شرح العقيدة الطحاوية (72)

بسم الله الرحمن الرحيم.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين،

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال الإمام الطحاوي -رحمه الله تعالى-: ولا نفضل أحدًا من الأولياء على أحد من الأنبياء- عليهم السلام-، ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء.

قال الشارح -رحمه الله-: يشير الشيخ -رحمه الله تعالى- إلى الرد على الاتحادية وجهلة المتصوفة، وإلا فأهل الاستقامة يوصون بمتابعة العلم ومتابعة الشرع. فقد أوجب الله على الخلق كلهم متابعة الرسل، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ}[سورة النساء:64] إلى أن قال: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة  النساء: 65 ]. وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[سورة آل عمران:31]".

 الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد،،

في قول المصنف -رحمه الله-: "ولا نفضل أحدًا من الأولياء على أحد من الأنبياء -عليهم السلام-، ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء". أولاً: الولي حسنة من حسنات النبي الذي هداه ودله إلى الصراط المستقيم، فلولا أن الله -جل وعلا- بُعث له هذا النبي، وأُرسل إليه هذا الرسول، ما وصل بنفسه إلى الهداية التي وصل إليها إن كان هناك هداية؛ لأن بعض من يزعمون الولاية خرجوا من الإسلام –نسأل الله العافية-، وادعوا دعاوى كبيرة، فضَّلوا أنفسهم على الأنبياء كما سمعنا ونسمع، فضَّلوا أنفسهم على الرسل، وشاقّوا الله ورسوله، وأتوا بأقوال مخالفة مناقِضة مناقَضَة صريحة لما جاء عن الله وعن الرسول، فالذي يقول:

ألا بذكر الله تزداد الذنوب       وتنطمس البصائر والقلوب

والله -جل وعلا- يقول: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[سورة الرعد:28]، هذا الذي تُدعى له الولاية ويفضل نفسه، هو فضل نفسه ما فُضِّل، لكن هو فضل نفسه على الأنبياء، فضلًا عن الرسل؛ لأن النبي عندهم فوق الرسول، والولي فوق النبي، ويزعم ذلك لنفسه، وذكر ذلك في كتابيه الفتوحات المكية، والفصوص، وحكم بكفره جمع غفير من أهل العلم، كفروه بسبب مقالاته الكفرية؛ لأنه يزعم أنه لا فرق بين الخالق والمخلوق، الرب عبد والعبد رب –نسأل الله العافية– ومع الأسف أن يوجد من يدافع عنه، ويقول: سبب كلامكم هذا أنكم ما فهمتم كلامه، ما فهمتم كلام الإمام، ولو فهمتموه على وجهه ما قلتم مثل هذا وعرفتم حقه وقدره، يعني شخص يناقض القرآن مناقضة صريحة ونقول ما فهمنا كلامه، ومع الأسف أن تروَّج بدعته المغلظة المكفرة المخرجة عن الملة في كثير من أقطار المسلمين، ويكثر أتباعه، ويتبعه فئام من الناس، وسبب ذلك الهوى مع الجهل، واتباع هؤلاء من غير نظر ولا روية، والقائد في ذلك كله اتباع الشيطان وأولياء الشيطان، وإلا لو حكّم الإنسان كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- لما انطلت عليه هذه الأمور، وكتبه تُطبع بأفخر أنواع الطباعات، وتُباع بأغلى الأقيام لاسيما الطبعات الأصلية القديمة، الفصوص يُطبع مثل ما يطبع المصحف، ومع ذلك تجد له رواجًا في كثير من بقاع الأرض بين المسلمين، تجد في الشام وفي تركيا وفي مصر وفي المغرب وفي اليمن راجت مقالته وهي القول بوحدة الوجود، راجت في القرن الثامن، مما دعا الفيروزآبادي صاحب القاموس يدخل هذه المقالة في شرحه للبخاري، شرح البخاري وأنجز منه عشرين مجلدًا، وأودع فيها كلام ابن عربي في كتابيه المذكورين، وضخم به الكتاب، والذين ترجموا له يقولون إنه غير مقتنع بهذه المقالة، لكن من أجل أن يروج هذا الشرح في بلاد اليمن الذي راجت فيه هذه الدعوة، فحشر مقالات ابن عربي في شرحه للبخاري، والنتيجة أن الأرضه أكلت الكتاب من أول صفحة إلى آخر صفحة، ما بقي منه ولا حرف، والحمد لله.

الآن إذا كان الولي وهو من تحقق فيه الشرطان في سورة يونس: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}[سورة يونس:62، 63]، آمنوا، صدّقوا، وهل من يقول هذه المقالة أنه أفضل من النبي هذا مؤمن، مصدق؟ مناقض لأركان الإيمان، {وَكَانُوا يَتَّقُونَ} التقوى ماذا؟ فعل الأوامر واجتناب النواهي، من وصل إلى هذه المرحلة لا يفعل أوامر ولا يترك نواهٍ، مع الأسف أن هذه الأمور صريحة عندهم في طبقات الشعراني في ترجمة واحد منهم من الأولياء على حد زعمهم، وكان -رضي الله عنه- لم يسجد لله سجدة، ولم يصم يومًا في سبيل الله، ولا ترك فاحشة  إلا ارتكبها، وكان -رضي الله عنه-، وكان -رضي الله عنه- .. وبعد؟! واحد مالك الكتاب قبلي، كاتب عليه بقلمه: إذا كانت هذا -رضي الله عنه- فلعنة الله على مَن؟! نسأل الله الثبات، هذا طمس البصائر، الذكْر الذي يعتمده هو، هو الذي يعبر عنه بقوله:

ألا بذكر الله تزداد الذنوب               وتنطمس البصائر والقلوب

لأنه يذكر الله على طريقة غير ما جاء عنه وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، الله المستعان. نعم؟

"قال أبو عثمان النيسابوري: من أمَّر السنة على نفسه قولاً وفعلاً، نطق بالحكمة، ومن أمَّر الهوى على نفسه، نطق بالبدعة".

كل ما قرب الإنسان من النص انجلت له الأمور، واتضحت له، ونطق بالحكمة، بما يوافق ما جاء عن الله وعن رسوله، وقلّ كلامه، وقلّ فضوله، بينما من أمَّر الهوى، وأخذ علمه من غير الوحيين تجد الكلام كثير جدًّا ومعقدًا ما يُفهم في مجلدات، وفي النهاية لا شيء، وفي الاحتضار يندم على ما مضى منه، ويتمنى أن يموت على عقيدة على العجائز، ما استفاد؟ ونقرأ في المواقف وشرح المواقف وشرح المقاصد مجلدات كبار، لكن في النهاية لا شيء، عندهم أول واجب على المكلف عند بعضهم الشك والحيرة لابد أن تشك حتى في نفسك تشك، من أنت ومن أين أنت؟ هذا أول شيء، ثم يأخذون يستدلون لهذا القول ويجلبون عليه، وفي النهاية حيرة، في البداية حيرة، وفي النهاية حيرة؛ لأن الذي لا يأخذ من المعدن، من كلام الله وكلام نبيه -عليه الصلاة والسلام-، من قاده الهوى فسوف يضل ولا محالة، يعني أنت لو تسلك طريقًا من بلد إلى بلد إن أمسك بيدك شخص خريت يعرف الطرق والمسالك وصلت، لكن لو جعلت قائدك حمارًا مثلًا يمشي قدامك إلى أين يوصلك هذا؟ يضلك، وقل مثل هذا للذي لا يفهم شيئًا، لن يوصلك إلى مرادك، والعوام يقولون: من دليله البوم عمي، البوم ما هو؟

طالب:...

ما اسمه؟

طالب:...

لا، لا. لمَ يتشائم به الناس؟

طالب:...

جاء: لا طيرة ولا هامة ولا صفر.

طالب:...

لا، ما هو البوم يا رجل.

طالب:...

عيونه مدورة، أنت تعرفه أنت.

طالب:...

نظره ضعيف وبالليل لا يرى شيئًا.

المقصود أن من تنكّب عن الكتاب والسنة لن يصل إلى ما يريده الله ورسوله، ولن يصل إلى النهاية الموصلة إلى مرضاة الله وجناته، بدايته الشك ونهايته الحيرة.

طالب:...

الحكيم عنده ضلال، في كتابه "نوادر الأصول" وله كتاب في الولاية، ومعروف أنه ليس على الجادة.

طالب:...

قالوا ذلك عنه، وليس على الجادة، الحكيم ليس على الجادة.

"وقال بعضهم: ما ترك بعضهم شيئًا من السنة إلا لكِبر في نفسه.

والأمر كما قال، فإنه إذا لم يكن متبعًا للأمر الذي جاء به الرسول، كان يعمل بإرادة نفسه، فيكون متبعًا لهواه، بغير هدى من الله، وهذا غش النفس، وهو من الكبر".

ولابد أن يعمل، فإن لم يعمل على هدى وبينة واتباع للكتاب والسنة، فبماذا يعمل؟ لابد أن يعمل بالهوى، أو يقلد.

"وهذا غش النفس، وهو من الكبر، فإنه شبيه بقول الذين قالوا: {لن نؤمن حتى نُؤتى مثل ما أوتي رسل الله، الله أعلم حيث يجعل رسالته}. وكثير من هؤلاء يظن أنه".

الذكر عند أمثال هؤلاء الذكر باللفظ المجرد، الله، الله، لماذا؟ قالوا: لئلا تدركه المنية وهو ما ذكر المستثنى، نعم. لا إله ويموت قبل أن يكمل، فلذلك مباشرة يقولون: الله الله، ومن الأدلة أو مما يستدلون به لهذا الذكر الآية التي معنا، الله الله، مرتين؟ يقولون إن هذا دليل على أن الذكر مجرد، فصلوا الجملة الأولى عن الثانية، أو وصلوا المضاف إليه في الجملة الأولى مع المبتدأ في الجملة الثانية، وهذا لا عقل ولا نقل –نسأل الله العافية- لكنه الهوى، يلتمسون أدنى الدليل الله الله هذا هو، ثم بعد ذلك قالوا: النطق بلفظ الجلالة امتهان وابتذال، فنعبر عنه بالضمير الذي هو أعرف المعارف "هو"، النحاة يقولون: أعرف المعارف الضمير، وسيبويه وهو إمامهم يقول: أعرف المعارف الله، ولذا يُذكر أنه رُؤي في المنام بعد موته وقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: أدخلني الجنة بسبب قولي: أعرف المعارف الله. على كل حال مثل هذه الأمور الرد عليها ما تحتاج إلى رد فيها، أمور واضحة ومكشوفة، لكن خدع بهم كثير، فئام جموع غفيرة من الناس، وتجد من يكفر الذي يكفر ابن عربي وأمثاله.

"وكثير من هؤلاء يظن أنه يصل برياسته واجتهاده في العبادة، وتصفية نفسه، إلى ما وصلت إليه الأنبياء من غير اتباع لطريقتهم!"

يظنون أن النبوة مكتسبة، تحصل بالرياضات من دون وحي، هم يظنون هذا، ويلتزمون هذا النوع من الرياضة بأن يجوع أحدهم الأيام الطويلة، وينطق بأشياء تُستغرب منه، وهي في حقيقتها هلوسة بسبب الجوع، قالوا عن البدوي الذي يزوره سنويًّا أكثر من سبعة ملايين قالوا عنه: إنه جاء من المغرب، فصعد إلى سطح مسجد فصار ينظر إلى السماء أربعين يومًا، ما توضأ ولا صلى ولا شيء. الله المستعان. 

"ومنهم من يظن أنه قد صار أفضل من الأنبياء!

ومنهم من يقول: إن الأنبياء والرسل إنما يأخذون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء! ويدعي لنفسه أنه خاتم الأولياء! ويكون ذلك العلم هو حقيقة قول فرعون، وهو أن هذا الوجود المشهود واجب بنفسه، ليس له صانع مباين له، لكن هذا يقول: هو الله! وفرعون أظهر الإنكار بالكلية، لكن كان فرعون في الباطن أعرف بالله منهم، فإنه كان مثبتًا للصانع، وهؤلاء ظنوا أن الوجود المخلوق هو الوجود الخالق، كابن عربي وأمثاله! وهو لما رأى أن الشرع الظاهر لا سبيل إلى تغييره - قال: النبوة ختمت".

العامة ما يوافقون على تغيير الشرع؛ لأنهم ربوا عليه ونشؤوا عليه وسمعوا من كلام الله وكلام رسوله ما يقنعهم، فتحويلهم عنه صعب، فلابد أن يأتي إلى أصل من الأصول يقلب أفهامهم رأسًا على عقب، كما يفعله كثير من الناس الآن، يعني مصادمة الشعوب وعوام الناس صعبة، ما يرضون أن يجيء كافر ويغير فطرهم، ويمسخ ويغير نسيجهم. لا، فيتوصلون إلى ما يريدون بواسطة من يقتنع بهم الناس، من علماء السوء، فيضللون الناس بهذه الطريقة.

"قال: النبوة خُتمت، لكن الولاية لم تُختم! وادعى من الولاية ما هو أعظم من النبوة وما يكون للأنبياء والمرسلين، وأن الأنبياء مستفيدون منها! كما قال:

مقام النبوة في برزخ               فويق الرسول ودون الولي!

وهذا قلب للشريعة".

فالآن على الترتيب، الرسول أقل، وفوق الرسول النبي، وفوق النبي الولي، وما الولاية إلا ما أُخذ من مشكاة نبوة، لن تحصل الولاية لأحد إلا إذا كان متبعًا لنبي، فيكون هذا الولي حسنة من حسنات هذا النبي، فكيف يكون فوقه؟!

"وهذا قلب للشريعة، فإن الولاية ثابتة للمؤمنين المتقين، كما قال تعالى: {أَلا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وكَانُوا يَتَّقُونَ} [سورة  يونس: 62 - 63 ]".

لكن الذي فضَّل نفسه على النبي، هل حقَّق من أركان الإيمان شيئًا؟ ما حقق شيئًا؛ لأنه ما صدق الله ولا آمن به؛ لأن الله يقول بخلاف ما يقول هو، وأما إيمانه بالرسل والأنبياء فهذا مفروغ منه، وقد فضل نفسه عليهم، إلى آخر الأركان. هذا بالنسبة للتقوى، ماذا حقق منها؟ هو يزعم أن التكاليف سقطت عنه، فلا يصلي ولا يصوم ولا كذا ولا كذا مثل ما ذكرنا عن الولي الذي قال عنه الشعراني ما قال، تسقط عنه التكاليف، والتكاليف إنما تسقط عن المجانين، ما دام العقل ثابتًا فالتكليف ثابت، ولا شك أن العقل مناط التكليف، ما فيه تكليف بدون عقل، فإذا ارتفع التكليف فدليل على ارتفاع العقل، وكثير من تصرفاتهم، من قرأ في طبقات الشعراني وغيره عرف أن الجنون كثير فيه، الآن إذا وجد من يذكر أشياء يدان بها مخالفة للشرع، ويغرق في هذه الأمور فما الحل بالنسبة له؟ يُحضر تقرير طبي أنه مريض نفسي أو مجنون من أجل أن يبرأ من التبعة، لكن ما دام العقل ثابتًا الذي هو مناط التكليف فلابد أن يعبد الله حتى يأتيه اليقين.

طالب:...

هو مثل من؟

طالب:...

المشكلة أنه مادام يدعي العقل، ويأتي بكلام مرتب ما يخالف العقل في الظاهر يؤاخذ به، ولا ودهم يحكم أنهم مجانين ويحكم عليهم بالكفر. مع أن بعض الناس الآن تحكم عليه بأنه كفر بكلام يقوله أسهل من أن تقول يعذر بالجهل، الجهل صعب، بعض الناس ما يتحمل، يقول والله معذور بالجهل. لا، والله المستعان.

"والنبوة أخص من الولاية، والرسالة أخص من النبوة، كما تقدم التنبيه على ذلك.

وقال ابن عربي أيضًا في فصوصه: ولما مثل النبي -صلى الله عليه وسلم- النبوة بالحائط من اللَبِن".

في هذا الكلام ما يفضل به ابن عربي نفسه على الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وأنه لبنة الذهب، والرسول لبنة الفضة، قد يقول قائل: كيف يصل الأمر بشخص عاش في بيئة مسلمة، قرأ القرآن وتعلم العلم، ثم في النهاية يقول مثل هذا الكلام؟ هي المسألة استدراج. الذي قال: سبحان ربي الأسفل تصور أنه قالها في أول أمره؟ أو قال قبلها كلامًا كثيرًا عوقب بسببه بعقوبات إلى أن قال ما قال؟ ولذا على طالب العلم أن يلزم الحذر والاحتياط من الكلام بأي كلام لا يتثبته ولا يعرف له أصلًا من الشرع؛ لأنه قد يُستدرج، وعرفنا ناسًا من طلاب العلم زاملونا وقبلنا وبعدنا أطلقوا العنان لألسنتهم، وقالوا كل ما يريدون، وفي النهاية ضاعوا، قالوا كلامًا ما يُتَصور ولا يتصورون هم أنهم يقولون مثل هذا الكلام.

"ولما مثل النبي -صلى الله عليه وسلم- النبوة بالحائط من اللَبِن فرآها قد كملت إلا موضع لبنة، فكان هو -صلى الله عليه وسلم- موضع اللبنة، وأما خاتم الأولياء فلابد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويرى نفسه في الحائط في موضع لبنتين!! ويرى نفسه تنطبع في موضع [تينك] اللبنتين، فيكمل الحائط !! والسبب الموجب لكونه يراها لبنتين: أن الحائط لبنة من فضة ولبنة من ذهب".

لكن أين المقدمات التي أوصلته إلى هذا الحد؟ فيه عقل ولا نقل حتى من كتب المخالفين، من كتب الملل الأخرى ما يُستدل به على ما يقول؟ ما فيه، لكنه الغاية في الضلال –نسأل الله السلامة والعافية-.

طالب:...

لا ما عندنا، ما الطبعة؟

طالب:...

أين؟ أرفعها.

طالب:...

تحقيق الألباني. 

"والسبب الموجب لكونه يراها لبنتين: أن الحائط لبنة من فضة ولبنة من ذهب، واللبنة الفضة هي ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام، كما هو أخذ عن الله في السر ما هو في الصورة الظاهرة متبع فيه؛ لأنه يرى الأمر على ما هو عليه، فلابد أن يراه هكذا، وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن! فإنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى إليه إلى الرسول، قال: فإن فهمت ما أشرنا إليه فقد حصل لك العلم النافع!!".

فهمتم منه شيئًا؟ نسأل الله العافية، هو يأخذ على حد زعمه أنه يأخذ من المعدن، الرسول يأخذ بواسطة المَلَك، يُرسل إليه ملك يلقي إليه الوحي، لكن هو ما يحتاج إلى واسطة، يأخذ من المعدن مباشرة، وما المعدن الذي يأخذ منه؟ الموحى به ما أفرزه في كتبه ووضعه في كتبه، ومصدره ومعدنه الشيطان.

"فمن أكفر ممن ضرب لنفسه المثل بلبنة ذهب، وللرسل المثل بلبنة فضة، فيجعل نفسه أعلى وأفضل من الرسل؟! تلك أمانيهم: {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [سورة  غافر: 56]. وكيف يخفى كفر من هذا كلامه؟ وله من الكلام أمثال هذا، وفيه ما يخفى منه الكفر، ومنه ما يظهر، فلهذا يحتاج إلى ناقد جيد، ليظهر زيفه، فإن من الزغل ما يظهر لكل ناقد، ومنه ما لا يظهر إلا للناقد الحاذق البصير، وكفر ابن عربي وأمثاله فوق كفر القائلين: {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ}[سورة  الأنعام: 124 ]".

لأنه على حد زعمه أوتي أفضل مما أوتي رسول الله.

"ولكن ابن عربي وأمثاله منافقون زنادقة، اتحادية في الدرك الأسفل من النار، والمنافقون يعاملون معاملة المسلمين؛ لإظهارهم الإسلام، كما كان يظهره المنافقون في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- ويبطنون الكفر، وهو يعاملهم معاملة المسلمين لما يظهر منهم. فلو أنه ظهر من أحد منهم ما يبطنه من الكفر، لأجرى عليه حكم المرتد. ولكن في قبول توبته خلاف، والصحيح عدم قبولها".

لأنه ما فيه ما يستدل به على صحتها في الظاهر، يمكن أن يتكلم بكلام ثم في النهاية يقول أو يقال عنه هذا الكلام له حال لا تفهمونه وهو غير ما تقصدون.

"وهي رواية معلى عن أبي حنيفة -رضي الله عنه-. والله المستعان.

قوله: ونؤمن بما جاء من كراماتهم وصح عن الثقات من رواياتهم، المعجزة في اللغة تعم كل خارق للعادة، وفي عرف أئمة أهل العلم المتقدمين كالإمام أحمد بن حنيل وغيره، ويسمونها: الآيات، ولكن كثيرًا من المتأخرين يفرقون في اللفظ بينهما، فيجعلون المعجزة للنبي، والكرامة للولي. وجماعهما الأمر الخارق للعادة".

يعني من أتى بأمر خارق للعادة، يعني على غير ما يجري على يد البشر، عادة هذا إن اقترن بدعوى النبوة فإنه يكون معجزة، إذا اقترن بدعوى النبوة، قد يقول قائل: يأتي من يدعي النبوة ويأتي على يديه أمر خارق، نقول الله -جل وعلا- لن يمكنه من ذلك، وسوف يخذل ولن يتمكن من إظهار دعوته للنبوة وإلا فيختلط الأمر على الناس، لا يُعرف المحق من المبطل، لا يمكن أن تثبت المعجزة لشخص يدعي النبوة وهو كاذب، فإن كان هذا الأمر الخارق للعادة غير مقرون بدعوى النبوة فينظر في العمل، عمل الشخص إن كان موافقًا للكتاب والسنة فهي كرامة، وإن كان عمله مخالفًا للكتاب والسنة فهي من تسويل الشيطان ومخارقه، وهي فتنة له ولمن يقتنع به أو يتبعه، قد يوجد على أيدي أولياء الشيطان كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، قد يوجد أمور خارقة للعادة، لكنها من أجل الزيادة في فتنته وفتنة من يتبعه، وهذه ليست كرامة، وإنما هي زيادة بلاء وفتنة عليه وعلى أتباعه، نعم.

طالب:...

هذا مخبر عنه، هذا لن ينطلي أمره على المسلمين، تم الإخبار عنه بوضوح وجلاء، وحينئذ لا يمكن أن يغتر به أحد، إلا من أراد الله فتنته، فمع ذلك هو ما يدعي النبوة، يدعي الألوهية. 

"فنقول: صفات الكمال ترجع إلى ثلاثة: العلم، والقدرة، والغنى، وهذه الثلاثة لا تصلح على وجه الكمال إلا لله وحده، فإنه الذي أحاط بكل شيء علمًا، وهو على كل شيء قدير، وهو غني عن العالمين. ولهذا أُمر النبي -صلى الله عليه- وسلم أن يبرأ من دعوى هذه الثلاثة بقوله: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ}[سورة الأنعام:50] وكذلك قال نوح -عليه السلام-. فهذا أول أولي العزم، وأول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. وهذا خاتم الرسل وخاتم أولي العزم، وكلاهما تبرأ من ذلك؛ وهذا لأنهم يطالبونهم تارة بعلم الغيب، كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}[سورة الأعراف:187]، وتارة بالتأثير، كقوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا}[سورة الإسراء:90]، وتارة يعيبون عليهم الحاجة البشرية، كقوله تعالى: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ}[سورة الفرقان:7]. فأُمِر الرسول أن يخبرهم بأنه لا يملك ذلك، وإنما ينال من تلك الثلاثة بقدر ما يعطيه الله، فيعلم ما علمه الله إياه، ويقدر على ما أقدره عليه، ويستغني عما أغناه عنه من الأمور المخالفة للعادة المطردة، أو لعادة غالب الناس. فجميع المعجزات والكرامات ما تخرج عن هذه الأنواع.

ثم الخارق:.."

مدعو النبوة ولو قرأتم في أخبار المتنبئين بدلًا من أن يحصل على يديه شيء من المعجزات، يحصل منه كثير من المضحكات، بحيث يسخر منه الصبيان، ويسخر منه الناس، وجاء فيما يُنسب إلى مسيلمة أشياء كثيرة، ونقيض المعجزات قيل له: إن محمدًا بصق في بئر ففارت ففعل مسيلمة، فبصق في بئر فغارت.

"ثم الخارق: إن حصل به فائدة مطلوبة في الدين، كان من الأعمال الصالحة المأمور بها دينًا وشرعًا، إما واجب أو مستحب، وإن حصل به أمر مباح، كان من نعم الله الدنيوية التي تقتضي شكرًا، وإن كان على وجه يتضمن ما هو منهي عنه نهي تحريم أو نهي تنزيه، كان سببًا للعذاب أو البغض، كالذي أوتي الآيات فانسلخ منها: بلعام بن باعورا، لاجتهاد أو تقليد، أو نقص عقل أو علم، أو غلبة حال، أو عجز أو ضرورة.

فالخارق ثلاثة أنواع: محمود في الدين، ومذموم، ومباح. فإن كان المباح فيه".

قد تحصل..  يحصل الأمر الخارق للعادة لمن هو دون بعض أهل العلم والفضل، ولا يحصل لمن هو أعلم منه وأفضل، وأتقى وأورع، فليس في هذا ما يدل على زيادة فضل، وإنما المسألة ابتلاء يُبتلى به الشخص، وقد يُبتلى به من يتبعه أو يقلده، على كل حال من ضمن الأمور التي يُستدل بها على حال الإنسان، يعني إذا كانت خوارق وهو متبع للكتاب والسنة قد يسخر له هذا الخارق؛ ليزداد إيمانه ويقينه، فإن استفاد من هذا الخارق بازدياد الإيمان واليقين وفي إقناع الأتباع بالحق فهو خير، ويُمدح به، لكن الذي لا يحصل له شيء من ذلك، ولو كان أعلم وأتقى وأورع لا يدل على أنه دونه في المنزلة، ولا يقع في نفسه شيء أنه أقل منه شأنًا عند الله -جل وعلا-، كالرؤى والمنامات وما يُرى للإنسان، نعم هي مبشرات في الجملة، لكن لا يعني أن الذي لا يُرى له شيء في خلل أو في شيء من النقص. 

"فإن كان المباح فيه منفعة كان نعمة، وإلا فهو كسائر المباحات التي لا منفعة فيها. قال أبو علي الجوزجاني: كن طالبًا للاستقامة، لا طالبًا للكرامة، فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، وربك يطلب منك الاستقامة".

لأن بعض العبّاد يجاهد نفسه من أجل أن يحصل له شيء من الكرامات، أنت لست مطالبًا بهذا، لست مطالبًا بتحقيق الكرامة أو تحقق الكرامة، إنما أنت مطالب بالاستقامة، فإن حصل لك كرامة تبعًا لهذه الاستقامة فبها وإلا فالأصل أنك أُمرت بالاستقامة فاستقم كما أُمرت، والبقية على الله -جل وعلا-.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

مثل ماذا؟

طالب:...

يعني الأصل أنه يموت، لكن بأعجوبة وبشيء من هذا نجا. نعم إنها كرامات، لكن يعرض عمله إن كان من أهل الصلاح وكذلك وإلا فهي ابتلاء وفتنة.  

"قال الشيخ السهروردي في عوارفه: وهذا أصل كبير في الباب، فإن كثيرًا من المجتهدين المتعبدين سمعوا السلف الصالحين المتقدمين، وما مُنحوا به من الكرامات وخوارق العادات، فنفوسهم لا تزال تتطلع إلى شيء من ذلك، ويحبون أن يرزقوا شيئًا منه، ولعل أحدهم يبقى منكسر القلب، متهمًا لنفسه في صحة عمله، حيث لم يحصل له خارق، ولو علموا بسر ذلك لهان عليهم الأمر، فيعلم أن الله يفتح على بعض المجاهدين الصادقين من ذلك بابًا، والحكمة فيه أن يزداد بما يرى من خوارق العادات وأمارة القدرة - يقينًا، فيقوى عزمه على الزهد في الدنيا، والخروج عن دواعي الهوى. فسبيل الصادق مطالبة النفس بالاستقامة، فهي كل الكرامة.

ولا ريب أن للقلوب من التأثير أعظم مما للأبدان، لكن إن كانت صالحة كان تأثيرها صالحًا، وإن كانت فاسدة كان تأثيرها فاسدًا. فالأحوال يكون تأثيرها محبوبًا لله تعالى تارة، ومكروهًا لله أخرى".

بحسب ما يترتب عليها من النتائج؛ لأن بعض الناس تحصل الكرامة فيزداد في الأعمال الصالحة، وبعضهم يحصل له شيء من ذلك فيتكل عليها ويظن أنه فعل ما يجب عليه، ولا يلزم أن يزيد في ذلك؛ لأنه وصل إلى حد أكثر مما وصل إليه شيخه فلان الأكثر منه علمًا وعبادة، فمثل هذه الأمور قد تزيده علمًا ويقينًا وعملًا، وبعض الناس قد تسبّب لهم انتكاسًا، وغرورًا في النفس، وإعجابًا بها، فعلى حسب ما يترتب عليها.

طالب:...

هذه مقرونة بدعوى النبوة، وهذه لا. الولي ما يمكن أن يدعي النبوة؛ لأنه لو ادعى النبوة ما صار وليًّا.

طالب:...

نعم.  

"وقد تكلم الفقهاء في وجوب القود على من يقتل غيره في الباطن. وهؤلاء يشهدون ببواطنهم وقلوبهم الأمر الكوني، ويعدون مجرد خرق العادة لأحدهم أنه كرامة من الله له، ولا يعلمون أنه في الحقيقة إنما الكرامة لزوم الاستقامة، وأن الله تعالى لم يكرم عبدًا بكرامة أعظم من موافقته".

يعني ما حكم شخص دعا على آخر فمات، يُقاد به أم ما يقاد؟ دعا عليه فمات، أجاب الله دعوته، أو عانه، لكن العائن له أحكام في الفقه، لكن دعا عليه.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

نعم، الذي قتله وأماته هو الله -جل وعلا- بأجله، لكن لأن فيه حادثة مجموعة من طلاب العلم حصل لـلدين بسبب شخص من الأشخاص ضرر بالغ، فدعوا عليه، وحصل أن أجله حلّ بسبب مرض، ما بسبب ما يدرأ عادة، فهم يستغلون مثل هذا من أجل تحذير من يأتي بعده في منصبه، فقالوا: نحن دعينا على فلان ومات، هو مريض له سنين بالمستشفى، فجاء من يطالب بمحاكمة هؤلاء، ممن يؤيد ذلك الرجل في أفعاله الفاسدة.

"وأن الله تعالى لم يكرم عبدًا بكرامة أعظم من موافقته فيما يحبه ويرضاه، وهو طاعته وطاعة رسوله، وموالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه. وهؤلاء هم أولياء الله الذين قال فيهم: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[سورة يونس:62].

وأما ما يبتلي الله تعالى به عبده، من السراء بخرق العادة أو بغيرها أو بالضراء - فليس ذلك لأجل كرامة العبد على ربه ولا هوانه عليه، بل قد سعد بها قوم إذا أطاعوه، وشقي بها قوم إذا عصوه، كما قال تعالى: {فَأَمَّا الإنسَانُ إذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ ونَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وأَمَّا إذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلاَّ} [سورة الفجر: 15 - 17] ولهذا كان الناس في هذه الأمور ثلاثة أقسام:

قسم ترتفع درجتهم بخرق العادة.

وقسم يتعرضون بها لعذاب الله.

وقسم يكون في حقهم بمنزلة المباحات، كما تقدم.

وتنوع الكشف والتأثير باعتبار تنوع كلمات الله. وكلمات الله نوعان: كونية، ودينية: فكلماته الكونية هي التي استعاذ بها النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: «أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر». قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[سورة يس:82]، وقال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ}[سورة الأنعام:115]. والكون كله داخل تحت هذه الكلمات، وسائر الخوارق.

والنوع الثاني: الكلمات الدينية، وهي القرآن وشرع الله الذي بعث به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهي أمره ونهيه وخبره، وحظ العبد منها العلم بها، والعمل، والأمر بما أمر الله به، كما أن حظ العباد عمومًا وخصوصًا العلم بالكونيات والتأثير فيها، أي بموجبها. فالأولى تدبيرية كونية، والثانية شرعية دينية. فكشف الأولى العلم بالحوادث الكونية، وكشف الثانية العلم بالمأمورات الشرعية. وقدرة الأولى التأثير في الكونيات، إما في نفسه كمشيه على الماء، وطيرانه في الهواء، وجلوسه في النار، وإما في غيره، بإصحاح وإهلاك، وإغناء وإفقار. وقدرة الثانية"

المشي على الماء، والطيران في الهواء ليس بالضرورة أن يكون خارقًا، وأن يكون كرامة، بل هو تابع لعمل الإنسان إذا كان عمله موافقًا للشرع، مطيعًا لله -جل وعلا- فلا شك أنها كرامة؛ لأنه لن يستعين بشياطين وهذا وصف، أما إذا كان عمله مخالفًا لما جاء عن الله وعن رسوله فلا شك أنها حينئذٍ تكون من إعانات الشياطين، هم الذين يحملون له كل هواء، وهم الذين يجرون به على الماء، والآن يدور في أوساط ومجتمعات المسلمين أشياء قريبة من هذا، يسمونها احترافًا وخفة، وقد يقال برمجة، ويقال عنها أشياء، ويجعلون الشخص يمشي على النار، ويمشي على الماء، ويمشي على الأشياء الحادة ولا تضره، يعني وضعوا خيطًا الذي يخاط به الثوب طويلًا جدًّا بين جبلين، فجاء شخص على دباب يمشي على هذا الخيط بسرعة هائلة، ووصل إلى النهاية ثم رجع إلى الوراء بنفس السرعة على هذا الخيط، يقولون إن هذا احتراف، ما الذي يفرق الآن..؟ العامي كيف يفرق بين مثل هذا الاحتراف وبين السحر؟  المحترف ويجمعون له الناس، ويأخذون منهم الأموال بالتذاكر ويطلعونهم على مثل هذه الأعمال، يسمونها أحيانًا سيركًا. ويلتبس الأمر حتى لو على سبيل التنزل؛ لأن بعض الناس يقولون هو احتراف، وأنتم ما تعرفون ولا تدرون، افترض أنه احتراف، ولا فيه استعانة لا بشياطين ولا بجن، ولا تقديم ما يكفر به الإنسان لهؤلاء الشياطين، الكلمة إذا أوهمت واحتملت معنًى صحيحًا ومعنًا فاسدًا يجب منعها، وألا تقال، إذا كانت الكلمة محتملة، فكيف بالفعل الذي يضل بسببه الناس، والله المستعان؟

طالب:...

لأن الذي يدعو على إنسان ويموت ظلمه أو أذاه أو شيء من ذلك دعا عليه، ومات ما تصير كرامة؟ تدخل. نعم. أو من الكرامات أنه وصل إلى حد في وقت.

طالب: صار مجاب الدعوة.

صار مجاب الدعوة أو بطرق أخرى، قد يُرسل له، والله أعلم، هذه الأمور ما جربناها، ولا من جربها، لكن يدعون لبعض الأولياء أنه يحصل له أن يتسلط على الإنسان وهو بعيد عنه وما أشبه ذلك، لكن العبرة بالاتباع في الظاهر، وهذا هو المأمور به.

"وقدرة الثانية التأثير في الشرعيات".

في رحلة ابن بطوطة وهي مليئة من الشركيات، يقول: دخلنا بلدًا سماه فذكر وليًّا من الأولياء ومجرد ما دخلت عليه أعطاني جبته، الجو ما هو بارد من أن يقال أنا استدفئ بها، انتقلنا من البلد إلى بلد آخر في غاية البرودة فعرفت أن الولي ما أعطاني إياه لألبسه في بلده، إنما في هذا البلد البارد، فظن أن ذلك من كراماته، ودخلوا بلدًا بعد ذلك فقدموا على ولي –على حد زعمهم واعتبارهم- وهو من أولياء الشيطان، ثم جلست بين يديه فقال: أتعجب من فعل فلان الذي أعطاك الجبة وهو يعلم أنه سيصيبك ما يصيبك من البرد في بلد ليس باردًا في العادة تعجب من هذا، وهو يدير الكون، نسأل الله العافية.

"وقدرة الثانية التأثير في الشرعيات، إما في نفسه بطاعة الله ورسوله والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله باطنًا وظاهرًا، وإما في غيره بأن يأمر بطاعة الله ورسوله فيطاع في ذلك طاعة شرعية.

فإذا تقرر ذلك، فاعلم أن عدم الخوارق علمًا وقدرة لا تضر المسلم في دينه، فمن لم ينكشف له شيء من المغيبات، ولم يسخر له شيء من الكونيات: لا ينقصه ذلك في مرتبته عند الله، بل قد يكون ذلك أنفع له، فإنه إن اقترن به الدين وإلا هلك صاحبه في الدنيا والآخرة، فإن الخارق قد يكون مع الدين، وقد يكون مع عدمه، أو فساده، أو نقصه".

أو يحمله على الغرور والإعجاب بالنفس، فيهلك. 

"فالخوارق النافعة تابعة للدين، خادمة له، كما أن الرياسة النافعة هي التابعة للدين، وكذلك المال النافع، كما كان السلطان والمال النافع بيد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر. فمن جعلها هي المقصودة، وجعل الدين تابعًا لها، ووسيلة إليها، لا لأجل الدين في الأصل: فهو شبيه بمن يأكل الدنيا بالدين، وليست حاله كحال من تدين خوف العذاب، أو رجاء الجنة، فإن ذلك مأمور به، وهو على سبيل نجاة، وشريعة صحيحة".

نعم قد يُبتلى الإنسان بالمال، وقد يُبتلى بالرياسة والشرف، فإن استعمل هذا المال فيما يرضي الله ويوصل إليه وكسبه من وجهه وأنفقه في وجوهه، كان من باب: نعم المال الصالح  للرجل الصالح، وقل مثل هذا في الوظيفة والشرف والجاه إن استخدمه في نفع الإسلام والمسلمين ونفع إخوانه والدفاع عن دينه كان نعم الجاه، ونعم الشرف، وإلا كان ضررًا عليه، «وما ذئبان جائعان أُرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حب الشرف والمال لدين المسلم»، فكثير من شيوخنا الذين تولوا المناصب صرَّحوا بأنهم ما لزموا هذه المناصب التي تعوقهم عن كثير من أعمالهم وراحة أبدانهم ورعاية مصالحهم الخاصة إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذب عن الدين وأهله، إذا استفاد الإنسان من هذه المناصب، أو هذا الشرف أو هذا الجاه أو هذا المال ما ينصر به دينه وينفع به إخوانه كان خيرًا، وإلا فهو على خطر. 

"والعجب أن كثيرًا ممن يزعم أن همه قد ارتفع عن أن يكون خوفًا من النار أو طلبًا للجنة يجعل همه بدينه أدنى خارق من خوارق الدنيا.

ثم إن الدين إذا صح علمًا وعملاً فلا بد أن يوجب خرق العادة، إذا احتاج إلى ذلك صاحبه. قال تعالى: {ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) ويَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [سورة الطلاق: 2، 3]. وقال تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [سورة الأنفال:29]. وقال تعالى: {ولَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وإذًا لآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) ولَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} [سورة النساء: 66-68]. وقال تعالى: {أَلا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وفِي الآخِرَةِ} [سورة يونس: 62 – 64]. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله، ثم قرأ قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}[سورة الحجر:75] [رواه الترمذي من رواية أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-]، وقال تعالى، فيما يرويه عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من عادى لي وليًّا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل، حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في نفس عبدي المؤمن، يكره الموت، وأكره مساءته، ولا بد له منه».

فظهر أن الاستقامة حظ الرب، وطلب الكرامة حظ النفس. وبالله التوفيق.

وقول المعتزلة في إنكار الكرامة: ظاهر البطلان، فإنه بمنزلة إنكار المحسوسات. وقولهم: لو صحت لاشتبهت بالمعجزة، فيؤدي إلى التباس النبي بالولي، وذلك لا يجوز! وهذه الدعوى إنما تصح إذا كان الولي يأتي بالخارق ويدعي النبوة، وهذا لا يقع، ولو ادعى النبوة لم يكن وليًّا، بل كان متنبئًا كذابًا، وقد تقدم الكلام في الفرق بين النبي والمتنبىء، عند قول الشيخ: وأن محمدًا عبده المجتبى ونبيه المصطفى.

ومما ينبغي التنبيه عليه ههنا: أن الفراسة ثلاثة أنواع: إيمانية، وسببها نور يقذفه الله في قلب عبده، وحقيقتها أنها خاطر يهجم، على القلب، يثب عليه كوثوب الأسد على الفريسة، ومنها اشتقاقها، وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان، فمن كان أقوى إيمانًا فهو أحدُّ فراسة. قال أبو سليمان الداراني -رحمه الله-: الفراسة مكاشفة النفس ومعاينة الغيب، وهي من مقامات الإيمان. انتهى.

وفراسة رياضية، وهي التي تحصل بالجوع والسهر والتخلي، فإن النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها، وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر، ولا تدل على إيمان، ولا على ولاية، ولا تكشف عن حق نافع، ولا عن طريق مستقيم، بل كشفها من جنس فراسة الولاة وأصحاب عبارة الرؤيا والأطباء ونحوهم".

 نعم، المسألة تحتاج إلى شيء من الدقة في النظر، وهذه لا تتعلق بالمسلم فحسب أو كافر فحسب، وأُلف في الفراسة من قِبل المسلمين، ومن قِبل الكفار، كما أنه أُلِّف في الرؤى من قِبل المسلمين ومن قِبل الكفار، ويرد على ألسنة عابر الرؤى ما يعجب منه ويذهل منه، يقول شخص: اتصل بي شخص في الرؤيا وقال مع أني ضيعته، لكن مفادها أن هذا المتصل مسؤول كبير من أين أخذ هذا؟ من أن نوع الشماغ، نوع الشماغ ملكي يسمونه، وسوف يتصل بك في اليقظة، الذي يعبر الرؤيا قال لهذا الشخص الذي اتُصِل به في الرؤيا قال: سوف يتصل بك مسؤول كبير من نوع كذا، فعليك به، استفد منه بقدر الإمكان فيما ينفع الدين وأهل الدين، ما يبحثون عن دنيا، فمن أين نزع أن المتصل مسؤول وكذا، أخذه من نوع الشماغ فهي دقة، أن نسمع بعض الأمور كأنها فيها نوع استخدام، وسُئل شخص عن شخص رأى في النوم أنه يلاعب غزالًا، أحيانًا تطرحه وأحيانًا يطرحها، فقال العابر: أحسن الله عزاءكم به، يعني الذي يسمع من الناس العاديين يقول يتزوج ويأخذ، فقيل لهذا العابر هو الشخص الذي جئت تعزي به. يعني المسألة وقائع كثيرة من هذا النوع، فهذه لا ترتبط بكونه أعلم الناس، أو كونه أدين الناس، لا. هي دقة، دقة ومران تحصل لهذا وهذا كالفراسة، نعم. فيه نوع تشابه؛ لأنه إذا أخبر عن شيء لا شك أنه خارق للعادة، إذا أخبر عن شيء الإمام الشافعي عنده شيء من هذا وذكر عنه أشياء، نعم.

طالب:...

لا يلزم أن يعلم الغيب، لا، فراسة عنده مقدمات يستدل بها على نتائج قد لا يكون منها معرفة المنافقين، نعم.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

تخلف، ،ين هذا؟

طالب: وفراسة رياضية، وهي التي تحصل بالجوع والسهر والتخلي،

الخلوة، خلوة.

"وفراسة خلقية، وهي التي صنّف فيها الأطباء وغيرهم، واستدلوا بالخلق على الخُلق، لما بينهما من الارتباط، الذي اقتضته حكمة الله، كالاستدلال بصغر الرأس الخارج عن العادة على صغر العقل، وبكبره على كبره، وسعة الصدر على سعة الخلق، وبضيقه على ضيقه، وبجمود العينين وكلال نظرهما على بلادة صاحبهما وضعف حرارة قلبه، ونحو ذلك".

يعني إذا كانت هذه الأمور مطردة عندهم عند الأطباء يمكن أن يستدل بها إذا كانت مضطربة وليس مطردة، وهذا هو الظاهر أنه لا يستدل بصغر الرأس على صغر العقل، وقد وجدنا أو شاهدنا من هو صغير الرأس وهو من أذكى الناس، والعكس كبير الرأس وهو من أقلهم وهكذا، المقصود أن الإنسان وما كُتب له وما رُكِّب فيه، وما طُلب له ومنه.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"