التعليق على تفسير القرطبي - سورة الإسراء (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قد يقول شخص: قد قلد هذا الكتاب وما قدر عليه وما كتب عليه في الأزل، ألا يوحي هذا بأنه مجبور على أن يفعل ما قدر له كل إنسان يدرك من نفسه وإن قدر عليه، وكتب له إلا أن له حرية واختيارًا، هذا هو المرجو، والله أعلم، وبين له السبيل، وخيره بين طريق الحسنى أو اليسرى فاختار ما كتب له وما قدر عليه، اختار هو، {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} [فصلت : 17]، وكذا كل من تنكب عن طريق الهدى فقد استحبه هو وأثره على غيره، كل إنسان يلمز من نفسه أنه إذا أمر بشيء له حرية الاختيار، من يمنعه أن يخرج من المسجد؟ لا يمنعه أحد وإن كان قد كتب عليه وقدر له أنه يذهب أو لا يذهب، لكن هذا أمر في غاية الدقة، لكنه أيضًا في غاية الوضوح، فكل إنسان يدرك من نفسه أنه غير مجبور له أن يفعل، وله أن يترك بعد أن بين له السبيل، بين له الصراط المستقيم، وبينت له السبل التي تؤدي إلى النار، نسأل الله العافية، فكونه يختار هذا أو هذا، هذا أمر متروك له، ومع ذلك ليست قدرته وإرادته وحريته مستقلة، بل هي تابعة لإرادة الله -عز وجل- وقدرته.

طالب:...........

ضل في هذا الباب طائفتان هما: القدرية النفاة، نفاة القدر، ويرون أن العبد مستقل بإرادته واختياره وليس لإرادة الله عليه سلطان، وهو يخلق فعله، فهم أشبه المجوس من هذه الحيثية، وعلى هذا فالمعتزلة ومن يقول بقولهم في باب القضاء والقدر والشيعة سواء كانوا الإمامية والزيدية غالبهم في هذا الباب إلى القدرية، والطائفة الأخرى: الجبرية الذين يقولون: إن العبد مجبور حركته تجاه سائر الأعمال خيرها وشرها كحركة ورق الشجر، لا إرادة له، ولا اختيار، مجبور على كل ما يفعل، ومجبور أيضًا على ما يذر، {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [الأنفال : 22] ، ما دام الأمر مكتوبًا على العبد إذًا فلن يخالف ما كتب له ، فهو مجبور عندهم.

 وتوسط أهل السنة فقالوا: إنه لا يستقل بإرادته استقلالًا تامًّا، بل إرادته تابعة لإرادة الله- عز وجل- ومشيئته، وليس أيضًا بمجبور لما علم بالضرورة أن الإنسان حر يختار بعد أن بين له سبيل الهدى، {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} أثبت عنه الرمي، ونفاه عنه أثبته من وجه، ونفاه من وجه، وما رميت يعني ما أصبت الهدف، إذ رميت يعني إذا حذفت السهم، ولكن الله- عز وجل- أصاب هو الذي سدد هذا السهم، ولو وقع منك الرمي فالعبد له فعل، ومن الله التوفيق، والله المستعان.

{وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتابًا يَلْقاهُ مَنْشُورًا} يَعْنِي كِتَابَ طَائِرِهِ الَّذِي فِي عُنُقِهِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو رَجَاءٍ وَمُجَاهِدٌ:" طَيْرَهُ" بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَمِنْهُ مَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْركُ، وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ وَلَا رَبَّ غَيْرُكَ". وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ" وَيَخْرُجُ" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ، عَلَى مَعْنَى ويخرج".

ويَخرُج.

" وَيَخْرُجُ لَهُ الطَّائِرُ كِتَابًا، فَ" كِتابًا" مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَيَخْرُجُ الطَّائِرُ فَيَصِيرُ كِتَابًا. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ" وَيُخْرِجُ" بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَيْ يُخْرِجُ اللَّهُ.

وَقَرَأَ شَيْبَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ السَّمَيْقَعِ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ:" وَيُخْرَجُ" بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ، وَمَعْنَاهُ: وَيُخْرَجُ لَهُ الطَّائِرُ كِتَابًا.

الْبَاقُونَ" وَنُخْرِجُ" بِنُونٍ مَضْمُومَةٍ وَكَسْرِ الرَّاءِ، أَيْ وَنَحْنُ نُخْرِجُ. احْتَجَّ أَبُو عَمْرٍو فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ بِقَوْلِهِ" أَلْزَمْناهُ". وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْحَسَنُ وَابْنُ عَامِرٍ" يَلْقاهُ" بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ، بِمَعْنَى يُؤْتَاهُ. الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ خَفِيفَةً، أَيْ يَرَاهُ مَنْشُورًا. وَقَالَ" مَنْشُورًا" تَعْجِيلًا للبشرى بالحسنة والتوبيخ بالسيئة".

نعم، تعجيل، وجه التعجيل أنك إذا دخلت وجدت كتابك مباشرة ليس بمغلق بحيث أنت تفتحه وتقلب أوراقه لترى ما يسرك وما يسوؤك.

طالب: ..........

 لا، هو منشور بمباشرة تعجيل للبشرى بالحسنات مدونة، ما تحتاج لتقف عليها، وأيضًا تعظيمًا للسيئات التي اقترفوها ومبادرة لك بها، إذ هي جنايتك، لم يلزمك أحد بها.

"وقال أبو السوار العدوى: وقرأ هده الْآيَةَ. {وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} قال: هما نشرتان وطية، أَمَّا مَا حَيِيتَ يَا ابْنَ آدَمَ فَصَحِيفَتُكَ الْمَنْشُورَةُ فَأَمِّلْ فِيهَا مَا شِئْتَ، فَإِذَا مُتَّ طُوِيَتْ حَتَّى إِذَا بُعِثْتَ نُشِرَتْ.

 (اقْرَأْ كِتابَكَ) قَالَ الْحَسَنُ: يَقْرَأُ الْإِنْسَانُ كِتَابَهُ أُمِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ أُمِّيٍّ. (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) أَيْ مُحَاسِبًا. وَقَالَ بَعْضُ الصُّلَحَاءِ: هَذَا كِتَابٌ، لِسَانُكَ قَلَمُهُ، وَرِيقُكَ مِدَادُهُ، وَأَعْضَاؤُكَ قِرْطَاسُهُ، أَنْتَ كُنْتَ الْمُمْلِيَ عَلَى حَفَظَتِكَ، مَا زِيدَ فِيهِ وَلَا نُقِصَ مِنْهُ، وَمَتَى أَنْكَرْتَ مِنْهُ شيئا يكون فيه الشاهد منك عليك.

قوله تعالى: {مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)}.

قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) أَيْ إِنَّمَا كُلُّ أَحَدٍ يُحَاسَبُ عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ غَيْرِهِ، فَمَنِ اهْتَدَى فَثَوَابُ اهْتِدَائِهِ لَهُ".

إذا أنكر العبد بعض ما اقترفه من جرائم، يختم على فمه وأيضًا تنطق يده وتشهد رجله؛ لأنك أجبن بالنسبة لهم، والله المستعان، لا يرضى له إلا أن يشهد على نفسه، فيحصل له الختم على فمه، تنطق هذه الأعضاء التي هو عنها يدافع؛ زيادة في التبكيت له، وزيادة في إقامة الحجة عليه

"أَيْ إِنَّمَا كُلُّ أَحَدٍ يُحَاسَبُ عَنْ نَفْسِهِ، لَا عَنْ غَيْرِهِ، فَمَنِ اهْتَدَى فَثَوَابُ اهْتِدَائِهِ لَهُ،  وَمَنْ ضَلَّ فَعِقَابُ كُفْرِهِ عَلَيْهِ.

{وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} تقدم في الانعام وقا ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ لِأَهْلِ مَكَّةَ: اتَّبِعُونِ وَاكْفُرُوا بِمُحَمَّدٍ وَعَلَيَّ أو زاركم، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، أَيْ إِنَّ الْوَلِيدَ لَا يَحْمِلُ آثَامَكُمْ وَإِنَّمَا إِثْمُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ. يُقَالُ: وَزَرَ يَزِرُ وِزْرًا، وَوِزْرَةً، أَيْ أَثِمَ. وَالْوِزْرُ: الثِّقَلُ الْمُثَقَّلُ وَالْجَمْعُ أَوْزَارٌ، وَمِنْهُ" يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَيْ أَثْقَالَ ذُنُوبِهِمْ".

يحملون أوزارهم ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم؛ لأن إضلالهم من أوزارهم، فمن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها، وهم يحملون أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم، بعض أوزار الذين يضلونهم بغير علم مما أضلوهم به دون غيره، والله المستعان.

"وَقَدْ وَزَرَ إِذَا حَمَلَ فَهُوَ وَازِرٌ، وَمِنْهُ وَزِيرُ السُّلْطَانِ الَّذِي يَحْمِلُ ثِقَلَ دَوْلَتِهِ. وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ  كِنَايَةٌ عَنِ النَّفْسِ، أَيْ لَا تُؤْخَذُ نَفْسٌ آثِمَةٌ بِإِثْمِ أُخْرَى، حَتَّى إنَّ الْوَالِدَةَ تَلْقَى وَلَدَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فتقول: يا بني".

والهاء في قوله؟

طالب: .................

والهاء في قوله؟

طالب: .................

ماذا؟

طالب: .................

الهاء في وازرة، تاء تأنيث أم ضمير يعود؟

 طالب: .................

 التاء هذه ضمير يعود على شيء؟

لا.

طالب: .................

 وإن كان المراد الضمير المستكن في تزر، يعني لا تزر النفس أي نفس وازرة وزر أخرى، وإن كان المراد أيضًا في عليها، احتمال أن يكون الضمير في عليها. والهاء في قوله: عليها، كناية عن النفس، يعني على نفسه، وهذا أظهر، والهاء في قوله: عليها. كناية عن النفس، أي على النفس.

نعم.

"حَتَّى إن الْوَالِدَةَ تَلْقَى وَلَدَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتَقُولُ: يَا بُنَيَّ أَلَمْ يَكُنْ حِجْرِي لَكَ وِطَاءً، أَلَمْ يَكُنْ ثَدْيِي لَكَ سِقَاءً، أَلَمْ يَكُنْ بَطْنِي لَكَ وِعَاءً؟! فَيَقُولُ: بَلَى يَا أُمَّهْ فَتَقُولُ يَا بُنَيَّ! فَإِنَّ ذُنُوبِي أَثْقَلَتْنِي فَاحْمِلْ عَنِّي مِنْهَا ذَنْبًا وَاحِدًا! فَيَقُولُ: إِلَيْكَ عَنِّي يَا أُمَّهْ! فإنى بذنبي عنك اليوم مشغول. مَسْأَلَةٌ: نَزَعَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ عُمَرَ حَيْثُ قَالَ:" إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ". قَالَ علماؤنا: وإنما حملها على ذلك أنها لَمْ تَسْمَعْهُ، وَأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِلْآيَةِ. وَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهَا".

كانت تظن أنه قاله من قبل رأيه، لم تسمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- مرفوعًا، فظنت أن ابن عمر قاله من تلقاء نفسه، فردت عليه فهمه هذا بالآية، لكن لو سمعته من النبي- صلى الله عليه وسلم- ما ردت، ولو رفعه ابن عمر للنبي ما ردت؛ لأنه ثقة عندها، والقائل المعصوم- عليه الصلاة والسلام-، ولا تعارض بين الآية والحديث؛ لأن بكاء أهله عليه، مع علمه ببكائهم من طريقتهم المعتادة المتبعة في البكاء على الميت، اعتادوا على ذلك ولم ينههم عن ذلك، صار سكوته من وزره، ولا تعارض بين الآية والحديث.

طالب:.........

لا، غير البكاء المشروع الذي حصل، العين تدمع، والقلب يحزن، لا فهذا مأذون فيه، لكن ما زاد على ذلك.

"وَأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِلْآيَةِ، وَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهَا، فَإِنَّ الرُّوَاةَ لِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ، كَعُمَرَ وَابْنِهِ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَقَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ، وَهُمْ جَازِمُونَ بِالرِّوَايَةِ، فَلَا وَجْهَ لِتَخْطِئَتِهِمْ. وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ مَحْمَلُهُ عَلَى مَا إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ وَصِيَّةِ الْمَيِّتِ وَسُنَّتِهِ، كَمَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ، حَتَّى قَالَ طَرَفَةُ:

إِذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ ... وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا بِنْتَ مَعْبَدِ

وَقَالَ:

إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا ... وَمِنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فَقَدِ اعْتَذَرْ"

يوصيهم أن يبكوا عليه لمدة سنة، مثل هذا يعذب بلا شك.

"وَإِلَى هَذَا نَحَا الْبُخَارِيُّ. وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ دَاوُدُ إِلَى اعْتِقَادِ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يُعَذَّبُ بِنَوْحِهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَهْمَلَ نَهْيَهُمْ عَنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَتَأْدِيبِهِمْ بِذَلِكَ، فَيُعَذَّبُ بِتَفْرِيطِهِ فِي ذَلِكَ، وَبِتَرْكِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} لَا بِذَنْبِ غَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}.

أَيْ لَمْ نَتْرُكِ الْخَلْقَ سُدًى، بَلْ أَرْسَلْنَا الرُّسُلَ. وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّرْعِ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَقْلَ يُقَبِّحُ وَيُحَسِّنُ وَيُبِيحُ وَيَحْظُرُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ الْقَوْلُ فِيهِ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ هَذَا فِي حُكْمِ الدُّنْيَا، أَيْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُهْلِكُ أُمَّةً بِعَذَابٍ إِلَّا بَعْدَ الرِّسَالَةِ إِلَيْهِمْ وَالْإِنْذَارِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هَذَا عَامٌّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا}. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالَّذِي يُعْطِيهِ النَّظَرُ أَنَّ بَعْثَهُ آدَمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِالتَّوْحِيدِ وَبَثَّ الْمُعْتَقِدَاتِ فِي بَنِيهِ مَعَ نَصْبِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الصَّانِعِ مَعَ سَلَامَةِ الْفِطَرِ تُوجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِ الْإِيمَانَ وَاتِّبَاعَ شَرِيعَةِ اللَّهِ، ثُمَّ تَجَدَّدَ ذَلِكَ فِي زمن نوح عليه السلام بعدغَرَقِ الْكُفَّارِ.

 وَهَذِهِ الْآيَةُ أَيْضًا يُعْطِي احْتِمَالُ أَلْفَاظِهَا نَحْوَ هَذَا فِي الَّذِينَ لَمْ تَصِلْهُمْ رِسَالَةٌ، وَهُمْ أَهْلُ الْفَتَرَاتِ الَّذِينَ قَدْ قَدَّرَ وُجُودَهُمْ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْعَثُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِلَى الْمَجَانِينِ وَالْأَطْفَالِ فَحَدِيثٌ لَمْ يَصِحُّ، وَلَا يَقْتَضِي مَا تُعْطِيهِ الشَّرِيعَةُ مِنْ أَنَّ الْآخِرَةَ لَيْسَتْ دَارَ تَكْلِيفٍ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يبعث يوم القيامة رسولاً إلى أهل الفطرة وَالْأَبْكَمِ وَالْأَخْرَسِ وَالْأَصَمِّ، فَيُطِيعُهُ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُطِيعَهُ فِي الدُّنْيَا، وَتَلَا الْآيَةَ، رَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ. قُلْتُ: هَذَا مَوْقُوفٌ".

جاء أيضًا أنه يؤخذ لهم لسان من نار يمتحنون به، فمن أخذه سلم، ومن رفضه كان في حكم من عصى، وابن القيم -رحمه الله- ذكر هذا في الصبيان وأهل الفترات وغيرهم أنهم يمتحنون، لكن بالنسبة للصبيان، إذا كانوا من أولاد المسلمين فهم مسلمون اتفاقًا، وإن كانوا من أولاد المشركين فقيل: الحكم واحد، وقيل: الله أعلم بما كانوا عاملين، وعلى هذا يكون فيه امتحان، نعم.

