شرح مختصر الخرقي - كتاب الصلاة (23)

سم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال -رحمه الله تعالى-:

باب: الساعات التي نُهي عن الصلاة فيها  

ويقضي الفوائت من الصلوات الفرض، ويركع للطواف، ويصلي على الجنائز، ويصلي إذا كان في المسجد وأقيمت الصلاة، وقد كان صلاها في كل وقت.

وقد كان صلى.

طالب: نعم.

صلاها أو صلى؟

طالب: عندي صلاها، عندك صلى يا شيخ؟

صلى، نعم.

ويصلي إذا كان في المسجد وأقيمت الصلاة، وقد كان صلاها في كل وقت نهي عن الصلاة فيه، وهو ما بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا يبتدئ في هذه الأوقات صلاة يتطوع بها، وصلاة التطوع مثنى مثنى، وإن تطوع في النهار بأربع فلا بأس، ومباح له أن يتطوع جالساً، ويكون في حال القيام متربعاً، ويثني رجليه في الركوع والسجود، والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى قاعداً، فإن لم يطق جالساً فنائماً، والوتر ركعة يقنت فيها مفصولة مما قبلها، وقيام شهر رمضان عشرون ركعة، يعني صلاة التراويح، والله أعلم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: الساعات التي نهي عن الصلاة فيها

ثبت النهي في الصحيحين وغيرهما عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وعن الصلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.

وجاء في حديث عقبة بن عامر: ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وإذا تضيفت الشمس للغروب حتى تغرب.

وعدد الأوقات يختلف فيه أهل العلم، وإن كانت النصوص واحدة، المؤلف اقتصر على وقتين، قال: ما بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعضهم جعلها ثلاثة أضاف إلى هذين الوقتين وقت الزوال، وبعضهم جعلها خمسة، وبعضهم جعلها ستة، فالاثنان ذكرهما المؤلف، والثالث عند من يقول هي ثلاثة: وقت الزوال، حين يقوم قائم الظهيرة إلى أن تزول الشمس، ومن قال: هي خمسة جعل ما جاء في حديث عمر وغيره وقتين تضاف إلى الثلاثة التي جاءت في حديث عقبة، فتكون خمسة، من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومن طلوعها حتى ترتفع هذان اثنان، وحين يقوم قائم الظهيرة هو الثالث، وبعد صلاة العصر حتى تتضيف الشمس للغروب هذا الرابع، ومن تضيفها للغروب حتى تغرب هذا هو الخامس، الذي يقول: هي ثلاثة يجعل الأوقات متداخلة؛ لأن أربعة منها يمكن إجمالها في اثنين لأنها متصلة، والذي يقول: هي ستة يفصل ما قبل صلاة الصبح عن ما بعد صلاة الصبح، فيقول: من طلوع الفجر إلى صلاة الصبح وقت نهي تكره الصلاة فيه ما عدا ركعتي الصبح، كما جاء استثنائها، ومن بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس هذا وقت الثاني، ومن طلوعها حتى ترتفع هذا الثالث، والرابع حين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، والخامس من صلاة العصر إلى أن تتضيف الشمس للغروب، والسادس إلى أن تغرب، تكون ستة.

لماذا فصل أهل العلم بين الوقتين اللذين جاءا في حديث عمر وغيره، وبين الأوقات الثلاثة التي جاءت في حديث عقبة؟ لأنه يمكن أن تتداخل، فيقال: ثلاثة، لماذا؟

طالب:.......

نعم لأن النهي في حديث عقبة أشد، في الأوقات المضيقة الثلاثة النهي فيها أشد، والنهي عن الصلاة عموماً وعن صلاة الجنازة على وجه الخصوص والدفن، وأن نقبر فيهن موتانا، وجمهور أهل العلم حملوا المراد بالقبر قبر الأموات على صلاة الجنازة، كما ذكر ذلك الترمذي وغيره، ومنهم من يقول: إن الممنوع الدفن، يصلى عليها في هذا الوقت، لكن تدفن بعد ذلك، لكن المحظور والملحوظ في هذه الأوقات والممنوع من أنواع العبادات كلها هو الصلاة، والعلة في ذلك عدم مشابهة الكفار؛ لأن الشمس إذا طلعت قارنها الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها، إذا صارت في كبد السماء قارنها، فإذا زالت فارقها، إذا تضيفت للغروب ودنا الغروب قارنها، ثم إذا غربت فارقها، وحينئذٍ يتعمد الكفار السجود في هذا الوقت للشمس، ومقارنة الشيطان من أجل أن يخيل أن السجود له، أو يتخيل أن السجود له، وهم يسجدون للشمس، فنهينا عن مشابهتهم في الصلاة في هذا الوقت، وجاء النهي عن الصلاة: ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس)) ((لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)) ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، فالممنوع الصلاة، وهذا هو الذي حمل الجمهور على جعل المراد بالدفن صلاة الجنازة؛ لأن الدفن يعقبها، يعني مثل ما يقال بالنسبة لركعتي الطواف عند من يقول به، يقول: إذا أجيز الطواف أجيز ما يتبعه من ركعتي الطواف، وهذا يأتي بالتفصيل عند ذوات الأسباب.

هنا مسألة وهي أن المشابهة للكفار، من كل وجه، إنما هي بالسجود، الكفار يسجدون للشمس، هل يقفون؟ هل يركعون؟ هل يرفعون من الركوع؟ إنما يتعبدون للشمس بالسجود.

المشابهة التامة للكفار، حينما يسجد المسلم سجدة مفردة في هذه الأوقات، إذا تقرر هذا فما حكم سجود التلاوة أو سجود الشكر في هذه الأوقات؟ لأنه هو الذي تتحقق به المشابهة التامة للكفار، الكفار لا يصلون صلاة كاملة، إنما يسجدون للشمس، النهي: ((لا صلاة)) والنهي لعلة، والعلة تنطبق انطباقاً تاماً بالسجدة المفردة، كسجود الشكر وسجود التلاوة، المقصود أننا نهينا عن السجود، لا نسجد جهة الشمس، نحن نسجد في وقت طلوعها مولينها الدبر، في بعض الجهات، ومثله عند غروبها في بعض الجهات، المقصود أننا لا نسجد جهة الشمس، هذا ما تتم به المطابقة.

