التعليق على تفسير سورة القمر من تفسير الجلالين (01)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
فأرى الإخوة ليسوا بحاجة إلى تذكيرهم بأهمية تفسير القرآن فهذا أمر لا يختلف فيه اثنان، وأنه أهم العلوم وأشرفها لشرف الغاية والمقصد التي هي معرفة كلام الله -جل وعلا- ، وإذا كان الناس في أمورهم العادية يهتمون اهتماماً بالغاً بما يأتيهم من مراجعهم ورؤسائهم، فتجد الأنظمة واللوائح إذا وردت على الدوائر الرسمية من الجهات العليا يجتمعون لها، فترى المدير يجمع الوكلاء رؤساء الأقسام، ويتدارسون هذه اللوائح وهذه الأنظمة، وإذا أشكل عليهم شيء سألوا عنه وتثبتوا وطلبوا لوائح تفسيريه فيكف بما يتعلق بكلام الله -جل وعلا-؟.
المسلم مطالب بأن يفهم عن الله -جل وعلا- كلامه وأن يتدبره ليعمل به، أقول إذا كانت العناية بكلام البشر بهذه القوة والاهتمام من قبل المرؤوسين في فهم كلام الرؤساء، وهم بشر مثلهم يصيبون ويخطئون، فكيف بكلام -جل وعلا- الذي تعبدنا بتلاوته؟ مجرد قرأت القرآن رتب عليها من الأجور العظمية ما لا يقدر قدره إلا الله -جل وعلا-، -يعني مجرد التلاوة- كلام الله -جل وعلا- الذي من قام يقرأه كأنما خاطب الرحمن
هو الكتاب الذي من قام يقرأه |
|
كأنما خاطب الرحمن بالكلم |
هذه مجرد قراءة مجرد تلاوة، فكيف بالقدر الزائد على ذلك، مما أمر به من تدبر وترتيل وفهم لكلام الله -جل وعلا- من أجل العمل؟ إذ لا يستطيع ولا يتمكن من العمل إلا من فهم، لا يستطيع أن يعمل إلا من فهم فلا بد من فهم كلام الله-جل وعلا- ولابد من الاهتمام به، ولا بد من العناية به من جميع الوجوه، ولهذا بدأنا بتفسير المفصل موزعاً على مناطق متعددة، واعتمدنا في التفسير ليكون بأيدي الإخوان تفسير الجلالين؛ لأن الكلام المرسل هكذا دون تقيد بكتاب معين لا ينتهي، قد يكون الكلام والاستطراد في آية على حساب آيات أخرى، وإذا كان بأيدينا كتاب استطعنا أن نحدد البداية والنهاية، وعرفنا متى نبدأ، ومتى ننتهي.
الصورة المقررة في هذه الدورة في الأيام الثلاثة هي: "سورة القمر"، وتفسير الجلالين كما هو معروف، لكن من باب التكرير والتذكير مؤلف من قبل شخصين، يقال لكل منهما جلال الدين.
الأول: جلال الدين المحلي ابتدأ التفسير من الكهف إلى أن وصل إلى نهاية القرآن، ثم شرع من أوله ففسر الفاتحة، بعد ذلك جاء الجلال جلال الدين السيوطي فأكمله بدءاً من البقرة إلى نهاية الإسراء، ولهذا يقال له: تفسير الجلالين، والتفسير محل عناية من قبل أهل العلم، وكثرة عليه الحواشي والتعليقات، وكثر من يدرسه ويدرسه من أهل العلم وطلابه، فهو محل عناية، وهو جدير بهذا العناية خليق بها؛ لأنه تفسير متقن مضبوط متن متين، يصلح أن يربى عليه طالب العلم في التفسير، يراجع عليه ما أشكل من أمهات كتب التفسير؛ لأن فيه وعورة، فيه صعوبة، وهذا هو السر في كونه يصلح لأن يربى عليه طالب علم.
فيه أيضاً بعض المخالفات، مخالفات عقدية ينبه عليها في مواضعها، المقصود أن الكتاب كتاب نفيس ومتين. وأما بالنسبة للكتب السهلة الميسرة من تفاسير مختلفة هذه يقرأها المثقف العادي ما يحتاج أن يراجع عليها أحد، أما بالنسبة لهذا الكتاب فهو متن يصلح لأن يشرح ويدرس، ويتعلم عليه طالب العلم الذي يريد أن يؤصل نفسه بقوة.
يقول -رحمه الله تعالى-: "سورة القمر" معروف أن السورة تسمى بكلمة ترد فيها، اختير القمر هنا؛ لأنه هو الآية اللافتة للنظر في هذه السورة، وإلا بالإمكان أن يقول قائل لماذا لم تسم بصورة الساعة؟ الساعة أشير إليها في مواضع من القرآن كثيرة، بينما انشقاق القمر، القمر أيضاً أشير إليه في مواضع، لكن انشقاقه الذي هو الآية التي طلبها المشركون من النبي -عليه الصلاة والسلام- وتحققت خارقة للعادة، لا شك أنها أنبه ما في هذه السورة مما يمكن أن يسمى بها.
يقول: "سورة القمر"، هنا في العنوان عنوان السورة لو رأيتم في المصحف، وجدتم "سورةُ القمرِ" مضاف إليه كذا، هذا الأصل، لكنهم في القرآن في الغالب إنما يذكر بالحكاية، باللفظ الإلهي، وما جاء في كلام الله-جل وعلا- القمر مرفوع {انشَقَّ الْقَمَر} [(1) سورة القمر] فهل يمكن أن يقول: سورة القمرُ، كما يقول: سورة المنافقين أو المنافقون؟ المنافقون {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ} [(1) سورة المنافقون] فهي على الحكاية، سورة المؤمنين أو المؤمنون؟ نعم المؤمنون، فالأصل أن يحكى اللفظ الإلهي في التسمية، وإلا فليقل سورة المؤمنين؛ لأنه مضاف إليه، سورة المنافقين مضاف إليه، وعلى هذا طرداً لهذا أن يقال: سورة القمر، وإن كان الوقف يعني لو قيل سورة القمر ماشي؛ لأنه الوقوف أيضاً على رؤوس الآي كلها ساكنة.
{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَر* وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} [(1- 2) سورة القمر] مستقر، مزدجر كلها ساكنة، لكنها ضبطت بالكسر في المصحف، وإلا لو تركت قلنا: إنها على الحكاية على السكون.
يقول: مكية، فائدة معرفة المكي من المدني معروفة عند أهل العلم، يتكلمون فيها في علوم القرآن، ويعنون بذلك أهل التفسير عناية فائقة في بيان المكي والمدني، والاستثناء مما يمكن الاستثناء منه لمعرفة المتقدم من المتأخر، الناسخ من المنسوخ، هذه فائدة معرفة المكي والمدني.
والقول المرجح عند أهل العلم أن المكي ما نزل قبل الهجرة ولو كان نزوله خارج مكة، والمدني ما نزل بعد الهجرة ولو نزل بمكة عام الفتح أو حجة الوداع يقال له مدني لماذا؟ لأنه ليس المقصود المكان، المكان ليس مقصوداً، وإنما المقصود معرفة المتقدم من المتأخر، ومعرفة ذلك بالزمن، والزمن إنما يكون في وقت محدد، واصطلح العلماء على الهجرة في كثير من أمور الدين، ومنها معرفة المكي من المدني، ما نزل قبل الهجرة مكي، وما نزل بعدها مدني، وما نزل في وقت الهجرة أثناء الهجرة ينص عليه عند أهل العلم؛ لأنه في البرزخ بين المكي والمدني، مكية إلا {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} الآية [(45) سورة القمر] ومنهم من يقول: إلا ثلاث آيات {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} الآية، الآيةَ يعني أكمل الآية، الحديثََ يعني أكمل الحديث.
{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [(45) سورة القمر] وهي خمس وخمسون آية على خلاف بينهم في العد، على اعتبار البسملة آية من السورة أو ليست بأية، والخلاف بين أهل العلم معروف في مسألة البسملة، هل آية من كل سورة؟ أو آية واحدة نزلت للفصل بين السور، أو آية من الفاتحة فقط، أو ليست بآية مطلقاً، بعد إجماعهم على أنها بعض آية من سورة النمل، وليست بآية في سورة التوبة، هذا محل اتفاق.
يقول -رحمه الله تعالى-: {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [(1) سورة الفاتحة]، الآية مثبتة إجماعاً في صدر السورة كما هو معروف ولا يحتاج إلى كلام.
