مما حواليها، وقدّر ذلك بأربعين ذراعاً عطناً لماشيته، يعني مبارك لأبله، والمكان التي تبرك فيه أو تستوطنه لترد من هذا الماء.

((فله أربعون ذراعاً عطناً لماشيته)) وجاء التحديد أيضاً بالتفريق بين البئر البديء يعني الجديدة، وبين البئر العادية يعني القديمة فتعطى الجديدة خمسة وعشرون ذراعاً، وتعطى البئر القديمة خمسون ذراعاً عند أحمد، هذا حديث أبي هريرة عند الإمام أحمد، وهذا ينهض أيضاً للعمل به، ولماذا فرق بين البئر العادية القديمة وبين البئر البديئة التي الآن استحدثت؟ هل من فرق؟ هل يلتمس من فرق بين القديمة والجديدة؟ نعم؟

طالب:........

صحيح، وأيضاً القديمة في الغالب تكون أعمق من البديئة التي هي الجديدة، فتحتاج من الأرشية ما هو أطول مما يحتاجه البئر الجديدة، أيضاً إذا كانت محياة من قبل أشخاص انقرضوا وتوارثها أناس من بعدهم يكون أربابها أكثر تشعب، ومن ثم تكون مواشيهم أكثر من البئر العادية البديئة التي استحدثت فإنه يملكها من أحدثها وأسرته ممن يحتاجون إليها، فالتفريق بين البديئة والعادية لا شك أنه له وجه، ظاهر وإلا مو ظاهر؟ الآن لو أن شخصاً أراد أن يستثمر أرض موات سواء كانت لزراعة أو غيرها هل نقول له: ليس لك من هذه الأرض إلا ما يمكن أن يكون أخضر مزروع فقط؟ أو مثل هذه الأرض تحتاج إلى مرافق؟ فيحتوي أو يستحوذ على هذه الأرض بمرافقها التي يحتاج إليها في الزرع؟ مثل حريم البئر؟ الآن البئر أعطيناه مساحة كبيرة من أجل أن يستفيد منها حق الاستفادة، لو ضيقنا عليه ما استفاد، لو قلنا: هذه بئر وابتعدنا عنها متر، وعمرنا مسجد، ومتر من الجهة الثانية وعمرنا مدرسة، ومن الجهة الثالثة وضعنا حديقة، مرافق، هذه يحتاجها الناس، لكن هل يستفاد من هذه البئر بين هذه الأشياء؟ هل يستفيد منها الإنسان لماشيته؟ ما يستفيد، فلا بد من أن تتاح له مساحة بحيث يستفيد منها، وإلا صار عمله عبثاً، إذا زرع مزرعة فيحتاج إلى مرافق تعينه على هذه المزرعة، يحتاج إلى مكان للإبل، والمزارع تحتاج إلى إبل، وتحتاج إلى بقر، وتحتاج إلى معدات، مواقف للسيارات، وتحتاج إلى..، المقصود أن ما يحتاجه ويقدر ذلك أهل الخبرة يتاح له، مثل حريم البئر.

يقول: "وعن علقمة بن وائل عن أبيه -وائل بن حجر -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقطعه أرضاً بحضرموت" رواه أبو داود والترمذي، وصححه ابن حبان" على كل حال الحديث صحيح ثابت، أقطعه أرضاً بحضرموت، لماذا أقطعه أرضاً بحضرموت؟ لأنها جهته التي يتمكن من الإفادة منها؛ لأن الأصل في الإقطاع العمارة، ليس الأصل في الإقطاع أن يقطع فلان من الناس يقطع أرض ليبيعها ويستفيد من قيمتها وتستمر موات؟ ليس هذا هو الأصل في الإقطاع، بل الأصل في الإقطاع أن يستفيد منها؛ ليعمرها؛ ليحييها، بزراعة، بأي عمل من الأعمال التي ينتفع به، وينتفع منه الناس، أما أن يقطع أرض ليبيعها ويستفيد من قيمتها هذا ما عرف، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أقطع وائل بن حجر أرضاً بحضرموت لأنها بلده، فعلى هذا لا ينبغي لا يحجر على الإمام، وأهل العلم منهم من يرى أن له أن يقطع، وأن إقطاعه تمليك بدون إحياء، ومنهم من يوقف التمليك على الإحياء، وأنه مجرد إقطاع الإمام هو مجرد اختصاص، عند جمع من أهل العلم أنه مجرد اختصاص لا يملكها إلا بالإحياء، ومنهم من يقول: إن الإمام يملك العطاء كما يملكه من بيت المال، يملكه من الأراضي البور، فأقطعه أرضاً بحضرموت من أجل أن يتمكن من عمارتها لأنها بلده.

