شرح مختصر الخرقي - كتاب الطهارة (04)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال -رحمه الله تعالى-:

وإذا كان الماء قلتين وهو خمس قرب فوقعت فيه نجاسة فلم يوجد لها طعم ولا لون ولا رائحة فهو طاهر إلا أن تكون النجاسة بولاً أو عذرة مائعة فإنه ينجس، إلا أن يكون الماء مثل المصانع التي بطريق مكة وما أشبهها من المياه الكثيرة التي لا يمكن نزحها، فذلك الذي لا ينجسه شيء.

نكمل يا شيخ.

كمل، كمل.

وإذا مات في الماء اليسير ما ليست له نفس سائلة مثل الذباب والعقرب والخنفساء، وما أشبهها فلا ينجسه، ولا يتوضأ بسؤر كل بهيمة لا يؤكل لحمها إلا السنور، وما دونها في الخلقة، وكل إناء حلت فيه نجاسة من ولوغ كلب أو بول أو غيره فإنه يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب، وإذا كان معه في السفر إناءان نجس وطاهر واشتبها عليه أراقهما وتيمم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في آخر ما قرئ في الدرس الماضي: "ولا يتوضأ بماء قد توضئ به" قد توضئ به ولم يقل منه؛ لأنه ليس مراد المؤلف ما يبقى بعد الوضوء في الإناء مما يؤخذ بعد ما يؤخذ منه في الوضوء، أو الغسل إنما ما يباشر أعضاء المتوضئ، وما يتناثر من أعضائه بعد الغسل، أو ما يبقى في الإناء بعد الانغماس فيه، المقصود بالماء الذي نبه عليه المؤلف بقوله: "ولا يتوضأ بماء قد توضئ به" يعني ما يباشر أعضاء المتوضئ، وما يبقى بعد انغماس المغتسل، وليس مراده ما توضئ منه، بمعنى أنه أخذ منه للوضوء أو الغسل بأن يتناول كما قال أبو هريرة تناولاً، يعني منه، أما ما انغمس فيه المغتسل، أو تساقط من يد المتوضئ أو رجله أو وجهه كل هذا لا يتوضأ به؛ لأنه رفع به حدث؛ واستدلوا على ذلك بمنع غمس القائم من نوم الليل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، وقالوا: لولا أن هذا الغمس يؤثر في الماء لما نهي عنه، ثم استدلوا أيضاً بالنهي عن الاغتسال في الماء الدائم، ولولا أن الاغتسال وهو رفع الحدث الأكبر يقلب الماء من كونه مطهرا إلى كونه غير مطهر لما نهي عنه، والنهي سواءً كان في هذا أو ذاك محمولاً عندهم على التحريم، وما دام الغماس محرماً في حال الغسل وغمس اليد لا يجوز في الماء حتى تغسل ثلاثاً، والبدن طاهر، واليد طاهرة، فلا يحال النهي على غسل نجاسة، وإنما يحال على رفع الحدث، المقصود أن من قال بهذا القول هذه حجته، ومن أهل العلم من يرى أنه لا أثر لذلك، لا أثر لرفع الحدث بالماء؛ لأنه طاهر باشر طاهراً، كما لو اغتسل فيه للتبرد لا أثر له، وكما لو اغتسلت به ذمية فإنه لا يؤثر، انغمست فيه ذمية لا يؤثر، انغمست فيه مسلمة وكلاهما من أثر جماع يؤثر، يعني هل هذا التفريق عند من يقول بأنه لا يؤثر في الماء التفريق لا أثر له، بناءً على أن رفع الحدث معلل، وأن له أثرا فيما يلابسه، إذا قلنا: إن رفع الحدث يؤثر فيما يلابسه، وما يخالطه، وما يرفع به، على ما يراه المؤلف يطردون المسألة، ويقولون: إذا اغتسل للتبرد فإنه لا يتأثر الماء؛ لأنه لم يرفع حدثا، وكذلك إذا اغتسلت فيه ذمية لا تنوي بذلك رفع الحدث فإنه لا يؤثر، يعني من ناحية الرأي لو استعملنا الرأي في غسل الذمية وغسل المسلمة أيهما أولى بالتأثير؟ الذمية أولى؛ لأن الذمية المظنون بها أنها لا تتحرى بالطهارة من الأنجاس كما تتحرى المسلمة، وعرف عن أهل الذمة من بعضهم أنهم يزاولون النجاسات، وبعضهم أو كثير منهم لا يستنكر؛ لأنه لا يتدين بذلك، فتأثيرها بالماء أقوى من تأثير المسلمة، فإذا منعنا هذا في المسلمة منعناه في الذمية من باب أولى.

