كتاب بدء الوحي (082)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا سؤال مهم يقول: هل لطالب العلم أن يترجم لنفسه في صفحة له على الإنترنت، ويذكر شيوخه ومؤلفاته والإجازات التي حصل عليها، وإن كانت عامة، وما سيصدر له من مؤلفات ونحو ذلك؟

إن كانت المسألة مجرد بيان واقع من غير تزيُّد، ورأى أن الحاجة داعية لذلك؛ من أجل أن يؤخذ عنه العلم من غير تزيُّد ولا تشبع فهو مسبوق، كثير من أهل العلم ترجموا لأنفسهم في كتبهم، هذا موجود في كتب أهل العلم، وإن كان الأولى ألا يتولى ذلك بنفسه كونه يترجَم له أفضل من كونه يباشر ذلك بنفسه، ولا سيما أن بعض الأعمال وإن لم يكن ظاهرها مدح النفس بما فيها، مع أن الناس -فيما نرى- تجاوزوا هذه المسألة، تجاوزوا هذه المرحلة، وقعوا فيما هو أعظم منها- نسأل الله العافية- فتجاوزوا بيان الحقيقة إلى شيء من التشبع، والتزيُّد، والإطراء، بعضهم لبعض، وقد يكون سبب المادح من أجل أن يُمدَح، والأمور بمقاصدها. على كل حال مثل هذه لا شك أن مسألة الأمور مثل ما تقدَّم بمقاصدها، إذا كان الهدف من ذلك أن يُعرف؛ ليؤخذ عنه العلم لا أكثر ولا أقل، وهذا هو مسبوق بذلك، ولا يضر بذلك شيء من البأس.

 ومثل ما قلنا: الأولى ألا يتولى ذلك بنفسه، يتولاه غيره، والله -جل وعلا- كلما أراد الإنسان أن يخفي ما عنده فإن الله -جل وعلا- يظهره بقدر إرادته للإخفاء، وهذا معروف، كثيرٌ من أهل العلم لا يحبون الظهور، ومع ذلك ذكرهم على الألسنة أكثر ممن شهر نفسه، وأوجد نفسه في كل موقع وفي كل مناسبة، لا شك أن هذه سُنة إلهية، والإنسان إذا مدح نفسه بما فيه أو مُدِح بحضرته بما فيه وسكت عن ذلك، لا شك أنه سيسمع الذم بما فيه، وإن مدح نفسه وتزيد وتشبع بما ليس فيه، أو سمع المدح من غيره بما ليس فيه وسكت على ذلك مقرًّا له لا شك في أنه سيسمع من الذم بما ليس فيه، جزاءً وفاقًا، وهذه أمور مجربة، أمور مجربة، ولا يكثر مثل هذا الأمر إلا مع الخلل في الإخلاص والنية.

 وإذا سبرنا حال السلف بدءًا من الصحابة فمن دونهم وجدناهم تكثر أسماؤهم بدون ألقاب، بدون أي لقب، ثم تسامح الناس شيئًا فشيئًا حتى سمعنا الألقاب التي لا يقرها عقل ولا نقل، ولا يصلح أن تطلق على مخلوق، وأما بالنسبة للألقاب المتضمنة للتزكية فهي موجودة في من بعد السلف، يعني من بعد المئة الثالثة، يعني أحمد بن حنبل ما قيل له الإمام إلا بعد المحنة، والإمام مالك في وقته ما كان يقال له: الإمام مالك، حدثنا مالك، والشافعي كذلك، وأبو حنيفة ما قيل له: الإمام الأعظم إلا في العصور المتأخرة، حينما سمعوا إطلاق الألفاظ والألقاب على من دونهم بمراحل قالوا: إذا كان شخص يقال له: شيخ الإسلام أو تقي الدين أو مثلاً سيف الإسلام أو نصير الدين أو من هذه الألقاب، فكيف لا تطلق على الأئمة الكبار؟ فسوغوا إطلاقها على الأئمة حتى قيل في أبي حنيفة: إنه الإمام الأعظم، مع أن هذه لا توجد في أساليب أهل العلم إلا للوالي للخليفة والله المستعان.

فعلى طالب العلم أن يهتم بهذا الأمر، ولا يلتفت إلى هذه  الألقاب أو هذا المدح أو هذه الشهرة، إذا كان لباس ثوب الشهرة، من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة، ثوب، والثوب من يدخله الرياء والإعجاب بالثوب إلا قليل العقل، إلا ناقص العقل.

 على كل حال مثل هذه الأمور قادحة في الإخلاص لا سيما إذا تولاها الإنسان بنفسه، أو سمع مثل هذه الألقاب وهذا الثناء وسكت عليه، يقدح، ولذا يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- في الفوائد: إذا حدثتك نفسك بالإخلاص، إذا حدثتك نفسك بالإخلاص فاعمد إلى حب المدح والثناء فاذبحه بسكين علمك ويقينك أنه لا أحد ينفع مدحه ويضر ذمه إلا الله، ثم ذكر حديث الأعرابي الذي قال: أعطني يا محمد، فإن مدحي زين وذمي شين قال: «ذاك الله»، فينتبه الإنسان لمثل هذه الأمور؛ لأنها تقدح في الأصل الذي هو شرط قبول العبادة، وهو الإخلاص لله -جل وعلا-.

