شرح كتاب التوحيد - 40

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال الإمام المجدد -رحمه الله تعالى-: "باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}[المائدة:23]، وقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}[الأنفال:2] الآية وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ}[الأنفال:64]، وقوله: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق:3].

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: {حسبنا الله ونعم الوكيل }[آل عمران:173] قالها إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- حين ألقي في النار، وقالها محمد -صلى الله عليه وسلم- حين قالوا له: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:173] الآية، رواه البخاري فيه مسائل:

الأولى: أن التوكل من الفرائض.

الثانية: أنه من شروط الإيمان.

الثالثة: تفسير آية الأنفال.

الرابعة: تفسير الآية في آخرها.

الخامسة: تفسير آية الطلاق.

السادسة: عِظَمُ شأن هذه الكلمة.

السابعة: أنها قول إبراهيم ومحمد -صلى الله عليهما وسلم- في الشدائد".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:

فيقول الإمام المجدد –رحمه الله تعالى-: باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[المائدة:23] التوكل شأنه عظيم، وأثره في حياة المسلم بالغ، فالذي يتوكل على الله يكفيه ما أهمه من أمر دينه ودنياه، والناسُ في هذا الباب على طرفي نقيض؛ منهم من يزعم أنه يتوكل على الله ويترك فعل الأسباب، وتركُ فعل الأسباب التي أمر الله بها من الأمور المباحة التي فعلها النبي –عليه الصلاة والسلام-، وفعلها خيار هذه الأمة من بعده هذا طعنٌ في الحكمة الإلهية الذي رتّب المسببات على هذه الأسباب. فما شأن من يزعم أنه يولد له من غير زواج؟ طعنٌ في عقله قبل كل شيء، وطعن في الحكمة الإلهية التي رُتب فيها الولد على الزواج. هذا نوعٌ من الناس، وحجَّ ناسٌ من اليمن بغير زاد، ويزعمون أنهم يتوكلون، يزعمون أنهم يتوكلون، فجِيء بهم لعمر فقال: هؤلاء متواكلون. وقيل لبعض أهل العلم فقال: هؤلاء يتوكلون على أزواد الناس حقيقة الأمر، لا يتوكلون على الله؛ لأن الله أمر ببذل الأسباب، وبعض فئات الصوفية يفعلون هذا، يفعلون هذا.

 ذكر القُشيري في رسالته أن ثلاثةً من العارفين خرجوا فسقطوا في بئر سقطوا في بئر، فقالوا: لن نستنجد بأحد، نتوكل على الله ولن نستنجد بأحد، ظلوا ساكتين في البئر، فجاء أُناس بعدهم فقالوا: هذه بئر في قارعة الطريقة يُخشى على المارة من السقوط فيها فسقفوها، سقفوها، وما زالوا على حد زعمهم متوكلين، ثم جاء أُناس آخرون فقالوا: كأن هذا فيه أثرٌ للماء، فلو حفرنا لأفدنا وأفاد الناس منه، فحفروها فخرج الثلاثة.

هذه يسوقه القُشيري على هذا النوع من التوكل، لكن لو ما جاء هؤلاء الدفعة الثانية الذين حفروها كانوا يموتون، صارت قبرًا لهم، فهل هذا التوكل شرعي؟ من سقط في بئر يجلس إلى أن يموت؟ هذا فعل شرعي؟ يقبله عقلٌ أو نقل؟ لا والله، الله -جل وعلا- أمر ببذل الأسباب وبفعل الأسباب، والطوائف في الأسباب طرفان ووسط، في الأسباب طرفان ووسط؛ منهم من لا يرى الأثر لأي سبب من الأسباب، وأن وجود السبب مثل عدمه، تبذل أو ما تبذل سواء، وما كتبه الله لا بد أن يحصل. ولذلك لا يرون الدعاء؛ لأنه إن كان المدعو به مكتوبًا فسيحصل، وإن كان غير مكتوب فلن يحصل دعوت أو لم تدعُ.

ابن القيم في مقدمة الجواب الكافي فنّد هذا القول وردّه من وجوه عديدة، الله –جل وعلا- أمر بالدعاء: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر:60]، ويقولون الدعاء ما له أثر، ما له قيمة.

