بلوغ المرام - كتاب الصيام (3)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

في آخر الدرس الماضي تكلمنا عن أحاديث الحجامة وفي الباب ذكر الحافظ ثلاثة أحاديث، حديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو محرم. واحتجم وهو صائم. وهذا الحديث مخرج في الصحيح، وخرج أيضاً حديث شداد بن أوس ذكره الحافظ بن حجر في كتابه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)). وهذا الحديث عند أحمد وأصحاب السنن وهو مصحح من قبل جمع من أهل العلم، هذان الحديثان تكلمنا فيهما وعرفنا مواقف أهل العلم وأن الجمهور يرون أن حديث ابن عباس ناسخ لحديث شداد، وعلى هذا عامة أهل العلم، حديث ابن عباس متأخر؛ لأنه جاء في بعض طرقه ما يدل على أنه في حجة الوداع، وحديث شداد بن أوس في عام الفتح، فهو متأخر عنه، ولذا قرر جمهور أهل العلم ونص على ذلك الإمام الشافعي، رأى أنه ناسخ، وأيدوا النسخ بحديث أنس وهو الحديث الثالث في المسألة، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: ((أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمرّ به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذان، ثم رخّص النبي -صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم)). [رواه الدارقطني وقواه]. الدارقطني يقول رجاله كلهم ثقات ولا أعلم له علة. لكن حكم جمع من أهل التحقيق بضعفه، وأنه منكر. يبقى في المسألة حديث ابن عباس وحديث شداد، هما أقوى ما في المسألة. حديث ابن عباس أقوى الحديثين؛ لأنه مخرج في الصحيح، فمن رجح بالقوة وهو قول الجمهور رأى أن الحجامة لا تفطر الصائم، من رأى أن حديث ابن عباس ماش جارٍ على الأصل وحديث شداد ناقل عن الأصل علماً بأن حديث ابن عباس ليس فيه أكثر من أنه -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو صائم، لكن هل استمر في صومه؟ أو أفطر؟ الذين يقولون بالقول الثاني كالحنابلة يقولون ليس فيه ما يدل على أن الحجامة لا تفطر، أكثر ما في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو صائم، لكن ليس فيه أنه استمر في صومه، فيه جواز الحجامة للصائم. وهل هذا الصيام نفل؟ والمتطوع أمير نفسه يحتجم إن شاء، كما أن له أن يأكل إذا شاء، أو هذا الصيام واجب واحتاج إلى الحجامة، كما أن المريض له أن يفطر بالأكل والشرب في رمضان عند الحاجة إلى ذلك، المقصود أن كلاً من الدليلين يعتريه ما يعتريه من أجوبة الفريق الذي لا يستدل به؛ فالحنابلة أجابوا عن حديث ابن عباس بأنه فيه إثبات للحجامة أثناء الصيام، لكن ليس فيه ما يدل على الاستمرار في الصيام. وحديث شداد بن أوس أجاب عنه الجمهور بأنه منسوخ، ومنهم من قال أن معنى قوله: في حديث شداد: ((أفطر الحاجم والمحجوم)). أنه آل أمرهما إلى الفطر. أو يؤول أمرهما إلى الفطر. بمعنى أن الحاجم احتمال أن ينساب إلى جوفه شيء من هذا الدم الذي يمصّه الحاجم، والمحجوم احتمال أن يؤول حاله إلى الفطر؛ لأنه يضعف باستخراج الدم؛ فالمسألة مسألة مآل، هذا كلام من لا يحتج بهذا الحديث على أساس أن الحجامة تفطر الصائم، وللطرف الآخر أن يقول هذه مظنة للفطر، مظنة للفطر كون الشخص حاجم أو محجوم مظنة للفطر، وقد تنزل المظنة منزلة المئنة كما يقولون، كما أن النائم ينتقض وضوءه والأصل أن الناقض ما يخرج أثناء النوم وليس النوم نفسه، بدليل أن النوم إذا لم يكن مستغرق لا ينقض الوضوء، فهو مظنة للنقض، وكذلك الحجامة مظنة للنقض نزلت منزلة الناقض، وأخذت حكمه، لكن لو افترضنا أن حاجماً احتجم بالآلات الحديثة بحيث لا يباشر مص الدم، ينطبق عليه الحديث أو لا ينطبق؟ هو حاجم على كل حال، هو حاجم على كل تقدير، لكن المظنة التي علق عليها الحكم لا توجد، وقد يوجد في المحجوم من القوة وغزارة الدم بحيث لا تؤثر فيه الحجامة؛ فالمسألة مبناها على غلبة الظن، وغلبة الظن أن الحاجم يفطر بما ينساب في جوفه وأن المحجوم يفطر بسبب الضعف الذي يعتريه من جراء الحجامة. والأصل أن الإنسان صام بيقين، فلا يرفع حكم هذا الصوم بمجرد كون المذكور مظنة؛ لأن الأمر مشكوك فيه، هل يؤول أمره إلى الفطر أو لا يؤول؟ كما أن العمل المرهق يؤول بصاحبه إلى الفطر، يعني شخص يعمل طول النهار في أيام الصيف وهو صائم. هذا يؤول به الأمر إلى الفطر، فهل نقول أن مثل هذا يفطر؟ لكن هذا يختلف عما ورد فيه النص، وحديث شداد مصحح عند جمع من أهل العلم وإن لم يكن في الصحيحين، فالمسألة ينتابها ما ذكرت، والجمهور على أن الحجامة لا تفطر، وأن حديث شداد بن أوس منسوخ بحديث ابن عباس، والحنابلة لهم ما يدللوا لقولهم، ولا شك أن الاحتياط أن لا يحتجم الصائم أثناء صومه، بل يؤخر الحجامة إلى الليل بقدر الإمكان، إذا اضطر إليها ورأى أن يصوم يوماً مكانه من باب الاحتياط، فالأمر فيه سعة، وإلا فالجمهور على أن الحجامة لا تفطر، في حكم الحجامة التبرع بالدم تبرع بالدم في حكم الحجامة لأنه دم كثير مؤثر على الصائم، وأما ما يؤخذ من الدم الشيء اليسير من أجل التحليل ونحوه فإن هذا لا أثر له، معفو عنه، والغسيل الذي يستعمله من أصيب بالفشل هذا استخراج للدم وإضافة بعض المواد عليه ثم إعادته، فهو مفطر بخروجه عند من يقول بالفطر بالحجامة وبدخوله عند من يقول أن الفطر إنما يكون مما دخل لا مما خرج، فهو مفطر على الوجهين، إضافةً إلى أنه مضاف إلى الدم مواد منظفة ومنقية، أما حديث أنس -رضي الله عنه- قال: ((أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمرّ به النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: أفطر هذان ثم رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد بالحجامة للصائم وكان أنس يحتجم وهو صائم)). هذا قواه الدارقطني، وهو إمام حافظ ناقد لكن حكم عليه جمع من أهل التحقيق بأنه منكر، لكن هل يرجّح إذا تكافئت الأدلة بمثل هذا؟ يرجح بالضعيف إذا تكافئت الأدلة؟ على القول بضعفه، ابن القيم -رحمه الله تعالى- يرى أن الضعيف لا يعمل به البتّة. لكن إذا وجد في المسألة قولان متساويان من كل وجه أو وجد في حديثٍ أو في نصٍ من النصوص وجد احتمالان متساويان من كل وجه فإنه لا مانع من الترجيح بالضعيف، ونص على ذلك في تحفة المودود. الحديث الذي يليه وهو الاكتحال بالنسبة للصائم شرحناه بالأمس وهو ضعيف. والعين ليس بمنفذ إلى الجوف، وإن وجد طعم الكحل أو القطرة أو العلاج في الحلق كما يوجد من يطأ الحنظل بقدمه يجد طعمه في حلقه، وهذا ليس بمنفذ حقيقي بخلاف الأنف والفم، الأنف منفذ ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)). ودل على أن الأنف منفذ. والآن الأنف يستعمل للتغذية بواسطة أنابيب تدخل مع الأنف توصل إلى الجوف وهو منفذ بلا شك، وتعرضنا أمس لمسألة وهو أنه -عليه الصلاة والسلام- نص على الاستنشاق ولم ينص على المضمضة، قال: ((بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)). ولم يقل بالغ في المضمضة إلا أن تكون صائماً. فهل نبالغ في المضمضة؟ لأن الفم هو المنفذ الحقيقي فهي أولى بعدم المبالغة؟ أو نبالغ ولا نتردد في المبالغة ويختلف الفم عن الأنف باعتبار أن الفم يمكن التحكم فيه بخلاف الأنف؟ هذه مسألة أثرناها بالأمس، ولا شك أن الأنف لا يمكن التحكم فيه؛ لأنه منفذ مفتوح، بخلاف الفم فيمكن إدارة الماء في الفم من غير أن ينساب منه شيء إلى الجوف، وعلى كل حال على الصائم لا سيما في صيام الفرض أن يحتاط لصومه.