الهبة من ولي الأمر إذا جاءت لشخص من غير استشراف فليقبلها، من غير استشراف، وجاء في ذلك الحديث الصحيح، أن يقبلها ما لم يكن من وراء هذه الهبة وهذه العطية شيء يراد من هذا الشخص، ولذا في الصحيح -في صحيح مسلم-: "أما إذا كانت ثمناً لدينك فلا" فسواءً أقطعه الإمام أرض أو أعطاه هبة من غير استشراف هذا لا بأس يقبل، وجاءت النصوص الصحيحة الصريحة بهذا، لكن شريطة أن لا تكون ثمناً للدين، أما إذا كانت ثمناً لدينك فلا، قد تكون ثمناً للدين والإنسان ما يشعر، وولي الأمر ما يطلب منه المقابل، لكن بعض الناس مجرد ما يحسن إليه يتنازل، فإذا عرف من نفسه هذا الأمر فلا يقبل، ولو لم يطلب منه، ولي الأمر رأى أن هذا الشخص نافع للناس، وباذل جاهه للناس، وفاتح بابه للناس، يستحق أن يعطى من بيت المال ما يعينه على الاستمرار، لكن هذا الشخص يقبل لأنه من غير استشراف، يبقى أنه إن كان يعرف من نفسه ولو لم يطلب منه أنه يتنازل عن شيء ولو لم يطلب منه ولي الأمر يتنازل بدون طلب فمثل هذا لا يقبل "أما إذا كانت ثمناً لدينك فلا" سواء كانت معاوضة أو أنت تعرف من نفسك أنك لا تحتمل مثل هذه الأمور فتتنازل عن بعض الأشياء، أو تعرف من نفسك أنك إذا وسّع عليك مجرد التوسعة عليك، بعض الناس إذا توسعت عليه أمور دنياه ضاع دينه، ولو لم يطلب منه شيء، هو بنفسه يبادر، وجاء في الخبر: ((من الناس أو من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسده ذلك، ومن الناس من لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك)) فمثل هذا يحتاط له.

وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقطع الزبير حضر فرسه، فأجرى الفرس حتى قام، ثم رمى سوطه فقال: أعطوه حيث بلغ السوط. رواه أبو داود، وفيه ضعف.