 الأشعرية عندهم الأسباب معطلة لا قيمة لها، ولكن المسبب يحصل عندها لا بها، يحصل عندها لا بها، ويقولون مقالتهم الشهيرة التي نُقلت في كتبهم وكتب شُرّاح الحديث من هذه الطائفة كالكرماني وغيره، يقول: إن الأشعرية يجوزون أن يرى أعمى الصين بقة الأندلس، أعمى الصين يرى بقة الأندلس، لماذا؟ لأن البصر سبب في الرؤية والسبب لا أثر له، وإنما يحصل الإبصار ورؤية المبصَر عند هذا السبب لا به، طيب الأكل والشرب قالوا: الأكل والشرب لا يشبع ولا يروي، الأكل لا يشبع، والشرب لا يروي، وإنما يحصل الشبع والري عندها لا بها. في كلام يطول شرحه.

 نوعٌ يعتمدون على الأسباب، والمعتزلة يقولون: إن الأسباب تؤثر بذاتها، تؤثر بذاتها، وجد السبب خلاص لا بد أن يوجد المسبب.

وأهل السُّنَّة يقولون: الأسباب مؤثرة بالأثر الذي جعله الله فيها، يلزم على هذه الأقوال مثلاً إذا جاء البرد كونك تغتسل بماءٍ بارد، وتنام على السطح عريان عند الأشعرية ما عليك إلا أن الموت قد يحصل عندها لا بها، والمعتزلة يقولون: إذا بذلت الأسباب ولبست ما يكفيك لاتقاء هذا البرد فأنت في مأمن من الضرر؛ لأن هذه الأسباب تنفع بذاتها، أهل السنة والجماعة يقولون: الأسباب تنفع، فرقٌ بين من يلبس اللباس الكافي، أو يستدفئ بنار، وبين من يعطل هذه الأسباب، الأثر واضح، لكن الله –جل وعلا- هو الذي جعل هذا الأثر في هذه الأسباب، قد يجلس عند النار، وقد يلبس كثيرًا من الثياب، ويموت من البرد؛ لأن الله –جل وعلا- ما أراد النفع بهذا السبب.

 المقصود أن التوكل لا ينافي بذل الأسباب، والنبي –عليه الصلاة والسلام- ظاهَرَ بين درعين في غزوة، لبس درعًا فوق درع من أجل إيش؟ أن يتقي السيوف والسهام، فهذا بذل السبب، وهل نقول: إن هذا قدح في توكله –عليه الصلاة والسلام-؟ لا، أبدًا، إمام المتوكلين وإمام المتقين، وأعرف الناس بربه وأخشاهم وأتقاهم لله، وأفعاله هي الكمال المطلوب من المكلفين، لا يمكن أن يأتي أحد بأكمل مما جاء به، النبي –عليه الصلاة والسلام- وأمته مأمورة بالاقتداء به والاتساء به.

فالاعتماد على الأسباب -كما هو قول المعتزلة- قدحٌ في الدين كما يقول أهل العلم، وترك الأسباب قدحٌ في العقل، كما أنه قدح في الحكمة الإلهية، فالتوكل اعقلها وتوكل، اِبذل السبب وتوكل على الله –جل وعلا-، قد تعقل الناقة، وينفلت العقال، وتذهب وتخليك، لكن مع توكلك على الله –جل وعلا- ابذل السبب.

طالب:...

لا، ما يتعرض؛ لأن العلاج ظني، ظني، وليس بقطعي، فقد يتعالج الإنسان ويموت، وقد يتعالج ويشفى، وقد يتعالج ويزداد مرضه، وقد يتعالج..، ظني هذا. فالعلماء منهم من أوجبه لا سيما في حال ....

طالب:..

المسجد الأول ما تبين معالمه.

طالب:..

وهذا سبب، هذا من الأسباب.

طالب:...