أنا أقول من باب الاحتياط يتقيه الصائم وإلا فإبطال الصوم الثابت بيقين يحتاج إلى حجةٍ ملزمة، وحديث ابن عباس أرجح.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين:

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه)). [متفق عليه].

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: أكمل أكمل.

وللحاكم: ((من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة)) وهو الصحيح.

يقول المؤلف -رحمة الله تعالى عليه-، وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب -حال نسيانه- فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)). وللحاكم: ((من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة)). الرواية الأولى التي ساقها المؤلف المتفق عليها: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب)) يعني من أفطر ناسياً بالأكل والشرب يعني دون الجماع، ((فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه))، الرواية الثانية تدل على أن من أفطر بأي مفطر بما في ذلك الجماع ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة، يعني من أفطر يلزمه القضاء والكفارة، لكن من نسي فأكل ليس فيه تنصيص على الفطر الرواية الأولى، لكن الرواية الثانية: من أفطر، كيف يقول من أفطر فلا قضاء ولا كفارة من أفطر يلزمه القضاء، إذا أثبتنا أنه أفطر، لكن الرواية مؤولة بأنه أكل، يعني شابه المفطرين بالأكل والشرب والجماع، ودلالة الرواية الثانية على الجماع ظاهرة؛ لأنه نفى الكفارة ولا كفارة إلا في جماع. من نسي النسيان وهو الذهول وعزوب الشيء عن الذهن حال كونه صائماً فأكل أو شرب فليتم صومه، يعني ما زال صائماً، صومه ما زال سارياً فإنما أطعمه الله وسقاه، هذه العلة من نسي والقاعدة العامة في النسيان أنه لا مؤاخذة فيه، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا. فالإثم مرتفع على كل حال، لكن هل يعفى عن المنسي مطلقاً؟ أو منه ما يعفى عنه ومنه ما يلزم الإتيان به، ولو ترك أو فعل ناسياً، القاعدة عند أهل العلم أن النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود، إيش معنى هذا الكلام؟ هذا نسي وأكل وشرب الأكل والشرب موجود، النسيان ينزله منزلة المعدوم، لكن لو نسي وترك، نسي النية مثلاً، هل نسيانه ينزل المعدوم منزلة الموجود؟ هل يمكن أن يقال ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا في مثل هذا. ولذا أخطأ من قاس، من نسي وأكل وشرب فإنه يفطر مثل من نسي ركن من أركان الصلاة، بعض المذاهب عند المالكية على وجه الخصوص يقول أن من نسي وأكل وشرب لا يأثم لكن يلزمه القضاء، كما أن من نسي ركن من أركان الصلاة يلزمه الإتيان به، نقول الفرق بينهما أن هذا موجود فالنسيان ينزله منزلة المعدوم كمن زاد خامسة في الصلاة، وذاك معدوم؛ فالنسيان لا ينزله منزلة الموجود كمن صلى الظهر ثلاثاً ناسياً، لا بد أن يأتي برابعة، الفرق ظاهر وإلا ما هو ظاهر، هم يقولون ركن الصيام الإمساك وهذا ما أمسك، فلم يأتِ بهذا الركن كمن ترك ركعة أو ركوع أو سجدة من الصلاة لا بد أن يأتي به، نقول الفرق بينهما أن هذا موجود وذاك معدوم، والنسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم كأن لم يوجد بخلاف المعدوم فإنه لا ينزله منزلة الموجود، من نسي وهو صائم فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه. بهذا أخذ جمهور أهل العلم على من أكل وشرب ناسياً فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة؛ لأنه ناسي، والأكل والشرب إيجاد، والإيجاد ينزله النسيان منزلة المعدوم، والحديث صحيح وصريح في ذلك، ويرى المالكية أنه عليه القضاء لكن لا كفارة عليه، بخلاف من أكل أو شرب عامداً فإنه عليه القضاء والكفارة كالجماع، وللحاكم: ((من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة))، من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة. من أهل العلم من يفرق بين الفطر حال النسيان، بين الأكل والشرب والجماع، فيقول الأكل والشرب يتصور فيه النسيان، أما الجماع لا يتصور فيه النسيان، ولذا يفرق بينهما عند جمع من أهل العلم، الذين يقولون النسيان لا يؤثر، الفطر مع النسيان لا يؤثر يفرقون بين الأكل والشرب والجماع فيقولون الجماع لا يمكن نسيانه، يعني شخص في رمضان ما يستحضر أن الجماع يفطر؟ يستبعد هذا، كما أنهم فرقوا في مسألة الإكراه بالنسبة للرجل، يقولون لا يتصور إكراهه على الزنا، لا يتصور إكراه الرجل على الزنا بخلاف المرأة؛ لأنه إذا أكره لا ينتشر، بخلاف المرأة، وهنا يقولون: لا يتصور من صائم لا يتصور منه أن يجامع، أو لا يدرك أن الصيام أو يعزب عن باله ويغيب عن باله أن الجماع مفطر؟ وعلى كل حال الجادة أن يكون الحكم واحد، الأكل والشرب والجماع حكمها واحد، وبهذا قال أكثر من يعذر بالنسيان، ورواية الحاكم كالصريحة في إرادة الجماع لأنه قال: ولا كفارة. ولا كفارة إلا بجماع. ما دام نفيت الكفارة فهم من ذلك أن الجماع لا قضاء فيه ولا كفارة. بعض الناس الذين ما تعودوا الصيام تجده باستمرار، يعني يأكل في اليوم مرات، كما جاء شخص لأبي هريرة وقال له: كنت صائماً فنسيت فأكلت، قال: "إنما أطعمك الله وسقاك". ثم جاءه ثانياً قال: دخلت على قوم فأكلت. قال: "إنما أطعمك الله وسقاك". ثم دخلت على قوم فأكلت قال: "أنت شخص لم تتعود الصيام". ومع ذلك صيامه صحيح ما دام ناسياً، ومع هذا من رأى شخصاً يتناول المفطر في رمضان هل يقال له مثل صاحب الميزاب لا تخبرنا يا صاحب الميزاب اتركوه إنما أطعمه الله وسقاه؟ نقول لا هذا الظاهر منكر، ظاهره منكر، رجل يأكل ويشرب في رمضان فيجب الإنكار عليه، وإلا لتذرع بذلك كثير من الفساق، كثير من الفساق يتذرع بهذا إذا ذكر قال والله نسيت، وعلى هذا لا بد من الإنكار عليه، المقصود أن من أكل أو شرب أو جامع ناسياً فلا شيء عليه صيامه صحيح ولا قضاء ولا كفارة، والجادة واحدة، والنسيان مرفوع الإثم والتبعة، لا سيما في الإيجاد، أما في العدم فلا بد من الإتيان بما عدم نسياناً، على ما ذكرنا.

وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء)) [رواه الخمسة وأعله أحمد وقواه الدارقطني].

يقول المؤلف -رحمة الله عليه- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ذرعه القيء -أي سبقه وغلبه- فلا قضاء عليه)). ذرعه يعني سبقه وغلبه، نعم مع كثرة الأكل وزيادته تجد كثير من الناس في صلاة الفجر بعد السحور يحصل لهم شيء من هذا، وفي صلاة العشاء والتراويح قد يحصل لهم هذا يسبقهم، لكن من باب الاحتياط للعبادة لا تكثر، لئلا تتسبب في مثل هذا، بعض الناس مبتلى بسعةٍ في فم المعدة، إذا ركع وإلا سجد لا بد أن يخرج شيء ثم إذا رفع عاد، فما الحكم؟ وهو صائم؟ هذا موجود عند بعض الناس، يصير سعة في فم المعدة إذا ركع خرج منه شيء، ثم إذا رفع عاد، لكنه إذا وصل الفم يستطيع أن يتحكم فيه، فمثل هذا إذا كان يستطيع أن يتحكم فيه يلزمه أن يمجّه، وأن يقذفه ويخرجه من فمه بأي طريقة، فإن عاد وهو صائم أفطر، إذا لم يتمكن من ذلك، إذا لم يستطع حاول أن يمجّه ما استطاع، فهذا حكمه حكم المغلوب، من طار إلى حلقه ذباب أو غبار أو ما أشبه ذلك هذا مغلوب، لا يستطيع الاحتراز منه، ((من ذرعه القيء فلا قضاء عليه))؛ لأنه غلبه من غير قصدٍ منه، ((ومن استقاء)) يعني استدعى وطلب القيء فعليه القضاء؛ لأن القيء مفطر عند جمع من أهل العلم، حتى نقل ابن المنذر الإجماع على أن تعمد القيء يفطر الصائم. ابن المنذر نقل الإجماع على أن تعمد القيء يفطر الصائم. لكن جمع من أهل العلم لا يرون أنه يفطر وإنما الفطر مما دخل لا مما خرج، وهذا ذكره الإمام البخاري معلقاً في صحيحه الفطر مما دخل لا مما خرج، والوضوء بالعكس، لكن هذا القول لم يسلّم طرداً ولا عكساً، لم يسلم طرداً ولا عكساً. الذي يقول بأن الحجامة تفطر يقول خرج، الذي يقول أن القيء يفطر يقول يفطر بما خرج، والذي يقول أن أكل لحم الجزور ينقض الوضوء ينقض الشق الثاني من القول، فالقول غير مسلم طرداً ولا عكساً، ((ومن استقاء فعليه القضاء)) على كل حال الحديث صححه بعض العلماء، الدارقطني يقول: رواته كلهم ثقات، والحاكم يقول: صحيح على شرط الشيخين. والبخاري يقول: لا أراه محفوظاً. ولا يصح إسناده وإن روي من غير وجه وأنكره أحمد لكن الحديث قابل للاحتجاج، قابل للتحسين، وعلى هذا إذا تعمّد القيء، طيب من ذرعه القيء هذا مغلوب، لا يفطر لكن من استقاء يعني طلب القيء؟ وهذا أعم من أن يكون يستجيب له القيء فيخرج أو لا يستجيب فلا يخرج؛ لأن بعض الناس يطلب يستقيء يطلب القيء فلا يخرج منه شيء، هذا يفطر وإلا ما يفطر؟ من استقاء يعني النص يتناول ما إذا خرج منه وما إذا لم يخرج منه، يفطر من أي وجه؟ لماذا يفطر؟ لأنه نوى الفطر، ومن نوى الإفطار أفطر، لكن افترض أن شخصاً لا يعرف هذا؟ لا يعرف أن من نوى الإفطار أفطر، فاستقاء ولم يخرج منه شيء يفطر وإلا ما يفطر؟ لأن الفطر في هذا معلق بالقيء، بدليل من ذرعه القيء فالمسألة كلها تدور على القيء، والقيء خروج الطعام من المعدة، ومن استقاء يعني فخرج منه القيء طلب خروج القيء فخرج منه فإنه يفطر، فعليه القضاء، يعني واضحة أصل المسألة ظاهر وإلا مو بظاهر؟ لأن من استقاء استدعى القيء طلب القيء؟ طيب هذا القيء استدعاه هذا الشخص، فعليه القضاء، لا يخلو إما أن يكون بعد الاستدعاء أن يستجيب له فيخرج أو لا يستجيب فلا يخرج، هل نقول مثل ما لو عرض نفسه على الدورة وهو متوضئ ولم يخرج منه شيء وضوؤه ثابت ما فيه شيء ما انتقض، ما خرج منه ناقض، وهنا ما خرج منه مبطل للصوم، هل نقول هذا مثله وإلا..؟ أو يختلف؟ يختلف من أي وجه؟

طالب: .........