"وَسَيَأْتِي مَرْفُوعًا فِي آخِرِ سُورَةِ طَهَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يَصِحُّ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ قَوْمٌ فِي أَنَّ أَهْلَ الْجَزَائِرِ إِذَا سَمِعُوا بِالْإِسْلَامِ وَآمَنُوا فَلَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِمْ فِيمَا مَضَى، وَهَذَا صَحِيحٌ، وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلْعَذَابِ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ، والله أعلم".

نعم؛ لأن الله يقول: {لأنذركم به ومن بلغ}، فلابد من بلوغ الدعوة وقيام الحجة.

طالب:.........

كيف؟

طالب: .................

نعم، أمة من أولها إلى آخرها، النذير في أولها ثم توارثوا فنسوا في آخرها كما هو حاصل، النبي- صلى الله عليه وسلم- بعث في حال فترة، والنذير قوله -صلى الله عليه وسلم- خاص  بفئة من الناس، وليس لعامة الناس.

طالب:..........

 

الله أعلم، لابد من بلوغ الحجة، فالنبي قال: «إن أبي وأباك في النار»؛ لأنهم كانوا على بقايا من دين إبراهيم -عليه السلام-.

"قوله تعالى: {وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيرًا (16)}.

فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ:

الْأُولَى: أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلُ أَنَّهُ لَمْ يُهْلِكَ الْقُرَى قَبْلَ ابْتِعَاثِ الرُّسُلِ، لَا لِأَنَّهُ يَقْبُحُ مِنْهُ ذَلِكَ إِنْ فَعَلَ، وَلَكِنَّهُ وَعْدٌ مِنْهُ، ولا خُلف فِي وَعْدِهِ. فَإِذَا أَرَادَ إِهْلَاكَ قَرْيَةٍ مَعَ تَحْقِيقِ وَعْدِهِ عَلَى مَا قَالَهُ تَعَالَى أَمَرَ مُتْرَفِيهَا بِالْفِسْقِ وَالظُّلْمِ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ بالتدمير. يعلمك أن من هلك هَلَكَ بِإِرَادَتِهِ، فَهُوَ الَّذِي يُسَبِّبُ الْأَسْبَابَ وَيَسُوقُهَا إِلَى غَايَاتِهَا؛ لِيَحِقَّ الْقَوْلُ السَّابِقُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.

 الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَمَرْنا) قَرَأَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَأَبُو رَجَاءٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعُ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ: " أَمَّرْنَا" بِالتَّشْدِيدِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَيْ سَلَّطْنَا شِرَارهَا فَعَصَوْا فِيهَا، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَهْلَكْنَاهُمْ".

وقراءة التخفيف أعم، يعني أمر المترفين سواء كانوا أمراء أو غير أمراء، أما على قراءة التشديد أمَّرنا فهو خاص بالأمراء، وعلى قراءة التخفيف: أمرنا المترفين سواء كانوا من الأمراء أو من غيرهم.

 "وَقَالَ أَبُو عثمان النهدي" أمّرنا" بتشديد الميم، جعلناهم أُمَرَاءَ مُسَلَّطِينَ، وَقَالَهُ ابْنُ عُزَيْزٍ".

وأبو عزيز مر بنا مرارًا، السجستاني صاحب كتاب غريب القرآن.

"وَتَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ تَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ أَيْضًا وَقَتَادَةُ وَأَبُو حَيْوَةَ الشَّامِيُّ وَيَعْقُوبُ وَخَارَجَةُ عَنْ نَافِعٍ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُمَا: " آمَرْنَا" بِالْمَدِّ وَالتَّخْفِيفِ، أَيْ أَكْثَرْنَا جَبَابِرَتَهَا وَأُمَرَاءَهَا، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: آمَرْتُهُ بِالْمَدِّ وَأَمَّرْتُهُ، لُغَتَانِ بِمَعْنَى كَثَّرْتِهِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «خَيْرُ الْمَالِ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ أَوْ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ» أَيْ كَثِيرَةُ النِّتَاجِ وَالنَّسْلِ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُزَيْزٍ: آمَرْنَا وَأَمَرْنَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، أَيْ أَكْثَرْنَا. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا وَيَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ" أَمِرْنَا" بِالْقَصْرِ وَكَسْرِ الْمِيمِ عَلَى فَعِلْنَا، وَرُوِيَتْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: الْمَعْنَى أَكْثَرْنَا أمره، وَحَكَى نَحْوَهُ أَبُو زَيْدٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَنْكَرَهُ الْكِسَائِيُّ وَقَالَ: لَا يُقَالُ مِنَ الْكَثْرَةِ إِلَّا آمَرْنَا بِالْمَدِّ، قَالَ: وَأَصْلُهَا" أَأْمَرْنَا" فَخُفِّفَ، حَكَاهُ الْمَهْدَوِيُّ. ".

 أمرنا يعني عظم أمرنا، كما جاء في الحديث: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، يعني عظم أمره وشأنه.

طالب:...........

نعم، أبو عبيد القاسم.

طالب: .................

عندكم أبو عبيدة أم أبو عبيد؟

طالب: .................

نعم، أبو زيد الأنصاري إمام من أئمة اللغة معروف، وأبو عبيد القاسم من ثقات أهل الغريب، نعم.

"وَفِي الصِّحَاحِ: وَقَالَ أَبُو الحسن أمر ماله (بالكسر) أي أكثره وَأَمِرَ الْقَوْمُ أَيْ كَثُرُوا، قَالَ الشَّاعِرُ:

أَمِرُونَ لَا يَرِثُونَ سَهْــــــــــــــــــــــــــــــمَ الْقُعْدُدِ

 

وَآمَرَ اللَّهُ مَالَهُ: (بِالْمَدِّ): الثَّعْلَبِيُّ: وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ الْكَثِيرِ أَمِرٌ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ: أَمِرَ الْقَوْمُ يَأْمَرُونَ أَمْرًا إِذَا كَثُرُوا. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كُنَّا نَقُولُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِلْحَيِّ إِذَا كَثُرُوا: أَمِرَ أَمْرُ بَنِي فُلَانٍ، قال لبيد:

كل بنى حــــــــــــــــــــــرة مَصِيرُهُمْ ... قلّ وَإِنْ أَكْثَرَتَ مـــــِنَ الْعَدَدِ

 إِنْ يُغْبَطُوا يَهْبِطُوا وَإِنْ أَمِرُوا ... يَوْمًا يَصِيرُوا لِلْهُلْكِ والنكد

قُلْتُ: وَفِي حَدِيثِ هِرَقْلَ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ:" لَقَدْ أمر أمر، ابن أبى كبشة، إنه لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ" أَيْ كَثُرَ. وَكُلُّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ، وَلِذَلِكَ أَنْكَرَهُ الْكِسَائِيُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَمَنْ قَرَأَ "أَمِرَ" فَهِيَ لُغَةٌ، وَوَجْهُ تَعْدِيَةِ" أَمِرَ" أَنَّهُ شَبَّهَهُ بِعَمِرَ مِنْ حيث كانت الكثرة أقرب شيء إِلَى الْعِمَارَةِ، فَعُدِّيَ عمر".

طالب:..............

كما عدي عَمِرَ.

طالب: .................

الطبعة الأولى فيها عُمَر.

طالب: .................

عَمِرَ كفرح.

طالب: .................

ماذا؟

 طالب: .................

 ما ضبطت وعلق عليها؟

طالب: .................