 هناك برامج في وسائل الإعلام يدخل الإنسان بحسن قصد، بحسن قصد ويدعى إليها، وفي النهاية يظهر كل ما كان أخفاه من قبل بالاستدراج، تجد المذيع أو المقابل عنده شيء من وسائل الاستدراج واستخراج المعلومات شيئًا فشيئًا، إلى أن يجد الإنسان كشف نفسه، فضح نفسه في أمور كان يخفيها لله -جل وعلا-، ولذا كثير من أهل العلم لا يوافق على مثل هذه البرامج، لا يوافق؛ لأنه يعرف أنه سوف يستدرج، فيخرج ما عنده، وهذه البرامج نجاحها على جودة الاستخراج، نجاحها على جودة، ينبني على جودة الاستخراج، أما إذا كان الإنسان في هذه المقابلات سوف يظهر أمرًا ظاهرًا ما له قيمة، لا بد أن يظهر ما خفي عنهم؛ ليكون لهذه المقابلة قيمة، وما خفي عنهم هذا هو الذي ينبغي أن يجعله الإنسان بينه وبين ربه، أحيانًا يريدون أن يخرجوا عمل السر، نعم قد يكون هناك تأويل من أجل أن يُقتدى به، وينتفع طلاب العلم بسيرته، وكيفية تحصيله للعلم، وتعبه على العلم، وسهره على العلم، ثم بعد ذلك العمل، واقتران العلم بالعمل، هذا هدف طيب، لكنه مزلة قدم، قليلٌ من الناس يستطيع التخلص في مثل هذه المآزق، قليل قليل جدًّا من الناس، ومتى يصل الإنسان إلى أن يكون المدح والذم بالنسبة له سواء؟ كما قال ذلك كثير من السلف، والله المستعان.

نعم، توجد تراجم يعني ما، الآن في هذه الآلات والإنترنت تريد ترجمة أي طالب علم كبير أو صغير تجدها مبسوطة، تجدها مبسوطة، لكن الشأن فيمن كتبها، هل هو الذي كتبها أو غيره؟

طالب:...

لا، هم ترجموا لأنفسهم سير بسير ذاتية يسمونها، بسير ذاتية، وترجموا لأنفسهم في ضمن كتبهم في التراجم والتواريخ، أستغفر الله، أستغفر الله.

 يقول: ما منزلة كتاب سبل الهدى والرشاد؟

كتاب في السيرة، وهو من أطول السير للصالحي، مطبوع في بضعة عشر مجلدًا كبار، من أوسع كتب السيرة، لكنه يجمع ما هب ودب، وفيه الغث والثمين، فيه سؤال يتعلق بما ذكرناه، ما ذكرناه في الدرس الماضي عن الاعتماد على الأجهزة، اليوم بعد صلاة العصر جاءني شاب في العشرين من العمر قال: إنه نسخ فتح الباري كاملاً، نسخ فتح الباري كاملاً، واستعار الكرماني ينسخه، والواحد منا قد يشكل عليه ويصعب عليه تحرير صفحة واحدة، أو صفحات، فتح الباري كم يحتاج إلى عمر ليكتب، يقول: عندي موجود جاهز كامل، ما هو بانتقاء ولا اختصار ولا، بحروفه.

 قلت: ما الداعي؟ قال: كان خطي ضعيفًا، فقالت له أمه: انسخ واكتب، يقول: لما انتهيت سمعت واحدًا من المشايخ يقول: هذا مجنون، وسمعتك تقول في شريط الكتابة عن القراءة عشر مرات، ففرحت بذلك فرحًا شديدًا، انظر التباين في الرؤية، واحد يقول: مجنون، يعني فتح الباري بمائتي ريال، بخمسين ريالًا، ينسخ بسنين، يحتاج إلى خمس سنوات على الأقل ضياع، لا، ليس بضياع هذا، ليس بضياع، يقول: نسخ القرآن، ونسخ كذا وكذا، يقول عنده أشياء كثيرة، يعني الهمم -ولله الحمد- ما زالت موجودة.

يقول: بالنسبة للفهارس والبرامج الحديثة ألا يقال: إن الخطأ في تضييع الوقت المتوفر من استخدام هذه التسهيلات تضييعه في غير العلم، أما إن كان الطالب ملازمًا لطلب العلم ويستفيد من هذا الوقت المتوفر في بحث وتحقيق مسائل أخرى فالأمر أخف ضررًا.

على كل حال هي ميسرة ومسهلة للعلم، لكن العلم لا يستطاع براحة الجسم، يقول: مفاد السؤال أن العلم يؤخذ من الكتب ما يؤخذ بساعة من كتاب يؤخذ بخمس دقائق من الآلة، يقول: الخطأ في تضييع خمس وخمسين دقيقة الزائدة على خمس دقائق، الذي حصل فيها على المعلومة، أما إذا استغل الفارق بين الأمرين وهو خمس وخمسون دقيقة في علم فهذا ليس بخطأ، هذا مفاد السؤال.

 يقول: ألا يقال: إن الخطأ في تضييع الوقت المتوفر من استخدام هذه التسهيلات تضييعه في غير العلم، أما إن كان الطالب ملازمًا لطلب العلم، ويستفيد من هذا الوقت المتوفر في بحث وتحقيق مسائل أخرى فالأمر أخف ضررًا.