وعلى هذا الأساس يكون مرد المسألة إلى رفع الحدث أو إلى استعمال الماء في الحدث أو في غيره، وإذا قلنا بهذا طردنا هذا في المسلمة والذمية في الغسل الواجب والمستحب والمباح الذي هو للتبرد ونحوه، فإما أن نقول: إنه يؤثر في جميع هذه الصور أو غير مؤثر؟ المذهب على أنه يؤثر، ولولا أنه يؤثر لما نهي عن الاغتسال فيه، ولولا أنه يؤثر لما أُمر القائم من نوم الليل بغسل اليد ثلاثاً قبل إدخالها في الإناء، فدل على أن الماء يتأثر، افترضنا أن هذا المغتسل اغتسل قبل حدثه بدقائق بالماء والصابون، وتنظف بأنواع المنظفات، ثم انغمس لرفع الحدث يؤثر أو ما يؤثر؟ يؤثر، إذاً ليس مرد ذلك تأثر الماء ببدن المغتسل، ولو كان المراد به تأثر الماء ببدن المغتسل ما فرقنا بين المسلمة والذمية، ولا بين أنواع الأغسال الواجبة والمستحبة والمباحة، لكن هم نظروا إلى الأحاديث، وقالوا: إن النهي يقتضي التحريم، والتحريم لا شك أنه لولا أنه يؤثر في الماء لما نهي عنه، من يقول بالقول الآخر يقول: إن التأثير لا ينقله عن كونه مطهرا إلى كونه طاهرا غير مطهر، إنما التأثير في تقذيره على من يريد استعماله مرة أخرى، وأما بالنسبة للماء فلا يتأثر، فيستعمل ولو استعمل قبل ذلك، يكون طاهراً مطهراً، وعلى القول الأول طاهر غير مطهر، فتقذير الماء على من يريد استعماله يكون بالغسل الواجب، ويكون بالغسل المستحب والمباح على حد سواء، من المسلم وغير المسلم إذا قلنا بأن الكافر نجاسته حكمية لا عينية، معنوية لا حسية، وهو قول الجمهور، أما من يقول بأن نجاسته حسية ينجس الماء، ورواية عن أبي حنيفة -رحمه الله-، وهي رواية أيضاً في المذهب لكنها غير مشهورة أن الماء الذي يغتسل فيه ينجس، يصير نجساً، لماذا؟ لأن الاغتسال قرن بالبول ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من الجنابة)) فقرن به فدل على أن الحكم واحد، البول منع منه للنجاسة، إذاً الاغتسال منع منه للنجاسة، فالأقوال في المسألة ثلاثة، القول الأول وهو ما مشى عليه المؤلف أنه طاهر، لكنه لا يتوضأ به، ولا يرفع حدثاً مرة أخرى، والقول الثاني أنه طاهر مطهر، وأشرنا سابقاً إلى أن من أهل العلم من يرى أنه أولى بالتطهير من غير المستعمل؛ لأن الطهور هو المطهر، والطهور صيغة مبالغة فيراد منه ما يتكرر منه التطهير، كالشكور ما يتكرر منه الشكر، والقول الأخير في المسألة هو القول بنجاسته بناءً على دلالة الاقتران في الحديث، ودلالة الاقتران في الحديث ضعيفة، ويجمع الجميع حتى لو قلنا بنجاسة ما بال فيه من خالف هذا النهي، فاقتران الاغتسال فيه لا يدل على نجاسته، وإنما يدل على مجرد المنع من الفعلين، والأثر بالنسبة للبول التنجيس على ما سيأتي، والأثر بالنسبة للاغتسال التقذير، تقذيره على من يريد استعماله، فمن رآه يغتسل فيه لن يشرب منه، ولن يغتسل فيه مرة ثانية لا سيما إذا كان قليلاً.

يطردون هذا الحكم ويجعلونه مطرداً في أبواب الدين في غير الطهارة مثلاً عندهم استعمال الماء على درجات، الأكمل لرفع الحدث، للوضوء والاغتسال، وما دونه للشرب والطبخ، وما أشبه ذلك، وما دونه النوع الثالث لا يحبس إلا لإطفاء حريق وشبهه وهو النجس، فالأول الطهور، والثاني الطاهر، والثالث النجس، يطردون هذا الحكم فلا يجيزون رمي الجمرة بحجر قد استعمل، لا يجيزونه، لماذا؟ قياساً على الماء المستعمل في رفع حدث، الجميع استعمل في عبادة، وأديت به هذه العبادة وسقط الطلب بهذه التأدية، فلا يُسقط الطلب مرة أخرى.

طالب:.......

لكن المنع من الحجر الذي سبق الرمي به تأثره بالرمي مثل تأثر الماء بتكرار رفع الحدث به؟ لا، يختلف، الحجر لا يتأثر ألبتة، لا يتأثر، وبالنسبة للماء نعم يتقذر على المستعمل مرة أخرى، لكن تأثيره بسلب الطهورية منه هو محل النزاع، والمتوجه أن النهي في الموضعين في الاغتسال في الماء الدائم وغمس اليد بالنسبة للقائم من نوم الليل كله للتحريم، لكنه معلل بالتقذير بكونه يكون مقذوراً بالنسبة لمن يستعمله مرة أخرى، وأما بالنسبة لسلبه الوصف الأصلي وهو التطهير فلا.