هذا التفسير في طباعته غرابة، يعني تجد هذه الطبعة الثانية، وما مع أبي عبد الله الثانية، ومع ذلك تجد فروقًا في التعليقات والطباعة لا توجد في الثانية؛ لأن الكتاب طبع متفاوتًا؛ الأول منه طبع أولى وثانية وثالثة، ثم طبع مرتين بدون ترقيم، ثم سادسة سميت ثانية، ثم الثاني والثالث طبع أولى وثانية إلى الثاني عشر، ثم بعد ذلك طبع من الثانية إلى العشرين طبعة سميت الثانية، والذي استقر عليه الأمر هذه الطبعة التي قوبلت على نسخ كثيرة جدًّا، وليس عملهم عمل معصوم، بل مر معنا من أسبوع موضع فيه سقط سطر كامل.

طالب: .................

نعم.

طالب: .................

 المقصود أن الكتاب أخطاؤه قليلة جدًّا إذا قورن بغيره من الكتب، لأنه تولته مطبعة فيها علماء محققون، وقابلوا بعض الأجزاء على ثلاثة عشرة نسخة، وبعضها على ثمان وبعضها على عشر، المقصود أنه على نسخ كثيرة.

كما أنه توجد بها إحالات، انظر الجزء كذا صفحة كذا في كل مسألة يحيلون على سابق أو لاحق، إلا أن الطبعة الأولى ليس فيها إحالات، فهذه موجودة في الطبعة الثانية ومن مميزاتها. أيضًا المجلدات الأول والثاني من الطبعة الأولى ليس فيها آيات، ثم بعد ذلك عني بالكتاب وفيه عمل طيب. ثم طبع مرارًا على الطبعات الجديدة التي هي الله أعلم بأصولها.

على كل حال الكتاب محل عناية، وما يزال يحتاج إلى خدمة، ويحتاج إلى تعليق لاسيما في المسائل العقدية، وتخريج الأحاديث والحكم عليها؛ لأن بضاعته في الحديث ليست قوية، هو من حيث الصناعة الحديثية والحديث عمومًا ضعيف، وإن كان قد جمع من الأحاديث في تفسيره ما لا يوجد عند غيره، وفي الكتاب أكثر من عشرة آلاف حديث، كم هائل من الأحاديث، والله المستعان.

فالتي مع الإخوان طبعة ثانية مكتوب عليها، والتي معي طبعة ثانية وبينهما اختلاف، فالذي يريد أن يجمع نسخة واحدة من واحد إلى عشرين نسخة واحدة أمر يصعب جدًّا، إلا إن كان صاحب خبرة.

على كل حال هي: كَمَا عُدِّيَ عَمِرَ ، كفرح.

"كَمَا عُدِّيَ عَمِرَ. قرأ الْبَاقُونَ أَمَرْنا" مِنَ الْأَمْرِ، أَيْ أَمَرْنَاهُمْ بِالطَّاعَةِ إِعْذَارًا وإنذارًا وتخويفًا ووعيدًا. فَفَسَقُوا أي فأخرجوا عَنِ الطَّاعَةِ عَاصِينَ لَنَا.

فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَوَجَبَ عَلَيْهَا الْوَعِيدُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ:" أَمّرْنا" جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاءَ".

وبالمناسبة هذا يطلب طلبًا متعلقًا بالكتاب؛ يقول: نظرًا لطول فترة العرض فيما يستقبل من الأيام، ونظرًا لأن أغلب الحاضرين للدرس لم يحضروا مقدمة التفسير، ولما لها من أهمية، فنرجوا تخصيص وقت لقراءتها.

مقدمة التفسير أطال فيها المؤلف، يعني تبلغ ستين صفحة وتزيد، فلو قرأها كل شخص بنفسه في جلسة أو جلستين فيمكنه إنهاؤها، وإذا أشكل عليه شيء فيمكن أن يسأل عنه.

"لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: أَمِيرٌ غَيْرُ مَأْمُورٍ، أَيْ غَيْرُ مُؤْمَّرٍ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ بعثنا مستكبريها. قال هارون: وهى قراءة أبي" بَعَثْنَا أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا فَفَسَقُوا" ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَحَكَى النَّحَّاسُ: وَقَالَ هَارُونُ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ:" وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً بَعَثْنَا فِيهَا أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا فَمَكَرُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ".

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ" أَمَرْنا بِمَعْنَى أَكْثَرْنَا، وَمِنْهُ" خَيْرُ الْمَالِ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ" عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ قَوْمٌ: مَأْمُورَةٌ اتِّبَاعٌ لِمَأْبُورَةٍ، كَالْغَدَايَا وَالْعَشَايَا. وَكَقَوْلِهِ: «ارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ ». وَعَلَى هَذَا لَا يُقَالُ: أَمَرَهُمُ اللَّهُ، بِمَعْنَى كَثَّرَهُمْ، بَلْ يُقَالُ: آمَرَهُ وَأَمّرَهُ. وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ".

أمَّره، وآمره، يعني هي ثلاث احتمالات: آمر وأمَّر وأمر، نفى اثنين فبقي الثالث، والاتباع معروف في أساليب العرب، يتبعون الكلمة بما هو على زنتها، حياك الله وبياك، ضعيف نعيف، ثقة لقة، كثير من الألفاظ التي اتبعت، وهي في الأصل لا تأتي مفردة، بل تأتي تابعة لغيرها، وفيه كتاب الأتباع لأبي الطيب الحلب، كتاب نفيس مطبوع.

"قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا" أَمَرْنا"؛ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الثَّلَاثَةَ تَجْتَمِعُ فِيهَا مِنَ الْأَمْرِ وَالْإِمَارَةِ وَالْكَثْرَةِ. وَالْمُتْرَفُ: الْمُنَعَّمُ، وَخُصُّوا بِالْأَمْرِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُمْ تَبَعٌ لَهُمْ".

لأن غير المترف في الغالب لا يفسق، فهو مشغول بتأمين المعيشة، أما المترف الذي كفي المؤونة ففي الغالب هو الذي يلتفت إلى هذه الأمور، والمخالفات، لاسيما إذا كان سنه مناسبًا.

أنَّ الشَّبابَ والفَراغَ والجِدَهْ     مفسدَةٌ للمرءِ أيُّ مفسدَهْ

فغير المترفين فالغالب أنهم لا يكونون من هذا النوع، وإن كان واحد منهم من هذا النوع فالغالب أنه يكون أشد وأعظم، فالعائل المستكبر ولو كان كبير السن ومع ذلك كان مقارفًا للذنوب فعذابه أشد.

طالب:.........

نعم.

طالب: .................

الأصل أنهم مأمورون بالطاعة، الأمر الشرعي أنهم مأمورون بالطاعة، وإن كان القدري المعصية، القدري هو الموافق للواقع، سواء كان يرضه الله أو لا، فهم شرعًا مأمرون بالطاعة، فما يقع منهم موافق للإرادة الكونية، وهو الفسوق.

نعم.

"الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَدَمَّرْناها} أي استأصلناها بالهلاك. {تَدْمِيرًا} ذكر الْمَصْدَرَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْعَذَابِ الْوَاقِعِ فيهِمْ. وَفِي الصحيح من حديث بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا فَزِعًا مُحْمَرًّا وَجْهُهُ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ»، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا. قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أنهلك وفيناالصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ»".

هذا الأمر مخوف، لاسيما وقد كثر الخبث، وإن وجد الصالحون، وجد العلماء، لكن كثر الخبث، والعقوبة مرتبة على كثرة الخبث، ولكن الخير موجود، والناس يرجعون إلى دين الله تعالى، ولله الحم، يعني من ثلاثين سنة والصراع قائم، الخير في ازدياد، لكن الشر أيضًا في عمومه منتشر، والذي يخشى هو كثرة الخبث الذي يوجد في محافل المسلمين وتحت أنظارهم مع ضعف المقاومة ومع ضعف المنكر، هو موجود لكنه ضعيف، والكلام على الأمة بكاملها، ولا ينظر لبلد من البلاد دون غيره.

  على كل حال إن لم ترجع الأمة وتراجع دينها فقد استحقوا العقوبة، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث، لكن إذا بدأت العقوبة، وظهرت علماتها وأمارتها، فحينئذ لا تفيد الرجعة إذا حق القول، ولا يستثنى من ذلك إلا قوم يونس على ما تقدم، لكن الآن الرجعة موجودة وطريق الإنابة مفتوح، باب التوبة أيضًا مفتوح، وعلى كل إنسان أن يسعى لصلاح نفسه، وإصلاح من تحت يده، والإصلاح على قدر الإمكان.

"وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَأَنَّ الْمَعَاصِيَ إِذَا ظَهَرَتْ وَلَمْ تُغَيَّرْ كَانَتْ سَبَبًا لِهَلَاكِ  الجميع، والله أعلم.

قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)}.

قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ} أَيْ كَمْ مِنْ قَوْمٍ كَفَرُوا حَلَّ بِهِمُ البوار. يخوف كفار مكة. وقد تقدم القول في القرن في أول سورة الأنعام، والحمد لله".

هو الخلاف فيه هل هو أربعون سنة، أو سبعون أو مائة سنة، أو المراد بالقرن الجيل، من غير تحديد سنين، مسألة مختلف فيها.

"{وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا}، " خَبِيرًا": عَلِيمًا بِهِمْ. بَصِيرًا يُبْصِرُ أَعْمَالَهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ} يَعْنِي الدُّنْيَا، وَالْمُرَادُ الدَّارَ الْعَاجِلَةَ، فَعَبَّرَ بِالنَّعْتِ عَنِ الْمَنْعُوتِ. {عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} أَيْ لَمْ نُعْطِهِ مِنْهَا إِلَّا مَا نَشَاءُ، ثُمَّ نُؤَاخِذُهُ بِعَمَلِهِ، وَعَاقِبَتُهُ دُخُولُ النَّارِ.

{مَذْمُومًا مَدْحُورًا} أَيْ مُطْرَدًا مُبْعَدًا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ".

من كانت نيته الدنيا فمثل هذا يوفى نصيبه في الدنيا، ولا يبخس منه شيء، ولكنهم في الآخرة ليس لهم إلا النار، وحبط ما صنعوا فيها، نسأل الله العافية، وهذا في أمور العبادات المحضة، أما أمور الدنيا فلا مانع أن يقصد بها الإنسن الدنيا زراعة، تجارة، صناعة، كل هذه من أمور الدنيا لا مانع أن تطلب بأمور الدنيا، بخلاف أمور الآخرة المحضة: الصلاة، الصيام، الزكاة، والحج، تعليم العلم وتعلمه، كل هذه من أمور الآخرة، لا يجوز التشريك، ولا يسوغ بحال، الله المستعان.

"{مَذْمُومًا مَدْحُورًا} أَيْ مُطْردًا مُبْعَدًا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ".

مطرودًا.

 "أَيْ مطْرودًا مُبْعَدًا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَهَذِهِ صِفَةُ الْمُنَافِقِينَ الْفَاسِقِينَ، وَالْمُرَائِينَ الْمُدَاجِينَ، يَلْبَسُونَ الْإِسْلَامَ وَالطَّاعَةَ؛ لِيَنَالُوا عَاجِلَ الدُّنْيَا مِنَ الْغَنَائِمِ وَغَيْرِهَا، فَلَا يُقْبَلُ ذَلِكَ الْعَمَلُ مِنْهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُعْطَوْنَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُسِمَ لَهُمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هُودٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُقَيِّدُ الْآيَاتِ الْمُطْلَقَةِ، فَتَأَمَّلْهُ.

{وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ} أَيِ الدَّارَ الْآخِرَةَ. {وَسَعى لَها سَعْيَها} أَيْ عَمِلَ لَهَا عَمَلَهَا مِنَ الطَّاعَاتِ. {وَهُوَ مُؤْمِنٌ}؛ لِأَنَّ الطَّاعَاتِ لَا تُقْبَلُ إِلَّا مِنْ مُؤْمِنٍ.

{وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم}، فالإيمان شرط لقبول الأعمال.

 {فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} أي مقبولا غير مَرْدُودٍ. وَقِيلَ: مُضَاعَفًا، أَيْ تُضَاعَفُ لَهُمُ الْحَسَنَاتُ إِلَى عَشْرٍ، وَإِلَى سَبْعِينَ وَإِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَإِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ قِيلَ لَهُ: أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَجْزِي عَلَى الْحَسَنَةِ الْوَاحِدَةِ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ؟» فَقَالَ" سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَجْزِي عَلَى الْحَسَنَةِ الْوَاحِدَةِ أَلْفَيْ أَلْفِ حسنة»".

مخرج في المسند وفيه ضعف، مخرج عندكم؟

طالب:..........

من؟

طالب: .................

على كل حال، الحديث ضعيف.

طالب: .................

علي بن زيد بن جدعان ضعفه أهل العلم، وإن وثقه أحمد شاكر.

طالب: .................

نعم، معروف.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ} اعْلَم أَنَّهُ يَرْزُقُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ. {وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} أَيْ مَحْبُوسًا مَمْنُوعًا، مِنْ حَظَرَ يَحْظُرُ حَظْرًا وَحِظَارًا. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ وَالْعَمَلِ، فَمِنْ مُقِلٍّ وَمُكْثِر"ٍ. {وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا}.

هذه الدنيا فيها تمايز، وفيها تفاضل، لكنه بالنسبة لتفاضل درجات الآخرة كلا شيء، التفاضل الحقيقي تفاضل {وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً}، {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا}، أما أمور الدنيا مهما تيسرت ومهما تفوقت فلا يفرح بها، فليست بتفضيل، وإن رأها جل الناس تفضيلًا، ولذا جاء في الحديث: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة »، لماذا لا ينفس عنهم كرب الدنيا؟ لأن كرب الدنيا كلا شبء بالنسبة لكرب القيامة.

"{وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا}.

أَيْ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَالْكَافِرُ وَإِنْ وُسِّعَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا مَرَّةً، وَقُتِّرَ عَلَى الْمُؤْمِنِ مَرَّةً فَالْآخِرَةُ لَا تُقْسَمُ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً بأعمالهم، فمن فاته شي مِنْهَا لَمْ يَسْتَدْرِكْهُ فِيهَا. وَقَوْلُهُ: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ} الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالْمُرَادُ أُمَّتُهُ. وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِلْإِنْسَانِ. (فَتَقْعُدَ) أَيْ تَبْقَى. (مَذْمُومًا مَخْذُولًا) لَا ناصر لك ولا وليًّا".

 

"قوله تعالى: {وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا (24)}.

 فيه ست عشرة مسألة:

الأولى: (قَضى) أَيْ أَمَرَ وَأَلْزَمَ وَأَوْجَبَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ والحسن وقتادة: ليس هَذَا قَضَاءُ حُكْمٍ بَلْ هُوَ قَضَاءُ أَمْرٍ. وَفِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "وَوَصَّى"، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَصْحَابِهِ، وَقِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا، وَكَذَلِكَ عِنْدَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ".

يعني أنها تفسير عن ابن مسعود.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا هُوَ" وَوَصَّى رَبُّكَ" فَالْتَصَقَتْ إِحْدَى الْوَاوَيْنِ فَقُرِئَتْ" وَقَضى رَبُّكَ"؛ إِذْ لَوْ كَانَ عَلَى الْقَضَاءِ مَا عَصَى اللَّهَ أَحَدٌ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: تَصَحَّفَتْ عَلَى قَوْمٍ" وَصَّى بِقَضَى" حِينَ اخْتَلَطَتِ الْوَاوُ بِالصَّادِ وَقْتَ كَتْبِ الْمُصْحَفِ".

طالب:.......

هذا الكلام ليس بشيء، ولو فتح باب الاحتمالات لمثل هذا ما سلم شيء، ما من كلمة إلا ولها ما يشبهها من الكلام، وما من كلمة إلا ويمكن ادعاء مثل هذا لها، والقرآن مصون من الزيادة والنقصان والتبديل والتحريف، وهو محفوظ بحفظ الله تعالى، لا يكل حفظه للأمة، {وإنا له لحافظون}، إنما الكتب السابقة: {بما استحفظوا عليه}، ووقع فيها ما وقع من التحريف، فالقرآن محفوظ لا يمكن أن يزاد فيه حرف أو ينقص منه حرف، كل حرف مقطوع به.