ماذا أريد أن أقرر؟ أقرر أن المشابهة التامة إنما تتم بسجدة مفردة، فتدخل هذه السجدة المفردة في النصوص الناهية عن الصلاة دخولاً أولياً؛ لأننا نهينا عن الصلاة من أجل المشابهة، والمشابهة إنما تتم مطابقة بالسجدة المفردة.

طالب:.......

ويش فيها؟

طالب:.......

أنا أريد أن أقرر شيئا الآن، دعنا من هذه المسألة، كل هذا يأتي بالتفصيل، لكن الآن المقصود أننا نهينا عن الصلاة في هذه الأوقات للمشابهة؛ لمشابهة الكفار الذين يسجدون للشمس عند طلوعها وعند غروبها، فالمشابهة والمطابقة في المشابهة تدخل في المنهي عنه، هذا الأصل دخولاً أولياً.

أهل العلم يختلفون في هذا، منهم من يرى أن السجود المفرد صلاة، ومنهم من لا يراه صلاة، من يراه صلاة هذا ما عنده مشكلة يدخل في النصوص، والذي لا يراه صلاة لا يدخل في النصوص، لكنه يدخل في العلة، يتناوله عموم العلة.

يعني نظير ذلك وطرقنا هذا مراراً في أكثر من مقام السعي بين العلمين في المسعى شُرع من أجل أي شيء؟ من أجل هاجر سعت سعياً شديداً في بطن الوادي، فمقتضى هذا أنه ما دام شرع من أجل امرأة أن المرأة تدخل في السعي دخولاً أولياً، وأهل العلم ينصون على أن المرأة لا تسعى في هذا المكان الذي شرع من أجل سعي امرأة، أهل العلم يقولون: دخول السبب في النص قطعي، فهل نقول: إن السبب سجود الكفار فالسجدة المشابهة المطابقة لسجودهم دخولها في النص قطعي، وكذلك سعي المرأة بين العلمين دخولها في النص قطعي أو لا؟ هذا كلام أهل العلم، يقولون: دخول السبب في النص قطعي، وهذه هي الأسباب.

طالب:.......

إلا، إلا هو السبب.

طالب:.......

لكن السبب هي شئنا أم أبينا، لا مفر، أصل السعي بين الصفا والمروة لسعيها، الأمر الثاني: أن السبب في السعي الشديد بين العلمين سعيها.

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

نظائرها.

الشيخ يقول: إن سعي هاجر بين العلمين في الوادي ليس تعبداً، وإنما هو رغبة أو رهبة، رغبة في طلب أو في اختصار الوقت، وهو الذي يمكن السعي فيه شديداً؛ لأن الأرض ليست مستوية، هو الذي يمكن فيه السعي، فتريد أن تختصر الوقت من أجل إنقاذ الولد رغبة في إنقاذه، ورهبة من موته، وعلى هذا لو أن امرأة خرجت من بيتها فتبعها سبع، فجرت وسعت سعياً شديداً تلام؟ ولو ترتب على ذلك شيء من انكشاف ما لا يجوز إبداؤه في هذه الحال، راهبة، أو راغبة، خرج منها طفل صغير في سنتين أو ثلاث ما تدري أين ذهب؟ فجرت تبحث عنه، هذه ما تلام، ولذا بعض أهل العلم يرى أن المرأة تسعى في هذا المكان سعياً شديداً؛ لأن دخولها قطعي في النص؛ لأنها هي السبب، فما الذي يخرجها من النص؟

نقول: إن سعيها في هذا الموطن أولاً: معارض بما يجب عليها من الستر، والسعي الشديد عرضة للانكشاف، وسعي النبي -عليه الصلاة والسلام- الشديد ترتب عليه انكشاف ركبتيه تحت إزاره -عليه الصلاة والسلام-، فالمرأة إذا سعت في هذا الموطن انكشف شيء من بدنها، وهو معارض بنصوص أخرى، وإذا اقتضى الأمر وتطلب الأمر أن تسعى راغبة أو راهبة فإنه لا حرج عليها في ذلك، مثل ما قلنا: إما راغبة وإما راهبة، تبعها سبع أو تبعها أحد من سباع البشر، أو من غيرهم، فإنها حينئذٍ لا مانع أن تسعى سعياً شديداً، بل عليها أن تسعى، وكذلك إذا كانت راغبة، خرج منها طفل لا تدري أين ذهب؟ لا مانع أن تسرع في مشيها، بل تجري جرياً شديداً من أجل أن تدرك هذا الولد، لما قد يتعرض له من الأذى، فالسعي في هذا الموطن من قبلها ليس على سبيل التعبد، ولذا لا يطلب من المرأة أن تسعى، وإن قال بعض أهل العلم أن دخولها في النص قطعي فعليها أن تسعى، بل المرأة في هذا أولى من الرجال.

طالب:.......

وين؟

طالب:.......

دعنا من مسألة تعبد، معارض بما جاء في شرعنا، لكن لو قدر أن امرأة سعت بمفردها وأغلقت عليها الأبواب، ولا يوجد في المسعى غيرها، وانتفى المحظور الذي جاء شرعنا بملاحظته، هل نقول: تسعى أو ما تسعى؟ إذا قلنا: إنه ليس من باب التعبد، مجرد رغبة أو رهبة لا تسعى مطلقاً، وإذا قلنا: إنه من أجل معارضة ما جاء في شرعنا من أمرها بالستر، نقول: إذا أمنت من الانكشاف، وأمنت من رؤية غيرها ممن لا يجوز لها النظر إليه تسعى، يبقى النص قائم.

