شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1427 هـ) - 25

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.

 

 أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلًا بكم إلى لقاءٍ جديد في برنامجكم، شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح مع بداية حلقتنا، يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة -الشيخ الدكتور-عبد الكريم بن عبد الله خضير، فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الأخوة المستمعين.

المقدم: توقفنا في الحلقة الماضية، ولازال الحديث في شرح كتاب الصيام، في باب صوم شعبان، لتذكير الإخوة 937 بحسب التجريد 1970 في الأصل هذا الحديث لا زلنا فيه، توقفنا عند قوله: «فإن الله لا يَمَلُّ حتى تملّوا».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

انتهى الكلام في قوله: «فإن الله لا يَمَلُّ حتى تملّوا»، وأحب الصلاة إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- ما دُوّم عليه، وتقدم في باب أحب الدين إلى الله أدومه، وكان أحب الدين إليه ما دام، وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه، والضمير في إليه، الضمير في إليه وكان أحب الدين إليه،

المقدم: لله عز وجل.

في رواية المستملي إلى الله، وكان أحب الدين إلى الله، نعم، وهنا أحب الصلاة إلى ...

المقدم: إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.

إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في رواية المستملي إلى الله، في باقي الروايات، وكان أحب الدين إليه أي الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كما هو صريح حديث الباب، أحب الصلاة إلى النبي ما داوم..، ما دُوّم عليه، نعم، وليس بين الروايتين تخالف، وذكرناه في الموضع الأول.

المقدم: صحيح، كتاب الإيمان.

نعم وليس بين الروايتين تخالف؛ لأن ما كان أحب إلى الله، كان أحب إلى رسوله -عليه الصلاة والسلام-، يقول النووي: بدوام القليل تستمر الطاعة، تستمر الطاعة بالذكر، والمراقبة، والإخلاص، والإقبال على الله، بخلاف الكثير الشاق، حتى ينمو القليل الدائم؛ بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة.

 في الواقع مثلًا لو أن إنسانًا حمله الحرص على حفظ كتاب الله -جل وعلا-، فقرر أن يحفظ في كل يوم جزءًا، يحفظ في كل يوم جزءًا، وخلال شهر ينتهي، ومثل هذا، سوف ينقطع قبل أن يكمل، وهذا مجرب من جهة. الأمر الثاني: أن المراجعة تصعب عليه كثيرًا، فيُشق عليه الحفظ، لكن لو قرر ورقة مثلًا بحيث يستطيع حفظها بسهولة ويراجعها، ويحفظ ما بعدها في اليوم الذي يليه وهكذا؛ يعني خلال..

المقدم: سنة.

أقل من سنة ينتهي بحفظٍ متقن مضبوط، ولا يعني هذا أن الدورات التي تُكثف فيها المحفوظات، أن عليها شيئًا من الانتقاد، لا، عليها.. لا شك أن كل شيء له وعليه، لها إيجابيات ولها سلبيات، لكن مع ذلك أخذ العلم بالتوقيت هو الأصل، وكذلك سائر أبواب الدين، إنما يؤخذ بما تطيقه النفس وتنشرح له، ويقول: بخلاف الكثير الشاق حتى ينمو القليل الدائم؛ بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة، أنت تفترض أن شخصًا حفظ القرآن في شهر، وتركه لمدة سنة.

المقدم: خلاص.

هل هذا مثل الذي يحفظ في كل يوم ورقة؟ ويتعاهد كلام الله -جل وعلا- في كل يوم، ويردده في كل وقت، لا أبدًا، وإن كان قدر المحفوظ واحدًا، يقول: ابن الجوزي إنما أحب الدائم لمعنيين: أحدهما: أن التارك للعمل بعد الدخول فيه، كالمعرض بعد الوصل، فهو متعرضٌ للذنب، ولهذا ورد الوعيد في حق من حفظ آيةً ثم نسيها، وإن كان قبل حفظها لا يتعين عليه. ثانيهما: أن مداوم الخير ملازمٌ للخدمة، وليس من لازم الباب في كل يومٍ وقتًا، كمن لازم يومًا كاملًا ثم انقطع، أن مداوم، مداوم الخير ملازمٌ للخدمة، وليس من لازم الباب في كل يومٍ وقتًا ما، كمن لازم يومًا كاملًا ثم انقطع، والتنصيص على الصلاة، لا ينفي ما عداها؛ يعني توضيحًا لكلام ابن الجوزي؛ لو أن شخصًا عنده خمسة من الأولاد، خمسة من الأولاد، وهو بحاجة خدمتهم، فاتفقوا على أن يخدمه كل يوم واحد.