قال -رحمه الله- بعد ذلك:

"وإذا كان الماء قلتين، وهو خمس قرب فوقعت فيه نجاسة، فلم يوجد له طعم ولا رائحة ولا لون فهو طاهر" وإذا كان الماء قلتين والقلتان خمس قرب، المعول في هذا الحكم على حديث ابن عمر، سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الماء وما ينوبه من السباع أو عن بئر بضاعة؟ حديث ابن عمر، وما ينوبه من السباع، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)) مفهومه أن ما دون القلتين يحمل الخبث، والحديث فيه كلام طويل لأهل العلم، وفي اضطرابه سنداً ومتناً كلام مبسوط عند أهل العلم، مما قيل في اضطرابه ما جاء في بعض الروايات يعني أكثر الروايات على القلتين، وفي بعضها قلة أو قلتين، وفي بعضها ثلاث قلال، وفي بعضها أربعين قلة، لكن مثل هذا الاضطراب إنما يكون مؤثراً إذا تساوت الروايات، ولم يمكن الترجيح بينها، وهنا الراجح رواية القلتين.

الاضطراب من جهة أخرى في معنى القلة، يختلفون في معناها، منهم من يقول: القلة ما يقله الرجل متوسط القوة هذه هي القلة، ومنهم من يقول: المراد بالقلة قلة الجبل، يعني قمته فإذا كان المراد قلة الجبل هل يقرب مما حدده به المؤلف وغيره من كونه خمس قرب؟ لا، ولا الطوفان يصل إلى هذا؛ لأنه الواحدة إلى قمم الجبال، والثانية إلى مثلها، وحقيقة هذا القول لا حظ له من النظر فلا ينبغي أن يشتغل به.

أولى ما يقال في تحديد القلة، القلة جاء في النصوص في أكثر من نص، والسنة يفسر بعضها بعضاً في سدرة المنتهى ((فإذا نبقها كقلال هجر)) فدل على أن قلال هجر هي المشهورة عندهم، ثم يختلفون في هجر، هل المراد بها البلدة التي في شرق الجزيرة العربية من البحرين، أو المراد بها قرية قرب المدينة تصنع بها القلال؟ يختلفون في هذا، والأكثر على أنها هجر، من قلال هجر، كما جاء في الحديث، تحديد القلة وكونه خمس قرب للقلتين، والقلة الواحدة قربتين ونصف، معولهم فيه على قول ابن جريج: "رأيت قلال هجر، فإذا القلة تسع قربتين وشيئاً" قالوا: الأحوط أن يجعل الشيء نصفا، وعلى هذا تكون القلتان خمس قرب، ومشوا على هذا، وحددوا القربة بمائة رطل عراقي، حقيقة التعويل على مثل هذا الكلام في مثل هذه العبادة التي هي شرط لأعظم العبادات بعد الشهادتين التعويل على مثل هذا الكلام الرخو فيه ما فيه، يعني عولوا على قول ابن جريج أنه رأى القلة تسع قربتين وشيء، طيب الشيء هذا ما هو؟ قالوا: الأحوط يصير نصفا، وعلى هذا تكون القرب خمسا، طيب، قربتين وشيء، القرب تتفاوت تفاوتاً بيناً، القربة الواحدة منها ما يستوعب مائة وخمسين رطلا، ومنها ما لا يسع الثمانين، فالقرب لا شك أنها متباينة؛ لأنها جلود، جلود الضأن والماعز، والضأن والماعز متفاوتة الأحجام، وكل واحد من جلودها يقال له: قربة، فالتعويل في مثل هذا الحكم العظيم على مثل هذا التقدير الرخو في كلام ابن جريج مشكل، ولذا يرى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- ومن يصحح الحديث، دعونا ممَّن يضعف الحديث انتهى ما عنده مشكلة، وضعفه جمع من أهل العلم، لكن من يصحح الحديث ويريد أن ينفك من هذه الإشكالات يقول: يعمل بمنطوقه دون مفهومه، وهذا رأي شيخ الإسلام -رحمه الله-، أن الماء الكثير لا يتأثر بالنجاسة حتى يتغير، ومفهومه أن الماء القليل يتأثر بمجرد ملاقاة النجاسة وهذا ملغى، المفهوم ملغى، لماذا ألغي المفهوم؟ والمفهوم معتبر عند الجمهور، ألغاه شيخ الإسلام؛ لأنه معارض بمنطوق حديث أبي سعيد: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) الأصل اعتبار المفاهيم، شيخ الإسلام ممن يقول بالعمل بالمفهوم، لكن ألغى المفهوم هنا؛ لأنه معارض بمنطوق، كثير ما يفعل أهل العلم هذا؛ لأن المنطوق أقوى من المفهوم، فإذا عورض المفهوم بالمنطوق ألغي المفهوم، هذه جادة عند أهل العلم معروفة، لكن المفهوم هنا والمنطوق في حديث أبي سعيد، المفهوم هنا في حديث ابن عمر، والمنطوق في حديث أبي سعيد، هل هما في درجة واحدة؟ من حيث المنطوق والمفهوم لا شك أن حديث أبي سعيد أقوى؛ لأنه منطوق وهذا مفهوم، من جهة أخرى حديث أبي سعيد عام، وحديث ابن عمر خاص، يعني منطوق حديث أبي سعيد عام، ومفهوم حديث ابن عمر خاص، يعني حديث أبي سعيد عام في القليل والكثير، ومفهوم حديث ابن عمر خاص بالقليل، فما الذي يقدم عند التعارض؟ إذا اجتمع عندنا مفهوم ومنطوق معارض بعموم وخصوص، فهل المفهوم الخاص يخص به المنطوق العام أو العكس؟ أيهما أقوى؟ لأن في المسألة في الجهتين قوة وضعف، في حديث القلتين في مفهومه ضعف من جهة أنه مفهوم، وفيه قوة من جهة أنه خاص، وحديث أبي سعيد فيه القوة باعتباره منطوقاً، وفيه الضعف لأنه عام، ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) نعم، يعني الحكم العام في المسألة تقديم المفهوم الخاص على المنطوق العام، يعني هل نقول: العام يخصص بالمفهوم؟ هل من المخصصات عند أهل العلم المفهوم؟ موجود نعم، نعم أنتم تخصصون بالمفهوم وما دونه، تخصصون به وما دونه، لكن إذا احتف بمثل هذا الاختلاف وهذا التعارض ما اعترى حديث ابن عمر من كلام طويل في سنده ومتنه، وكونه مشكل يعني في تطبيقه إشكال، يعني أولاً المعول في التحديد على كلام ابن جريج، وعرفنا أن كلام ابن جريج واسع الخطو جداً، ثم يختلفون في المقدار، هل هو تحديد أو تقريب؟ إذا نظرنا إلى معولهم على كلام ابن جريج جزمنا بأنه تقريب، لكن منهم من يرى أنه تحديد؛ لأننا إذا وسعنا الخطو صار ما هناك حدا يفصل بين الماءين الذي يحمل الخبث والذي لا يحمله، وحينئذٍ يحصل الاضطراب في المسألة فلا تنضبط، لكن إذا قلنا بالتحديد خمسمائة رطل عراقي لو نقصت نصف رطل صارت دون القلتين، لكن كيف نستطيع أن نجزم بهذا ومعولنا في أصل المسألة على كلام ابن جريج؟ ولذا يرى جمع من أهل التحقيق أنه لا فرق بين القليل والكثير، والمعول في ذلك كله على التغير عملاً بحديث أبي سعيد، ومنطوق حديث ابن عمر ((إذا بلغ الماء قلتين)) هو طرحاً لمفهومه لمعارضته للمنطوق على ما وضحنا.

