شرح الموطأ - كتاب الطهارة (6)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
يقول -رحمه الله تعالى- بعد ذلك: وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني" عائذ الله بن عبد الله، عالم الشام بعد أبي الدرداء، من الحفاظ العباد المعروفين، يلتبس بأبي مسلم الخولاني، اسمه عبد الله بن ثُوب "عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر))".
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم وفق شيخنا لما تحب وترضى.
قال رحمه الله تعالى:
باب: إعادة الجنب الصلاة، وغسله إذا صلى ولم يذكر وغسله ثوبه
عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أن عطاء بن يسار أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر في صلاة من الصلوات، ثم أشار إليهم بيده: أن امكثوا، فذهب ثم رجع وعلى جلده أثر الماء.
عن مالك عن هشام بن عروة عن زبيد بن الصلت أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- إلى الجرف، فنظر فإذا هو قد احتلم، وصلى ولم يغتسل، فقال: والله ما أراني إلا احتلمت، وما شعرت، وصليت وما اغتسلت، قال: فاغتسل، وغسل ما رأى في ثوبه، ونضح ما لم يره، وأذن أو أقام، ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنًا.
عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- غدا إلى أرضه بالجرف، فوجد في ثوبه احتلامًا، فقال: لقد ابتليت بالاحتلام منذ وليت أمر الناس، فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه من الاحتلام، ثم صلى بعد أن طلعت الشمس.
عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- صلى بالناس الصبح، ثم غدا إلى أرضه بالجرف، فوجد في ثوبه احتلامًا، فقال: إن لما أصبنا الودك لانت العروق، فاغتسل، وغسل الاحتلام من ثوبه، وعاد في صلاته.
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أنه اعتمر مع عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- في ركب فيهم عمرو بن العاص، وأن عمر بن الخطاب عرس ببعض الطريق، قريبًا من بعض المياه، فاحتلم عمر، وقد كاد أن يصبح، فلم يجد مع الركب ماءً، فركب حتى جاء الماء، فجعل يغسل ما رأى من ذلك الاحتلام، حتى أسفر، فقال له عمرو بن العاص: أصحبت ومعنا ثياب، فدع ثوبك يغسل، فقال عمر بن الخطاب: واعجبًا لك يا عمرو بن العاص لئن كنت تجد ثيابنا فكل الناس يجد ثيابًا، والله لو فعلتها لكانت سنة، بل أغسل ما رأيت، وأنضح ما لم أره.
قال مالك -رحمه الله- في رجل وجد في ثوبه أثر احتلام، ولا يدري متى كان؟ ولا يذكر شيئًا رأي في منامه، قال: ليغتسل من أحدث نوم نامه، فإن كان صلى بعد ذلك النوم فليعد ما كان صلى بعد ذلك النوم، من أجل أن الرجل ربما احتلم ولا يرى شيئًا، ويرى ولا يحتلم، فإذا وجد في ثوبه ماءً فعليه الغسل، وذلك أن عمر أعاد ما كان صلى لآخر نوم نامه، ولم يعد ما كان قبله.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: إعادة الجنب الصلاة
يعني إذا صلى قبل أن يغتسل "وغسله إذا صلى ولم يذكر وغسله ثوبه" إذا صلى ولم يذكر يقول الشراح: من الذُّكر بضم الذال، وإن كان المتبادر أنه من الذِّكر بكسرها، من الذِّكر أو من الذُّكر؟ الذُّكر التذكر، والذِّكر معروف باللسان، والتذكر بالعقل والقلب، مقتضى قوله: ولم يذكر من الذكر، يعني إذا كان ناسيًا، فعليه أن يعيد الصلاة، وعليه أن يغتسل إذا كان ناسيًا، وعليه أن يغسل ثوبه، ومقتضى الكسر الذِّكر أنه يعيد ولو ذكر، ولو صلى كونه يعيد إذا نسي مع قوله -جل وعلا-: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا} [(286) سورة البقرة] وقال: قد فعلت، الناسي يعيد، لماذا؟ لأن القاعدة المقررة عند أهل العلم أن النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، لكنه لا ينزل المعدوم منزلة الموجود {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا} [(286) سورة البقرة] يعني لا ترتب الإثم على ما حصل منا حال النسيان، أما ما نسي فعله أو فعل على غير الوجه المشروع نسيانًا فلا بد من إعادته، النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم.
شخص صلى خمس ركعات ناسيًا صلاته صحيحة؛ لأن النسيان نزل الركعة الخامس منزلة المعدوم، لكن لو صلى في رباعية ثلاثًا؟ لا بد من الإعادة، لماذا؟ لأن النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود.
وغسله ثوبه، أي غسل ما يراه فيه من الماء، من أثر الاحتلام، ونضح ما شك فيه، والغسل إن كان الأثر منيًّا فهو طاهر على سبيل الاستحباب، وإن كان مذيًا وما أشبهه فهو نجس، ينضح على ما تقدم.
"حدثني يحيى عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم القرشي أن عطاء بن يسار مولى ميمونة أم المؤمنين أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" مرسل، هذا تابعي يحكي قصة لم يشهدها، فهو مرسل، والخبر موصول في الصحيحين وغيرهما، فهو صحيح لا إشكال فيه.
"أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ترون الإمام مالك يكثر من ذكر المراسيل؛ لأنها لا فرق بينها وبين الموصولات عنده، فالكل حجة "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر في صلاة من الصلوات" هي صلاة الصبح، كما في رواية أبي داود وابن حبان عن أبي بكرة، ثم أشار إليهم بيده: أن امكثوا، في الصحيحين: أشار إليهم مكانكم، أي: الزموا مكانكم، وهم قيام بعد إقامة الصلاة "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبّر" هنا كبّر، وفي الصحيحين أنه لم يكبر، بل انتظروا تكبيره فأشار إليهم وانصرف، فدل على أنه لم يكبّر، وهنا قال: كبّر في صلاة من الصلوات، ثم أشار بيده: أن امكثوا، "فذهب" يعني فاغتسل "ثم رجع وعلى جلده أثر الماء" وفي الصحيحين: ثم رجع فاغتسل، ثم رجع إلينا ورأسه يقطر، فكبر، الذي في الصحيحين يدل على أنه لم يكبر، لم يشرع في الصلاة، وما هنا "فكبّر في صلاة من الصلوات" وهي الصبح "ثم أشار إليهم: أن اثبتوا" يعني بعد تكبيره، اثبتوا، وهم قيام في صلاة، فذهب ثم اغتسل ورجع، وأتم فيهم صلاتهم، ولم يستخلف، ولم يستأنف على هذا، لكن الذي في الصحيحين أنه لم يكبّر وحينئذٍ لا إشكال.
طالب:.......
ما دام معارض بما هو أصح منه، مما في الصحيحين، لا، لكن فكبّر محمول على أنه أراد أن يكبّر؛ لأن الفعل الماضي يطلق ويراد به الإرادة، نعم؟
طالب:.......
لا، هي قصة واحدة، نعم.
الحديث فيه فوائد كثيرة، أطال العلماء في شرحه، فيه جواز النسيان على الأنبياء، في أمر العبادة للتشريع، الرسول -عليه الصلاة والسلام- ينسى، وسها في صلاته من أجل التشريع، لكن هل الذي يسهو في صلاته أفضل أو الذي لا يسهو؟ أيهما أكمل؟ نعم؟ يعني نفترض المسألة في إمام راتب يسهو في الشهر مرتين، ثلاث، وآخر في السنة مرة أو مرتين، أيهما أفضل؟
ما في شك أن الذي لا يسهو دليل على أنه مهتم لصلاته، ومحضر قلبه فيها، وهذا عليه الأكثر، وبعضهم يقول: إن الذي يسهو في صلاته مستغرق فيها، غافلٌ عن صورتها فهو أفضل وأكمل عن صورتها، يعني همه المعاني، هذا قول عند بعضهم، لكن الأكثر على أن الذي يحضر قلبه في صلاته في شكلها وصورتها ومضمونها أفضل من الذي يستغرق في شيء، ويترك الشيء الآخر، هو مطالب بالعدد، كما أنه مطالب بروحها ولبها.
مما ذكره أهل العلم من فوائد هذا الحديث: طهارة الماء المستعمل، من أين؟
طالب:.......
نعم رأسه يقطر، ولولا أنه طاهر لنشفه قبل أن يدخل المسجد.
جواز الفصل بين الإقامة والصلاة، في الصحيح أن الصلاة أقيمت ثم ذهب واغتسل ورجع وهم قيام، ولم تعد الإقامة، فالفصل بين الأذان والصلاة جائز، فلا تلزم إعادتها، وقال مالك: إذا بعدت الإقامة عن الإحرام تعاد.
يقول النووي: ما في الحديث محمول على قرب الزمان، فإن طال فلا بد من إعادة الإقامة، يعني أقيمت الصلاة ثم ذهب وخلال خمس دقائق رجع، زمن قريب، لكن ذهب إلى بيته وجد الماء مقطوعًا، ما فيه ماء، ثم ذهب يبحث عن الماء، أو الماء بارد، ثم ذهب يسخن الماء، وطال الوقت، على رأيهم تعاد الإقامة.
فيه أيضًا أنه لا يجب التيمم للخروج من المسجد، لا يجب التيمم لخروج الجنب من المسجد، خلافًا للثوري وإسحاق، نعم المسألة مفترضة في شخص جالس في مسجد ثم احتلم، نام في المسجد واحتلم، يقولون: ما يخرج من المسجد، يستطرق المسجد إلا بطهارة {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} [(43) سورة النساء] لخروجه من المسجد يتيمم ليكون عبوره المسجد على طهارة ولو ناقصة، هنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- تذكر أنه عليه غسل ولم يتيمم، ففيه رد على من يقول بذلك كالثوري وإسحاق.
