شرح المحرر - كتاب الزكاة - 01

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

كتاب الزكاة:

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث معاذاً إلى اليمن، فقال: ((ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم)) متفق عليه، واللفظ للبخاري.

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- لما استخلف كتب له حين وجهه إلى البحرين هذا الكتاب، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط، في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها ابنة لبون أنثى، فإذا بلغت ستاً وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت ستاً وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان، طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغت خمساً من الإبل ففيها شاة، وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاث مائة ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدق، وفي الرقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة، وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن تيسرتا له.

إن استيسرتا.

إن استيسرتا له، أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة، ويعطيه المصدق عشرين درهماً، أو شاتين ومن بلغت عنده صدقة الحقة، وليست عنده إلا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت لبون، ويعطي معها شاتين أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة، ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده، وعنده بنت مخاض فإنها تقبل منه بنت مخاض، ويعطي معها عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده، وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه، وليس معه شيء" رواه البخاري.

وعن مسروق عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: بعثني النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن فأمرني أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم ديناراً، أو عدله معافرياً" رواه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي وابن ماجه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

وعن إسحاق...

عن ابن.

وعن ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا جلب ولا جنْب ولا تؤخذ))...

ولا جنَبَ.

((ولا جنَبَ، ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم)) رواه أبو داود.

وللإمام أحمد عن أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم)).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)) متفق عليه، ولمسلم: ((ليس على العبد صدقة إلا صدقة الفطر))...

في، في.

((ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر)) ولأبي داود: ((ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر في الرقيق)).

وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((في كل سائمة إبل في كل أربعين بنت لبون لا تفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجراً بها فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، ليس لآل محمد منها شيء)) رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، والنسائي، وعند أحمد والنسائي: ((وشطر إبله)) وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال أحمد: هو عندي صالح الإسناد، وقال الشافعي: لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولو ثبت لقلت به، وذكر ابن حبان: أن بهزاً كان يخطئ كثيراً، ولولا رواية هذا الحديث لأدخلته في الثقات، قال: وهو ممن أستخير الله فيه، وفي قوله نظر، بل هذا الحديث صحيح، وبهز ثقة عند أحمد، وإسحاق وابن المديني وأبي داود والترمذي والنسائي وغيرهم، والله أعلم.

وقال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني جرير بن حازم -وسمى آخر- عن ابن إسحاق...

عن أبي، عن أبي.

عفا الله عنك.

عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء -يعني في الذهب- حتى يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك)) قال: فلا أدري أعلي يقول: فما زاد فبحساب ذلك أو رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ وليس في مال زكاة حق حتى يحول عليها الحول، إلا أن جريراً قال ابن وهب...

قال ابن وهب.

إلا أن جريراً قال: ابن وهب يزيد في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ((ليس في مال زكاة حتى يحول عليها الحول)) قال أبو داود: رواه شعبة وسفيان وغيرهما عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي -رضي الله عنه- ولم يرفعوه.

وعاصم بن ضمرة وثقه أحمد وابن معين وابن المديني والعجلي وغيرهم، وتكلم فيه السعدي وابن حبان وابن عدي والبيهقي وغيرهم، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال الثوري: كنا نعرف فضل حديث عاصم على حديث الأعور.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،

أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

كتاب: الزكاة

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث معاذاً إلى اليمن.

الكتاب مر التعريف به مراراً في كتاب الطهارة، وفي كتاب الصلاة، وكتاب الجنائز فهو أقرب مذكور.

والزكاة أصلها في اللغة تطلق على النماء والزيادة، تطلق على النماء والتطهير والزيادة {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [(103) سورة التوبة] فهي تطهر النفس من الشح والبخل والجشع، وتطهر البدن فجاء ما يدل على أنها دواء، ((داووا مرضاكم بالصدقة)) وهي أيضاً تزكي المال، وتزيده وتنميه ولا تنقصه ((ما نقص مال من صدقة)) والمال الذي بيد من يسره الله له ليس له، إنما مال الله استأمنه عليه {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النــور] فلا منة للغني حينما يبذل هذا القدر المفروض عليه، من فوق سبع سماوات، هذا القدر عليه في فرض من أشد الفرائض، في ركن من أركان الإسلام، ليس له منة على فقير، كما أن الفقير ليس له أن يلوم الغني، إذا أعطى غيره ولم يعطه، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((إنما أنا قاسم، والله المعطي)) يدخل الرجلان في ظروف متقاربة جداً على غني من الأغنياء، فيعطي واحد، ولا يعطي الثاني، الله هو المعطي، الله -جل وعلا- سخره أن يعطي فلاناً ولا يعطيك، لكن على الغني أن يبذل ما افترض الله عليه.

والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة، وقرنت مع الصلاة في مواضع كثيرة جداً من نصوص الكتاب والسنة، وإذا كان الإجماع قائم على أنه لا يدخل في الإسلام من لا ينطق بالشهادتين والمرجح من حيث قوة الأدلة أن تارك الصلاة كافر، فإن الزكاة يختلف في حكم تاركها أهل العلم، فالجمهور على أنه لا يكفر إذا ترك الزكاة إذا كان مقراً بوجوبها، لا يكفر، وجمع من أهل العلم يرون أنه يكفر كتارك الصلاة، وكذلك بقية الأركان، وهو قول في مذهب مالك، ورواية عن الإمام أحمد، وأبو بكر -رضي الله عنه- قاتل مانعي الزكاة، لما امتنعوا من دفع الزكاة، قاتلهم وراجعه بعض الصحابة ومنهم عمر، كيف تقاتل من يشهد أن لا إله إلا الله؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)) فأجاب أبو بكر -رضي الله عنه- أن الحديث فيه استثناء ((إلا بحقها))، ((فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم إلا بحقها)) والزكاة من حقها، ثم قال: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة" فوافقه الصحابة على ذلك، وقاتلهم -رضي الله عنه-، وهكذا إذا امتنع أهل بلد من أي شعيرة من إقامة أي شعيرة عامة من الشعائر فإنهم يقاتلون ولو لم تكن من الأركان، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا غزا قوماً انتظر، فإن سمع أذاناًَ كف، وإن لم يسع الأذان قاتلهم، ولذا لو امتنع أهل بلد من الأذان وهو ليس بمثابة...، بل الخلاف في وجوبه معروف، فإنه يقاتلهم... فكيف بركن من أركان الإسلام؟! "والله لو منعوني عقالاً، أو قال: عناقاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم عليه" شرح الله صدر أبي بكر -رضي الله عنه- لقتالهم، ووافقه الصحابة فدل على عظم شأن الزكاة.