طالب: .................

نعم.

طالب: .................

هو يستفاد منها في كيفية الجمع، وكثير منها أخبارها ضعيفة، ومصاحف أبي داود غالبيتها ضعيفة، وهي ألفت لبيان الداعي والدافع لجمع القرآن، لبيان الداعي والدافع لجمع القرآن، وكيفية الجمع، وبعض القصص التي تحتف بالجمع على ما فيه من ضعف استغلت مثل هذه القصص الضعيفة في دعاوى تحريف القرآن، وأنه زيد فيه ونقص، وليس بصحيح؛ فالقرآن تولى الله حفظه فهو محفوظ بحفظ الله -جل وعلا-، ولم يحرف بخلاف الكتب السماوية السابقة.

 ولذا اليهودي الذي دعاه يحيى بن أكثم للإسلام، ما أسلم، فلما مرت سنة أسلم وجاء ليحيى، فقال له: ماذا حصل لك؟ فقال: كتبت ثلاث نسخ من التوراة، كل نسخة تختلف عن الثانية، فذهبت بها إلى السوق فاشتريت، ثم كتبت ثلاث نسخ من الإنجيل كل نسخة تختلف عن غيرها، وكذلك كتبت ثلاث نسخ من القرآن، كل نسخة تختلف عن الأخرى، وعرضتها على المسلمين في سوقهم فكل من نظر في مصحف رماها في وجهي، يقص القصة على يحيى بن أكثم القاضي المعروف، فلما حج يحيى ذكر القصة لسفيان بن عيينة، فقال له: هذا موجود في القرآن، الإشارة إلى حفظه، فالكتب السابقة استحفظوا وما حفظوا، وكتابنا وإنا له لحافظون فحفظ.

 فالقرآن محفوظ لا يتتطرق إليه خلل ولا تحريف.

 لما اختلفوا في البسملة هل هي من القرآن أو لا، حجة من ينفي كونها من القرآن وجود الخلاف في إثباتها، يعني فيها، فالقرآن لا يختلف فيه، بل هو مجمع عليه، وإن احتج من يقول بأنها من القرآن بإجماع الصحابة على كتابتها، لكن لا شك أن وجود الخلاف يدل على أنها ليست من القرآن، إذ لو كانت من القرآن لأجمع عليها كسائر الآيات، وموطن الخلاف معروف، وهو أنها في سورة النمل إجماع أنها جزء آية، وليست بآية في سورة التوبة، هذا أيضًا إجماع، والخلاف فيما عدا ذلك، وجمع من أهل العلم يراها آية واحدة، نزلت للفصل بين السور، كان شيخ الإسلام يرى هذا.

طالب: .................

نعم.

طالب:..........

كيف تكون؟

طالب:.........

يعني قدرًا زائدًا على ما فيه؟

طالب: .................

يعني من باب التعليم.

طالب:......

النهي في حديث سعيد: «لا تكتبوا عني سوى القرآن، ومن كتب شيئًا غير القرآن فليمحه»، حمله جمع من أهل العلم على من يكتب القرآن مع غيره في صحيفة واحدة، فيحصل اللبس، أما إذا لم يحصل اللبس فلا بأس.

نعم.

"وَقَالَ الضَّحَّاكُ: تَصَحَّفَتْ عَلَى قَوْمٍ" وَصَّى بِقَضَى" حِينَ اخْتَلَطَتِ الْوَاوُ بِالصَّادِ وَقْتَ كَتْبِ الْمُصْحَفِ. وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ قَوْلِ الضَّحَّاكِ. وَقَالَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَنُورًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ} ثُمَّ أَبَى أَبُو حَاتِمٍ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ ذَلِكَ. وَقَالَ: لَوْ قُلْنَا هَذَا لَطَعَنَ الزَّنَادِقَةُ فِي مُصْحَفِنَا، ثُمَّ قَالَ عُلَمَاؤُنَا الْمُتَكَلِّمُونَ وَغَيْرُهُمْ: الْقَضَاءُ يُسْتَعْمَلُ فِي اللُّغَةِ عَلَى وُجُوهٍ: فَالْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} مَعْنَاهُ أَمَرَ. وَالْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْخَلْقِ، كَقَوْلِهِ:" {فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ} يَعْنِي خَلَقَهُنَّ. وَالْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْحُكْمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قاضٍ} يَعْنِي احْكُمْ مَا أَنْتَ تَحْكُمُ. وَالْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْفَرَاغِ، كَقَوْلِهِ: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ} أَيْ فُرِغَ مِنْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ}، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:" {فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ}.

 وَالْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْإِرَادَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذا قَضى أَمْرًا فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، وَالْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْعَهْدِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ}، فَإِذَا كَانَ الْقَضَاءُ يَحْتَمِلُ هَذِهِ الْمَعَانِيَ فَلَا يَجُوزُ إِطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَعَاصِيَ بِقَضَاءِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بها، فَإِنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ. وَقَالَ زَكَرِيَّا بْنُ سَلَّامٍ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ فَقَالَ إِنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا. فَقَالَ: إِنَّكَ قَدْ عَصَيْتَ رَبَّكَ وَبَانَتْ مِنْكَ. فَقَالَ الرَّجُلُ: قَضَى اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيَّ! فَقَالَ الْحَسَنُ وَكَانَ فَصِيحًا: مَا قَضَى اللَّهُ ذَلِكَ أَيْ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}".

 وإن كان المراد بالقضاء التقدير فقد قدره الله عليه.

"الثَّانِيَةُ: أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَجَعَلَ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ مَقْرُونًا بِذَلِكَ، كَمَا قَرَنَ شُكْرَهُمَا بِشُكْرِهِ فَقَالَ: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا}. وَقَالَ: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا» قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، فَأَخْبَرَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ. وَرَتَّبَ ذَلِكَ "بِثُمَّ" الَّتِي تُعْطِي التَّرْتِيبَ وَالْمُهْلَةَ.

الثَّالِثَةُ: مِنَ الْبِرِّ بِهِمَا وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا أَلَّا يَتَعَرَّضَ لِسَبِّهِمَا وَلَا يَعُقَّهُمَا، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْكَبَائِرِ، بِلَا خِلَافٍ، وَبِذَلِكَ وَرَدَتِ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمَ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ. يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ»".

هو متسبب، نعم الرجل سب أباه مباشر، لكن من سب الرجل هو متسبب في سب والده، ولا يعني إبراء ذمته من سب والديه؛ لأنه غير مباشر، هم يقولون المباشرة تقضي على أثر التسبب، لكن لا يمنع أن يكون المتسبب له نصيب في الإثم، والعقوبة.

 فلو جاء شخص ودفع آخر إلى سيارة فدهسته السيارة، المباشر لقتله السيارة، والمسؤول عنها صاحبها، لكن هل تبرأ ذمته من المسؤولية؟ تبرأ عهدة من دفعه؟ لا تبرأ، فلا شك أنه متسبب، ومثله من سب أبا الرجل، فلا شك أنه يعرض أباه وأمه للسب، وفي حديث أبي ذر: «من سب الرجال سبوه وسبوا أباه وأمه».

"الرَّابِعَةُ: عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ مُخَالَفَتُهُمَا فِي أَغْرَاضِهِمَا الْجَائِزَةِ لَهُمَا، كَمَا أَنَّ بِرَّهُمَا مُوَافَقَتُهُمَا عَلَى أَغْرَاضِهِمَا. وَعَلَى هَذَا إِذَا أَمَرَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَدَهُمَا بِأَمْرٍ وَجَبَتْ طَاعَتُهُمَا فِيهِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْأَمْرُ مَعْصِيَةً، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَأْمُورُ بِهِ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحِ فِي أَصْلِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمَنْدُوبِ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إِلَى أَنَّ أَمْرَهُمَا بِالْمُبَاحِ يُصَيِّرُهُ فِي حَقِّ الْوَلَدِ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ وَأَمْرَهُمَا بِالْمَنْدُوبِ يَزِيدُهُ تأكيدًا في ندبيته".