تبعاً للحديث السابق الذي هو الإقطاع، وأيضاً هذا الحديث اللاحق السلطان يعني هبات السلطان مثلما ذكرنا أنها إذا جاءت من غير استشراف يقبل الإنسان، ولا فيها إشكال، وهي من بيت المال، لا منة فيها لأحد، وبعض الناس يتوسع في هذا الباب، وتجده يستشرف، ويزاحم الولاة ويؤذيهم، ويستكثر بذلك، هذا طرف، والطرف الثاني -وهو حاصل يا إخوان- تأتيه الهبة وهو بأمس الحاجة إليها، وهو مضطر إليها، ولا يخشى من شيء، وقد يسلك لقضاء حوائجه بعض المسالك التي فيها منة عليه، وقد يكون فيها ضرر في دينه أو على ولده ما فيه، فمثل هذا لا شك أنه الدافع إليه الورع، لكن ينبغي المسألة تكون فيها شيء من التوازن، أشد من ذلك شاب من طلاب العلم طلب أبوه هبات من بيت المال، فأقطع أرض تحتمله وتحتمل أولاده ويمكن يوزعها على أولاده تأتي لهم مساكن بالراحة، فواحد من أولاده طالب علم قال: أنا لا آخذ هذه الهبات ولا أستشرف! قلت: يا أخي ما استشرفت، كون أبوك استشرف وطلب وجاء بها لك من غير استشرافٍ منك لا يمنعك من قبولها، والأمر الثاني في هذا كسر خاطر للأب، فعلى الإنسان أن يسدد ويقارب ما يقول: لا أبداً يرفض من أبيه ما يأتيه، بعض الناس الأب يكون من حرصه وشفقته على أولاده يطلب لهم شيء من بيت المال، وهذا شيء مشاهد، نعم الاستشراف والمزاحمة وكذا خلاف الأولى ومكروهة، لكن لا يعني أن الإنسان يقع من أجلها في محذور، يعني أب يأتي يشكو ولده بأنه طلب لهم أراضٍ تعينهم على أمور دنياهم وهذا بحاجة إلى زواج ما وجد مهر، فقال: أنا لا أقبلها، لا شك أن الورع مطلوب، والعزوف عن الدنيا مطلوب، والاكتفاء والقناعة مطلوبة، لكن يبقى أن هناك موازنة، أبوك، هذا أبوك، برّه واجب عليك، وجبر خاطره مطلوب منك، تكلّف وتعنّى وأنت جاءتك هذه الأرض من غير استشراف، ما هو أنت الذي استشرفت، وبعض الناس يسعى له من غير طلبه ولا استشرافه ثم بعد ذلك يرفض! نعم نقول: إن الأصل الورع، وطالب العلم ينبغي أن يعيش على كفاف، فلا إفراط ولا تفريط، طلاب العلم رأينا من بعضهم لما انفتحت الدنيا وانشغل الناس بها في الأيام الأخيرة في الأسهم وما الأسهم انصرفوا انصرافاً كلياً، وجاءني سؤال في درسٍ من الدروس يقول: كنت حافظاً للقرآن، وأحضر يومياً دروس، ولي الآن من سبعة أشهر ما فتحت المصحف، لا شك أن الدنيا ضرة؟ يعني إذا حلت في القلب القلب ما يحتمل، فعلى كل حال على الإنسان أن ينظر بعين البصيرة، ويسدد ويقارب ويوازن بين المصالح والمفاسد، وماذا فعل؟ وماذا ترك؟ يحاسب نفسه في هذا المجال أما أن ينكر على الأب بفضاضة وغلطة لأنه طلب، يا أخي طلب كغيره ممن يطلب، والأب يعني ما هو من أهل التحري، أو من أهل المعروفين بورع أو علم زائد، شخص عادي، ومثل عادي الناس وش المانع أن يطلب؟ كونه ينتظر من غير استشراف هذا إرشاد، أمر إرشاد، وهو الأكمل، لكن إذا طلب من بيت المال مما له فيه نوع استحقاق كغيره ممن ينتسب إلى هذا الولي -ولي الأمر- ما في ما يمنع، لا سيما إذا كان يدرأ بذلك مفسدة أعظم، عليه ديون مثلاً، أو يريد أن يتزوج ولم يجد، مثل هذا هبة السلطان وقبوله بل الطلب منه أولى من أن يجلس أعزب، يعني بعض الشباب يأتينا باستمرار يقول: أنا والله لا استطعت لا مهر ولا انكففت لا بصيام ولا غير صيام، يعني مثل هذا وش يقال له؟ يقال له: لا تستشرف ولا تطلب من السلطان؟ يقال له: يا أخي اطلب من السلطان وعفّ نفسك؛ لأن الأمور تحتاج إلى توازن، يعني مثل الذي ينهى عن الكي، أو ينهى عن الرقية يعني ينتهي بنفسه ليدخل في حديث السبعين ألف، لا يكتوي ولا يسترقي، لكنه في أبوابٍ أخرى من أبواب الدين مفرط، بل في أبواب التوكل فيه خلل عظيم، فالمسألة مسألة توازن، لا يدعي شيء منزلة لنفسه لا يستطيعها، وليس معنى هذا أن طالب العلم يذل نفسه، لكن وصلت هذه إليك من غير طلب ولا استشراف ولو كانت بواسطة أبيك هذه يتعيّن عليك قبولها، لو لم يكن فيها إلا إلزام الأب لك، والله المستعان.

لأن هذه القضية حاصلة من بعض الشباب يحصل منهم مثل هذا، يحصل منهم، وهذا عدم فقه من هذا الشباب يسمع نص ويهدر نصوص، فلا بد من الانتباه لهذا، ومراعاة لحقوق الوالدين تكون بالدرجة الأولى بعد حقوق الله -جل وعلا-، تجد طالب علم ملازم للدروس، وإذا أمر أو نهي من قبل أحد الوالدين ضرب بالأمر والنهي عرض الحائط! لا شك أن هذا خلل يحتاج إلى إعادة نظر.

