عمدة الأحكام - كتاب الطهارة (6)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه".

وفي لفظ لمسلم: "لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فركاً فيصلي فيه".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تقول عائشة -رضي الله عنها-: "كنت أغسل الجنابة" يعني أثر الجنابة من المني "من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" بهذا اللفظ يستدل من يقول بنجاسته؛ لأنها كانت تغسله، ولأنها يخرج من مخرج البول، "كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيخرج إلى الصلاة, وإن بقع الماء في ثوبه".

اللفظ الثاني لمسلم -رحمه الله-: "لقد كنت أفركه" وهذا يستدل به من يقول بطهارته؛ لأن النجاسة لا يكفي فيها الفرك، بل لا بد من الغسل، وهنا الدليل صريح في أنه طاهر؛ لأن النجس لا يكفي فيه الفرك، وإنما يلزم غسله، والغسل في الرواية الأولى: "كنت أغسل الجنابة" لأنه مما تستقذر رؤيته في الثوب كالمخاط، فإذا كان رطباًَ يغسل ويزال ولو بإذخرة، ولو بعود، ولو بحجر، المقصود أنه يزال أثره من الثوب؛ لأنه مما يستقذر ويستقبح كالبصاق، والرواية الثانية وهي رواية الفرك تدل على طهارته؛ لأن ما كان نجساً لا يكفي فيه الفرك، بل يلزم غسله بالماء، والمسألة خلافية، لكن الراجح من خلال هذه النصوص أنه طاهر، لكنه باعتباره مما يستقذر ويستقبح رؤيته إن كان رطباً يزال بأي شيء ولو بالغسل، وإن كان يابساً يفرك ويزال ويحت بظفر أو بعود أو نحوه ليزول أثره، فقد قالت عائشة -رضي الله عنها-: "لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فركاً فيصلي فيه".

وجاء عن ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل عنه فقال: ((إنما هو بمنزلة المخاط، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة)) يعني بعود شجرة أو شبهه، نعم.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل)) وفي لفظ: ((وإن لم ينزل)).

نعم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا جلس)) يعني الرجل، ((بين شعبها)) يعني شعب المرأة ((الأربع)) يداها ورجلاها، وهذه كناية عن الجماع، وما يحصل بين الرجل وزوجته، ((ثم جهدها)) يعني جامعها، ((ثم جهدها فقد وجب الغسل)) يعني بمجرد التقاء الختان بالختان يجب الغسل، يعني ((ولو لم ينزل)) كما في لفظ مسلم، فالموجب للغسل هو التقاء الختان بالختان ولو لم يحصل الإنزال، وأما ما جاء في الحديث الصحيح: ((إنما الماء من الماء)) فهذا كان في أول الأمر ثم نسخ، ((إنما الماء من الماء)) يعني يحصل الإيلاج ويحصل التقاء الختان بالختان ولا غسل إلا بالإنزال؛ لأن الماء إنما يكون من الماء، الماء الذي هو ماء الغسل إنما يجب بالماء الذي هو الماء الخارج من أثر الجماع، مفهومه: أنه إذا لم يخرج شيء من أثر الجماع فإنه لا ماء، يعني لا غسل، وهذا كان في أول الأمر ثم نسخ، ونص على نسخه جميع الشراح، وإن قال بمفاده بعض الظاهرية، وأنه ما زال محكماً.

وقال بعضهم: بأنه محمول على الاحتلام، على حالة الاحتلام يرى النائم أنه يجامع فلا يلزمه الغسل إلا إذا رأى الماء كما تقدم في حديث أم سلمة هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: ((نعم إذا هي رأت الماء)) فالماء الذي هو الغسل معلق برؤية الماء الذي هو الإنزال، وهذا في حال النوم فقط، أما في حال اليقظة فإذا التقى الختان الختان، فقد وجب الغسل، وإن لم ينزل كما جاء في هذا الحديث، نعم؟

طالب:.......

الإيلاج نعم، الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- بعد أن خرج حديث: ((الماء من الماء)) بين أنه منسوخ، بعد روايته أشار إلى ذلك، وفي العلل التي في آخر جامعه قال -لما ذكر الحديث-: "وقد بينا علته في الكتاب" فأشار إلى أن النسخ علة، لكنها لا تقدح في صحة الحديث وإن كانت علة بالنسبة للعمل به، الترمذي سمى النسخ هنا علة، والعلة الأصل فيها ما يقدح في الحديث؛ لأنها يشترط نفيها لصحة الخبر، لكنها هنا لا تقدح في صحة الخبر، الخبر صحيح، لكنها تقدح في العمل به؛ لأن المعمول به إنما هو المتأخر من الأمرين، والمتأخر من الأمرين لزوم الغسل ولو لم ينزل، نعم.

وعن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أنه كان هو وأبوه عند جابر بن عبد الله, وعنده قوم, فسألوه عن الغسل؟ فقال: يكفيك صاع، فقال رجل: ما يكفيني, فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعراً, وخيراً منك -يريد النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم أمنا في ثوب.

وفي لفظ: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفرغ الماء على رأسه ثلاثاً.

الرجل الذي قال: ما يكفيني هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب أبوه محمد بن علي.

عن أبي جعفر، جعفر هو الملقب بالصادق، وأبوه محمد بن علي بن الحسين المعروف بالباقر، وأبوه علي بن الحسين المعروف بزين العابدين، والحسين بن علي الجد سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الحسين بن علي بن أبي طالب، أنه كان هو وأبوه الباقر مع أبيه زين العابدين، الراوي الباقر، محمد بن علي بن الحسين، أبوه، كان هو وأبوه زين العابدين عند جابر بن عبد الله بن حرام السلمي الأنصاري الصحابي، ابن الصحابي، المشهور كان هو وأبوه وهذا مما تقدم مما يجب فيه ذكر الضمير المنفصل للفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، وهذا واجب على ما تقدمت الإشارة إليه.

كان هو وأبوه عند جابر بن عبد الله وعنده قوم فسألوه عن الغسل؟ فقال: يكفيك صاع، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، والصاع أربعة أمداد، فكان ديدنه -عليه الصلاة والسلام- الاغتسال بالصاع، وقد يزيد في بعض الأحيان، إلى خمسة أمداد، وفي هذا عدم الإسراف في الماء، على المسلم أن يقتصد في جميع أموره، والإسراف حرام، لكن الزيادة اليسيرة المحتملة معفو عنها، أما الأصل في الإسراف أنه محرم، ويتفاوت باعتبار المادة التي يسرف منها، فالمواد التي يكون الناس بحاجة إليها حاجة شديدة، ويتسبب في إسرافه على تضييع هذا المال على الناس الذي يحتاجون إليه أمره أشد، معلوم أن الماء لا سيما في هذه الأوقات التي شحت فيها الموارد أمره خطير، وعموم البشرية مهددون بالنسبة للماء فعلى الجميع أن يحتاطوا لهذا الأمر، ويرشدوا استهلاكهم من الماء، والشرع لا يأتي إلا بخير، ولا خير إلا دل الأمة عليه -عليه الصلاة والسلام-، ولو كان في الإسراف خير ما اقتصد في مثل هذه الأمور؛ لأن الماء في عرف كثير من الناس أمره يسير، لا سيما وأن قيمته زهيدة، لكن يتصور الإنسان أنه في يوم من الأيام يطلب الماء من بعيد بنفسه، يحضر الماء لنفسه، كون الأسباب تيسرت والجهود بذلت لتيسير هذا العنصر النفيس الذي جعل منه أو علق به حياة كل شيء، نعم هو أرخص موجود تساهل الناس في حمله، لكنه أعز مفقود، تصوروا إلى وقت قريب وكان الناس يحضرون الماء كل بوسيلته وطريقته، بالأواني يحضرونه من بعيد، وينقلونه على رؤوسهم، يعني لو كان الأمر كذلك ما حصل مثل هذا الإسراف، لكن كون الشيء ميسر مبذول سهل قريب بثمن رخيص، يجعل الناس يتساهلون مثل هذا التساهل، وإلا فالماء أمره خطير، علق به حياة كل شيء {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [(30) سورة الأنبياء] فأمره خطير، والدراسات تدل على نضوب الماء، والمياه الجوفية وغيرها، والله المستعان.

فهذا ديدنه وهذه طريقته -عليه الصلاة والسلام-، الاقتصاد في كل شيء حتى في الماء، الذي يتراءى للناس أنه شيء شبه لا قيمة له، بعض الناس لا يعتبره مال، هو مال، والناس شركاء فيه، لا يجوز لأحد أن يتعدى فيه على أحد، ولا..، ومنع فضله محرم كما جاءت بذلك النصوص، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كان ديدنه أن يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع.