يقولون: في الحديث أيضًا تخصيص للنهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان، ومعلوم أن مثل هذا عذر، بل يلزمه أن يخرج.
يقول: "حدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن الزبير بن الصلت الكندي أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى الجُرف" الجرف بضم الجيم والراء، قال الرافعي: على ثلاثة أميال من المدينة، من جانب الشام، وقال المجد: بسكون الراء، من المجد هذا؟
طالب:.......
احتمال، احتمال ثان؟ صاحب القاموس احتمال أيضًا، لكن الذي يغلب على الظن أنه مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير، قال: "خرجت مع عمر بن الخطاب إلى الجرف فنظر في ثوبه فإذا هو قد احتلم" فإما أن يكون مع عدم شعوره بالاحتلام أثناء النوم، أو يكون شعر بذلك ثم نسيه، "فلما رأى الثوب تذكر" "فنظر في ثوبه فإذا هو قد احتلم، وصلى ولم يغتسل" صلى ولم يغتسل بعد النظر أم قبله؟ صلى ولم يغتسل، ثم نظر، صلى ولم يغتسل؛ لأنه لم ير ذلك الأثر قبل الصلاة، فلما نظر في ثوبه، ورأى أنه قد احتلم، قال: "والله أنه ما أُراني إلا احتلمت، وما شعرت" أي علمت "وصليت، وما اغتسلت" قال: فاغتسل، ورأى ما رأى في ثوبه، من أثر الاحتلام "فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه من أثر الاحتلام، ونضح ما لم يرَ" يعني الشيء المؤكد غسله، والمشكوك فيه نضحه، يعني رش عليه الماء "وأذن أو أقام" شك، شك هل حصل الأذان أو الإقامة؟ "ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنًا" متمكنًا حال، أين صاحب الحال؟ صلى عمر متمكنًا، أو ارتفاع الضحى متمكنًا؟ وهل التمكن للارتفاع أو للضحى؟ الآن عندنا ثلاث احتمالات لصاحب الحال: الاحتمال الأول: أنه عمر متمكنًا متيقنًا من طهارته، وبراءة ذمته في هذه الصلاة.
الثاني: الارتفاع، المتمكن أو الضحى متمكن، إذا قلنا: الضحى، الضحى، ما إعرابها؟ مضاف إليه، يجوز أن يأتي الحال من المضاف إليه؟ نعم؟ يجوز أم لا يجوز؟ يا الله الذي يأتي بالصور الثلاث التي يجوز فيها يأخذ أشرطه، يجوز في ثلاث صور، نعم؟
طالب:.......
أنا اسأل سؤالاً، هل يجوز إتيان الحال من المضاف إليه أم لا يجوز؟
طالب:.......
يجوز في ثلاث صور، الذي يذكرها يأخذ الألبوم هذا؟ أين الألفية؟ أين العربية؟ نعم؟
طالب:.......
طيب.
ولا تجز حالًا من المضاف له |
| إلا إذا اقتضى المضاف عمله |
الذي يذكر الآخر.
أو كان جزء ما له أضيفا |
| أو مثل جزئه فلا تحيفا |
لكن الثلث والثلث كثير، أتى صورة وهو يستحق، وهنا يقتضى المضاف عمله في المضاف إليه، ارتفع الضحى يقتضي، على كل حال الاحتمال قائم أن التمكن للارتفاع الذي هو المضاف والمضاف إليه، كما أنه يحتمل أن يكون أيضًا لعمر رضي الله عنه وأرضاه.
طالب:.......
هنا فيه وجه المعارضة؟
طالب:.......
لا، الذي في الصحيح أنه ما كبر أصلًا، وعمر صلى صلاة كاملة، ثم أعاد، حديث أبي هريرة الذي في الصحيحين انتظروا تكبيره فلم يكبر.
طالب:.......
نعم، معروف عند أبي داود وابن حبان كبَّر، لكن يحمل قوله: كبّر، على أنه أراد التكبير وانتهى الإشكال؛ لأنه يطلق الفعل الماضي كما ذكرنا مرارًا على إرادة الفعل {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] أردتم القيام، {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [(98) سورة النحل] إذا أردت القراءة، كما أنه يرد الفعل الماضي ويراد به الشروع، ويرد ويراد به الفراغ من الشيء.
"وحدثني عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن سليمان بن يسار" أخي عطاء الذي تقدم، وكلهم من موالي ميمونة أربعة إخوة، وكلهم ثقات، لكن عطاء أكثرهم، أحفظهم للحديث، وسليمان أفقههم، سليمان هذا أحد الفقهاء السبعة.
"عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب غدا إلى أرضه بالجرف" يعني ذهب إلى أرضه في أول النهار "فوجد في ثوبه احتلامًا، فقال: لقد ابتليت بالاحتلام منذ وليت أمر الناس" في هذا أن الولايات لا تمنع الإنسان من مزاولة أمور دنياه التي لا تعوقه عن مراعاة مصالح الناس، المصالح التي أنيطت به، فإذا كانت أعماله الخاصة تحول دونه، تحول بينه وبين القيام بأمر العامة لا يجوز له أن ينشغل بها، وحينئذٍ يفرض له من بيت المال ما يكفي، فلا يكون بحاجة إلى مزاولة عمل تجاري، لكن إذا كان عمله الخاص لا يعارض ما أنيط به يجوز له ذلك.
أبو بكر -رضي الله عنه- لما تولى صار يجمع بين الخلافة والتجارة، فرأى أن ذلك يشغله عن أمر الناس فرض له من بيت المال ما يكفيه، فتفرغ لأمر المسلمين.
يقول: "لقد ابتليت باحتلام منذ أن وليت أمر الناس" يقول ابن عبد البر: ذلك -والله أعلم- لاشتغاله بأمرهم ليلًا ونهارًا عن النساء، فكثر عليه الاحتلام، وقال الباجي: يحتمل ذلك، ويحتمل أن ذلك كان وقت لابتلائه به لمعنى من المعاني، ووقته بما ذكر من الولاية، يعني لا ارتباط للولاية، لكن هذا الأمر إنما يحصل في هذا الوقت، لا بسبب الولاية، لكن الولاية مشغلة، صار ينشغل بأمور الناس ليل نهار، وهذا له أثر على البدن، متعب للبدن، ومعروف أن التعب سبب من أسباب الاحتلام، تعب البدن لا شك أنه مرخٍ للأعصاب، وحينئذٍ يبتلى بالاحتلام، تجدون أكثر ما يحتلم الإنسان إذا جاء من سفر مثلًا مرهق، أو مرض ثقل بدنه.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب صلى بالناس الصبح" هناك في الرواية الأولى ما فيه تصريح بأنه كان إمامًا، وهنا: "صلى بالناس الصبح ثم غدا إلى أرضه بالجرف، فوجد في ثوبه احتلامًا" أي أثر احتلام "فقال: إنا لما أصبنا الودك لانت العروق، فاغتسل وغسل الاحتلام من ثوبه، وعاد لصلاته" لبطلانها، هو إمام صلى بالناس، لكن هل أمر الناس أن يعيدوا الصلاة لارتباط صلاة المأموم بإمامه؟
الحنابلة تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه، يعني إذا بطلت في أثنائها، لكن إذا صلى الصلاة كاملة وهم على غير علم، هو لا يعلم أنه على غير طهارة، وهم لا يعلمون، صلاتهم صحيحة؛ ولذا عمر -رضي الله عنه- لم يأمرهم بالإعادة، وعاد لصلاته لبطلانها، وفي إعادته وحده دون من صلى خلفه دليل على أنه لا إعادة على من صلى خلف جنب، أو محدث إذا لم يعلم بذلك.
"لما أصبنا الودك لانت العروق" الودك معروف أنه الدسم، دسم الشحم "لما أصبنا الودك لانت العروق" لما لانت العروق نشأ عن ذلك الاحتلام، هل هذا له ارتباط بالولاية؟ نعم؟ يعني قبل الولاية ما يأكل دسمًا؟ ثم بعد أن تولى توسع في المعيشة؟ نعم؟
طالب:.......
يعني قبل الولاية ما يأكل ودك، وبعدها صار يأكل الودك فلانت العروق؟ توسع يعني؟ نعم؟
"إنا لما أصبنا الودك لانت العروق" تعرفون أنه في وقته توسعت البلاد، كثرت الفتوحات، كثرت الغنائم، وحصلت توسعة على الناس، كانوا لا يصيبون من الودك شيئًا؛ لقلة ذات اليد، ثم توسع الناس، فصار يصيب من الودك غيره كواحد من المسلمين، نعم المقصود أنه في عصره -رضي الله عنه وأرضاه- توسع الناس بالفتوحات وكثرة الغنائم يعني اختلف الوضع عن عهده -عليه الصلاة والسلام-، وعهد أبي بكر، نعم؟
طالب:.......
فيكرمهم ويطعم معهم، نعم يكرم الوفود ويطعم معهم، هذا قيل، لكن الناس كلهم توسعت عليهم الدنيا في عصره؛ لكثرة الفتوحات وكثرة الغنائم، فصاروا يصيبون مثل هذا، لا شك أن كثرة الأكل، يعني إذا أكل الإنسان كثيرًا ثم نام سوف يحتلم الحلم العام أو الخاص، يرى ما يراه النائم إما مجردًا أو مع فعل بالاحتلام الذي هو الجماع، رؤية الجماع، والأكل له مدخل في هذا، كما قال: لما أصبنا الودك لانت العروق، ثم بعد ذلك اغتسل وغسل الاحتلام من ثوبه، وعاد لصلاته، ولم يأمر من صلى خلفه بالإعادة.