على كل حال تأسيس وتأصيل طالب علم على الجادة لا يمكن أن يحصل بواسطة الآلات، لا يمكن أن يحصل بهذه السهولة، وإلا كان كل الناس علماء، بإمكان العامي أن يفتح الكمبيوتر ويأخذ ما يريد بلحظات، فقط يقال له: اصنع كذا واصنع كذا، يتعلم كيف يدخل على ما يريد ويستخرجه بسهولة، ويمضي لتجارته، صار عالمًا، لا العلم العلم يحتاج، وبقدر التعب والجهد يحصل ما يحصل من العلم ويثبت العلم عنده، والذي يؤخذ بسهولة يفقد بسهولة، والله المستعان.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

ففي الحديث الطويل في قصة هرقل مع أبي سفيان حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: (فقرأه فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمدٍ عبد الله ورسوله)، من محمدٍ عبد الله ورسوله.

 يقول ابن حجر: في قوله من محمد فيه أن مِن التي لابتداء الغاية تأتي من غير الزمان والمكان، تأتي من غير الزمان والمكان، من محمد، من شخص، كذا قاله أبو حيان في أن من التي لابتداء الغاية تأتي من غير الزمان والمكان، كذا قاله أبو حيان، والظاهر يقول ابن حجر: والظاهر أنها هنا أيضًا لم تخرج عن ذلك، لم تخرج عن ذلك، يعني عن الزمان والمكان، كأنه قال: من المدينة النبوية من محمد -عليه الصلاة والسلام- يعني من هذا المكان أو في هذا الوقت من هذا الزمان، كذا قال، والظاهر أنها أيضًا هنا لم تخرج عن ذلك المكان، لكن بارتكاب مجاز، لكن بارتكاب مجاز.

 زاد بعضهم في حديث دحية، يعني بعض الرواة: وعنده ابن أخٍ له أحمر أزرق سبط الرأس، وفيه: لما قرأ الكتاب سخِر لما قرأ هرقل الكتاب سخِر فقال: لا تقرأه، إنه بدأ بنفسه، لا تقرأه إنه بدأ بنفسه فقال قيصر: لتقرأنه فقرأه، كأن المأمور بالقراءة هو ابن الأخ، أو يخاطب الترجمان؟ فقال قيصر: لتقرأنه فقرأه، وقد ذكر البزار في مسنده عن دحية الكلبي أنه ناول الكتاب لقيصر، ناول الكتاب لقيصر ولفظه: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكتابه إلى قيصر فأعطيته الكتاب، فأعطيته الكتاب.

الآن عندنا يقول: ثم دعا بكتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، بعث به دحية إذا قلنا: دحيةَ بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- به دحيةَ، إلى عظيم بصرى فدفعه الضمير يعود إلى أقرب مذكور يعني عظيم بصرى بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل فقرأه.

طالب:...

إذا قلنا: الضمير يعود إلى أقرب مذكور، والبزار يقول في مسنده عن دحية أنه ناول الكتاب لقيصر ولفظه: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكتابه إلى قيصر فأعطيته الكتاب، بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكتابه إلى قيصر فأعطيته الكتاب، وهنا يقول: بعث به دحيةُ أو في الرواية الأخرى دحيةَ إلى عظيم بصرى، إلى عظيم بصرى، وهو الحارث الذي سبق ذكره، الثاني، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل، والتدرج في مثل هذه الأمور متصور، يعني شخص عادي له حاجة إلى كبير، وهذا الكبير لا يوصل إليه في العادة إلا بوسائط، قد لا تستطيع الوصول إلى مدير المكتب، فتدفعه إلى شخص أكبر منك يدفعه إلى مدير المكتب، ومدير المكتب يسلمه إلى صاحب الشأن، يعني التدرج ما زال، يعني أبهة الحكم والملك موجودة من القدم، كما ذكرنا فيما تقدَّم: فدعاهم ثم قال: فدعاهم فدعاهم ثم قال: فدعاهم قال: ما في هذا تكرار، دعاهم ليجلسوا في صالة الانتظار مدة، ما زال معمول به عند أمثاله ونظرائه، ما يمكن أن يأتي الشخص والأبواب مفتوحة ويدخل إلى المسؤول الكبير، لا، يجد أبوابًا موصدة، ودونها حرس وحُجَّاب وناس يتلقون هؤلاء الوافدين، وبعضهم من ينصرف من بعض من الباب الأول، يعني يؤدي حاجته إلى أقرب مسؤول ويرجع، وبعضهم يتقدم قليلاً وهكذا إلى أن يصل إلى الرأس المراد، فكونه يُدفَع الخطاب لمثل هذا بوسائط أمر مألوف عندهم.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

تقدَّم أنه دحية ومعه عدي بن حاتم، ومعه عدي بن حاتم وكان نصرانيًّا، وكونه على دينهم تسهّل له الأمور أكثر من دحية. في مغني اللبيب لابن هشام قال: مِن يعني الحرف مِن تأتي على خمسة عشر وجهًا، مِن تأتي على خمسة عشر وجهًا، أما إعراب مِن هذه في قوله: تأتي مِن تأتي على خمسة عشر وجهًا، أنا لا أعرب الذي في ....؟

طالب: .........

كيف؟

طالب:...