"فقال: "يكفيك صاع"....... نتصور أن الإنسان في يوم من الأيام يحتاج إلى أن يتوضأ بمد لقلة الماء وندرته، أو يغتسل بصاع وقد عود نفسه أنه يغتسل بآصع كثيرة، ويتوضأ بأمداد، المد ما يملأُ كفي الرجل المعتدل، يعني إيش يجي؟ كم تتصورون اللتر الواحد من مد؟ نعم؟ يستطيع الإنسان أن يتوضأ بكوب صغير؟ نعم إذا مرن نفسه استطاع، لكن مع هذا الإسراف الموجود، وتيسر السبل والأسباب لا يستطيع، فدين الله بين الغالي والجافي، لا يتوضأ وضوء لا يجزئ يشبه المسح، لا، لكن يسبغ الوضوء ولا يسرف، الإنسان مأمور بالتوسط في جميع أموره، مع أنه مأمور بالإسباغ منهي عن الإسراف.

طالب:.......

هذا فيه كلام، ضعيف، الحديث ضعيف، لكن معناه صحيح.

"فقال: "يكفيك صاع" فقال رجل: ما يكفيني" ما يكفيني صاع، الآن يمكن كل الناس يقولون: ما يكفينا صاع، لماذا؟ لأنهم تعودوا، يفتح الحنفية تبع الماء ويغتسل بآصع كثيرة، عشرات الآصع، هذا هو الإسراف.

"فقال رجل: ما يكفيني, فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعراً أو خير منك".

الشراح يقولون: إن المد والصاع بالنسبة للرجل المعتدل الخلقة، لكن لو وجد شخص ضخم طويل عريض نعم، قد لا يكفيه الصاع يزيد، يزيد إلى أن يسبغ، يفيض، إلى أن يفيض الماء على جسده، ويغتسل الغسل المجزئ على أقل تقدير.

"فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعراً, أو خير منك" كثرة الشعر تحتاج إلى شيء من زيادة الماء، يريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

"فقال رجل: ما يكفيني" الرجل الذي قال: ما يكفيني، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، المعروف بابن الحنفية؛ لأنه ليس من ولد فاطمة -رضي الله عنها- إنما هو من الحنفية، المرأة الحنفية التي تزوجها علي -رضي الله عنه-.

"يريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم أمنا في ثوب" أمنا في ثوب: يعني صلى بنا وليس عليه إلا ثوب واحد، والصلاة في الثوب الواحد إذا كان ساتراً للعورة جائز، وقد سئل النبي -عليه الصلاة والسلام-: أيصلي أحدنا في الثوب الواحد؟ فقال: ((أولكلكم ثوبان؟)) يعني الناس كلهم عندهم أكثر من ثوب؟ نعم؟ يستبعد -عليه الصلاة والسلام- أن يوجد أكثر من ثوب عند الناس كلهم، وهذا في عصره -عليه الصلاة والسلام- هو الغالب، أن كل شخص عنده ثوب واحد، ولهذا تعلق الأحكام بالمقدور عليه، لكن الصلاة في الثوبين أكمل؛ لأنه أستر، كون الإنسان يصلي في ثوبين إزار ورداء، أو إزار وقميص، أو قميص وتبان، قميص وقباء... إلى آخره، المقصود أن يصلي في ثوبين أكمل وأستر، لكن إذا صلى في ثوب واحد يستر المحل المفروض كفى، فالواجب المشترط لصحة الصلاة ستر العورة، ويجب مع ستر العورة ستر المنكب، كما جاء في الحديث الصحيح: ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد وليس على عاتقه منه شيء)) ولما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أولكلكم ثوبان؟)) استفهم الراوي من أبي هريرة وقال له: أتعرف أبا هريرة؟ أبو هريرة نفسه يقول للراوي: أتعرف أبا هريرة؟ كان يصلي في الثوب الواحد وثيابه على المشجن، يعني عنده ثياب ثانية، لكن يصلي بثوب واحد؛ ليبين أن مثل هذا يكفي، والتعليم بالفعل قد يكون في بعض الأحوال أبلغ من التعليم بالقول، يعني تقول لشخص: توضأ بمد، يتصور هذا كلام نظري ما يمكن تطبيقه، لكن لما تأتي بمد، وتتوضأ أمامه، وتسبغ الوضوء أمامه، خلاص ما يحتاج إلى أن يتردد، لا يمكن أن يتردد بعد أن رأى بعينه، ليس الخبر كالعيان، فجابر -رضي الله عنه- صلى بثوب وأمهم بذلك، فالثوب كافٍ إذا كان ساتراً للمحل المفروض ستره، ستر العورة شرط من شروط صحة الصلاة.

"وفي لفظ: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفرغ الماء على رأسه ثلاثاً" يعني يغتسل بالصاع ويفرغ الماء على رأسه ثلاثاً، يعني كما تقدم في صفة الغسل الكامل أنه يغسل يديه ثلاثاً ثم يغسل فرجه، وما لوثه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفرغ الماء على رأسه ثلاثاً، ثم يغسل شقه الأيمن، ثم شقه الأيسر، ثم يتنحى ويغسل رجليه إن احتاج إلى غسلهما لتلوثهما بما في المحل من طين وشبهه، أما إذا لم يكن بحاجة إلى غسل الرجلين فلا داعي له، والله المستعان.

"فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفرغ الماء على رأسه ثلاثاً".

ثم قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في بيان الرجل الذي قال: ما يكفيني، وحينئذ الإبلاغ أو المبالغة في الإنكار على من تردد في قبول السنة، لما قال: ما يكفيني، ماذا قال له جابر؟ قال: كان يكفي من هو خير منك، يكفي من هو أوفر منك شعراً، هذا أسلوب، نعم يحتاج إليه في بعض الأحوال، وإن كان الأصل في التعليم الرفق كما تقدم، ((دعوه)) ((لا تزرموه)) يعني لا تقطعوا عليه بوله، دعوه، اتركوه، هذا الأصل في التعليم الرفق، تعليم الجاهل، لكن من تردد في قبول السنة، ورأى المعلم أن المصلحة في ردعه فالأولى أن يردع مثل هذا، فلا شك أن الأسلوب اللين المؤدي للغرض برفق لا تترتب عليه آثار، ولا ردود عكسية، هذا هو الأصل، لكن يبقى أن بعض الناس فيه شيء من اللؤم، يحتاج إلى ما يردعه، وهذا كثير ممن يكتب عن الإسلام والدين والمتدينين، مثل هؤلاء كثير منهم يحتاج إلى أن يؤطر على الحق، ولا يفيد فيه نقاش، وإن كان الأصل أن المناقشة بالأسلوب الهادئ اللطيف في تعليم الجاهل؛ لأن بعض من يكتب ليسوا بجهال، إنما هدفهم وقصدهم -والله أعلم بالنيات- لكن يظهر من ثنايا كلامهم أنهم يقصدون انتقاص الدين والمتدينين، والله المستعان، ولذا قال: كان يكفي من هو أوفر منك شعراً، فنحتاج إلى بعض الأساليب التي تردع بعض الكتاب، والله المستعان، نعم؟

طالب:.......

اللتر، اللتر الواحد كم يساوي من مد؟ يعني اللتر الواحد إذا قارناه بالصاع الصاع كم جرام؟ الصاع من الماء، صاع الماء غير صاع البر، نعم إذا قارنا الصاع بالوزن، فصاع الماء أكثر من صاع البر في الوزن؛ لأن البر أخف من الماء، فإذا كان البر كيلوين ونصف ....... ثلاثة، ثلاثة كيلو صاع الماء، نعم؟

طالب:.......

ثلاثة كيلو صاع الماء، أو تزيد ثلاثة ونصف، فثلاثة الكيلو والنصف أربعة أمداد، فقل المد كيلو إلا ربع تقريباً يعني، نعم.

باب التيمم

عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً معتزلاً لم يصل في القوم؟ فقال: ((يا فلان, ما منعك أن تصلي في القوم؟)) فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء, فقال: ((عليك بالصعيد فإنه يكفيك)).

يقول -رحمه الله تعالى-:

"باب التيمم" التيمم في الأصل، في اللغة القصد، يممت فلاناً إذا قصدته، وهو قصد الصعيد الطيب الطاهر وهو ما على وجه الأرض، وضربه باليدين واستعماله مطهراً بدلاً عن طهارة الماء على الصفة التي يأتي شرحها.