يقول: "وعن بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقطع الزبير" بن العوام، وهو من العشرة أقطعه "حضر فرسه فأجرى الفرس حتى قام" يعني حتى قام إيش معنى قام؟ نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

وقف، وقف الفرس "حتى قام ثم رمى بسوطه فقال: أعطوه حيث بلغ السوط" يعني مع الحضر مع المسافة مع العدو عدو الفرس هذا، وعلى كل حال الحديث رواه أبو داود يقول: "وفيه ضعف" بل ضعيف، الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده عبد الله بن عمر العمري المكبّر، وهو معروف بسوء الحفظ عند أهل العلم، فالخبر ضعيف، وعلى كل حال يغني عنه الحديث السابق في أن لولي الأمر أن يقطع ما شاء.

وعن رجلٍ من الصحابة -رضي الله تعالى عنه- قال: غزوت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسمعته يقول: ((الناس شركاء في ثلاث: في الكلأ والماء والنار)) رواه أحمد وأبو داود، ورجاله ثقاة.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"عن رجلٍ من الصحابة -رضي الله تعالى عنه- قال: غزوت مع النبي -صلى الله عليه وسلم-" إثبات الغزو له مع النبي -عليه الصلاة والسلام- يثبت له الصحبة، وإذا ثبتت له الصحبة فإنه حينئذٍ يكون مقبولاً ولو أبهم كما هنا، عن رجلٍ من الصحابة، قد يقول قائل: هذا مبهم، ومثل هذا يسميه البيهقي مرسل، لكن هو متصل، ولا يضر إبهام الصحابي، جهالة الصحابة لا تضر؛ لأن الصحابة كلهم عدول، فمجرد ما يثبت أن هذا صحابي تكون روايته مقبولة، ولو لم يسم.

"قال: غزوت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فسمعته يقول" لو لم يقول: غزوت مع النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ عن رجلٍ من الصحابة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الناس شركاء في ثلاثة)) يتغير الحكم وإلا ما يتغير؟ لا يتغير، ما دام ثبت أنه صحابي، لكن قوله: "غزوت مع النبي -عليه الصلاة والسلام-" تكون الدعوة مقرونة بدليلها، لماذا وصف بكونه من الصحابة؟ لأنه غزا مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو صحابي لا إشكال في ذلك، ولا تردد في صحبته.

"غزوت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فسمعته يقول: ((الناس -والصواب المسلمون- شركاء في ثلاثة))" الناس وقد تصحح هذه اللفظة بناءً على أنه من العام الذي أريد به الخصوص، كما في قول الله -جل وعلا-: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [(173) سورة آل عمران] الذين قال لهم الناس واحد، نعيم بن مسعود، إن الناس قد جمعوا لكم أبو سفيان ومن معه، في الأحزاب، فيكون إذا قبلنا هذا اللفظ من العام الذي أريد به الخصوص، وإذا قلنا: المسلمون كما هو اللفظ الصحيح شركاء في ثلاثة، المسلمون يخرج الكفار، فلو أن كافراً في بلد من بلدان المسلمين إقامته شرعية، مأذون بإقامته شرعاً، إقامته شرعية هل يشترك معهم في هذه الأمور الثلاثة؟ يعني احتاج إلى كلأ وهو العشب، احتاجت دابته إلى عشب يمنع وإلا ما يمنع؟ إقامته شرعية؟! احتاج إلى ماء ليشرب مثلاً، أو احتاج إلى نار، إذا احتاج إلى هذه الأمور الثلاثة وإقامته في بلاد المسلمين شرعية، أما إذا كانت إقامته بين ظهراني المسلمين غير شرعية وهو حربي فإنه حينئذٍ لا يمكّن لأنه مباح الدم والمال ليس بمعصوم، المسألة في كافرٍ معصوم الدم والمال احتاج إلى هذه الأمور على رواية: ((المسلمون شركاء في ثلاثة)) هل نقول: لا؟ لا يمكن من الكلأ ولو ماتت دابته إلا بالشراء؟ لا يمكن من الماء ولو مات عطشاً إلا بالشراء؟ لا يمكّن من النار ولو مات من البرد؟ أو احتاج إلى طعامه ما يوقد به! ولو مات من الجوع إلا بالشراء؟ يمكّن وإلا ما يمكّن؟ في كل كبدٍ رطبةٍ أجر، فالتي سقت، البغي التي سقت الكلب دخلت الجنة، وهذه كبد رطبة فيها أجر، والإحسان إليه لا سيما إذا كان صاحب هذا الإحسان حسن نية، وتأليف من أجل أن يقبل الدعوة إلى الإسلام لا شك أن من يمكّنه مأجور، لكن المسألة مسألة استحقاق، يعني هل يستحق وإلا ما يستحق؟ على لفظ: ((المسلمون)) يستحق وإلا ما يستحق؟ لا يستحق، وإلا فعلى اللفظ الأول: ((الناس شركاء)) هو من أهل الاستحقاق؛ لأنه من الناس.