المقصود لفظها فتعرب ماذا؟ مبتدأ يسند إليها، وهي حرف؛ لأن المقصود الحرف المسمى بهذا، تأتي على خمسة عشر وجهًا أحدها ابتداء الغاية، وهو الغالب عليها، والغالب عليها حتى ادعى جماعة أن سائر معانيها راجعةٌ إليه، كل المعاني الخمسة عشر التي ذكرت، كلها ترجع إلى ابتداء الغاية، وتقع لهذا المعنى في غير الزمان، وتقع لهذا المعنى في غير الزمان نحو: من المسجد الحرام ابتداء، {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ} [سورة النمل: 30]، يعني جاءت بابتداء غاية من غير الزمان، جاءت من ابتداء مكان، من المسجد الحرام، وابتداء ماذا؟ جاءت من الابتداء من شخص، يسمونه في النحو جثة.

ولذا يقول ابن مالك: ولا يكون اسم الزمان خبرًا عن جثةٍ

 ولا يكون اسم الزمان خبرًا عن جثةٍ وإن يفد فأخبرا

 {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ} [سورة النمل: 30]، وهذا مطابق لما معنا من محمد -عليه الصلاة والسلام-، قال الكوفيون والأخفش والمبرد..

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

نعم ابن حجر يقول: إنها لابتداء الغاية، وغالبًا ما تكون في الزمان، وتأتي من المكان وذكر الآية.

طالب:...

وكاتبها هو سليمان، هل تغير شيء؟

طالب:...

ولذلك يقول: وتقع لهذا المعنى في غير الزمان نحو: من المسجد الحرام، و{إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ} [سورة النمل: 30] قال الكوفيون والأخفش والمبرِّد وابن درستويه: وفي الزمان أيضًا، وفي الزمان أيضًا بدليل: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [سورة التوبة: 108]، وفي الحديث: «فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة» وقال النابغة:

تُخُيِّرنا من أزمان يوم حليمة

 

إلى اليوم قد جُربنا كل التجارب

وقيل: التقدير من مُضي أزمان يوم حليمة، ومن تأسيس أول يوم، وردَّه السهيلي بأنه لو قيل هكذا لاحتيج إلى تقدير الزمان، وفي تعليق الشيخ محيي الدين عبد الحميد على ابن عقيل قال: وفي المسألة كلام طويل، وخلافٌ واسع الذيل وتلخيصه، كثير من هذه الدقائق لا تتمحض في المراد، بل قد يكون لها أكثر من ملحظ، ويصح فيها أكثر من تقدير، ويصح فيها أكثر من تقدير، الآن خاتم من حديد، خاتم من حديد، مِن هذه بيانية أو تبعيضية؟

طالب:...

خاتم من حديد، التمس ولو خاتمًا من حديد هذا السياق، التمس ولو خاتمًا من حديد.

طالب:...

والخاتم أليس بجزء أو بعض من الحديد؟ أنا أقول: مثل هذه الأمور حينما ينظر إليها بدقة ويختلف فيها أهل العلم تجد في الغالب أن لكل قول وجهة، لكل قول وجهة، ولذا يقول بعضهم: هي بيانية فيها شوب التبعيض، وبعضهم يعكس يقول: هي تبعيضية فيها شوب البيان. {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} [سورة الإسراء: 82] هل هي بيانية أم تبعيضية؟

طالب:...

مثل الأول؛ لأنك إذا قلت: بيانية، وجميع القرآن على هذا شفاء للأمراض فأنت لا إشكال في أن تقرأ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [سورة المسد: 1] على مريض، ومن أهل العلم يقول ما المانع؟ من بيانية، والقرآن كله شفاء، والذي يقول: تبعيضية، يقول: القرآن بعضه شفاء وعلاج للأمراض، وبعضه أحكام، وبعضه آداب، وبعضه قصص، وبعضه أخبار، وهكذا، لا يمكن أن يقال: القرآن كله أحكام، أو كله قصص، أو كله كذا.

 فمثل هذه الخلافات التي توجد في هذه الخلافات الدقيقة في بعض القضايا مثل التي ذكرنا تجد أن لكلٍّ مستمسك؛ لأنهم حينما يتحدثون على ما يريدون ينظرون في المعنى الذي ينقدح في الذهن، فيهجم على ذهن هذا هذا المعنى، ويهجم على ذهن هذا هذا المعنى، وقد يكون لكلٍّ وجه، مثل ما قلنا في خاتم من حديد، يعني كل الأقوال يمكن أن تُصحَّح فكونها بيانية نعم، بيانية، وكونها تبعيضية صحّ تبعيضية، بيانية فيها شوب تبعيض كذلك أو العكس.

 وهنا يقول في المسألة كلام طويل وخلافٌ واسع الذيل، وتلخيصه أنه قد ذهب جمهور الكوفيين وأبو العباس المبرِّد والأخفش وابن درستويه من البصريين إلى أن مِن قد تأتي لابتغاء الغاية في الزمان، ومال إلى هذا المُحقِّق الرضيّ، الرضيّ ماذا له من الكتب؟ شرح؟ طالب: ......

نعم، أشهر من نار على علم شرح الكافية، ومن أفضل كتب النحو، شرح الرضيّ على الكافية أحسن من شرح المؤلف نفسه، على كل حال ومال إلى هذا المُحقِّق الرضيّ، وهو الذي ذهب إليه ابن مالك وابن هشام، وذهب جمهور البصريين إلى أنها لا تجيء لذلك، لابتغاء الغاية في الزمان من أول يوم، من أزمان يوم حليمة، وذهب جمهور البصريين إلى أنها لا تجيء لذلك، واتفق الجميع على أنها تأتي لابتغاء لابتداء الغاية من المكان والأحداث والأشخاص، أنها تأتي لابتداء الغاية في الأمكنة: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[سورة الإسراء: 1]، ابتداء غاية من المسجد الحرام وهو مكان، وإلى لانتهاء الغاية إلى المسجد الأقصى، والأحداث، ماذا تعني الأحداث؟

طالب:...