"عن عمران بن حصين -رضي الله عنه-" صحابي جليل أبو نجيد، كان في مرضه كما في الصحيح يسلم عليه عياناً، تسلم عليه الملائكة بكلام يسمع، في مرضه، فاكتوى فانقطع التسليم، فندم فعاد التسليم، رضي الله عنه وأرضاه، "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً معتزلاً لم يصل في القوم؟" يعني في جملة القوم، ومع القوم، لم يصل في القوم، يعني في جملتهم ومعهم، ليس معنى: لم يصل في القوم أنه يؤمهم، لا، معتزل في ناحية، في طائفة، والناس يصلون، وهذه الجادة والعادة النبوية في مثل هذا، وإلقاء السؤال عليه، ((ما منعك أن تصلي؟)) ما قال له: قم فصل، ((ما منعك أن تصلي؟)) يسأل عن السبب، لعل لديه سبب مقبول، رجل دخل وجلس، ما قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: قم فصل ركعتين، بادئ الأمر، قال له: ((هل صليت ركعتين؟)) وهكذا ينبغي أن يلقى التعليم بهذه الطريقة، هل صليت ركعتين؟ احتمال أن تقول: قم فصل ركعتين؟ قال: يا أخي أنا صليت، لكن ما شفتني، يأتي شخص فيجلس تقول: قم فصل ركعتين، قال: يا أخي أنا صليت هناك وراء العمود ذاك، ما يلزمك أن تشوف الناس كلهم، فيسأل بأسلوب مناسب، ((هل صليت ركعتين؟)) لأن النفوس لا تقبل الأمر والنهي، يثقل على الإنسان أن يؤمر وينهى، لكن يسأل ويستفهم بلطف، فإذا تبين أنه جاهل وما صلى يبين له أن هذا أمر مطلوب شرعاً، ما منعك أن تصلي مع الناس، ما يقال له مباشرة: صل مع الناس، أو لا تجلس، أمر وإلا نهي، يسأل برفق ولطف، وهذا إذا عرف من حاله أو دلت القرائن من حاله أنه جاهل، وإلا مثل ما ذكرنا آنفاً أنه قد يحتاج إلى شيء من تعنيف المخالف وردعه، هنا ((ما منعك أن تصلي في القوم؟)) فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة, ولا ماء, ولا يعرف البدل، أصابتني جنابة ولا ماء، أو يعرف أن هناك شيء اسمه التيمم وهو بديل عن الماء، لكن لا يظن أنه يجزئ عن الغسل، أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: ((عليك بالصعيد فإنه يكفيك)) والصعيد الطيب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين، شخص جالس بدون الماء أو عنده ماء يسير يكفيه للشرب والأكل، هذا مثل المعدوم حكماً، وإن كان موجود عيناً حقيقة، لكن إن شاء أن يتوضأ به مات من العطش، يأتي إلى التيمم، إذا كان عنده ماء ولا يستطيع استعماله في مرض أو لشدة برد أو نحوه، فإنه حينئذٍ يكون عادم للماء حكماً، وإن كان حقيقة موجوداً، يكفيه الصعيد الطيب، وفي الحديث: ((الصعيد الطيب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتقِ الله وليمسه بشرته)) دين الله بين الغالي والجافي، لا نقول: أنت ما وجدت الماء، أو شخص يبحث عن الماء حتى يكل ويمل، وتضيع عليه الأوقات في كل وقت يبحث عن الماء حتى يضيق وقت الصلاة أو يستعمل التيمم مع تيسر الماء وقربه منه، كما يفعله الكثير من المتساهلين من المسلمين، الماء قريب جداً من عنده ويتيمم، نقول: لا يا أخي، التيمم لا يجزئ ولا يكفي مع وجود الماء، فلم تجدوا ماءاً فتيمموا، علقت صحة التيمم على عدم وجود الماء، أما مع وجوده فلا يجزئ التيمم.

((الصعيد الطيب طهور المسلم)) يكفيه ((ولو لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتقِ الله وليمسه بشرته)) لما يستقبله من أحداث أو لما مضى؟ نعم؟ المسألة مبنية على التيمم البديل عن طهارة الماء، الطهارة بالماء ترفع الحدث اتفاقاً، ترفع الحدث بالإجماع، التيمم الذي هو بديل عن الماء هل هو مبيح لمزاولة العبادات التي لا تصح إلا بطهارة مبيح، أو هو رافع رفع مطلق، أو رافع رفع مؤقت إلى وجود الماء؟ نعم، رافع رفع مؤقت إلى وجود الماء، ويش معنى هذا الكلام؟ إذا قلنا: مبيح أن الحدث موجود، ما ارتفع الحدث موجود، فأنت تصلي وأنت محدث، لكنك أذن لك أن تصلي بهذه الطهارة الناقصة المبيحة للصلاة، تقرأ القرآن بهذه الطهارة المبيحة لقراءة القرآن، لكن ما زلت محدث، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أقر من قال لعمرو بن العاص أنه صلى بقومه وهو جنب، نعم؟ فبهذا يستمسك من يقول: إن التيمم مجرد مبيح، إيش معنى مبيح؟ إذا أردت أن تصلي تيمم؛ لتستبيح بهذا التيمم الصلاة، وإلا فأنت جنب، إذا أردت أن تقرأ القرآن تيمم، لتستبيح قراءة القرآن وأنت جنب، إذا خرج الوقت ودخل وقت صلاة أخرى تيمم، ولو لم تحدث، إذا قلنا: رافع، مثل الوضوء، البدل له حكم المبدل، خلاص تيمم، ارتفع الحدث، كأنك توضأت واغتسلت، ولا فرق، وتصلي بهذا التيمم وتفعل جميع العبادات التي تفعلها بالوضوء؛ لأن الحدث ارتفع، رفع مطلق، إذا قلنا: رفع مؤقت إلى وجود الماء، قلنا: فليتقِ الله وليمسه بشرته، صلِ بهذا التيمم كأنك متوضأ، كأنك مغتسل إن كنت جنب، وافعل جميع العبادات التي تفعل بالطهارة الأصلية بالماء، لكن إذا وجدت الماء عليك أن تغتسل، المسألة مفترضة في شخص أصابته جنابة، بحث عن الماء ما وجد، تيمم وصلى، قام لصلاة الصبح فإذا به قد أجنب، بحث عن ماء ما وجد، تيمم وصلى الصبح، فلما طلعت الشمس وجد الماء، هل نقول: إن الجنابة ارتفعت ما يحتاج إلى أن يغتسل، خلاص راحت رفع مطلق، أو نقول: إن هذا مبيح للصلاة وليس برافع، فيلزمه أن يغتسل؟ أو نقول: هو رفع الحدث رفعاً مؤقتاً إلى وجود الماء فعليه أن يغتسل؟ يعني الجنابة التي مضت وتيمم عنها، ارتفعت وإلا ما ارتفعت؟

طالب:.......

رفع مطلق؟

طالب:.......

نعم، أو رفع مؤقت إلى أن يجد الماء، ((فليتقِ الله وليمسه بشرته))؟ نعم؟

طالب:.......

أنا أريد الجنابة التي حصلت قبل صلاة الصبح، وتيمم عنها، وصلى الصبح بالتيمم عن الجنابة ثم وجد الماء، إذا قلنا: رفع مطلق قلنا: كأنه اغتسل، انتهت الجنابة، وليتقِ الله وليمسه بشرته فيما يستقبله من أحداث، أما ما مضى انتهى، ارتفعت الجنابة، وإذا قلنا: رفع مؤقت، قلنا: فليتقِ الله وليمسه بشرته فيما مضى من حدث كالغسل، وعندهم الحديث محتمل، ((فليتقِ الله وليمسه بشرته)) لما مضى من حدث، أو ((فليتقِ الله وليمسه بشرته)) لما يستقبل من أحداث، لكن المرجح أنه يرفع رفعاً مؤقتاً إلى وجود الماء، لماذا رجحنا هذا الاحتمال على الاحتمال الثاني؟ لماذا؟ رجحنا هذا الاحتمال على الاحتمال الثاني لأننا إذا قلنا: ((فليتقِ الله وليمسه بشرته)) لما يستقبل من الأحداث الحديث فيه فائدة جديدة؟ يأتي بفائدة جديدة؟ كل نصوص الطهارة تدل على هذا، لسنا بحاجة إلى مثل هذا الخبر، ((فليتقِ الله وليمسه بشرته)) فيكون مؤكداً لأحاديث أخرى، إذا قلنا: ((فليتقِ الله وليمسه بشرته)) لما مضى من حدث قلنا: هذا مؤسس لحكم جديد، مؤسس لحكم جديد نستفيده من هذا الحديث فقط، ما في الباب غير هذا الحديث، وعند أهل العلم أن التأسيس أولى من التأكيد.

الحديث الذي يليه.