يقول: "وحدثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب" بن أبي بلتعة "أنه اعتمر مع عمر" "عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أنه اعتمر مع عمر"
عروة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، تعرف حاطب بن أبي بلتعة، صحابي، فهل يمكن أن يدرك حفيده عمر؟
على كل حال أهل العلم يقولون: هذا مما وهم فيه مالك؛ لأن أصحاب هشام قالوا: عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه، فسقط لمالك قوله: عن أبيه.
"عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب -عن أبيه هذا الصواب- أنه اعتمر مع عمر بن الخطاب في ركب" يعني مع ركب "فيهم عمرو بن العاص" والأصل في العاص منقوص، اقترنت به (أل) الأصل أنه بالياء العاصي، مثل القاضي والوالي والهادي، لكن لكثرة الاستعمال تحذف الياء، وإلا فالأصل أنه بالياء.
"وأن عمر بن الخطاب عرّس ببعض الطريق" التعريس نزول آخر الليل للاستراحة "عرس ببعض الطريق قريبًا من بعض المياه" رفقًا بالركب "فاحتلم عمر -رضي الله عنه-" قد كاد أن يصبح "فلم يجد مع الركب ماء يغتسل به" ويرفع به حدثه، ويغسل ثوبه "فركب حتى جاء الماء الذي عرس بقربه، فجعل يغسل ما رأى من ذلك الاحتلام حتى أسفر" يعني دخل في الإسفار "فقال له عمرو بن العاص: أصبحت" دخلت في الصباح وهو الإسفار الذي سبق "أصبحت ومعنا ثياب، فدع ثوبك يغسل" يعني على مهل، ولا تؤخر الصلاة من أجل ثوبك؛ لندرك أول الوقت، يعني خذ ثوب من أي واحد "معنا ثياب، فدع ثوبك يغسل" يعني كاملًا، والبس ثوبًا من ثيابنا "فقال عمر -رضي الله عنه-: واعجبًا لك يا عمرو بنَ" يا عمرو بنَ، عمرو منادى مفرد مبني على الضم، في محل نصب، وابن تابع لعمرو، يعني لمحله لا للفظه؛ لأن الأصل في المنادى أنه منصوب، لكنه يبنى إذا كان مفردًا.
"يا عمرو بن العاص، لئن كنت تجد ثيابًا أفكل الناس تجد ثيابًا، ثم قال: والله لو فعلتها لكانت سنة" لو فعلتها رميت هذا الثوب، واستعرت ثوبًا آخر، أو لبست ثوبًا من ثيابي، غير هذا الذي احتلمت فيه، لكانت سنة، لماذا؟ تكون طريقة تتبع؛ لأن عمر -رضي الله عنه- أمرت الأمة باتباع سنته، فكان كل من يحتلم يرمي هذا الثوب، ويلبس غيره، سواء كان له أو بالإعارة، فلا شك أن هذا يشق على الناس، الذي لا يجد إلا ثوبًا واحدًا، وعمر استعار يذهب ويطرق على الجيران يبحث عن ثوب ثاني؛ لأن عمر استعار، وأنت مأمور باتباع سنة عمر ((عليكم بسنتي وسنة الخلاف الراشدين المهديين من بعدي)) ((اقتدوا بالذين من بعدي)) وهو أحدهم وهذا سوف يشق على الناس "لكانت سنة، بل أغسل ما رأيت، وأنضح ما لم أر" أي: أرشه دفعًا للوسوسة، واكتفاءً بالنضح فيما يشك فيه.
"قال مالك -رحمه الله- في رجل وجد في ثوبه أثر احتلام، ولا يدري متى كان، ولا يذكر شيئًا" رأي في منامه ما يذكر شيئًا، لكنه تأكد أن هذا من أثر الاحتلام الذي في الثوب، هو ما يذكر متى صار؟ الآن الأثر ألا يدل على وجود المؤثر؟ الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، دل على أنه محتلم، إذا وجد هذا الأثر ولا يدري هذا الأثر من نوم الليلة القريبة، أو التي قبلها، ما يدري، أو من القائلة، يقول: ليغتسل، هذه اللام لام الأمر، من أحدث نوم نامه، يعني من أقرب وآخر نوم؛ لأنه هو المتيقن، وما عداه مشكوك فيه، فإن كان صلى بعد ذلك النوم، يعني إذا وجد الماء لزم الغسل، هذا بالنسبة للنائم، أما لو كان وجود الماء في حال اليقظة، وهنا محمول على النوم، لماذا؟ لأنه هو الذي لا يحس به، قد يوجد الأثر من غير إحساس، النائم قد يجد في ثيابه بللًا ولا يشعر بذلك؛ لأنه نائم، قد يشعر، وقد يحصل له ذلك مع شعوره ثم ينساه، لكن في اليقظة يحصل له ذلك ولا يشعر به؟ نعم؟ ما يحصل إلا من مرض لا من احتلام؛ ولذا يفرقون بين المتيقظ والنائم، إذا وجد أثر البلل في ثيابه، خرج منه وهو في اليقظة يغتسل أو ما يغتسل؟ ما يغتسل؛ لأنهم يشترطون في المتيقظ الدفق واللذة، أما في النائم فلا يشترط له ذلك؛ لاحتمال أن يكون حصل له ثم نسيه، أما في اليقظة فلا بد أن توجد اللذة.
قال: "ليغتسل من أحدث نوم نامه، فإن كان صلى بعد ذلك النوم الأخير، فليعد ما كان صلى بعد ذلك النوم" افترض أنه وجد البلل بعد صلاة المغرب، وجد الأثر بعد صلاة المغرب، وأحدث نوم نامه بعد صلاة الظهر، نقول: يعيد صلاة العصر والمغرب، لو افترضنا أنه ما نام بعد الليل، يعيد الصبح والظهر والعصر والمغرب، وهكذا "من أجل أن الرجل ربما احتلم" أي رأى أنه يجامع "ولا يرى شيئًا" أي لا يرى ماءً، وحينئذٍ يلزمه الغسل أو ما يلزمه؟ لا يلزمه الغسل، يرى أنه يجامع لكن ما خرج شيئًا، وسيأتي في حديث عائشة وأم سلمة: ((نعم إذا رأت الماء)) في قصة أم سليم، ((نعم إذا رأت الماء)) قريب عندنا الآن، فعلق الغسل برؤية الماء "ربما احتلم" يعني رأى أنه يجامع ولا يرى شيئًا، لا يرى أثرًا، وحينئذٍ لا غسل عليه، ويرى الماء ولا يحتلم، أي لا يرى أنه يجامع، لكن يجد الأثر، وحينئذٍ يلزمه الغسل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- علق الاغتسال برؤية الماء "فإذا وجد في ثوبه ماء فعليه الغسل وجوبًا، وذلك أن عمر أعاد ما كان صلى" وذلك أن عمر -رضي الله عنه- أعاد ما كان صلى "لآخر نوم نامه، ولم يعد ما كان قبله" نعم.
هل يختلف الأمر فيما إذا لم يكن له إلا ثوب واحد أو عنده ثياب كثيرة؟ يلبس هذا، ويخلع هذا؟ يختلف أو ما يختلف؟ يقول: لا فرق بين أن يكون لا ينام إلا في ذلك الثوب الذي رأي فيه الماء، أو كان ينام فيه بعض الأوقات؛ لأن الذي ينام فيه تيقن أن ما صلى بعد آخر نومة على حدث، وشك فيما قبل، والشك لا أثر له، وكذلك حال ما نام فيه مرة، وفي غيره أخرى، قاله الباجي.
المقصود أنه ينظر إلى النوم ولا ينظر إلى الثوب، يعني هو هذا الشخص عنده عشرة ثياب، المسألة واضحة أم غير واضحة؟ فيها غموض أم خفاء؟ يعني عارف أن هذا الثوب خلعه لصلاة الجمعة، ولبس غيره، نعم، لما أراد غسله في يوم الاثنين مثلًا رأى فيه أثرًا، ماذا نقول؟ هو خلعه لصلاة الجمعة، ولبس غيره أنظف منه، ما غسله مباشرة، ما غسله في يوم الجمعة ليرى أثرًا فيه مباشرة، انتظر في غسله ثلاثة أيام إلى يوم الاثنين، فرأى الأثر، آخر نومة قبل خلعه، نعم، ليلة الجمعة، هذه آخر نومة، إذًا يصلي صلوات الجمعة والسبت والأحد والاثنين، اغتسل غسلًا مسنونًا، ثم رأى هذا الأثر من نوى غسلاً مسنونًا أجزأ عن واجب، هذا عند الحنابلة، من رأى غسلًا مسنونًا أجزأ عن واجب، هذا عند الحنابلة، أن يكون عليه جنابة ونسيها، واغتسل للجمعة يكفي وغيرهم يقول: لا، لا يكفي، نعم، لو نوى الواجب أجزأ عن المسنون؛ لأن الأصغر يدخل في الأكبر ولا عكس، والأحوط في مثل هذه الصورة أن يعيد الغسل، ويعيد الصلوات.
طالب:.......
المسألة مسألة الغسل، دع طهارة غسل الثوب ما غسله، هذه مسألة على سبيل الاستحباب، على كل الحال القول المرجح أن المني طاهر، لا يجب غسله، إنما يغسل كما يغسل غيره من الأشياء المستقذرة كالمخاط؛ ولذا جاء حكه بالظفر إذا كان يابسًا، وإزالته ولو بإذخرة أو بالظفر، وما أشبه ذلك، دل على طهارته، نعم. سم.
أحسن الله إليك.
باب: غسل المرأة إذا رأت في المنام مثلما يرى الرجل
عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن أم سُليم -رضي الله تعالى عنها- قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: المرأة ترى في المنام مثلما يرى الرجل، أتغتسل؟ فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم فلتغتسل)) فقالت لها عائشة: أف لك، وهل ترى ذلك المرأة؟ فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تربت يمينك، ومن أين يكون الشبه؟)).