نعود إلى مسألة السجدة المفردة المطابقة لصنيع الكفار في سجودهم للشمس، هل نقول: إنها تدخل دخول أوليا في نصوص النهي عن الصلاة في هذه الأوقات، أو نقول على حسب الخلاف: إن من يراها صلاة يدخلها في نصوص ((لا صلاة)) ومن لا يراها صلاة يقول: هي ليست بصلاة فلا تدخل في النص؟ هذا كلام صحيح، لكن الحقيقة الشرعية نهي عنها من أجل مشابهة الكفار، مشابهة الكفار تنطبق انطباقاً كلياً على الصلاة الكاملة أو على السجدة المفردة؟ هذا الذي نريد أن نقوله، ما الجواب؟ المقصود أنه في هذه الأوقات لا سيما الثلاثة المضيقة مر القارئ بآية سجدة يسجد أو ما يسجد؟ معروف عند الحنابلة لا يسجد لأنهم يرونها صلاة؛ فيشترطون لها التكبير والتحليل والتسليم، يشترطون لها ما يشترط للصلاة، وتقدم الكلام في سجدة التلاوة والشكر.

فالآن إذا مرت بالقارئ آية سجدة في الأوقات الثلاثة المضيقة يسجد أو لا يسجد؟ الخلاصة؟

طالب: لا يسجد، مشابهة، يقال: مشابهة يا شيخ.

كيف؟

طالب:.......

يأتي الكلام في ذوات الأسباب، لنكن على القول بمنع الصلاة مطلقاً، نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

عن عمر وعلى غير طهارة؟

طالب:.......

هذا قوله وقول من يقول: إن سجدة التلاوة ليست صلاة، لكن حتى على القول بأنها ليست صلاة إن لم يشملها منطوق النص: ((لا صلاة)) شملها عموم العلة، نعم، يعني إن لم تكن دلالة الحديث عليها بالمنطوق شملها عموم العلة، عموم العلة معتبر عند أهل العلم يدخل فيه جميع الصور التي تنطوي تحت هذه العلة إلا عند الظاهرية، لكن يبقى أنه على الإنسان أن يحتاط في مثل هذا، وإذا ضاق الوقت وقت بزوغ الشمس أو وقت غروبها، أو قيام قائم الظهيرة الأولى ألا يسجد، وسيأتي الكلام في الأوقات الثلاثة المضيقة، والأوقات الموسعة بالنسبة لذوات الأسباب، نعم؟

طالب: أحسن الله إليك هل يختار له حينئذٍ أن يقطع القراءة قبل آية السجدة؟

يعني هل يترك قراءة آية السجدة يقف عليها أو دونها من أجل ألا يقع في الحرج؟ يعني هذا نظير الدخول إلى المسجد في وقت النهي، على القول بالمنع مطلقاً، بعض أهل العلم يقول: لا يدخل المسجد لئلا يقع في حرج، إن جلس خالف نصا، إن صلى خالف نصا، وبعضهم يقول: يدخل ويظل قائماً، فهل نقول: قف دونها ولا تستمر بالقراءة لئلا تقع في الحرج إن سجدت خالفت، وإن لم تسجد خالفت مثل الدخول في المسجد في أوقات النهي؟ أو نقول: أنت أمامك راجح ومرجوح فتعبد بما تدين الله به، إن كان الراجح عندك السجود لا سيما عند من يقول بأنها ليست بصلاة، ليست عندهم مشكلة، الذي يرى أنها ليست بصلاة لا يستشكل، ويأتينا أنهم يتساهلون جداً في الصلوات في أوقات النهي لأدنى سبب، حتى أن بعضهم يقول: في عصر الجمعة أتعمد الخروج من المسجد، وأدخل من أجل أن أصلي؛ لأسجد وأدعو وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، صارت النواهي ما لها قيمة في نفس المسلم، وهذا معدود من طلبة العلم، والأمر ليس بالسهل على ما سيأتي تقريره في تعارض أحاديث النهي مع أحاديث ذوات الأسباب.

المؤلف -رحمه الله تعالى- كأنه جرى على قول من يقول بفعل ذوات الأسباب، أو بفعل بعض ذوات الأسباب في أوقات النهي.

قال -رحمه الله-: ويقضي الفوائت من الصلاة الفرض.

جمهور أهل العلم على أن الفرائض مخصوصة من أحاديث النهي لأدلة كثيرة، منها: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) قد يقول قائل: إنه شرع قبل وقت النهي، لكن ((من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) نعم هذا في وقت النهي المغلظ، فالفرائض مستثناة.

الحنفية يرون حتى دخول الفرائض في أوقات النهي، في النهي عن الصلاة في هذه الأوقات كالنوافل، فلا تصلى لا فريضة ولا نافلة لا ذات سبب ولا غير سبب، الحنفية يرون هذا، ويستدلون بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما نام هو وأصحابه عن صلاة الصبح ما صلى بعد الاستيقاظ مباشرة، وإنما انتقل من المكان، ويقولون: إن العلة من أجل أن يخرج وقت النهي، أولاً: وقت النهي قد خرج قبل الاستيقاظ؛ لأنهم إنما أيقظهم حر الشمس، الأمر الثاني: أن العلة في الانتقال منصوصة، ((إنه وادٍ حضر فيه الشيطان)) فالمرجح أن الفرائض تفعل حتى في أوقات النهي ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) الفرائض لا تدخل في أحاديث النهي خلافاً للحنفية انتهينا من الفرائض.

قال: "ويركع للطواف" يركع للطواف لماذا؟ لأنها ذات سبب، وجاء الخبر: ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)) فإذا أبيح الطواف أبيح ما يتبعه، وقد نص على التابع، هذا على القول بأن ذوات الأسباب هاتان الركعتان لهما سبب وهو الطواف، هذا جار على قول من يقول بفعل ذات الأسباب في أوقات النهي، وهو المعروف عند الشافعية، الجمهور يقولون: لا، لا يفعل في هذه الأوقات شيء، حتى ما له سبب.