لا، هذه أبطلت القاعدة هذه نقضت طرداً وعكساً.

طالب: ... استقاء أي خرج منه...

هو استقاء طلب القيء فعليه القضاء.

طالب: لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إن خرج أو لم يخرج فـ ...

لكن الحديث كله مداره على القيء بدليل أن من ذرعه القيء لا شيء عليه، طيب من استقاء يعني طلب القيء يعني ظاهر النص أنه فخرج منه شيء، يبقى أنه إذا لم يخرج منه شيء وقد طلب القيء إن كان يعرف أن القيء مفطر فقد نوى الإفطار ويكون أفطر من هذه الحيثية، أنه نوى الإفطار إذا كان لا يعرف أن من نوى الإفطار أفطر وقال أبداً مثلما لو عرضت نفسي على الدورة وما خرج شيء الوضوء صحيح، وذكرنا بالأمس أن النية أثرها بعد الفراغ من العبادة يختلف عن أثرها في أثناء العبادة؛ لأن من عرض نفسه على الدورة إن كان بعد فراغه من العبادة ولم يحدث منه ما ينقض وضوءه؛ فالوضوء صحيح ثابت ما انتقض، لكن لو غسل وجهه ويديه وبقي عليه مسح الرأس وغسل الرجلين وعرض نفسه على الدورة نقول له لا بد أن تعيد فسد وضوءك خلاص؛ لأنه يشترط استصحاب حكم النية؛ لأنك في أثناء العبادة، والصائم في أثناء العبادة هذا أشرنا له بالأمس مع النية، فهذا الذي استقاء نوى الإفطار، إذا كان ممن يرد على ذهنه أن من نوى الإفطار أفطر، وإلا من لا يخطر على باله مثل هذا الحكم يفطر وإلا ما يفطر؟ لا سيما ولم يخرج منه شيء، لم يخرج منه مفطر، وهو القيء. أن افترض شخص ذهب إلى المستشفى ليتبرع طلب منه قريبه أو صديقه التبرع بالدم، وذهب للمستشفى وجلس على السرير ومد يده علشان إيش؟ يستخرجوا منه الدم، قالوا أنت اكتفينا، يفطر وإلا ما يفطر؟ هو يعرف أن التبرع مفطر، يعرف أن التبرع مفطر، ومثل على السرير ومد يده وركبوا السيور وقبل .. قالوا اكتفينا، مثل هذا نوى الإفطار، وبذل الأسباب للإفطار، فهل يتجه القول بفطره، هذا نوى الإفطار، وعند أهل العلم أن من نوى الإفطار أفطر، وهذا الذي استدعى وأدخل أصابعه في فمه أو حاول تقيأ هذا نوى الإفطار فهو مفطر من هذه الحيثية، ولو لم يخرج منه شيء.

طالب:........

الذي لا يرى أن القيء مفطر لا يرى أن القيء مفطر، وكان من أهل النظر وتحرر عنده أن القيء هذا لا يدخل في الخلاف، لا يدخل في أصل المسألة، الجاهل إذا سأل من تبرأ ذمته بتقليده بحسب ما يفتى، إن أفتاه من يرى التفطير فطّره وإن أفتاه من لا يرى التفطير ما أفطر؛ لأنه يتبع من يقلد.

طالب:........

في فرق؟ لا شك أن العزم أقوى من مجرد الهم، كما أن الهم أقوى من مجرد حديث النفس، وحديث النفس أقوى من الهاجس، والهاجس أقوى من الخاطر، فالمراتب مراتب القصد متفاوتة، لكن العزم فيه بذل للأسباب، هذا عازم، شغل السيارة وراح للمستشفى مسافة عشرين ثلاثين كيلو تهيأ للتبرع ثم قيل له في آخر لحظة والله اكتفينا، هل يقال أن مثل هذا التردد أو هذا الهم وهذا البذل أنه لدمه موقوف على قبولهم له، يعني إن قبلوه وإلا رجعت؟ لأنه يقول بروح المستشفى أبي أتبرع قريبي بأمس الحاجة أو صديقي أو مسلم تتوقف صحته على هذا الدم بتبرع ولن أتأخر إلى الليل لكن إن كان اكتفوا من دوني فأنا صائم، التردد مثل هذا التردد يؤثر في الصيام؟

طالب:......

على حسب غلبة الظن، إن كان يغلب على الظن أنهم يحتاجونه فمثل هذا مؤثر؛ لأن الأحكام تبنى على غلبة الظن، وإن كان يغلب على ظنه أنهم لا يحتاجونه فإنه لا يؤثر.

وعن جابر بن عبد الله..

الأحاديث طويلة وكل حديث كثيرة ونحتاج إلى أن ننهيها إن شاء الله تعالى.

وعن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- ((أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس ثم دعا بقدحٍ من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه، فشرب ثم قيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام فقال: ((أولئك العصاة أولئك العصاة)). وفي لفظٍ قيل له: إن الناس قد شقّ عليهم الصيام وإنما ينتظرون فيما فعلت. فدعا بقدحٍ من ماء بعد العصر فشرب)). [رواه مسلم].

وعن حمزة بن عمرو الأسلمي -رضي الله عنه- أنه قال: يا رسول الله: ((إني أحد فيّ قوةً على الصيام في السفر فهل عليّ جناح؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه)). [رواه مسلم وأصله في المتفق عليه من حديث عائشة أن حمزة بنَ عمروٍ سأل].

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- ((أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس))، خرج عام الفتح لعشرٍ خلون من رمضان لفتح مكة فصام -عليه الصلاة والسلام- يعني من خروجه إلى أن بلغ كراع الغميم، وهو وادٍ أمام عسفان، وفي بعض الروايات: ((حتى بلغ عسفان))، وفي رواية: ((حتى بلغ الكديد))، وهي أماكن متقاربة، يشملها عسفان والبقية من أعماله، فالاختلاف لما بلغ كراع الغميم فصام الناس، الآن صيامه هذا -عليه الصلاة والسلام- ابتدأ من المدينة وكراع الغميم وعسفان على مراحل من المدينة، ثلاث مراحل من المدينة، إذاً صيامه هذا في اليوم الذي شرع فيه في صيامه من المدينة أو في يومٍ شرع فيه الصيام من في السفر؟ الآن هذا اليوم الذي أفطر فيه لما بلغ كراع الغميم بدأ في صيامه بالمدينة؟ أو بدأ صيام هذا اليوم من السفر، في أثناء السفر؟

طالب: صام هذا اليوم في السفر..