من امتنع من دفع الزكاة أخذت منه قهراً، أخذت منه، أخذها الإمام منه قهراً، ويسقط بها الطلب، بمعنى أنه لا يطالب بها ثانية، أما كونها مجزئة عند الله -جل وعلا- هذا الأمر إلى الله -جل وعلا-، كونها مجزئة في الدنيا نعم مجزئة تسقط عنه الطلب، فتؤخذ منه قهراً بحيث لا تؤخذ منه مرة ثانية، لا يقال: إنه ما نوى الدفع، بل زكاته باطلة هذا إليه، لو قال: إنه أخذت منه من غير نية والأعمال بالنيات، وأراد أن يعيدها ويخرج غيرها فالأمر إليه.

قال -رحمه الله-: "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-" الزكاة كثيراً ما تطلق على المفروضة، والصدقة على الندب والنفل، والزكاة على المفروضة، وسيأتي في حديث أنس إطلاق الصدقة على الزكاة المفروضة؛ لأنها دليل على صدق مؤديها، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((والصدقة برهان)) يعني دليل قاطع على صدق إيمان مخرجها.

قال: "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث معاذاً إلى اليمن" بالنسبة لفرضية الأركان معلوم أن الشهادتين مع بداية الدعوة، وإنما الدعوة إليهما، والصلاة فرضت قبل الهجرة ليلة الإسراء، والزكاة والصيام فرضا بعد الهجرة في السنة الثانية، والحج في السنة التاسعة، وهنا بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذاًَ إلى اليمن، وكان هذا في السنة العاشرة، وقيل في آخر التاسعة، وبقي معاذ قاضياً ومعلماً في اليمن إلى أن مات النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقدم في خلافة أبي بكر.

"أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث معاذاً إلى اليمن، فقال: ((ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله))" قبل ذلك قال: ((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب)) وهذا للتنبيه، تنبيهاً لمعاذ من أجل أن يستعد لهم؛ لأن أهل الكتاب ليسوا كغيرهم من طوائف الكفر، هؤلاء عندهم علم، وعندهم بقية، عندهم أثارة من علم، وإن كان جل ما عندهم محرف، لكن عندهم شيء، يحاجون به، ولذا نبهه النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى ذلك من أجل أن يستعد لهم.

هذا يقول سؤال امرأة موجودة الآن تريد جواب الآن: أعطاها رجل مال لتتصدق به في الحرم، فتصدقت ببعضه، فهل يجوز لها أخذ شيء من الصدقة؛ لأنها بأمس الحاجة إليها، أم تتصدق بغيرها؟

على حسب لفظ المتصدق، إن قال: تصدقي به عني أو ادفعيه عني، لا بد أن تدفعه كاملاً، والمفترض أنها بينت حاجتها له؛ ليقول لها: خذيه أو خذي بعضه، أما والحال أنه أعطاها شيئاً تتصدق به في الحرم، فعليها أن تتصدق بكامله.

((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله)) هذا الأصل الذي يبنى عليه جميع فروع الدين، وبدون شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله لا يصح شيء، وعلى هذا على الداعية والمعلم والموجه أن يبدأ أول ما يبدأ بالأصل، فإذا تقرر الأصل دعا إلى ما يليه الأهم فالأهم.

((ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله)) هذا هو الركن الأول من أركان الإسلام.

((فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)) الركن الثاني، لكن لا يؤمرون بالصلاة إلا إذا شهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وليس معنى هذا أنهم غير مخاطبين بالصلاة والزكاة وغيرهما من شرائع الإسلام، إذا لم يدخلوا في الإسلام، الكافر مخاطب بفروع الشريعة كأصلها عند جمهور أهل العلم، لكن هذه الفروع لا يصح شيء منها إلا إذا تحقق الأصل، فلا يقال لكافر: صل، ولا ادفع الزكاة، ولا صم، إلا إذا شهد أن لا إله إلا الله؛ لأنها لا تصح منه ولو أداها ما لم يشهد أن لا إله إلا الله، ويحكم بإسلامه.

((فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)) وهذا من أدلة من يقول بعدم وجوب أي صلاة غير الخمس، وجاء في حديث الأعرابي: هل علي غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) والذي يوجب العيد، أو يوجب الوتر، أو يوجب صلاة الكسوف عليه أن يأتي بأدلة خاصة، وقد أوردوا أدلة، كل أورد ما يدل لقوله، المقصود أن الجمهور على هذا، الحنفية يوجبون صلاة العيد، ويوجبون الوتر، وأبو عوانة وجمع من أهل العلم يوجبون صلاة الكسوف ((فإذا رأيتموهما فصلوا)) تبعاً لهذا الأمر.

((فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم)) في الجملة الأولى ((أطاعوك لذلك)) وفي الجملة الثانية ((أطاعوا لذلك)) هل بينهما فرق؟ بينهما فرق أو هذا من تصرف الرواة؟ الذي يظهر أنه من تصرف الرواة، والمعنى واحد.

((فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة)) افترض صدقة يعني زكاة واجبة، ((افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم)) يعني ممن يملك النصاب بأي نوع من الأنواع التي تجب فيها الزكاة كالماشية والخارج من الأرض، والنقدين، وعروض التجارة، وغيرها على ما سيأتي تفصيله.

((تؤخذ من أغنيائهم، وترد في فقرائهم)) ((تؤخذ من أغنيائهم)) يعني من أغنياء هؤلاء القوم الذين بعثت إليهم وهم أهل اليمن ((وترد في فقرائهم)) يعني في فقراء البلد نفسه، وهذا دليل من يقول بعدم جواز نقل الزكاة من بلد إلى بلد ((تؤخذ من أغنيائهم، وترد في فقرائهم)) والمعنى ظاهر أن فقراء البلد أقرب الناس إلى هؤلاء الأغنياء وأولى ببرهم، وهم أيضاً ينظرون إلى هذه الأموال، ونفوسهم معلقة بهذه الأموال، فلهم نصيب فيها، والذي يقول: لا مانع من نقل الزكاة من بلد إلى بلد يقول: إن المراد بفقرائهم فقراء المسلمين في أي بلد، نعم إذا لم يكن في البلد الذي فيه الزكاة فقراء، أو كانت الحاجة في غيره أشد فهذا مبرر عند جمع من أهل العلم في نقل الزكاة.

والشاهد من الحديث: ((فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة)) والمراد بذلك الزكاة.

متفق عليه، واللفظ للبخاري.

"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- لما استخلف" لما مات النبي -عليه الصلاة والسلام- واستخلف بعده خليفته أبو بكر "كتب له حين وجهه إلى البحرين" وجهه إلى البحرين في شرق الجزيرة العربية، وهو أشمل من القطر المعروف الآن، بحيث يشمل ما دون البحرين، كالأحساء مثلاً، كله يقال له: البحرين "وجهه إلى البحرين" جابياً للصدقات، وأعطاه الكتاب الذي كتبه النبي -عليه الصلاة والسلام- في مقادير الزكاة، كتاب أملاه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وختمه بخاتمه، دفع لأبي بكر من يد أبي بكر إلى يد أنس بن مالك، ثقة مطلقة بعضهم ببعض، وهم أهل لذلك، لكن لو كان بيدك وثيقة بهذه المثابة يمكن تدفعها لأي شخص كائناً من كان؟ الآن تيسرت الأمور تبي تعطيه صورة، أو ينسخ له نسخة، لكن النسخة الأصلية كتبت بأمره -عليه الصلاة والسلام-، وختمت بخاتمه، وما ذلك إلا لأن القوم أهل لهذه الثقة، ما قال أبو بكر: تضيع، أو تتمزق من يد أنس، لا، هم أحرص على الدين، وما يتعلق بالدين من كل حريص -رضي الله عنهم وأرضاهم-، وبحرصهم وثقتهم وصلنا الدين، وسيبقى إلى قيام الساعة كما أنزل، إلى قرب قيام الساعة، على يد هؤلاء الذين نذروا أنفسهم خدمة للدين، والله المستعان.

ثم يأتي من يأتي من الخلوف الذين يطعنون في هؤلاء القوم، سادات الأمة، وأشرافها وعظمائها، الذين بواسطتهم وصل الدين إلى من بعدهم، يعني تصور أن أبا هريرة ما وجد مثلاً كان نصف الدين ضاع على الأمة، تصور أن أنس ما وجد أو غيره من المكثرين لرواية الحديث، لكن الله -جل وعلا- حفظ بهم هذا الدين، ولذلك من أيسر الأمور أن يقول أبو بكر: خذ، هذا كتاب الصدقة مكتوب بأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- وعليه ختمه، وما ذلك إلا للثقة المطلقة التي هم على قدرها وعلى مستواها في حفظ الدين، وما يتعلق بالدين، فكل واحد أحرص على حفظ الدين من حفظ نفسه وماله وأهله.

"أن أبا بكر لما استخلف كتب له حين وجهه إلى البحرين هذا الكتاب، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر، محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر" وجاءت صفة هذه الأسطر عند ابن سعد وغيره أن لفظ الجلالة الله فوق، ورسول تحته، ومحمد أسفل، فهذا الختم الذي فيه هذا التدلي الله، ثم رسول، ثم محمد، هذا لا شك فيه أنه يمنع ما هو موجود في كثير من محاريب المساجد يكتب على جهة اليمين الله، وبنفس المستوى يكتبون محمد، وهذا يوهم المساواة، وإن استدل أو استدل لذلك بقوله -جل وعلا-: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [(4) سورة الشرح] فقال: ((لا أذكر حتى تذكر معي)) أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، الآن هذا الخاتم الذي نقشه ثلاثة أسطر، هل هو في الأصل الذي أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، ودفع إلى أنس، أو أن الكلام فيه ما يوحي إلى أن أبا بكر كتب لأنس كتاباً آخر، هل أبو بكر دفع الكتاب الذي أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بكتابته وختمه بخاتمه؛ لأنه قال: لما استخلف كتب له حين وجهه إلى البحرين "هذا الكتاب، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر" يعني هل هذا يفهم منه أن أبا بكر دفع النسخة الأصلية، أو كتب عنها نسخة دفعها إلى أنس حينما وجهه إلى البحرين؟

طالب:........

هاه؟

طالب:........