والآن نسمع من يفتي على نطاق واسع في هذه الأيام وقبل هذه الأيام بفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، وتجدهم في أجوبتهم يتفقون على أن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، هذه حجتهم، لكن الجمهور يقولون: لا، لا يسلمون بهذا، بل يعكسون ويقلبون المسألة، ويقولون: أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، وأحاديث النهي خاصة في هذه الأوقات، لو كان التعارض بين النصوص من باب العموم والخصوص المطلق كان ما في إشكال، وكل فريق يدعي أنه عموم وخصوص مطلق، لكن الفريق الثاني لا يسلم له، يعني كما يقول الشافعية وشيخ الإسلام ومن يقول بقولهم.

تعرفون أنه إلى وقت قريب أدركناه وأدركه غيرنا أنه لا يصلى شيء من هذه الصلوات في أوقات النهي؛ لأن الناس سائرون على مذهب بين وواضح، شهر قول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- من قبل علماء كبار، والناس عموماً يثقون بمثل هؤلاء العلماء، وثقتهم بشيخ الإسلام أعظم، وقال كثير منهم: إذا قالت حذام فصدقوها، ما دام قاله شيخ الإسلام ما لأحد كلام، ثم صاروا يدخلون المساجد في أي وقت دون أي حرج وأي تردد، يبقى على أذان المغرب دقيقتين أو ثلاث ثم يركع ركعتين، لماذا؟ لأن من وثق به من أهل العلم قرر هذه المسألة، وجعلها من باب العموم والخصوص المطلق، وهذا إذا كان الأمر كذلك فلا إشكال، لكن الفريق الثاني يقولون، حتى الفريق الثاني يقول: العموم والخصوص مطلق، لكن العموم في أحاديث ذوات الأسباب، والخصوص في أحاديث النهي ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) هذا في جميع الأوقات، و"ثلاث ساعات" و"لا صلاة بعد العصر ولا بعد الصبح" خاصة بهذه الأوقات، فعلى هذا المنع هو قول الجمهور.

إذا نظرنا فيما قاله الفريقان، نجد أن التعارض بين النصوص من قبيل العموم والخصوص الوجهي، ليس المطلق، فأحاديث النهي عامة من وجه، خاصة من وجه، عامة في الصلوات خاصة في الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب عامة من وجه خاصة من وجه، عامة في الأوقات خاصة في الصلوات.

إذا كان التعارض من باب العموم والخصوص المطلق يحمل العام على الخاص، وينتهي الإشكال، لكن إذا كان التعارض من باب العموم والخصوص الوجهي حينئذٍ نحتاج إلى مرجح خارجي تتكافأ الأدلة؛ لأن هذا فيه عموم، وهذا فيه خصوص، وهذا فيه عموم، تتكافأ الأدلة، فنحتاج إلى مرجح خارجي.

طالب:.......

يأتي هذا.

نحتاج إلى مرجح خارجي، نظير ذلك النهي عن قتل النساء في الحرب وفي الجهاد جاء النهي عن قتل النساء والشيوخ والذرية، وجاء أيضاً: ((من بدل دينه فاقتلوه)) الحنفية قالوا: المرتدة ما تقتل؛ لأن النهي عن قتل النساء أخص من حديث: ((من بدل دينه فاقتلوه)) الجمهور قالوا: تقتل، لماذا؟ لأن ((من بدل دينه فاقتلوه)) وإن كان عمومه في الرجال والنساء إلا أن خصوصه في المرتدين لا في الكفار الأصليين بخلاف النهي عن قتل النساء والذرية، يعني عمومه في من جهة النساء في الكافرات الأصليات والمرتدات والقاتلات والزواني الثيبات، النهي عن قتل النساء، لكن النص الثاني خصوصه في المرتدات، هذا خاص بالمرتدين، وهذا عام في الكفار الأصليين والمرتدين، لكن يخص عموم النهي عن قتل النساء بخصوص ((من بدل دينه)) من النساء، يقول الحنفية: ليس هذا التخصيص بأولى من تخصيص ((من بدل دينه فاقتلوه)) بحديث النهي عن قتل النساء.

نقول: نعم هذا عموم وخصوص وجهي، يحتاج إلى مرجح خارجي، كيف نأتي بمرجح خارجي؟ نقول: العموم يضعف بالتخصيص، فالنهي عن قتل النساء مخصوص بالمرأة إذا قتلت، القصاص مخصوص بالمرأة إذا زنت، وهي ثيب تقتل بالرجم، وقتل الصحابة جمعاً من النساء، ورجم النبي -عليه الصلاة والسلام- الغامدية والجهنية على القول بأنهما قصتان أو قصة واحدة ((واغدو يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها)) وقتل سواحر من النساء، المقصود أن عموم النهي عن قتل النساء دخله من المخصصات أكثر مما دخل حديث ((من بدل دينه فاقتلوه)) فعمومه أضعف، فالمرجح هنا قول الجمهور بأن المرأة إذا ارتدت تقتل.

نأتي إلى مسألتنا نحتاج إلى مرجح خارجي، الجمهور قالوا: إن الحظر مقدم على الإباحة، والإباحة عندهم أعم من الإباحة مستوية الطرفين، أو راجحة أحد الطرفين كالاستحباب، كما أدخلوا الظن في الشك، الشك لا يزيل اليقين، قالوا: ويدخل فيه الظن.

الحظر مقدم على الإباحة، الجمهور قالوا هذا، فلا يلتفت إلى أحاديث ذوات الأسباب؛ لأنها تبيح فعل هذه الأشياء، أو تندب إلى فعل هذه الأشياء، لكن لو أوجبت لفعل؛ لأن الفرائض لا تدخل، والواجبات المنذورة لا تدخل، المنذورة معينة الوقت وإن كانت المسألة تحتاج إلى شيء من النظر باعتبار أن النذر وقته موسع.