{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} يقول المفسر: "قربت الساعة" اقتربت: يعني قربت، الفعل المجرد قرب، والمزيد اقترب والمعنى واحد، المعنى واحد ولذلك قال: اقتربت بمعنى قربت، إلا أن زيادة المبنى عند أهل العلم تدل على زيادة المعنى غالباً، زيادة المبنى يعني عندنا زيادة أكثر من حرف في اقتربت، لو قارنا بين اقتربت وقربت وجدنا الفرق همزة الوصل والتاء، قالوا: زيادة المبنى، يعني زيادة الحروف في الكلمة تدل على زيادة المعنى غالباً، لئلا يرد على هذا اسم الفاعل مع صيغة المبالغة "فَعِل" مثل: حاذر وحذر، حذر أبلغ في المعنى من حاذر، وإن كانت حاذر أكثر في الحروف {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} يعني قرب قيامها وأزف مجيئها {أَزِفَتْ الْآزِفَةُ} [(57) سورة النجم] في السورة التي قبلها، أزفت قربت والآزفة القيامة، والساعة أمر أخفاه الله-جل وعلا- عن جميع المخلوقين لم يطلع عليها أحد لا نبي مرسل ولا ملك مقرب، ولما سأل جبريل النبي -عليه الصلاة والسلام- عنها قال: ((ما المسئول عنها بأعلم من السائل))، يستوي فيها جبريل ويستوي فيها أجهل الناس.
وفي قوله -جل وعلا-: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [(15) سورة طـه] يعني ظاهر اللفظ يدل على أنه أظهرها، لكنه إظهار لم يطلع عليه إلا النادر من الناس أو من الخلق؛ لأن كاد إذا أثبت غير كاد إذا نفي {أَكَادُ أُخْفِيهَا} يعني يقرب إخفائها، {وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [(71) سورة البقرة] يقرب عدم فعلهم لها، مع أنه لم يطلع عليها أحد، ولا جبريل ولا محمد ولا من دونه، ولذا يقول العلماء في قوله-جل وعلا-: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} حتى عن نفسي يعني مبالغة في إخفائها، مقتضي قوله: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} يعني قرب إخفائها، فمعناه أنه أظهرها إظهاراً قريباً من الخفاء والإخفاء، والواقع أنه أخفاها لم يظهرها لأحد، ولذا يقول جمع من المفسرين: أن معنى {أَكَادُ أُخْفِيهَا} يعني حتى عن نفسي مبالغة في إخفائها، وبهذا نعلم خطأ من قدر قيام الساعة بمقدمات باطلة، فمن قائل يقول: إن الساعة تقوم سنة ألف وأربعمائة، ومن قائل يقول: إن الساعة تقوم سنة ألف وأربعمائة وسبعة، وللسيوطي كتاب اسمه: "الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف"، طيب من قال: ألف وأربعمائة، قال: إن عمر هذه الأمة هو وقت صلاة العصر من مصير ظل الشيء مثله إلى غروب الشمس، وهذا بالنسبة للنهار الخمس، والخمس سبعة آلاف، ألف وأربعمائة، هل يصلح مثل هذا أن تعارض به النصوص القطعية في الثبوت والدلالة؟ من قال: ألف وأربعمائة وسبعة، قال: لا تأتيكم إلا بغتة، وبغتة بحساب الجُمَّل ألف وأربعمائة وسبعة، ومثل هذا تعارض به النصوص القطعية؟ كلا، وهذا نظير ما قاله اليهود في مدة هذه الأمة لما نزل قول الله-جل وعلا-: {الم} [(1) سورة البقرة] قالوا: عمر الأمة سبعون سنة، دين مدته سبعون سنة ما يستحق أن يدخل فيه الإنسان حساب الجُمَّل، هذا باطل بلا شك {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [(34) سورة لقمان] إلى آخر الخمس التي لا يعلمها إلا الله-جل وعلا-.
قد يقول قائل: إن هذا الخمس التي لا يعلمها إلا ا لله-جل وعلا- والحصر إنما جاء في الحديث الصحيح، ((في خمس لا يعلمهن إلا الله)) ثم قرأ الآية، وإلا قد ينازع من ينازع في الآية أنها لا تدل على حصر {إنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}، وإن كان تقديم المعمول على العامل يدل على الحصر مثل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [(5) سورة الفاتحة] يدل على الحصر، وقد يقول قائل: إن الأطباء الآن يعرفون ما في الأرحام، وإذا توصلوا بآلاتهم إلى معرفة ما في الأجنة فلا يبعد أن يصل الناس إلى معرفة وقت قيام الساعة، ما نفاه الله -جل وعلا- لا يمكن إثباته، لا يمكن إثباته حتى ولو قال الأطباء ما قالوا، يبقى أنه لا يعلم ما في الأجنة إلا الله-جل وعلا-، وعلى الكيفية التي يعملها الله-جل وعلا- لا يمكن أن يعرفها أحد، نعم إذا عرف الملك واطلع عليها الملك انتهى عند إرادة الغيب، إذا بلغ الأربعة الأشهر، وأرسل إليه الملك انتهى، يمكن أن يطلع عليه الأطباء هذا ما في إشكال، لكن قبل ذلك لا يمكن، وإذا اطلعوا عليه من جهة فلن يطلعوا عليه من جهات أخرى التي نفاها الله-جل وعلا- لا يمكن أن يطلعوا عليها، وأمة محمد -عليه الصلاة والسلام- أمة اتباع وأثر واقتفاء حتى لو قالوا ما قالوا لا نصدقهم، والتصديق والتكذيب مرده إلى الشرع، مرده إلى مطابقة الشرع وعدم مطابقته، فإن طابق الشرع فهو صدق، وإن خالفه فهو كذب وإن كان مطابقاً للواقع، ولهذا لو ذهب أحد إلى كاهن وأخبره بما يطابق الواقع يجب عليه أن يقول: كذبت، أولاً: لا يجوز له أن يذهب، لكن إذ ذهب وأخبره بالواقع، وذكر له القصة والحادثة بتفاصيلها كما هي في الواقع، يجب أن يقول: كذبت وهو كاذب في هذا وإن صدق؛ لأن المسألة مسألة شرعية يجب عليه أن يكذبه، والقاذف كاذب ولو رأي بعينه ما لم يأت بالشهداء الأربعة.
{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} يقول: قربت الساعة {وَانشَقَّ الْقَمَر}، يقول: "انفلق فلقتين على أبي قبيس وقعيقعان آية للنبي -عليه الصلاة والسلام- وقد سئلها" طلبوا منه آية مجملة فانشق القمر إلى نصفين، أو طلبوا منه ذلك، طلبوا منه انشقاق القمر فانفلق نصفين على أبي قبيس وقعيقعان، -يعني جبلان معروفان في مكة- أبي قبيس جبل معروف، وإن كانت العمليات الإصلاحية التي يسوونها لخدمة الحجاج قضت على بعض هذه المظاهر فأبو قبيس تصرفوا فيه وكانوا يعايون به، يقولون الذي على جبل أبي قبيس يرى الطائف كم بين أبي قبيس والطائف؟ الآن ما يرى الطائف، كم بينها.
طالب .........
نعم الذي يطوف بالكعبة الذي يسمع يقول: كيف سبعين أو ثمانين كيلو يشوف الواحد؟ مو بصحيح لا الذي يطوف الكعبة، "انفق فلقتين على أبي قبيس وقعيقعان" -وهما جبلان معروفان بمكة- "آية للنبي -عليه الصلاة والسلام- وقد سئلها فقال: ((أشهدوا)) رواه الشيخان وغيرهما ، لكنهم ما نفعت فيهم هذه الآية استمروا معرضين على كفرهم وغيهم، وقالوا: سحرنا محمد، فسلوا المسافرين؛ لأن السحر يمكن أن يؤثر في الحاضر لكن البعيد ما يؤثر فيه، فسلوا المسافرون فجاء المسافرون فأثبتوا ذلك.
استشهدهم النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((أشهدوا)) فشهدوا بذلك لكنهم مع غيهم وظلالهم وما كتب الله لبعضهم من الشقاوة استمر على كفره. -نسأل الله العافية-.
فقال-جل وعلا-: {وَإِن يَرَوْا} "يعني كفار قريش". {آيَةً} "معجزة له -صلى الله عليه وسلم-" {يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا} {هذا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} الذي لا تكتب له الهداية فلا حيلة فيه ولا يجدي فيه شيء، من أظهر ذلك ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- مع عمه أبي طالب الذي قامت عليه الحجة، وعرف الإسلام، ونبي الإسلام من قرب، وأقسم بأنه من خير أديان البرية ومع ذلك لم يؤمن.
ولقد علمت بأن دين محمد |
|
من خير أديان البرية دين |
ما الذي منعه
لولا المذمة أو حذار مسبة |
|
لرأيتني سمحاً بذاك مبين |
لكنه القضاء المبرم المكتوب على الإنسان وهو في بطن أمه شقي أو سعيد، وأبو طالب مع ما قام عليه من حجة لا يمكن أن يعتذر بعذر، وعرف الحق لكنه لم يتبعه وهو كافر، شفع فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- فوضع في ضحضاح من نار يغلي دماغه وفي رواية: ((شراكان من نار يغلي منهما دماغه)) -نسأل الله العافية- يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)) يعني لولا هذه الشفاعة من النبي -عليه الصلاة والسلام- لكان في الدرك الأسفل من النار، ومعلوم أن الدرك الأسفل للمنافقين كفار أو مشركون فوق المنافقين في دركات النار، -نسأل الله العافية-.
لكن باعتبار أنه عرف الحق وقامت عليه الحجة ولم يكن له في قبولها أي عذر، استحق أن يحشر مع المنافقين لولا شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
{وَإِن يَرَوْا آيَةً} [(2) سورة القمر] يروى يعني "كفار قريش" معجزة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، والمعجزة أمر خارق للعادة كانشقاق القمر، وانفلاقه فلقتين -يعني قطعتين- أمر خارق للعادة، يخرق السنن الإلهية مقرون بالتحدي ودعوى النبوة، انفلق فلقتين فلقة كقطعة ووزناً ومعنىً، وجاء ما يدل على أنه انفلق فلقتين -يعني مرتين-، ولكن المرجح أنه مرة واحدة {يُعْرِضُوا}، ويقولوا: هذا الذي نراه واستشهدهم عليه من انشقاق القمر {سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ}، "قوي من المرة" وهي القوة ذو مرة، يعني قوة شديد، يعني جبريل -عليه السلام-، ذو مرة يعني قوة وشدة وهنا سحر مستمر يعني قوي من المرة.
قال: أو دائم من الاستمرار وهو الدوام، إما من القوة أو من الاستمرار والدوام، ومنهم من يقول: إنه مستمر من المرارة، يعني سحر مرارته تصل إلى الحلوق، ولا شك أن ما يؤذي الإنسان مر فهم يتأذون بهذا السحر على حد زعمهم، وقيل: من المرور وهو العبور، سحر عابر ومنتهي ومنقضي كغيره من السحرة، فهم يتربصون بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وسحره، يتربصون به ريب المنون كما تقدم، لكن المؤلف اعتمد معنيين فقط من المعاني الأربعة، قال: مستمر قوي، سحر قوي، ولا شك أن السحر مراتب فيه القوي وفيه الضعيف، والسحرة فيهم كذلك، لهم مراتب وبعضهم يدل على بعض إذا عجز عما يراد منه، قال: اذهب إلى فلان فإنه أشد وأقوى سحراً، -نسأل الله العافية-.
والسحر كفر بالله العظيم، والذهاب إليهم، مجرد الذهاب لا تقبل له صلاة أربيعين يوماً، ومن صدقهم كفر وذكرنا آنفاً أنهم لو طابقوا الواقع، ولو طابقوا الواقع.
ذهب واحد -نسأل الله العافية- ينتسب إلى طلب العلم إلى ساحر ليفك عنه السحر، فشرح له ما حصل بالتفصيل وقال: لما دخلت على زوجتك جاءتكم امرأة هذه صفتها بطيب هذا باقيه فأحضر له الوعاء، وعاء الطيب فما كان من ذلك الرجل الذي ينتسب إلى طلب العلم إلا أن قال: صدقت -نسأل الله العافية-، وبهذا كفر نسأل الله السلامة والعافية، ولو طابق كلامه الواقع، فإن هذا كذب يجب أن يقال: كذبت، وصدق الله ورسوله، وعرفنا أن الصدق والكذب مربوط بمطابقة الشرع، يعني لو شهد ثلاثة أنهم رأوا الزاني بأم أعينهم رأوه يفعل بالمرأة كما يفعل الزوج بزوجته هم عند الله كاذبون إذا لم يأتوا بأربعة شهداء، -هذا نص القرآن.
والساحر ولو أحضر ما أحضر مما يطابق الأمر يجب أن تقول: كذبت، وهو كاذب شرعاً؛ لأن بعض الناس يحصل عنده شيء من التردد، يجد نفسه مجبر وملزم أن يصدق إذا طابق الواقع، لا، يجب عليك أن تكذب؛ لأن هذه الأمور مربوطة بشرع، يعني لو ذهب إليه يحرم عليه الذهاب ولا تقبل له صلاة أربعين يوماً، إذا صدقه الأمر أعظم من ذلك فقد كفر، فماذا عمن يذهب إلى الساحر ليفك السحر وقد أفتاه من أفتاه في ذلك؟ -نسأل الله السلامة والعافية- وسهل له أمر الكفر، لا بد أن يصدق، ومعه فتوى يعتمد عليها مناقضة معارضة لما جاء عن الله وعن رسوله، -نعوذ بالله من الخذلان- {وَكَذَّبُوا} [(3) سورة القمر] -النبي -صلى الله عليه وسلم- {وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ} الآيات لا تغني {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} [(101) سورة يونس] لا تغني الآية ولا تفيد فيهم فإذا طبع الله على القلب صار لا ينفذ فيه خير، وإذا وجد هذا من بعض المسلمين الذين ينتسبون إلى القبلة وجد منهم بعض هذا الطبع -نسأل الله العافية-، ترك ثلاث جمع طبع الله على قلبه، وإذا مسخ القلب لا يجدي فيه شيء ولو لم يصل إلى حد الكفر، الرآن إذا غطى على القلوب تجده لا يستفيد من النصوص.
ابن القيم -رحمه الله تعالى- ذكر في إغاثة اللهفان: أن الرجلين في آخر الزمان يمضيان إلى المعصية فيمسخ أحدهما خنزيراً، ويش المتوقع من الثاني الذي سلم؟ أن يندم ويتوب ويقلع فوراً ويقبل إلى ربه الذي نجاه من هذا المسخ، لكن مسخه أعظم من مسخ صاحبه يذهب إلى معصيته، كذبوا النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالوا: هذا الذي حصل للقمر سحر سحرتنا فرأيتنا نبصر خلاف الواقع.
{وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ} "يعني في باطلهم" {وَكُلُّ أَمْرٍ} يقول: "من الخير والشر" {مُّسْتَقِرٌّ} "بأهله في الجنة أو النار"، كل أمر سواء كان من أمور الخير أو من أمور الشر، مستقر بأهله يعني موصل لأهله أهل الخير إلى الجنة، وأهل الشر إلى النار كل أمر مستقر.
{وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء} [(4) سورة القمر] جاء كفار قريش من الأنباء، من الأخبار العظيمة المهمة ومنها: "إخبار إهلاك الأمم المكذبة لرسلهم"، إخبار إهلاك الأمم المكذبة لرسلهم {وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} [(4) سورة القمر] قد يقول قائل: إن قريشاً أهل فترة ما جاءهم شيء على فترة من الرسل، ما جاءهم شيء، وما بلغهم شيء؟ جاءهم وبلغهم وهذه أمور متواترة يتحدث بها الركبان جيلاً عن جيل، والله-جل وعلا- يقول: {وَلَقَدْ جَاءهُم} ولهذا استحقوا النار -نسأل الله العافية- فمنهم من مات مشركاً؛ لأنه جاءهم من الأنباء، وإن سمي عصرهم عصر فترة، عصر فترة؛ لأنه ما في رسل لكن الرسالات بلغتهم، ومنهم بقايا على دين إبراهيم -عليه السلام-، وبقايا من أهل الكتاب، المقصود أن الله-جل وعلا- يقول: {ولقد جاءهم من الأنباء}؛ لأنه قد يقول قائل: وقد قيل: كيف يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- ((إن أبي وأباك في النار)) وهو يقول والله-جل وعلا- يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [(15) سورة الإسراء] ما بعث إليهم رسول {جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} وقامت عليهم الحجة بهذا.
{وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء} يعني من إهلاك الأمم المكذبة لرسلهم ما فيه مزدجر، يعني ما يكفي لازدجارهم واتعاظهم وارعوائهم عن غيهم وضلالهم، {مُزْدَجَرٌ} يقول: مزدجر "لهم اسم مصدر، أو اسم مكان"، أصل الفعل "زجر"، والافتعال "ازدجر" افتعل، فإن كان من زجر فهو مزجر وهو من افتعل مثل: اقترب، والتاء تاء الافتعال أبدلت بالدال، فبدل من ازتجر افعتل، ازدجر "والدال بدل من تاء الافتعال، وازدجرته، وزجرته" الأصل زجر المجرد مع تاء الافتعال ازتجر، وقلبت التاء دالاًً فصار ازدجر.
يقول: "وازدجرته وزجرته -يعني مجرداً ومزيداً- نهيته بغلظة"، الزجر: النهي بغلظة وشدة كما فعل الصحابة -رضوان الله عليهم- بالأعرابي الذي بال في المسجد، زجروه نهوه بشدة وقوة وغلظة فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تزرموه)) اتركوه، "نهيته بغلظة، وما موصولة أو موصوفة" {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} ما موصولة {وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء} الذي فيه مزدجر تكون حينئذ موصولة أو موصوفة، موصوفة يكون تقدير الكلام ولقد جاءهم مجيئاً فيه مزدجر فتكون موصوفة، نكرة موصوفة، اسم مصدر، أو اسم مكان مزدجر، المفعل يأتي للمصدر ويأتي لاسم المكان، المقام {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة] مصدر قام يقوم قياماً ومقاماً، قام يقوم قياماً ومقاماً مصدر، ويصلح أن يكون اسم مكان -مكان القيام-، فالمقام إما أن يراد به مكان القيام، أو المصدر الذي هو القيام نفسه، فمكان المقام إذا نقل مثلاً "المقام" الذي هو المصدر إلى مكانه، فهل مكانه الصخرة التي حصل عليها القيام، أو المكان الذي فيه الصخرة -الحصاة- التي فيها الأثر؟ المعروف، المقام المعروف {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} هل المراد به الحصاة الصخرة، أو المكان التي كان فيها الصخرة؟ نعم المكان الذي فيه الصخرة، وعلى هذا لما تأخرت الصخرة، الصخرة الأصل فيها أنها قريبة من الجدار احتيج إليها لما ارتفع البناء، لو احتيج إلى تأخير هذه الصخرة إلى الأروقة مثلاً، اقتضى الاجتهاد أن تدخل في الأروقة؛ لأنها تضيق على الطائفيين كما أخرت من قبل في عهد عمر، يعني المسألة مسألة المقام ويراد به الصخرة، أو مكان القيام الملاصق للجدار، المسألة معروفة عند أهل العلم واللفظ محتمل، لكن ما الذي يترتب على القولين؟ يترتب عليه إن قلنا إن المراد بالمقام الذي أمرنا باتخاذه مصلى هو الصخرة، فإننا نتبعها أينما ذهبت، يعني لو أدخلت في الأروقة صارت الصلاة هناك عندها، وإذا قلنا إن المقام مكان القيام الأصلي الذي كانت الصخرة فيه ملاصقة للجدار أن نتخذ هذا المكان ولو أبعدت الصخرة، كلام أهل العلم في هذا معروف فيه رسائل، والمقام لا يجوز تقديمه أو تأخيره، أو لا يجوز فيه كتب وفيه ردود معروفة.
يقول: {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} لهم يعني يزجرهم عن كفرهم وغيهم وعن ضلالهم، جاءهم من الآيات والنذر والبينات والحجج والبراهين القاطعة ما يزجرهم، ويجعلهم لا يترددون في الدخول في هذا الدين، {وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء}.
{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} [(5) سورة القمر] يعني مع ما جاءهم من الأنباء، وما جاءهم من ، يزجرهم ويعضهم من الحجج القاطعة والبراهين الساطعة التي لم تترك لأحد عذر، ومع ذلك ما آمنوا والله -جل وعلا- بين لهم ولم يترك لهم حجة ولا عذر يعتذرون به، وركب فيهم من حرية الاختيار ما يمكنهم من الدخول في هذا الدين، فليس لأحد حجة لا بالقدر السابق ولا بعدم بلوغ الحجة، الحجة بلغتهم، والقدر السابق غيب لا يعلمه إلا الله-جل وعلا-، فكون الإنسان يزعم أنه مجبور على الاستمرار على الكفر، أو مجبور على فعل معاصي هذا لا حجة لهم فيه ولا مستمسك؛ لأن لديهم من حرية الاختيار مع بيان ما ينفع وما يضر، ومع ذلك اختاروا ما يضرهم، والذي يحتج بالقدر ويقول: إنه مجبور هذا شيء كتبه الله عليه، لا يستطيع أن يخالف ما كتب عليه نقول: كما جاء في النصوص الكثيرة أن الله-جل وعلا- بين لهم وقطع عذرهم، وركب فيهم من حرية الاختيار ليسوا بمجبورين، كما يزعمون أن حركاتهم مثل حركات الشجر وورق الشجر في مهب الريح هذا الكلام ليس بصحيح، بدليل لو أن أحداً اعتدى على واحد منهم ما تركه ما قال: هو مجبور مسكين، لو ضربه للتفت وخاصمه ورفع أمره أو ضربه، جازاه على صنيعة فإذا قيل له: إنسان مجبور مكتوب عليك أنه يضربك، ومكتوب له أن يضربك قال: هذا جنون.
لكن إذ ما جاءت مسألة الدين، إذا ما صلى قال: والله مكتوب عليه أنه ما يصلي، ما أسلم هذا القدر السابق ويحتج بالقدر، المشركون {لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ} [(107) سورة الأنعام] ويحتج به أيضا الفساق من المسلمين يحتجون بالقدر، لكنه القدر إنما يحتج به على المصائب لا على المعايب، و احتج آدم موسى كما في الصحيحين وغيرهم: ((فقال موسى: محتجاً على الله-جل وعلا- بأنه خلقه بيده، وأسجد له ملائكته قال: أخرجتنا ونفسك من الجنة، فقال: يا موسى، أنت الذي اختصك الله بكلامه، وكتب لك التوراة بيده، فكم تجدني كتب علي هذا قبل أن أخلق، فقال: بكذا وكذا سنة فحج آدم موسى)) يعني آدم احتج بالقدر على المعيب وإلا على المصيبة؟ على المعصية وإلا على المصيبة؟ المعصية ذهب أثرها، وجودها كأنه لم يعص تاب، تاب منها، اجتباه الله وهداه بعد ذلك ما كان له أثر، ليس له أثر، وإنما بقية المصيبة المترتبة على هذه المعصية احتجوا بالقدر عليها، يعني لو أن شخصاً سقط فانكسرت رجله فقيل له: لماذا؟ وراء ما شفت، وراء ما انتبهت؟ هذا شيء كتبه الله علي هذا صحيح، لكن لو سرق لا يجوز له أن يقول هذا شيء كتبه الله عليه ولو شاء الله ما سرقت، هذا كلام المشركين {لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [(148) سورة الأنعام] ليس لأحد حجة، وليس لأحد عذر بعد هذا البيان.
{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} [(5) سورة القمر] "حكمة خبر مبتدأ محذوف أو بدل من ما {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ}" يعني {وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} أو بدل من ما" يقول: ولقد جاءهم من الأنباء حكمة بالغة بدل من ما أو بيان له، {حِكْمَةٌ} خبر مبتدأ محذوف هذا حكمة، أو هذه حكمة بالغة خبر مبتدأ محذوف، أو بدل من ما أو من مزدجر، المزدجر هو الحكمة، أو الذي فيه مزدجر هو الحكمة، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه حكمة بالغة وصف، حكمة بالغة يعني: "تامة"، بلغة الغاية في هذه الحكمة.
{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [(5) سورة القمر] فما تغني "تنفع فيهم" النذر جمع نذير بمعنى منذر، النذر جمع نذير ولو جاءهم كل يوم نذير جديد ما ....... {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} [(101) سورة يونس] فما تغني يعني ما تنفع فيهم، ولا تفيد فيهم، ولا ينتفعون بها، والنذر جميع نذير بمعنى منذر أي الأمور المنذرة لهم، والعاقل ينظر إلى النذر نظر عيان، مما يمر به في جميع أحواله يعتبر، يدكر، يتعظ من كل ما يمر به، كل شيء يضعه على باله، {وَجَاءكُمُ النَّذِيرٍُ} [(37) سورة فاطر] الشيب نذير، موت القريب نذير، موت البعيد نذير، موت الولد نذير، موت الأب نذير نذر، قد يقول قائل: والله أنا شاب فتى في العشرين في الثلاثين في الأربعين من العمر وأرى الناس يعمرون إلى المائة، لكن انظر إلى الوفيات واحضر إلى الأماكن التي يصلى فيها على الجنائز، ترى أن موت الشباب والأطفال أكثر من موت الشيوخ، واقرأ في الصحف التي تنشر فيها هذه الأخبار تجد لا سيما في الأيام الأخيرة نرى الموت بين الثلاثين إلى الأربعين أكثر من غيرهم، يعني المسألة مسألة تتبع، انظر ما ينشر في الصحف تجد الكثير يعني نادراً تجد مات عن ثمانين سنة عن تسعين سنة قليل هذا، تجد أطفالاً بالعشرات مواليد، وتجد شباباً كثير، الحوادث وما أشبهها هذا أيضا كثر في أخر الزمان فليس هناك عذر لأحد، ولا مستمسك لشخص، يقول: أنا والله ما زلت شاباً وأعمار الأمة بين الستين والسبعين، أنا باقي على السبعين خمسين سنة نعم هذا كثير يعني بالنظر إلى من يجاوز ذلك الذي يجاوز قليل، لكن من يموت دون ذلك كثير، وشخص بلغ الستين من عمره لا يصلي -نسأل الله العافية- ولم يتزوج فذهب إليه قريب له في بلد غير بلده ذهب إليه ووعظه وذكره، وقال: أنت في الستين الآن، وأعمار الأمة بين الستين والسبعين، ولا تدري متى يفاجؤك الأمر؟ أنت لو تصلي لتكون من أهل الجنة، وتتزوج شخصاً يرثك ويدعوا لك، فقال: له يا فلان، كم عمري والدي يوم ما مات؟ قال: ما عليك من والدك، قال: ليش ما علي، كم عمره؟ قال: مائة وعشرين صحيح، مائة وعشرين، كم عمر عمي؟ قال: مائة وعشرة، كم عمر خالي؟ فتنة لهذا الرجل قال: مائة، وفلان عمر طويلاً فما اتعظ ولا ازدجر وكان كلامه في يوم الجمعة، فرجع إلى بلده بعد أن أدى ما أوجب الله عليه من النصح لهذا القريب، يقول: فما جاءت الجمعة الأخرى إلا ويأتينا نعيه، -نسأل الله حسن الخاتمة- {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} [(101) سورة يونس] ما في فائدة والله المستعان.
{فَمَا تُغْنِي} تنفع فيهم النذر "جمع نذير بمعنى منذر أي الأمور المنذرة له" وسواء كانت من الرسل، أو ما جاءت به الرسل، أو من قبل وراث الأنبياء من أهل العلم والدعاة وغيرهم، أو من الأمور الكونية التي ينتجها التفكر فيها، الإنسان إذا جلس يحاسب نفسه، ونظر في نعم الله عليه وآلاء الله عليه، ونظر في مخلوقات الله العظيمة لا شك أنه يستفيد.
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ} [(190) سورة آل عمران] لكن لكل أحد، {لأولي الألباب}، وما يوفق لمثل هذا إلا من ذكر بعد ذلك {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] هم الذين يوفقون للتذكر والتفكر، و{ما} في قوله: {فَمَا تُغْنِ}: للنفي يعني ما تفيد للنفي أو للاستفهام الإنكاري، ما تغني النذر استفهام إنكاري، يقول: وعلى الثاني، وهي على الثاني مفعول مقدم، وعلى الثاني مفعول مقدم، يعني كونها استفهامية، استفهامية مفعول مقدم يجب تقديمها؛ لأن لها صدر الكلام.
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} [(6) سورة القمر] تولى يعني: أعرض، يقول: "هو فائدة ما قبله وتم به الكلام".
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} [(6) سورة القمر] يعني إذا كان لا تغني فيهم النذر فلا فائدة، ولا جدوى من متابعة دعوته؛ لأن هؤلاء حكم عليهم وقضى عليهم، ولا يقول قائل: إنه دعا فلاناً أو فلاناً من قريب أو بعيد صاحب منكر فلم يستفد من وعظه، يقول: تولى عنه، اتركه هذا ما فيه فائدة، لا يقال تابع؛ لأنه ما يدريك أنه لا تغني النذر بالنسبة له، هنا جاء النص أن هؤلاء ما تغني النذر، وحينئذ تذكيرهم وعدمه سواء، لكن أنت إذا وجدت عاصياً ونصحته وأنكرت عليه ما استفاد مرة، مرتين، ثلاث أربع، عشر تابع، وفي كل مرة أنت مأجور على هذه الدعوة، وعلى هذا النصح والتذكير والإنكار، أنت مأجور على هذا وعليك بذل السبب والنتيجة بيد الله-جل وعلا-، إن كان الله يريد له هداية على يدك (( فلئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)).
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} يعني أعرض، "وهو فائدة ما قبله"؛ لإن هؤلاء لا تغني فيهم النذر ما في فائدة لا تتعب نفسك، تولى عنهم ومن أهل العلم بل أكثر المفسرين يقول: إن هذا منسوخة بآية السيف، منسوخة بأية السيف، التولي والإعراض عن الكفار هذا منسوخ بالأمر بقتالهم، ومنهم من يقول إنها محكمة، {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} يعني اتركهم بالكلية لا، أنت بذلت ما يجب عليك كمرحلة أولى وهي الدعوة، فلما لم يستجيبوا وجب قتالهم يعني أعرض عن نصحهم وتوجيههم وإرشادهم وهذه الطريقة الشرعية، أن من لا يستجيب لهذه الدعوة أولاً يدعى يعرض عليه أمور، لا يقاتل مباشرة بل يعرض عليه أمور، إما أن يستجيب للإسلام فيسلم، أو يدفع الجزية، أو يقاتل.
الآن {فتول عنهم} إن كان على قول الأكثر منسوخ بآية السيف فالمطلوب قتالهم، وإن كانت الآية محكمة فتولى عن دعوتهم وجاهدهم؛ لأنك أديت ما عليك في نصحهم وإرشادهم وتوجيههم ودعوتهم، يقول: "وتم به الكلام" {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} وعلى عنهم ميم يعني وقف لازم.
{يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ} يوم يدعوا الداعي هو إسرافيل، وقيل: جبرائيل {يَدْعُ الدَّاعِ} قال: "هو إسرافيل وناصب يوم يخرجون بعد" وناصب يوم، {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} [(7) سورة القمر] إلى أخره يقول: "ناصب يوم يخرجون بعد" فهو متعلق بيخرجون {إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ} "بضم الكاف وسكونها -{نُّكُر} و{نُّكْر}- أي منكر تنكره النفوس لشدته وهو الحساب"، تنكره النفوس، وتنفر منه، تشمئز منه لشدته وهو الحساب، {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ} كل يخشي من هذا الحساب، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من نوقش العذاب عذب)) وكل إنسان يخشي من هذا الحساب؛ لأن نتيجته العذاب لا محالة.
قالت عائشة -رضي الله عنها-: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [(8) سورة الانشقاق] كيف من نوقش الحساب عذب؟ يعني كل من نوقش الحساب يعذب، وهناك حساب يسير قال: ((ذلكِ العرض)) الحساب اليسير العرض وليست المناقشة الدقيقة، يعني تعرض الأمور إجمالاً يقرر بها صاحبها، ثم تبدل السيئات حسنات، وأما المناقشة على الصغير والكبير في {كِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [(49) سورة الكهف] من نوقش عذب لا محالة، فهو أمر منكر تنكره النفوس وتنفر منه وتشمئز لشدته، وإذا كانت النفوس تنفر من مناقشة المخلوقين، فكيف بمناقشة من لا تخفي عليه خافية؟ ((وما منكم من أ حد إلا سيكلمه ربه بغير ترجمان)) فعلت كذا، فعلت كذا فيشفق ويخشى، ولا شك أن مثل هذا أمر مهول.
{خُشَّعًا} المفسر مشى على القراءة الأخرى، {خَاشعاً} يعني "ذليلاً"، وفي قراءة، أو يقول: "وفي قراءة {خُشََعا} بضم الخاء وفتح الشين المشددة" {أبصارهم} "حال من فاعل" {يخرجون} "أي الناس" {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} وبالقراءة الأخرى {خاشعاً أَبْصَارُهُمْ}، ويجوز {خاشعة أبصارهم} بالإفراد, والجمع، والتذكير، والتأنيث، والخشوع، قالوا: هو الخضوع كما في القاموس خاضعة أبصارهم، قال في القاموس: وقيل: الخضوع للبدن، والخشوع للبصر، مع أن الخضوع يأتي بالقول كما في قوله -جل وعلا-: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [(32) سورة الأحزاب] ليس خاصاً بالبدن كما في القاموس، على كل حال هنا يقول: {خاشعة} أو {خشعا أبصارهم} خشع جمع خاشع، و{أَبْصَارُهُمْ} فاعل لاسم الفاعل؛ لأن اسم الفاعل يعمل عمل فعله، {خشََعاً أبصارهم} أي ذليلة، والأثر يبدو على البصر قبل غيره، الذل والهوان والانكسار يبدو على الأبصار قبل غيرها من البدن، {خشعاً أبصارهم} يقول: حال، حال من فاعل يخرجون، يعني يخرجون حال كونهم خشعاً، أو خاشعاً على ما اختاره المؤلف، يخرجون أي الناس {من الأجداث} جمع جدث وهي "القبور"، وتقال: بالفاء جدف كأنهم جراد منتشر، "لا يدرون أين يذهبون من الخوف والحيرة! والجملة حال من فاعل يخرجون، وكذا قوله: {مهطعين}.
{كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} [(7) سورة القمر] يعني إذا نظرت إلى غوغاء الجراد عند كثرته واحدة إلى اليمين، وواحدة إلى الشمال، وواحدة إلى الأمام، وواحدة إلى الخلف، واحدة تنزل، واحدة ترتفع تصور الناس على هذه الحالة، وفي تصوير آخر {كالفراش المبثوث}، كالفراش الذي يذهب لا إلى غاية يطير يميناً وشمالاً، وينخبط، ويقع في النار، وهذا من الذهول الذي يصيب الناس.
يقول {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} لا يدرون أين يذهبون من الخوف والحيرة! والجملة حال من فاعل يخرجون، وكذا قوله مهطعين أي: "مسرعين مادين أعناقهم" {مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} [(8) سورة القمر] {مهطعين} "مسرعين مادين أعناقهم" في حال ذهول شديد إذا دعاهم الداعي، مهطعين مسرعين إليه، مسرعين إليه.
هناك قال {منتشر} لا يدرون أين يذهبون من الخوف والحيرة، ثم قال: {مهطعين} أي: مسرعين مادين أعناقهم إلى الداعي يعني إلى مصدر الصوت، إذاً هم يدرون أين يذهبون، والتمثيل بالجراد هنا في هذا الموطن قالوا: لإن الجراد سياقه واحد، وطريقه واحد، نعم إذا وجد عدد يسير حول نور، نعم تجده يذهب إلى هذه النور ويفارقها ويرجع إليها وهكذا، لكن الجراد في الجملة يأتي من جهة إلى جهة، فجهته معروفة بخلاف الفراش، الفراش لا جهة له.
وقوله: {كأنهم جراد منتشر} "لا يدرون أين يذهبون من الخوف والحيرة والجملة حال"، لكنه قال بعد ذلك مهطعين إلى الداعي مسرعين إليه، وقد يقول قائل: إن تمثيلهم بالجراد وبالفراش في أول الأمر، أول ما يخرجون من الأجداث يتخبطون، ثم إذا نودوا إلى الحساب اتجهوا إلى مصدر الصوت، {مهطعين} يعني "مسرعين مادين أعناقهم"، {إلى الداع} بدون ياء وقرئ بها ولا يوجد سبب لحذفها غير إتباع الرسم، يعني حذفها هذا منقوص مقترن بأل مثل "القاضي" الأصل فيه الياء، نعم إذا تكرر وكثر على اللسان مثلما تقول: عمرو بن العاص وأصلها العاصي، شداد بن الهاد ابن الهادي إذا كثرت وثقلت على اللسان لا مانع عند أهل العربية، لكن يبقى {مهطعين إلى الداع} هذا إتباعا للرسم، ولا تجوز مخالفته مع أنه قُرئ بالياء وعدمها، منهم من يقرؤها على رسمها بدون ياء، ومنهم من يثبت الياء؛ لأنها الأصل.
{ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} [(64) سورة الكهف] أصلها نبغي ولا يوجد ما يدل على ما يوجب حذف الياء إلا إتباع الرسم، وإتباع الرسم واجب عند أهل العلم ولا يجوز تغييره بحال أجمعت الأمة على هذا الرسم، وتلقوه جيلاً عن جيل فلا يجوز تغييره، ولذلك المطالبات التي حصلت بكتابة المصحف بالكتابة الإملائية المعروفة هذه وإن كانت موجودة وقائمة إلا أنها مردودة.
{يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [(8) سورة القمر] "منهم" يعني من هؤلاء الذين بعثوا {هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} هذا يوم عسر أي: "صعب على الكافرين كما في المدثر" يوم عسير {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُور*ِفَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ *عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [(8-9-10) سورة المدثر] -نسأل الله العافية آيات تهز القلوب إن كان هناك قلوب {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} [(9) سورة القمر] يعني قريش {كذبت قبلهم} يعني "قبل قريش" قوم نوح، نوح أول الرسل، أو الرسل كذبت قبلهم قبل قريش {قوم نوح} "تأنيث الفعل -كذبت- لمعنى قوم"، وهم الجماعة أو القبيل؛ لأنه مؤنث يقول: "تأنيث الفعل لمعنى قوم"، المراد بهم الجماعة أو القبيلة.
{فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} كذبت فكذبوا، {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا} يعني تكرار الفعل يعني لو قال: كذبت قبلهم قوم نوح عبدنا كفا الفعل الأول، لكنه كرر الفعل الذي هو التكذيب؛ لأن قريشاً تشاركهم فيه في التكذيب فأكده وكرره مرة ثانية؛ ليفهم أن سبب تعذيب وإغراق قوم نوح هو التكذيب، فإذا وجد منكم هذا السبب فالنتيجة حتماً لازمة والسنة الإلهية لا تتغير، نعم قد تتغير طريقة الإهلاك من أمة إلى أخرى لكن الإهلاك حاصل بسبب التكذيب.
{فكذبوا} "عبدنا يعني نوحاً -عليه السلام-" الذي مكث يدعوا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وكل ما ذهب جيل وجاء بعدهم نفس المنهج ونفس الطريقة الذي هو التكذيب توارثوه كابراً عن كابر.
{وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ} مجنون وازدجر أي: "انتهروه بالسب وغيره"، {مجنون وازدجر} أي: "انتهروه بالسب وغيره" زجروه وانتهروه وشدد عليه وسبوه والمجنون إذ زجر زاد، المجنون إذا زجر وحورش وأجلب عليه، أو صوت به، أو اجتمع عليه من يؤذيه فإنه يزداد قالوا: هذه حال نوح -عليه السلام-.
{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي} [(10) سورة القمر] "أي بأني" {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ} وفي قراءة {إِني} بكسر الهمزة؛ لأن الدعاء مضمن معنى القول، {فدعاء ربه} قائل: يا رب إني مغلوب لا قدرة ولا طاقة لي بهم، {فانتصر} يعني لي منهم، وهذه حال المسلمين اليوم اللهم إننا مغلبون فانتصر ومظلومون فانتقم.
قال: {فدعاء ربه أني} بالفتح أي بأني مغلوب يعني لا قدرة لي بهم فانتصر يعني لي منهم وأنتقم، {فَفَتَحْنَا}[(11) سورة القمر] "بالتخفيف والتشديد" فتّحنا {أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ} "منصب انصباباً شديداً" من السماء مباشرة من غير سحاب، فتحت أبواب السماء من غير سحاب، ومنهمر منصب انصباباً يعني وليس كالتنقيط كالمطر لا، {بماء منهمر} "منصب انصبابا شديداً".
قال: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} [(12) سورة القمر] تنبع يعني جاءهم الماء من السماء ومن الأرض، {فجرنا الأرض عيوناً}، عيوناً تمييز محول عن الفاعل أو المفعول؟ المفعول، الأصل وفجرنا عيون الأرض قالوا: وهو أبلغ من أصله، أبلغ من فجرنا عيون الأرض؛ لأنه بالتمييز صارت كأن الأرض كلها عيون، {فجرنا الأرض} يعني كلها عيون صارت، لكن لو جاء بالأصل فجرنا عيون الأرض، الأرض باقية يابسة تراب، تبقى عيونها هي التي تفرجت، والعدول من المفعول إلى التمييز، والتحويل من الأسلوب الأصلي إلى الفرعي أبلغ، {فجرنا الأرض عيوناً} "تنبع" يعني من كل مكان، {فالتقى الماء} "ماء السماء والأرض"، {التقى الماء} الماء يصدق على الكثير والقليل، وعلى الواحد وعلى المتعدد، ويجمع نظر لتعدد أنواعه كما قالوا: في كتب العلم باب: "المياه" وإلا يكفي أن يقال: باب الماء، والماء ينصرف إلى قليله وكثيره، باقيه ومتغيره كله ماء، وهنا قال: {فالتقى الماء} "ماء السماء والأرض" وقرئ: {فالتقى الماءاني} ماء السماء وماء الأرض وقرئ: {الماواني}، و{الماياني} لكن الثلاث القرأت قرآت شاذة، {التقى الماء} النازل من السماء بقوة، المنصب من السماء، والنابع من الأرض بقوة {على أمر} يعني على "حال"، {قد قدر} "قضي به في الأزل وهو هلاكهم غرقاً" {قد قدر} قضي به في الأزل يعني القضاء المحتوم، القضاء والقدر هذا أمر مقدر عليهم أنهم يهلكون غرقاً، وهو هلاكهم غرقاً؛ لأن {قدر} تأتي لمعاني، تأتي من التقدير يعني من القضاء والقدر المكتوب عليهم، وتأتي بمعنى التضييق {قدر عليه رزقه} يعني ضيق عليه، ويمكن أن تحمل الآية على هذا المعنى، بحملها على أن الأرض ضاقت بهم، ما دام امتلأت الأرض ماء، النابع والنازل فسوف يضيق عليهم المكان لا محالة، بخلاف ما يحصل، قد يحصل فيضان في بلد لكن ينتقل منه إلى بلد أخر -والأرض واسعة-، لكن بالنسبة للطوفان لا، عم الأرض وبلغ ذرا الجبال.
{وَحَمَلْنَاهُ} [(13) سورة القمر] يعني "نوحاً" -عليه السلام-، {وحملناه} يعني ومن معه على {ذات} يعني على "سفينة" {ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ}، الألواح، الألواح معروفة يعني من الخشب، ودسر يقول: "وهو ما تشد به الألواح من المسامير وغيرها"، يعني أكثر المفسرين على أن الدسر جمع "دسار ككتاب" وكتب، وخمار وخمر، وحمار وحمر، الوزن مطروق من المسامير وغيرها واحدها دسار ككتاب، يقول من المسامير وغيرها يعني ما تدسر به، يعني تشد به من المسامير والحبال والأربطة وغيرها مما تشد به هذه الألواح إذا جمعت، ومنهم من يقول: الدسر المسامير، دسار مسمار، ومنهم من يضيف إليها ما يحتاج إليه؛ لأن بعض المواضع ما يفيد فيه المسمار قد يحتاج إلى حبل يشد به، أو إلى عصب، أول إلى شيء تربط به، على كل حال المعنى واضح {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} [(13) سورة القمر].
{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [(14) سورة القمر] أي "بمرأى منا" ومقتضى ذالك الحفظ والرعاية والعناية والصيانة "بمرأى منا أي: محفوظة" من أن تغرق أو تتلف أو يصيبها أو يصيب من فيها شيء مما يحذر، {جزاء} "منصوب بفعل مقدر أي: أغرقوا انتصارا" {جزاء لمن كان كفر} يعني كفر به، وبما جاء به وبمن أرسله "وهو نوح -عليه الصلاة والسلام-"، {جزاء لمن كان كفر} يعني انتقاماً وانتصاراً لمن دعاء فقال: {إني مغلوبُ فانتصر} أغرقوا جزاء له وانتصاراً له وانتقاماً له وهو نوح -عليه الصلاة والسلام-، "وقرئ {كَفَر}" {جزاء لمن كان كَفَر} هذا العذاب جزاء له؛ لأنه كفر بالله -جل وعلا- "بناء للفاعل أي أغرقوا عقاباً لهم" أي "أغرقوا عقاباً لهم" .
{وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا} [(15) سورة القمر] "أبقينا هذ الفعلة" يعني خبر الطوفان خبر الغرق بقي يتناقله الناس إلى قيام الساعة، أو السفينة التي نجوا بسببها بقية إلى أن أدركها أوائل هذه الأمة كما يقول بعض المفسرين، {ولقد تركناها} "أبقينا هذه الفعلة" {آية} "لمن يعتبر بها أي شاع خبرها واستمر" نعم الأخبار والحوادث والوقائع الكبيرة يستمر الناس في نقلها، يتناقلونها جيلاً عن جيل لا تنسى، بخلاف الأخبار التي لا يهتم بها هذه تنسى، يتناقلها جيل عن جيل ثم تندرس، وإذا بقي الأثر بقي الذكر، {وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(15) سورة القمر]، يعني على سبيل المثال أهل العلم على مر الأجيال يتناقل الناس أخبارهم، لا سيما لمن ترك أثراً كالتأليف مثلاً، يعني ما زلنا نذكر العلماء من القرن الثاني الذين ألفوا إلى يومنا هذا، لكن الذين ليس لهم تأليف ما ترك لهم آية ولا ترك لهم ذكر ولو كانوا كباراً، نعم يذكرهم طلابهم الجيل الذي بعدهم يذكرونهم، ثم طلابهم أيضاً يتناقلون بعض أخبارهم ثم تندرس أخبارهم، يعني هل ذكر الإمام البخاري مثل ذكر ابن واره؟ يعني هم في تعليل الحديث يمكن ما ينقص ابن واره عن البخاري، لكن تسأل ويش اسم ابن واره مجالس طلاب العلم، هل تعرف من أخباره شيئاً؟ والله ما أدري عنه شيء، هذا يدلنا على أهمية التأليف بالنسبة للعالم وبقاء أثره إلى قيام الساعة.
شوف العلماء المعاصرين يعني بعض شيوخنا ما له تأليف خلاص انتهى -يعني احنا نعرفهم-، لكن الذي بعدنا يمكن ما يعرفهم، أئمة كبار قبل ما أدركناهم أدركهم شيوخنا وتناقلنا أخبارهم، وما زالت أخبارهم على نطاق ضيق ثم تندرس خلاص، إذا ما لهم مؤلف يموت طلابهم وطلابهم ثم خلاص ينتهي ذكرهم.
فهذا يدلنا على أهمية الذكر بعد موت الإنسان، يعني تجد طالب علم له مؤلفات ولو مختصرات الكتب نفع الله بها مع صدق النية يتداولها الناس، وقال -رحمه الله تعالى-وفلان -رحمه الله تعالى-ما ينسى، لكن تجد عالم كبير جداً ما له مؤلفات ينسى، فالشيء بالشيء يذكر.
{وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً} تركت السفينة آية وعلامة، ترك الخبر خبر إغراقهم آية وعلامة، فمثل هذه الأمور ينتبه لها، {آية} "لمن يعتبر بها أي شاع خبرها واستمر" يعني تناقلته الأجيال لأن مثل هذا الخبر لا ينسى لا يمكن أن ينسى، حتى غير المسلمين من الأمم تعرف أن قوم نوح أغرقوا؛ لأن هذه أمور تناقلها الرواة وتباينت بها الأخبار، يعني من أقطار متعددة ولا يمكن أن تكون ناشئة وصادرة عن إشاعة مصدرها واحد أبداً، ولذا قال: {وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} يعني هذه الآية بلغت المشارق والمغارب، ومع ذلك لم ينتفع بها ولم يزدجر ولم يستفد منها إلا أهل الذكر، أهل التذكر {فهل من مدكر} "معتبر ومتعظ بها وأصله مذتكر"؛ لأنه من الذكر افتعال من الذكر، فالذال موجودة والتاء تاء الافتعال موجودة "{مذتكر} أبدلت التاء دالا"، تاء الافتعال تبدل دالاً مثل ازدجر، دالاً مهملة وكذا المعجمة أبدلت دالاً فأدغمت الدال بالدال فصارت مدكر، وقرئ {مذكر} بالذال لأنها الذال أصلية وتاء الافتعال أبدلت دالاً فأبدلت الذال دال وأدغمت الذال في الدال وأدغمت فيها.
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [(16) سورة القمر] "أي إنذاري، استفهام تقرير" فكيف كان عذابي يقررهم فكيف كان عذاب ونذر يعني أمره سهل عذاب مثل هذا العذاب يطاق تصبرون على مثله هذا تقريرُ له، "أي إنذاري استفهام تقرير" وكيف خبر كان لكنها تقدم؛ لإن لها الصدارة "خبر كان وهي للسؤال عن الحال" ، لا يسأل بها عن ذات إلا بتقدير حاله، إذا قيل: كيف زيد؟ إنما يراد كيف حال زيد "والمعنى حمل المخاطبين على الإقرار بوقوع عذابه تعالى بالمكذبين لنوح موقعه" {فكيف كان عذابي ونذر} يقول: "والمعنى حمل المخاطبين على الإقرار"؛ لأنه استفهام تقرير فحملهم على الإقرار يعني إذا سئل استفهم كيف كان العذاب؟ هل يمكن أن يقول قائل: إنه عذاب سهل عذاب يسير يمكن أن يفر منه، يمكن أن يحاد عنه، جواب الجميع لا، لا يمكن.
فهذا التقرير يحمل المخاطب على الإقرار والإذعان بوقوع العذاب بالمكذبين لنوح موقعه وأن السنة واحدة، ما حل بهم يحل بمن فعل فعلهم، وهذه هي فائدة القصص في القرآن {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [(111) سورة يوسف] لكن لمن {لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} يعني ليس مجرد قصص وتسلية وأخبار مثل ما يذكر في كتب السمر مجرد أخبار لا حقيقة لها، يعني قد يقرأ الإنسان سيرة عنترة بن شداد ثمانية مجلدات، أو حمزة بهلوان، أو الأميرة ذات الهمة قصص سواليف، ثم ماذا فيها عبرة؟ ما فيها عبرة؛ لأنها خيال ليست بواقع، أو فيها واقع لا يفيد، بينما قصص القرآن عبرة وليست مجرد تسلية، هي تسلية للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وتسلية لهذه الأمة، تسلية لمن اعتبر واتعظ وادكر، لكن مع ذلك هي إنما سيقت لنخشى ونحذر السبب الذي عذبوا من أجله، ولذا يقول عمر -رضي الله عنه- "مضى القوم ولم يرد به سوانا" يعني ما الفائدة أن نعرف أن قوم نوح اغرقوا، وقوم عاد أهلكوا بالريح، وقوم ثمود إلى آخره كما سيأتي؟ لا فائدة من ذلك إلا أننا نتصور ما وقع بهم، ونجتنب ما أوقعهم في هذا العذاب.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] يقول: سهلناه للحفظ وهيأناه للتذكر، {يسرنا القرآن} يعني سهلناه للحفظ، وهيأناه للتذكر بخلاف الكتب الأخرى فإنها لم تيسر، ومن صفة هذه الأمة أن أناجيلها في صدورها {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(49) سورة العنكبوت] بينما الأمم السابق لا، يقرؤون في الألواح، يقرءونه مكتوباً فلم ييسر لهم حفظ كلام الله -جل وعلا-، وكلام الله -جل وعلا- قوي لا يستطاع إلا بإعانة من الله-جل وعلا-.
وهنا {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} يقول: "سهلناه للحفظ وهيأناه للتذكر" فمن يعتذر بأن القرآن صعب عليه، قد يوجد من هذا النوع من يوجد لكنه بسببه، وإلا فالله-جل وعلا- يسر وسهل القرآن، ويوجد عجائز في السبعين والثمانين من تحفظ القرآن، وشيوخ كبار لا يقرؤون ولا يكبتون ويحفظون القرآن؛ لأن القرآن ميسر، لكن لمن لمن يسره الله عليه من المدكرين {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] متعظ وحافظ، ابذل من نفسك، وتعب في تحصيله، أما أن تسترخي وتتمنى وتخطط ولا تنفذ، هذا ما تحفظ ما يمكن تحفظ بهذه الطريقة، قد يقول قائل: القرآن فيه المتشابه كثير فأنت تحفظ في سورة ثم تخرج إلى غيرها لما يشبهها من الآيات، نعم لأنه قول ثقيل يحتاج إلى تعب، ويحتاج إلى صدق وعزيمة، ورتب عليه أجور عظيمة سواء كان في قرأته، أو في حفظه، أو في فهمه، أو تدبره، أو في ترتيله، أوفي العمل به، والتفقه منه، هذه أجور لا يمكن أن يقدر قدرها إلا الله-جل وعلا-، ولذلك تحتاج إلى عناء وتحتاج إلى تعب، والتيسير هذا لا ينافي المشقة على بعض الناس، ((والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق يتتعتع فيه)) هذا لا ينافي التيسير، لأن الله-جل وعلا- إذا علم الصدق النية من هذا الشخص وبذل من نفسه، أعانه عليه ويسره عليه، ((والدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) ومع ذلكم الدين أوجب الجهاد الذي فيه إزهاق النفوس، وأجب الحج الذي فيه ما فيه من المشقة العظيمة، ومع ذلك الدين يسر ما فيه تنافي بين هذا وهذا أبدا، لكن من بذل يسر له الأمر، من بذل وأعطى من نفسه بصدق ويقين بموعود الله -جل وعلا- يبشر، أم الذي يتمنى هذا لن يحصل له شيء.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} "سهلناه للحفظ وهيأناه للتذكر"، {فهل من مدكر} "متعظ به وحافظ له، والاستفهام بمعنى الأمر" {فهل من مدكر} يعني ادكروا، اعتبروا، اتعظوا، احفظوا، اقرءوا، تدبروا، أعملوا كل هذا أمر، "والاستفهام بمعنى الأمر أي احفظوه، واتعظوا به، وليس يحفظ من كتب الله عن ظهر القلب غيره".
ليس يحفظ وهذا معنى قوله: {ولقد يسرنا القرآن} والتيسير هذا خاص بكتاب الله -جل وعلا- الذي هو القرآن، أم غيره من الكتب فما يسرت، موسى يقرأ على قومه من الألواح وإن قالوا، في بعض التفاسير يقول: إن موسى وهارون وعزير ويوشع كلهم يحفظون التوراة، لكن النصوص الكثيرة تدل على أن تيسر الحفظ إنما هو لكتاب الله الذي هو القرآن، "وليس يحفظ من كتب الله عن ظهر قلب غيره"، يعني غير القرآن ؛لأن بعض الناس يتذرع يقول: حاولت أحفظ ما قدرت، هذا إما لسوء في الطريقة، أو لدخن في النية، أو لملل؛ لأن بعض الناس يمل ما يصبر على الحفظ، إما لملل، إما لما جبل عليه، يعني ما عنده صبر ولا عنده جلد، يجلس اليوم ويحفظ عنده همة قوية، لكن غداً ما يجلس، أو لسوء في الطريقة، تجد حافظته لا تسعفه، يعني بإمكانه أن يحفظ ثلاث آيات، فيحمل نفسه عشر آيات، وبإمكانه أن يحفظ عشر فيحمل نفسه إلى أكثر، هذا يقرأ القرآن ويحفظ القرآن بالتدريج، ويتعلم ما فيه من علم وعمل إذا كان لا يستطيع أن يستغل الوقت في الحفظ؛ لأن الناس يتفاوتون، من الناس من يحفظ جزء في اليوم، ويحفظ القرآن في شهر، ومنهم من يحفظ في شهرين، ومنهم من يحفظ في ثلاثة، ومنهم من يحتاج إلى عشرة سنوات، والحمد لله هو على خير والأجر واحد سواء حفظ بسنة أو بعشر الأجر واحد.
المقصود أنه يحرص ويبذل من نفسه، ويسلك المسالك التي تؤديه إلى النتائج المحمودة، لا يكون كالمنبت يحفظ في يوم جزء ثم ينتظر شهراً ما حفظ شيئاً، بحيث إذا رجع يكون نسي ما حفظ يحفظ بالتدريج، وإذا كانت حافظته تسعفه ورقة يحفظ ورقة الحمد لله، الأمر ليس من الأمور التي هي على الفور، إنما هي على قدرة الإنسان وما أتاه الله-جل وعلا-، فلا يكلف {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [(7) سورة الطلاق] {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] هذا الذي لا يستطيع أن يحفظ إلا آية واحدة ويحتاج إلى عشرين سنة ليحفظ القرآن أحسن من لا شيء؛ لأن العمر يمر بدون فائدة، لكن الذي يستطيع أن يحفظ أكثر فالله أكثر.
هذا إذا كان يمكث هذه المدة الستة الأشهر أو السنة فالذي يظهر أنه قريب من الوشم، والوشم محرم لكن باعتباره يزول فلا يأخذ حكم الوشم بالتحريم المجزوم به، لكنه على كل حال قريب منه، فليحذر وليجتنب أما إطلاق التحريم فلا.
الأصل أن المرأة يجب لها القسم مطلقاً، يقسم لها سواء حائضاً أو نفساء، لكن مع ذلك إذا اتفق مع المرأتين برضا الزوج أن من ولدت أو حاضت أنها لا يقسم لها ورضي الجميع كل الأطراف رضية بذلك، فالأمر لا يعدوهم.
الآية ليس فيها تحديد، وإن كان بعض أهل العلم كابن القيم -رحمه الله تعالى- في طريق الهجرتين يرى أنها القراءة التي في الصلاة، الصلاة مشهودة صلاة الفجر ولذا حث -رحمه الله- على القرب من الإمام في هذه الصلاة على وجه الخصوص، وإن كان المطلوب مطلقاً لكنه في هذه الصلاة المشهودة ولها تأثير في السامع أكثر مما قرئ القرآن خارج الصلاة أو في صلاة غيرها، فالمشهودة المقصود بها الصلاة صلاة الفجر وقراءتها تدخل دخولاًُ أولياً ومع ذلك القراءة في هذا الوقت سواء كانت قبل الفجر، أو قبل صلاة الفجر وبعد طلوع الفجر، أو بعد صلاة الفجر إلى أن تنتشر الشمس هذا وقت في غاية النفع بالنسبة للقارئ، يعني وقت اجتماع القلب قبل تشتت الذهن.
جاء في الخبر الصحيح ((من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره من لو أقسم على الله لأبره)) لكن لا ينبغي على المسلم أن يعرض نفسه إلى مثل هذا إلا إذا وقع في مأزق لا يستطيع الخروج منه ممكن، وأما في حال السعة فلا يحدد؛ لأنه لو لم يحصل له هذا الأمر مع تحديده لغلب على ظنه أنه ليس من هذا النوع، والأمر الثاني أن في هذا تزكية للنفس إذا أقسم على الله وزعم أنه من أهل هذه الصفة أن هذا فيه تزكية لنفسه، والله-جل وعلا- يقول: {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [(32) سورة النجم] فالتزكية لا تجوز من الإنسان لنفسه، اللهم إلا إذا وقع في مأزق وأراد التخلص منه يدعوا الله-جل وعلا-، وإن أقسم على الله في فعل أو توسل إليه بعمل صالح من أعماله فله أصل.
هذه الغيبوبة محل نزاع بين أهل العلم ويستعمل فيها قياس الشبه ويحددون الثلاثة أيام على ما جاء في خبر عمار بن ياسر أنه أغمي عليه ثلاثة أيام فقضى الثلاثة الأيام قالوا ملحقة بالنوم وما زاد على ذلك ملحقة بالجنون، فما يلحق بالنوم ثلاثة فما دون هذه يجب قضاء الفوائت فيها، وأما ما زاد على ذلك فهو ملحق بالجنون والمجنون ليس عليه قضاء.
النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي النافلة على الراحلة، وأما الفريضة فلا ولا يفعل ذلك في المكتوبة، المكتوبة لا بد أن تؤدى بجميع واجباتها وأركانها.