في أثناء السفر؟

طالب: ...عندما خرج عنه في الفتح إلى مكة في رمضان فصام..

يعني من باب أولى الأيام التي قبله صام؛ لأن هذه المسألة ثلاث مراحل تحتاج إلى أيام، شرع في الصيام بالمدينة، وأكمل في السفر اليوم الأول والثاني ثم أنشأ الصيام في اليوم الثالث في السفر ثم أفطر لما بلغ كراع الغميم، نحتاج هذا الكلام لماذا؟ لماذا نحتاج مثل هذا الكلام، وش الفرق بين أن يبدأ الصيام في السفر أو يبدأه في الحضر؟

طالب:.......

لأن من أهل العلم من يرى أنه إذا شهد أول اليوم في الحضر ليس له أن يفطر، ومنهم من يرى أنه إذا صام أول النهار في الحضر ثم تلبس بالسبب المبيح للفطر له أن يفطر، سواء ابتدأ الصيام في السفر أو في الحضر، لا فرق. فنحتاج لمثل هذا التفصيل لمعرفة منشأ القولين، من كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدة. أولاً في الحديث ما يدل على الصيام في السفر، وصام النبي -عليه الصلاة والسلام- في السفر، وصام الصحابة في السفر، بصحبته -عليه الصلاة والسلام-، وكان منهم الصائم ومنهم المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم. فالصوم في السفر صحيح، خلافاً لمن أبطله، وقال إنه لا يجزئ لأن الله تعالى يقول: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ} [(184) سورة البقرة]. يعني يلزمه عدة، وإذا لزمته العدة هل يجمع بين البدل والمبدل منه؟ يلزمه البدل، لكن إذا لزم البدل هل يجمع بينه وبين ما أبدل منه، لا على قولهم، لكن الجمهور يقدرون في الآية يقولون: فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فأفطر فعدة من أيام أخر. فالواجب عليه عدة من أيام أخر. فلا يجب عليه عدة إلا إذا أفطر، وهذا التقدير لا بد منه بدلالة الأحاديث الصحيحة الصريحة، وأنه لا يلزمه عدة من أيام أخرى إلا إن أفطر. ((خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس))، يعني صام الناس معه ((ثم دعا بقدحٍ من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب فقيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام)). أفطر النبي -عليه الصلاة والسلام- بمرأى الناس، فيدل على جواز الفطر في أثناء النهار في رمضان إذا قام السبب المبيح للفطر، إذا قام السبب المبيح للفطر، وهو هنا السفر، والسفر مأخوذ من الإسفار وهو البروز والوضوح والظهور ومنه السفور بالنسبة للمرأة التي تبرز شيئاً مما يجب تغطيته؛ فالسفر الأصل فيه البروز فلا ينطبق الوصف حتى يسفر ويخرج عن البلد ويبرز عنه، ويتلبس بالوصف المبيح للفطر، ((حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس ثم دعا بقدحٍ من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب، فقيل له بعد ذلك بعد أن أفطر ورآه الناس واستمر بعض الناس على صيامه فقال: إن بعض الناس قد صام فقال: أولئك العصاة أولئك العصاة)). وجاء في الحديث الصحيح: ((ليس من البر الصيام في السفر)). أولئك العصاة، وليس من البر الصيام في السفر،   {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة]، هذه يستدل بها من لا يرى الصوم في السفر. لكن الذين يرون الصيام في السفر هم الجمهور. على خلافٍ بينهم في الأفضل الصيام أو الفطر، يقولون النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت بالنص القطعي أنه صام في السفر وصام الصحابة معه، فلا بد من حمل قوله: ((أولئك العصاة)) وقوله: ((ليس من البر)) على حالةٍ معينة للتوفيق بين النصوص. أولئك العصاة الذين شقّ عليهم الصيام. فيكون عندنا مراتب، شخص سافر والصيام لا يشق عليه بحال بل قد يكون حاله أثناء السفر أيسر وأحسن له من حاله حال الحظر، مثل هذا يصوم، والصيام أفضل لعموم قوله: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} [(184) سورة البقرة]. وشخص يصوم تلحقه مشقّة مثل المشقة اللاحقة بالحاضر أو تزيد عنها قليلاً مثل هذا مخيّر، إذا زادت المشقة فالفطر أفضل، إذا زادت المشقة بحيث يحصل معها حرج ((أولئك العصاة))، ((وليس من البر الصيام في السفر))، هذا التفصيل لا بد منه من أجل إيش؟ التوفيق بين النصوص، وفي لفظ فقيل له: ((إن الناس قد شقّ عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت فدعا بقدحٍ من ماءٍ بعد العصر فشرب)). [رواه مسلم]، بعض الناس يشق عليه الصيام. لكن يقول بقي الآن ساعة أو ساعتين بتحمل. هل نقول أن المشقة اللاحقة له بالقضاء أشد من المشقة اللاحقة في هذه المدة اليسيرة يستمر صائم ولو شق عليه الصيام؛ لأن بعض الناس الذي ما تعود على الصيام القضاء أشد عليه من نقل جبل، فيقول أكمل هذي الساعتين على أي حالٍ تكون ولا يبقى في ذمتي صيام يوم كامل وأصوم والناس كلهم مفطرون فبعض الناس يشق عليه الصيام فينظر، لا شك أنه إذا شق عليه الصيام أثناء السفر بحيث يتضرر من صومه لا شك أنه عاصٍ بصيامه. ولذا أفطر النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: بالنسبة لمن شق عليهم أولئك العصاة. من شرع في الصيام في الحظر ثم طرأ عليه السفر كثير من أهل العلم يرون أنه ليس له أن يفطر، وأجاز الإمام أحمد وجمع من أهل العلم أنه تلبس بالسفر إذاً له أن يفطر، ما دام السبب قائماً، والحديث الذي يليه.