((شركاء في ثلاثة: في الكلأ والماء والنار)) يعني هذه الأمور أما بالنسبة للكلأ في موضعه في البراري والقفار فلا يجوز لأحد أن يمنع الناس منه، وفيه الحمى الذي تقدّم الكلام فيه، لكن إذا هذا الكلأ احتشّه شخص وحازه إلى بيته، أو في مستودعه هل نقول: إن الناس شركاء في هذا الحشيش؟ لا، هذا تعب عليه، وكذلك الماء إذا كان في الأماكن العامة الناس شركاء فيه، أما إذا حازه الإنسان، ودخل في بيته، ووضع العداد، وحسب عليه باللتر مثل هذا لا يشترك معه أحد، وقل مثل هذا في النار إذا اشترى الحطب بدراهم، وأوقد النار فإنه يختص بها، لا يشترك معه أحد، ومن أهل العلم من يجري الحديث على عمومه، أنت عندك مستودع مملوء بالحشيش، وجارك دابته تكاد تموت من الجوع وليس عنده ما يشتري به هل يلزمك أن تعطي جارك من هذا الحشيش الذي عندك أو لا يلزمك؟ من أهل العلم من يرى أنه يلزمك؛ لأنه من الكلأ المشاع بين الناس، كونك تعبت عليه نعم تعبت عليه أنت أخصّ الناس به، لكن لا يعني أنك ملكته؛ لأنه في الأصل مشاع، من أهل العلم من يرى هذا، لكن لا شك أن التعب على الشيء يجعل الإنسان يملكه، في الماء مثلاً جاء في الماء ما هو أكثر من هذا، يعني المنع من فضل الماء لا يجوز، أنت اشتريت قارورة ماء بقدر هذه وأنت عطشان، وأنت يكفيك نصف هذه القارورة، وبجوارك شخص عطشان، وما وجد ما يشرب، وليس معه ما يشتري به، هل يلزمك أن تدفع له أو لا تدفع له؟ لأن هذا حزته وملكته بمالك، على القول الأول الذي صدرنا به الكلام لا يلزمك، لكن على القول الثاني والمسألة مسألة عموم، والشرع في الجملة يطلب من المسلمين أن يكونوا في مثل هذه الأمور على التعاون، ولذلك جاء ((كسب الحجّام خبيث)) إيش معنى خبيث والنبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وأعطى الحجّام أجرة؟ هل الرسول يمكّن من أكل الخبيث، أو يريد أن يتعافى الناس مثل هذه الأمور ويتسامحون فيها، ويخدم الإنسان أخاه المسلم دون مقابل؟ هذا هو المقصود، فعل هذا تعطيه ما بقي عندك من الماء، ولو حبسته عنه أثمت، لكن يوجد بعض الناس فيه شحّ، واعتاد الدناءة، فتجده في كل مجال من المجالات الموسع فيها يضيق على الناس، ومثلهم وأحاديهم على ما قال: شيء ببلاش ربحه هين، واحد محتاج إلى الماء في حاجة شديدة في حرٍ شديد، وما سمحت نفسه يشتري ماء بريال، جاء شخص آخر اشترى قارورتين من الحجم الكبير الذي يكفيه عشرة بالمائة مما يحويهما من الماء فشرب من واحدة وصب بقية الماء على رجليه، وعلى رأسه، وكب الباقي، وذاك ينظر {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل] فلا هذا ولا هذا، المسألة مسألة توسّط واعتدال ((خير الأمور أوساطها)) {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة] وأهل السنة وسط بين..، وقل مثل هذا في جميع التصرفات، ينبغي أن يكون الأمر على الوسط، فلا إسراف ولا تقتير، ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط، فعلى المسلم أن يكون متوسطاً في جميع أموره، وبعض الناس يريد أن يعاقب مثل هذا، يعني معه الدراهم والدنانير وجيوبه مملوءة، وقد يكون يعرفه من الأغنياء الأثرياء ثم بعد ذلك يأتي يشحت، إن كان معك شيء من الماء؟ هل هذا يحرم منع الماء عنه؟ مثل هذا يحرم منع الماء منه؟ لا شك أن النصوص عامة، يعني منع فضل الماء مذموم على كل حال، لكن يبقى أن مثل هذا، يعني إذا وجد من يستحقه بالفعل لا يجوز منعه، وبعض الناس يسأل الناس ما يحتاجون إليه، اشترى ماء وشرب منه الآن، ويحتاجه بعد قليل، يحتاج البقية، والآخر عنده الدراهم والدنانير، ويكون موصوف بالغنى ومع ذلك يسأل؟! إذا أمرنا صاحب الماء ببذله لغيره نمنع أيضاً من يسأل الناس؛ لأن كل شخص ممن ينتسب إلى هذا الدين له من خطابات الشرع ما يخصه، يعني ما نأمر هذا بمنع فضل الماء، ونقول للإنسان: اسأل الناس وتكفف الناس؟ نهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، يعني سؤال الناس، سؤالهم الأموال تكثراً هذا جاء الشرع بمنعه، فإذا أمرنا الإنسان أن يبذل فضل الماء، أو يبذل فضل النار، أو يبذل الكلأ الذي عنده، فإننا أيضاً نمنع الطرف الآخر إذا كان قادراً أن يتكفف الناس ويسأل الناس؛ لأن السؤال مذموم، ولكل فرد من أفراد المسلمين ما يخصه من النصوص.