"أن أبا بكر لما استخلف كتب له حين وجهه إلى البحرين هذا الكتاب" وسيأتي في سياق الخبر في قوله: "هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين" أن هذا كتاب أنشئ بعد، ولكن نقش الخاتم ما الفائدة من ذكره؟ إلا أنه يوحي بأن الكتاب هو الأصل الذي نقش بهذا الخاتم، تأملوا يقول: "أن أبا بكر لما استخلف كتب له حين وجهه إلى البحرين هذا الكتاب" هذا الكتاب المبدوء ببسم الله الرحمن الرحيم، ولو قلنا: إن هذه الجملة مقحمة واعتراضية انتهى الإشكال.

"وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر، محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر".

قال: "هذا الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين" يعني قدرها، وقدر الأنصبة، وحدد الأنواع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإلا فالفريضة من الله -جل وعلا- {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [(103) سورة التوبة] فرض من الله -جل وعلا-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قدرها "التي فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله" الكتاب هذا الذي كتبه أبو بكر على الفهم الثاني، وسلمه لأنس هل هو مرفوع أو موقوف؟ نعم؟

طالب:........

مرفوع، لماذا؟ "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والتي أمر الله تعالى بها رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها" يعني سئل ما وجب عليه، من غير زيادة، ولا نقصان "فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط" يعني وجب عليك قدر محدد من الزكاة فطلب أكثر من ذلك كماً أو كيفاً فإنه لا يلزمك أن تدفع، معلوم أنه إذا كان هذا بالاختيار، أما إذا أجبر على الدفع فإنه يبذل، ويسأل الله -جل وعلا- الذي له ((واتق دعوة المظلوم)) فإذا أخذ أكثر مما يجب صار ظالماً، والمأخوذ منه مظلوم ((واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) فدل على أنه يدفع إذا ظلم، ثم يسأل الله -جل وعلا- الذي له، هذا إذا عجز، أما إذا كان باختياره فلا يعط.

"في أربع وعشرين" الآن بدأ التفصيل "في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة" يعني في الخمس الأولى شاة، في العشر شاتان، وفي الخمس عشرة ثلاث، وفي العشرين أربع، وفي الخمس والعشرين بنت مخاض.

قال: "فإذا بلغت" يعني الكمية أو الإبل "خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى" يعني تمت لها سنة سميت مخاض؛ لأن أمها حملت، فهي ماخض {فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ} [(23) سورة مريم] المقصود أنها أتمت السنة ودخلت في الثانية، وقيل لها ذلك لأن أمها في الغالب تكون حاملاً.

"بنت مخاض أنثى" أنثى تصريح بما هو مجرد توضيح، المقصود لا يحتاج إليه، إنما هو زيادة في البيان والتوضيح.

"بنت مخاض أنثى، فإن لم تكن" يني فإن لم توجد "فإن لم تكن ابنة مخاض" إن لم توجد ابنة مخاض "فابن لبون ذكر" اللبون تم له سنتان ودخل في الثالثة، وقيل له ذلك لأن أمه قد ولدت وصارت ذات لبن، فدل على أن الإناث أفضل من الذكور، الإناث في بهيمة الأنعام أفضل من الذكر، بينما في بني آدم الجنس جنس الذكر أفضل وخير من جنس الأنثى {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} [(36) سورة آل عمران].

"فإذا بلغت" يعني الإبل "ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها ابنة لبون أنثى" فقوله: ذكر وأنثى هذا كله مثلما ذكرنا هو مجرد توضيح، وإلا فلا يحتاج إليه؛ لأن إبل يغني، لو قال: ولد احتجنا أن نقول: ذكر أو نقول: أنثى؛ لأن الولد يشمل الذكر والأنثى، أما ابن  خاص بالذكر، لا يشمل الأنثى، وبنت خاص بالأنثى لا يشمل الذكر.

"فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها ابنة لبون أنثى" ابنة لبون أنثى يعني تمت السنة الثانية، نعم؟

طالب:........

بنت لبون، تمت السنة الثانية؛ لأن أمها ذات لبن.

"فإذا بلغت ستاً وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل" يعني الحقة أتمت الثالثة، ودخلت في الرابعة، واستحقت أن تركب، وأن يحمل عليها، وأن يطرقها الفحل الجمل "فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة" تمت خمس سنين، وبدأت أسنانها في السقوط جذعة، أكملت الرابعة ودخلت في الخامسة "فإذا بلغت ستاً وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون" وسنه على ما تقدم "فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان، طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة" زادت على عشرين ومائة، يعني مائة وخمسة وعشرين كم؟ مائة وخمسة وعشرين، صح أنها زادت على مائة وعشرين، قال: " ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة" أو أن هذه الأوقاص ما بين العشرين إلى الثلاثين ليس فيها شيء، فإذا بلغت مائة وثلاثين في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، فيكون في مائة وثلاثين بنتا لبون وحقة، في مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وهكذا، مائة وخمسين ثلاث حقاق... إلى آخره.

"ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة" لأن النصاب ما تم "إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغت خمساً من الإبل ففيها شاة" لو قال: أنا عندي خمس من الإبل أخرج عنها بنت مخاض، كما لو كان عندي خمسة وعشرين، تقبل وإلا ما تقبل؟ الآن الواجب عليه شاة؛ لأنه ليس عنده إلا خمس، فلو قال: أنا أدفع بنت مخاض، كما لو كان عندي خمس وعشرون، خلاف بين أهل العلم أن ما عدل في الزكاة عن الجنس إلى غيره رفقاً بالمالك وإلا فالأصل أن الزكاة من جنس المال.

طيب لو كان عنده عشرون وتوجه عليه أربع شياه، فنظر في قيمة الشياه فوجدها أغلى من بنت المخاض، أربع شياه بألفين ريال، وبنت مخاض بألف وخمسمائة ريال، تجزئ وإلا ما تجزئ؟ يقول: هب أن عندي خمس وعشرين، يقول: أنا عندي عشرين، وجاري عنده خمسة وعشرين، أنا با أدفع أربع شياه بألفين ريال، وجاري يبي يدفع بنت مخاض بألف وخمسمائة ريال.