على كل حال بهذا رجح الجمهور قولهم، الحظر مقدم على الإباحة، يعني المنع يقدم على الجواز، وهذه قاعدة يتفق عليها الجميع حتى الشافعية يقولون بهذا.

الشافعية رجحوا قولهم بما رجح به قول الجمهور في المسألة السابقة، قالوا: إن أحاديث النهي دخلها مخصصات، منها الفرائض لا تدخل، الفرائض المقضية لا تدخل، صلاة الجنازة لا تدخل، المقصود أن أكثر من مخصص دخل هذه الأحاديث أحاديث النهي، فضعفت، أو ضعف عمومها عن مقاومة عموم أحاديث ذوات الأسباب، يعني ما الذي دخل أحاديث ذوات الأسباب من المخصصات؟

((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) يعني في أي وقت هذا الأصل؛ لأنه معلق بالدخول، والدخول يتصور في أي وقت؟ فهذا عموم، ما الذي دخله من التخصيص؟ دخله أحاديث النهي، لا صلاة بعد العصر ولا بعد الصبح وثلاث ساعات، لكن أحاديث النهي ما الذي دخلها من المخصصات؟ قضاء الفرائض هذا متفق عليه.

ودخلها من المخصصات...

لا نستدل على الخصم بدعوى خصمه، يعني يمكن أن نقول: دخل عموم أحاديث النهي عموم ذوات الأسباب لنخصصه بهذا؟  هذا نفس الدعوى، يعني دخله مثل إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-من صلى ركعتي الصبح بعد صلاة الصبح، هذا وارد، دخله أيضاً قضاء النبي -عليه الصلاة والسلام- راتبة الظهر التي شغل عنها بعد صلاة العصر، هذا وارد.

المقصود أن المخصصات التي دخلت أحاديث النهي أكثر من المخصصات التي دخلت أحاديث ذوات الأسباب، فبهذا يرجح الشافعية قولهم، والجمهور رجحوا بأن الحظر مقدم على الإباحة، إذا نظرنا إلى الأحاديث وأن الإنسان يريد أن يتقرب إلى الله -جل وعلا-، فإذا منعه الشرع من هذه القربة، منعه الشرع، قال له: صل ثم قال له: لا تصل في هذا الوقت، فمن نظر إلى النصوص بهذه النظرة لا سيما الأوقات المضيقة التي أمرها شديد، والمشابهة فيها للكفار تامة ترجح عنده أحاديث النهي، لا سيما في الأوقات المضيقة.

الإمام البخاري -رحمه الله- في كتاب المناسك في كتاب الحج ذكر ترجمة "باب الطواف بعد العصر أو بعد الصبح وبعد العصر" وصلى عمر ركعتي الطواف بذي طوى، وأورد حديث عمر وغير حديث عمر في النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، فما الذي يترجح عنده؟ يترجح عنده المنع، وليس في ذوات الأسباب أخص من ركعتي الطواف التي جاء فيها: ((لا تمنعوا)) ليس من ذوات الأسباب ما هو أخص منها، ومع ذلك البخاري -رحمه الله- قال: "صلى عمر ركعتي الطواف بذي طوى" طاف بعد الصبح ثم ركب دابته لما وصل إلى ذي طوى صلى ركعتي الطواف، لماذا صلى ركعتي الطواف بذي طوى؟ نعم أخرها ليخرج وقت النهي.

وعلى هذا والمسألة يعني قابلة للنظر، والأئمة يتنازعون فيها، لكن إذا دخل الإنسان مع غروب الشمس بقيت دقيقتين أو ثلاث، وأن الشمس تضيفت للغروب، وهذا وقت سجود الكفار، يعني يصعب على النفس أن تصلي في هذا الوقت، لا سيما أنا أقول: الأوقات الثلاثة المضيقة يمتنع فيها المسلم عن الصلاة، إلا ما جاء في الفرائض.

الوقتان الموسعان الأمر فيهما أخف؛ لأن التشديد في حديث عقبة ليس عن شيء واحد، وإنما هو عن شيئين أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا، يعني حتى صلاة الجنازة على أنها فرض كفاية، لا تصلى في هذه الأوقات الثلاثة المضيقة، بينما الأوقات الموسعة تصلى فيها الجنازة، وأمرها أوسع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أقر من صلى بعد الصبح راتبة الصبح، وصلى ركعتي راتبة الظهر بعد صلاة العصر، فالأمر في ذلك أوسع، ومع ذلك لا يتساهل الإنسان.

يعني في درس العصر مثلاً في مسجد لا يكون عنده الأمر سيان أن يصلي في هذا المسجد الذي فيه الدرس أو قبله، ثم يأت بركعتين، لكن إذا حصل هذا لا مانع من أن يصلي ركعتين؛ لأن الوقت فيه سعة.

وقرر جمع من أهل العلم أن النهي عن الصلاة في هذين الوقتين الموسعين إنما هو من باب الاحتياط للأوقات المضيقة، من باب سد الذريعة؛ لئلا يسترسل الناس في الصلاة حتى يصل الأمر إلى الوقت المضيق.

طالب: أحسن الله إليك ألا يستأنس بحديث: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) في هذا الباب؟

هذا يأخذ علينا باقي الدرس.

يقول: من المرجحات لقول الجمهور النبي -عليه الصلاة والسلام-قال: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) هذا هو الذي بنى عليه أهل العلم القاعدة العامة أن الحظر مقدم على الإباحة، وفي هذا مقدم على الأمر، نعم.

الإمام أحمد وغيره، بل جمهور أهل العلم يرون أن الحظر أو المنهي، ارتكاب المحظور أشد من ترك المأمور لهذا الحديث.

شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-يرى العكس، دلالة الحديث ظاهرة على قول الجمهور؛ لأن النهي فيه شيء من الحزم، فاتركوه، ليس فيه مثنوية ولا خيار ولا شرط، ولا تعليق باستطاعة ولا غيرها، بينما الأمر ((فأتوا منه ما استطعتم)) فيدل على أن الأمر أخف من ترك المحظور.