طيب الأمور التي لا مضرة فيها على أحدٍ البتة، شخص ينتظر آخر، وفي القائلة، يعني بعد صلاة الظهر مثلاً، واستظل بجدارك فيه ظل، ووقف عند الجدار يستظل به، أو على السور لمبات ومعه ورقة يريد قراءتها فقال بها هكذا يريد أن يقرأ، هل لك أن تمنع أو ليس لك؟ ليس لك أن تمنعه إلا إذا لحقك ضرر، يعني لو وجد مجموعة من طلاب العلم معهم مثلاً كتاب يريدون القراءة فيه، وما وجدوا نور قريب منهم إلا هذا النور الذي فوق الباب فجلسوا عند الباب، أنت متضرر من جلوسهم عند بابك، يعني مجرد ما يفتح يطلعون على عوراتك، مثل هذا لك أن تمنعهم، لكن في جهة ليس عندها باب ولا يزعجونك بأصواتهم ليس لك أن تمنعهم، فمثل هذه الأمور تنزل على هذا الحديث، فالناس شركاء فيما أصله الإباحة والإشاعة هذا مطلقاً، أما إذا حيز وتعب عليه وصرفت فيه الأموال فإن هذا عند جمع من أهل العلم لا يدخل في الحديث، ومنهم من يدخله، وينبغي أن يكون النظر شامل، في مثل هذه الأمور الأشياء التي لا تتضرر بها، ولا يلحقك بها أدنى ضرر، ويحتاجها الناس عليك أن تبذلها بطوعك واختيارك، ولك الأجر من الله -جل وعلا-.

النار التي يشترك فيها جميع الناس الأصل فيها النار المعروفة ذات اللهب، فإذا جاء أحد يريد أن يقدح منها فإنه لا يمنع، قد يقول قائل: ألا يدخل الحطب في النار لأنه يؤول إلى النار؟ هذا ما عنده نار، وأنت عندك حطب زائد، هل نقول: إن هذا من النار باعتباره يؤول إلى النار؟ أو نقول: هذا لك أن تمنعه؟ منهم من يقول: إن المراد به الحطب، ومنهم من يقول: المراد به الحجارة التي تورى منها النار، وعلى هذا لو جاء شخص يسألك عود كبريت ليوقد ناره، هل لك أن تمنع أو ليس لك ذلك؟ باعتبار أن المراد بالنار في الحديث الحجارة التي توقد منها النار؟ فإذا جاء شخص يسألك عود كبريت يضرك؟ لكن أنت افترض أن هذه الأعواد ثلاثة الذي بقي في العلبة ثلاثة، الآن توقد بواحد، وبعد قليل أو بعد منتصف الليل تحتاج إلى واحد، وبعد صلاة الصبح تحتاج إلى ثالث توقد به من أجل أن تستنفع بهذه النار، يلزم وإلا ما يلزم؟ نعم المسألة مردها إلى بذل النفع من غير لحوق ضرر، فإن كان يتضرر بذلك فله أن يمنع.