طالب:........

ويش هو؟

طالب:........

يعني مثلما قال الأشقاء في المسألة الحمارية، يعني أولاد الأم يرثون والأشقاء لا يرثون، قالوا: هب أن أبانا حجراً في اليم، يعني زيادة القرب بواسطة الأب افترضها معدومة، وأنت افترض أن هذا الخمس بدل ما عندي عشرين افترضها خمسة وعشرين، يعني الشرع مبني على الرفق، وعلى مصالح الأطراف كلها، يعني حينما يشرع الزكاة رعاية لمصالح الفقراء فإنه في الوقت نفسه لا يهدر مصالح الأغنياء، فإذا قال: جاري عنده خمسة وعشرين وأنا عندي عشرين، لماذا ألزم بأربع؟ ويلزم ببنت مخاض، وقيمة الأربع أكثر من قيمة بنت المخاض؟ افترض أن عندي خمس أنا متبرع، يعني إذا كان عنده خمس، وأراد أن يعدل من الشاة إلى بنت مخاض يعني له وجه؛ لأن بنت المخاض أكثر قيمة وأنفع للفقراء من الشاة، هذا بلا شك، لكن إذا اتجه عليه ووجب عليه أربع شياه، يعني في التقدير الشرعي البدنة عن سبع، لكن هذه ما زالت صغيرة، قد تكون قيمتها أقل من قيمة أربع شياه، فهل نقول: له أن يعدل كما لو كان عنده خمس وعشرون، أو ليس له ذلك لأن هذا الذي فرض عليه شرعاً ولا يجوز له أن يتعداه؟ لا سيما إذا كانت مصلحة الفقير متعلقة فيما فرض الله له، وهذا هو المتجه، وجب عليك أربع شياه، ادفع أربع شياه، بغض النظر عن كونها تسوى ألفين أو ألف، يعني هل يمكن أن يقول مثل هذا الكلام لو كان العكس؟ لو كانت قيمة أربع الشياه ألف ريال، وقيمة بنت المخاض ألفين هل يمكن يقول: أدفع بنت مخاض؟ ما يمكن....

فعلى كل حال الشارع حدد، ولا شك أن الحكم والمصالح مراعاة، لكن مع ذلك هناك أمور قد لا يدركها العقل، يعني من شرط الزكاة في الماشية في بهيمة الأنعام أن تكون سائمة، فإذا كانت سائمة وجب فيها ما ذكر، طيب إذا لم تكن سائمة معلوفة ما فيها زكاة؟ زكاة بهيمة الأنعام، لكن إذا كانت معلوفة ومعدة للتجارة، نعم؟

طالب:........

زكاة عروض التجارة، وأيهما أشق زكاة السائمة أو زكاة عروض التجارة؟ افترض عنده مائة من الإبل يعلفها، ومعدها للتجارة تجب الزكاة في قيمتها بنسبة اثنين ونصف في المائة، وإذا كانت سائمة فإنها تجب على المقادير المذكورة، يعني عنده مائة رأس من الغنم سائمة فيها واحدة، معلوفة ومعدة للتجارة فيها اثنتان ونصف، فهل السوم خفف الزكاة أو شدد في الزكاة؟ نعم السوم خفف، والأصل ما دام كفي المؤونة وسامت من الأرض من غير كلفة، ولذلك يقولون في زكاة الخارج من الأرض ما يسقى بماء السماء ففيه العشر، والذي يسقى بعمل الآدمي نعم نصف العشر، وما كان سقيه بهذا وهذا ثلاثة أرباعه، يعني هل البابان متفقان أو بينهما فرق؟ يعني كون الخارج من الأرض يسقى بماء السماء شدد في الزكاة وإلا خفف؟ شدد في الزكاة، كون الإبل أو بهيمة الأنعام سائمة ترعى من غير كلفة ولا مشقة خفف وإلا شدد؟ خفف، هاه؟

طالب:........

بينهما فرق، طيب ما نوع التخفيف الذي في هذه السائمة؟ أنت افترض الزكاة في ماشية، عند زيد سائمة وعند عمرو معلوفة، وكلاهما لا يعدانها للتجارة، إنما للدر والنسل، هذا عليه زكاة وذاك ما عليه زكاة أصلاً؛ لئلا يقول قائل: إن في مثل هذا التشريع بالنسبة لزكاة بهيمة الأنعام وبالنسبة لزكاة الخارج من الأرض فيه شيء من الاختلاف والاضطراب، نقول: لا، ما في لا اختلاف ولا اضطراب.

أنت افترض أن هذه الماشية، ماشية زيد سائمة، وماشية عمرو معلوفة، وكلاهما يعدانها للدر والنسل، فالسائمة فيها زكاة والمعلوفة ليس فيها زكاة، وبهذا تتجلى الحكمة الإلهية، وأن الله -جل وعلا- ما يمكن أن يظلم أحداً على حساب أحد.

"وفي صدقة الغنم في سائمتها" السوم شرط، وسيأتي في الإبل أنها إذا كانت سائمة، وجاء في البقر، لكن فيه ضعف، لكنها مقيسة على غيرها، الجمهور يشترطون السوم، وهو الرعي العام أو أكثر العام، والإمام مالك يقول: لا يشترط، الزكاة في الجميع، سواءً كانت سائمة أو غير سائمة، الوصف المذكور في الحديث إنما جاء لبيان الواقع، لحكاية الواقع، ولا مفهوم له، لأن أكثر بهيمة الأنعام بالنسبة للعرب وغيرهم أن تكون سائمة، فجاء وصفاً كاشفاً لبيان الواقع لا أقل ولا أكثر.