شيخ الإسلام يرى العكس يقول: لا، ترك المأمور أعظم من فعل المحظور، وشيخ الإسلام استدل بفرد من أفراد المسألة وهي النظر إلى معصية آدم، ومعصية إبليس، قال: معصية آدم ارتكاب محظور، ومعصية إبليس ترك مأمور، ومعصية إبليس أعظم من معصية آدم، لكن ما الذي احتف بمعصية آدم من الانكسار والتذلل والخضوع والندم والتوبة، واحتف بمعصية إبليس من الغرور والاستكبار والتطاول، يعني هل إبليس لمجرد أنه ترك مأمورا صارت معصيته أعظم من معصية آدم لأنه فعل محظور؟ لا، ليس لهذا.

يسأل بعضهم يقول: ما الجواب عن حديث: ((يا بني عبد مناف))؟

أولاً: الكلام لأهل العلم في الحديث ظاهر، لكن المرجح ثبوته، ومع ذلك يبقى: ((لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة)) يعني على عمومه، أية ساعة في غير الأوقات المنهي عنها.

ينظر في مسألة الطواف أثناء الخطبة، خطبة الجمعة، يجوز أو ما يجوز؟

طالب:.......

مكي يطوف أية ساعة شاء، تلزمه الجمعة، المقصود ماذا نقول عمن أراد الطواف ممن تلزمه الجمعة، يقول: أنا أسمع الخطبة وأنا أطوف، يمنع أو ما يمنع؟ ممن تلزمه الجمعة يمنع، إذاً دخله مخصص.

نأتي إلى المسألة الثانية وهي أن المخصصات الواردة لأحاديث النهي إنما ترد على حديث عمر في الوقتين الموسعين لا على حديث عقبة في الأوقات الثلاثة المضيقة، لكن يبقى أن حديث: ((من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب)) وارد على الحديثين كليهما.

نعود إلى مسألة الأمر والحظر، وارتكاب المحظور عند الجمهور أعظم من ترك المأمور، وهذا معلوم أنه عند التعارض وضيق الوقت عن الأمرين، الجمهور قالوا استدلالاً بحديث: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) قالوا: إن فعل المحظور أشد من ترك المأمور، وعرفنا رأي شيخ الإسلام، وأنه يقول بالعكس، نظراً إلى معصية آدم وإبليس، وشُهر هذا القول في الأوقات المتأخرة وتبناه بعض أهل العلم، لكن لو قيل لهذا العالم الذي تبناه على إمامته وجلالة قدره: ماذا تقول في عدم تغيير الشيب مع حلق اللحية؟ أيهما أشد؟ هو ما يغير الشيب، أنت تركت مأمورا ((غيروه)) وهذا فعل محظورا حلق لحيته، أيهما أشد؟

طالب: بناءً على قوله بترك التغيير.

وأنا أقول: لا قول الجمهور، ولا قول شيخ الإسلام، إنما نظروا إلى مفردات فطبقوها، الحديث باقي عمومه ((إذا أمرتكم بأمر)) لكن عند التساوي، لكن من ترك مأمورا مثل الصلاة مثلاً، في مقابل ارتكاب محظور شرب خمر مثلاً؟ ترك الصلاة أعظم، فهل نقول: إن فعل المحظور أعظم من ترك المأمور مطلقاً، أو العكس مطلقاً، ما يمكن أن يقال بهذا، بل ينظر إلى كل متعارضين على حدة، صلاة الجماعة واجبة، لكن إذا كان في طريقك إلى المسجد بغي وعلى رأسها ظالم يجبر الناس على الوقوع بها، أيهما أعظم؟ نقول: صل في بيتك، اترك الجماعة وإن كانت واجبة؛ لأن المحظور الذي تقع فيه أعظم، بينما لو كان الأمر أخف من ذلك، إذا كان الأمر أخف من ذلك، منكر لا تستطيع إزالته، ولا ترغم على مقارفته تؤدي الواجب؛ لأن المسألة ينظر فيها، يوازن بين هذا المحظور وهذا المأمور، ولكل من المأمورات والمحظورات منزلة في الشريعة، يعني المحظورات ليست على درجة واحدة، كما أن المأمورات ليست على درجة واحدة، فإطلاق القول بأن هذا أعظم من هذا إنما هو عند التساوي، أما عند التفاضل بأن كان المحظور أعظم من هذا المأمور فقول الجمهور متجه، وإن كان المأمور أعظم من ارتكاب هذا المحظور فقول شيخ الإسلام متجه، إذا تساويا نرجع إلى المسألة، والمقصود عند التساوي، فإذا تساويا نقول: ((إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) وحينئذٍ في تركي للمأمور معذور؛ لأني ممنوع منه شرعاً، الاستطاعة ليست حسية إنما هي معنوية، منع شرعي، كما أنني إذا دخلت إلى المسجد في الوقت المضيق أنا ما أستطيع أن أصلي؛ لأنني ممنوع شرعاً، وحينئذٍ ادخل في قوله: ((فأتوا منه ما استطعتم)).

طالب:.......

إيه في عمومه...

طالب:.......

لا، هو لا بد أن يعرف مقدار هذا الذنب في الشريعة، وما جاء فيه، وهذا المأمور به في الشرع، كما أن المأمورات متفاوتة وتحقيقها، وتقديم بعضها على بعض يحتاج إلى شيء من النظر، إن كان الإنسان يستطيع وهو أهل للنظر ينظر ويجتهد فما يؤديه إليه اجتهاده يفعله، وإذا كان ليس من أهل النظر يسأل أهل العلم، نعم؟

طالب:.......