الأسئلة كثيرة نأخذ منها ما تيسر.

 

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"
هل يصح المرفوع بالموقوف؟ أي يستشهد له به؟

ليس هناك قاعدة مطردة، يعني قواعد المتأخرين يقولون: الحكم للمرفوع، ومنهم أحياناً يحكمون بأن هذا الموقوف يعل المرفوع، يعل به المرفوع، ويكون قدح فيه، ولذلك أحياناً يقولون: الموقوف أصح، فعلى هذا المرفوع يكون معلاً، وأحياناً يجعلون الموقوف مقوي للمرفوع، ويقولون: ذكره الصحابي رواية عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم أفتى بموجبه من تلقاء نفسه.

يقول: إذا اختلف في رفع حديث أو وقفه فهل نجعله مرفوعاً أو موقوفاً؟

عرفنا أنه ليست هناك قاعدة مطردة عند أهل العلم بل الحكم متروك للقرائن.

يقول: ذكرت أن أهل العلم قد أجمعوا على تحريم إقامة صلاة الجمعة مرتين، فما حكم إقامتها؟

يعني من غير حاجة؛ لأنهم قالوا: إذا أقيمت جمعة ثانية لغير حاجة فهي باطلة، والصحيحة الأولى.
يقول: فما حكم إقامتها مرتين في بلاد الكفر مع العلم أنه لا يوجد إلا مسجد واحد، ويضيق المكان على المصلين؟
هذه حاجة.

يقول: اقترض شخص مالاً من رجل ليعمل به في تجارة، ثم طلب المقرض من المقترض أن يعطيه إذا ربح في تجارته، ورضي المقترض، فما الحكم؟

هذا القرض الذي يجر نفعاً، وهو ربا عند أهل العلم، لكن إن كان العقد على هذا قال: أعطيك هذا المبلغ على أن يكون لي من الربح نسبة كذا هذه هي شركة المضاربة التي هي القراض عند أهل العلم، أما إذا أقرضه بنية القرض ثم طلب منه هذا هو القرض الذي يجر نفعاً.

يقول: إن عندي أسهم في بنك البلاد واتحاد الاتصالات، وأريد أن أبيعها للورع، وذلك بعد أن استمعت، ولكن أبي يرفض رفض ذلك وقال: لا تبع هذه الأسهم، فماذا أعمل؟

أولاً: إذا كانت الأسهم مما أفتيت بجواز المساهمة فيها، وأفتاك من تثق بعلمه ودينه وورعه، وجزمت أن الذمة تبرأ بتقليده، فالورع لا يعارض رفض الوالد، مثل ما ذكرنا قريباً، الورع لا يعارض رفض الوالد فعليك أن تلزم رفض الوالد، والورع مرتبة فوق ذلك، لكن لا يعارض بها الواجب، أما إذا كانت هذه الأسهم التي أقدمت عليها قيل بتحريمها، أو اجتهدت أنت ثم تبيّن لك أنها محرمة فلا التفات لقول والدٍ ولا غيره.

يقول: بعض أهل البدع يثير شبهة في عدالة الصحابة، ويقول: لعلّ بعض المنافقين رووا أحاديث، فكيف يرد على افتراءاتهم؟

أبداً، لا يوجد منافق روى حديثاً؛ لأنهم لا يفقهون، وإذا خرج الواحد منهم يسأل، ماذا قال آنفاً؟ فلا يوجد منافق يروي الحديث.

يقول: بعض طلاب المدارس عندما تنتهي الدراسة والنتائج يقوم بعض الطلاب بجمع بعض المال وشراء الهدايا، وإعطاء المدرس، فما حكم هذا أفيدونا؟

المدرس الذي يأخذ أجراً من بيت المال لا يجوز له أن يأخذ قدراً زائداً عليه، ولو أمن المحظور، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((هلّا جلس في بيت أمه –أو جلس في داره- لينظر أيهدى إليه؟)) هل هذه الهدايا تتجه إليه بنفس المستوى الذي تتجه إلى أخيه غير المدرس؟ لا، الذي يتقاضى أجراً لا يجوز له أن يأخذ أي هدية من طالب، أما إذا كان لا يتقاضى أجر فأخذ الأجرة على التعليم معروف عند أهل العلم حكمه.

يقول: هناك من يقول: كيف نقول: كل الصحابة عدول، ونعلم أن منهم من سرق وزنى وشرب الخمر، وهناك من المنافقين من ظاهره الصحبة فيبطن النفاق، ولا نعلمه، ومنهم من الأعراب الذين قد لا يتقن نقل نص الرواية وغيره من الشبه

يقول: هناك من يقول: كيف نقول: كل الصحابة عدول، ونعلم أن منهم من سرق وزنى وشرب الخمر، وهناك من المنافقين من ظاهره الصحبة فيبطن النفاق، ولا نعلمه، ومنهم من الأعراب الذين قد لا يتقن نقل نص الرواية وغيره من الشبه فيقول: لا بد أن نميّز بينهم ولا نقبل منهم على الإطلاق؟
يبقى أن كل من يعتد به أو بقوله من أهل العلم كلهم أجمعوا على أن الصحابة عدول، وقد جاءت في نصوص الكتاب والسنة تقضي بذلك، فلا كلام لأحد مع هذا.

يقول: هل حديث سمرة بن جندب ضعيف ارتقى إلى الحسن لغيره، أم كما قال الصنعاني في سبل السلام: هو صحيح بشواهده؟

على كل حال هو يصل إلى درجة القبول والعمل لكونه حسن لغيره.

يقول: هل أقطع النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلقمة بن وائل أو لأبيه؟

الإقطاع للأب.

هذا يسأل عن حديث: ((نية المؤمن خير من عمله))؟

المقرر ضعفه، حديث ضعيف، ولو افترضت صحته فتوجيهه كما قال أهل العلم: إن النية المجردة عن العمل أفضل من العمل المجرد عن النية؛ لأن النية يؤجر عليها، أما العمل المجرد عن النية لا يؤجر عليه.

يقول: اليوم نشهد افتتاح عدة مساجد وجوامع بجوار بعضها البعض، وللدعاية لهذه المساجد توضع بعض المحاضرات والدروس وهذا مثالها؟

الملاحظ على هذه الجوامع زخرفتها وتزيينها، وهذا مصداق لحديث الرسول -عليه الصلاة والسلام-، والسؤال: هل يكون هذا الفعل بسبب الغلو في تزيين المسجد، وبذلك يقع في المحظور؟
على كل حال زخرفة المساجد من علامات الساعة، ووقع ما أخبر به النبي -عليه الصلاة والسلام-، وليس الإشكال في مساجد التي يبنيها العامة متفردين في تخططيها وبنايتها وتنفيذها، الإشكال في المساجد التي يشرف عليها بعض طلاب العلم، وتخرج بهذه المظاهر المزخرفة.

يقول: أنا متوقف لحفظ القرآن، ومنقطع عن العلم، فهل تنفع هذه الطريقة أم لا؟

إذا كنت لا تستوعب، يعني ذهنك لا يستوعب الحفظ مع المشاركة في العلوم الأخرى فنقطع لحفظ القرآن حتى يتم، ثم بعد ذلك تتجه إلى العلوم الأخرى، أما إذا كنت ممن يستوعب فيخصص للقرآن وقت، ويجعل للعلوم الأخرى وقتاً آخر، فهذا أكمل إن لم تخش فوات الأوان؛ لأن الحفظ له مدة.

يقول: ما رأيكم في طبعة فتح الباري تحقيق: نظر الفريابي؟

هذه الطبعة في الجملة جيدة، ووقع على أخطاء في الطبعات السابقة وصححها، وانتقي منها مسائل، وعرضت على الشيخ عبد الرحمن البراك وعلق عليها، فهذه من هذه الحيثية طيبة وجيدة، لكن يبقى أن الكتاب عظيم، وكبير، ومطالبه متعددة، لا ينوء به من كل الجوانب شخص واحد، لا سيما في مثل هذه المدة سنتين أو قريب منها، المسألة تحتاج إلى جهود متضافرة.

يقول: أنا أحفظ القرآن، وعند مراجعته لا تكون مراجعته واستذكاره أو استذكار الحفظ جيداً، فتضيق نفسي وتصاب باليأس أحياناً، فما تنصحوني؟

عليك بالمتابعة، أن تستمر في المراجعة، وتركز أثناء المراجعة، ولا يكون بحضرتك من يشوش عليك، ومع ذلك جاهد في الحفظ وتثبيته.

يقول: ما هي الطريقة المثلى لتثبيت العلم عند قراءة المطولات؟

فيه شريط، محاضرة في شريط سميت: المنهجية في قراءة الكتب، وهي موجودة.