شرح الأصول الثلاثة (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف-رحمه الله تعالى-فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة" ما الأصول الثلاثة التي من أجلها كتبت هذه الرسالة والتي يُسأل عنها في القبر، فإذا قال لك قائل ما الأصول الثلاثة، رأى هذا الكتاب معروضا مثلاً وقال ما الأصول الثلاثة؟ ما هذا الكتاب؟ قلت له الأصول الثلاثة، قال لك ما الأصول الثلاثة؟ لأن هناك كتابًا يقال له الأصول الخمسة، فرق بين كتاب فيه تحقيق التوحيد وكتاب فيه نقض التوحيد، فالأصول الثلاثة هذا الذي بأيدينا والأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار في أصول المعتزلة، وأشرنا فيما تقدم أن المعتزلة أثبتوا خالقًا مع الله-جل وعلا-؛ ولذا سُمُّوا مجوس هذه الأمة نقض لأصل التوحيد كما أنهم أثبتوا مع الله رازقًا وهذا سبقت الإشارة إليه، فتجد مثلاً في مكتبة أو في معرض كتاب أو ما أشبه ذلك معروض الأصول الثلاثة مع الأصول الخمسة، "فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها"؟ هذه لا يسع أحد جحدها لا صغير ولا كبير، ولا ذكر ولا أنثى، ولا عالِم ولا متعلِّم ولا عامِّي، على كل أحد أن يتعلَّمها ويضبطها ويتقنها ويحققها، هل من لازم حفظها وتعلمها أن يجيب في القبر إذا سئل من ربك وما دينك ومن نبيك؟ نفترض أنه حفظ الكتاب وقال ضمنا الأجوبة يحسبها مثل اختبارات الدنيا إذا حفظ الكتاب أو المذكرة أجاب، هل يلزم من ذلك أن يجيب في القبر؟ المؤمن يجيب ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد -عليه الصلاة والسلام-المنافق ولو كان عليم اللسان ولو كان عنده محفوظات الدنيا ماذا يقول؟ يقول هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقول شيئًا فقلته، يعني مع حفظنا لهذا الكتاب ولهذه الأصول وتلقين الصبيان والنساء هذا الكتاب! علينا أن نبرأ مما يناقض ما في هذا الكتاب من الكفر والشرك والنفاق، طيب المؤمن يقول ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأما المنافق أو المرتاب يعني وفي حكمه الكافر والمشرك يقول هاه هاه لا أدري، لكن التنصيص على المنافق؛ لأنه يعيش بين المسلمين ويخالطهم ويزعم أنه مسلم فيقول هاه هاه لا أدري كنت سمعت الناس يقولون فقلت، طيب هذا المؤمن المحكوم بنجاته يجيب والمنافق المقطوع بهلاكه لا يجيب، لكن ماذا عن المسلم المقترِف للذنوب والمعاصي بما فيها كبائر الذنوب هل يجيب بجواب المؤمن فيقال له ما يقال للمؤمن؟ أو يجيب بجواب المنافق فيقال له ما يقال للمنافق؟ لأن الذي جاء في الخبر المؤمن يجيب والمنافق لا يجيب؛ لأن مقتضى أن يجيب أنه يبشَّر بالجنة وينعَّم في قبره، لكن أنت افترض أن هذا المسلم مما جاء الوعيد عليه في عذاب القبر إما يمشي بالنميمة أو لا يستبرئ من بوله يجيب أو ما يجيب؟ إن أجاب سلم ونجا وبُشِّر ونُعِّم وهو بصدد أن يعذب على ما جاء في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مرّ بقبرين يعذبان فقال «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستبرئ من بوله» فيعذَّب، هل يجيب أو ما يجيب؟ هذا مسكوت عنه، لكن على الإنسان أن يسعى في نجاته ليجيب ويُبشَّر وينعَّم، المقصود أن من حفظها حفظًا وقد يحفظ القرآن وهو مع ذلك منافق يسترزق به أو يماري به السفهاء ويجاري به العلماء فلا ينجو- نسأل الله السلامة والعافية- "فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها فقل معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم-" نظير ذلك ما قيل في أن المؤمن يعطى كتابه بيمينه والكافر يأخذ كتابه بشماله، فماذا عن الفاسق؟ ابن حزم في مقدمة المُحلّى ولم أره لغيره يقول هو الذي يأخذ كتابه من وراء ظهره بين اليمين والشمال، لكن كما هو هنا مسكوت عنه ليبقى بين الخوف والرجاء ويجتهد ويجد في السعي لنجاته وإنقاذ نفسه "فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها فقل معرفة العبد ربَّه" معرفة العبد ربَّه، عرفنا فيما تقدم معنى العلم وأنه الاعتقاد الجازم الذي لا يحتمل النقيض ويقابله الجهل ويقاسمه الظن والشك والوهم هذا تقدم فماذا عن المعرفة؟ ما الفرق بين العلم والمعرفة، هنا معرفة العبد ربه يقول العلماء أن العلم لا يستلزم سَبق الجهل والمعرفة تستلزم سبْق الجهل؛ ولذا الله جل وعلا يوصَف بأنه عالِم وعلّام وعليم ولا يوصف بأنه عارف؛ لأن المعرفة تستلزم سبق الجهل، معرفة العبد ربه في الحديث الصحيح «تعرَّف على الله في الرخاء يعرفْك في الشدة» قال يعرفك يعني الله- جل وعلا- وهم يقولون أن المعرفة تستلزم سبق الجهل، وفي الحديث يعرفك جواب الطلب ومثل هذا يقال في سياق المجانسة والمشاكلة {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [سورة الشورى:40] ويتجوَّز في مثل هذا لكن الله- جل وعلا- ثبت وصفه بالعلم "معرفة العبد ربه" المعرفة مصدر مضاف إلى الفاعل فالعارف هو العبد والمعروف هنا هو الله- جل وعلا- ولذلك نصبه "معرفة العبد ربَّه ودينه ونبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم-" هذه ستأتي بالتفصيل وهي موضوع الكتاب، قال- رحمه الله- فإن قيل أو "فإذا قيل لك من ربك؟" هو أجاب بالجواب الإجمالي الأصول الثلاثة معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم-الآن هنا التفصيل فإن قيل لك من ربك؟ الأصل الأول "فقل ربي الله الذي رباني وربى جميع العالَمين بنعمته" وفي بعض النسخ بنعمه بالجمع وهذا بالإفراد ولا فرق؛ لأن المفرد المضاف يقتضي العموم، أنت إذا قلت اللهم اغفر لي ذنبي وخطيئتي تقصد ذنب واحدا أو جميع الذنوب؟ جميع الذنوب؛ لأن الذنب مفرد وأضيف فيقتضي العموم، وهنا بنعمته مضاف ويقتضي العموم {وَإِن تَعُدُّواْ} [سورة إبراهيم:34] ماذا؟ {نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [سورة إبراهيم:34] لو القصد نعمة واحدة ما تحصى؟! النعمة الواحدة ما تحصى؟! تحصى لكن المقصود بذلك نعم المولى التي لا تعد ولا تحصى "فقل ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين" والشيخ-رحمه الله-في هذا يقرِّر أن الرب مأخوذ من التربية؛ ولذلك قال: "رباني وربى جميع العالَمين بنعمته" ويأتي الرب بالمتفضِّل يأتي معناه ويقصد به المتفضِّل، ألك نعمة تربها عليه يعني تتفضل بها عليه، لكن المؤلف-رحمه الله-ذهب إلى المعنى الأول وهو قول الأكثر أنه مأخوذ من التربية "رباني وربى جميع العالمين بنعمته" وهو المتفضِّل عليهم بالنِّعَم.

طالب: ...........

أنا أقول في نسخة ثانية بنعمه ذكرت هذا! وأقول لا فرق بين المفرد وبين الجمع أنا ذكرت هذا.

طالب: ...........

كلها صحيحة.

"وهو معبودي ليس لي معبود سواه" وهو معبودي ليس لي معبود سواه، وفي هذا إشارة إلى نوعي التوحيد توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات يدخل في ضمن توحيد الربوبية، طيب ما الدليل على هذا الجواب؟ "والدليل قوله تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الفاتحة:2]" في افتتاح القرآن وهي الفاتحة {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الفاتحة:2] فالحمد هو معرفة الله- جل وعلا- بصفاته وجلاله وعظمته، وكثير من أهل العلم يفسره بالثناء- الثناء على الله- وابن القيم ينتقد هذا التعريف وإن كان قول أكثر أهل العلم وأكثر المصنفين في التفسير والحديث وغيرهما يقولون الحمد هو الثناء، ابن القيم- رحمه الله- في الوابل الصيب يقول لا، الثناء تكرار المحامد؛ ولذا جاء في تفسير النبي -عليه الصلاة والسلام- لسورة الفاتحة «فإذا قال العبد {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الفاتحة:2] قال حمدني عبدي فإذا قال {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} [سورة الفاتحة:1] قال أثنى علي عبدي» ففرّق بين الحمد والثناء {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [سورة الفاتحة:2] وهذا يقتضي الحصر والقصر، الحمد ال هذه جنسية جميع أنواع المحامد لله خاصة بالله- جل وعلا- فهو المحمود دون سواه {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الفاتحة:2] العالَمين جمع عالَم، قال: -رحمه الله- "وكل من سوى الله عالَم" وكل من سوى الله عالَم، جميع المخلوقات إما أن يقال عالَم أو عوالِم باعتبار أن كل جنس منها عالَم، عالَم الإنس، عالَم الجن، عالَم الطير، عالَم الحيوان، كل من سوى الله عالَم، ودليل هذا أنه جُمِع في الآية قال العالَمين واحد العالَمين عالَم الأجناس في ضمنها أصناف وأنواع، لا إشكال لما تقول الجنس الذي هو الإنسان عالَم، والجن عالَم، لكن أصناف هذا الجنس هل يقال لكل صنف منها عالَم أي هي عالَم واحد؟ يعني مثل ما هو دارج على ألسنة الناس اليوم العالَم الإسلامي، العالَم العربي وهي داخلة كلها في جنس واحد، أحيانًا يقولون في العالَمين الإسلامي والعربي، المقصود أن كل من سوى الله عالَم، قال- رحمه الله- "وأنا واحد من ذلك العالَم" لماذا؟ قال الشيخ- رحمة الله عليه- وأنا واحد من ذلك العالَم؟ هو داخل فيمن سوى الله- جل وعلا-؛ لأنه مخلوق مربوب لله- جل وعلا- فهو واحد من فرد من أفراد العالَم، فهل مثل هذا يحتاج إلى تنصيص أو أن هذا من باب التعريف بالجزء بالمثال بالتمثيل؟ كل من سوى الله عالَم قد يقال هات مثالا فقال وأنا واحد من ذلك العالَم، الأصل الأوَّل في معرفة العبد ربَّه، وعرفنا المراد بالرب وعرفنا دليل ذلك، ثم قال الشيخ "فإذا قيل لك بمَ عرفت ربك؟" بمَ عرفت ربك؟ تظافرت على معرفة الله- جل وعلا- جميع الدلائل النقلية والعقلية والحسية بمَ عرفت ربك؟ فإذا قيل لك بمَ عرفت ربك؟ فقل بآياته ومخلوقاته، بآياته سواء كانت الشرعية أو الكونية، والتفكُّر بآياته سواء كانت الشرعية أو الكونية هي أعظم ما يرسِّخ الإيمان في القلب، وأطال ابن القيم في أوائل كتابه الجواب الكافي في تقرير ذلك، الإنسان قد يغفل؛ ولذا جاء مدح التفكُّر {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [سورة آل عمران:190-191] والآيات يقصد بها العموم مما يتناول الشرعية في كتاب الله- سبحانه وتعالى- والتفكر والتدبر لكلام الله هو أعظم ما يثبِّت الإيمان في القلب.

فتدبِّر القرآن إن رمت الهدى

 

فالعلم تحت تدبُّر القرآن

ويقول شيخ الإسلام-رحمه الله-" قراءة القرآن على الوجه المأمور به ما الوجه المأمور به؟ التدبر والترتيل، قراءة القرآن على الوجه المأمور به مما يزيد القلب إيمانًا ويقينًا وطمأنينة وراحة ولا يعرف ذلك إلا من جربه، التدبر شأنه عظيم وقد جاء الأمر به في أربع آيات في النساء، وفي المؤمنون، وفي ص، وفي محمد صح أو لا؟ مَن منا من خصص واقتطع جزءًا من وقته لقراءة القرآن على هذا الوجه؟ على هذا الوجه المأمور به، الوجه النافع المفيد؟ قد يقول قائل الأجر رُتِّب على مجرد التلاوة، مجرد القراءة كل حرف عشر حسنات، وإذا تدبرت بدل ما أقرأ خمسة أجزاء أقرأ جزءًا واحد دعني أقرأ خمسة أجزاء فيها نصف مليون حسنة بدل ما أجلس أتدبر ولا أنهي إلا جزءًا واحد فأيهما أفضل أن تكثر القراءة أو تتدبر وترتل ولو كانت القراءة يسيرة؟ أيهما أفضل؟

طالب: ...........

يعني سواء يا إما تهذ أو ترتل لا يوجد فرق؟!

طالب: ...........

لا، ليست المسألة مفترضة أن الواحد يقرأ جزء من القرآن إما هذًا أو ترتيلا المسألة مفترضة إما أن تقرأ جزءًا بالتدبر والترتيل أو خمسة، الجمهور على أن قراءة التدبر ولو قلت الحروف أفضل، وعند الشافعية أن الأجر المرتب على الحروف مراعاته أفضل، لكن يبقى أيهما أنفع للقلب ما الشيء الذي يؤثِّر في القلب؟ قراءة الهذّ هذه تؤثر في القلب؟ ما تؤثر في القلب، والقرآن إنما أنزل للانتفاع به، ابن القيم- رحمه الله- يقول: من قرأ القرآن مرة واحدة بالترتيل والتدبُّر ومن قرأ القرآن عشر مرات بالهذ كمن أهدى درة واحدة قيمتها عشرة آلاف، والذي قرأ بالهذ عشر مرات كمن أهدى ماذا؟ أهدى أو تصدق بعشر درر قيمة كل واحدة خمسمائة، أو أربعمائة أو ثلاثمائة على حسب ما يدرك من هذه القراءة فرق! لا شك أن القرآن إنما أنزل للانتفاع به، ولا يُحرَم مَن قرأه بالطريقة الأخرى وحصَّل أجر الحروف هذا ما يحرم الأجر له أجر الحروف لا إشكال في ذلك، لكن الكلام في الأنفع للمسلم ولا شك أن قراءته على الوجه المأمور به أنفع لقلبه وهي التي تورث المعرفة معرفة الرب- جل وعلا-؛ لأن الهاذّ يمر بالآيات ولا يدري ما مضمونها، يعني اعتبر أو تصوَّر نفسك في شارع من شوارع المدن الكبرى فيه ألوف مؤلفة من المحلات وعليها لوحات وعلامات وأنت تسير بالسيارة مئتين كم ستحفظ وكم تدرك من هذه المحلات؟ لو خرجت من الشارع ثم قيل لك المحل الفلاني أين؟ ماذا تقول؟ لا تدري لكن لو تمشي عشرين ثلاثين ضبطت كل المحلات أو تمشي على رجليك، فكونك تدرك ما تقرأ ولو كان قليلاً أفضل من كونك أقرب للكثير وما تدرك وفضل الله واسع لا يحرم هذا الأجر ولا يحرم ذاك بإذن الله، لكن الكلام على ما ينفع القلب ويفيد القلب لا شك أن التدبر والترتيل أنفع للقلب "فقل بآياته" إذا قلنا أنها الآيات المتلوَّة فعطف المخلوقات عليها عطف مغايرة فتكون المعرفة بشيئين: بآيات ومخلوقات هذا شيء وهذا شيء، وإذا قلنا أن الآيات تشمل الآيات الشرعية والمقروءة والآيات الكونية قلنا هذا يكفي وعطف المخلوقات عليها من باب عطف الخاص على العام للاهتمام بشأن الخاص والعناية به، تريدون الاستفادة والاستعانة على هذا الأمر يعني الإنسان لو قلب رأسه بالسماء والتفت يمينا ويسارا يمكن لا يستفيد حتى يفتح له الباب، اقرؤوا في مفتاح دار السعادة لابن القيم ينفتح الباب بإذن الله، وإلا فالإنسان إذا جلس كان العربي بفطرته إذا جلس أو أوى إلى فراشه وليس دونه ودون السماء حجاب يقلب بصره في أرجائها وأنحائها وما اشتملت عليه من نجوم وغيرها اعتبر لأنه يفهم بفطرته ويدرك، لكن الآن حُجِب الناس عن النظر وعن التفكُّر بهذه البيوت التي أشبه بالصناديق يحشر فيها الناس لا يرون شيئًا فحُرموا من هذه النعمة "بآياته ومخلوقاته" قال "ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر" مِن هذه للتبعيض ليست كلها، واقتصر الشيخ- رحمه الله- على الآيات الكونية المحسوسة؛ لأن الآيات الشرعية المتلوَّة تدخل في اللفظ دخولاً أوليًا، الآن لو قيل لواحد منكم اذكر لنا آية، ما الذي يتبادر إلى ذهنه؟ هل يذكر السموات والأرض والليل والنهار يقول آية {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الفاتحة:2] آية، هذا ما ذكره الشيخ لماذا؟ لأنه معروف لدى الخاص والعام الآيات الشرعية المقروءة المتلوَّة المسموعة "ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر" آية من آيات الله، والقرآن آيات قبل أن نبعد كثيرا الحافظ ابن كثير ذكر في ترجمة شخص أنه له عناية بالقرآن قالوا إنه يختم كل يوم هذه قراءة تدبر وترتيل أو هذّ؟ هذّ، يقول وعنده قراءة تدبُّر أخذت عليه عشرين سنة ومات ولم يكملها، الإشكال أن الإنسان على ما تعوَّد، تعوَّد الهذ يريد أن يجلس ويقرأ قراءة تدبُّر ما يدري إلا وهو بآخر السورة مثل الذي تعلم السرعة في قيادة السيارة إذا رأى حادثا أوشيئا ترفّق كيلوين أو ثلاثة و يرجع إلى عادته، فعلى الإنسان أن يأطر نفسه على هذا الأمر ولو خصص في أول الأمر وقتا لقراءته المعتادة ووقتا للتدبر ولو لم يقرأ إلا آية أو آيتين ويستعين على ذلك بكتب غريب القرآن وبالتفاسير المختصرة؛ لأن فهم المعاني يعين على التدبر، أما الذي لا يفهم المعاني لا يفهم معاني الألفاظ لا يستطيع أن يتدبر، لكن إذا عرف تحليل هذه الألفاظ وتركيباتها وجملها استطاع أن يتأمل ويتدبر ويفتح الله عليه بما لا يوجد في الكتب كما كان لشيخ الإسلام وغيره -رحمة الله على الجميع- "ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر" بعض الناس يقول أقسم بآيات الله يجوز أو ما يجوز؟ إذا كان قصده بآيات الله القرآن الذي هو كلام الله صفة من صفاته فلا مانع، لكن إذا كان أطلق ولا يدري قلنا لا يجوز، الليل والنهار آياتان من آيات الله، الشمس والقمر آيتان من آيات لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- فالقسم مجمل لا بد من بيانه فإن كان يقسم بكلام الله هذا ليس فيه إشكال؛ لأنه صفة من صفاته "ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ومن مخلوقاته السموات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن وما بينهما" وما بينهما يعني ذكر أعظم المخلوقات ومن أعظم المخلوقات العرش، العرش ثم الكرسي ثم السموات والأرضين "والدليل قوله تعالى {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [سورة غافر:57]" وهذه لا توجد في كثير من النسخ، هذه الآية عندكم؟ "والدليل قوله تعالى {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [سورة غافر:57]" وكلهم خلق من مخلوقاته، السموات والأرض والناس كلهم خلق لكن فيه هذا الخلق الكبير جدا وما دونه وفيه الصغير من مخلوقات الله ما لا يدركه الطرْف {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} [سورة المدثر:31] {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [سورة غافر:57] وهي موجودة من بعض المخلوقات، يعني ليست زيادة من طابع أو ناسخ أو شيء لا، موجودة في بعض الأصول الخطية {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [سورة غافر:57] اللام موطِّئة لقسم محذوف، يعني واقعة في جواب قسم محذوف ويُقصَد من ذلك التأكيد {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [سورة غافر:57] "وقوله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [سورة فصلت:37]" يعني مقتضى الترتيب أن تكون هذه الآية قبل التي قبلها؛ لأنها استدلال على الآيات والتي قبلها استدلال على الخلق، والآيات مقدمة في الكلام والخلق مؤخَّر، في اللفّ الآيات مقدَّمة وفي النشر أيضًا الآيات مقدَّمة، النشر الذي هو التفصيل ومن آياته ومن مخلوقاته فمقتضى ذلك أن يقدَّم دليل الآيات على دليل الخلق، لكن هذه الآية قُدِّمت وهي لا توجد في بعض الأصول الخطية وموجودة في بعضها ودلالتها على المراد ظاهرة {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ} [سورة فصلت:37] لأنها وإن كانت آية وعلامة ودلالة على قدرة موجِدها وهما آيتان عظيمتان من آيات الله {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ} [سورة فصلت:37] وقد وُجد من الخلق من يسجد للشمس، من أنواع المشركين من يسجد للشمس- نسأل الله العافية-؛ ولذا نهينا عن الصلاة وقت طلوعها ووقت غروبها ووقت استوائها في كبد السماء؛ لئلا نشابه من يسجد للشمس {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [سورة فصلت:37] فهي مع كونها آيات هي أيضًا مخلوقات، يعني لا يوجد فاصل يميِّز الآيات من المخلوقات، فالمخلوقات آيات والآيات أيضًا مخلوقات حاشا آيات القرآن الكريم؛ لأنها كلامه وكلامه قوله منزَّل ليس بمخلوق {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} [سورة فصلت:37] مع كونها آيات هي مخلوقة أيضًا {إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [سورة البقرة:172] إن كنتم تعبدون غيره كمن يعبد الشمس ويعبد الأشجار والأحجار وغيرها أمر ثاني لكن {إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [سورة البقرة:172] تقديم المعمول يدل على الحصر فلا تفعلوا هكذا فلا تسجدوا للشمس ولا للقمر "وقوله تعالى {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [سورة الأعراف:54]" إن ربكم اللهُ الذي خلق السموات والأرض، خلق السموات والأرض السموات إعرابها؟ مفعول به الذي خلق السمواتِ والأرضَ المفعول به هو الذي وقع عليه فعل الفاعل، ضرب زيدٌ عمْرًا عمرو قائم بذاته وجاء زيد ضربه، فهل السموات والأرض قائمة بذاتها ثم وقع عليها الخلق؟ إعرابها مفعول هو قول أكثر النحاة، لكن أنا أورد هذا من باب زيادة في الفائدة وإلا أكثر النحاة على أنها مفعول به لكن مقتضى تعريف المفعول وهو أنه الذي وقع عليه فعل الفاعل أنه شيء قائم بذاته ثم فُعل به ما فعل، الإشكال ظاهر أو ما هو بظاهر؟ بعضهم يعربها مفعولا مطلقا وليست مفعولا به، لكن إذا نظرنا إلى أنها مخلوقة فهي في وِزان المفعول، لكن هل هو مفعول به أو مفعول مطلق؟ عامة أهل العربية يقولون مفعول به بغض النظر عن كونها قبل يعني ما وُجِدَت ما قامت بذاتها وقت الخلْق ووقع عليها الفعل، لكن هذا وِزانها مادامت مخلوقة فهي مفعول، هذا إشكال دقيق جدًا وقرره بعض النحاة، ولكن المعتمد هو قول الأكثر، وابن هشام في مغني اللبيب بسط هذه المسألة وكذلك السيوطي في الأشباه والنظائر النحوية، وبعضهم يرد هذا الخلاف إلى خلاف عقدي وهو أن الفعل أو أن القدرة على الفعل مقارنة للفعل نفسه مثلما يقولون هدى الله زيدًا يعني خلق فيه الهداية مباشرة فحصلت فيه الهداية هذا قول الأشعرية هذا معروف.

طالب: ...........

يعني تفسَّر الأيام الستة بما جاء تفصيله؟

طالب: ...........

أين؟

طالب: ...........

 نعم أوجدها لكن ما وقع عليها فعل، عندنا {خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [سورة البقرة:164] أظن بسط هذا الكلام الذي يحتاجه يجده في مراجعه وأشرنا إلى شيء منها، منها مغني اللبيب لابن هشام، ومنها الأشباه والنظائر النحوية للسيوطي ومصادر أخرى، المقصود أن هذين الكتابين فيهما تفصيل هذه المسألة والمعتمد هو قول الجمهور.

"{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [سورة الأعراف:54]" في ستة أيام الله- جل وعلا- إذا أراد شيئا إنما يقول له كن فيكون، لماذا أجل ستة أيام؟ لحكمة إلهية ولا يُسأل عما يفعل، ولتعليم الناس الصبر، وأن القادر على إيجاد الشيء في لحظة أو في طرفة عين كن فيكون خلقها في ستة أيام "{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [سورة الأعراف:54]" العرش قبل السموات أو بعدها؟ قبل، {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [سورة هود:7] ويختلفون في العرش والقلم أيهما الأول؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح «أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب» والمرجَّح أن العرش قبل القلم كما قال ابن القيم- رحمه الله-:

والناس مختلفون في القلم الذي

 

كُتب القضاء به من الديَّان

هل كان قبل العرش أو هو بعده

 

قولان عند أبي العَلى الهمذان

والحق أن العرش قبل لأنه

 

قبل الكتابة...............

...........................

 

أو وقت الكتابة كان ذا أركان

وكتابة القلم الشريف تعقبت

 

إيجاده من غير فصل زمان

يعني أول ما خلقه قال له اكتب، أنت إذا قلت أول ما اشتريت السيارة ركبتها هل معناها أنها أول سلعة اشتريتها؟ أو أن الأولية مقيَّدة بما حصل معها؟ أوَّل ما اشتريت السيارة ركبتُها ليس معنى هذا أن هذه السيارة أول ما اقتنيت أو أول ما شريت أول ما اشتريت من السلع ليس بصحيح، وهنا «أول ما خلق الله القلم قال له اكتب» فور خلقه أُمر بالكتابة "{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [سورة الأعراف:54]" استواءً يليق بجلاله وعظمته ولا يُتعرض لتكييفه ولا تمثيله ولا تشبيهه، إنما يُثبت كما جاء عن الله فالاستواء كما قالت أم سلمة ومالك وغيرهما الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، السؤال عن الكيف كيف استوى؟ هذه بدعة فالكيفيات لا يعلمها إلا الله- جل وعلا- وإن كانت المعاني معروفة في لغة العرب، المعاني معروفة استوى علا وارتفع وصعد وقصد معانيها في لغة العرب معروفة، لكن كيفيتها كيف استوى؟ هذا مجهول والسؤال عنه بدعة، والسلف يقولون تُمَرّ كما جاءت، آيات الصفات تُمَر كما جاءت ونسبوا لمالك أنها من المتشابه وهذا لا يثبت عن مالك- رحمه الله- بل هي من المحكَم؛ لأن معانيها معلومة لكن الكيفيات مجهولة، ونَسب بعضهم من خلال هذا الكلام المأثور عن السلف أن مذهب السلف التفويض وهذا قول باطل مذهبهم الإثبات وليس مذهبهم التفويض ولا التشبيه ولا التعطيل، قد يقول قائل السلف يقولون أمرُّوها كما جاءت أليس هذا هو تفويض؟!

أذان؟ تفضَّل.

المؤذن يؤذن.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أقول نسب بعضهم قول التفويض إلى سلف الأمة وأئمتها ونشر هذا في المواقع وتداوله الناس ومشى على بعض المتعلمين؛ لأنه لم يدرِك معنى قولهم أمروها كما جاءت، ولم يدركوا التفريق بين معرفة المعنى ومعرفة الكيفية، الألفاظ من لغة العرب ما جيء بألفاظ أعجمية أو ألفاظ مركَّبة من حروف لم تستعمل في أي لغة من اللغات، يعني ما لا فرق بين زيد شخص لا تعرفه وبين ديز عكس زيد؟ لا فرق بينهما؟

طالب: ............

لكن لا فرق بين اللفظين؟ هذا له معنى وهذا ليس له معنى، فإذا سمعت كلمة زيد عرفت أن هذا اسم يطلق على شخص ذكر له أوصاف، له أبعاض، له أجزاء، لكنك لا تعرف كيفيات هذه الأبعاض؛ لأنك ما رأيته، لا تدري هل هو كبير الجثة؟ صغير طويل قصير؟ أبيض أسمر؟ لا تدري عن شيء، أنت لا تعرف كيفيتها؛ لأنك ما رأيته لكنك تعرف المعنى، لكن إذا قيل لك ديز ماالذي ينصرف إلى ذهنك هم يريدون الصفات مثل هذا اللفظ بدون معاني، هذا الكلام باطل، وشيخ الإسلام رد عليهم ردًّا قويًا- رحمة الله عليه- مذهب التفويض "{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً} [سورة الأعراف:54]" ثم استوى على العرش في سبع آيات من القرآن منها هذه الآية آية الأعراف، يغشي يعني يغطي يغطي الليل بالنهار ويغطي النهار بالليل، كل واحد منهما يغطي الثاني، هذا يغطي النهار بظلامه وذاك يغطي الليل بضيائه، والغِشاء الغطاء، لا أدري يستعمل عندكم يقال فلانة تغشت يعني تغطت هذا موجود عند عامة الناس، يغشي الليل النهار يطلبه حثيثًا كل واحد يطلب الثاني بسرعة، لا يوجد فاصل إذا انتهى النهار جلست ساعة أو ساعتين ما جاء الليل أو العكس لا، سريعًا حثيثًا "{يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} [سورة الأعراف:54]" يعني وخلق لأن العطف على نية تكرار العامل وخلق الشمس والقمر، تأمل الآن صارت الشمس والقمر من المخلوقات، وفي كلام الشيخ الأول واستدل له بقوله ومن آياته الليل والنهار هي من الآيات؛ ولذا لا تنافر بين كون الشيء آية وكونه مخلوقا "{وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} [سورة الأعراف:54]" مسخرات لينتفع بها العباد، الشمس ينتفعون بضيائها وبدفئها وبقضائها على كثير من الجراثيم التي لو لم تضربها الشمس لزادت وانتشرت بين الناس، فالشمس لها فوائد عظيمة وهي مسخرة لنفع الخلق، وكذلك القمر والنجوم كل هذه الأمور خُلقت وأُوجدت لينتفع بها الناس {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [سورة البقرة:29] وكذلك ما يمكن أن يستفاد به مما في السماء والنجوم خلقت ليهتديَ بها الخلق وزينة للسماء ورجوم للشياطين هذه هي الحكمة من خلقها، ألا له الخلق، ألا حض وتنبيه، ألا له الخلق والأمر هو المتفرِّد بالخلق وله أيضًا الأمر والنهي كما سيأتي في كلام ابن كثير- رحمه الله- "{أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأعراف:54]" {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} [سورة الفرقان:1] {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [سورة الملك:1] وهذه المادة بهذا اللفظ لفظ تبارك لا يجوز إطلاقها إلا على الله- جل وعلا- ما يقال تبارك فلان أو تبارك علينا، نعم قد يكون في الناس من جعل اللهُ فيه بركة، والوقت قد يكون فيه بركة، وقد تنزع منه البركة، والمال قد يكون مبارَك وفيه بركة وقد تنزع بركته فلا يستفاد منه، والولد قد يكون مبارَكا وقد يكون غير مبارَك لا فائدة فيه، مبارك نعم، وجعل الله فيهم بركة نعم، لكن تبارك لا.

طالب: ............

كذلك، المقصود أن البركة ليست مطلوبة من المخلوق مطلوبة من الله- جل وعلا-.

{تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأعراف:54] كما تقدم في قوله- جل وعلا- {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الفاتحة:2] والرب هو المعبود، التبرك خاص بمن جعل الله فيه البركة فلا يجوز أن يُتبرَّك بشيء ما جعل الله فيه البركة؛ لأن البركة إنما هي هبة من الله- جل وعلا- وجعلها في نبيه -عليه الصلاة والسلام- فتبارك أو تبرَّك، تبرَّك الصحابة بآثاره بشعره ببصاقه بما ينزل من وضوئه إلى غير ذلك وهذا خاص في حياته انتهى ذلك بوفاته -عليه الصلاة والسلام- "والرب هو المعبود" الرب هو المعبود؛ لأنه قال ربي الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمته وهو معبودي، والرب هو المعبود مقتضى توحيد الربوبية أنه هو الخالق والرازق وإذا كان هو الخالق والرازق فهو المعبود؛ ولذا قال ليس لي معبود سواه، وقال الحافظ ابن كثير كما سيأتي الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة "والدليل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة:21]" يا أيها الناس اعبدوا ربكم والعبودية إنما تكون لله- جل وعلا- الخالق الرازق المتصرِّف المحيي المميت {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة:21] فالعبادات بجميع فروعها وأجزائها إنما شرعت لتؤدى على الوجه المشروع فتُثمِر التقوى، والتقوى فعل الأوامر واجتناب النواهي، فالصلاة شُرعت لتنهى عن الفحشاء والمنكر، أصلاتك تأمرك فالصلاة التي تؤدى كما فعلها النبي -عليه الصلاة والسلام- تأمر وتنهى، والصيام {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة:183] فالصلاة التي لا تؤدي إلى هذه النتيجة لا بد أن يكون فيها خلل، والصيام الذي لا يورث التقوى فيه خلل لا بد من مراجعته، والحج الذي لا يورِث التقوى فيه خلل {وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [سورة البقرة:203] أما الذي لا يتقي الله- جل وعلا- عليه الإثم؛ ولذا جاء في الحديث الصحيح «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه» "{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً} [سورة البقرة:22]" الأرض فراش يستفيد منها الناس ويجلسون عليها وينامون عليها كالفراش وهي مهاد يلازمها الناس كملازمة الرضيع للمهد {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً} [سورة البقرة:22] ويسَّر البقاء عليها والتصرف فيها "{وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} [سورة البقرة:22]" بناء مثل السقف وهي سقف محفوظ، الأرض فراش والسماء بناء وسقف، لو حلف شخص ألاَّ ينام على فراش فنام على الأرض يحنث أو لا يحنث؟ تلزمه كفارة أو ما تلمه؟ لماذا؟

طالب: ............

ما هو الجواب؟

طالب: ............

الله- جل وعلا- يقول {جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً} [سورة البقرة:22] وحلف لا ينام على فراش ونام على الأرض وهي فراش بالنص.

طالب: ............

نعم الأيمان والنذور مردها إلى الأعراف، ولو قال لا أنام تحت سقف ونام تحت السماء كذلك "{وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [سورة البقرة:22]" السماء المراد بها نعم يقولون السحاب وإلا فالأصل أن الماء والمطر ينتج عما يتبخر من مياه البحار ويتصاعد إلى السماء ثم ينزل بإذن الله- جل وعلا-.

شربن بماء البحر ثم ترفَّعت

 

متى لجج لهن نئيج

لهن صوت، شربن بماء البحر يعني أن هذه السحاب حكمها حكم من يشرب من ماء البحر ثم ينزله على الناس بسبب الحرارة والتبخير الناتج عن هذه الحرارة، لكن قد يستشكل مَن يستشكل ويقول الملاحَظ أن الأمطار أكثر ما تكون في زمن الشتاء والتبخير يكون إذا كان الجو باردا أو إذا صار حارا؟ يعني الصيف أولى، الصيف أولى بالتبخير ثم التكثيف في الجو ثم إنزاله مطرًا، على كل حال ابن القيم يقرر ما ذكره أهل الهيئة من أن المطر بسبب التبخير ثم نزوله مرة ثانية وهو المعروف عند المتقدمين ويقرره المتأخرون، لكن لا يوجد من أدلة الشرع من الكتاب والسنة ما يدل على ذلك، بل جاء من الأدلة ما يدل على أن ميكائيل ملك من الملائكة، موكَّل بالمطر ويكيله في السماء قبل نزوله، وعلى كل حال المسألة فيها سعة؛ لأن السماء كما تُطلَق على السموات الأجرام المعروفة تطلق على جهة العلو "{وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ} [سورة البقرة:22]" هذا المطر الذي نزل نتج عنه الرزق الذي هو عبارة عن الثمرات والزروع "{فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة:22]" فلا تجعلوا لله أندادًا أمثالا وأشباه ونظراء تجعلونهم في مصفّ الله- جل وعلا- وتعبدونهم معه أو دونه وأنتم تعلمون، القيد وأنتم تعلمون هل له مفهوم أو لا مفهوم له؟ بمعنى أن الإنسان لو اتخذ أندادا وهو لا يعلم هذه مسألة العذر بالجهل وشروطه وقيوده لا شك أنها مسألة عظيمة ومهمة ومعروفة عند أهل العلم ويُعذَر بالجهل من لم تبلغه الحجة {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [سورة الإسراء:15] ومن بلغته الحجة بغير لغته من الأعاجم فلا يفهمها لا بد أن تُوضح له وتبيَّن وتترجم له، فإذا كان يفهمها بطبعه كالعربي أو ترجمت له كالعجمي لزمتْه ولو وُجد مانع من قبوله إياها لأنه أحيانًا يفهم الحجة لكن يوجد عنده مانع من القبول، الاقتداء بالعلماء قد يمنع من قبول الحجة هذا عند جميع الطوائف، لو جئت لعامِّي قبل ثلاثين سنة وقلت له هذه المسألة من مسائل الصلاة وهو ما اعتادها هي ثابتة بحديث صحيح وهو ما رأى المشايخ الذين أدركهم يفعلونها وأنت شاب تعرف هذا النص تلقيه على هذا العامي ما يقتنع بك وهو رأى مشايخ كبار تعاهدوا وتواتوا وتتابعوا على عدم العمل بهذه السنة عنده مانع من قبول الحجة؛ لأن عمل أهل العلم عنده على خلاف ما تقول، أيضًا في الأقطار الذين يطوفون بالقبور ويتعبدون ويدعون غير- الله جل وعلا- في المشاهد عند الأضرحة تجده يقول والله الدليل واضح لكن شيوخنا منذ أن خرجنا إلى الدنيا وهم يفعلون كذا- نسأل الله العافية- هذا ليس بشرط هذا يؤاخذ ولو وجد هذا المانع عنده؛ لأنه ليس متعبَّدا بقول فلان أو علان متعبَّد لمن خلقه ورزقه "الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة" هو المستحق للعبادة، أنت لو صنعت لك آلة فاعتدى عليها شخص وسماها من الذي يسميها؟ الذي صنعها، اعتدى عليها واستعملها نقول لا، حرام عليكم هذا اعتداء، هذا ظلم تعالى الله عمَّا يقول الظالمون علوًا كبيرًا، الخالق لهذه الأشياء المذكورة يعني من السموات والأرضين والشمس والقمر وكل ما جاء من صغير وكبير مما يدخل في حيِّز هذه الصفة صفة الخلْق، الخالق لها هو المستحق للعبادة، الإنسان يعجب حينما يقال كانوا يعبدون الأحجار، طيب ما هي النتيجة؟! تنفعهم أو تضرهم؟! يعبدون الأشجار، تأتي المرأة إلى نخلة أو إلى شجرة وتقول ارزقني ولدا، أو أريد زوجا؛ ولذا جاء في الأثر أن أحد الصحابة قال للنبي -عليه الصلاة والسلام- أين عقولنا يا رسول الله حينما كنا نعبد التمرة فإذا جعنا أكلناها؟! أين العقول؟! قال «أخذها باريها» الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة.

 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

"