لا، ما يلزم، نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

لا، هو في الجملة يعني استناداً لهذا الخبر، والمقصود إذا تساوى المأمور والمحظور يقدم ترك المحظور على فعل المأمور إذا تساوى وامتنع فعلهما معاً، أما إذا كان المحظور أشد فلا شك، هذا ليس فيه إشكال، إذا كان المأمور أعظم ترك صلاة في مقابل محرم من المحرمات التي لا تعدل الصلاة هذا لا شك أن القول الثاني أرجح، نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

إيه، يعني لاتوجد مسائل يتساوى فيها الأمر مع الحظر؟ يعني جاء النهي عن هذا، وجاء الأمر بهذا، من غير قرائن تحتف بترجيح هذا، أو تأكيد نصوص أو ترتيب وعيد عليه، يعني عند التساوي نقدم المحظور فنجتنبه؛ لأنه ما في استثناء، ولا في تعليق بالاستطاعة، والاستطاعة لترك المحظور مقدورة في كل وقت، بينما فعل المأمور قد لا يتمكن من فعله، فالاستطاعة قد تفقد.

قال -رحمه الله-: "ويركع للطواف، ويصلي على الجنائز، ويصلي إذا كان في المسجد وأقيمت الصلاة، وقد كان صلى في كل وقت نهي عن الصلاة فيه" يعني في جميع الأوقات المنهي عنها، يفعل هذه، يقضي الفرائض، وهذا متفق عليه، وإن كان الحنفية لا يوافقون على إخراج الفرائض من أحاديث النهي، بل يدخلونها في النهي فلا تصلى الفرائض في أوقات النهي، يبقى أن الجمهور على أن الفرائض بما في ذلك الشافعية لا تدخل في هذا، والجمهور.

"ويركع للطواف" وهذا سبق تقريره "ويصلي على الجنائز" مقتضى قوله: "ويصلي على الجنائز" أما بالنسبة للصلاة الأولى التي هي فرض الكفاية هذه لا إشكال فيها، يصلى عليه في وقت النهي الموسع، ويصلى عليها في المقبرة، مع أنه جاء النهي عن الصلاة في المقبرة ((لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها)) أما إذا كانت الصلاة على الجنازة نفل، أديت الفريضة في المسجد، ثم قدمت الجنازة لجماعة آخرين، هذه ذات سبب أو مطلقة؟ ذات سبب، فمن يقول بفعل ذوات الأسباب يقول: يصلي، ومن لا يقول بذوات الأسباب يقول: لا يصلي، على أن الجنازة جاء فيها من المخصصات ما يخرجها عن مسمى الصلاة أحياناً، كيف؟ في حديث أبي هريرة: أرأيت سكوتك بين التكبيرة والقراءة في الصلاة ما تقول؟ تدخل صلاة الجنازة أو ما تدخل؟ فيها استفتاح؟ ما فيها استفتاح عند جماهير أهل العلم، وإن كان بعضهم يرى أنها تدخل في العموم، فهي لم تشبه الصلاة من هذه الحيثية، وليست بذات ركوع ولا سجود؛ لتنطبق عليها علة المشابهة، لكنها في عموم ألفاظ الصلاة داخلة، فهي صلاة بخلاف سجدة التلاوة وسجدة الشكر فالخلاف فيهما أقوى من صلاة الجنازة، ولذا صلاة الجنازة عامة أهل العلم على أن الطهارة الكاملة شرط لصحتها، وأنه لا يعدل إلى التيمم مع وجود الماء، وإن قال شيخ الإسلام أنها إذا خشي أن ترفع يتيمم، نعم؟

طالب:.......

سجد لها المشركون، هذه صلاتهم.

طالب:.......

إيه، بالنص سجدوا، هم يسجدون للشمس {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ} [(37) سورة فصلت].

"ويصلي إذا كان في المسجد وأقيمت الصلاة، وقد كان صلى في كل وقت نهي عن الصلاة فيه" لقصة الرجلين الذين صليا في رحالهما صلاة الصبح، هما موجودان في المسجد، وأقيمت الصلاة، لما انصرف النبي -عليه الصلاة والسلام- رآهما، فقال: ما لكم لم تصليا معنا، فقال: إنهما صليا، أتي بهما ترتعد فرائصهما، فذكر أنهما صليا في رحالهما، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا صليتما في رحالكما وأتيتما المسجد وأقيمت الصلاة فصليا مع الناس)) ثم بعد ذلك ((فإن صلاتكما نافلة)) نافلة يعني الصلاة الأخيرة عند الأكثر، وإن كان بعضهم يرى أن الفريضة هي الأكمل، بمعنى أن الصلاة التي صلياها مع الجماعة هي الفريضة، لكن مقتضى الحديث أن الصلاة مع الجماعة نافلة، النص جاء في صلاة الصبح، إعادة الصلاة بالنسبة لمن حضر الجماعة في المسجد هذا في صلاة الصبح، وقد صليا صلاة الصبح، وهما في وقت نهي، وهذا من المخصصات كإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلى ركعتي الصبح بعد صلاة الصبح.

"عن كل وقت نهي عن الصلاة فيه" وهو ما بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الفجر حتى تطلع الشمس، أو حتى مطلع الشمس، يضاف إلى ذلك وقت الزوال، وقوف الشمس حين يقوم قائم الظهيرة، يضاف إلى ذلك وقت طلوع الشمس ووقت غروبها، فالأوقات خمسة، وإن جعلها بعضهم ستة، وأضاف ما قبل صلاة الصبح من طلوع الصبح إلى صلاة الصبح، فجعله وقتاً سادساً.

بقي النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، بعد العصر جاء التنصيص على أنه بعد صلاة العصر، فلو دخل وقت العصر واستمر يصلي نوافل، وأخر الفريضة، وصلاها في وقتها قبل وقت الاضطرار تنفله قبل ذلك ليس فيه إشكال؛ لأنه لم يدخل وقت النهي، يدخل وقت النهي بأداء الصلاة.