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: جاءت أم سُليم -امرأة أبي طلحة الأنصاري- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال: ((نعم إذا رأت الماء)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: غسل المرأة إذا رأت في المنام مثلما يرى الرجل
يعني رأيت أنها تُجامع، احتلمت، النساء شقائق الرجال، ويلزمهن من الأحكام ما يلزم الرجال، في الأمور المشتركة، إلا ما خصت به المرأة وخص به الرحل.
"حدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن أم سُليم قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- "هذا موجود في رواة الموطأ، كذا لراوة الموطأ، ولابن أبي أويس عن أم سُليم، ويرد في هذا ما يقال من الفرق بين (عن) و(أن) وما يذكر عن الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة من التفريق بينهما، وأن (عن) تقتضي الاتصال دون (أن) وذكرنا سابقًا ما ذكره ابن الصلاح من خبر ابن الحنفية عن عمار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر به، وما ذكره عن ابن الحنفية أن عمارًا مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: الأول متصل، والثاني منقطع، والسبب اختلاف الصيغة، لكن ليس الأمر كذلك؛ ولذا قال الحافظ العراقي:
.................................... |
| كذا له ولم يصوب صوبه |
يعني ما أصاب السبب الحقيقي للتفريق بينهما عند الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة، وهنا عندنا "عن عروة بن الزبير عن أم سُليم أنها قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذا متصل، لكن عن عروة بن الزبير أن أم سُليم قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-، هذا منقطع، والسبب أنه في روايته عنها يروي عن صاحبة الشأن نفس القصة، وقد أدركها، إذًا الخبر متصل، وفي الراوية التي معنا: "أن أم سُليم قالت" عروة يحكي قصة لم يشهدها، فهي منقطعة، ورواه بعضهم عن عروة عن عائشة أن أم سُليم، وحينئذٍ يكون الخبر متصلًا، أم سُليم بنت ملحان، والدة أنس بن مالك، واسمها سهلة، أو رميثة، وهي الرميصاء "قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: المرأة ترى في المنام مثلما يرى الرجل" ترى أنها تُجامع كما أن الرجل يرى أن يجامِع "أتغتسل؟ فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم، فلتغتسل))" يعني إذا رأت الماء، كما في الراوية اللاحقة، هنا إطلاق، وذاك تقييد، والمطلق يحمل على المقيد، يعني إذا رأت الماء كما في الراوية المفسرة كما سيأتي "فقالت لها عائشة: أُفٍ لك" وفي رواية مسلم: "فضحتي النساء، تربت يمينك" "أُف لك" التأفف والتأفيف إنما يكون في حال الأمر المكروه المستقبح المستقذر، تستعمل في الاستحقار والاستقذار، وضبطت على وجوه كثيرة، الكلمة مركبة من حرفين، كم يتصور في ضبطها من وجه؟ يعني حرفين، وجوه الضبط في هذه الكلمة، كلمة تخرج من بين الشفتين، وقد لا يسمع معها صوت.
طالب:........
أربعين وجهًا في حرفين، أربعين وجهًا، من أرادها يراجع: "البحر المحيط" لأبي حيان.
"فقالت لها عائشة: أفٍ لك" وفي رواية مسلم: "فضحتي النساء، تربت يمينك" يعني هذا شيء جُبِل الناس على الاستحياء منه، الرجال فضلًا عن النساء "وهل ترى ذلك المرأة؟" الآن إنكار عائشة بعد جواب النبي -عليه الصلاة والسلام- أو قبله؟ انظروا في النص "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم، فلتغتسل))" فقالت، العطف بالفاء "فقالت لها عائشة: أفٍ لك، وهل ترى ذلك المرأة؟!" نعم، الآن العطف بالفاء، ماذا يقتضي؟ الترتيب، التعقيب، بعدما سألت، وأجابها النبي -عليه الصلاة والسلام-، قالت لها عائشة: أُفٍ لك، وهل ترى ذلك المرأة؟!
يقول الحافظ أبو زرعة ابن حافظ العراقي -رحمهما الله-: أنكرت عليها بعد جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- لها؛ لأنه لا يلزم من ذكر حكم الشيء تحقق وقوعه، فالفقهاء يذكرون الصور الممكنة؛ ليعرفوا حكمها، وإن لم تقع، بل قد يصورون المستحيل لتشحيذ الأذهان، يعني هي سألت النبي -عليه الصلاة والسلام- فأجابها بالحكم وعائشة -رضي الله عنها- أنكرت عليها، يعني مقتضى إنكار عائشة أنه يقع أو لا يقع؟ وهل ترى ذلك المرأة؟ أنه لا يقع، ومقتضى جواب النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يقع؛ لأن الشخص الذي يسأل عن شيء لا يقع، نعم، لو قال شخص مثلًا: ما الحكم إذا كسفت الشمس بالليل؟ ماذا تقول؟ مباشرة، ماذا تقول له؟ هذا أمر...، صحيح، لكن لو حصل مثل هذا السؤال مباشرة، المسئول يريد أن ينكر وقوعه، فلو كان على ما فهمه الحافظ أبو زرعة ابن الحافظ العراقي، وهو إمام في هذا الباب ليس بالشخص العادي، نعم، لا شك الفقهاء يذكرون بعض الأشياء الممكنة، قد يذكرون بعض الأشياء المستحيلة، يعني توفي شخص عن مائة جدة، عن ألف جدة، نعم، هذه مستحيلة عادة؛ لتشحيذ الأذهان مثلًا، وتفتيق الأذهان، يعني كما قال بعضهم أن مسألة الخلاف في حكم تارك الصلاة مسألة نظرية، لا حقيقة لها، هذا بعض علماء المغرب في المائة السابعة قال: أبدًا، يعني يذكرها الفقهاء لمجرد تمرين الطلاب على مثل هذا الحكم، وإلا لا يقع مثل هذا أبدًا، نعم؟
طالب:.......
أنه يحصل؟ وهل ترى ذلك المرأة؟ إنكار هو من هذا الحديث فقط، هو من هذا الحديث فهم أن إنكار عائشة أن ذلك لا يقع، إنكار عائشة أن ذلك لا يقع، وأن جواب النبي -عليه الصلاة والسلام- عن هذا الذي لا يقع، إنما هو مجرد بيان للحكم، وإن لم يكن واقعًا، على كل حال كلام الحافظ ضعيف -رحمه الله-.
"وهل ترى ذلك المرأة؟ فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تربت يمينك))" وقالت عائشة أيضًا لها: تربت يمينك، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعائشة: ((تربت يمينك)) تربت: افتقرت ولصقت بالتراب، من الفقر، وشاع استعمالها من غير إرادة لحقيقة المعنى ((ومن أين يكون الشبه؟)) الشَّبه والشِّبْه والمثل والنظير واحد، من أين يكون الشبه للولد لأبيه وأعمامه أو لامه وأخواله، وجاءت الروايات مفصلة، إن ماء الرجل لونه كذا، غليظ أبيض، وماء المرأة كذا رقيق أصفر، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكر، وإذا علاء ماء المرأة ماء الرجل آنث، المقصود أن الحديث مفصل موضح، نعم.
إنكار عائشة قالوا: فيه دليل على أنه ليس كل النساء يحتلمن، يحصل لهن الاحتلام، فيه دليل على أن الاحتلام لا يحصل لجميع النساء، نعم حصل لأم سُليم، لكن إنكار عائشة دل على أنه لم يحصل لها، هي إنكارها للوقوع أو إنكارها للسؤال؟ وهل ترى ذلك المرأة؟ الوقوع، اسمع كلام أهل العلم، يقول: وفيه دليل على أنه ليس كل النساء يحتلمن، قاله ابن عبد البر، وإلا لما أنكرت عائشة وأم سلمة ذلك.
يقول السيوطي: وقد يكون عدمه بالنسبة لعائشة وأم سلمة من خصوصيات نساء النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يحتلم؛ لأن الاحتلام من تلاعب الشيطان، وكذلك نساؤه لا يحتلمن إكرامًا له -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: وقد يكون عدمه من خصوصيات نساء النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما أنه -عليه الصلاة والسلام- لا يحتلم؛ لأنه من تلاعب الشيطان، لكن من المعلوم أن الخصائص لا تثبت إلا بدليل، وإلا فالأمور الخلقية الجبلية يشترك فيها الناس كلهم، وكونه -عليه الصلاة والسلام- لا يحتلم لدليل خاص، الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يحتلم بلا شك، الرسول لا يحتلم، لكن من جماع، من جنابة، نسي هذا.
طالب:.......
للتشريع، يقول: ((إني لا أنسى، ولكن أنسى لأسن وأشرع)) نعم.
يقول: "حدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة" عبد الله بن عبد الأسد المخزومي "عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: جاءت أم سُليم" بنت ملحان امرأة أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري "إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق" لا يستحيي من الحق يعني لا يمتنع منه، بل يصدر منه الحق، وفيه إثبات الحياء لله –عز وجل- على ما يليق بجلاله وعظمته كما هو المقرر عند أهل السنة والجماعة، ولا يستحي بياءين هي لغة الحجازيين، وبياء واحدة هي لغة تميم.
"هل على المرأة من غسل" من زائدة "من غسل إذا هي احتلمت" إذا هي احتلمت يعني رأت في النوم أنها تُجامع، قال: ((نعم، إذا رأت الماء)) يذكر عن ابن سيرين: "أنه لا يحتلم ورعًا إلا مع أهله" لماذا؟ لأن الاحتلام نتيجة فكر، والورع لا يفكر إلا بأهله.