بعضهم يذهل إذا دخل، على كل حال الخطأ في مثل هذا مغفور، لكنه واجب التصحيح. {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}[المائدة:23] أسلوب التقديم والتأخير يفيد الحصر، وأن التوكل على الله –جل وعلا- وحده، لا لأحد فيه شركة، وأما من يتوكل على غير الله في أمورٍ لا يقدر عليها، فهذا شركٌ إيش؟ أكبر، وإذا كان يقدر عليها ويتوكل عليه معتمدًا عليه، وأنه هو المؤثر في هذه، هذا شرك أصغر، مع أنه يقدر عليه بوجه من النظر، يقدر على هذا العمل فتوكل عليه، التوكيل والتوكل في الأمور العادية، في أمور الناس التي اعتاد الناس التوكيل فيها هذا أمر مباح لا شيء فيه، مع أنه يجب أن يعتقد بأن الفاعل الحقيقي هو الله –جل وعلا-، ولولا تيسير الله ما حصل ما وُكل به، والنبي –عليه الصلاة والسلام- وكَّلَ، وكَّلَ من يشتري له أضحية، ووكَّلَ عليًّا –رضي الله عنه- في ذبح ما تبقى من هديه، على كل التوكيل في الأمور العادية لا بأسَ به.                

{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا} تقديم الجار والمجرور على عامله يفيد الحصر، مثل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}[الفاتحة:5]، والفاء هنا: فتوكلوا واقعة في، منهم من يقول: لا معنى لها، وإنما هي لمجرد تحسين الكلام وإلا لو قيل وعلى الله توكلوا إن كنتم مؤمنين ما تأثر الكلام، وما المانع أن تكون واقعة في جواب الشرط المقدم عليه؟ توكلوا على الله، إن كنتم مؤمنين فتوكلوا على الله. إن كنتم مؤمنين فتوكلوا على الله، أو جواب لشرطٍ مُقدر يفسره المذكور، هذا عند من يقول: لا يجوز تقديم إيش؟

 الجواب على الشرط، وعلى كل حال إن كنتم مؤمنين شرط، فالتوكل شرطٌ في الإيمان، شرط في صحة الإيمان.... عدمه قد ينافي الإيمان بالكلية، وذكر العلماء الأقسام الثلاثة وأشرنا إليها.

وقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}[الأنفال:2] إنما المؤمنون إنما: أداة حصر، {الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} وجلت: خافت، حينما يُذكر الله –جل وعلا- لا شك أنه يوجل ويخاف، {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}، {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} استنبط بعضهم أن استماع القرآن قد يكون أثره أبلغ من قراءة القرآن؛ لأن الذي يقرأ القرآن قد يغفل، والنبي –عليه الصلاة والسلان- طلب من ابن مسعود أن يقرأ عليه، فقرأ عليه الآيات المعروفة من سورة النساء، وبكى النبي –عليه الصلاة والسلام- من قراءة ابن مسعود، فطالب العلم عليه أن يُنوِّع أن يقرأ امتثالًا للنصوص التي أمرت بالقراءة لا سيما إذا كانت على الوجه المأمور به، وأن يستمع؛ ليتأثر، ولا شك أن بعض القراء يُؤثرون في المستمع.

 {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[الأنفال:2] وهو الشاهد من الآية يعني لا على غيره، وهذا فيه أسلوب التقديم والتأخير الذي يفيد الحصر وفيه الحصر بإنما، ما المؤمنون إلا الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم؛ لأن إنما عبارة عن ما وإلا نفي وإثبات، يعني مركبة.

وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الأنفال:64]، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الأنفال:64] يعني حسبك الله كافيك، يعني إذا توكلت عليه، ومن تعلق شيئًا وُكِلَ إليه، فالإنسان إذا وُكِلَ على غير الله، إذا توكل على غير الله ووُكِلَ إليه ووُكِلَ إلى نفسه وُكِلَ إلى ضعف، فتلازمه الخيبة والحرمان، ولذا من الأدعية المشهورة: «اللهم لا تكلني إلى نفسي أو إلى أحد من خلقك طرفة عين».

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} يعني كافيك الله –جل وعلا-، {وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} يعني فيه قولان أو تأويلان لأهل العلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} التأويل الأوّل: أن العطف من اتبعك معطوف على لفظ الجلالة؛ لأنه الأقرب، فيكون المعنى يكفيك الله– جل وعلا- ويكفيك من اتبعك من المؤمنين، وهذا قول معروف عند أهل العلم، لكنه قولٌ مرجوح، والراجح أن الله –جل وعلا- حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين يعني كافيك وكافي من اتبعك من المؤمنين.

وفي لفظ الاتباع يدل على أنهم دون، التابع أقل من المتبوع، فكيف يكفي الأقل ما هو أعظم منه؟ ولابن القيم كلام في زاد المعاد، لعلنا يبقى وقت ونسمعه.

وقوله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3] فهو حسبه أي كافيه، فالتوكل كفيلٌ بأن يُكفى الإنسان أمور دينه ودنياه، لكن كونه يُكتب عليه شيء من النقص في أمور دنياه ما يترتب على ذلك من الأجور كالأمراض التي تعتري المسلم تُرفع به درجاته، وتحط سيئاته، لكن إذا توكل على الله حق التوكل كفاه، وفي الحديث: «لو أنكم توكلون على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير».

طالب:...

كما يرزق الطير، «تغدو خماصًا وتعود بطانًا» تغدو يعني تذهب جائعة، وترجع شبعانة، وهي طير. ومن يتوكل على الله فهو حسبه أي كافيه.

 "عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: حسبنا الله ونعم الوكيل" يعني في قوله –جل وعلا- {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:173] "قالها إبراهيم حين ألقي في النار"، يعني في الشدائد، لما أُلقي إبراهيم في النار قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، وهذا مرويٌّ عن ابن عباس في الصحيح، وله حكم الرفع؛ لأنه لا يمكن أن يُقال من جهة الرأي. "قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد –صلى الله عليه وسلم- حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:173]". ما يتعلق بمحمد– عليه الصلاة والسلام- مذكور في القرآن في سورة آل عمران، وأما ما يتعلق بإبراهيم عليه السلام فهو من قول ابن عباس في الأصل لفظه لفظ الموقوف، وحكمه حكم المرفوع؛ لأنه لا يُقال بالرأي. وهل يؤثر ما قيل عن ابن عباس أنه يتلقى ممن يتلقى عن بني إسرائيل أو لا يؤثر؟ ابن عباس له مواقف حُفظت عنه أنه يحذر مما يروى عن بني إسرائيل لا سيما في مثل هذا، وقد جزم به وهو متعلقٌ بآية، وما يُظن بابن عباس أنه تلقاه عن كعبٍ أو غيره.

"قالها إبراهيم حين ألقي في النار" يعني قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، "وقالها محمد –صلى الله عليه وسلم- حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا}" بعد أُحد تأهب أبو سفيان للرجعة والكرّة على المدينة على حد زعمه؛ ليقضي على النبي –عليه الصلاة والسلام-، فجمع من جمع ومرّ به ركبٌ فقال: قولوا لمحمد: إن أبا سفيان قد جمع جمعًا هائلًا يقضي عليكم، {قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}[آل عمران:173]، {{قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} يعني ثقة بالله وطمأنينة بموعود الله، وتوكلاً على الله. فاخشوهم فزادهم إيمانًا، والناس في هذه الآية من العام الذي يُراد به الخصوص، لماذا؟

لأنه ما جاء نصّ يُخصِّص، نص عام، الناس ال جنسية تفيد العموم، ما جاء نصّ يُخصِّص هؤلاء الناس بنصّ وإلا فالواقعة معروفة، فقالوا: إن هذا من العام الذي يُراد به الخصوص، الأصل حينما تُكلِّمَ به المتكلم لا يريد العموم إنما يريد الخصوص؛ لأن من العام ما هو باقٍ على عمومه ومحفوظ من التخصيص، ومنها من العمومات ما هو مخصوص، يعني دخله مُخصِّصات أو مخصِّص، ومنها ما لم يدخله مخصِّص، لكن من الأصل يراد به الخصوص.

"{فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173] رواه البخاري" يقول الإمام –رحمة الله عليه-: إن التوكل من الفرائض، الأسلوب في الآية يدل على اشتراط التوكل في الإيمان، على اشتراطه في صحة الإيمان {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:23] التي هي آية الترجمة، يدل على الاشتراط، إن التوكل من الفرائض، فهو من شروط الإيمان، أسلوب الإية لا سيما الأسلوب الحصري يدل على ذلك أنه من شروط الإيمان، وأنه بلا توكل لا يصح إيمانه.

 "تفسير آية الأنفال" {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال:2]، تفسير آية الأنفال تقدّم الكلام فيها.

 "تفسير الآية في آخرها" في آخرها، في آخر الآية أو في آخر السورة؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

تفسير الآية في آخرها.

طالب:...

في تمام الآية لا سيما وأن الشيخ ما ذكر التمام في المتن.

طالب:...

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ}[الأنفال:2] يعني مركبة من ثلاث جُمل، الجملة الأخيرة {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2]، المقصود أن قول الشيخ –رحمة الله عليه- :"تفسير الآية في آخرها" هل هو في آخر الآية أو في آخر السورة؟ ظاهر الكلام أنه في آخر الآية، أنه في آخر الآية، لكن بعض الشُّراح قالوا إنه في آخر السورة، والمراد في قوله –جل وعلا-{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:64].

طالب:...

أين؟

طالب:...

تفسير الآية، تفسير آية الأنفال، ثم قال: تفسير الآية؛ إعادة...

طالب:...

الضمير يعود إلى المضاف أو إلى المضاف إليه؟ في آخرها.

طالب:...

يعني في آخر السورة؟

طالب:...

الآية، يعني إذا أُعيدت النكرة معرفة ماذا تصير غيرها أم هي؟

طالب: هي.

هي، {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ}[المزمل:16] الرسول الثاني هو الرسول الأول؛ لأن النكرة إذا أعيدت معرفة صارت هي، وهناك قال: "تفسير آية الأنفال"، ثم قال: "تفسير الآية في آخرها" هي، هذا من حيث التركيب، لكن عندنا أيضًا في آخرها الضمير يعود على إيش؟

طالب:...

على ماذا؟

طالب:...

يعني إذا كان عندك مضاف ومضاف إليه وأعيد عليه ضمير، يعود على المضاف أو على المضاف إليه؟

طالب: بحسب القرائن.

بحسب القرائن.

طالب:...

في آخرها، في آخرها.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

يعني تفسير الآية في آخرها، يعني في آخر السورة، لكن إعادة الضمير على متضايفين يعود إلى المضاف أو إلى المضاف إليه؟ {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو} [الرحمن:27] رجع إلى إيش؟ إلى المضاف وهو الوجه، {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي} [الرحمن:78] عاد إلى إيش؟ إلى المضاف إليه، وعلى هذا أهل العلم ما يذكرون قاعدة مطردة، ما يذكرون في مثل هذا قاعدة مطردة، فالآية الأولى أعاد فيها الضمير إلى المضاف، والآية الثانية أعاد فيها الضمير إلى المضاف إليه، وعلى كل حال الشُّرّاح يقولون: المقصود آخر السورة.

طالب:...

هي، هم ذكروها. وهي التي بعدها.

طالب:...

لكن التركيب بهذا الطريقة مُشكل يحتاج إلى علاج، والحمد لله كل شيء واضح.

"الخامسة تفسير آية الطلاق" {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} يعني كافيه.

 "السادسة: عظم شأن هذه الكلمة" حسبنا الله ونعم الوكيل، من أين جاء عظم شأن هذه الكلمة؟ كون الخليلين ذكراها في الظروف أو في أصعب الظروف، "قالها إبراهيم حينما ألقي في النار، وقالها محمد –عليه الصلاة والسلام- حينما قيل له: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173]".

"السابعة: أنها قول إبراهيم ومحمد –صلى الله عليهما وسلم- في الشدائد" بعض الناس يظنها دعاءً، فإذا قيل له: حسبي الله عليك يتأثر ويقول: تدعو علي؟ والمقصود منها أن الله يكفيني شرك، يكفيني، حسبي يكفيني، فيها تشم رائحة دعاء؟ نعم يا شيخ؟

طالب:...

الذي وراك.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

لكن يقول: حسبي الله عليك؛ لأنه ظلمه أو اعتدى عليه.

طالب:...

في كفايتي من شره.

طالب:...

لكن الناس يستعملونها استعمالاً عرفيًّا على أنها دعاء، على أنها دعاء، وهي الطلب من الله– جل وعلا- أن يكفيه شر هذا الشخص. ويدفع عنه ما أراده به من سوء.

طالب:...

إذا حصلت الكفاية من شره، إذا حصلت الكفاية من شره فهذا المطلوب، وهل الكفاية من الشر الماضي أو الشر المستقبل؟

طالب:...

إذا قال: حسبي الله عليك يكفيني شرك في المستقبل.

طالب:...

الاعتماد على الله –جل وعلا- في جلب ما ينفع ودفع ما يضر، مع بذل الأسباب المعينة والمساعدة على ذلك، الاعتماد على الله –جل وعلا- في جلب ما ينفع ودفع ما يضر، مع بذل الأسباب المعينة على ذلك.

يعني في كتب الصوفية أشياء وحكايات وغرائب تناقض هذا الباب مناقضة بالكلية، ويزعمون عن بعض أقطابهم ورؤسائهم أنهم يقومون بالدور الكامل الذي لا يقوم به إلا الله، ويزعمون أن بعضهم يُدبر الكون، وهذا الكلمة متداولة بينهم. ابن بطوطة في رحلته مرّ بشيخ وهو صوفي، ويتتبع الشيوخ على ما قال، مرّ بشيخ فأعطاه جُبّة فأعطاه جُبّة والجو معتدلة ما يحتاج إلى جُبّة، بعد أن مشى مسافة أصابه برد، فاحتاج إلى هذه الجُبّة، فلبسها ثم مرّ بآخر فقال له: أتعجب من الشيخ ويعطيك الجُبّة وأنت لا تحتاجها؟ ما الذي حصل فيما بعد؟ قال: احتجتها، قال: لا يعجب من تصرفه هذا السهل البسيط، إنه يُدبر الكون. نسأل الله العافية. الشيخ الثاني يزعم أن الذي قبله يُدبر الكون، مسألة مسألة جُبّة أعطاه إياه ولبسه. الله المستعان.

طالب:...

هو دعاءٌ لنفسه بأن يكفيه الله شر هذا الإنسان، وإذا كان كفاية شره ودفع ضرره بما يضره لا شك أنه دعاء، وإذا كان مجرد كفّ شر يحتمل أن يكون هذا وذاك، والأمر سهل يعني.

لابن القيم كلام جميل جدًّا في عود الضمير في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:64] فنسمعه.

"قال ابن القيم –رحمه الله تعالى- في زاد المعاد: وقال تعالى: {{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:64] أي الله وحده كافيك وكافي أتباعك، فلا يحتاجون معه إلى أحد، وهنا تقديران: أحدهما: أن تكون الواو عاطفة لمن على الكاف المجرورة، ويجوز العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار على المذهب المختار، وشواهده كثيرة، وشبهة المنع فيه واهية، والثاني: أن تكون الواو واو مع، وتكون من في محل نصب عطفًا على الموضع، فإن حسبك في معنى كافيك، أي الله يكفيك، ويكفي من اتبعك، كما تقول".

إذا قلنا الواو للمعية كان التقدير: حسبك الله مع أتباعك يعني كافيك وكافي أتباعك.

"كما تقول العرب: حسبك وزيدًا درهم".

يعني يكفيك أنت وزيد ًا درهم واحد يكفيك.

"قال الشاعر:

إذا كانت الهيجاء انشقت العصا             فحسبك والضحاك سيف مهند"

والضحاكَ.

"فحسبك والضحاكَ سيف مهند".

يكفيك ويكفي الضحاك.

"وهذا أصح التقديرين، وفيها تقدير ثالث أن تكون من في موضع رفعٍ بالابتداء، أي: ومن اتبعك من المؤمنين فحسبهم الله، وفيها تقدير رابع: وهو خطأ من جهة المعنى، وهو أن يكون من في موضع رفع عطفًا على اسم الله، ويكون المعنى: حسبك الله وأتباعُك. وهذا وإن قال به بعض الناس فهو خطأ محض، لا يجوز حمل الآية عليه؛ فإن الحسب والكفاية لله وحده، كالتوكل والتقوى والعبادة قال الله تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:62]، ففَرّقَ بين الحسب والتأييد، فجعل الحسب له وحده، وجعل التأييد له بنصره وبعباده، وأثنى الله –سبحانه- على أهل التوحيد والتوكل من عباده، حيث أفردوه بالحسب، فقال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173]، ولم يقولوا: حسبنا الله ورسوله، فإذا كان هذا قولهم ومدح الرب تعالى لهم بذلك، فكيف يقول لرسوله: الله وأتباعك حسبك؟! وأتباعه قد أفردوا الرب تعالى بالحسب، ولم يشركوا بينه وبين رسوله فيه، فكيف يُشرِكُ بينهم وبين".

يُشَرِّكُ.

أحسن الله إليك، "فكيف يُشَرِّكُ بينهم وبينه في حسب رسوله؟ هذا من أمحل المحال، وأبطل الباطل، ونظير هذا قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة:59].

 فتأمل كيف جعل الإيتاء لله ولرسوله كما قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7]، وجعل الحسب له وحده فلم يقل: وقالوا حسبنا الله ورسوله، بل جعله خالص حقه، كما قال تعالى: {إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ}، ولم يقل: وإلى رسوله، بل جعل الرغبة إليه وحده، كما قال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ. وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح7:8]، فالرغبة والتوكل والإنابة والحسب لله وحده، كما أن العبادة والتقوى والسجود لله وحده، والنذر والحلف لا يكون إلا له سبحانه وتعالى.

 ونظير هذا قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر:36] فالحسب هو الكافي، فأخبر سبحانه وتعالى أنه وحده كافي عبده، فكيف يجعل أتباعه مع الله في هذه الكفاية؟ والأدلة الدالة على بطلان هذا التأويل الفاسد أكثرُ من أن تذكر هنا، والمقصود أن بحَسْب.

بحَسَب.

"والمقصود أن بحَسَب متابعة الرسول تكون العزة والكفاية والنصرة، كما أن بحسب متابعته تكون الهداية والصلاح والنجاح، فالله سبحانه علّق سعادة الدارين بمتابعته وجعل شقاوة الدارين في مخالفته، فلأتباعه الهدى والأمن والفلاح، والعزة والكفاية والنصرة والولاية والتأييد، وطيب العيش في الدنيا والآخرة، ولمخالفيه الذلة والصغار والخوف والضلال والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة، وقد أقسم –صلى الله عليه وسلم- بأن لا يؤمن أحد حتى يكون هو أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، وأقسم الله سبحانه بألا يؤمن من لا يُحكِّمه في كل ما تنازع فيه هو وغيره".

انتهى الكلام؟

كأنه انتهى.

طالب:...

يعني إذا كان تحت ولاية الإنسان أُناس لا يقومون بأنفسهم، وهو ينفق عليهم ويربيهم، هل نقول: هو حسبهم؟ يعني كافيهم؟ سؤال.

طالب:..

قلبي.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

الإشكال أن كثيرًا من الناس توكلهم على المخلوق، وهذا ظاهر يدركه الإنسان من نفسه، يعني في الشدائد والأزمات تجد إذا أراد المضي في المسألة، تجده يذهب إلى فلان وعلان، ويبذل الوسائط، ويسعى، ويبذل الجهد بأسباب من المخلوقين، مع أنه ما يُمنع من بذل الأسباب، لكن الأمر كله بيد الله، والله المستعان.

طالب:...

التوكل، التوكل إذا كان قصده التوكيل في أمور الدنيا فهذا شيء ظاهر ما فيه إشكال، لكن أصل التوكل على الله –جل وعلا- {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:23]، والفرع الذي يحتمله المعنى الأخير ما فيه إشكال، الوكالات والتوكيل وهذا والنبي –عليه الصلاة والسلام- وكَّل.

 اللهم صل على محمد.

طالب:...