بالنسبة لصلاة الصبح جاء في أكثر الروايات: ((لا صلاة بعد الصبح)) بينما العصر بعد صلاة العصر، وجاء أيضاً في صحيح مسلم: ((لا صلاة بعد صلاة الصبح)) نظير ما جاء في صلاة العصر، وعلى هذا فالأكثر على أن وقت النهي يبدأ من طلوع الفجر، وكونه ينص على أنه لا صلاة بعد صلاة الفجر، أو صلاة الصبح لا ينفي أن يكون ما قبل صلاة الصبح وقت نهي بدليل آخر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يستمر في صلاته صلاة الليل إلى السحر، فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر، مما يدل على أن ما قبل وقت صلاة الصبح من طلوع الصبح إلى أدائها كله وقت نهي، ولا يفعل فيه إلا ركعتي الفجر.

من صلى في بيته ركعتي الصبح مقتدياً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم اضطجع بعد ذلك كما هي السنة، ثم جاء إلى المسجد قبل الإقامة هذا وقت نهي، لكنه أخف الأوقات، فإذا تجاوزنا عن الصلاة في الوقت الموسعين بالنسبة لذوات الأسباب فلأن يتجوز فيما قبل صلاة الصبح من باب أولى.

طالب: أحسن الله إليك ما يقال: إن ((لا صلاة بعد الصبح)) مجمل ((لا صلاة بعد صلاة الصبح)) مبين لهذا الإجمال؟

لا صلاة بعد الصبح، الأصل في الصبح صلاته أو طلوعه؟ الصبح؟

طالب: الأصل طلوعه.

الأصل طلوعه، نبقى على الأصل أنه وقت نهي، ويدل له أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي إلى السحر، فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر، وهو وقت نهي، وإن كان على ما سيأتي في الوتر أن جمعاً من السلف من الصحابة والتابعين يقضون الوتر فيما بين طلوع الفجر إلى أداء الصلاة.

طالب:.......

يبدأ، يبدأ النهي من وقته، كما لو قدم العشاء مع المغرب وأراد أن يوتر.

قال: "ولا يبتدئ في هذه الأوقات صلاة يتطوع بها" يعني النفل المطلق، شخص جالس في المسجد، ثم خشي أن يغشاه النوم، ويشغله عن القراءة وعن الذكر، قال: أتحرك أصلي ركعتين بعد الصبح أو بعد العصر، لا يجوز له أن يبتدئ صلاة في هذه الأوقات يتطوع فيها، الأحاديث في النهي صحيحة وصريحة، ولا مبرر لأن يصلي هذه الصلاة، ليست بذات سبب، فلا يصلي لا عند الشافعية الذين يقولون بفعل ذوات الأسباب، ولا عند غيرهم الذين يمنعون مطلقاً.

طالب: أحسن الله إليك هل تخص الجمعة بالنسبة لوقت النهي المغلظ وهو من ارتفاع الشمس إلى زوالها؟

نعم جاء استثناء الجمعة بخبر ضعيف: ((إلا يوم الجمعة)) ولا صلاة حين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس إلا في الجمعة، جاء الاستثناء، لكن اللفظ ضعيف، وكثير من أهل العلم يجوز التطوع وقت الزوال في يوم الجمعة استناداً إلى فعل الصحابة، وأنهم لا يزالون يصلون حتى يدخل النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن عموم الأحاديث مع عدم ثبوت مخصص صحيح مرفوع يشمل الجمعة.

طالب:.......

إيه، لكن هل النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل قبل الزوال أو بعد الزوال؟ الله أعلم.

طالب:.......

إيه يحتمل، والدليل المحتمل غير ملزم، نعم؟

طالب:.......

تخصص العموم، لكن فعلهم ليس بنص على أنهم يصلون وقت الزوال؛ لأن دخول النبي -عليه الصلاة والسلام- يحتمل أن يكون قبل الزوال؛ لأن صلاة الجمعة يبادر بها حتى أنهم يرجعون إلى منازلهم، وليس للشمس ظل، ليس لها فيء، وهذا دليل الحنابلة على ما سيأتي في أن الجمعة يصح فعلها قبل الزوال، والجمهور يقولون: وقتها وقت صلاة الظهر، وأما كونهم يرجعون وليس للحيطان فيء ولا ظل المقصود أنه لا يستوعب الجميع، يعني بعضهم لا بد أن يمشي في شمس.

طالب:.......

يكون قريبا، وهذا دليل على المبادرة، نعم؟

طالب:.......

مثل؟

طالب:.......

إيه، لكن المعتمد في المذهب ولا يفعل شيئا من ذوات الأسباب، ولا يفعل شيئا من التطوعات في هذه الأوقات حتى ما له سبب، هذا المذهب عندهم.

داود الظاهري يرى أن أحاديث النهي منسوخة، وعلى هذا فلا نهي في أي وقت من الأوقات، النهي كان في أول الأمر لما يخشى من المشابهة والناس حديثو عهد بشرك، ثم بعد ذلك أذن في الصلاة في هذه الأوقات، والجمهور على أنها محكمة.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"
هذا يقول: هل العلة في السعي الشديد بين العلمين منصوص عليها في النصوص، أم أنها علة ظنية؟ وهل يشترط لاعتبار العلة أن تكون العلة منصوص عليها، أم يعتبر بكل ما يمكن أن يكون علة؟

أما بالنسبة للعلل منها العلل المنصوص عليها، ومنها العلل المستنبطة، فالعلل المنصوص عليها يدور عليها الحكم وجوداً وعدماً، العلة المنصوصة، والعلل المستنبطة يسوغ الإلحاق بها، يعني يتم القياس بها، لكن لا يدور الحكم عليها وجوداً وعدماً، في أصل الحكم، هذا إذا عجز عن الوقوف على العلة قال: تعبد.
طالب:.......
ما في حكم ما هو بتعبد لله -جل وعلا-، إما مأمور أو ترك محظور، كله تعبد، لكن يخصون التعبد بما لا تعقل علته، وكل من لم يطلع على علة حكم يقول: تعبد، وإلا فالأصل أن أفعال الحكيم لا تصدر إلا عن حكمه.