"قال: ((نعم، إذا رأت الماء))" في البخاري بعد ذلك: "وغطت أم سلمة وجهها، وقالت: يا رسول الله وهل تحتلم المرأة؟ أيضًا هذا استفهام إنكاري، قال: ((نعم، تربت يمينك، فبما يشبهها ولدها)).
((نعم إذا رأت الماء)) وهذا يدل على تحقق وقوع ذلك، وجعل رؤية الماء شرطًا للغسل، ففيه دليل على أنها إذا لم تر الماء لا غسل عليها، وفيه رد على من زعم أن ماء المرأة لا يبرز.
الحديث خرجه البخاري ومسلم، وفيه استفتاء المرأة بنفسها فيما يخصها، لا مانع منه، لكن مع لزوم الأدب، وعدم التصريح إلا بما يقتضيه السؤال والحاجة، فإذا أمكنت التكنية عن شيء لا يلزم التصريح به، فهي أولى من التصريح، وهذا هو المناسب لحياء المسلم، رجل كان أو امرأة، الحديث خرجه الإمام البخاري في كتاب العلم، في باب الحياء في العلم، وأردف الترجمة بقول مجاهد: "لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر" وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "نعم نساء الأنصار" أو "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين" نعم النساء نساء الأنصار، وأم سُليم واحدة منهن، فالسؤال لا شك أنه شفاء العي، وكون الإنسان يستحي أن يسأل، يستحي أن يناقش، يستحي أن يستفهم هذا لا يتعلم، وكذلك إذا تكبر واستكبر على السؤال لئلا يظن به أنه كيف يخفى عليه مثل هذا السؤال؟ مثل هذا في الغالب أنه لا يفلح في طلب العلم، والله المستعان، نعم.
أحسن الله إليك
باب: جامع غسل الجنابة
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "لا بأس أن يغتسل بفضل المرأة ما لم تكن حائضًا أو جنبًا".
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يعرق في الثوب وهو جنب ثم يصلي فيه.
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يغسل جواريه رجليه، ويعطينه الخمرة وهن حيض.
وسئل مالك عن رجل له نسوة وجواري، هل يطأهن جميعًا قبل أن يغتسل؟ فقال: لا بأس أن يصيب الرجل جارتين قبل أن يغتسل، فأما النساء الحرائر فيكره أن يصيب الرجل المرأة الحرة في يوم الأخرى، فأما أن يصيب الجارية ثم يصيب الأخرى وهو جنب فلا بأس بذلك.
وسئل مالك عن رجل جنب ووضع له ماء يغتسل به فسها، فأدخل أصبعه فيه ليعرف حر الماء من برده، قال مالك: إن لم يكن أصاب إصبعه أذى فلا أرى ذلك ينجس عليه الماء.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع غسل الجنابة
"حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "لا بأس أن يغتسل بفضل المرأة" يعني يغتسل الرجل بفضل المرأة، تغتسل المرأة بفضل المرأة، لا بأس بذلك "ما لم تكن حائضًا أو جنبًا" فيكره هذا عند من؟ ابن عمر -رضي الله عنهما-.
وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى الجواز بلا كراهة، ولو كانت حائضًا أو جنبًا، وأنه لا أثر لاغتسالها منه، ولا لخلوتها به على الماء، وأنه يبقى طهور يرفع الحدث للرجل وللمرأة على حد سواء، إلا الحنابلة فعندهم أن الماء إذا خلت به المرأة لطهارة كاملة من حدث فإنه لا يرفع حدث الرجل؛ لحديث النهي عن أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، والرجل بفضل المرأة ، لكن المرجح في هذه المسألة هو قول الجمهور؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت أنه كان يغتسل مع أزواجه، وثبت أنه اغتسل بفضل بعض نسائه -عليه الصلاة والسلام-، والحنابلة الذين يقولون: إن الرجل لا يغتسل أو لا يرفع حدثه الماء الذي خلت به المرأة لطهارة كاملة لا يقولون بالعكس، والدليل واحد، الدليل الذي يستدلون به على أن الماء الذي تخلو به المرأة لرفع حدثها لا يرفع حدث الرجل، ما يقولون بالعكس أن المرأة لا تتوضأ ولا تغتسل بالماء الذي خلا به الرجل، مع أن المسألتين سيقتا مساقًا واحدًا في نص واحد.
هذا يقوي القول أم يضعف القول؟ يضعف القول، هذا يضعف القول، والحيض والجنابة لا أثر لهما على الماء، فلا يكره، وهو قول جمهور العلماء.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يعرق" يرشح جلده، من باب فرح، عرق يعرق "في الثوب وهو جنب ثم يصلي فيه" لماذا؟ لأن الجنب سؤره وعرقه طاهر باتفاق.
في حديث أبي هريرة أنه لما رآه النبي -عليه الصلاة والسلام- انخنس ثم اغتسل ورجع، فسأله النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: إني كنت جنبًا، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس)) يعني ولو كنت جنبًا فالجنب طاهر.
وهنا يقول: قال المعلق على الموطأ في قولها: إن الله لا يستحيي من الحق أي لا يأمر بالحياء، هذا فيه حيد عن إثبات صفة الحياء، هذا ليس بصحيح، فالجنب طاهر وسؤره وعرقه طاهر، وثوبه طاهر، وما باشره من الثياب الداخلية والخارجية كلها طاهرة.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يغسل جواريه رجليه" إعانة المتوضئ لا إشكال فيها، تباح معونته، ويباح أيضًا تنشيف أعضائه، ومن لازم غسل الرجلين اللمس، يلمسن رجليه، والمسألة كما قرر سابقًا أن الملموس لا ينتقض وضوؤه ولو وجد منه شهوة "ويعطينه الخمرة" مصلى صغير يصنع من سعف النخل، وسمي بذلك لأنه يكفي الوجه، يخمر الوجه والكفين، يعني ما يباشر الأرض، يخمر ما يباشر الأرض "وهن حيض" يعطينه، يغسلن رجليه، يباشرن غسل الرجلين مع البلل، لا يقال: إن الحائض طاهرة؛ لأنها يابسة فلا تنجس، لا، يغسلن رجليه فيوجد البلل، ومع ذلكم الحائض طاهرة.
"وسئل مالك عن رجل له نسوة وجواري: هل يطأهن جميعًا قبل أن يغتسل؟ فقال: لا بأس" يعني ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يطوف على نسائه بغسل واحد، لا بأس أن يصيب الرجل جاريتيه أو جواريه –ثنتين، ثلاث عشر، أكثر- قبل أن يغتسل، لكن قالوا: يستحب أن يغسل فرجه قبل الوطء الثاني، وإذا كان هناك أمور تنتقل من واحدة إلى أخرى بواسطته تَعَيّن عليه أن يغسل فرجه، نعم.
إذا كان هناك التهابات، أو شيء من هذا، تَعَيّن عليه أن يغسل "قبل أن يغتسل، فأما النساء الحرائر فيكره أن يصيب الرجل المرأة الحرة في يوم الأخرى" المراد بالكراهة هنا كراهة التحريم، كراهة تحريم، يصيب امرأة في نوبة غيرها، لا يجوز له ذلك بحال، فلكل واحدة منهما نوبتها، إلا إذا اصطلحوا على شيء من هذا، فأما كونه -عليه الصلاة والسلام- يطوف على نسائه هذا خاص به، لكن إذا عرف يوم هذه ويوم هذه لا يجوز بحال أن يطأ هذه في يوم هذه.
"فأما أن يصيب الجارية، ثم يصيب الأخرى وهو جنب فلا بأس بذلك" لكن مثلما ذكرنا يستحب له أن يغسل ذكره قبل العود أو يتوضأ.
"وسئل مالك عن رجل جنب وضع له ماء يغتسل به، فسها فأدخل أصبعه في الماء ليعرف حر الماء من برده، قال مالك: إن لم يكون أصاب أصبعه" أو أصبعه، في الأصبع لغات التثليث، وأصبوع "فلا أرى ذلك ينجس عليه الماء".
تأمل في كلام مالك: "وسئل مالك عن رجل جنب وضع له ماء يغتسل به فوضع أصبعه" يتأكد هل هو حار أو بارد؟ قوله: "فسها" هل له مفهوم؟ أنه إذا كان عن علم وتيقظ أن له أثر على الماء، ينجس الماء؟ إذًا قوله: فسها لا مفهوم له "فسها فأدخل أصبعه فيه ليعرف حر الماء من برده" معناه أنه لو كان ذاكرًا متيقظًا أنه يؤثر فيه "قال مالك: إن لم يكن أصاب أصبعه أذىً" يعني نجاسة "فلا أرى ذلك ينجس عليه الماء، بل هو طهور باتفاق، وإن أصابه أذىً والماء كثير ولم يتغير فكذلك" باتفاق طهور، وإن قل الماء ولم يتغير فكذلك عند مالك.
الماء الذي يضع فيه أصبعه من غير أذى يتأثر أو ما يتأثر؟ قلنا: إن بدن الجنب والحائض طاهر فلا أثر له في الماء، هو طهور باتفاق، لكن إن أصاب أصبعه نجاسة قذر فأدخلها في الإناء، وهو كثير، أكثر من قلتين، نعم طهور باتفاق، وإن كان قليلًا أقل من القلتين ولم يتغير، طهور عند مالك، خلافًا لغيره من الأئمة، فالأئمة يرون أن ما وقع فيه نجاسة وهو قليل، وكل على مذهبه في الحد بين القليل والكثير، يتأثر ولو لم يتغير، ورأي مالك هو المرجح في هذه المسألة، ويختاره شيخ الإسلام وغيره.