من الصور التي ذكروها قالوا: إذا كان عندك ماء في برميل وقعت فيه نجاسة وهو قلتين، في البرميل خمسمائة رطل عراقي ووقعت فيه نجاسة، ثم نزعت من هذا البرميل بدلو، بذنوب، قالوا: الماء الذي في جوف الدلو طاهر أو نجس؟ هاه؟

طالب:......

طاهر، والماء الذي يتساقط من خارجه ماذا يصير؟ نجسا؛ لأنه لما أخذنا منه هذا الذنوب صار أقل من قلتين، هذا المذهب المشهور عند الحنابلة، وهو أيضاً مذهب الشافعية، المالكية ما يرون هذا التفريق، ولا عندهم إلا إذا تغير، الحكم منوط بالتغير، ولذا الغزالي وهو شافعي المذهب تمنى أن لو كان مذهب إمامه كمذهب الإمام مالك، وحينئذٍ يرتاح من التفريعات التي يذكرها الحنابلة والشافعية في هذه المسألة.

يعني من قرأ المجموع للنووي في هذه المسألة جزم يقيناً أن الشرع لا يأتي بمثل هذا، مذهب الحنفية لا يفرقون بين القليل والكثير من خلال حديث ابن عمر، وإنما ينجس الماء عندهم مطلقاً إذا لاقى النجاسة ولو لم يتغير، ما لم يكن مستبحراً يعني كثيراً، ثم بعد ذلك قالوا: إن حد الكثير ما إذا حرك طرفه لم يتحرك الطرف الآخر، أو عشرة أذرع في عشرة أذرع، عمدتهم في هذا التحديد بالنسبة لعشرة في عشرة قالوا: إن محمد بن الحسن قال: نحو مسجدي هذا، فقاسوه فوجدوه عشرة في عشرة.

طيب مسألة التحرك ألا يختلف الأمر فيما إذا كان المكان واسعاً، أو مع أنه لا عمق له؟ أو كان ضيقاً مع عمقه؟ يختلف أو ما يختلف؟ مع أنه إذا كان واسعا ولا عمق له أولى بالتنجيس من كونه عميقا، لكن دائرته ضيقة إذا حركته تحرك، هذا لا وجه له، فالتحريك حده به استحساناً، وليس عندهم فيه دليل، وإذا أردنا أن نحدد ونفرق بين القليل والكثير فمن اعتمد على حديث وإن اختلف أهل العلم في تصحيحه، وفي تحديده، والمراد به، وفي معارضته أولى من أن يحدد بمجرد استحسان، فقول الحنفية ضعيف، فعندنا مذهب الحنابلة والشافعية، وهو العمل بحديث القلتين والعمل بمنطوقه ومفهومه، ومذهب المالكية وهو القول بأن الماء لا ينجس حتى يتأثر لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة، ولعل قول المالكية هو الموافق ليسر الشريعة وسماحتها، وعدم إعنات المسلمين، لا سيما في مثل هذه العبادة التي تتكرر، وتُطلب من كل أحد، وشرط لأعظم أركان الإسلام مثل هذا الراجح في هذه المسألة هو قول المالكية، وعليه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-.