يقول وعن حمزة بن عمرو الأسلمي -رضي الله عنه- أنه قال: ((يا رسول الله إني أجد بي قوةً على الصيام في السفر))، وفي روايةٍ: ((إني أسرد الصوم فهل عليّ جناح)) يعني أن أصوم في السفر، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((هي رخصة))، {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة]. هذه رخصة؛ لأن الأصل أن من استطاع الصيام يلزمه الصيام، {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة]، ومن لم يشهد بأن كان مسافراً فجاءت الرخصة في حقه، وهي رخصة من الله ومن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه، النص يدل على أن الفطر أفضل من الصيام؛ لأن كون الشيء حسناً أفضل من رفع الجناح عنه، فمن أخذ بها الرخصة والله -جل وعلا- يحب أن تؤتى رخصه، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه والمسألة على ما مضى من تفصيل. رواه مسلم وأصله في المتفق عليه من حديث عائشة أن حمزة بن عمروٍ سأل، يعني المتفق عليه الحديث من مسند عائشة، والذي تفرد به مسلم الحديث من مسند حمزة. يعني إذا أردت أن تبحث عن هذا الحديث في تحفة الأشراف، تبحث عنه في مرويات حمزة وإلا في مرويات عائشة؟

الآن تريد أقرب طريق لتصل إلى الحديث من خلال تحفة الأشراف، عائشة مكثرة وحمزة مقل، فهل يمكن أن تجد الحديث في مسند حمزة؟ الحديث حديث الباب الذي اعتمده الحافظ رواية مسلم هو من مسند حمزة، والرواية المتفق عليها من مسند عائشة، فتجده هنا وتجده هناك، فإذا أردت أن تبحث عن مثل هذا الحديث المذكور في الكتب الستة من طريق صحابيٍ مكثر، ومن طريق صحابي ٍمقل، ابحث عنه من طريق المقل لتصل إليه بأقرب فرصة.

وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: "رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يومٍ مسكيناً ولا قضاء عليه". [رواه الدارقطني والحاكم وصححه].

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن ابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما- قال: "رخّص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يومٍ مسكيناً ولا قضاء عليه". وهذا الخبر إذا قال الصحابي: رخّص لنا أو أبيح لنا أو حرّم علينا أو أوجب علينا أو فرض علينا منهم من يرى أنه له حكم الرفع مطلقاً؛ لأن هذه الأحكام إنما تصدر عن المشرع، فالمرخص هنا هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، على هذا القول، احتمال آخر وهو الذي أبداه بعضهم، هو أن هذا الترخيص فهمه ابن عباس من قوله -جل وعلا-: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [(184) سورة البقرة]. الصيام في أول الأمر كان على التخيير، القادر إن شاء صام وإن شاء أطعم، ثم حصل الإلزام به وارتفع التخيير وتم نسخ قوله -جل وعلا-: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}، المشهور عند الجمهور أنها منسوخة، {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة]، نسخت الآية السابقة، وعلى رأي ابن عباس أنها ليست منسوخة، بقي حكمها في الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام، له أن يفطر ويطعم عن كل يومٍ مسكيناً ولا قضاء عليه، الآية النص فيها وعلى الذين يطيقونه، فهل الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام الشيخ الكبير إذا كان يستطيع الصيام له أن يفطر ويطعم؟ يستطيع الصيام ليس له أن يفطر، الشيخ الكبير الذي لا يستطيع هل يدخل في قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} كما يقول ابن عباس؟ ترى فيه ملحظ دقيق جداً هنا، يعني الجمهور على أن قوله -جل وعلا-: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}. منسوخة ارتفع حكمها، ارتفع التخيير بقي الإلزام، ثم بعد ذلك بقي التكليف لمن عقله حاضر وهو إما مستطيع أو غير مستطيع، فالذي لا يستطيع هل نقول أنه مثل الحج ما يستطيع يسقط عن الحج وهذا لا يستطيع الصيام يسقط عنه الصيام؟ كما هي الجادة العادة في جميع التكاليف، صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فنقول هذا الشيخ الكبير مكلف، لا يستطيع الصيام لا يلزمه الصيام، لا يستطيع الحج لا يلزمه الحج، والجادة واحدة، أو نقول أن الصيام في الأصل له بدل. لا يستطيع الأصل يستطيع البدل، في أول الأمر التخيير بين الصيام والإطعام؟ صح وإلا لا، إذاً الصيام له بدل، بقي الإلزام في حق المستطيع وأنه ليس له أن يعدل إلى البدل مع قدرته على الأصل، الذي لا يستطيع الأصل وهو مكلف، عقله ثابت، الشيخ الكبير الذي لا يستطيع ولا يطيق الصيام يعود إلى البدل؛ لأنه يستطيع البدل، واضح الاستدلال وإلا ما هو واضح؟ أقول منزع يعني في غاية الدقة، الأصل أن هذا الشخص مكلف عقله ثابت، والصيام ركن من أركان الإسلام لا يستطيع الأصل يستطيع البدل، يطعم عن كل يومٍ مسكين، لا يستطيع يطعم عن كل يومٍ مسكين، نظيره الذي لا يستطيع الحج ببدنه وعنده مال يحجّ عنه من ماله، فهذا منزع ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- وهذا من دقيق فقه، لكن هل هذه الرخصة التي ذكرها يستند فيها إلى نص يدل عليها بخصوصها أو أنه فهم من الآية ويؤيد فهمه القراءة الأخرى: وعلى الذين يطوقونه. يعني تكلفون يتحملون مشقة شديدة بمباشرته، وعلى كل حال ما يراه ابن عباس هو قول جماهير أهل العلم، أن من بقي التكليف بالنسبة له لكنه لا يستطيع الأصل أنه يعدل إلى البدل وهو الإطعام، ومنهم من قال الإطعام منسوخ مرفوع حكمه بالكلية، وإذا ارتفع الحكم بالكلية ما بقي أن يعمل به أناس ويعفى منه أناس، يعني رفع كلي للحكم، الإطعام منسوخ فلا يطالب به أحد، والمرجح في هذه المسألة ما قاله ابن عباس وهو قول الجمهور.

طالب: ....ذهاب ابن عمر إلى ابن عباس في الحامل المرضع ما العلة في .. لماذا ... المرضع الحامل؟

إذا خافت على نفسيهما أو على ولديهما.

طالب: طيب المرضع مثلاً ألا تأكل مثلاً بعد الإفطار؟

تأكل بعد الإفطار إلا.

طالب: هل يضر .....

إيه إيه يضر، تبي تكف عن الأكل خمسة عشر ساعة، فيموت ولدها، احتمال، لا، الضرر ظاهر.

وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: ((جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هلكت يا رسول الله، قال: وما أهلكك. قال: وقعت على امرأتي في رمضان. قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين. قال: لا. قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا. ثم جلس فأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرقٍ فيه تمر، فقال: تصدق بهذا. فقال: أعلى أفقر منا؟ فما بين لابتيها  أهل بيتٍ أحوج إليه منّا. فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه. ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك)). [رواه السبعة واللفظ لمسلم].

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-. وفي بعض الروايات أعرابي، ومنهم من سماه: سلمة بن صخر البياضي أو سلمان ومنهم من قال أعرابي ولم يسمّه. ((جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هلكت يا رسول الله)). هذا يستشعر الذنب ويستشعر عظمة من عصى، بخلاف من يزاول المعاصي وهو يضحك أو يتحدث بها ويتبجح ويتمدح بها، هذا يقول: ((هلكت يا رسول الله. قال: وما أهلكك. قال: وقعت على امرأتي في رمضان)). وقعت على امرأتي في رمضان، هل كان يعرف الحكم قبل ذلك أو لا يعرف؟ بدليل قوله: هلكت. لو كان ما يعرف أن هذا محرم أو أن هذا مفطر يعذر بجهله أو لا يعذر؟ يعذر بالجهل، إذا كان لا يعرف أن هذا محرم، ولا يعرف أن هذا مفطر يعذر بجهله ولا يلزمه شيء. لكن يعرف أنه محرم ولا يعرف الأثر المترتب عليه، إما يلزم صيام شهرين متتابعين أو عتق رقبة هذا تترتب آثاره عليه لأن ما دام عرف أنه محرم عليه أن يكفّ، فرق بين من لا يعرف الحكم أصلاً، وبين من يعرفه ولا يعرف الأثر المترتب عليه ((وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان. فقال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا . قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين. قال: لا. قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا)). هذه كفارة الجماع في نهار رمضان. وهي على الترتيب كما هنا. وجاءت بفظ التخيير بأول. عند مالك في الموطأ ولذا جنح أنها على التخيير، ولم يشر مالك في روايته أن هذا الذي أفطر عمداً أن فطره كان بالجماع، وإنما ذكر أن أعرابياً جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: أفطرت في رمضان ولذا جعل الكفارة لكل من أفطر عمداً في رمضان بالأكل والشرب والجماع على حدٍ سواء. والكفارة على التخيير لأنه خرجها بـ أو، أعتق رقبة أو أطعم أو صم، على التخيير عنده، ويرى الإمام مالك أن كل من أفطر عن عمد سواء كان عن أكل أو شرب أو جماع أنه تلزمه الكفارة، ولذا ما نص على أن فطر هذا الأعرابي كان بالإجماع، في روايته الأولى الذي اعتمد عليها في الموطأ. فجعل الرواية تشمل جميع المفطرات وإلى هذا جنح -رحمه الله- فهنا في الحديث نص على أنه وقع على امرأته. ولذا في الحديث الماضي من أكل أو شرب ناسياً عند مالك أو جامع ناسياً يلزمه القضاء ولا عليه كفارة، كما سبقت الإشارة إليه، وعند الجمهور لا يلزمه شيء، من تعمّد الأكل والشرب والجماع في نهار رمضان عند مالك تلزمه الكفارة وعند الجمهور لا تلزم الكفارة إلا من جامع في نهار رمضان كما هنا، قال: ((هل تجد ما تعتق رقبة)). طيب هذه كفارة الإجماع في نهار رمضان؟ الفقهاء يقولون من جامع في نهار رمضان فعليه إيش؟ كفارة إيش؟ كفارة ظهار، لماذا لا يقول أن عليه كفارة مجامع في نهار رمضان؛ لأنها ثابتة بالنص الصحيح ما هو بالقياس، ثبوت الكفارة هنا ليست بالقياس، بالنص، قالوا عليه كفارة ظهار، لماذا؟

طالب: .......

يعني هنا في المجامع ذا ما يجوز له أن يمسها حتى يكفر؟ أو هذاك خاص في الظهار؟ خاص بالظهار،

طالب: ...أن الآية كما أشرتم..

وهنا ذكر الترتيب

طالب:........

نفس الكفارة لكن هذه كفارة ظهار وهذه كفارة مجامع في نهار رمضان وش المانع، وهذه ثبتت بالكتاب وهذه ثبتت بالسنة.

طالب: .......

ثابتة بأصل ما هي بالقياس بالإلحاق، هنا ملحظ وهو أن ما يثبت بالقرآن الذي يعرفه الخاص والعام، القرآن معروف عند المسلمين كلهم، كلهم يقرؤون سورة المجادلة، لكن مثل هذا النص قد يخفى على كثير من الناس، فإذا كان الحكم واحداً أحيل على ما في القرآن الذي يعرفه الخاص والعام، كما قال عبادة: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بيعة النساء، وش الداعي تقول بيعة النساء والرجال أشرف وبيعة الرجال قبل بيعة النساء؟ لماذا لأن بيعة النساء مسطرة بالقرآن، بينما بيعة الرجال بالسنة، فالذي يوجد في القرآن يحال عليه؛ لأن القرآن يعرفه عامة الناس بخلاف السنة التي لا يعرفها إلا نفر يسير بالنسبة لعموم الناس، قالوا عليه كفارة ظهار ما قالوا عليه كفارة قتل؟

طالب: .... مشترك.

لا ما في. ظهار هذا، افتراق هذا ما هو التحام، نعم القتل ليس فيها إطعام، كفارة القتل ليس فيها التنصيص على الإطعام وإن قال به بعضهم بالإلحاق، فالكفارة المطابقة لما عندنا هي كفارة الظهار وهي ثابتة بالقرآن فأحيل عليها.

طالب: من قبل أن يتماسا...؟

يعني هنا كفارة الظهار من قبل أن يتماسا. كفارة الجماع في نهار رمضان لا ما له علاقة، هذاك ظهار والظهار فيه افتراق، فلا يجوز له أن يمسها حتى يكفر، أما هذه مثل المفطرات الأخرى مثل الكفارات الأخرى. هل تجد ما تعتق رقبة، الرقبة هنا مطلقة، وهي كذلك في كفارة الظهار، في كفارة القتل مقيدة بكونها مؤمنة، فهل تقيد هنا أو لا تقيد؟ هل يعتق الرقبة الكافرة وتجزئ وإلا لا بد أن تكون مؤمنة، لا بد أن تكون مؤمنة حملاً للمطلق على المقيد، حملاً للمطلق على المقيد، المطلق في كفارة الظهار وكفارة الجماع، لكن المقيد في كفارة القتل، فتحرير رقبةٍ مؤمنة، يعني مع هذا الاختلاف في السبب هل يمكن حمل المطلق على المقيد مع الاختلاف في السبب، ممكن لماذا؟ للاتحاد في الحكم، الحكم واحد كله وجوب العتق في كفارة الظهار، في كفارة الجماع كما هنا في كفارة القتل يجب العتق، في كفارة اليمين لا بد أن تكون مؤمنة حملاً للمطلق على المقيد لأنه يجب، تجب الكفارة في الجميع، طيب مع الاختلاف في السبب أما إذا اختلف الحكم فلا يحمل المطلق على المقيد وإن اتحد السبب، إذا اختلفا معاً فلا يحمل، وإن اتحدا معاً فالحمل متفق عليه، ((هل تجد ما تعتق رقبة قال: لا ، قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين))؟ لا بد أن يكونا متتابعين، لو أفطر بينهما يوماً واحداً لا بد أن يستأنف فيصوم شهرين متتابعين، لا بد من الاستئناف، اللهم إلا إن أفطر بعذرٍ يبيح له الفطر في رمضان، يبيح له العذر في رمضان فلا ينقطع التتابع، لأن صيام رمضان آكد، ((قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا. قال: ثم جلس)) وفي رواية قال له: ((اجلس)). انتظاراً للفرج، من وحيٍ أو غيره ((ثم جلس فأوتي النبي -صلى الله عليه وسلم بعرق))، العرق الزنمبيل أو المكتل فيه تمر فقال: ((تصدق بهذا))، فيه خمسة عشر صاعاً أو عشرون صاعاً خمسة عشر في حديث أبي هريرة وعشرون في حديث عائشة، فقال: ((تصدق بهذا)). يعني إذا تبرع أحد لمن لزمه شيء، لزمه واجب، يجزئ وإلا ما يجزئ، عليك كفارة فتبرع شخص وأخرجها عنك برضاك بعلمك، تجزئ وإلا ما تجزئ؟ تجزئ، تبرع شخص أخرج عنه كفارة تجزئ، تبرع عنك شخص فأخرج عنك زكاتك، زكاة مالك، وجب عليك ألف ريال زكاة فجاء واحد فقال: ترى أنا بدفع الألف عنك هذا ألف. تجزئ وإلا ما تجزئ؟

طالب:.......

الذمة؟!

طالب:.........

 

لها تعلق بالذمة، لكن الأصل فيها المال، وأخرجه هذا تبرعاً عنه، وهذا يكثر بالنسبة للابن الذي يعيش، الابن المكلف الذي يعيش في كنف والده، تجد والده يلتزم بكل شيء، في حديث عمر وفيه منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس الزكاة، ثم جاء عمر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يذكر له ذلك، فقال: ((أما خالد فقد احتبس أدراعه في سبيل الله وعتاده في سبيل الله، وأما ابن جميل فما ينقم لجميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله وأما العباس فهي عليّ ومثلها)). هذا تحمل للزكاة وإن قال بعض أهل العلم أنه أخذ منه زكاة عامين، تعجل منه زكاة عامين، فقال: ((هي عليّ ومثلها)). فهنا لما جيء بالزمبيل لولا أن مثل هذا تدخله النيابة ويتحمله غيره عنه لما قال تصدق بهذا، فقير خلاص بين أمرين إما أن تسقط عنك كما قال بعض أهل العلم وإما أن تبقى ديناً في ذمتك كما قاله الأكثر وهو الأقيس، كغيرها من الديون والواجبات، فقال: تصدق بهذا. فقال: ((أعلى أفقر منا؟ فما بين لابتيها))، وفي رواية: ((فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا)). أقسم على غلبة ظنه ولم ينكر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أن هذا غلبة ظن، يعني هل أجرى مسح شامل لبيوت المدينة ولم يوجد فيها أفقر منه؟ إنما غلب على ظنه لما يعرفه من شدة الحاجة عنده أقسم أنه ما يوجد أفقر منه، ولذا يجوز جمع من أهل العلم القسم على غلبة الظن، ((فما بين لابتيها أهل بيتٍ أحوج منا، فضحك النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى بدت أنيابه))، الموجب للضحك، يعني شخص هالك جاء يدعو بالويل والثبر هلكت وأهلكت وفي رواية: ((ينتف شعره)) وفي رواية: ((يحثو على رأسه التراب))، وأخيراً يرجع بمكتلٍ يكفي له شهرين، أو شهر على الأقل؟ ضحك النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى بدت أنيابه، ثم قال: ((اذهب فأطعمه أهلك)). أطعمه أهلك، يعني هل هذا الطعام الذي جيء به هذا التمر، هو الكفارة؟ خذ هذا فتصدق به؟ وهل تصح الكفارة من الإنسان لأهله؟ يدفعها لأهله؟ أو أن نقول لما أقسم أنه ما بين لابتيها أهل بيتٍ أحوج منهم، هذا إسعاف لهذه الأسرة التي ما في المدينة أفقر منهم وتبقى الكفارة مسكوت عنها؟ ولذا يرى جمع من أهل العلم أن الكفارة تبقى دين في ذمته متى أيسر يدفعها. ومنهم من استدل بالحديث على أنه إذا كان معسراً أثناء الحاجة إلى كفارة أثناء وقت الكفارة إذا كان معسر تسقط عنه، والحديث محتمل، الحديث محتمل، وكل منهم استدل بهذا الحديث والأقيس الجاري على القواعد أنها تثبت ديناً في ذمته كغيرها من الديون، إن أيسر في بقية عمره دفعها وإلا فالله -جل وعلا- يتولاها، ولذا أهل العلم يقولون في الحقوق المتعلقة بالتركة، الحقوق الخمسة الأول مؤنة التجهيز، والثاني: الديون المتعلقة بعين التركة كالديون برهن، والثالث: الديون المرسلة، المطلقة، التي ليست برهن لا تتعلق بعين التركة كديون الآدميين والكفارات، ودين الله أحق وفي قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((دين الله أحق)). يدل على أن هناك ما يثبت بذمة المكلف. من الدين لله -جل وعلا-، ثم الوصايا ثم الإرث، إطعام ستين مسكيناً، وهي الخصلة الثالثة بعضهم أفتى من علماء الأندلس من أفتى بعض الأمراء بالصيام قبل العتق، وقع على أهله في رمضان قال تصوم شهرين متتابعين، قيل له لماذا؟ قال لو قيل له العتق وطئ كل يوم، سهل العتق عنده، لكن لما يقال له: تصوم شهرين متتابعين لن يعود، فهل هذه الفتوى صحيحة؟ فتوى باطلة، لأنها مخالفة للنص، إطعام الستين المسكين الخلاف في كون المد كافي أو نصف صاع، مسألة معروفة عند أهل العلم والأحوط أن يجعل نصف صاع، نصف صاع من طعام وسواء أطعم الستين مجتمعين أو متفرقين، المقصود أنه يخرج ثلاثين صاعاً أو خمسة عشر صاعاً على الخلاف المعروف. نأخذ شيء وإلا تصلون؟بالنسبة لمن جامع في نهار رمضان، الحديث ما فيه هنا في الرواية التي ساقها المصنف ما يدل على أنه يقضي يوماً مكانه. لكن نصّ، يعني جاء من طرقٍ تثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((صم يوماً مكانه واستغفر الله)). ومنهم من يقول الروايات أكثرها ما فيها تنصيص على القضاء فلا قضاء عليه، فالكفارة تشمل الكفارة بمجموعها بدل عن هذا الصيام الذي أبطل فلا قضاء بهذا بعض العلماء لكن الرواية صحيحة وثابتة صم يوماً مكانه، وهي القاعدة أن من أفطر فعدة من أيام أخرى بما في ذلك الفطر بالجماع.

"