كتاب الجامع من المحرر في الحديث - 12
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: (وعن أنس) ثم قال بعده: (وعنه - رضي الله عنه-) يعني أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- (قال: عطس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلان) العطاس معروف يعرفه كل واحد من صغير وكبير، من أعرابي وعجمي، كل أحد يعرفه؛ لأنه يحصل لجميع الناس، وفائدته أنه يُخرج من الرأس ما يضره لو بقي فيه، وهذه من نعم الله -جل وعلا- كما بيَّن ذلك الأطباء، ولذا استُحب أن يقول العاطس: الحمد لله، يعني على هذه النعمة.
(عطس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلان، فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر)، جاء ما يبين في بعض الروايات أن أحدهما كان شريفًا والآخر أقل منه في المستوى، جاء في بعض الروايات مما أشار إليه الشراح أن أحدهما كان شريفًا، والآخر أقل منه، ومن الموافقات أن الذي حمد الله هو الأقل، والشريف ما حمد إما لأنه لا يعرف الحكم، المقصود أن هذا الحاصل والظاهر أنه لا يعرف الحكم بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما شمت أحدهما ولم يشمت الآخر، (فقال الذي لم يشمته: عطس فلان فشمته وعطست أنا فلم تشمتني؟) يعني لو أن الذي عطس هو الشريف الذي عطس وشمت هو الشريف، والذي لم يشمت هو الأقل لقال الأقل إن هذا يمكن شمته لشرفه.
المقصود أن فلان شمته النبي -عليه الصلاة والسلام- والثاني لم يشمته، ما العلة؟ وما الحكمة؟ (فقال: «إن هذا حمد الله، وأنت لم تحمد الله») هذا هو السبب، فالذي يحمد الله يشمت، على خلاف بين أهل العلم في حكم التشميت، قد ورد اللفظ بالتشميت بالشين المعجمة المثلثة، وقال بالشين المعجمة، ولا يحتاج أن يقال المثلثة، بينما الثاء يحتاج أن يقال: المثلثة؛ لأن الرسم يشتبه بأكثر من حرف، الثاء يشتبه بالباء يشتبه بالتاء يشتبه بالياء ولا فيه مثلثة إلا الثاء، فهي الفارقة بين هذه الحروف، لكن إذا قلت: بالشين المعجمة فما فيه إلا واحد يشاركها، وهو السين المهملة، ما يحتاج أن تقول: مثلثة، وللعلماء نظر دقيق في الضبط والتفريق بين هذه الحروف.
جاء بالشين والسين، شمته وسمته، وكلاهما صحيح من حيث اللغة، والأكثر على أنه بالسين، ورجح ثعلب، وهو من أئمة اللغة أنه بالسين.
على كل حال التشميت هو قول السامع للعاطس الحامد: يرحمك الله، وجاء في البخاري: يرحمكم الله، ثم يرد العاطس بقوله: يهديكم الله ويصلح بالك، هذا من قِبل العاطس إذا شُمت.
(فقال الذي لم يشمته: عطس فلان فشمته، وعطست أنا فلم تشمتني) هذا يقوله للنبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه فقد شيئًا كبيرًا، دعاء النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو لا يعرف السبب، فبين له النبي -عليه الصلاة والسلام- أن هذا حمد الله، ولهذا يقرر أهل العلم أنه لا يشمت من لا يحمد الله.
طيب إذا نسي العاطس هل يذكر أو لا يذكر؟
طالب: .......
ما ذُكر، ما فيه أحد لا الرسول -عليه الصلاة والسلام- ولا أحد من الحاضرين قال: قل الحمد لله، في بعض الألفاظ: الحمد لله رب العالمين، وفي بعض الروايات: الحمد لله رب العالمين الحمد لله على كل حال.
المقصود أن قول: الحمد لله مجزٍ، وإن قال رب العالمين فهو أكمل. وجاء عن بعضهم أنه يكمل سورة الفاتحة، لكنه لم يثبت.
هذا حمد الله وهذا نسي، هذا شمت وهذا لم يشمت، يعني دعي له، التشميت لمن حمد الله سنة عند جماهير أهل العلم، وقال بعضهم بوجوبه؛ لأنه من الحقوق، من حق المسلم على أخيه، وجاء الأمر به في بعض الروايات. يُذكر وذكره ابن عبد البر بسند جيد إلى أبي داود صاحب السنن أنه كان في سفينة، فسمع شخصًا عطس وحمد الله على الشاطئ، فأخذ قاربًا، وذهب إليه وشمته ورجع إلى السفينة.
طالب: .......
لماذا ما تتم الحكمة إلا بذلك؛ لأن القصد التحبّب والتودّد للمسلم، مثل السلام ورد السلام، وكذا عاد إذا ما سمع لثقل سمع أو علة في لسان المشمت أو شيء من هذا، هذا عادة أمر خارج عن الإرادة وإلا فالأصل أن يشمت.
أبو داود صاحب السنن السجستاني أخذ قاربًا، والقصة ذكرها ابن عبد البر بسند جيد إلى أبي داود أنه سمع من عطس وحمد الله فاستأجر قاربًا فذهب إليه، استأجر قارب بدرهم، ذهب إليه وشمته ورجع إلى السفينة، فقيل له: أنت الآن مسافر، ومشقة عظيمة أن تفعل هذا؟ قال: عله أن يكون مجاب الدعوة، إذا قلت له: يرحمك الله، قال: يهديكم الله ويصلح بالكم، قال: فلما ناموا سمعوا من يقول: إن أبا داود اشترى الجنة بدرهم.
هناك بعض الأعمال قد لا تكون من الأعمال الجليلة الكبيرة في الإسلام المؤثرة، لكن يقترن بها حال فعلها من فاعلها شيء يقرن في قلبه من تعظيم الله وتعظيم أوامره وحدوده، فيستحق بها المغفرة، يعني الذي سقى الكلب، والذي سقى البغي، بغي زانية دخل الجنة بسببها؛ لأن هذا الفعل في هذا الوقت من هذا الرجل اقترن به مما وقر في قلبه من تعظيم حق الله -جل وعلا- وتعظيم حدوده وأوامره وشرعه واللطف بعباده وخلقه ما جعله يحصل على هذه المنزلة. رأيت من علق على بعض الكتب في طبعة قديمة جددت حديثًا في بعض الطبعات الحديثة، أنه يقول: إن الجنة إنما تنال بالتقوى، ولا تنال بمثل هذا الفعل، المعلق شيخ كبير من شيوخ الأزهر، وقلَّده من نقل كلامه في طبعة جديدة نقله بحروفه ولا عزاه إليه، «لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق».
طالب: .......
السند الذي نقل به ابن عبد البر هذه القصة سند كما قال ابن حجر وغيره بسند جيد، على كل حال هي ليست من الأدلة التي يحتج بها، الحكم ثابت ولو لم تحصل، ولكن الإنسان يستأنس في بعض هذه القصة والحكايات التي تعين وتشجع على فعل مثل هذه الأفعال، وإن كانت في نظر الناس قليلة.
بالنسبة لتذكير العاطس جاء فيه أن من يحمد العاطس يأمن من وجع الضرس والأذن، وجاء في حديث يعزى إلى سنن ابن ماجه، ولم أقف عليه فيه يتداوله العلماء ويعزونه لسنن ابن ماجه، فلعله في بعض الروايات التي لم نطلع عليها أو أن يكون عزوه إلى غير السنن من كتب ابن ماجه، فقيل: رواه ابن ماجه ما يمنع: «من سبق العاطس بالحمد»، يعني من أجل تذكيره، «من سبق العاطس بالحمد أمن الشوص واللوص والعلوص» هذه أمراض كلها قريب من الحديث السابق، شيء في الضرس، وشيء في الرقبة، وشيء في الأذن.
على كل حال الذي عطس ولم يشمت هذا ما فيه أحد ذكره، ولو كان التذكير مشروعًا لذكره النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن عدم تذكيره في مثل هذه الحالة وتشميت من حمد وترك من لم يحمد أن هذا فيه ما يجعل الذي لم يحمد يهتم بالحمد، إذا شمت من حوله وهو لم يشمت دعي لمن حوله، وهو لم يدع له لا سيما من مثل دعاء النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أن هذا يتأثر ولم ينسَ الحمد فيما بعد.
يقولون: من آداب العطاس أن يكتم الإنسان ويخفف الصوت بقدر الإمكان، ويضع على فمه يده أو شيئًا يمنع من انتشار ما يخرج فيؤذي غيره، ولا يلتفت، لا يلوي عنقه؛ لأن هذا مضر جدًّا ومؤثر على الرقبة تأثيرًا بالغًا، وذكر ذلك ابن القيم وغيره ممن قبله، يحذرون من الالتفات أثناء العطاس، إذا عطس المرة الأولى يشمت، وفي الثانية يشمت، وفي الثالثة يدعى له بالعافية ويقال له: إنك مريض.
(وعن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس؛ من أجل أن ذلك يحزنه»)، «إذا كنتم ثلاثة» اثنان يتناجيان يتساران، والمناجاة الكلام مع خفض الصوت، بخلاف المناداة التي تكون برفع الصوت.
«إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث»؛ لأن ذلك يحزنه، فإما أن يقع في قلبه أنه دون المستوى المطلوب لمثل هذا الحديث، هذا أسهل من أن يظن بهما سوء أنهما يخططان لإيذائه مثلاً، وهذا أشد.
«إذا كنتم ثلاثة»، لو كانوا عشرة لا بأس؟ إذا كانوا عشرة لا بأس؟ يعني يتناجى تسعة دون العاشر هذا أشد، وإنما نُص على الثلاثة؛ لأنهم أقل عدد يمكن أن يحصل منه هذا، لو كانوا أربعة وتناجى ثلاثة وواحد متروك، عشرة تناجى تسعة، مائة تناجوا ضد واحد لم يشركوه، لا شك أن الريبة والحزن يهجم على قلبه، فيظن أنهم يخططون لأمر سيئ يلحقه.
مثل هذا التناجي لو تحدث اثنان مع رفع الصوت بلغة لا يفهمها الثالث، أحيانًا يكونون كلهم عربًا، ويتحدثون العربية، ويفهمونها، ثم يتراطن اثنان مع رفع الصوت بغير العربية، وهو لا يحسنها، وأنا دخلت مكتبة فإذا فيه مجموعة من الأشخاص، ويتحدثون على طاولة، أول ما سمعتهم الكلام العربي ما سمعته منهم ثم لما دخلت حولوا لغتهم إلى أعجمية إنجليزية أو غيرها، فنظرت في المكتبة، فإذا فيها كتب ممنوعة، كتب سيئة، فعلمت أنهم ما يريدون أن أسمع مثل الكلام الذي يدور بينهم، وهذا داخل في الحديث دخولاً أوليًّا إذا كانت هذه المناجاة تحمل أفكارًا مخالفة فإن هذا حينئذٍ يكون أشد، ويدخلون في النهي دخولاً أوليًّا، مع أنهم غير ملتفتين لهذا النهي ولا لغيره فيما ظهر لي من حالهم، ثم سمعت عنهم بعد ذلك ما هو أشد، والله المستعان.
طالب: .......
لغة الإشارة عند من يفهمها داخلة، لغة الإشارة ممن لا علة به، لو كان أصم وهذا يسمعه ويتكلم وكانوا صمًّا يتحدثون بينهم بالإشارة، أو كانوا أعاجم لا يحسنون العربية، وتحدثوا بلغتهم ما يدخل في هذا؛ لأن المقصود واضح، والسبب في هذا الكلام الدائر بينهما دون الثالث واضح، فلا يدخلون في مثل هذا. {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} والسبب {لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 10] وهذا فرع منها.
على كل حال «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى»، لا هذه؟
طالب: الظاهر أنها نافية، ولكن .......
نافية، المقصود من النفي هو النهي، وهو واضح من السياق، ما المقصود؟
ليس المقصود هو نفي وجود هذا الفعل، وإنما المقصود النهي من حصوله، والنهي يأتي بلفظ الخبر، وحينئذٍ يكون أبلغ، وابن حجر أشار إلى أن في بعض الروايات بحذف الألف: «فلا يتناجَ» بدون ألف.
«دون الآخر حتى تختلطوا بالناس؛ من أجل أن ذلك يحزنه»، تجد في المناسبات في الأفراح يكثر العدد، ويكونون مصطفين على كراسي أو شبهها، فتجد اثنين يتناجيان معًا وواحد بينهما، ثم اثنين بجانبه يتناجيان بينهما، يدخل في النهي أم ما يدخل؟
«حتى» هنا «تختلطوا بالناس» الآن فيه عدد كبير، لكن هذا الشخص متروك بمفرده، واللذان بجانبه يتناجيان، وبجانبه الأيسر يتناجيان، أولاً هو آمن على نفسه من أن يُغدر به، لا يخشى سوءًا بهم؛ لوجود الناس واختلاطهم بالناس، فالذي يظهر أنه لا يدخل في الحديث؛ لأنهم مختلطون بالناس.
«من أجل أن ذلك يحزنه» العلة منصوصة، «يحزنه» أو على أقل تقدير أن يظن بهما أنه ليس على مستوى من يبلغه هذا الخبر اللذان يتداولانه، هذا أقل تقدير، فإن خشي منهما سوءًا بإيصال ضرر إليه أو تآمر عليه بأخذ ماله أو تعريضه لأذى هذا أشد، فإيصال الضرر إلى المسلم محرم، والنصوص عليه من الكتاب والسنة متضافرة متوافرة، فلا يجوز مثل هذا ولا أدنى منه ولا أعلى منه.
ثم قال -رحمه الله-: (وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يقيم»)، لا هذه كسابقتها نافية، والمراد بالنفي هنا هو النهي؛ لأن المقصود ليس نفي وجود مثل هذا الأمر، وإنما المراد المنع من حصوله، يقول العلماء: وإذا جاء النفي مرادًا به النهي كان أبلغ، أبلغ من صيغة النهي الصريح؛ لأنه بمثابة نفي وقوع هذا الفعل من المسلمين، وأن المسلمين الأصل فيهم أن لا يقع فيهم مثل هذا، أن وقوع مثل هذا منفي عنهم.
«لا يقيم» لو كانت ناهية لكانت لا يُقمْ كما يقول المؤمن الموحد في قبره: ربِّ لا تُقم الساعة، المقصود أن هذه نافية، ويراد بها النهي.
«لا يقيم الرجلُ الرجلَ من مقعده ثم يجلس فيه»؛ لأن من سبق إلى مباح فهو أحق به، من ذلكم المسجد مثلاً، فلا يجوز لأحد أن يقيم أحدًا من مجلسه من المباحات التي يستوي ويشترك فيها الناس، وأنه حتى المسجد قال أهل العلم: حتى المسجد لا يجوز للأب أن يقيم ولده من مكانه فيجلس فيه؛ لأنه سبق، وفي الحديث: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى»، جاء صغير وسبق ودخل مع الأذان أو قبل الأذان وجلس خلف الإمام، فجاء شخص من الكبار وطرده مستدلاً بالحديث: «ليليني منكم أولو الأحلام والنهى»، طيب الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «لا يقيم الرجلُ الرجلَ من مقعده»؟ يقول: هذا ليس برجل، طفل. في الحديث: «ليليني منكم أولو الأحلام والنهى»، هل المقصود به طرد الصغار عن هذا المكان أو حث الكبار على التقدم إلى هذا المكان؟
حث للكبار أن يتقدموا، ولا يتركوا الفرصة للصغار أن يجلسوا في هذا المكان، وأما من سبق إلى مباح هو لائق به، وهو من أهله في الجملة لا يجوز إقامته. اعتاد المؤذنون أن مكانهم في المسجد خلف الإمام، وبعضهم يؤذن ويخرج؛ لأن بيته قريب، ويأتي على وقت الإقامة، ويجد في مكانه شخصًا يقيمه، لا يجوز هذا، داخل في الحديث، داخل في الحديث.
قد يقول قائل: إن فهم الصحابي الراوي للحديث حينما أبعد الصغار عن قرب الإمام أولى فالصغار يُبعدون، لكن لا شك أن لهذا أثرًا على نفسياتهم، وهو مؤثر فيهم، وهو داخل في عموم الحديث، والكبار عليهم أن يتقدموا ولا يتركوا الفرصة لهؤلاء الصغار أن يلوا الإمام. في المجالس العامة يدخل شخص قد يكون له شأن، ثم بعض الناس يتصرف يقيم فلانًا ويقيم فلانًا، والرجل ما أقام أحدًا، وفي الحديث: «لا يقيم الرجل الرجلَ من مقعده ثم يجلس فيه» الذي أقامه غيره، نقول" حتى غيره لا يجوز له أن يقيم غيره؛ ليجلس غيره فيه، إن سبق فهو أحق به، والتوجيه: «ولكن تفسحوا وتوسعوا». إذا قام الإنسان من تلقاء نفسه إكرامًا لغيره فالأمر لا يعدوه، لكن أحيانًا قد يقوم الإنسان من غير طيب نفس، مجاملة وإحراجًا، ويخشى على نفسه أن يقام، في مجالس الكبار الناس يرتبون قم يا فلان، اجلس يا فلان يرتبون على حسب منازلهم، وقد يكون الترتيب على حسب منازلهم الوظيفية، مع أنه قد يكون المؤخر في الوظيفة مقدمًا عند الله -جل وعلا-، كما قلنا في دروس سابقة: إن العسكر الشرط سلطة الأعلى رتبة على الأقل واضحة وظاهرة، ويمكن أن يعاقب ويمكن، يتقدمه في كل شيء، وقد يكون عند الله خيرًا من ملء الأرض من مثل هذا.
الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «كبر كبر» قد يكون الوالد في رتبة أقل من رتبة الولد أو العم في رتبة أقل من رتبة ابن أخيه، ويحصل ما يحصل اتباعًا لأنظمتهم، نقول: الحق أحق أن يتبع، فالله المستعان.
طالب: سبق إلى مكان ثم قام لحاجة؟
إذا قام أحدكم من مكانه، ثم عاد إليه قريبًا فهو أحق به.
طالب: .......
يرد الحجز هنا، يرد ويحصل الكلام عن الحجز، حجز الأماكن لا سيما في مواطن العبادة، في مواطن العبادة يأتي إلى المسجد ويضع سجادة أو عصا، ثم يخرج ويأتي في الوقت الثاني ويقول: إني حاجز المكان، لا يجوز مثل هذا، نعم إن سبق إليه وجلس فيه، واحتاج أن يخرج ليعود قريبًا، هذا هو أحق بلا شك، لكن صلى الظهر، ووضع السجادة حتى يجيء العصر لا يجوز له ذلك، وهذا يُفعل في المسجد الحرام لا سيما في المواسم كثيرًا، فبعض الناس يستأجر من يحجز الأماكن له ولأتباعه، هذا لا يجوز: {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25]، الملازم للمسجد الذي لا يخرج منه مثل البادي الذي جاء من البادية ليصلي فريضة واحدة ويرجع، وبعد ذلك ماذا قال؟
{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]، كونك تتعدى على حق أخيك في هذه البقعة الطاهرة إلحاد، ومما ذكره الشنقيطي في أضواء البيان أن من أنواع الإلحاد في الحرم التصوير، التصوير إلى الآن يصورون قدامنا يصورون. حصل مشاكل من هذا الحجز إلى الشجار والضرب، وقد يكون في آخر لحظة، وأنا شهدت، في آخر لحظة من عصر آخر يوم من رمضان، نسأل الله حسن الخاتمة، تضاربوا بالأيدي بسبب الحجز، وتواعدوا بعد الإفطار أن يخرجوا إلى الحل ويكملوا، يعني من الورع! هذا من الورع! نسأل الله العافية.
يرد في هذا الباب الإيثار، الإيثار أنت جالس في الصف الأول، فجاء شخص إما والد أو عم أو شيخ لك أو له معروف عليك أو حق عليك فآثرته بهذا المكان الفاضل الذي جاءت الأدلة بفضله على من سواه، الصف الأول، ومسألة الإيثار بالقرب معروفة عند أهل العلم، وأنه إذا كانت هذه القربة واجبة فلا تجوز بحال، يعني معك ماء يكفيك للوضوء، فرأيت شخصًا ما معه ماء، قلت: خذ الماء وأنا أتيمم، يجوز أم لا يجوز؟ لا يجوز.
في الفضائل والنوافل إذا ترتب عليها مصلحة راجحة فلا مانع إيثارًا لهذه المصلحة، يعني شخص يمشي مع أبيه فأراد الدخول في المسجد الولد عن اليمين والوالد عن الشمال فقال: تقدم يا ولدي بدءًا باليمين، قال: لا، يا أبت آثر والده بذلك أو عمه أو من له حق عليه، في مثل هذه الصورة لا مانع؛ لأن مثل هذا الإيثار كما أنه تفريط بشيء من الأجر يترتب عليه أجر من جهة أخرى قد يكون أعظم منه.
حجز الأماكن الكبيرة في المؤسسات الكبيرة أو في المشاعر مثلاً، يحجز مكانًا كبيرًا لمؤسسة علمية أو خدمية أُرصدت للمصالح العامة، له وجه أم ما له وجه؟ الشرط تنظم الناس في المواسم فلا بد أن يُتخذ لها مكان، المراكز الصحية لا بد أن يُحجز لها مكان، أماكن الإرشاد والتوعية والإفتاء وغير ذلك الناس يحتاجونها، فهذه من المصالح العامة لا يقال: إن هذا حجز، ومن سبق إلى مباح فهو أحق به، بحيث إذا أتي إلى هذه المصلحة من قِبل من أُرصدت له وجد فيه سكان وقال: من سبق إلى مباح، نقول: لا، هذا لا يدخل في هذا؛ لأنه لا بد من القيام بهذه الأمور، ولا يتم هذا إلا بمثل هذا الحجز، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
طيب إذا جاء شخص له قيمة اجتماعية أو علمية أو في سن أو... ووجد المجلس ملآن، وفي صدره أناس إما صغار وإما فيهم شيء من الضعف العقلي، أما المجانين الذين يتضرر الناس بوجودهم فنص أهل العلم على أنهم يُبعدون عن المكان، لكن إذا كان صغيرًا وقدم شخص كبير في مجلس ليس من الأماكن المباحة ومملوك لشخص، هذا الشخص يستطيع أن يتصرف في الأمر بحكمة بحيث لا يجرح خاطر هذا الشخص الذي هو أقل إما سنًّا أو إرادة وعقلاً، فإن مثل هذا يُتصرف معه بما لا يجرح شعوره، ومعلوم أن الإنسان في سلطانه لا يجوز التقدم عليه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه أيًّا كان، لكن العبرة في الأمور التي لا يتميز فيها أحد عن أحد.
«لا يقيم الرجل الرجلَ من مقعده» طيب لفظ «الرجل» له مفهوم أم كذلك المرأة مع المرأة، والمرأة مع الرجل إذا كان من محارمها، له مفهوم أم ما له مفهوم؟ ليس له مفهوم.
«من مقعده ثم يجلس فيه»، «من مقعده ثم يجلس» هذا يدل على الترادف بين اللفظين، لماذا ما قال: من مقعده ثم يقعد أو من مجلسه ثم يجلس؟ هذا يدل على الترادف بين اللفظين، وأن القعود والجلوس بمعنى واحد، وهذا معروف عند أهل العلم، وإن كان بعضهم يقول: إن بين القعود والجلوس فرقًا، فالقعود من اضطجاع والجلوس من قيام: «إذا دخل أحدكم المجلس فلا يجلس حتى يصلي ركعتين»، إذا كان مضطجعًا ثم قعد أو أنه لا بد أن يكون هذا الجلوس من قيام ليدخل في المنع، «لا يجلس حتى يصلي ركعتين»؟
ما يدخل؛ لأنه ما دخل المسجد، من الأصل داخل المسجد وهو مضطجع، خلافًا لأهل الظاهر يقولون: إذا دخل المسجد ولم يجلس اضطجع مباشرة ما يدخل في النهي، الرسول يقول: «فلا يجلس»، ما قال فلا يضطجع. وإذا قلنا بالتفريق، دخل المسجد ثم اضطجع ثم قعد، يدخل أم ما يدخل؟
طالب: .......
يعني ما جلس من أول الأمر، ولكن هذا الكلام صحيح؟ إذا نظرنا إلى العلة وشغل البقعة وهو المطلوب قلنا: لا يتحايل بمثل هذا.
«ثم يجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا»، فجاء الأمر بالتفسح: {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا} [المجادلة: 11]، المجالس أم المجلس؟ مجالس أم المجلس؟
طالب: .......
القراءة؟ {تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ} لا في المجلس؟
طالب: .......
عندهم مجلس ليس مجالس، قراءة ورش: {تَفَسَّحُوا فِي الْمَجْلِسِ}.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
إلا {تَفَسَّحُوا فِي الْمَجْلِسِ}، والمجلس عند أهل العلم، المجلس هو مكان الجلوس، ويطلق على الجالسين كما في القاموس وغيره من كتب اللغة. هذا مستعمل أم غير مستعمل؟
طالب: .......
إذا قيل: قرر مجلس الجامعة أو قرر مجلس الوزراء، المكان أم الجالسون؟
طالب: الجالسين.
نعم صحيح، الكلام صحيح يطلق على الجالسين لغة ما فيه إشكال.
طالب: .......
على كل حال سمه ما شئت، المقصود أنه لغة ماشٍ.
«ولكن تفسحوا وتوسعوا»، ما الفرق بين اللفظين تفسحوا وتوسعوا؟ تفسحوا وتوسعوا ما الفرق بينهما؟
طالب: .......
يعني توكيد؟ بمعنى واحد؟ يقولون: تفسحوا فيما بينكم أوجدوا مكانًا لهذا الداخل، وتوسّعوا، تراصّوا حتى يوجد في المكان سعة في طرفه للداخل، الشراح قالوا هذا، وعلى كل حال المعنى واضح وظاهر.
هل الداخل وإن كان من أعيان الناس ووجهائهم يشرئب إلى أن يوجد له مكان «تفسحوا» امتثالاً لهذا الأمر في صدر المجلس، أو أنه المتجه في حقه أن يجلس حيث انتهى به المجلس؟
طالب: .......
هذا بالنسبة له، هذا الحكم الشرعي المتوجه إليه، وأما الحكم المتوجه إلى غيره فإن على المسلم أن ينزل أخاه منزلته، أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، كما أنه إذا دخل المجلس وقاموا من أجله فلا يلام على ذلك؛ لأن لكل طرف من نصوص الشرع ما يخصه، هؤلاء الجالسون هم مطالبون بأن ينزلوا الناس منازلهم، ويدخلوا السرور على أخيهم، لكن هو بالمقابل لا يجوز له أن يتمثل الناس له قيامًا، فهذا له خطاب، وأولئك لهم خطاب شرعي مماثل.
بقي شيء؟
طالب: .......
بقي شيء من أبحاث الحديث؟
طالب: .......
ثم يجلس ....... له وجه؟
طالب: .......
لا لا لا ....... يجتهد المحقق وقع في أخطاء كثيرة، «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسلُ فيه»، «ثم يغتسلْ فيه»، «ثم يغتسلَ فيه»، يرد مثل هذا؟
طالب: .......
هنا؟
طالب: .......
هذا مثله أم يختلف؟
طالب: .......
«لا يضربْ أحدكم امرأته ثم يضاجعُها»، «ثم يضاجعَها»، «ثم يضاجعْها»، تجوز الحركات الثلاثة، الرواية ما أدري والله، لا أدري على الرواية، لكن الكلام في الجواز اللغوي ورد في حديث «لا يبولن أحدكم»، حتى الرواية ورد فيها الحركات الثلاثة، كيف توجه هذه الحركات الثلاث؟
طالب: .......
لا تأكلِ السمك وتشربَ اللبن.
طالب: بأن مضمرة.
أين؟
طالب: .......
نعم بأن مضمرة بعد فاء السببية أو واو المعية، لكن هذه ثم؟
طالب: حملوها عليها.
حملوها على الواو، نعم، حملوها عليها.
طالب: ....... «ثم يجلسُ» .......
ما المانع؟
ثم هو يجلس، تقديرها، مثل: ثم هو يضاجعها، ومثل: ثم هو يغتسل.
طالب: .......
نعم.
طالب: .......
المقصود أنه لا بد من تقدير ثم.
ما يكفي الوقت للحديث؟
طالب: .......
ماذا؟
طالب: مسألة الصغار ....... دون التمييز؟
دون التمييز لا، هؤلاء يقطعون الصف مثل السارية؛ لأنهم ما يعرفون كيف يصلون.
معك أسئلة؟
طالب: .......
الكرسي؟
طالب: .......
الجلوس على الكرسي مثل هذا يجيء العصر يتسنن ويجلس. أنا أعتبره مثل المنبر في خطبة الجمعة، مع أن في نفسي شيئًا من الصلاة في وقت النهي، ولذلك أتجوز في مثل هذا.
على كل حال للذكر مثل حظ الأنثيين إذا كانت قسمة ميراث، ويختلفون في الهبة والعطية هل يتساوون؟ محل خلاف بين أهل العلم، والأولى أن تقسم مثل هذه الأمور على قسمة الله -جل وعلا-.
بخصوص الزوجة لها نصيبها، لها الثمن، كما هو مقرر في كتاب الله -جل وعلا-، ويوجد من يوزع ماله، لكن بعضهم ندم على ذلك.