يقول: "وإذا كان الماء قلتين وهو خمس قرب فوقعت فيه نجاسة فلم يوجد له طعم ولا رائحة ولا لون فهو طاهر" إذا وجد طعم النجاسة أو لون النجاسة أو رائحتها فإنه ينجس بالإجماع قليلاً كان أو كثيراً، إجماع، وورد فيه حديث أبي أمامة: ((إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه)) لكنه ضعيف باتفاق الحفاظ، فالمعول في هذه المسألة على الإجماع، ثم استثنى مما بلغ هذا المقدار ما كانت النجاسة التي وقعت فيه بولاً أو عذرة، إلا أن تكون النجاسة بولاً أو عذرة مائعة فإنه ينجس ولو كان كثيراً، ولو كان أكثر من قلتين، إلا أن يكون مما يشق نزحه، فعلى هذا لو وقعت النجاسة في بئر، وفيها أكثر من قلتين يجب نزحه، إذا كانت بول أو عذرة، فإنه ينزح "إلا أن يشق نزحه مثل المصانع" الأحواض الكبار التي هيئت للحجاج بطريق مكة، هذه يشق نزحها، أحواض كبيرة جداً، هيئت للحجاج في طريق حجاج العراق، يشق نزحها فاستثنوها، وعلى هذا التفريق في النجاسات بين البول والعذرة المائعة وسائر النجاسات هو الذي مشى عليه المؤلف، وهو قول معروف في المذهب، ورواية مشهورة، لكن المختار عند جمع من الأصحاب، وهو المرجح عند شيخ الإسلام وغيره أنه لا فرق بين بول الآدمي وعذرته المائعة، وبين سائر النجاسات، فبول الآدمي ليس بأشد من بول الكلب مثلاً.

"إلا أن يكون الماء مثل المصانع التي بطريق مكة، وما أشبهها من المياه الكثيرة التي لا يمكن نزحها" يعني لو كلف الناس بنزح المياه الكثيرة نالهم بذلك المشقة العظيمة، فمثل هذا لا ينزح.

في قوم أو أسرة أو مجموعة من الناس سكنوا البر مدة الربيع كان عندهم برميل كبير يسع قلال، جاء ولد من أولادهم فرقي على هذا  البرميل وبال فيه، وما تغير هذا البرميل، هذه مسألة واقعية ما تغير لا لونه ولا طعمه ولا رائحته، لكن فيما جرى عليه الناس في هذه الأيام هل يمكن أن يقدم أحد فيشرب من هذا الماء، أو يتوضأ منه؟ يستقذرونه بلا شك، فمرد ذلك لا إلى الحكم الشرعي، وإنما مرده إلى الاستقذار.

النزح، نزح البئر جاء عن علي -رضي الله عنه-، وعن بعض الصحابة، لكن هل النزح يطهر الماء تطهيراً كاملاً، أو هو مجرد إرضاء لما في النفس؟ يعني جاء شخص وبال في بئر، وقالوا: ينزح، ماذا تنزح؟ تنزح كل الماء؟ هذا الكلام ليس بصحيح، لن ينزح كل الماء، إنما ينزح منه ما يرضي ضمير الإنسان، وإلا يعني من الناحية العملية له أثر أو ما له أثر؟

طالب: لكن يا شيخ لو قيل: إن البئر له مادة إذا نزح تجدد الماء؟

أو اختلطت بالماء الأول وانتهينا، المسألة...، هو يتجدد الماء، وتطهير الماء عندهم بالمكاثرة، يعني لو هذه البئر أقل من قلتين، أو إناء فيه أقل من قلتين، ثم بال فيه شخص ثم أضيف إليه قلتان طهر عندهم، وهذه كيفية تطهير الماء، إما أن ينزح منه فمعروف وذكروه، أهل العلم ذكروا النزح، حتى ولو كان كثيرا، ولو كان قلالا، لو كان بئرا ينزح، وأمر علي -رضي الله عنه- بنزح البئر، لكن هل معنى هذا أننا جزمنا بأن النجاسة خرجت من هذا البئر؟ البول يختلط ويمتزج بالماء لا شك أن فيه إرضاء وتخفيفا للنجاسة إذا أخذنا الطبقة العليا من البئر، وهي التي أول ما باشرت النجاسة، وتجدد من معين البئر ومن نبعه ما يكثر بحيث يكون الطهور يغمر هذا الماء المتنجس، يعني كونه يرضي الضمير، أما كونه يقضي على النجاسة ما أدري والله يحتاج إلى نظر في البول، هل يمكن أن ينعزل البول في جزء من الماء ولا يختلط بسائره؟

طالب:......

نعم، يعني البول من جنس الماء، وأصله ماء فيختلط به بسرعة، لكن الملاحظ أحياناً تجد إذا كان البول متغيرا لونه أصفر مثلاً، وبال الإنسان في ماء مثلاً، أو من الأماكن المعدة الآن الذي فيها الماء تجد البول لا يختلط بسرعة في الماء إلا إذا أضيف إليه ماء ثاني، وتحرك البول، ودار في الإناء كله، وإلا أحياناً ينعزل في جهة، ثم إذا انعزل فلا تدري هل أنت أخرجته، أو أخرجت الماء الصافي وتركته إذا نزحت؟ المقصود أن المسألة فيها عسر، فينظر في تغيره، يخرج بدلو، إن كان متغيرا لا بد من نزحه حتى يذهب التغير سواءً كان لونه أو طعمه أو رائحته؛ لأننا نجزم أننا نباشر النجاسة إذا باشرنا الماء المتغير بها، وإذا لم يكن متغيراً فلا داعي لنزحه حتى على قاعدة المذهب في اعتماد حديث القلتين، وإذا قلنا: إن بول الآدمي وعذرته المائعة لا فرق بينه وبين سائر النجاسات وليس بأشد من بول الكلب والخنزير وعذرتهما قلنا: إنه لا أثر له كغيره إلا إذا تغير.