حوادث يعني الحوادث ترجع إلى أزمانها، ترجع إلى أزمانها، والأشخاص الأشخاص يعني بدون تأويل، ما نحتاج إلى تأويل من محمد، من سليمان إلى آخره.

طالب:...

كيف؟

طالب:...

قد ترجع إلى الأزمنة وترجع إلى الأمكنة.

طالب:...

نعم. قد ترجع إلى هذا وترجع إلى هذا.

طالب:...

ما الذي جعل البصريين يمنعون إلى أنها لا تجيء لذلك؟ لا تجيء لابتداء الغاية في الزمان؟ لأن الزمان ليس بشيء محسوس بخلاف المكان، الأمور تنطلق من الأمور المحسوسة لا من الأمور المعنوية غير المحسوسة، فالزمان غير محسوس، تصورت؟ لكن على كل حال الأدلة والشواهد تدل على مجيئها لابتداء الغاية الزمانية.

 عبد الله ورسوله، من محمدٍ عبد الله ورسوله يقول الكرماني: إنما ذكره يعني قال: من محمد ثم قال: عبد الله ورسوله، يقول: إنما ذكره تعريضًا لبطلان ما يقوله النصارى من أن المسيح هو ابن الله؛ لأن حكم الرسل كلهم واحد، من كونهم عباد الله، وقدم ذكره على رسوله ليكون من باب الترقي، الله -جل وعلا- أخبر عن نبيه -عليه الصلاة والسلام- بوصف العبودية في أشرف الظروف والأحوال، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ}، {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ}[سورة الجن: 19] هاه؟

طالب:...

{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ}[سورة الفرقان:1]، المقصود أن العبودية هي أشرف الخصال للرسل، ومن دونهم من باب أولى.

 ومما زادني شرفًا وفخرًا وتيهًا               وكدت بأخمصي أطأ الثريا

 دخولي في قولك يا عبادي                   وأن صيرت أحمد لي نبيًّا

 فتحقيق العبودية هو الهدف الذي من أجله خُلق الإنس والجن، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يريد أن ينبه ويعرّض في مطلع الخطاب إلى بطلان ما هم عليه، من دعوى التثليث، أو كون عيسى ابن الله، من محمد عبد الله ورسوله، يقول الكرماني: إنما ذكره تعريضًا لبطلان ما يقوله النصارى من أن المسيح هو ابن الله لأن حكم الرسل كلهم واحد من كونهم عباد الله، وقدَم ذكره على رسوله؛ ليصير من باب الترقي.

وفي بعض الروايات: من محمد بن عبد الله رسول الله من محمدٍ الرواية المعتمدة عند عامة الرواة: من محمد عبد الله ورسوله، جاء في بعض الروايات: من محمد بن عبد الله رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، يقول الخطابي: قوله: إلى عظيم الروم معناه إلى من تعظمه الروم، إلى من تعظمه الروم وتقدمه عليها، ولم يكتب إلى ملك الروم ولم يكتب إلى ملك الروم بما يقتضيه هذا الاسم من المعاني التي لا يستحقها من ليس من أهل دين الإسلام، ولو فعل ذلك لكان فيه التسليم لملكه، وهو بحكم الدين معزولٌ، ومع ذلك فلم يخله من نوعٍ من الإكرام في المخاطبة؛ ليكون آخذًا بأدب الله تعالى في تليين القول لمن يبتدئه بالدعوة إلى دين الحق.

 وقال النووي: في هذا التوقي في الكتابة، يعني التحري في الكتابة، يعني على الإنسان إذا كتب أن يكون دقيقًا، دقيقًا في كتابته، يحسب لألفاظه، ولوازم الألفاظ أيضًا يحسب لمنطوق اللفظ ولمفهومه ولما يلزم عليه ومحترزاته، فيحرر كتابته؛ لئلا يوجِد فجوة يمكن أن يدخَل منها، مع أنه لن يخرج عن قول الله -جل وعلا-: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا}[سورة النساء: 82]، لا بد من وجود الخلل، حاشا من أوتي جوامع الكلم، أما عامة الناس وسائر الناس مهما بلغ في الدقة، ومهما وُصف بها، ومهما اتصف بها لا بد أن يوجد في كلامه شيء من الخلل؛ ليظهر الفرق بين قدرة الخالق وقدرة المخلوق.

 يقول النووي: فيه التوقي في الكتابة، واستعمال الورع فيها؛ لأن بعض الناس إذا كتب إما أن يفرط وإما أن يُفرِّط، إما أن يبالغ في المدح ويغلو، وإما أن يسفّ في الذم والهجاء، والإنصاف عزيز، والإنصاف عزيز، واستعمال الورع فلا يفرط ولا يُفرِّط، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إلى هرقل عظيم الروم» ولم يقل ملك الروم؛ لأنه لا ملك له ولا لغيره من الكفار بحكم دين الإسلام، ولا سلطان لأحد إلا من ولاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو ولاه من أذن له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشرطه. وإنما يُنفذ من أحكامه ما ينفذ للضرورة، ولم يقل إلى هرقل فقط بل إلى نوع من الملاطفة يعني عدل إلى نوع من الملاطفة فقال: عظيم الروم الذي تعظمه أي الذي تعظمه الروم وتقدِّمه، وقد أمر الله -سبحانه وتعالى- بإلانة القول لمن يدعى إلى الإسلام.