وعن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- قال: بعثني النبي -صلى الله عليه وسلم- في حاجة، فأجنبت، فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد، كما تتمرغ الدابة، ثم أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذكرت ذلك له، فقال: ((إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا)) ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه.

عمار بن ياسر -رضي الله عنه- قال: قال: بعثني النبي -صلى الله عليه وسلم- في حاجة فأجنبت، أصابته جنابة، فلم يجد ماءً، وقد سمع أن التيمم بديل عن استعمال الماء عند عدمه، فلم أجد الماء فتمرغت، لكن كيف يستعمل التيمم؟ ظن أنه لا بد من تعميم البدن بالتراب في الغسل كما يعمم بالماء عند وجوده، فتمرغت في الصعيد، تمرغ في الصعيد تعرى وتقلب في الصعيد؛ ليعم التراب جميع بدنه كما يعمه الماء على الصورة المعروفة في الاغتسال، يقول: فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، تقلب، ثم أتيت النبي -عليه الصلاة والسلام- فذكرت له ذلك، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا)) تقول هنا إطلاق القول على الفعل، وهذا كثير في النصوص، إطلاق القول على الفعل وإلا فالأصل أن القول اللفظ، الكلام، هنا يطلق على الفعل، ((إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا)) ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه، الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه.

ما المقدم؟ المقدم مسح اليدين وإلا الوجه في الحديث، نعم؟

طالب:........

نعم، لكنه عطف بالواو التي لا تقتضي الترتيب، هذا الحديث يدل على أن التيمم يجزئ عن الغسل في الجنابة لعادم الماء، وإنه لا يلزم فيه الترتيب، وهذا في التيمم البديل عن الغسل، وأما في التيمم البديل عن الوضوء؛ لأن الغسل ما يحتاج إلى ترتيب، يعني لو عم جميع بدنه بالماء، يعني لو غسل رجليه قبل وجهه في الغسل، ما يحتاج إلى ترتيب، الغسل لا يحتاج إلى ترتيب، وهذا كذا بدله التيمم لا يحتاج إلى ترتيب، ولذلك قال: "ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجه" فلا يحتاج إلى ترتيب.

التيمم البديل عن الوضوء، والوضوء يلزم فيه الترتيب، نعم، إذن بدله يلزم فيه الترتيب، التيمم عن الوضوء يلزم فيه الترتيب، فيمسح وجهه ثم يمسح كفيه.

"ثم ضرب بيديه الأرض" النبي -عليه الصلاة والسلام- ضرب بيديه الأرض، وهذا تعليم بالفعل، وهو أبلغ من التعليم بالقول؛ لأنه ليس الخبر كالمعاينة كما هو معروف، "ثم مسح الشمال على اليمين" الآن الممسوح الوجه معروف، الوجه معروف حدوده، لكن الممسوح في التيمم؟ الممسوح في التيمم بالنسبة لليدين إلى أين؟ هنا يقول: وظاهر كفيه، والكف تطلق إلى الرسغ، إلى المفصل هذا، الكف تطلق إلى الرسغ، والممسوح اليد، جاءت اليد في آية التيمم مطلقة، وجاءت في آية الوضوء مقيدة، جاءت اليد في آية التيمم مطلقة، {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ} [(43) سورة النساء] إيش؟ نعم، مطلقة، وجاءت اليد في آية الضوء مقيدة بالمرافق، فهل نقول في مثل هذا: يحمل المطلق على المقيد؟ نعم؟ يحمل وإلا ما يحمل؟ نعم؟

طالب:........

لماذا؟ للاختلاف في إيش؟ في الحكم وإن اتفق السبب، السبب متحد، السبب الحدث، والحكم مختلف، هذا غسل وهذا مسح، ما دام اختلف الحكم لا يحمل المطلق على المقيد، وإن اتحد السبب، أيضاً آية الوضوء مقيدة بالمرافق، وآية السرقة اليد مطلقة ولا يحمل المطلق على المقيد للاختلاف في الحكم والسبب، وهذا سبقت الإشارة إليه، وعلى هذا التيمم للكفين فقط، وليس إلى المرفقين كما يقول بعض أهل العلم، وشذ بعضهم فقال: إلى الآباط وإلى المناكب، لكن المطلوب مسحه في التيمم الكفان، نعم.

وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لـي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِ، وأحلت لـي الغنائم، ولم تـحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يـبعث إلى قومه خاصة، وبعـثت إلى الناس عامة)).

حديث جابر في ذكر الخصائص النبوية الخمس، الخصائص كثيرة، خصائص النبي -عليه الصلاة والسلام- كثيرة جداً، وخصائص أمته أيضاً كثيرة، خصت هذه الأمة دون سائر الأمم بخصائص، وخص نبيها -عليه الصلاة والسلام- بخصائص، لم يعطها أحد قبله من الأنبياء، وألفت في ذلك المؤلفات، للسيوطي كتاب: الخصائص مطبوع في ثلاثة مجلدات، فالخصائص النبوية كثيرة، هذا لشرفه -عليه الصلاة والسلام-، والتخصيص تكريم، تكريم لهذا النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي)) هل الوضوء من خصائص هذه الأمة؟ نعم؟ ((إن أمتي يبعثون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء)) فهل الوضوء من الخصائص؟ نعم؟ أو الذي من الخصائص الغرة والتحجيل والوضوء موجود في الأمم السابقة؟ نعم الوضوء موجود في الأمم السابقة، لكن خصيصة هذه الأمة بالغرة والتحجيل، فليس الوضوء من الخصائص؛ لأن جريجاً توضأ، وسارة امرأة إبراهيم توضأت، فخصيصة هذه الأمة بالغرة والتحجيل.

يقول: ((أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر)) وفي بعض الروايات: ((مسيرة شهرين)) نعم مسيرة شهرين ذهاباً وإياباً، مسيرة شهراً ذهاباً فقط، ومسيرة الشهر تبلغ أقصى الدنيا، آلاف الأميال، مجرد ما يسمع باسمه يصاب خصمه بالرعب، مجرد ما يسمع الخصم والعدو أن محمداً -عليه الصلاة والسلام- يجهز لغزوه ينهار؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نصر بالرعب؛ ولأمته جماعات وأفراد النصيب من هذا الرعب بقدر اقتدائهم به -عليه الصلاة والسلام-، فإذا اقتدوا به -عليه الصلاة والسلام- ظاهراً وباطناً، نصروا بالرعب، إذا تخلوا عن دينه وتعاليمه وابتعدوا عن شرعه ومنهجه لم يكن لهم شيء من الرعب، ولذا كما ترون الآن في وضع الأمة، الأمة راعبة وإلا مرعوبة؟

طالب: مرعوبة.

مرعوبة، بسبب بعدها عن المنهج النبوي الرباني، هم أصيبوا بالرعب، وضربت عليهم الذلة بسبب تركهم ذروة سنام الإسلام، كما جاء في الحديث: ((إذا تبايعتم بالعينة، واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله ضربت عليكم الذلة)) ولا يمكن أن ترفع هذه الذلة إلا بمعاودة الدين، وذلة وأي ذلة، وقد سلط على هذه الأمة، وهي خير أمة أخرجت للناس، سلط عليها من؟ أراذل البشر، من   ضربت عليهم الذلة والمسكنة إلى يوم القيامة، لا يستطيعون أن يتصرفوا إلى بحبل من الله وحبل من الناس، حبل الله مقطوع، بقي حبل الناس، لولا من يمدهم من دول الكفر ما قامت لهم قائمة؛ لأنهم مضروب عليهم ذلة ومسكنة، فهذه الأمة التي ضربت على أراذل الخلق وهم اليهود سُلطت على خير أمة أخرجت للناس، لماذا؟ مبالغة في النكاية بهذه الأمة، لبعدها عن دين الله، وشرع الله، يعني لما يقال: زيد قتله الأسد، معذور يا أخي قتله الأسد، لكن لما يقال: قتله جُعل، أو خنفساء أو شيء من هذا، هذا عجب، غاية في الذلة والمهانة، يسلط عليك أرذل المخلوقات، هذا مبالغة في النكاية بهذه الأمة التي أعرضت عند دين الله، وإن كانت هذه أفضل الأمم وخير الأمم، لكن الفضل والخير معلق بوصف، إن وجد هذا الوصف وإلا ليس بينهم وبين الله نسب، {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [(38) سورة محمد] وإلا فالأصل أن هذه الأمة ما دامت متمسكة بدين الله، ملتزمة بشرع الله، مقتفية لأثر نبيها -عليه الصلاة والسلام-، هي خير أمة أخرجت للناس، والوصف الذي علقت به الخيرية إن قام كما ينبغي رجعت هذه الخيرية، {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [(110) سورة آل عمران] لماذا؟ لأنكم عرب؟ لا والله، الوصف ما هو...، {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [(110) سورة آل عمران] والله المستعان.

((نصرت بالرعب)) فمتى استقامت الأمة على دين الله وعلى شرع الله نصرت بالرعب، وهذا أيضاً على مستوى الأفراد، شيء محسوس وملموس، إذا وجدت شخص مستقيم على دين الله وعلى شرع الله تخاطبه وأنت وجل، تخاطبه وأنت تأخذ راحتك وأنت تخاطبه؟ ما تأخذ راحتك، بعض المسئولين الكبار، كبار، كبار، بأيديهم أمر ونهي وحل وعقد، يأتي ليخاطب عالم من أضعف الناس بنية، بل من أضعف الناس شخصية، وهو يرتعد، لماذا؟ لأن هذا استقام على شرع الله، نصر بالرعب، بقدر نصيبه من اقتدائه بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، إيش معنى هذا من المسئول الكبير الخطير الذي يملك الجيوش يأتي ليقابل عالم من علماء المسلمين العاملين في الأيام شديدة البرد ويده كأنها مغموسة في ماء من العرق، ويرتعد، إيش معنى هذا؟ هذا الرعب، هذا الخوف، هذه الهيبة التي تقذف في قلوب العباد لمن يعمل بشرع الله -عز وجل-.

((وجعلت لـي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل)) هذا هو الشاهد من الحديث، ((جعلت لـي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِ)) الأمم السابقة كانوا لا يصلون إلا في مواضع عباداتهم، في بيعهم وكنائسهم، في هذا حرج شديد، لكن هذه الأمة جُعلت لها الأرض مسجداً وطهوراً، أدركتك الصلاة عندك المسجد وعندك الطهور، اضرب بيدك الأرض مرة واحدة، وامسح وصل، وهذا من يسر هذه الشريعة، ((إن الدين يسر)) ((بعثت بالحنيفية السمحة)) وليس معنى هذا أن الإنسان يتنصل من الواجبات، ويرتكب المحرمات، ويقول: الدين يسر، لا يا أخي، الدين يسر نعم، الأصل في الدين أنه تكاليف، والتكاليف إلزام ما فيه كلفة، لكن هذه الكلفة محتملة، أصابتك نجاسة تغسل هذه النجاسة، ما يلزم أن تأتي بالمقراض وتقرض موضع النجاسة، الدين يسر، لكن تترك النجاسة وتقول: الدين يسر، ما هو بصحيح، الدين تكاليف، ((حفت الجنة بالمكاره)) يخطئ من يفهم يسر الدين بالتنصل عن فعل الواجبات، وارتكاب المحظورات، لا، الدين تكاليف، نعم، والإنسان إذا بلغ كُلف إيش معنى كلف؟ ألزم ما فيه كلفة، يعني هل يستوي في أيام الشتاء القارس من هو متلفلف في فراشه ومؤذن، المؤذن يؤذن لصلاة الصبح، وبين من يستعمل الماء مع برودته ويخرج إلى المسجد؟ ما يستوي، لو قال: إن الدين يسر، وتلفلف بالفراش ونام، والدين يسر، نعم يسر لكن هو تكاليف يا أخي قم من منامك وتوضأ واستعمل الماء رغم برودته، واخرج تعرض للهواء وصل مع الجماعة، هذا الدين يسر، لكن ليس معنى هذا أنك تعرض نفسك للتلف، لا، فالدين يسر نعم، يعني لا يعرضك لما لا تحتمله ولا تطيقه، نعم، لكنه يسر، يكلفك ما تطيق، {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [(286) سورة البقرة] أما ما يطاق وإن كان ثقيلاً على النفس، والنفس تحتاج إلى جهاد من أجل تحمل هذه التكاليف، ومع ذلكم هو يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، يأتي شخص يصلي من صلاة العشاء إلى أذان الفجر، ويقول: يا أخي الدين يسر، ((لكني أنام وأصلي)) وليس من هديه -عليه الصلاة والسلام- قيام الليل كله؛ لأن الدين يسر، لكن ما تقول: أنا لا أصلي العشاء في الجماعة ولا الفجر مع الجماعة لأن الدين يسر، لا يا أخي، تصلي.

((جعلت لـي الأرض مسجداً وطهوراً)) ((جعلت لـي الأرض مسجداً)) تصلي في جميع بقاع الأرض، ما لم تكن هذه الأرض مما استثني في النصوص لنجاستها مثلاً الحسية أو المعنوية، فهذا الحديث مخصوص، هذا الحديث وهو من أحاديث الخصائص مخصوص، تصلي في مجزرة فيها الدماء؟ ما تصلي، تصلي في مزبلة؟ ما تصلي، تصلي في مقبرة؟ ما تصلي، وغير ذلك مما جاءت النصوص بمنع الصلاة فيه، وهذا تخصيص لحديث الخصائص.

ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- والحافظ ابن حجر يرون أن أحاديث الخصائص لا تقبل التخصيص، لماذا؟ لأن الخصائص تشريف للنبي -عليه الصلاة والسلام-، والتخصيص تقليل لهذا التشريف، فكيف يجتمع تشريف ثم تقليل؟ التشريف يحتاج إلى مزيد، فالخصائص عندهم لا تقبل التخصيص، فعلى هذا تصلي في المقبرة؛ لأن ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) على عمومه، تخصيص المقبرة بالمنع من الصلاة فيها وقد جاء النهي عن الصلاة في المقبرة وإلى القبور تقليل لهذا التشريف، كيف؟

طالب:........

أقول: يا أخي ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- حينما قال ذلك لحظ ملحظ، وهو أن..، هو ما ذكرناه من أن الخصائص تشريف، والتشريف بحاجة إلى مزيد وليس بحاجة إلى نقص، ملاحظة لحقه -عليه الصلاة والسلام-، نقول: الصلاة في المقبرة إنما منعت لحق الله -عز وجل-؛ لأن الصلاة في المقبرة ذريعة إلى الشرك، المحافظة على التوحيد من حق الله -عز وجل-، إذا تعارض حق الله -عز وجل- مع حق نبيه -عليه الصلاة والسلام- أيهما أولى بالمحافظة؟ حق الله -عز وجل-، فتمنع الصلاة في المقبرة مراعاة لحق الله -عز وجل-.

((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) طهوراً ((الصعيد الطيب طهور المسلم)) {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة النساء] ومقتضى ذلك يتناول جميع ما على وجه الأرض، ((جعلت لي الأرض)) بجميع ما على وجهها، والصعيد: ما تصاعد على وجهها من أي شيء كان، تراب أو رمل، حصى، حجر، نورة، أي شيء على وجه الأرض، حتى الفرش هذا إذا أمكن التيمم به لوجود الغبار، جميع ما على وجه الأرض.

الرواية الصحيحة في صحيح مسلم: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) هل تتعارض هذه الرواية مع ما معنا؟ ((جعلت لي الأرض)) يعني جميع ما على وجهها، الرواية الثانية في صحيح مسلم: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) هل هناك معارضة بين الروايتين؟ نعم؟

طالب:........

لماذا؟

طالب:.......

الخاص مقدم على العام، إذن الخاص مقدم على العام.

طالب:.......

لا، لا...... القذرة مستثناة، منتهية، لكن غير القذرة، وجدنا رمل نظيف، أو حجارة نظيفة ملساء، ما فيها شيء يعلق باليد، هذا على وجه الأرض نتيمم وإلا ما نتيمم؟ إذن ماذا عن قوله: ((وجعلت تربتها)) الحنابلة والشافعية يقولون إيش؟ لا يصح التيمم إلا بالتراب، تراب له غبار يعلق باليد، الرمل ما يصح التيمم به، الحصى ما يصح التيمم به، ولو كان على وجه الأرض، غيرهم من أهل العلم يقولون: تيمم على كل ما على وجه الأرض، هاه؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

لا ما يلزم، الصعيد ما تصعد على وجه الأرض، والأرض تتناول جميع ما على وجه الأرض، الجبل تبع الأرض وإلا ما هو بتبع الأرض؟ تبع الأرض، لكنه ليس بتراب، ((جعلت تربتها لنا طهوراً)) هل نقول: إن هذا عام وخاص والخاص مقدم على العام؟ أو نقول: الأرض مطلقة والتراب مقيد ويحمل المطلق على المقيد؟ أولاً: هل هذا من باب التخصيص أو من باب التقييد؟ يعني هل التراب فرد من أفراد الأرض أو وصف من أوصاف الأرض؟ وصف وإلا فرد؟ نعم؟

طالب:.......

لا، لا ما يلزم، لا، لا لكن الآن نعود إلى لفظ التراب هل هو وصف من أوصاف الأرض، أو فرد من أفرادها؟ إن قلنا: وصف قلنا: إطلاق وتقييد، إذا قلنا: فرد من أفرادها قلنا: عموم وخصوص، نعم.

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

فرد من أفرادها، خلنا على فرد من أفرادها.

إذا قلنا: التراب فرد من أفراد الأرض، وقلنا: التراب خاص والأرض عام، هل يحمل العام على الخاص في مثل هذه الصورة؟ نعم؟ يحمل العام على الخاص وإلا ما يحمل؟

طالب:.........

كيف؟

طالب:.......

نقول: التراب فرد من أفراد الأرض، إذن التراب خاص والأرض عام، يحمل العام على الخاص وإلا ما يحمل العام على الخاص في هذه الصورة، ولماذا؟ نعم؟ العام مع الخاص إما أن يتفقا في الحكم، الحكم واحد، أو يختلفا في الحكم، فذكر بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، ويكون ذكر الخاص بعد ذكر العام للعناية به والاهتمام بشأنه، وهنا هذا تنصيص على بعض أفراد العام، بحكم موافق لحكم العام فلا تخصيص، طيب {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} وإيش؟ ومن؟ {وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ} [(163) سورة النساء] نوح خاص والنبيين عام هل نقول: إن الخاص يقضي على العام؟ أو نقول: ذكر نوح للاهتمام بشأنه والعناية به والحكم واحد؟ نعم؟ لأن الحكم واحد، ما بينهم خلاف، لكن لو قيل..، إذا قيل: أعط بني تميم، شخص أوصى بشيء لبني تميم، ثم ذكر وصية ثانية يُعطى الفقهاء من بني تميم، نعم، قلنا: التنصيص على الفقهاء لا يعني أن بقية بني تميم لا يعطون، إنما للعناية بشأن الفقهاء والاهتمام به، الحكم واحد، لكن لو قيل: أعطِ بني تميم في وصية، ثم قيل بعد ذلك في وصية لاحقة: لا تعط الفساق من بني تميم، نعم، قلنا: خلاص الآن الخاص نعم...، أو قيل: أعطِ الفقهاء ولا تعط العوام، قلنا: الخاص مقدم على العام؛ لأن الحكم اختلف، لكن ما دام الحكم واحد لا يحمل العام على الخاص، وإنما يذكر الخاص للعناية بشأنه والاهتمام به.

لو قلنا: إن التراب وصف من أوصاف الأرض، وقلنا: إن هذا مطلق ومقيد، واتفقا في الحكم والسبب، فيحمل المطلق على المقيد، وحينئذٍ لا نتيمم بشيء على وجه الأرض إلا التراب، وإلى هذا ينحو من يقول: بأنه لا يجزئ التيمم إلا بالتراب كالحنابلة والشافعية، فالذين قالوا بالتيمم بجميع ما على وجه الأرض قالوا: عموم وخصوص، أو قالوا: هذه زيادة تضمنت بعض الاختلاف ولم يروها بل تفرد بها الراوي يحكم عليهم بالشذوذ كما قال بعضهم، لكنها في صحيح مسلم لا كلام لأحد، إذا قلنا: إنها من باب العموم والخصوص مشينا على قول من يقول: يتيمم بكل ما على وجه الأرض، ولا مخصص بالتراب، ويمشي على هذا رأي الحنفية والمالكية وجمع من أهل العلم، ولا نحتاج إلى تخصيص؛ لأن الحكم واحد، وذكر التراب للاهتمام بشأنه، وإذا قلنا: إطلاق وتقييد، حملنا المطلق على المقيد، وقلنا: لا تيمم إلا بتراب، كما يقول الشافعية والحنابلة، والأظهر هو القول الأول إن ذكر التراب للاهتمام به، والعناية بشأنه.

((فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل)) يعني خلافاً لما كانت عليه الأمم السابقة من أنهم لا يصلون إلا في مواضع الصلاة.

((وأحلت لـي الغنائم، ولم تـحل لأحد قبلي)) الأمم السابقة كانوا إذا غزوا وغنموا جمعوا هذا المغانم في جهة، فإن كانت متقبلة أريد بها وجه الله نزلت عليها نار من السماء فأكلتها، وفي شرعنا: كلوا مما غنمتم، ((وجعل رزقي تحت ظل رمحي)) ولذا يقرر أهل العلم أن أطيب المكاسب إيش؟ الغنائم، لماذا؟ لأنها رزق النبي -عليه الصلاة والسلام-، النبي لا يزاول تجارة، ولا يزاول..، ليس له مرتب ولا دخل إلا من المغانم، وهو رزق النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو أفضل المكاسب على الإطلاق، وإن قال بعضهم: إن الزراعة أفضل، وبعضهم قال: الصناعة؛ لأن داود كان صانع، المقصود أن المغانم التي هي رزق النبي -عليه الصلاة والسلام- أفضل المكاسب.

((وأعطيت الشفاعة)) وشفاعات النبي -عليه الصلاة والسلام- كثيرة، لكن من أعظمها الشفاعة العظمى التي تريح الخلائق كلهم من عناء الموقف، وهي المقام المحمود، الذي نسأله للنبي -عليه الصلاة والسلام- دبر كل أذان.

((وكان النبي يـبعث إلى قومه خاصة، وبعـثت إلى الناس عامة)) بعث إلى الأحمر والأبيض والأسود، إلى الثقلين إلى الجن والإنس، والأنبياء يبعثون إلى أقوامهم، فمن خصائصه -عليه الصلاة والسلام- عموم الرسالة، عموم رسالته إلى الثقلين العرب وغير العرب، الإنس والجن، فالذي يؤمن بالنبي -عليه الصلاة والسلام- نبي، لكن يقول: هو نبي للعرب، للأميين خاصة، هذا ما آمن، من كان يزعم أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-، أو يصل إلى حد تزول عنه التكاليف هذا ليس بمسلم، من كان يسعه الخروج عن شريعة محمد كما وسع الخضر الخروج من شريعة موسى هذا كافر، ((والله لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ولا يؤمن بي إلا دخل النار)) فالرسالة عامة لجميع من على وجه الأرض، للإنس والجن، إلى الثقلين، نعم.

باب: الحيض:

عن عائشة -رضي الله عنها- أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال: ((لا، إن ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي)).

وفي رواية: ((وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي)).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: الحيض"

الحيض دم طبيعة وجبلة كما يقول أهل العلم، يرخيه رحم المرأة إذا بلغت سن التكليف، وهذا من لطف الله -جل وعلا- بالمرأة؛ لأنه لو انحبس ضرها، ووجوده أمر لا بد منه لتغذية ما في بطنها من حمل، ولذا ينحبس نزوله أثناء الحمل، ويقرر جمع من أهل العلم أن الحامل لا تحيض، فينحبس أثناء الحمل لتغذية الطفل، فإذا لم يوجد حمل أرخاه الرحم ليخرج؛ لأنه لو بقي لآذاها، لو تراكم عليها لضرها، وهذا شيء كتبه الله على بنات آدم، شيء كتبه الله على بنات آدم، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [(222) سورة البقرة] وثبت في الحديث الصحيح أن المسلم يكتب له ما كان يعمله وهو مقيم إذا سافر أو مرض، يستمر عمله، يكتب له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً، فهل يكتب للمرأة إذا حاضت ما كانت تعمله في حال طهرها؟ لأن المنع ليس بيدها، نيتها تستمر في طاعة الله -عز وجل-، لكنها منعت شرعاً، كما منعت المشقة المسافر، وكما منع المرض المريض من عمل ما كان يعمله هو لما كان صحيحاً سليماً معافى، فهل يكتب لها أو لا يكتب؟

طالب:.......

لا يكتب لماذا؟ نعم؟

طالب:.......

نعم، لأنها ناقصة في العقل والدين، لو كان يكتب لها ما صارت ناقصة، لو كان يكتب لها من الأجر ما كانت تعمله في حال طهرها ما قيل: ناقصة، هذه حجة من يقول: إنه لا يكتب لها ما كانت تعمله في حال الطهر، ومنهم من يقول: يكتب لها؛ لأنه أذى، والأمر ليس بيدها، ونيتها أن تصلي وتصوم، لكنها ممنوعة شرعاً من ذلك، كما منع المريض بالمرض، والأذى نوع من المرض، والقول الآخر أنه لا يكتب لها لأنه لو كانت يكتب لها ما كانت ناقصة دين، تمر بها الأيام لا تصوم ولا تصلي، فهي ناقصة، لو كانت كاملة لكتب لها، وعلى كل حال الأمر بيد الله -عز وجل- أولاً وأخراً، فلا اعتراض على حكمه إن لم يكتب، ولا حاد لفضله إن كان يكتب، لا اعتراض لحكمه إن كان لا يكتب لها ما كانت تعمله، فله الأمر أولاً وأخراً، ولا راد لفضله إن كان يكتب، فالمسألة محتملة وهي خلافية بين أهل العلم.

عن عائشة -رضي الله عنها- أن فاطمة بنت أبي حبيش، سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟

هناك نساء يبتلين بهذا النزيف المسمى عند أهل العلم بالاستحاضة، وما يسمى بدم الفساد، وهو النزيف في عرف الناس اليوم يسمونه نزيف، يبتلى به بعض النسوة، ووجد في عصره -عليه الصلاة والسلام- جمع من النسوة يبتلين، فاطمة بنت أبي حبيش، تستحاض فلا تطهر، حمنة استحيضت سبع سنين، وأم حبيبة، وزينب مجموعة من النسوة كن مبتليات بهذا النزيف، وعلى كل حال هو مصيبة من المصائب على المرأة أن تصبر وأن تحتسب وتنال أجرها بذلك.

"إني أستحاض فلا أطهر" لما حاضت عائشة -رضي الله عنها- في الحج وندمت على ذلك بل بكت، طمأنها النبي -عليه الصلاة والسلام- أن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، ولما حاضت صفية وإلا زينب؟ نعم؟ قال لها: ((عقرى حلقى أحابستنا هي؟)) والسبب في ذلك لأن بعض الناس يتوقع أن هذا اختلاف معاملة من النبي -عليه الصلاة والسلام- لأزواجه، هذا ليس باختلاف معاملة، بل ذلك لما يترتب على الحيض بالنسبة لهذه ولهذه، حيض عائشة قبل دخول مكة، مجزوم بأنها تطهر ولا تحبسهم قبل رجوعهم، وحيض صفية إنما كان في آخر الأمر، يعني لو لم تطف طواف الإفاضة لترتب على ذلك الحبس والتأخر، ولذا قال: ((أحابستنا هي؟)) لا شك أن الآثار المترتبة على حيض عائشة غير متعدية؛ لأنها سوف تطهر قبل انصرافهم، قبل رجوعهم، ولا يترتب عليها حبس، لكن حيض الثانية لا شك أنه في آخر الأمر ويترتب عليه الحبس، ولذا قال: ((إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم)) يطمئنها، وهذه قال لها: ((عقرى حلقى أحابستنا هي؟)) يعني لماذا ما احتاطت وأفاضت مع الناس؟ لماذا أخرت الإفاضة؟ فلما أخبر أنها قد أفاضت قال: ((فلا إذن)) هذا تنبيه يحتاج إليه؛ لأن بعض الناس إذا سمع هذا يظن أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعدل بين زوجاته، والعدل واجب، وإن كان بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- المسألة خلافية، هل يلزمه أن يعدل في القسم؟ هل يلزمه أن يعدل في المعاملة بعد أن خيرهن -عليه الصلاة والسلام-؟

"أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟

الاستحاضة: جريان الدم من فرج المرأة في غير وقته، وفي غير أوانه، غير وقت الحيض، وأيضاً يختلف وصفه، فدم الحيض أسود يُعرِف له رائحة، ومعروف لدى النساء، ودم الاستحاضة يختلف.

"إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: ((لا))" في وقت الاستحاضة المرأة في حكم الطاهرة، ((إن ذلك دم عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي)).

المستحاضة ينزل عليها الدم شهر كامل، تترك الصلاة؟ لا، تصلي كل الشهر؟ لا، ماذا تصنع؟ قدر الأيام، هذه المستحاضة التي يستمر معها نزول الدم إن كانت معتادة لها عادة معينة الأسبوع الثاني من كل شهر ينزل عليها دم الحيض، ففي هذا الشهر تدع الصلاة الأسبوع الثاني، وتصلي في الأسبوع الأول والثالث والرابع؛ لأنها في حكم الطاهرات، هذا الأسبوع الذي اعتادت أن تأتيها العادة فيه، هذا إذا كانت معتادة، إن كانت مميزة بمعنى أن دم الحيض يختلف في لونه ورائحته عن دم الاستحاضة، تجلس ما دام الدم الذي هو دم الحيض موجود، إذا تغير لونه تغتسل وتصلي، إن لم تكن معتادة ولا مميزة تتحيض غالب الحيض، تنظر إلى نسائها أمها وأخواتها وخالاتها كم عادتهن؟ ستة أيام أو سبع، تجلس ستة أيام وسبع، يعني إذا كان ينزل عليها الدم شهر كامل ولا اختلاف ليست لها عادة، أو لها عادة مضطربة، شهر ثلاثة أيام، وشهر خمسة، وشهر يومين، وشهر...، مثل هذه تجلس غالب الحيض، والدم واحد، من يوم واحد إلى يوم ثلاثين لونه واحد، ورائحته واحدة فحينئذٍ تتحيض كما تتحيض غالب النساء، والمقصود نسائها القريبات منها.

((دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي)) تغتسل عن إيش؟ عن الحيض، واغتسال الحيض واجب، والحيض موجب للغسل كما هو معروف.

وفي رواية: ((وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة)) هذا بالنسبة لمن يعرف وقتها أو لونها فيميز، ((فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها)) مدتها ذهبت، ((فاغسلي عنك الدم وصلي)) وسيأتي في الحديث -حديث أم حبيبة- أنه أمرها أن تغتسل، في الحديث الثاني، نعم، اقرأ الحديث.

وعن عائشة -رضي الله عنها- أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين، فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فأمرها أن تغتسل، قالت: فكانت تغتسل لكل صلاة.

نعم، فاطمة كانت تستحاض فسألت النبي -عليه الصلاة والسلام-، أم حبيبة أم المؤمنين استحيضت سبع سنين فسألت النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي هذا دليل على أن المرأة تباشر السؤال بنفسها عما يخصها، لا مانع من مباشرتها عن السؤال فيما يخصها، ولا يقال: إن صوت المرأة عورة، لكن يجب عليها أن لا تخضع بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، لكن بعض النساء طبيعتها كذا، صوتها مغري، هذه بقدر الإمكان تخفف مما يغري الرجال بها، وإلا فالأصل أن صوت المرأة إذا كان بطريقتها العادية من غير تكلف وخضوع أنه ليس بعورة، لكن إذا وجدت الفتنة بصوتها أو بها حينئذٍ عليها أن تكف، لا تعرض نفسها لئن تفتتن أو تفتن، ولو كان هذه خلقتها، فتسأل بواسطة، إذا خشيت من الفتنة عليها أو على غيرها تسأل بواسطة، وإلا فالأصل أن تتولى المرأة السؤال بنفسها.

أم حبيبة أم المؤمنين استحيضت سبع سنين فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فأمرها أن تغتسل فكانت تغتسل لكل صلاة، يعني المستحاضة التي يستمر معها نزول الدم، حكمها حكم من به حدث دائم، سلس بول، أو سلس ريح، أو جرح لا يرقأ، مثل هذا حدثه دائم، وحينئذٍ تتوضأ لكل صلاة.

"أمرها أن تغتسل" الأصل أن تغتسل مرة واحدة، كما جاء في الحديث السابق، فكانت تغتسل لكل صلاة، فاغتسال المستحاضة لكل صلاة مستحب، وليس بواجب، أمرها أن تغتسل مرة واحدة، فكان من عادتها أن تغتسل لكل صلاة اجتهاداً منها؛ لأن الأصل أن الأمر لا يقتضي التكرار، والتكرار يحتاج إلى أمر جديد، فأمرها أن تغتسل، فكان من احتياطها أنها كانت تغتسل لكل صلاة، وهي زوجته مع علمه -عليه الصلاة والسلام- فيؤخذ منه الاستحباب، ولا يلزم أن تغتسل لكل صلاة، وجاء أيضاً في الحديث: ((توضئي لكل صلاة)) فدل على أن وضوءها لا يرفع الحدث، ولو كان يرفع الحدث لما أمرت أن تتوضأ لكل صلاة، ولقائل أن يقول: إنه يرفع الحدث لكن خروج الدم مرة ثانية ناقض لذلك الوضوء، فيلزمها أن تتوضأ لكل صلاة، نعم.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد كلانا جنب، وكان يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض، وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف، فأغسله وأنا حائض.

عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- تخبر عن الأمور الخاصة بينها وبين النبي -عليه الصلاة والسلام-، وليس هذا من التحدث بما لا يجوز الحديث عنه؛ لأن الإنسان ممنوع أن يتحدث فيما يقع بينه وبين زوجته في الأمور الخاصة، لكن هذا يترتب عليه حكم شرعي للأمة، يعني لو لم تقل عائشة هذا الكلام كيف يبلغنا مثل هذا الحكم؟

تقول: "كنت أغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد كلانا جنب" وتختلف أيديهم فيه ويقول لها: ((دعي لي)) وتقول: "دع لي" وتقدم هذا، والشاهد هنا: "وكان يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض" الحائض طاهرة الأصل، تنام مع زوجها وتأكل معه، وتساكن الناس، وتباشر، وتأخذ وتعطي، وعرقها طاهر، نعم.

"وكان يأمرني فأتزر" تلبس الإزار "فيباشرني وأنا حائض" يعني من فوق الإزار، نعم، فيما فوق الإزار للرجل أن يستمتع من امرأته فيما عدا موضع الأذى، وينبغي أن يبتعد عن الموضع ولا يحوم حول الحمى لئلا تدعوه نفسه إلى أن يقع في الحرام، ولذا كان يأمرها أن تأتزر.

"فيباشرني وأنا حائض، وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف، فأغسله وأنا حائض" تباشر غسل رأسه بالماء ما يقال إنها ما دامت يابسة ما تنجس، لا، هي رطبة الآن، وهي أيضاً متلبسة بهذا الحدث، فدل على أنها طاهرة، فتباشر غسل رأسه بالماء؛ لأن النجس، اليابس ما ينجس اليابس، لكن الرطب ينجس، وهنا تباشر الغسل والغسل فيه رطوبة، "وهو معتكف فأغسله وأنا حائض" فدل على طهارة بدن المرأة وعرق المرأة، وجميع ما يتصل بالمرأة، إلا الأذى الذي هو الخارج النجس، فدم الحيض نجس بالاتفاق يجب غسله.

"كان يخرجه رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض" لأن الحائض ممنوعة من دخول المسجد، ((وليعتزل الحيض المصلى)) حتى المصلى -مصلى العيد- يعتزله الحيض، ولو لم يكن يصلى فيه إلا العيد، يعتزل الحيض المصلى، والمسجد من باب أولى، نعم.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتكـئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن".

عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتكـئ في حجري" الحجر بفتح الحاء، "في حجري وأنا حائض" والحال أنها متلبسة بالحيض "فيقرأ القرآن".

يتكئ في حجر عائشة -رضي الله عنها- عليه الصلاة والسلام- وهي حائض فيقرأ القرآن، فدل على أن القرب من الحائض ليس كالقرب من الأماكن التي تمنع من مزاولة قراءة القرآن، لا، رأسه -عليه الصلاة والسلام- في حجرها، وتمس رأسه، وهو متكئ عليها، بل صدره الحاوي للقرآن في حجرها، فيقرأ القرآن، هذا فيه إشارة يفهم منه أن الحائض... أقول: فيه تلويح وإشارة إلى أن الحائض لا تقرأ القرآن، ولولا ذلك لما قالت: إنه يقرأ القرآن في حجري، طيب هو طاهر -عليه الصلاة والسلام-، لم يتلبس بمانع، ما الداعي إلى ذكر مثل هذا؟

فلولا أن الحيض له أثر في قراءة القرآن عندهم أثر يمنع من قراءة القرآن لما قالت مثل هذا القول؛ لأنه بالنسبة -عليه الصلاة والسلام- لا يوجد مانع منه، إذن المانع المفهوم من الحديث منها، فهذا يستدل به من يقول: إن الحائض لا تقرأ القرآن.

نعم الدلالة ليست من الوضوح بحيث يكون الحكم متفق عليه، لا، لكن فيه إشارة وتلويح وإيماء إلى أن الحائض لا تقرأ القرآن.

"يتكئ في حجري" رأسه -عليه الصلاة والسلام- في حجرها، صدره الحاوي للقرآن في حجرها، وهي حائض، يقرأ القرآن.

الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- استنبط من هذا أن المحدث بما في ذلك الحائض لها أن تمس القرآن من وراء حائل، هذا استنباط دقيق جداً، كيف؟ يقول: القرآن في جوف النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كالوعاء للقرآن، وهي تمس النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يقرأ القرآن، والقرآن في جوفه، إذن القرآن إذا كان في غلاف أو في كيس أو في شيء من هذا للمحدث وللحائض أن تمس القرآن، يقول: وكان أبو وائل يرسل خادمه وهي حائض إلى أبي رزين فتأتيه بالمصحف فتمسكه بعلاقته، وساق هذا الحديث الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، وبعضهم يمنع أن تقرب القرآن ولو من رواء حائل، لكن لا مانع من أن يمس الحدث المصحف من حائل، وكذلك الحائض، نعم.

وعن معاذة -رضي الله عنها- قالت: سألت عائشة -رضي الله عنها- فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ فقلت: لست بحرورية، ولكني أسأل، فقالت: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة.

معاذة تابعية جليلة حريصة على أداء ما كلفت به، تسأل عائشة -رضي الله عنها- سؤال، وشفاء العي السؤال، وإذا لمس من الإنسان الحرص الذي يخشى من زيادته يرد عليه بمثل هذا الكلام، يأتي شخص مندفع، تريد أن تخفف من حدته بعض الشيء، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما جاءه عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو الحريص على قراءة القرآن، يريد أن يقرأ القرآن في كل يوم، قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اقرأ القرآن في شهر)) ليش؟ ليخفف من اندفاعه، ((أقرأ القرآن في الشهر مرتين)) قال: أستطيع أكثر من ذلك، ((اقرأ القرآن في ثلاث)) قال: أستطيع أكثر من ذلك، قال: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) لأنه مندفع ينبغي أن يخفف من اندفاعه، لكن لو شخص منصرف، أو شخص يتحدث على جماعة قد هجروا القرآن، ماذا يقول لهم؟ يقول لهم...، يبين لهم حال السلف مع القرآن، ويبين لهم ما ورد في فضل قراءة القرآن، أن الحرف بعشر حسنات، والله يضاعف لمن يشاء، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، فهو بحاجة إلى أن يرغب الناس في القرآن؛ لما يرى من انصرافهم، فالعالم أو المفتي والموجه ينبغي أن يكون كالطبيب، إذا شخص مندفع ويخشى عليه من الزيادة والغلو يخفف من حدته، فيعرض عليه الأخف فالأخف وهكذا، لكن شخص مذنب، مفرط، مثل هذا يشد عليه من أجل أن يأتي ببعض الشيء.

ولذا قالت معاذة: سألت عائشة -رضي الله عنها- فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت لها: أحرورية أنت؟ يعني هل أنت من الخوارج أهل حروراء؟ الذين يرون أن الحائض تقضي الصوم وتقضي الصلاة، الخوارج نعم، يرون أن الحائض تقضي الصوم وتقضي الصلاة، وهذا من تعنتهم ومبالغتهم وتشديدهم فخشيت أن يكون فيها لوثة من هذا الفكر، فقالت: أحرورية أنت؟ نسبة إلى بلد يقال له: حروراء ظهر منه أوائل الخوارج.

فقلت: لست بحرورية، ولكني أسأل، نعم إذا خفي على الإنسان الشيء يسأل، لكن لا يسأل للعنت، إنما يسأل للإفادة والاستفادة، ليستفيد، لكن إذا كان القصد بالسؤال العنت وإظهار التعالم أو إظهار عجز المسئول، مثل هذا ممنوع، جاء النهي عن مثل هذه الأسئلة.

ولكني أسأل، فقالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة.

من الآمر هنا بقضاء الصوم؟ ومن الآمر بعدم قضاء الصلاة؟ هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا قال الصحابي: كنا نؤمر، أو أمرنا، فالمتجه أن الآمر والناهي هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو الذي له الأمر والنهي لا سيما في الأحكام الشرعية، فأجابتها بحديث، بخبر، وهكذا ينبغي أن يكون الجواب، إذا كان فيه خبر يقنع السائل يفهمه السائل فيجيب المفتي بذلك الخبر، إذا كان السائل لا يستوعب ولا يفهم معنى الخبر يقال له: هذا حلال وهذا حرام، إذا كان لا يفقه ولا يفهم من عوام الناس، أما إذا كان يفهم ما يلقى إليه، فيجاب بالخبر؛ لأن الإجابة بالخبر أقوى، إذا كانت دلالته على الحكم دلالة مطابقة، أما إذا كان مفهوم والسائل لا يدرك دلالة المفهوم أو ما أشبه ذلك، فإنه يبين له الحكم، وطالب العلم يبين له الحكم بدليله؛ لأنه بصدد أن يتعلم الحكم بدليله، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.