"وإذا مات في الماء اليسير ما ليست له نفس سائلة مثل الذباب والعقرب والخنفساء وما أشبهها فلا ينجسه" إذا مات في الماء اليسير يعني دون القلتين، لا نفهم أن اليسير بإناء أو بكأس أو شيء، إذا مات في الماء اليسير، الماء اليسير ما دون القلتين، يعني ولو قل، مهما قل، المقصود أنه دون القلتين، ما ليست له نفس سائلة، وليس له دم، والنفس الدم، ومنه قيل لمن ولدت مولوداً: نفساء؛ لأنه يخرج منها الدم، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-لزوجته: ((أنفست؟)) يعني حضت؛ لأنه خرج منها النفس وهو الدم.

"إذا مات في الماء اليسير ما ليست له نفس سائلة مثل الذباب" الذباب ليس فيه دم "والعقرب والخنفساء" هذه ليس لها دم، البعوض فيه دم أو ما فيه دم؟ أحياناً إذا قتلته فيه دم.

طالب: لكنه ليس دماً له.

إذا قتل سال منه الدم، فهل له نفس سائلة أو ليست له نفس سائلة؟ هو في الأصل ليست له نفس سائلة، إنما هذا الدم أخذه من غيره، يمكن أخذه منك، تقتله لأنه أذاك، وأخذ منك شيئا من الدم وتجده، فهذا في الأصل ليست له نفس سائلة.

هل نفرق في البعوض بين ما فيه دم طارئ وبين ما لا دم فيه؟ أو نقول: إن تأثيره في الماء تبع لطهارته ونجاسته بالموت؟ الذي لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت، وإذا قررنا أن البعوض في الأصل ليست له نفس سائلة إذاً لا ينجس بالموت وحينئذٍ لا يؤثر إذا مات في الماء، كالذباب والعقرب والخنفساء والصراصير، صراصير الآبار لا صراصير الكنف، وما نشأ عن نجاسة يستثنيها أهل العلم، وإن كانت ليس لها نفس سائلة؛ لأنها من النجاسة.

"مثل الذباب" جاء في الحديث الصحيح: ((إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليمقله)) وفي رواية: ((فليغمسه فإن في أحد جناحيه داء والآخر شفاء)) والغالب أنه يموت إذا كان الماء أو الطعام حاراً، وغمسه فيه وموته فيه إتلاف للمال، ولو كان يؤثر فيه لما أمر به لأنه إتلاف، وقد نهينا عن إضاعة المال، فعرفنا بهذا أن الذباب إذا مات في الطعام أو في الشراب في الماء على وجه الخصوص الذي هو موضوع الدرس لا يؤثر فيه، وقاس عليه أهل العلم كل ما لا نفس له سائلة، وما لا دم فيه فلا ينجسه، لماذا؟ لأنه لا ينجس بالموت، وعلى هذا كل ما ينجس بالموت يؤثر في الماء، وقعت فأرة في ماء وماتت فيه، هرة وقعت في ماء وماتت فيه، شاة وقعت في ماء وماتت فيه، يؤثر أو ما يؤثر؟

طالب: إن كان يسيراً وإلا ظهر له رائحة أو طعم أو لون.

يعني إذا كان يسيراً يجلس مطلقاً على ما قرره المؤلف؛ لأنها نجسة، لأنها تنجس بالموت، ولاقاها الماء، وإذا كان كثيراً وتغير أحد أوصافه نجس اتفاقاً.

إذا مات في الماء آدمي، غرق في الماء آدمي، سواءً كان الماء قليلاً أو كثيراً، المسلم لا ينجس، مات في الماء حيوان من حيوانات البحر كذلك؛ لأنه طاهر، وقع إنسان في بئر فمات فيه، قلنا: إن المسلم لا ينجس هذا نص الحديث، وهو طاهر في الحياة وبعد الممات، ولا يؤثر في الماء، لكن وجدنا في الماء دما من أثر سقوط هذا المسلم ينجس أو ما ينجس؟ نعم؟

طالب:......

يعني تبعاً لنجاسة الدم وطهارته، فإذا قلنا بنجاسة الدم قلنا: ينجس؛ لأنه وقعت فيه نجاسة وهي الدم، وإذا قلنا بطهارته قلنا: لا يتأثر الماء، صيد وقع في ماء فأخرج ميتاً، صيد وقع في الماء رمي بمحدد فوقع في الماء فأخرج منه ميتاً يتأثر الماء أو ما يتأثر؟

طالب:......