"وفي صدقة الغنم في سائمتها" الجمهور على أنه قيد مؤثر، بمعنى أنها إذا لم تكن سائمة ولم تكن للتجارة فإنها لا زكاة فيها.

"إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة" أربعين فيها شاة، خمسين ستين سبعين مائة كلها فيها شاة، فالوقص هنا طويل "فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاث مائة" وهذا أطول الأوقاص "زادت على مائتين إلى ثلاث مائة ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاة" أربع مائة فيها أربع شياه، خمسمائة فيها خمس شياه، وما بين ذلك أوقاص لا زكاة فيها.

"فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها" مثلما تقدم فيما نقص عن الخمس في الأربع وما دونها من الإبل.

"فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها" يعني صاحبها، إذا أخرج منها شيئاً بطوعه واختياره الأمر لا يعدوه وينتفع به -إن شاء الله تعالى-، لكن لا على سبيل الوجوب والإلزام.

قال: "ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" لا يجمع أصحاب الأموال بين متفرق، ولا يفرق أرباب الأموال بين المجتمع خشية أن تزيد عليهم الصدقة، كما أنه لا يجوز للساعي والجابي والعامل أن يجمع أو يفرق خشية أن تقل الصدقة "ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" نعم أربعين من الغنم لرجلين، الأربعون فيها شاة، لما سمعوا بقدوم المصدق الساعي فرقوا، واحد له خمس، وواحد له خمسة وثلاثين، واحد له عشر وواحد له ثلاثين، قال: أنا آخذ غنمي، وأنت خذ غنمك؛ لأن الثلاثين ليس فيها شيء، والعشر ليس فيها شيء، لا يجوز لهم ذلك، إذا كانت مجتمعة مختلطة في المبيت والراعي والمرعى والمحلب لا يجوز؛ لأن حكمها حكم المال الواحد، والخلطة في بهيمة الأنعام تصير المالين كالمال الواحد، لما سمعوا بقدوم الجابي -جابي الزكاة- وكان بينهما أربعون من الغنم لواحد ثلاثين ولواحد عشر، قال: نفرق فإذا جاء صاحب العشر ما عليه شيء، وصاحب الثلاثين ما عليه شيء، إذا اجتمعت وجاء المصدق وهي على وضعها وخلطتها فإنه يأخذ منها شاة واحدة، لكن كم يحسب على صاحب الثلاثين، وكم يحسب على صاحب العشر؟

"وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية" هل نقول: إن هذا عليه نصفها، والثاني عليه نصفها وهذا مقتضى التسوية يتراجعان بينهما بالسوية؟ أو نقول: هذا عليه الربع، وصاحب الثلاثين عليه ثلاثة الأرباع، أيهما؟

طالب:........

ربع وثلاثة أرباع، هذا متفق عيه؟ طيب.

طالب:........

كيف؟

طالب:........

"وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية" إيش معنى السوية؟ بالتساوي، يعني هذا عليه نصف الشاة، وهذا عليه نصفها، هذا صحيح وإلا لا؟ هل هذا ما يقتضيه ظاهر اللفظ وإلا لا؟ نعم؟ ((اتقوا الله وسووا بين أولادكم)) ((واعدلوا بين أولادكم)) هل مقتضى هذا أن يعطى الذكر مثل الأنثى الذي هو مقتضى لفظ التسوية، أو أن المراد العدل والتسوية على ما قسم الله -جل وعلا- {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء]؟ يعني المعنى يقتضي أن صاحب العشر الذي له ربع العدد عليه ربع الزكاة، وصاحب الثلاثين الذي له ثلاثة أرباع العدد أن عليه ثلاثة أرباع الزكاة، هذا من حيث المعنى، فهل نقول: إنهما يتراجعان بالسوية كل واحد نصف، أو على صاحب العشر الربع، وصاحب الثلاثين الثلاثة الأرباع مثل ما في ((اتقوا الله واعدلوا)) ((اتقوا الله وسووا بين أولادكم)) هل نقول: إن مقتضى التسوية أن يعطى الذكر مثل الأنثى؟ وقال بهذا جمع من أهل العلم تحقيقاً للفظ التسوية، أو يقال: إن التسوية والعدل إنما تكون بقسمة الله -جل وعلا- كالميراث {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء]؟

طالب:........

كل له فهمه، كل على ما يفهم من التسوية ومن العدل، يعني هل من العدل أن يعطى الذكر مثل الأنثى؟ أو نقول: العدل أن يقسم بينهم كما تولى الله -جل وعلا- القسمة؟ مثلما قال أبو بكر: "رضيت لنفسي بما رضي به الله لنفسه" الخمس، فأوصى بالخمس {فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} [(41) سورة الأنفال] رضيت بالخمس مثلما رضي الله، والذي يريد أن يقسم ويعطي أولاده يرضى بما رضيه الله -جل وعلا- من القسمة بينهم {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء] أو نقول: إن مقتضى لفظ التسوية أن يكونوا سواء لا فرق؟ وهنا نستفيد ترى من التنظير فيما عندنا، نستفيد من التنظير في معنى السوية "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية" افترض أن رجلين عندهما ثمانون من الغنم، كل واحد له أربعون، لكل واحد أربعون، وليسا بخليطين، هما جاران، لما سمعا بالمصدق خلطا المالين من أجل أن تخف الزكاة، تقل الزكاة، فبدلاً من أن يدفعا شاتين يدفعا شاة واحدة، وفي هذه الصورة واضحة السوية، كل واحد عليه نصف هذه الشاة، لو كانا مختلطين، وقل مثل هذا بالنسبة للساعي المصدق، المصدق بالتشديد هو المتصدق الباذل، والمصدق هو الساعي، الذي يأخذ الزكاة، الذي يجبي الزكاة، لما جاء هذا الساعي لهذين الرجلين غير الخليطين هذا عنده أربعين، وهذا عنده أربعين، فرأفة بهما جمع المالين، نقول: هذا غاش لما اؤتمن عليه؛ لأنه نائب عن هؤلاء الفقراء، ولو فرق المالين الخليطين قلنا: هذا ظالم بدلاً من أن يأخذ شاة واحدة يأخذ شاتين.

"وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، ولا يخرج في الصدقة هرمة" هرمة كبيرة، سقطت أسنانها "هرمة ولا ذات عوار" ذات عيبة معيبة، أو عُوار العيب في جميع البدن، "ولا تيس" الذي هو فخل الغنم "إلا أن يشاء المصدق" ومشيئته هذه ليس مردها إلى التشهي، إنما مردها إلى النظر في مصلحة الفقراء، والاستثناء يعود إلى الجملة الأخيرة اتفاقاً، وعوده إلى ما سبقها محل خلاف بين أهل العلم إلا أن يشاء المصدق فيأخذ تيس، هذا ما فيه إشكال؛ لكون هذا التيس أنفع من هذه العنز، أو من هذه الشاة، هذا ما فيه إشكال، إذا كان أنفع للفقراء، لكن هل له أن يأخذ ذات عوار إذا كانت أنفع للفقراء، أو يأخذ هرمة إذا كانت أنفع للفقراء؟ الاستثناء والوصف المتعقب لجمل متعددة محل خلاف بين أهل العلم، هل يعود إلى الجملة الأخيرة فقط أو يعود إلى جميع ما تقدم؟

في القذف {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(4-5) سورة النــور] الاستثناء هذا يرجع إلى الأخيرة بالاتفاق، يرتفع الفسق، لكن هل تقبل شهادته يعني القاذف إذا تاب مع قوله -جل وعلا-: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [(4) سورة النــور] هذا محل الخلاف بين أهل العلم، ارتفع الوصف المؤثر الذي هو الفسق فارتفع أثره، وهو رد الشهادة، طيب الجلد ثمانين جلدة يسقط بالتوبة وإلا ما يسقط؟ هذا لا يسقط بالاتفاق؛ لأنه حق آدمي، وعندنا "إلا أن يشاء المصدق" إذا رأى أن التيس أنفع للفقراء من هذه العنز، أو هذه الشاة إذا شاء، والمشيئة ردها إلى مصلحة الفقراء لا إلى رغبته وشهوته.

طيب إذا رأى أن ذات العوار أو الهرمة أنفع للفقراء مما يدفع مما هو سليم بأن تكون الهرمة أكثر لحم، وذات العوار أكثر لحماً، أو أطيب لحماً، فهل للمصدق أن يأخذ؟

محل خلاف بين أهل العلم، ومرده الخلاف في أصل المسألة الاستثناء إذا تعقب جمل متعددة هل يعود إلى الأخيرة أو يعود إلى الجميع أو ينظر إلى القرائن؟ يعني في آية القذف القرائن دلت على أن التوبة لا ترفع الحد، وهذا أمر متفق عليه بالأدلة الأخرى، وترفع الفسق، وهذا أيضاً متفق عليه، لكن الخلاف فيما بينهما هل تقبل الشهادة أو لا تقبل؟ هذا، وما عندنا مثله، إلا أنه يختلف في الأول، الأول لا يدخل اتفاقاً في آية القذف، وهنا يتناوله الخلاف.

فإذا شاء المصدق أن يأخذ الهرمة؛ لكونها أنفع للفقراء، افترضنا أن الهرمة زنتها خمسين كيلاً، والسليمة زنتها عشرون كيلاً، أيهما أنفع للفقراء؟ نعم؟

طالب: الهرمة.

الهرمة أنفع، طيب ذات العوار معيبة، لكن زنتها مثلما قلنا: خمسين كيلاً، والسليمة زنتها عشرون، لا شك أن

المعيبة هذه أنفع للفقراء، إلا أن...، ولذلك رد المشيئة إليه، وهناك في الهدي والأضاحي ما فيها خيار، المعيب لا يقبل مطلقاً، ليس فيها رد إلى مشيئة المضحي أو المهدي، بخلاف ما هنا.

"وفي الرقة ربع العشر" الرقة: الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة، ربع العشر، يعني اثنين ونصف بالمائة "فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها" لأن النصاب مائتا درهم، فإذا نقصت ولو درهم واحد؛ لأنه قد يقول قائل: إذا لم تكن إلا تسعين، يعني مائة وخمسة وتسعين فيها شيء؟ مفهوم العدد هنا أن فيه، لكن الطريقة المسلوكة والعادة والجادة أن الآحاد تعد بالآحاد، والعقود تعد بالعقود، فما دون المائتين إلا مائة وتسعين من العقود، والمئات كذلك، والألوف كذلك، المقصود أنه لا يوجد عقد بعد المائتين إلا مائة وتسعين؛ لئلا يقول قائل: ما دام مائة وتسعين ما فيها شيء، مفهومه أن مائة وخمسة وتسعين فيها شيء، نقول: ليس فيه عقد دون المائتين إلا المائة والتسعين، ليس فيها شيء إلا إن شاء ربها، يعني إذا بلغت المائتين ففيها ربع العشر، ربع العشر، كم؟ خمسة، خمسة دراهم، زنتها وقياسها بالفضة المتداولة الآن بالريال العربي السعودي ستة وخمسين ريال فضة، ثم بعد ذلك ينظر في قيمة الريال فتعادل بها قيمة الورق، ومن الذهب عشرون مثقالاً، إذا بلغت عشرين مثقال، إحدى عشر جنيه، وأربعة أسباع الجنيه وجبت فيها الزكاة هذا نصاب الذهب، والعشرون مثقالاً فيها نصف مثقال، نصف مثقال ربع العشر، نصف مثقال، طيب إذا أخرج مثقال عن العشرين هل المثقال الكامل هذا أو الدينار من عشرين ديناراً كله واجب، أو النصف هو الواجب والنصف الثاني مندوب؟

طالب:........