الآن المخاطبة بالوصف المقتضي للتكريم، إلى المكرَّم فلان، إلى المكرَّم هل نقول: المكرَّم فلان لغير المسلم؟ أو للفاسق مثلاً فيه ما يمنع أم ما فيه؟

طالب:...

نعم.

طالب:...

نعم، العموم يدخل فيه كل أحد من بني آدم {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [سورة الإسراء: 70] كرمنا بني آدم، كتب من كتب وألف من ألف باسم تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب، هل هذا يعارض التكريم العام لجميع بني آدم؟ يعارض أو لا يعارض؟ الله -جل وعلا- يقول: {بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [سورة الفرقان: 44] ومن هذه الحيثية يوجد من هو أضل من من الحمر والكلاب وغيرها، ومن الأنعام، فإذا خوطب بالمكرَّم لا سيما وأن الدليل يدل عليه {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [سورة الإسراء: 70] وعندنا أيضًا مستمسك هنا إلى عظيم الروم، وفيه فائدة، فائدة لمن يزاول الدعوة أن مثل هذا التنازل والتنزُّل لمصلحة الدعوة مشروع، مثل هذا التنزُّل: إلى عظيم الروم، والعظمة هي في الأصل تابعة إلى من هو عظيم عند الله -جل وعلا- في حقيقة الحال، لكن عظيم الروم يعني عظيم عندهم، هم يعظمونه ويقدمونه، فالتنزُّل إلى مثل هذا القول لمصلحة الدعوة؛ لأن من يزاولون الدعوة عندهم شيء، بعضهم عنده شيء من التفريط، وبعضهم عنده شيء من الإفراط، بعضهم عنده شيء من الجفاء بحيث لا يُقبل منه، وبعضهم عنده شيء من المداهنة بحيث يصل إلى حد ارتكاب محظور أو ترك مأمور، فلا هذا ولا هذا، إذا كانت مصلحة الدعوة تقتضي إلانة الجانب كما هو الأصل فليُسلَك؛ لأن الهجر والصلة كلاهما علاج، علاجٌ ينظر للأنسب بحسب الظروف والأحوال والأشخاص، لا إله إلا الله.

طالب:...

لا، إطلاق السيد على الفاسق جاء التحذير منه على الفاسق من المسلمين أو المنافق ممن يتعامل مع المسلمين هذا جاء التحذير منه فضلاً عن الكفار، لا، السيادة ممنوعة، هو الإشكال أنها أوراق مطبوعة.

طالب:...

على كل حال مثل ما قلنا: إنه لا يجوز إطلاق السيد على الفاسق أو المنافق فضلاً عن الكافر.

طالب:...

على كل حال ما دام له أصل شرعي فالأصل أنه لا إشكال فيه ولا مانع.

طالب:...

أين؟

طالب:...

لا، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [سورة الإسراء: 70] وهو من بني آدم، لكن أنت ما تستطيع أن ترد عليه أو تنكر عليه وعنده أصل شرعي، ما عنده في نفسه ما يكنه له، هذا أمر خفي يعني، وقد أمر الله -سبحانه وتعالى- بإلانة القول لمن يُدعى إلى الإسلام، وقد أمر الله -سبحانه وتعالى- بإلانة القول لمن يُدعى إلى الإسلام، فقال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}[سورة النحل: 125]، وقال -جل وعلا-: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا}، {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا} [سورة طه: 44] إلى غير ذلك.

سلامٌ على من اتبع الهدى سلامٌ على من اتبع الهدى، يقول الكرماني: لم يقل: سلامٌ عليك، سلامٌ على من اتبع الهدى، يقول: لم يقل: سلامٌ عليك؛ إذ الكافر لا سلامة له، وأيضًا لا يدعى له بالسلامة ما دام على كفره، ولم يقل سلام عليك؛ إذ الكافر لا سلامة له؛ لأنه مخزىً في الدنيا بالحرب والقتل والسبي، وفي الآخرة معذبٌ بالعذاب الأبدي، وفيه إشعارٌ بأنه إن اتبع الهدى فهو من أهل السلامة، وإن لم يتبعه فليس من أهلها، واستدل به من قال: لا يجوز ابتداء الكافر بالسلام، استدل به من قال: إنه لا يجوز ابتداء الكافر بالسلام.

طالب:...

نعم هو حتى الوصف يخرجه، الوصف يخرجه من المسلَّم عليهم؛ لأنه لم يتبع الهدى، فلا يتناوله هذا السلام.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

لا، سلام سلام على من اتبع الهدى هذا وصف، هذا وصف له منطوق، وله مفهوم، جميع من اتبع الهدى الذي بعث به محمد -عليه الصلاة والسلام- يشمله بينما الذي لم يتصف بهذا الوصف لا يتناوله، ولذا يقول أهل العلم: يحرص ليحرص المسلم على أن يكون صالحًا، ليدخل في سلام كل مصلٍ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين تدخل في سلام كل مصلٍ من الأولين والآخرين، فلا تحرم نفسك.

طالب:...

لا.

طالب:...

لا، هذه كأن العُرف خصّها بغير المسلمين، والمسلم له أسلوب يخصه، وفيه إشعار بأنه إن اتبع الهدى فهو من أهل السلامة، وإن لم يتبعه فليس من أهلها، واستدل به من قال: لا يجوز ابتداء الكافر بالسلام، وقال ابن حجر: وفي رواية المصنف في الاستئذان السلام، عندنا سلام، والسلام بالتعريف والتنكير، أهل العلم يقولون: ويجوز تعريفه وتنكيره في سلامٍ على الحي، ويجوز تعريفه تعريف السلام وتنكيره في سلامٍ على الحي، مفهومه أن الميت معرفة، السلام عليكم أهل الديار، ما ورد بغير هذا اللفظ، بينما في السلام على الحي جاء بالتعريف وبالتنكير.

طالب:...

ماذا فيه؟

طالب:...

طيب.

طالب:...

{فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ}[سورة الذرايات: 25].

طالب:...

يعني صيغة السلام في الابتداء يقدم السلام؛ لأنه من أسماء الله -جل وعلا-، وفي الرد يقدم عليك؛ لأن المخاطب في الخطاب يقدم على غيره، في الخطاب، على كل حال الأمر سهل يعني هذه الصيغة جاءت بهذا، وقال ابن حجر: في رواية المصنف في الاستئذان السلام بالتعريف، وقد ذُكرت في قصة موسى مع هارون، في قصة موسى وهارون مع فرعون، وظاهر السياق يدل على أنه من جملة ما أُمرا به أن يقولاه.

فإن قيل: كيف يبدأ الكافر بالسلام؟ فالجواب أن المفسرين قالوا: ليس المراد من هذا التحية، الجواب أن المفسرين قالوا: ليس المراد من هذا التحية، إنما معناه: سلم من عذاب الله من أسلم، الجواب أن المفسرين يعني أصحاب الشأن في شرح ما جاء في هذا الحديث، الشُرّاح، شُرّاح الحديث، ويقال لهم على سبيل الحقيقة اللغوية يقال لهم: مفسرون؛ لأنهم يفسرون كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولذا لما سئل الأصمعي عن الصقب «الجار أحق بصقبه» قال: أنا لا أفسر كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والعرب تزعم أن الصقب اللصيق، هو تفسير بالحقيقة اللغوية لكن عرفًا خصّ التفسير بكلام الله -جل وعلا-، والشرح بكلام نبيه- عليه الصلاة والسلام- ومن عداه. لكن ما فيه ما يمنع من الرجوع إلى الأصل، ولو قلنا: إن المراد بقولهم فالجواب أن المفسرين، المفسرون أيضًا بحثوا هذه المسألة في آية النساء، بحثوا هذه المسألة في آية النساء.

 قالوا: ليس المراد من هذا التحية، إنما معناه سلِم من عذاب الله من أسلم، ولهذا جاء بعده أن العذاب على من كذب وتولى، إذًا كلام المفسرين.. ولهذا جاء بعده أن العذاب على من كذب وتولى، وكذا جاء في بقية هذا الكتاب: «فإن توليت فإن عليك إثم الأريسين»، فمحصل الجواب أنه لم يبدأ الكافر بالسلام، محصل الجواب أنه لم يبدأ الكافر بالسلام قصدًا، وإن كان اللفظ يشعر به، لكنه لم يدخل في المراد؛ لأنه ليس ممن اتبع الهدى فلم يسلم عليه.

 وفي تفسير الألوسي قال: ولا يسلم ابتداءً على كافر، ولا يسلم ابتداء على كافر؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه» رواه البخاري، وأوجب بعض الشافعية رد سلام الذمي، وأوجب بعض الشافعية رد سلام الذمي بعليك فقط، يعني كما كان اليهود يسلمون على النبي -عليه الصلاة والسلام- باللفظ الشنيع المعروف ثم يجيبهم بقوله: «وعليكم»، أو وعليك إذا كان واحدًا، بعليك فقط وهو الذي يقتضيه كلام الروضة، أوجب بعض الشافعية رد سلام الذمي بعليك فقط، وهو الذي يقتضيه كلام الروضة، الروضة لمن؟

للنووي نعم، روضة الطالبين، لكن قال البلقيني والأذرعي والزركشي: إنه يسن ولا يجب؛ لعموم آية النساء، عموم الآية يشمل كل من حيّا {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [سورة النساء: 86]، وهو في تفسير القرطبي: واختلف في رد السلام على أهل الذمة هل هو الواجب كالرد على المسلمين، وإليه ذهب ابن عباس والشعبي وقتادة؛ تمسكًا بعموم الآية، وبالأمر بالرد عليهم في صحيح السُّنَّة، وذهب مالكٌ فيما روى عنه أشهب وابن وهب إلى أن ذلك ليس بواجب، فإن رددت فقل: عليك، واختار ابن طاوس أن يقول في الرد عليهم: علاك السلام بدل الياء ألف، علاك السلام أي ارتفع عنك، أي ارتفع عنك، علاك السلام، لكن يرد على هذا أن بعض العرب من المتقدمين ومن المتأخرين المعاصرين يقول بدل عليك علاك، موجود، فلا يتحقق ما أشار إليه ابن طاوس، واختار بعض علمائنا، القرطبي مالكي، واختار بعض علمائنا السِّلام بكسر السين، يعني به الحجارة، عليك الحجارة، وعلى كل حال التصرف النبوي محفوظ، ومدوّن بأسانيد صحيحة ثابتة، فإذا سلّموا يقال: وعليكم أو وعليك، فإن دعا بالسلام دُعي له كذلك بالسلامة، وإن دعا بالسام الذي هو الموت دُعي عليه به، والسلامة المقصود بها اللائقة به، اللائقة به، يعني لا السلامة المطلقة التي تطلب للمسلم؛ لأن السلام المطلقة معارضة بنصوص أخرى.