وكيف تعرف أنه هذا أو هذا؟ إذا كانت النكاية فيه من الصيد مميتة، إذا أخرجنا الصيد من الماء حال كونه ميتاً فينظر في النكاية إن كانت مميتة وعرفنا أنه مات بسببها قلنا: إنه طاهر؛ لأنه ليس بميتة، صيد طاهر، وإذا قلنا: إن أثر الضرب بالسهم ونحوه لا يقتل غالباً فإنه يكون مات بسبب الغرق، وحينئذٍ يكون نجساً.

قال -رحمه الله-: "ولا يتوضأ بسؤر كل بهيمة لا يؤكل لحمها إلا السنور، وما دونها في الخلقة" لا يتوضأ بسؤر كل بهيمة، السؤر: البقية، يعني ما يبقى من شراب، ما يبقى من الشراب يسمى سؤر، سؤر كل بهيمة، هل لقوله: بهيمة مفهوم؟ لأن عندنا الإنسان والبهائم وتطلق ويراد بها بهيمة الأنعام الأنواع الثلاثة، وعندنا غير ذلك من سائر الحيوانات والطيور، أو نقول: إن البهيمة ما يقابل الإنسان أخذاً من المعنى العام؛ لأنها تبهم فلا تفصح ولا تنطق، يعني عجماء، وعلى هذا كل ما يخالف الإنسان مما لا يؤكل لحمه إلا ما كان من السنور فهو مستثنى بالدليل، وما دونه في الخلقة قياساً عليه، وعلى هذا لو شرب نسر من ماء هل يدخل في قوله: بهيمة؟ أو مقصوده أن المراد بالبهيمة هنا الحيوان يقابل الطيور؟ أو المقصود بالبهيمة بهيمة الأنعام التي هي الثلاثة الأصناف؟ مع أن الثلاثة لا تدخل، الثلاثة هنا لا تدخل قطعاً، لماذا؟ لأنها مأكولة اللحم.

طالب: لعل مراده ذوات الأربع مما لا يؤكل لحمه يا شيخ.

هي البهيمة تطلق بإطلاقات، لها المعنى العام ولها المعنى الخاص، المعنى الخاص ليس بمقصود قطعاً؛ لأنها بالمعنى الخاص ما تدخل في كلامنا، مما يؤكل لحمه.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "ولا يتوضأ بسؤر كل بهيمة" الأصل في البهيمة ما يبهم ولا يفصح، فيشمل كل ما لا ينطق، ولا يخرج بذلك إلا الإنسان، وما نطق على خلاف الأصل كبعض الطيور لا يسمى ناطق، فإذا قلنا: الإنسان حيوان ناطق ما يستدرك بمثل بعض الطيور الناطقة؛ لأن الأصل في الطير أنه لا ينطق، وبهيمة الأنعام المعروفة من الإبل والبقر والغنم لا تدخل في كلام المؤلف بلا إشكال؛ لأنها تخرج بقوله: "لا يؤكل لحمه" وكذلك سائر ما يؤكل، لا يدخل في كلامه للقيد الذي ذكره، بقي المراد بالبهيمة وإذا حملناها على عمومها دخل فيها الطيور والحيوانات، فهل الطيور مقصودة فلو جاء صقر أو نسر أو ما أشبههما مما مما يأكل الجيف مثلاً أو له مخلب أو سبع له ناب، وجاء وشرب من هذا الماء نتوضأ أو لا نتوضأ؟ أو هذا خاص بالمعنى العرفي للبهيمة؟ والمعنى العرفي يخرج الطيور بلا شك، ويخص إطلاق البهيمة على ذوات الأربع، فما كان على رجلين لا يدخل في البهيمة أو يدخل؟ نعم؟ على الإطلاق العرفي لا يدخل، فماذا عن الماء الذي شرب منه نسر أو صقر؟ يتوضأ منه أو لا يتوضأ؟ لأن منها ما فوق الهرة؛ لأن عندهم الحد الفاصل الهرة التي هي السنور، نعم؟

طالب:......

قوله: "بهيمة" أولاً نبدأ ببهيمة، هل تدخل الطيور ببهيمة أو ما تدخل؟ فإذا دخلت ننظر هل يؤكل لحمها أو لا يؤكل؟ الفقهاء كلامهم في الجملة محرر، وينتبهون لمنطوق الكلمة ومفهومها، وما يدخل وما يخرج، نعم؟

طالب:......

لا، هناك معنى عام وهي تدخل فيه؛ لأنها تبهم ولا تفصح، ما تتكلم، والمعنى العرفي الحقيقة العرفية للبهيمة خاص بذوات الأربع، وأخص منها الحقيقة الشرعية لبهيمة الأنعام {عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [(34) سورة الحـج] يعني لو قال: بهيمة الأنعام الدجاج مثلاً من الأنعام يضحي بدجاجة مثلاً، ويذكر عن أبي هريرة لكنه قول شاذ، فأدخلها في بهيمة الأنعام، فهل نقول: إنه لو وجد نوعا من الدجاج كبيرا، يوجد يعني من أنواع البط، وما أشبهها يوجد ما هو أكبر من السنور، فجاء وشرب، دعونا من المأكول، نحن ذكرنا أمثلة مما تؤكل تخرج بالقيد الثاني، لكن يوجد طيور لا تؤكل بهذه الأحجام، فهل تدخل أو لا تدخل؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، نعم؟

طالب:......

الذي ماذا؟

طالب:......