طاعتهما في المعروف في غير معصية واجبة، فلابد من تلبية ما أراداه.

"الخامسة: روى الترمذي عن عُمَرَ قَالَ: كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ أُحِبُّهَا، وَكَانَ أَبِي يَكْرَهُهَا فَأَمَرَنِي أَنْ أُطَلِّقَهَا فَأَبَيْتُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلِّقِ امْرَأَتَكَ». قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

وفي رواية: «أطع أباك»، هل هذا من المعروف؟ هل هذا من الطاعة بالمعروف أن يأمر الأب ابنه بتطليق زوجته بلا سبب؟

لا، هذا ليس من المعروف، ولا يلزم الابن تلبية هذا الطلب؛ لأن الطاعة في المعروف، نعم إذا وجد سبب يلزمه أن يطيع أباه؛ لأن النبي أمر ابن عمر أن يطيع عمر، لكن من مثل عمر؟ قد يظن الأب أن هذا العمل مبرر للفراق، وفي الحقيقة لا يستحق أن يذكر، فضلاً عن أن يكون مبررًا.

 وعلى كل حال الطاعة في المعروف؛ لأن كثيرًا من الناس يشق عليه أن يفارق زوجته وأولاده بناءً على أوهام الأب والأم.

"السَّادِسَةُ" رَوَى الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسَ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ». فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَحَبَّةَ الْأُمِّ وَالشَّفَقَةَ عَلَيْهَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ مَحَبَّةِ الْأَبِ، لِذِكْرِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْأُمَّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَذِكْرِ الْأَبِ فِي الرَّابِعَةِ فَقَطْ.

وَإِذَا تَوَصَّلَ".

وَإِذَا تُوَصَّلَ.

 "وَإِذَا تُوَصَّلَ هَذَا الْمَعْنَى شَهِدَ لَهُ الْعَيَانُ. وَذَلِكَ أَنَّ صُعُوبَةَ الْحَمْلِ وَصُعُوبَةَ الْوَضْعِ وَصُعُوبَةَ الرَّضَاعِ وَالتَّرْبِيَةِ تَنْفَرِدُ بِهَا الْأُمُّ دُونَ الْأَبِ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَنَازِلَ يَخْلُو مِنْهَا الْأَبُ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: إِنَّ أَبِي فِي بَلَدِ السُّودَانِ، وَقَدْ كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ أَقدِمَ عَلَيْهِ، وَأُمِّي تَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَطِعْ أَبَاكَ، وَلَا تَعْصِ أُمَّكَ. فَدَلَّ قَوْلُ مَالِكٍ هَذَا أَنَّ بِرَّهُمَا مُتَسَاوٍ عِنْدَهُ".

فكيف يتسنى له أن يطيع أباه، ولا يعصي أمه، أبوه يقول له: افعل، وأمه تقول: لا تفعل؟ إذا كانت الأم في عصمة الأب، واختلفت رغبتاهما فطاعة الزوج على زوجته واجبة، فحينئذ تدخل طاعتها في طاعته، لكن عند المشاحة، إذا قال الأب: أوصلنا مكة، وقالت أمه: ما تروح. نقول: أطع أباك ولا تعصِ أمك؟ فكيف له أن يطيع أباه ولا يعصي أمه أو العكس؟ اللهم إلا إذا كان لديه قدرة على الإقناع والتفاهم والوعود الصادقة بأن يوصلهما في فرصة أخرى، أو يحاول أن يقنع أمه وشيء من هذا.

 رأي مالك -رحمه الله- كأنه جواب تهرب، كيف أطع أباك ولا تعصِ أمك، فلابد من حسمها ما تبقى معلقة، هل رأي مالك- رحمه الله- فيه جزم بالجواب؟ لا يوجد فيه جزم، لكن لا يقدح في رأيهما بشيء، فكل منهما في موضع رعاية وعليه أن يسدد ويقارب، ويحرص أن يرضي الجميع.

طالب: .................

نعم.

طالب: .................

يسدد ويقارب، ويحرص أن يرضي الجميع. ماذا يفعل؟

طالب: .................

على كل حال الأم أولى عند المشاحة.

نعم.

"وَقَدْ سُئِلَ اللَّيْثُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَمَرَهُ بِطَاعَةِ الْأُمِّ، وَزَعَمَ أَنَّ لَهَا ثُلُثَيِ الْبِرِّ. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْبِرِّ، وَهُوَ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ خَالَفَ. وَقَدْ زَعَمَ الْمُحَاسِبِيُّ فِي (كِتَابِ الرِّعَايَةِ) لَهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ لِلْأُمِّ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْبِرِّ وَلِلْأَبِ الرُّبْعُ، عَلَى مُقْتَضَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-. وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

السَّابِعَةُ: لَا يَخْتَصُّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ بِأَنْ يَكُونَا مُسْلِمَيْنِ، بَلْ إِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ يبرُّهُمَا".

يَبَرُّهُمَا.

"يَبَرُّهُمَا وَيُحْسِنُ إِلَيْهِمَا إِذَا كَانَ لَهُمَا عَهْدٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ}.  وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: قَدِمَتْ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَمُدَّتِهِمْ إِذْ عَاهَدُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِيهَا، فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِي أمك»، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً فِي عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أأصلها؟ قال: «نعم».

الصلة لا يمنع منها، سواء كان لقريب أو بعيد أو غيره، لا بأس بالوصال إن كان هناك مصلحة كدعوة وغيرها، ولا تتعدى إلى القلب، أما إذا تعدت إلى القلب فتدخل في الآية التي تليها، إنما ينهاكم الله، عن ماذا؟

طالب: .................

 المقصود تولوهم. الموالاة والمودة.

طالب:......

هذه المحبة الجبلية ما عليها شيء، المقصود المودة الشرعية التي يعاقب عليها كتفضيلها أوامرهم على كلام الله ورسوله. لكن المودة الجبلية كغيرها لمن أحسن إليك فلا شيء فيها. ولا يطاق مثل هذا.

طالب:.....

نعم.

طالب: .................

دخلت بعهد.

طالب: .................

لكنهم دخلوا بعهد.

"وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً فِي عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أأصلها؟ قال: «نعم». قال ابن عينية: فَأَنْزَلَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- فِيهَا: {لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} الْأَوَّلُ مُعَلَّقٌ، وَالثَّانِي مُسْنَدٌ.

الثَّامِنَةُ: مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا وَالْبِرِّ بِهِمَا إِذَا لَمْ يَتَعَيَّنِ الْجِهَادُ أَلَّا يُجَاهَدَ إِلَّا بِإِذْنِهِمَا. رَوَى الصَّحِيحُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ». لَفْظُ مُسْلِمٍ. وفِي غَيْرِ الصَّحِيحِ قَالَ: نَعَمْ، وَتَرَكْتُهُمَا يَبْكِيَانِ. قَالَ: «اذْهَبْ فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا». وَفِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ: «نَوْمُكَ مَعَ أَبَوَيْكَ عَلَى فِرَاشِهِمَا يُضَاحِكَانِكَ وَيُلَاعِبَانِكَ أَفْضَلُ لَكَ مِنَ الْجِهَادِ مَعِي»".

كل هذا إذا لم يتعين الجهاد، نعم البر متعين، والجهاد يتعين، فيكون مفولًا متعديًا، والبر لازم والمتعدي أفضل من اللازم.

طالب:......

أنهما بحاجته، والجهاد لم يتعين عليه.

طالب: .................

لا، لابد من البر هذا أصل في الباب، يعني لو قيل بعمومه فالتعين أخذ من نصوص أخرى، إذا تعين يعارض به، وإلا فهذا الحديث هو الأصل في الباب، يعني لو قدم بر الوالدين على الجهاد المتعين فله وجه، لكن النصوص الأخرى والقواعد العامة الشرعية تدل على أن المتعدي أولى. نعم.

طالب:........

لابد من موافقة الثاني.

"ذَكَرَهُ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ. وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُبَايِعُهُ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَتَرَكَ أَبَوَيْهِ يَبْكِيَانِ فَقَالَ: «ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا، كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا».

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنِ الْخُرُوجِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْأَبَوَيْنِ مَا لَمْ يَقَعِ النَّفِيرُ، فَإِذَا وَقَعَ وَجَبَ الْخُرُوجُ عَلَى الْجَمِيعِ. وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ جَيْشَ الْأُمَرَاءِ ... ، فَذَكَرَ قِصَّةَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ أبى طالب وابن رواحة وأن منادي وسول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَادَى بَعْدَ ذَلِكَ: أَنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، اخْرُجُوا فَأَمِدُّوا إِخْوَانَكُمْ، وَلَا يَتَخَلَّفَنَّ أَحَدٌ»، فَخَرَجَ النَّاسُ مُشَاةً وَرُكْبَانًا فِي حَرٍّ شَدِيدٍ.

فَدَلَّ قَوْلُهُ:" اخْرُجُوا فَأَمِدُّوا إِخْوَانَكُمْ" أَنَّ الْعُذْرَ فِي التخلف عن الجهاد إنما هو ما لَمْ يَقَعِ النَّفِيرُ، مَعَ قَوْلِهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: « فَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا ». قُلْتُ: وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَفْرُوضَ أَوِ الْمَنْدُوبَاتِ مَتَى اجْتَمَعَتْ قُدِّمَ الْأَهَمُّ مِنْهَا. وَقَدِ اسْتَوْفَى هَذَا الْمَعْنَى الْمُحَاسِبِيُّ فِي كِتَابِ الرِّعَايَةِ".

كتب الحارث الحاسبي فيها فائدة خاصة ما يتعلق بالقلوب، لكن فيها مخالفات، وكان الإمام أحمد يمنع قراءة كتبه.

"التَّاسِعَةُ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَالِدَيْنِ الْمُشْرِكَيْنِ هَلْ يَخْرُجُ بِإِذْنِهِمَا إِذَا كَانَ الْجِهَادُ مِنْ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ، فَكَانَ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ: لَا يَغْزُو إِلَّا بِإِذْنِهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: له أن يغزوبِغَيْرِ إِذْنِهِمَا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَالْأَجْدَادُ آبَاءٌ، وَالْجَدَّاتُ أُمَّهَاتٌ، فَلَا يَغْزُو الْمَرْءُ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ، وَلَا أَعْلَمُ دَلَالَةً تُوجِبُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُخُوَّةِ وَسَائِرِ الْقِرَابَاتِ. وَكَانَ طَاوُسٌ يَرَى السَّعْيَ عَلَى الْأَخَوَاتِ أَفْضَلَ مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

الْعَاشِرَةُ: مِنْ تَمَامِ بِرِّهِمَا صِلَةُ أَهْلِ وُدِّهِمَا، فَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أبر صِلَةُ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ».

 وَرَوَى أَبُو أُسَيْدٍ، وَكَانَ بَدْرِيًّا، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسًا فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ وَالِدِيَّ من بعد موتهما شي أَبِرُّهُمَا بِهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا بَعْدَهُمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا رَحِمَ لَكَ إِلَّا مِنْ قِبَلِهِمَا فَهَذَا الَّذِي بَقِيَ عَلَيْكَ»".

الله المستعان.

" وَكَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُهْدِي لِصَدَائِقِ خَدِيجَةَ بِرًّا بِهَما".

برًّا بها.

"برًّا بها وَوَفَاءً لَهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ، فَمَا ظَنَّكَ بِالْوَالِدَيْنِ".

 فحقهما أعظم.

 قد يقول قائل: زوجة الأب، هل لها حق على الابن، ابن الرجل من غيرها؟ الأصل أن لا حق لها إلا إذا كان الإحسان إليها يسر الوالد، فيكون من بره، كصديقه، أما هي في الأصل بالنسبة له فلا حق لها عليه، ثم النظر من جهة أخرى إن كان البر يسوء والدته فعليه أن يوازن، والإحسان في الجملة مطلوب، والإساءة ممنوعة.

طالب:.........

المسألة كلها موازنة، فالمسألة هذه مشكلة؛ لأنه لابد من مراعاة النفوس، وكسب رضا الجميع.

"الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما} خَصَّ حَالَةَ الْكِبَرِ؛ لِأَنَّهَا الْحَالَةُ الَّتِي يَحْتَاجَانِ فِيهَا إِلَى بِرِّهِ؛ لِتَغَيُّرِ الْحَالِ عَلَيْهِمَا بِالضَّعْفِ وَالْكِبَرِ، فَأُلْزِمَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ مُرَاعَاةِ أَحْوَالِهِمَا أَكْثَرَ مِمَّا أُلْزِمَهُ مِنْ قَبْلُ".

نعم؛ لأن الحاجة كلما اشتدت زادت التبعة، فإذا قدر شخص قوي نشيط يقضي حوائجه بنفسه، غني ليس بحاجة لأولاده، فهل يلزم أولاده بره مثل ما يلزم المقعد أو الفقير الذي يحتاج من يعوله؟ ولذا قال: {إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما}، فوقت الحاجة لا شك أنه هو وقت البر الحقيقي، قد يكون الغني ليس في حاجة، لكن بره ولو كان نشيطًا مما يبتغى به وجه الله، أما إذ لم يكن قادرًا فهنا يأتي الامتحان، فإذا بلغ الكبر تتوارد الأمور التي يزيد بعضها على بعض مما يشق على النفس، وهنا يتجلى البر الحقيقي، إذا كان فقيرًا مقعدًا لا يخدم نفسه، أضف إلى ذلك إن كان رجلًا سيئ الخلق، وتنبعث منه روائح كريهة، فهذا هو الجهاد، أما إن كان الوالد نشيطًا، وله صحبته، يباشر أعماله، فحاجته ليست كبيرة لولده، ويبقى البر برًّا، لا يجوز عصيانه وإن كان مما يخدم نفسه، لكن هذه الأمور تتفاوت، والأجور فيها تتفاوت، رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا، كنت صغيرًا لا تستقل بنفسك، فتوليا أمرك وأنشآك التنشئة التي وصلت بها إلى حد قد تغبط عليه، ومع ذلك تنكر الجميل في آخر الوقت، كفران، نسأل الله العافية.

"لِأَنَّهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَدْ صَارَا كَلًّا عَلَيْهِ، فَيَحْتَاجَانِ أَنْ يَلِيَ مِنْهُمَا فِي الْكِبَرِ مَا كَانَ يَحْتَاجُ فِي صِغَرِهِ أَنْ يَلِيَا مِنْهُ، فَلِذَلِكَ خَصَّ هَذِهِ الْحَالَةَ بِالذِّكْرِ".

ونعرف الآن من شيوخنا شيخ كفيف هو الذي يتولى أمر والدته من أوله لآخره، هذا توفيق من الله- عز وجل-، والناس معطى ومحروم، وهذه علامة خير، هذا إذا قلنا مثل هذا في الشيوخ الذين تعدوا السبعين. ويوجد طالب في المرحلة المتوسطة عمره أربع عشرة سنة لوحظ عليه التأخر، تفوت عليه الحصة الأولى كل يوم، يسأله المدرس ما يجيب السؤال، فانبرى له أحد المدرسين؛ ليعرف حقيقة الأمر، فوجده هو الذي يلي أمر والده، هو الذي ينظفه، ويدخله الحمام، ويغير له، وكل شيء، ويترتب عليه أنه يتأخر، فالخير في أمة محمد، لكن العقوق أيضًا كثر، كم من شخص من أفاضل الناس وخيار الناس ومن محسنيهم لما احتاج لأولاده رموه في أماكن الرعاية، مع المسنين يتمنى رؤية أولاده، هذا موجود وذاك، كما قال تعالى: {إن سعيكم لشتى} والله المستعان.