جاء في حديث أنس -رضي الله عنه- في وفاة ابنة الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((من منكم الليلة لم يقارف أو يجامع؟)) فقال طلحة: أنا، فأمره رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أن ينزل القبر، السؤال هل عدم الجماع في تلك الليلة له أثر في النزول للقبر؟
لا شك أن الحديث صحيح بلا إشكال، وهو في الصحيح؛ لكن العلة يختلف فيها أهل العلم كثيرًا، أن من جامع وقرب عهده بالنساء، لا يزال تذكر النساء على باله، بخلاف من لم يجامع إلا منذ أمد بعيد مثلًا، أو لم يجامع ألبتة، فإن ذكر النساء ليس على باله فهو أقرب أن ينزل المرأة في قبرها.
سم.
أحسن الله إليك.
هذا باب: في التيمم
عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات الجيش، انقطع عقد لي، فأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبالناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، قالت عائشة: فجاء أبو بكر ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- واضع رأسه على فخذي، قد نام، فقال: حبستِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، فقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فخذي، فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله -تبارك وتعالى- آية التيمم {فَتَيَمَّمُواْ} [(43) سورة النساء] فقال أسيد بن حضير: ما هي بأول بركاتكم يا آل أبي بكر، قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته.
وسئل مالك عن رجل تيمم لصلاة حضرت ثم حضرت صلاة أخرى أيتيمم لها، أم يكفيه تيممه ذلك؟ فقال: بل يتيمم لكل صلاة؛ لأن عليه أن يبتغي الماء لكل صلاة، فمن ابتغى الماء فلم يجده فإنه يتيمم.
وسئل مالك -رحمه الله تعالى- عن رجل تيمم أيؤم أصحابه وهم على وضوء؟ قال يأمهم غيره أحب إلي، ولو أمهم هو لم أر بذلك بأسًا.
قال مالك في رجل تيمم حين لم يجد ماءً، فقام وكبر ودخل في الصلاة، فطلع عليه إنسان معه ماء، قال: لا يقطع صلاته، بل يتمها بالتيمم، وليتوضأ لما يستقبل من الصلوات.
وقال مالك -رحمه الله تعالى-: من قام إلى الصلاة فلم يجد ماءً، فعمل بما أمره الله به من التيمم، فقد أطاع الله، وليس الذي وجد الماء بأطهر منه، ولا أتم صلاة؛ لأنهما أمرا جميعًا، فكل عمل بما أمره الله به، وإنما العمل بما أمره الله به من الوضوء لمن وجد الماء، والتيمم لمن لم يجد الماء قبل أن يدخل في الصلاة.
وقال مالك -رحمه الله تعالى- في الرجل الجنب: إنه يتيمم ويقرأ حزبه من القرآن، ويتنقل ما لم يجد ماءً، وإنما ذلك في المكان الذي يجوز له أن يصلي فيه بالتيمم.
يقول -رحمه الله تعالى-:
هذا باب في التيمم
والتيمم في الأصل في اللغة: القصد، وفي الشرع: القصد إلى الصعيد الطيب الطاهر لمسح الوجه والكفين بنية رفع الحدث أو استباحة الصلاة ونحوها.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة عن أبيه القاسم بن محمد" عن عائشة عمته، عائشة أم المؤمنين "أنها قالت: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره" قال ابن عبد البر: في غزوة بني المصطلق وهي المريسيع، وفيها وقعت قصة الإفك "حتى إذا كنا بالبيداء" الشرف القريب من ذي الحليفة "أو بذات الجيش" موضع قريب من المدينة "انقطع عقد لي" العٍقد بكسر المهملة ما يعقد ويعلق في العنق، ويسمى قلادة، جاءت في بعض الروايات: قـِلادة "فأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على التماسه" أي طلب العقد "وقام الناس معه، وليسوا على ماء" يعني لا يوجد في المكان ماء "وليس معهم ماء" منقول، واستدل به بعضهم على جواز الإقامة في المكان الذي لا ماء فيه، وكذلك سلوك الطريق الذي لا ماء فيه، وهذا معلوم أنه فيما إذا غلب على الظن وجود الماء عند الحاجة إليه، أما إذا غلب على الظن الهلاك سواء كان في الإقامة في المكان الذي لا ماء فيه، أو في سلوك الطريق الذي لا ماء فيه، غلب على الظن الهلاك، فإنه لا يجوز حينئذٍ أن يقيم في ذلك المكان، ولا أن يسلك ذلك الطريق.
وعلى كل حال الحديث ليس فيه التفريط الذي قد يفهمه بعض الناس من الحديث "ليسوا على ماء، وليس معهم ماء" ليس معنى هذا أن الإنسان يقيم في مفازة، أو يسلك طريقًا ولا يحمل معه ماءً، فيعرض نفسه للخطر؛ لأن هذا المكان قريب جدًّا من المدينة، الذي أقاموا فيه، بحيث لو اشتدت حاجتهم إلى الماء فإحضاره من المدينة قريب.
والاحتمال الثاني: أنهم ليسوا على ماء وليس معهم ماء يعني قدر زائد على ما يحتاج إليه في الشرب، يعني ليسوا على ماء للوضوء، وليس معهم ماء يتوضئون به، "فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق" يشكون عائشة ابنته عليه، وفيه: شكوى المرأة إلى أبيها، وإن كانت كبيرة ومتزوجة، إذا حصل منها ما يقتضي ذلك الشكوى، لو جاء يشكونها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- والأمر لا يخفى عليه، نعم الرسول -عليه الصلاة والسلام- أقام بطوعه واختياره، وأقرها على ذلك، فالإقامة تنسب إليه، وإن كانت هي السبب، لكن أبو بكر -رضي الله عنه- كواحد من أفراد الناس الذي يترجح عنده ترك هذا المكان الذي أقيم فيه بسبب العقد، يعني عقد ما يستحق ولا أن يقيم الناس من أجله، هذا في النظر العادي، لكن {لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [(42) سورة الأنفال] عقد لا لا يسوى شيئًا {لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [(42) سورة الأنفال] هو سبب لما حدث من مشروعية التيمم.
"فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبالناس، وليسوا على ماء" لو أن المشكي غير عائشة، شخص آخر، لقال أبو بكر كعادته: "الله ورسوله أعلم" نعم يرضى ويسلم باختيار النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن لما كانت ابنته هي السبب لو قال مثل هذا لعده الناس تقصيرًا منه من أجل ابنته، تقصير لو ما أزال هذه الشكوى، أو امتثل هذه الشكوى، وعمل بموجبها "ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبالناس وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، قالت عائشة: فجاء أبو بكر ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- واضع رأسه على فخذي" في هذا دخول الرجل على ابنته وإن كان زوجها عندها، إذا علم رضاه بذلك، أما إذا علم أن الزوج لايرضى فإنه لا يدخل إلا بإذنه "قد نام، قال: حبستِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر" لم تقل: أبي، ما قالت: عاتبني أبي، فعاتبني أبو بكر، لماذا؟ لأن ما حصل منه ينافي مقتضى الأبوة، الأبوة مقتضاها تقتضي الحنو والعطف والشفقة، وهو سبها بكلام، وبفعل طعنها في خاصرتها، فلم تقل: أبي؛ لأن الأبوة تقتضي الحنو، وما وقع من القول والتأديب بالفعل مغاير لذلك في الظاهر، فلذلك أنزلته منزلة الأجنبي، هذا التماس لكونها عدلت من أبي إلى أبي بكر، وإن كان مثل هذا التأديب هو في ظاهره ينافي الحنو، وينافي الرحمة التي جبل عليها الأب في الظاهر، لكن القسوة على المرحوم لتأديبه في حقيقة الأمر لا تنافي الرحمة؛ ولذلك أُمرنا بضرب الأبناء على الصلاة، أو الأولاد على الصلاة لعشر، وأمرنا بتأديبهم، كذلك الزوجة {وَاضْرِبُوهُنَّ} [(34) سورة النساء] كذلك المُعلم، كل من وكل إليه أمر التأديب له أن يؤدب، وللحاكم والوالي أن يعزر، ويقيم الحدود، وهذا من الرحمة بالناس.
"فقال ما شاء الله أن يقول" في بعض الروايات: قال لها: حبستِ الناس في قلادة أي بسببها "وجعل يطعن بيده في خاصرتي" يطعُن بضم العين في الحسيات، وبفتحها في المعنويات، لو كان الطعن في النسب مثلًا أو في العلم أو في الرأي قلنا: يطعَن، لكن في المحسوس "يطعُن".
وفيه تأديب الرجل ابنته وإن كانت كبيرة ومزوجة "في خاصرتي" هي الشاكلة شاكلة الإنسان، خاصرته، وهي جانبي وسطه، جانبي وسط الإنسان "فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فخذي" وفيه استحباب الصبر والتصبر لمن ناله ما يوجب الحركة، أو يحصل به تشويش على نائم، أو مصلٍّ، أو قارئ، أو مشتغل بعلم أو ذكر، يصبر، والآن لأدنى سبب كثير من الناس ما يكترث بمن حوله، بعض الناس وهو نائم يوقظه أدنى حركة، لو أشعلت النور استيقظ، ثم بعد ذلك ما عاد عليه النوم، فتحت الباب استيقظ، مثل هذا ينبغي أن يراعى.
مثله القارئ، التالي، بعض الناس لأدنى حركة لا يدرون ماذا يقول؟ مثل هذا يراعى، والآن تجد الإنسان في مسجد والناس يقرؤون أو مشتغلين بعلم يرن الجوال بأعلى صوته، نعم، نعم، ويسرد من القصص والأخبار ما يشوش به على الناس لأدنى سبب، يا أخي الأمر يتم بدون ذلك، انتقل إلى مكان آخر، أو اخفض صوتك بما يحقق المصلحة ولا يترتب عليه مفسدة.
"إلا مكان رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فخذي، فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أصبح" يعني دخل في الصباح "على غير ماء" ومتعلق الجار والمجرور على غير ماء، إما أصبح أو نام، نام على غير ماء، أو أصبح إلى غير ماء، نام حتى أصبح.
يقول أهل العلم: في مثل هذا النص الرخصة بترك التهجد لا سيما في حال السفر ومع التعب، يترك التهجد إذا كان في حال التعب؛ لأن الإنسان يكتب له ما كان يعمله مقيمًا، ولا يعني ترك التهجد ترك الوتر؛ لأن الوتر لم يحفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه تركه في سفر ولا حضر.
"فأنزل الله -تبارك وتعالى- آية التيمم {فَتَيَمَّمُواْ} [(43) سورة النساء]" الآن {فَتَيَمَّمُواْ} حكاية للآية أو حكاية لما حصل؟ هل الخبر عنهم أنهم تيمموا؟ أو حكاية لبعض الآية والشاهد منها؟ {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة النساء] نعم، الاحتمال قائم، في قوله تعالى في ثلاثة مواضع: في النحل، وفي الروم: {فَتَمَتَّعُوا} [(34) سورة الروم - (55) سورة النحل) وفي آخر العنكبوت: {وَلِيَتَمَتَّعُوا} [(66) سورة العنكبوت] هل هذا خبر أم تهديد؟ أمر، تهديد؟ وقد يتضمن الخبر التهديد.
نعود إلى ما نحن فيه: "فأنزل الله -تبارك وتعالى- آية التيمم {فَتَيَمَّمُواْ} [(43) سورة النساء]" يحتمل أن يكون خبرًا، وأن يكون حكاية لبعض النص "فقال أسيد بن حضير..."
"فأنزل الله -تبارك وتعالى- آية التيمم" آية التيمم في النساء وفي المائدة، المراد منهما أيُ الآيتين؟
طالب: المائدة.
أو النساء؟ قال ابن العربي: هذه ما وجدت لدائها من داء؛ لأنا لا نعلم أي الآيتين عنت عائشة، آية النساء أو آية المائدة؟ تريد آية النساء أم آية المائدة؟ أولًا: آية النساء ليس فيها إلا التيمم، وآية المائدة فيها الوضوء والتيمم، فتخصيصها بالتيمم يرجح كون المراد ...، يعني آية النساء ليس فيها وضوء، ليس فيها إلا التيمم، وفي آية المائدة وضوء وتيمم.
قال القرطبي: هي آية النساء؛ لأن آية المائدة تسمى آية الوضوء، وآية النساء لا ذكر للوضوء فيها، فيتجه تخصيصها بآية التيمم، لكن جاء في رواية عمرو بن الحارث ما يصرح بالمراد، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] دل على أن المراد آية المائدة، هنا يقول: "فقال أسيد بن حضير" وهو من كبار الأنصار "ما هي بأول بركتكم" بل هي مسبوقة ببركات "يا آل أبي بكر، قال: فبعثنا" أي أثرنا "البعير الذي كنت عليه" حال السفر "فوجدنا العقد تحته" ظاهر، فوجدنا العقد تحته، ظاهر في أن الذين توجهوا لطلبه لم يجدوه؛ لأنه وجد تحت البعير، فالظاهر أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعث أناسًا يبحثون عنه، لكن الظاهر أنهم لم يجدوه، نعم.
وفي البخاري: فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلًا فوجدها، تعني القلادة، مرة وجد تحت البعير لما أثير، ومرة بعث رجلًا فوجدها، وهذا يرجح أن القصة حصلت مرتين، أولاهما في غزوة بني المصطلق، والأخرى مختلف فيها، حتى قيل: إنها في عام الفتح.
"سئل مالك عن رجل تيمم لصلاة حضرت، ثم حضرت صلاة أخرى أيتيمم لها أم يكفيه تيممه ذلك؟ فقال: بل يتيمم لكل صلاة؛ لأن عليه أن يبتغي الماء لكل صلاة، فمن ابتغى الماء فلم يجده فإنه يتيمم" هذا يدل على أن الإمام مالك يرى أن التيمم مبيح لا رافع، الإمام مالك يرى أن التيمم على قوله هذا مبيح وليس برافع للحدث؛ لأنه يلزمه أن يتيمم لكل صلاة، فهل التيمم مبيح أم رافع؟ أو نتم كلامه وبعدين يتبين لنا شيء؟ نتم الكلام، ونعود إلى المسألة.
"سئل مالك عن رجل تيمم أيؤم أصحابه وهم على وضوء؟" يعني إمامة المتيمم بالمتوضئين؟ "فقال: يأمهم غيره أحب إلي" لأن طهارة الماء الأصلية أكمل من طهارة البدلية، الفرع "ولو أمهم هو لم أر بذلك بأسًا"؛ لأن الصلاة أبيحت له، ومن صحت صلاته صحت إمامته.
"قال يحيى: قال مالك في رجل تيمم حين لم يجد ماءً، فقام وكبّر" شرع في الصلاة، ودخل في الصلاة "فطلع عليه إنسان معه ماء، فقال: لا يقطع صلاته" يعني: اتقى الله ما استطاع، تيمم وشرع في الصلاة بعد أن اتقى الله ما استطاع ولا يلزمه أن يجمع بين البدل والمبدل، فطلع عليه إنسان معه ماء، قال: لا يقطع صلاته، بل يتمها بالتيمم، وليتوضأ لما يستقبله من الصلوات، وغيره يقول: يقطع صلاته؛ لأن طهارته طهارة حاجة، وارتفعت الحاجة، ويلغزون بهذا يقولون: نهق حمار فبطلت الصلاة،، الحمار الذي يحمل الماء.
"قال يحيى: قال مالك: من قام إلى الصلاة فلم يجد ماء فعمل بما أمره الله به من التيمم فقد أطاع الله، وليس الذي وجد الماء بأطهر منه" وهناك قال: يؤمهم غيره أحب إلي "ليس غيره بأطهر منه، ولا أتم صلاته؛ لأنهما أمرا جميعًا، فكلٌ عمل بما أمر الله به" واتقى الله حسب استطاعته {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [(16) سورة التغابن] "وإنما العمل بما أمر الله به من الوضوء لمن وجد الماء، والتيمم لمن لم يجد الماء، قبل أن يدخل في الصلاة" يعني فإذا دخل في الصلاة عليه أن يتمها، ولا يجوز له أن يبطلها؛ لأنه عمل بما أمر به، وقد نهي عن إبطال العمل.
"وقال مالك في الرجل الجنب أنه يتيمم، ويقرأ حزبه من القرآن" إذا كان اعتاد نصيبًا معينًا من القرآن، إذا كان يقرأ القرآن في سبع يقرأ السبع في هذه الليلة، وإن كان متيممًا "ويتنفل ما شاء، ما لم يجد ماءً، وإنما ذلك في المكان الذي يجوز له أن يصلي فيه بالتيمم" يعني إذا جاز له أن يصلي والصلاة أعظم جاز له أن يقرأ.
طيب امرأة ما وجدت ماء وطهرت من الحيض وتيممت وصلت، هل يقربها زوجها أو لا يقربها؟ يقول ابن عباس: الصلاة أعظم، إذًا يقربها أم لا يقربها؟ يقربها، بعض أهل العلم يقول: يقتصر على الواجب في التيمم، ما وجد ماء لا يقرأ إلا بقدر الواجب، لا سيما إذا كان حدثه يمنعه من القراءة، بأن كان حدثًا أكبر.
نأتي إلى التيمم، هل هو مبيح أم رافع؟ مقتضى قول مالك أنه مبيح؛ ولذا قال: يتيمم لكل صلاة، وليس برافع، وهو المعروف عند الحنابلة، قال غيرهم: رافع، شيخ الإسلام وغيره يقول: رافع، ما معنى رافع؟ لأنه بدل عن الطهارة الكاملة عن الوضوء، طهارة الماء والوضوء يرفع، والبدل له حكم المبدل، وهل رفعه رفع مطلق أو رفع مؤقت؟ بمعنى أنه جلس عشرة أيام في مكان ليس فيه ماء، تيمم مرة واحدة، ودخل عليه وقت صلاة الظهر صلى، صلاة العصر صلى، المغرب صلى، ما لم ينتقض تيممه، بناقض من نواقض الوضوء.
نام في الليل وأجنب وقام وتيمم، وصلى اليوم الثاني والثالث والرابع.. إلى آخره، في اليوم العاشر وجد الماء، ماذا نقول؟ نعم، الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله، وليمسه بشرته.
مقتضى كون التيمم رافع رفعًا مطلقًا أنه يمسه بشرته لما يستقبل من أحداث، هذا أجنب، ويتيمم عشرة أيام بعد الجنابة، ثم وجد الماء، نقول له: اغتسل أم الجنابة ارتفعت بالتيمم؟ يعني على الخلاف الرفع هو مطلق ما يغتسل، والجنابة صارت لا أثر لها، وإذا قلنا: رفع مؤقت حتى يجد الماء قلنا: عليه أن يغتسل.
نعود إلى الحديث "فليتق الله وليسمه بشرته" لما مضى من أحداث أو لما يستقبل؟ يعني إذا قلنا: "فليتق الله وليمسه بشرته" لما يستقبل من الأحداث، وقلنا: إن التيمم رافع كالماء صار الحديث فيه فائدة أم ليس فيه فائدة؟ ما فيه فائدة، يكون الحديث مؤكدًا لنصوص الطهارة.
وإذا قلنا: فليتق الله وليمسه بشرته عن الجنابة الماضية صار مؤسسًا لحكم جديد، وعندهم عند عامة أهل العلم أن الخبر إذا دار بين التأسيس والتأكيد فالتأسيس أولى من التأكيد، وعلى هذا يتقي الله ويمسه بشرته عن الجنابة التي مضت -إن شاء الله-.
يعني لو قلنا: رفع مطلق يا إخوان، لو قلنا: رفع مطلق ما يغتسل، ومثله لو صلى الظهر بالتيمم، ثم حضر صلاة العصر وهو على تيممه وعنده ماء، هل يقول أحد: بأنه لا يتوضأ؟ مع أنه إذا قلنا: رفع مطلق، خلاص ماعليه حدث، مقتضاه أنه لا يتوضأ، العصر خلاص حدثه مرتفع، لكنه رفع مؤقت حتى يجد الماء، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"أما بالنسبة للنغمات المحرمة التي أفتى أهل العلم بتحريمها فهي محرمة سواء تأذوا أو تلذذوا، محرمة لذاتها، تبقى محرمة في كل مكان وفي مواطن العبادة أشد، مع الأسف الشديد أن كثيرًا من المساجد الآن حولت إلى شبه كنائس.
النصارى عبادتهم على الموسيقى، واليهود كذلك، فتوجد هذه الأمور المحرمة أثناء العبادة، لا شك أن الجهة منفكة، الصلاة صحيحة مع التحريم، هذا أمر مفروغ منه، وإن قال بعض أهل العلم كالظاهرية: إن الصلاة إذا اشتملت على شيء محرم، ولو كان خارجًا عنها أنها تبطل، فالأمر ليس بالسهل، يعني تعرض صلاتك لمثل هذا الخلاف، في فتوى من اللجنة الدائمة بتحريم هذا النغمات، وأنها داخلة في المعازف والمزامير التي جاء الشرع بمحقها، وشدد في أمرها، المقصود أن الإنسان يحتاط لذلك، فلا يجوز له..، ومع الأسف أنه يوجد مع بعض من لا يفهم ما ينصح به من لغة العرب، أحيانًا يأتي ومعه الجوال ويتركه حتى ينتهي ما يطفيه أيضًا، حفاظًا على الصلاة، لا يريد أن يخل بشيء من صلاته، وتنصحه أو ما تنصحه ما يفهم من لغة العرب شيئًا، فهذه مشكلة، لكن الله المستعان.
يوجد آلات مضادة لهذه الجوالات، واستعملت في بعض المساجد، ونجحت في كف مثل هذا الأذى، لكنها قالوا: إنها مؤثرة على مرضى القلب، فمنعت من بعض الجهات، لكن يبقى لماذا الإنسان يضطر إخوانه المصلين والمسلمين إلى مثل هذه الأفعال؟ ومثل هذه التصرفات؟ وحضرت أنا في مسجد وحصل منه هذه النغمة في التشهد، وحصل الإنكار اللازم، يعني شارك في الإنكار جميع الجماعة بدون استثناء، بدءًا من الإمام إلى آخر واحد، كلهم أنكروا، ومع الأسف الشديد يوجد مثل هذا في بعض المساجد، ولا تجد أحدًا يتكلم ولا أحدًا ينكر، لا شك أن هذا منكر يجب تغييره على أي حال، إن أمكن تغييره باليد هو الأصل، وإلا باللسان أقل الأحوال، ما في أحد يمنع الإنكار باللسان الآن.
هي تأثم بتركها الإحداد على زوجها، فإذا مضت المدة أربعة أشهر وعشرة أيام، أو وضع الحمل إن كانت حاملاً، ثم تزوجت زواجها صحيح، ولو لم تحد، المقصود أن المدة لا بد أن تمضي، مدة العدة.
طالب: إذا ما مضت؟
إذا ما مضت فالزواج باطل، لا بد من إعادة العقد بعد تمام المدة.
تجاهد إذا كانت الحروب بين مسلمين وكفار، إما إذا كانت مسلمين وحال فتنة، ولم يترجح إليك أحد الطرفين، فعليك أن تعتزل، وحينئذٍ إن أمكنك أن تعتزل في بلدك فهو أولى، وإن لم تستطع الاعتزال في بلدك، وترتب على بقائك في بلدك إقحامك في هذه الحرب، التي لا تعرف المصيب من المخطأ، فعليك أن تخرج ولو لبلد كفار، إذا لم تستطع الخروج إلى غيرها؛ لأن الخروج رغم ما فيه من مفسدة أسهل من المساهمة في إراقة دم مسلم، والله المستعان.
لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف من غير حائل، لكن إذا مسه بحائل لا بأس حينئذٍ.
لا بأس، بحائل لا بأس.
وما حكم قراءتها له عن ظهر قلب؟
المشايخ يفتون أنه عند الحاجة لا بأس به، والمرجح عندي أنها لا تقرأ شيئًا من القرآن، لا تقرأ القرآن، نعم ابن دقيق العيد عنده استنباط دقيق، من حديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ القرآن ورأسه في حجر عائشة وهي حائض، يقرأ القرآن، تقول: يقرأ القرآن ورأسه في حجري، وأنا حائض، وماذا يستفاد منه؟ يعني لو كانت الحائض تقرأ القرآن هل يشكل على أحد أنه يجوز أن يقرأ غيرها القرآن ورأسه في حجرها؟ استنباط في غاية الدقة، نعم؟
طالب:........
مس المصحف بحائل لا بأس به -إن شاء الله-، تحضر المصحف في كيسه، في عَلّاقته، وهذا ترجم به الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، واستنبطه من دليل في غاية الدقة والعمق، أنه لا مانع من أن يُمس المصحف، يمسه المحدث والحائض من وراء حائل، من الحديث السابق أن القرآن في جوفه -عليه الصلاة والسلام- وهي تمس بدن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهي حائض، فدل على أن مس المصحف من وراء حائل لا بأس به، هذا استنباط فيه شيء من الدقة والبعد.
لا، تغتسل وتعود إلى اعتكافك، هذا ما يقطع الاعتكاف، لا، الاحتلام لا يقطع الاعتكاف، كما أنه لايقطع ولا يؤثر على الصوم.
كأن قوله: وهي حائض لولا أن الحائض ممنوعة من قراءة القرآن على حسب فهم ابن دقيق العيد، وما الفائدة من التنصيص؟ لتستدل أن الحائض مع كونها لا تقرأ القرآن لا تمنع من لمس والقرب ممن يقرأ القرآن، هذا فهمه رحمه الله، وهو فهم له وجه.
الماء لا يخلو إما أن يكون قليلًا أو كثيرًا، فالقليل ما لم يبلغ القلتين على قول، أو ما لا يتحرك طرفه إذا حرك الطرف الآخر، أو الغدير الذي لا يبلغ عشرة في عشرة، وكل على مذهبه في الحد الفاصل بين القلة والكثرة، عند من يقول بالتفريق بين القليل والكثير، وهم الجمهور، الإمام مالك -رحمه الله- يرى أنه لا فرق بين القليل والكثير، وأن المرد بذلك هو تغير الماء، فإن تغير بالنجاسة فهو نجس، وإن لم يتغير فهو طاهر، قل أو كثر.
الجمهور يقولون: إذا زاد عن القلتين -وهذا مذهب الحنابلة والشافعية- ولم يتغير فهو طاهر، وإن تغير فهو نجس بالإجماع، تغير بالنجاسة، ولو كثر، أما إذا قل وصار قليلًا دون القلتين فبمجرد ملاقاة النجاسة ينجس، ولو لم يتغير عند الحنابلة والشافعية والحنفية أيضًا.
رأي مالك لا ينجس إلا بالتغير قل أو كثر، وهذا الرأي هو الموافق ليسر الشريعة، نعم استدل الجمهور بأدلة من أبرزها حديث: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)) على القول بتصحيحه والكلام فيه كثير، والقول باضطرابه سندًا ومتنًا أيضًا معروف عند أهل العلم، ومن أهل العلم من يصححه كشيخ الإسلام ابن تيمية، ويوافق مالك على أنه لا ينجس إلا المتغير، فيعمل بمنطوقه، ويلغي مفهومه المعارض لحديث أبي سعيد أن ((الماء طهور لا ينجسه شيء)).
وكم من شخص تمنى أن لو كان مذهب إمامه مثل مذهب مالك، ومن راجع أبواب الطهارة في كتب الفقه عند الحنابلة والشافعية، لا شك أنه سوف يتمنى أن مذهب إمامه مثل مذهب مالك، وقد تمنى ذلك الغزالي، تمنى أن لو كان مذهب الشافعي مثل مذهب مالك، لكن ما الذي يربطك بالشافعي؟ وأنت تبين لك أن الراجح هو مذهب مالك؟! ما الذي يلزمك بمذهب الشافعي؟!
من الصور التي ذكرها النووي -رحمه الله-، ونجزم أن الشرع لا يأتي بمثلها تبعًا للقول بالتفريق بين الماء القليل والكثير، أنه لو وجد ماء بمقدار القلتين لا يزيد ولا رطل واحد، ولا ينقص ولا رطل، وقعت فيه نجاسة لم تؤثر فيه، ولم تتحلل فيه، بمعنى أنها باقية، هو طاهر، لكن لو جئت بدلو فأخذت منه ما ينقصه عن القلتين يقول النووي على مذهبهم: ما في داخل الدلو طاهر، وما يتناثر من خارجه نجس، لماذا؟ نعم، ما بداخل الدلو حيز قبل النقص عن القلتين، وما بخارجه لصق بالدلو بعد نقصه عن القلتين، فهل مثل هذه الفروع يأتي بها الشرع، الذي رفعت فيه الآصار والأغلال، أن الدين يسر، فهمها يصعب ويعسر في كثير من الأحوال، فضلًا عن تطبيقها، والله المستعان.
لا بأس بها، صلاته صحيحة، كما لو ظن أن الإمام يقصر ثم يتم، أو العكس، والكل مسافرون، فالصلاة صحيحة -إن شاء الله-، لا يؤثر مثل هذا الاختلاف.