طالب:...

من ذكر ماذا؟

طالب:...

لا، هو متعلق الجار والمجرور سواء ذُكر أو حُذِف لا فرق؛ لأنه لا بد من تقديره إذا حُذِف لكن بمَ يقدر؟ يقدر بما جاء في الأصل قال: السلام عليك تقول: وعليك، ما الذي عليه؟ ما لفظ به، قال: السام عليك تقول: وعليك، فالمقدر هو ما ورد في الابتداء، وفي الحديث نكّر السلام وعرفنا أنه في موضع آخر عرفه وعُرِف في قوله تعالى في سورة طه: {وَالسَّلَامُ عَلَىٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ}[سورة طه: 47]، {وَالسَّلَامُ عَلَىٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ}[سورة طه: 47].

طالب:...

هذه لا مانع منها، لا مانع منها، إذا اقتضت المصلحة ذلك.

طالب:...

ما فيه إشكال، إن شاء الله.

طالب:...

ما يضر إن شاء الله، لا تبدؤوهم بالسلام، أما ما عداه فالأمر فيها أسهل لا سيما إذا كانت المصلحة داعية إلى ذلك، أو درء المفسدة، يقول القسطلاني: وعند المؤلف في الاستئذان السلام على من اتبع الهدى أي الرشاد أي الرشاد، أقول المراد بالهدى ما بعث الله به رسوله.

طالب:...

لا لا، لا يشابهون فيه، لا يجوز مشابهتهم فيما يختصون به من ألفاظ، لا لا.

طالب:...

المقصود أنها كثرت في المسلمين وشاعت، بحيث لا يتبادر إلى ذهن الإنسان أنه حينما يطلقها يقلد الكفار. المراد بالهدى ما بعث الله به رسوله -عليه الصلاة والسلام- من دين كما في قوله- جل وعلا-: {وَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [سورة التوبة: 33] يقول العيني: سلامٌ مرفوع على الابتداء، سلامٌ معروف على الابتداء؛ لأن عندنا في سلام الملائكة وردّ إبراهيم قالوا: سلامًا قال: سلامٌ، أهل العلم يقولون: إن سلام إبراهيم أبلغ من سلام الملائكة، أبلغ من سلام الملائكة، كيف؟

طالب:...

نعم، جاء بالاسمية للدلالة على الاستمرار والدوام، بينما جاء منصوبًا نيابة عن فعله، فالفعل لا يدل على الدوام والاستمرار وإن اقتضى التجدد والحدوث. قال: سلامٌ مرفوع، العيني يقول: سلام معروف على الابتداء، وهذا من المواضع التي يكون المبتدأ فيها نكرة، هذا من المواضع التي يكون فيها المبتدأ نكرة بوجه التخصيص، وهو مصدر في معنى الدعاء، وأصله سلّم الله أو سلّمت سلامًا؛ إذ المعنى فيه ثم حُذِف الفعل للعلم به، ثم حُذِف الفعل للعلم به، ثم عُدِل عن النصب إلى الرفع؛ لغرض الدوام والثبوت، وأصل المعنى ما كان عليه، وأصل المعنى على ما كان عليه، وقد كان سلامًا في الأصل مخصوصًا بأنه صادرٌ من الله تعالى، ولذا بدل ما يقال: سلامٌ عليكم، يقال: سلام الله عليكم، سلام الله عليكم، بأنه صادر من الله تعالى ومن المتكلم لدلالة فعله وفاعله المتقدمين عليه، فوجب أن يكون باقيًا على تخصيصه، استعمال ما جاء في القرآن من ألفاظ في غير مواردها، وقفت على كتاب اسمه مقام إبراهيم، مطبوع من من ستين أو سبعين سنة، طباعة فاخرة، وفيه مقاطع بين كل جملة أو جملتين سلامٌ على إبراهيم، موضوعة بين قوسين، وشكلها شكل رسم المصحف، سلامٌ على إبراهيم، والعنوان مقام إبراهيم عنوان الكتاب، فرحت بالكتاب فرحًا شديدًا، قلت: أكيد هذا يتحدث عن المقام، وفيه زيادة فائدة، فلما أخذت الكتاب من غير تأمل ووصلت البيت، وإذا به كلمة في حفل تأبين إبراهيم هنانو عضو مجمع اللغة العربية بدمشق، وبين جملتين سلام على إبراهيم، يعني هل هذا التصرف سائغ؟

هذا التصرف ليس بسائغ إطلاقًا، ولا يمكن احتماله، تستعمل آي القرآن في غير مواضعها في شخص أين هو من إبراهيم -عليه السلام-، وقد يكون الشخص أيضًا عليه ما عليه من ملاحظات، وقد أفضى إلى ما قدم، لا نقول إلا خيرًا، لكن يبقى أن الناس ينزلون منازلهم. فهذا ينزل في منزلة إبراهيم الخليل؟ ويورد في حقه ما ورد في حق الخليل؟ لا شك أن مثل هذا توسع غير مرضي.

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

"