المسألة مثال على قاعدة عند أهل العلم في أصول الفقه، كمن أخرج ديناراً عن عشرين، بهذا اللفظ في كتب الأصول.

طالب:........

الزيادة إذا كانت متميزة فالقدر الواجب هو الفرض، وما زاد على ذلك فهو نفل، مثال ذلك: في صدقة الفطر قلت لصاحب المحل: كل لي صاع وضعه في وعاء، فكاله ووضعه في الوعاء، وربطه وأعطاك إياه، قال: كل لي صاعاً ثانياً، فكاله ووضعه في وعاء وربطه، الصاع الأول هذا هو الفرض، والثاني إذا كانت الزيادة غير متميزة فالكل واجب، إذا كانت الزيادة غير متميزة فالكل واجب.

المسألة لها أمثلة كثيرة جداً عند أهل العلم، من أدى دينار عن عشرين، إذا كانت مصروفة نصف ونصف هذا ما فيه إشكال، لكن إذا أدى الدينار جميع، يعني دفع دينار لوكيله، وقال: سلمه فقير، فضاع من وكيله، يضمن دينار وإلا نصف دينار؟ نعم على الخلاف، يعني المسألة ما تسلم من خلاف، الزيادة إذا كانت متميزة لها حكم، وإذا كانت غير متميزة لها حكم.

دخل المأموم والإمام راكع، الإمام سبقه إلى الركوع وسبح ثلاثاً قبل أن يركع المأموم، نقول: انتهى الواجب على الإمام والباقي مسنون؟ بمعنى أنه لو دخل معه بعد أن سبح واحدة الواجبة، نقول: إن هذا حكمه حكم المفترض خلف المتنفل، فلا تصح صلاته عند من لا يجيز صلاة المفترض خلف المتنفل؟ أو نقول: الكل واجب لأن الزيادة غير متميزة؟ لها فروع كثيرة، يعني مثل هذه الأمور على طالب العلم أن يعتني بها، يعني هذه الدعاوى التي تقلل من الأصول وعلم الأصول وكتب الأصول باعتبار ما دخلها من مسائل الكلام وغير ذلك، جعلت بعض طلاب العلم يزهد في هذا العلم، وحينئذٍ يضيع، لا يستطيع أن يتعامل ويتصرف مع النصوص.

طالب:........

لكن متميزة الخمسمائة.

طالب:........

الخمسمائة متميزة، منفكة عن الألف، ليش؟ لأنها فئة واحدة الخمسمائة، أنت افترض أن عليك زكاة أربعمائة ودفعت زرقاء خمسمائة، هذا اللي غير متميزة.

طالب:........

ظهر الفرق؟

طالب:........

"ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة" والجذعة من واحد وستين إلى خمسة وسبعين وعنده حقة أقل منها فإنه يدفع الحقة ويدفع معها جبران، شاتان "إن استيسرتا له، أو عشرين درهما" "ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة" مراعاة لظروفه، لو قيل له: ادخل إلى السوق وبع هذه الحقة واشتر لنا جذعة يتكلف أكثر بلا شك، والشرع لا يكلفه أكثر مما وجب عليه، فوجد له حل في هذه الصورة.

"ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة" يعني أعلى مما يجب عليه "فإنها تقبل منه الجذعة، ويعطيه المصدق عشرين درهماً، أو شاتين" هذا يسمونه جبران، وهل هو لازم، أو المسألة مسألة تقويم؟ تقوم الجذعة وتقوم الحقة ويدفع الفرق، وكان الفرق في ذلك الوقت عشرين درهم أو شاتين، أو نقول: إنه لازم، خلاص ادفع شاتين، طيب شاتين أكثر من قيمة الجذعة أحياناً، يقول: يلزمك تدفع شاتين، أو ادفع عشرين درهم؟ أحياناً في بعض الأوقات تهبط الأقيام إلى أن تكون قيمة الأصل أقل من قيمة الجبران، والشرع لا يعجز عن حل مثل هذه المسائل، فلا يكلف أكثر مما أوجب الله عليه.

طيب، قال: ما عندي إلا شاة وعشرة دراهم، نقول: يلزمك شاتين وإلا عشرين درهم؟ منهم من جمد على النص، وقال: ما في إلا هذا، وإلا دبر الواجب عليك، نقول: الشرع دين عدل ومساواة بين الجميع، يعني ما يظلم أحد على حساب أحد؛ لأنه قد يكلف في حملها في الوسائل بمثل قيمتها؛ ليبيعها في السوق، ثم يحمل الأخرى إلى المصدق، لا بد أن يوجد الحل وقد وجد؛ لأن هذه أمثلة، ليست ملزمة، ليست تعبدية، إنما هي أمثلة للجبران.

"ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت لبون، ويعطي معها شاتين أو عشرين درهماً، ومن بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة، ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين" كما تقدم "ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض فإنها تقبل منه بنت مخاض، ويعطي معها عشرين درهماً" لما يعرف من التفاوت بين السنين "ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده، وعنده بنت لبون فإنه تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها" يعني على المطلوب "وعنده ابن لبون" وجب عليه بنت مخاض، لماذا؟ لأن عنده خمس وعشرين من الإبل، ما عنده بنت مخاض، عنده ابن لبون "فإنه يقبل منه، وليس معه شيء" لا يأخذ ولا يعطي، لماذا؟ لأنه قال في الأول: "فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر" لأن الزيادة في السن في ابن اللبون يقابله النقص في الجنس، فالأنثى أفضل من الذكر في هذا الباب، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"