المقدم: جيد.

وينقطع عنه أربعة أيام، هل هذا أفضل؟ أو يخدمه كل وقت واحد؟ بحيث يصلي معه الفجر واحد، ويخدمه أول النهار، ثم يصلي معه الظهر الثاني، ويخدمه وقت الظهر، ويصلي معه العصر، وهكذا خمسة الأوقات؛ بمعنى أنه لا يغيب الواحد عنه، ولا يومًا واحدًا، أفضل أم يغيب أربعة أيام، ويأتي في اليوم الخامس؟ أيهما أفضل؟ يعني الوالد بشوق ولهف لأن يرى أولاده في كل لحظه.

المقدم: نعم.

فكونه يتردد عليه في كل يوم لا شك أنه أفضل، هذا معنى كلام ابن الجوزي، ثانيهما: أن مداوم الخير ملازمُ الخدمة، وليس من لازم الباب في كل يومٍ وقتًا، كمن لازم يومًا كاملًا ثم انقطع، والتنصيص على الصلاة، لا ينفي ما عادها من الأعمال كالصيام والتلاوة وغيرها، وللسلف في هذا الباب أو في هذه الأبواب أمثلة، يعني الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: عليه الصلاة والسلام.

القدوة ثبت عنه في صحيح البخاري من حديث المغيرة قال: «إن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ليقوم أو ليصلي حتى ترم قدماه أو ساقاه فيقال له: فيقول: أفلا أكون عبدًا شكورًا؟»

المقدم: اللهم صلِّ عليه.

يعني مثل هذا فيه مخالفة لما معنا ولا ما فيه؟ أو يقول: هذا وضع النبي -عليه الصلاة والسلام-خاص وقد أُعطي من القوة والقدرة على تحمل مثل هذه الأمور، والارتباط بالله والشوق إليه في كل لحظة بخلاف غيره؟

المقدم: يمكن أن يقال هذا حال النبي-صلى الله عليه وسلم-يعني هذا ليس مما لا يستطيع مما يشق عليه.   

النبي -عليه الصلاة والسلام-أُعطي من القوة والقدرة أكثر ما أعطي لغيره.

المقدم: واضح.

الأمر الثاني: أنه -عليه الصلاة والسلام- في شوقٍ دائم إلى الله -جل وعلا- بحيث لا يتطرق إليه الملل من العبادة، فلا يقتدي به أحدٌ في هذا، إما مطلقًا حسب توجيهاته -عليه الصلاة والسلام- أو من خشي الملل.

المقدم: هنا.

كما في حديث الباب، لكن إذا نظرنا في حال السلف وجدنا كثيرًا منهم لزم عبادات معينة.

المقدم: وأطال فيها.

وأطال فيها، فكان منهم من يسرد الصوم، وسيأتي ما في صيام الدهر، ومنهم من يواصل كما تقدم مع ثبوت النهي عن الوصال، ويأتي في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وجهه إلى..

المقدم: ختمة القرآن.

«اقرأ القرآن في سبع ولا تزد» وكان يزيد، وسيأتي ما في حديثه من ندمه -رضى الله تعالى عنه- أنه تمنى أن لو قبل الرخصة، الإمام أحمد يُذكر عنه، أنه كان يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، ثلاثمائة ركعة، تحتاج الركعة المجزئة إلى دقيقة، وثلاثمائة ركعة تحتاج إلى ثلاثمائة دقيقة؛ يعني خمس ساعات صلاة فقط، فماذا عن الأمور الأخرى؟ من صيام، وبذل للنفس والمال، وغيره، والجاه، والرواية، والحديث، وتحمل، وأداء سبعمائة ألف حديث.

المقدم: لا ومن شخص يعني ما عرف منه الاقتصار على العبادة، فحسب يعني عرف بخدمة الأمة.

نعم.

المقدم: وفى كل مجال وتعرفه في كل حال.

لكن بعض أهل العلم يقول: وهذا يُفهم من كلام شيخ الإسلام، أن مثل هذه الأمور الإعانة عليها لا تتم إلا بمثل هذا.

ولذلك كان شيخ الإٍسلام، يلازم الذكر، ويطيل فيه في أول النهار، ويذكر أنه لو تركه..

المقدم: ما أعين.

ما أعين على بقية يومه.

الحافظ عبد الغني -رحمه الله- المقدسي مؤلف العمدة، وغيرها من الكتب، وهو معروف في العبادة؛ يعني في الضحى يصلي ثلاثمائة ركعة، ثلاثمائة يعني مثل خمس ساعات؛ يعنى من ارتفاع الشمس إلى الزوال، لا شك أن هذا على حساب أمور أخرى، لكن من فُتح له باب من أبواب العبادات، وشق عليه غيره، فليلج من هذا الباب، وليس معنى هذا أننا نقر صنيع الحافظ عبد الغني-رحمه الله- وإن كان إن شاء الله يرجى له خير؛ يعني فيما يستطيع، يبقى أن السلف في ذلك لهم أمور عجيبة جدًّا، في هذا الباب من لزوم العبادات، فمنهم من يقرأ القرآن في يوم، ومنهم من يختم في اليوم مرتين، وعثمان يختم في ركعة، هل نقول: إن في هذا مخالفة لما جاء في هذا الحديث؟ وما جاء في مثل حديث «اقرأ القرآن في سبع ولا تَزِد» و«لا يَفقه مَن قرَأ في أقل مِن ثَلاث» نعم، أو نقول: إن استغلال المواسم كما يقول ابن رجب: لا يدخل في عمومات النهي، يعني كونه يقرأ القرآن في رمضان في كل يوم مثلًا هل نقول: إنه خالف «اقرأ القرآن في سبع» أو «لا يفقه من قرأ في أقل من ثلاث»، استغلال المواسم عند أهل العلم يضربون فيه أروع الأمثلة، ولذا النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حفظ عنه أنه قام ليلة كاملة، لكنه في العشر يشد المئزر، ويحيي ليله، فمنهم من يقول: إنه حتى العشر ما يحيها كاملة، طردًا للنفي ومنهم من يقول: إنه لا يحيي في سائر العام إلا في هذه الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر، وعلى كل حال، السلف من قرأ في أحوالهم عرف أنهم لزموا العبادة، وأكثروا منها ورأوا أن مثل هذه النصوص إنما هي فيمن يُخشى عليه الملل، ولذا يقول ابن بطال: البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم باب ما يكره من التشديد في العبادة، باب ما يكره من التشديد في العبادة، قال ابن بطال: إنما يُكره ذلك خشية الملل المُفضي للترك مفهومه أنه..

المقدم: لم يخش عليه.

 إذا لم يُخشَ الملال أنه لا يكره، وعلى كل حال القصد، القصد تبلغه، وتنوع العبادات، وضرب الإنسان في كل عبادة بسهم مطلوب شرعًا، تنوع العبادات في الشريعة من فضل الله -جل وعلا- على عباده، وشيخ الإسلام له رسالة في تنوع العبادات، فكون الإنسان يتنقل من عبادة إلى عبادة، لا شك أنه أفضل، والحكمة من تشريع هذا التنوع معروفة، لكن يبقى أن بعض الناس يشق عليه بعض العبادات، هل نقول له: اترك ما لا يشق عليك؟ بعض الناس يشق عليه قيام الليل، هل نقول: اترك الصيام وأنت مقبلٌ عليه وتحب الصيام؟ يعني باستثناء للصيام المنهي عنه، وقد فُتح له هذا الباب ولا يعوقه عن واجبات، ولا عن مندوبات أفضل منه، نقول: ما الذي يمنع، وقل مثل هذا في التلاوة وقل مثله في الصلاة بعض الناس يشق عليه أن يؤدي ركعتين، وتجده يجلس ساعتين، ثلاثة يقرأ القرآن، وبعضهم العكس مستعد يقوم، ويقعد، يركع، ويسجد، عشرات بل مئات، ومع ذلك يصعب عليه أن يجلس في مكان واحد يقرأ، فإذا فتح له باب من أبواب العبادة التي تصله بالله -جل وعلا- أكثر من غيره..

 المقدم: فليبادر.

 لا شك أنه لاسيما مع انشراح الصدر، والتلذذ بها، مثل هذا يكثر منه، كما وجه إلى ذلك عموم أهل العلم، وإن كانوا يختلفون في الأفضل، يختلفون في الأفضل من العبادة التي تأتي إليها وأنت مرتاح، والعبادة التي تأتيها وهي شاقةٌ عليك، ويختلفون في الأفضل فيمن يأتِ إلى العبادات، وهو منشرح الصدر، ومن يأتِ إليها وهي عليه شاقة، لا شك أن من يـأتِ إلى العبادة وهي عليه شاقة، هذا له أجر هذه المشقة، جهاد، وله أجر العبادة، لكن الذي يأتي إليها وهو مرتاح منبسط، هل يحرم أجر المجاهدة؟ نقول: ما وصل إلى هذه المرحلة حتى تجاوز مرحلة المجاهدة، فله أجر ما سبق والنبي-عليه الصلاة والسلام- هذا وصفه «أرحنا بالصلاة أرحنا».

المقدم: بالصلاة.

بالصلاة، فمن يأتي إلى العبادة وهو مرتاح لها، منبسط إليها، ينتظرها بشوق ولهف، لا شك أنه أفضل وإن كان الخلاف موجودًا بين أهل العلم.

هذا الحديث خرجه الإمام البخاري في ثلاثة مواضع: الأول: في كتاب الصوم في باب صوم شعبان قال- رحمه الله-: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن أبى النضر عن أبي سلمة عن عائشة -رضى الله عنه- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهرٍ إلا رمضان، وما رأيت أكثر صيامًا منه في شعبان» والمناسبة تقدمت.

والثاني وهذا على اعتبار أن الثاني طرف من الأول، وسبقت الإشارة إلى ذلك، والثاني في الباب نفسه في الباب المذكور من الكتاب نفسه، قال: «حدثنا معاذ، معاذ بن فضالة قال: حدثنا هشام عن يحي عن أبي سلمة أن عائشة -رضى الله عنها- حدثته قالت: لم يكن النبي-صلى الله عليه وسلم- يصوم شهرًا أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله وكان يقول: خذوا من العمل ما تُطيقون فإن الله لا يَمَلُّ حتى تملّوا» وأحب الصلاة إلى النبي–عليه الصلاة والسلام- ما دُوّم عليهم.

وإن قلت: وكان إذا صلى صلاة داوم عليها، وتقدم أيضًا ذكر مناسبته.

وفي الموضع الثالث في كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل في كتاب الرقاق، الرقاق جمع رقيق، العظام عظيم عظام، نعم، وباب القصد والمداومة على العمل، باب القصد والمداومة على العمل قال: «حدثني محمد بن عرعرة قال: حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عائشة-رضى الله عنها- أنها قالت: سُئل النبي-صلى الله عليه وسلم-أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أَدومَها وإن قَل، وقال: اكْلَفُوا من الأعمال ما تُطيقون» ومناسبة الحديث للباب ظاهرة، مناسبة الحديث للباب ظاهرة ومناسبة الباب لكتاب الرقاق أيضًا ظاهرة، من حيث إن الكتاب فيه الحث على الأعمال الصالحة، الحث على الأعمال الصالحة فيُخشى من يسمع هذا الحث أن يسترسل، ويستمر حتى يتجاوز ما يطاق.

المقدم: صح.

نعم؛ لأن الإنسان الذي يكثر من النظر في كتب الرقاق، كتب الوعظ لا شك أنه..

 المقدم: قد يسوق هذا إلى الكتاب.

 نعم إلى كثرة العبادة، كثرة العبادة مطلوبة، لكن لا تصير على حساب غيره، فمثل هذا مناسبته ظاهرة.

المقدم: الحديث الذي يليه يا شيخ.

نعم نعم.

المقدم: قال: -رحمه الله-: «عن أنس -رضى الله عنه- وقد سئل عن صيام النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائمًا إلا رأيته، ولا مفطرًا إلا رأيته، ولا من الليل قائمًا إلا رأيته، ولا نائمًا إلا رأيته، ولا مسست خزةً ولا حريرةً ألين من كف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا شممت مسكةً ولا عبيرةً أطيب رائحةً من رائحة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-».

راوي الحديث أنس بن مالك بن النضر الأنصاري، الخزرجي، خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-خدمه عشر سنين، صحابي مشهور، مر ذكره مرارًا، والحديث ترجم عليه الإمام البخاري، بقوله: باب ما يذكر من صوم النبي-صلى الله عليه وسلم- وإفطاره، ما يذكر من صوم النبي-صلى الله عليه وسلم- وإفطاره مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة.

المقدم: نعم.

حيث إنه يذكر عن صومه -صلى الله عليه وسلم-، وعن إفطاره على الوجه المذكور فيه؛ يعنى ..

المقدم: ما كنت أحب.

«ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائمًا إلا رأيته».

المقدم: نعم.

 «ولا مفطرًا إلا رأيته»، فهذا من صومه، نوع من صومه -عليه الصلاة والسلام-والسائل لأنس حين يقول: سئل عن صيام النبي -صلى الله عليه وسلم-.

المقدم: نعم.

هو حميد بن أبي حميد الطويل؛ لأنه يقول: أخبرنا حميد قال: سألت أنسًا -رضى الله عنه- في الأصل..

المقدم: نعم.

سألت أنسًا -رضى الله عنه- عن صيام النبي-صلى الله عليه وسلم-فذكره صيام النبي-عليه الصلاة والسلام-المراد به التطوع، المراد به التطوع، أما صوم رمضان..

المقدم: واجب.

 فلا يسئل عنه؛ لأنه مطرد ومعروف.

 المقدم: نعم.

قال: «ما كنت أحب أن أراه»؛ أي ما كنت أحب رؤيته، فـ «أن» مصدرية «من الشهر صائمًا» حال «إلا رأيته»، «ولا مفطرًا»؛ أي ولا كنت أحب أن أراه حال كونه مفطرًا «إلا رأيته، ولا من الليل قائمًا»؛ أي ولا كنت أحب أن أراه من الليل حال كونه قائمًا إلا رأيته، وكذلك التقدير في قوله: «ولا نائمًا» من النوم قاله العيني، وقال ابن حجر: يعني أن حاله؛ يعني أن حاله في التطوع بالصيام، والقيام كان يختلف، يعني أن حاله في التطوع بالصيام، والقيام كان يختلف، فكان تارةً يقوم من أول الليل، وتارةً في وسطه، وتارةً من آخره؛ يعني الذي يُفهم الآن، المتبادل من الأحاديث، إذا طردنا المعنى في الصيام والقيام، «ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائمًا إلا رأيته، ولا مفطرًا إلا رأيته، ولا من الليل قائمًا إلا رأيته»، يعني البابان يختلفان، لماذا؟ لأن الصيام لا يقبل التجزئة، والقيام يقبل التجزئة؛ يعني يصوم أيامًا ويفطر أيامًا، فهل معنى هذا أنه يقوم ليالي وينام ليالي؟ واضحة؟

المقدم: واضحة جدًّا.

هل هذا السياق يدل على هذا المعنى.

المقدم: يدل على هذا لكن ما أظن هذا المراد.

أن هذا ليس بمراد يقول: يعني أن حاله في التطوع في الصيام والقيام، كان يختلف فكان تارةً يقوم من أول الليل، وتارةً في وسطه، وتارةً من آخره، كما كان يصوم تارةً من أول الشهر، وتارة من وسطه، وتارة من آخره، فإذا شبهنا الليل بالشهر..  

المقدم: استقام.

استقام، وإذا شبهنا الليلة باليوم لم يستقم.

 المقدم: ما يستقيم.

نعم، فكما كان يصوم تارةً من أول الشهر، وتارةً من وسطه، وتارةً من آخره، فكان من أراد أن يراه في وقتٍ من أوقات الليل قائمًا، أو

 في وقت من أوقات الشهر صائمًا، فراقبه المرة بعد المرة، فلابد أن يصادفه قام أو صام على وفق ما أراد أن يراه.  

المقدم: لكن لمَ يا شيخ نتكلف وهي ظاهرة في الحديث من كلام أنس -رضى الله عنه-.

 ماذا يقول؟

المقدم: يعني قوله: «ما كنت أحب أراه من الشهر»، ثم أكمل قال: «ولا من الليل»، فهو شبه الشهر بالليل حتى أنس وضحها ما تحتاج.

نعم، لكن ما يتبادر للذهن أن اليوم مشبه، أن الليل مشبه باليوم.

المقدم: ما يتبادر مادام أنس ذكرها خلاص قال: «ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائمًا إلا رأيته، ولا مفطرًا إلا رأيته، ولا من الليل قائمًا إلا رأيته فجعل الشهر». 

الليل جنس ما هو بليلة واحدة، الليل جنس مثل الشهر.

المقدم: طيب هو جعل الآن الشهر مقابلًا لّليل.

 لكن الليل جنس يشمل الليالي كلها، فالمطابقة إنما تتم بما استشكلناه سابقًا، لكن يدفعه ما ذكر ابن حجر، فكان من أراد أن يراه في وقت من أوقات الليل قائمًا، أو في وقت من أوقات الشهر صائمًا فراقبه المرة بعد مرة، فلابد أن يصادفه قام أو صام على وفق ما أراد أن يراه، هذا معنى الخبر، وليس المراد أنه كان يسرد الصوم، ولا أنه كان يستوعب الليل قيامًا، قال: ولا يشكل على هذا قول: عائشة -رضى الله عنها- ولا يشكل على هذا قول عائشة -رضى الله عنها- في الباب قبله: «وكان إذا صلى صلاة داوم عليها»، وقوله: في الرواية الأخرى الآتية بعد أبواب كان عمله ديمة؛ لأن المراد من ذلك ما اتخذه راتبًا، لا مطلق النافلة لا مطلق النافلة، فهذا وجه الجمع بين الحديثين وإلا فظاهرهما التعارض. وفي شرح الكرماني: فإن قلت: كيف يمكن أنه متى شاء يراه مصليًا نائمًا؟، فإن قلت: كيف يمكن أنه متى شاء يراه مصليا نائمًا؟ يقول الكرماني: قلت: غرضه أنه كان له حالتان مكثرًا على ذاك مرة، وبالعكس أخرى. وفي شرح ابن بطال قال المهلب: في هذه الأحاديث من الفقه أن النوافل ليس لها أوقات معلومة وإنما يراعى فيها وقت النشاط لها وقت النشاط لها والحرص عليها، وفيه أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يلزم سرد الصيام الدهر كله، وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يلزم سرد الصيام الدهر كله، ولا سرد الصلاة الليل كله، رفقًا بنفسه وأمته؛ لئلا يقتدى به في ذلك، أو يقتدي به في ذلك؛ يعني أحد فيجحف، وإن كان قد أعطى -عليه الصلاة والسلام- من القوة في أمر الله ما لو إذا التزم الصعب منه لم ينقطع.

المقدم: عليه الصلاة والسلام.

لم ينقطع عنه فركب من العبادة الطريقة الوسطى، فصام، وأفطر، وقام، ونام، وبهذا أوصى عبد الله بن عمرو حين أراد التشديد على نفسه بالعبادة فقال: «إنك لا تستطيع ذلك فصم، وأفطر، وقم، ونام»، فكان إذ كبر يقول: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

المقدم: صلى الله عليه وسلم.

وسيأتي.

المقدم: إن شاء الله. جزاكم الله خير وأحسن إليكم ونفع بعلمكم.

أيها الأخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب الصيام، في كتاب التجريد الصريح، لأحاديث الجامع الصحيح.

نستكمل بإذن الله ما تبقى من ألفاظ، وأحكام، وفوائد هذا الحديث بإذن الله في حلقة قادمة وأنتم على خير،

والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.