الذي يعقل بهيمة، يعني هل هو طاهر أو ليس بطاهر؟

طالب:......

أنت تريد أن تدخل الجني في الإنس معه في الحكم.

طالب:......

أصلها من الإبهام، إذا نظرنا إلى اللفظ البهيمة مأخوذة من الإبهام، والعجماء مأخوذة من الإعجام، كلها كالأعاجم لا تنطق، ونطق الأعجمي عندهم كلا نطق، ونطق بعض الطيور كأنه لا نطق، فالبهيمة التي لا تنطق، تبهم ولا تفصح، نعم هذه مسألة ذكرها بالنسبة للجن لو شربوا سؤرهم هم مكلفون كالإنس، ومقتضى ذلك طهارتهم أو نجاستهم؟ طهارتهم، لو كانت نجاستهم عينية ما استطاعوا أن يعبدوا الله -جل وعلا-، لا يصلوا، ولا يصوموا، ولا...

طالب: النبي -صلى الله عليه وسلم- وجد لعاب.... يغسله....

نعم بال الشيطان في أذنيه، وبات على منخره.

"ولا يتوضأ بسؤر كل بهيمة" يعني المتجه من الحقيقة العرفية بالنسبة للبهيمة أنها ذوات الأربع، لكنها مخصصة بما لا يؤكل لحمها، ويمثل لذلك بالحمار والبغل فإنها لا يتوضأ بسؤرها بناءً على القول بنجاستها عيناً، إذا قلنا: إنها نجسة نجاسة عينية لا يتوضأ من سؤرها؛ لأنه إذا كان بدنها نجس فلعابها نجس، وعرقها نجس، ومن عرف حال النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحال الصحابة، وصدر هذه الأمة من امتهانهم لهذه الأمور، وركوبهم على الحمر والبغال، وأنهم لا يتقونها جزم بطهارتها، وأن ما تشرب منه طاهر، وجاء في الحديث: سئل عن الماء وما ينوبه من السباع.

"لا يؤكل لحمها إلا السنور وما دونها في الخلقة" السنور هو الهر، له أسماء كثيرة جداً في بعض كتب الأدب خرج شخص بقط معه قال شخص: كم تبيع السنور؟ وجاء آخر، حده عليه بمبلغ زهيد بدرهم، وقال: سنور بدرهم، ما اشترى، قال: كم تبيع القط؟ قال: بدرهم، قال: قط بدرهم، ما يشتري، كم تبيع...؟ المقصود أنه ذكروا له أسماء كثيرة جداً، أرسله وقال: لا بارك الله فيك، ما أكثر أسماءك ولا أقل من ثمنك، فله أسماء كثيرة جداً منها السنور، وفيه حديث كبشة زوجة ابن أبي قتادة الأنصاري، أبو قتادة -رضي الله عنه- أمرها أن تحضر له وضوءاً فجاءت هرة فشربت منه، فأصغى لها الإناء وشربت منه، ثم توضأ به، فنظرت إليه نظر تعجب، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ إن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إنها ليست بنجس)) فدل على طهارتها، وطهارة لعابها، وما يخالط الماء الذي يبقى من فضلتها((إنها من الطوافين عليكم والطوافات)) فذكر الحكم مقروناً بعلته، والعلماء حينما يقولون: وما دونها في الخلقة، يعني مما يأخذ حكمها في مشقة الاحتراز منه؛ لأن ما دونها في الخلقة لا يمكن الاحتراز منه، هل يمكن أن تقفل الصالة عن فأر؟ نعم؟ ما يمكن، لكن تستطيع أن تقفله عن كلب، فما دون الهرة في الخلقة لا يمكن الاحتراز منه، وما أكبر منها في الخلقة يمكن الاحتراز منه، والطوافة علة، علة منصوصة يدور معها الحكم، فما أمكن الاحتراز منه لا يتوضأ بسؤره، وما لا يمكن الاحتراز من مثله يتوضأ بسؤره.

ما كان من الحيوانات غير المأكولة بقدر الهرة، يعني عرفنا ما فوق الهرة لا يجوز الوضوء بسؤره، وما دونها في الخلقة يتوضأ بسؤره؛ لأنه يشق الاحتراز، لكن ما هو في حكمها في حجمها؟ ناس عندهم حيوان ربوه بقدر الهرة، هل ننظر إلى العلة أو نقصر الحكم على مورده وهو الهرة ونقيس عليها ما دونها ويبقى ما في حجمها مما لم ينص عليه وما فوقها على الأصل؟ الفقهاء يطبقون على أن ما دون الهرة مستثنى؛ لأنه لا يمكن الاحتياط منه، لكن ما فوقها أيضاً يتفقون على أن سؤره لا يتوضأ به إذا كان نجساً، ولعابه نجس، لكن يبقى أن ما في حجم الهرة يأخذ حكمها أو يأخذ حكم ما فوقها، المسألة مسألة احتياط، إذا قلنا: بالاحتياط قلنا: إن النص جاء بالهرة، والقياس يتناول ما دونها في حكمها، لكن ما في حجمها الاحتياط أن يبقى على المنع كالذي هو أكبر منها في الحجم.  

"كل إناء حلت فيه نجاسة" وقفنا عليه، نعم.

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه....