شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (140)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده، ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم إلى لقاءٍ جديد في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، والمشهور بمختصر صحيح البخاري للإمام زين الدين أحمد بن عبد اللطيف الزبيدي المتوفَّى سنة ثلاثة وتسعين وثمانمائة -رحمه الله-.

مع مطلع حلقتنا يسُرنا أن نُرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحباً بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: قال المصنف- رحمه الله-: وعنه أي عن أنس- رضي الله عنه- قال: لأحدثنكم حديثًا لا يحدثكم أحد بعدي، سمعتُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن من أشراطِ الساعة أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثُر النساء، ويقل الرجال حتى يكون للخمسين امرأة القيمُ الواحد».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده، ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: وعنه- رضي الله عنه- بدون تسمية للصحابي، والمراد أنس بن مالك، صحابي الحديث السابق، وهذه عادة أرباب المختصرات يُصرحون باسم الصحابي الراوي في الموضع الأول، ثم يكنون عنه بالضمير بعد ذلك اختصارًا، والحديث ضمن الترجمة السابقة، باب رفع العلم، وظهور الجهل، والحديث الأول السابق، فيه يُرفع العلم، والترجمة باب رفعُ العلم، الحديث هذا، حديث أنس الثاني فيه.

المقدم: يقل العلم.

يقل العلم، نعم.

المقدم: نعم.

فتقدم ما بين القلة والرفع من كلام لأهل العلم، وسيأتي أيضًا مزيد بيان وإيضاح لذلك، إن شاء الله تعالى.

المقدم: جميل.

قولهُ: «لأحدثنكم» بفتح اللام وهو جواب قسم محذوف، أي: «والله لأحدثكم»، وصرح به أبو عوانة، ولمسلم: «ألا أحدثكم»، هُنا قال: «لأحدثنكم»، وفي مسلم قال: «ألا أحدثكم»، فيحتمل أن يكون قال لهم أولاً: «ألا أحدثكم»، فقالوا: نعم، فقال: «لأحدثنكم حديثًا» قال الكرماني: هو قائمٌ مقام المفعولين، حديثًا؛ لقوله: «لأحدثنكم»، «لأحدثنكم حديثاً»، المفعول الأول: كاف.

المقدم: أنتم.

كاف.

المقدم: أنتم.

الكاف نعم، وحديثًا كيف يكون قائمًا مقام المفعولين؟ كذا قال الكرماني: فإن قلتم: من أين عرف، يعني، أنس بن مالك أن أحدًا لا يحدثُ بعدهُ؟ من أين عرفَ، يعني أنس بن مالك أن أحدًا لا يحدثُ بعدهُ؟ قلت: لعله عرفه بإخبار الرسول- صلى الله عليه وسلم- له، كذا قال الكرماني: أو قاله  بناءً على ظنهِ أنه لم يسمع الحديثَ غيرهُ من النبي- صلى الله عليه وسلم-.

المقدم: لكن كونه ما سمعه أحد من النبي- عليه الصلاة والسلام-، المفروض يقول: لم يحدثكم أحد به قبلي أما بعده فقد يحدثهم.

حتى بعده.

المقدم: إذا سمعه أحد.

قد، قد يسمعه أحد، ثم يُحدثه بواسطة.

المقدم: نعم.

نعم.

المقدم: فلا يقول.

إلا إن كان القصد النفي مباشرةً عن النبي- عليه الصلاة والسلام- بدون واسطة: وقال ابن بطال: يحتمل أن أنسًا قال ذلك: لأنه لم يبق من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم-..

المقدم:- عليه الصلاة والسلام-.

غيرهُ، أو لِما رأى من التغيير، ونقصِ العلم، فوعظهم بما سمع من النبي- صلى الله عليه وسلم- في نقص العلم، أنه من أشراطِ الساعة؛ ليحضهم على طلب العلم، ثم أتى بالحديثِ على نصهِ، قلت: القائل أنا، قال ذلك: بناءً على غلبةِ ظنه، حثًّا لهم على تلقيه، وضبطه، وإتقانه، والعمل بما فيه، ما الفائدة من قوله؟ قال ذلك: بناءً على غلبةِ ظنه حثًّا لهم على تلقيه، وضبطه، وإتقانه، والعمل بما فيه؛ لأنكم إذا فرطتم في هذا الخبر الذي لا يوجد عند غيري، إذا فرطتم به وأنا المتفرد بروايتهِ، فمن أين تتلقونه؟ يُغريهم بذلك، كما يُغري العُلماء طُلاب العلمِ بالفوائِد، فيقول العالمُ: مثلاً لتلاميذهِ، أو لتلميذه: احفظ هذه المسألة، أو هذه الفائدة، علك لا تجدها عند غيري، يُغريه بذلك، وليس معنى هذا أنه يترفع، أو يفتخر، علك لا تجدها عند غيري.

 كما قال: ابن القيم، في منزلة التوبة من مدارج السالكين، بعد أن استوعب الكلام فيها، بكلامٍ بالفعل لا يوجد عند غيرهِ، يقول: أوصى بالحرص عليها -رحمةُ الله عليه- قائلاً: علك ألا تجدها في مُصنفٍ آخر ألبتة، والله المستعان، وليس هذا من باب الفخر، كما يتصوره بعض الناس، لكن ليُغري طالب العلم، أن يهتم بهذه، كما فعلها أنس -رضي الله عنه وأرضاه-.

 سمعتُ بيان، أو بدل لقوله: «لأحدثنكم» رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: حال، يعني حال كونهِ يقول: «من أشراطِ الساعة» أي من علاماتها، وتقدم كلامُه في الأشراط، «أن يقل العلم».

المقدم: بدون إن يا شيخ عندكم.

فيه «إن من أشراط الساعة».

المقدم: نعم.

نعم، «أن يقل العلم»، هو بكسرِ القاف من القلة، بكسرِ القاف من القلة، وفي الحديث السابق، يُرفع العلم، قال ابنُ حجر: يحتملُ أن يكون المراد بقلتهِ أول العلامة، يحتملُ أن يكون المراد بقلتهِ أول العلامة، وبرفعهِ آخرها، أو أُطلقت القلة، وأريد بها العدم، كما يُطلقُ العدم، ويُراد به القلة، وهذا أليق؛ لاتحاد المخرج، لاتحاد المخرج، كأنه جعلهما حديثًا واحدًا.

المقدم: نعم.

إذا كان حديثًا واحدًا فلا بد من أن تحمل الثانية، على الأولى، لو اختلف المخرج لو كانا حديثين، لحُمل هذا على حال، وهذا على حال.

المقدم: لكن المخرج واحد.

نعم، يعنى هذا يكون أول العلامة يقل العلم، وآخر العلامة يُرفع العلم.

المقدم: يُرفع العلم.

نعم، لكن يقول: أو أُطلقت القلةُ، وأريد بها العدم، كما يطلق العدم، ويرادُ به القلة، يعني إذا كان الشيء يسيرًا لا يستحق أن يذكر، فهو في حكم العدم.

المقدم: نعم.

إذا وُجد من العلم ما لا يفي بحاجة الأُمَّة، أو لا يؤدي أدنى غرض من حاجة الأُمَّة، فوجوده مثل عدمه، فيُحمل هذا على هذا، ونظيرُ ذلك أنه لو كان عندك شيء مما يحتاجُه بعضُ الناس، شيء يسير جدًّا لا يكادُ يُذكر، بإمكانك أن تقول: ما عندنا شيء، إذا جاء أحدٌ يطلب تقول: ما عندنا شيء، معناه أنه ليس عندنا شيء يفيدك.

المقدم: يفيدك.

وليس معناهُ أنه لا يوجد شيء ألبتة، وقال الكرماني: فإن قلت: قلةُ العلم تقتضي بقاء شيء منه، والرفعُ عدم بقائهِ من وجه والجمع بينهما، قلت: القلةُ قد تطلقُ ويرادُ بها العدم، أو كان ذلك باعتبار الزمانين كما يُقالُ مثلاً: القلة في ابتداء أمر الشرط، والعدم في انتهائه، ولهذا قال: ثمة يثبُتُ الجهل، وهنا قال: يظهر.

المقدم: نعم.

نعم هناك في الحديثُ الأول.

المقدم: يثبُت الجهل.

قال:  يثبُتُ الجهل.

المقدم: مع رفع العلم.

مع رفع العلم، وهنا قال: يظهر الجهل.

المقدم: مع قلته، مع قلة العلم.

مُناسب جدًّا.

المقدم: نعم صح.

وهذه لفتة من الكرماني لائقة ببعض تصرفاته، يعني وعنده لفتات دقائق، ويقل.. وزاد هنا في الحديث السابق فيه، ويشربُ الخمر في الحديث السابق، وفيه أيضًا، يظهرُ الزنا، وهنا زيد «تكثر النساء، ويقل الرجال»، زيادة على ما تقدم.

المقدم: نعم.

«تكثر النساء، ويقل الرجال»، يقول الكرماني: أي بسبب تلاحُم الفتن، وقتل الرجال فيها كما ورد في الموضع الآخر، ويكفي كثرتهن في قلة العلم، وظهور الجهل، والزنا؛ لأن «النساء حبائل الشيطان» ، «وهُنَ ناقِصاتُ عقِلٍ وديِن»، يقول: فيه ارتباط وثيق بين قلة الرجال، وكثرة النساء، وظهور الشرب، وأيضًا ظهور الجهل، وظهور الزنا، يقول: فيه ارتباط؛ بسبب تلاحُم الفتن، الفتن، الجهاد، والقتال، وما أشبه ذلك، والحروب.

المقدم: يقل العلم.

تحصدُ الرجال، يبقى النساء، ولذا يقول: تكثُر النساء، ويقل الرجال، بسبب تلاحُم الفتن، وقتل الرجال فيها كما ورد في المواضع الأُخر، ويكفي كثرتهن في قلة العلم، وظهور الجهل؛ لأن الأصل أن العلم عند الرجال، وظهور الجهل، والزنا؛ «لأن النساء حبائل الشيطان»، يعني المرأة هي أصل في هذا الباب، ولذا قدمت في آية الزنا {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [سورة النور:2]، «لأن النساء حبائل الشيطان » ، «وهُنَ ناقِصاتُ عقِلٍ وديِن»، يعني تصور أن شخصًا عنده خمسين امرأة في أيام الفتن لا يستطيع إنسان أن يَرعىَ النفر اليسير من النساء، لاسيما هذه الأيام التي انفتحت فيها الأمور، وأبواب الشرور على مصارعها مفتوحة، والشر يدخل للمرأة في قعر بيتها، فكيف إذا كان الرجل الواحد قيم خمسين امرأة؟

المقدم: نعم.

قال ابن حجر: قيل سببهُ أن الفتن تكثُر، فيكثر القتل في الرجال؛ لأنهم أهلُ حرب دون النساء، وقال أبو عبد الملك: هو إشارةُ إلى كثرة الفتوح، هو إشارةُ إلى كثرة الفتوح، فيكثُر السبايا فيتخذ الرجُل الواحد عدة موطوآت، يقول ابن حجر: وفيه نظر؛ لأنه صرح بالقلة في حديث أبي موسى، الآتي في الزكاة عند المُصنف فقال: من قلة الرجال، وكَثرة النساء، والظاهر أنها علامةٌ محضةٌ، لا لسببٍ آخر، ليس معنى هذا أنه تكثُر الحروب، والجهاد، تكثُر السبايا فيكثُر، إذًا الرجال فيهم كثرة، ولذلك يقول: فيه نظر؛ لأنه صرح بالقلة في حديث أبي موسى، عند المصنف فقال: من قلة الرجال، وكثرة النساء، والظاهر أنها علامةٌ محضةٌ، لا لسببٍ آخر، بل بقدر الله في آخر الزمان، أن يقل من يولد من الذكور، ويكثُر من يولد من الإناث، وكون كثرة النساء من العلامات، مناسبةٌ لظهور الجهل، ورفع العلم، الآن ابن حجر يرد علي أبي عبد الملك البوني يقول: كثرة النساء بكثرة السبي، لكن هل هذا مناسب لقوله: «ويقل الرجال؟».

المقدم: لا، الرجال لقلتهم سبب آخر.

نعم هو المؤدى واحد، يعني حتى لو قلنا: إن الرجال ما قُتل منهم أحد، وكثُر السبي، زاد عدد النساء، والقلة، والكثرة أمور نسبية.

المقدم: يعنى مقابل زيادة النساء.

مقابل زيادة النساء، القلة والكثرة أمور نسبية، تعقب العيني ابن حجر، قلت: ليس في حديث أبي موسى شيء من التنبيه على العلة، لا صريحًا، ولا دلالة.

وإنما معنى قوله: «من قلة الرجال، وكثرة النساء»، مثل معنى قوله: في هذا الحديث وتكثُر النساء، ويقل الرجال، والعلةُ لهذا لا تُطلبُ إلا من خارج، وقد ذكروا هذين الوجهين، ويُمكن أن يُقال في أن يكثُر في آخر الزمان ولادةُ الإناث، ويقل ولادة الذكور، والإحصائيات تدُل على شيء من هذا.

وبقلةِ الرجال يظهر الجهل، ويرفعُ العلم، ويُمكن أن يُقال يكثُر في آخر الزمان ولادةُ الإناث، ويقل ولادة الذكور، هُناك في كلام ابن حجر، يكثُر من يوُلد من الإناث، وكون كثرة النساء إلى آخره، يقل من يولد من الذكور، ويكثُر من يولد من الإناث، وهُنا قال العيني: ويُمكن أن يُقال- وهو يتعقب ابن حجر- ويُمكن أن يُقال: يكثُر  في آخر الزمان ولادةُ الإناث، ويقل ولادة الذكور، هو بعينهِ، هو كلام ابن حجر بعينِه، هذا الكلام نقلهُ عن ابن حجر، وأما باقي كلامه فهو منقول بحروفهِ من كلام الكرماني يقول: ويكفي كثرتهن في قلة العلم، وظهور الجهل، والزنا؛ «لأن النساء حبائل الشيطان» ، «وهن ناقصاتُ عقلٍ ودين»، هذا كلام العيني وهو مأخوذٌ بحروفه من كلام الكرماني الذي سِقناهُ فيما تقدم.

 ابن حجر في انتقاض الاعتراض أجاب عن ذلك، قال: كأنه ظن أن المُراد علة القلة والكثرة، كأنه ظن أن المُراد علة القلة والكثرة، وليس كذلك، وإنما المُراد علةُ العدد الكثيرِ من النساء للواحدِ من الرجال.

الأخ الحاضر:.......

نعم علةُ العدد الكثيرِ من النساء للواحدِ من الرجال، والعجب أن العيني أخذ كلامه فنسبهُ لنفسهِ، فقال: ويُمكنُ أن يُقال: تكثر ولادة الإناث، وتقل ولادة الذكور، إلى آخر كلامه، فانظر وتعجب، يعني يتعقب الرجل وينقُل كلامهُ مُرتضياً له، لو عزا هذا الكلام ما فيه أدنى إشكال كونهُ ينقُل، ويُقر، وينقُل، ويعترض هذا الأصل، يُقرُ الحق، ويعترض على خلافه، لكنهُ نقلهُ.

المقدم: .........

نسقاً على كلامِهِ من غير.

المقدم: اعتراض.

من غيرِ عزو.

المقدم: إثبات نعم.

قلت: وآخر كلامه مأخوذ من الكرماني بحروفهِ فرحِم الله الجميع، ولكل واحد من الشروح الثلاثة مزية لا توجد عند الآخر، يعني من باب الإنصاف، ليس معنى هذا أن نتنقص العيني، ولا الكرماني، ولا غيره، ولا ننحاز لأحد، كُل واحد من الشروح له ميزة، وبُينت هذه الميزات في مناسباتٍ كثيرة، سُجلت في أشرطة وتداولها طُلاب العلم، يقول: «حتى يكون لخمسين امرأة القيمُ الواحد» قال الكرماني: يُحتملُ أن يُراد بهِ حقيقةُ هذا العدد، يعني يوجد في آخر الزمان الرجُل الواحد.

المقدم: لهُ خمسين امرأة.

عندهُ خمسين امرأة. يحتملُ أن يُراد بهِ حقيقةُ هذا العدد، وأن يُراد بها كونها مجازًا عن الكثرة، يعني ليس العدد المُراد، فبعضهُم عنده خمسون، وبعضهُم ستون، وبعضهُم أربعون، وبعضهُم ثلاثون، المقصود الكثرة.

المقدم: قيم عليهن، يعني لا يفُهم من ذلك سواه.

كيف؟

المقدم: يعنى يكون قيمًا عليهن.

نعم هي.

المقدم: تكون مثلاً أمه، أختُه، بنتُه.      

أتباع كلهم.

المقدم: نعم.

وسيأتي مزيد ليبين هذا. ولعل السر فيهِ أن الأربعة- اسمع كلام الكرماني-  ولعل السر فيهِ أن الأربعة هي كمال نصاب الزوجات، انظر كيف يطلع العدد الخمسين، يعني من بُعد، ولعل السر فيه  أن الأربعة هي أيضًا نصاب الزوجات، فاعتبر الكمال مع زيادةِ واحدةٍ عليه؛ ليصير فوق الكمال مبالغةً في الكثرة، أو لأن الأربعةَ منها يُمكن أن تؤلف العشرة؛ لأن فيها واحدًا، واثنين، وثلاثة، وأربعة، وهذا المجموع عشرة، ومن العشرات المئات، ومن مئات الألُوف، فهي أصلُ جميع مراتب الأعداد، فزيد فوق الأصل واحد آخر، يقول: خمسة، ثم اعتبر كُل واحدٍ منها بعشرةِ أمثالِها أيضًا، تأكيدًا للكثرة ومُبالغةً فيها، وقد تقرر مثلُ هذا في قوله تعالى: {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [سورة المعارج:4]، والكلامُ بحروفهِ نقله العيني من غير عزو، لكن هذا الكلام..

المقدم: تكلف.

فيه تكلُّف، وبُعد شديد، ولا يُفهم من النص.

المقدم: صحيح.

القيمُ الواحد، يقول ابنُ الأثير: قيمُ المرأة زوجُها؛ لأنهُ يقوُم بأمرِها، وما تحتاجُ إليهِ، ومنهُ الحديث: «ما أفلحَ قومٌ قيمهُم امرأة»، وفي فتحُ الباري: القيمُ من يقومُ بأمرِهنَ، واللام للعهدِ إشعارًا بما هو معهود، من كون الرجال قوامين على النساء، وكأن هذه الأمور الخمسة، وكأن هذه الأمور الخمسة، يعنى المذكورة في الحديث خُصت بالذكر؛ لكونِها مُشِعرةً باختلال الأمور التي يحصل بحفظها صلاح المعاشِ والمعاد، وهي الدين؛ لأن رفع العلم يُخل به، والعقل؛ لأن شُرب الخمرِ يُخل بهِ، والنسب؛ لأن الزنا يُخل بهِ، والنفس والمال؛ لأن كثرة الفتن تُخل بهِما، هذه هي الضرورات الخمس التي جاءت الشرائِعُ بحفظها.

 يقول الكرماني: فإن قلت: هل لتخصيص هذه الأمور بالذكر فائدةً معلومة؟ قلت: والله أعلمُ يحتملُ أن يكون ذلك؛ لأنها مُشعرة باختلال الضرورات الخمس الواجبُ رعايتها في جميع الأديان، التي يحفظُها صلاح المعاشِ والمعاد، أو التي بحفظها صلاح المعاشِ، والمعاد، ونِظام أحوال الدارين، وهي: الدينُ، والعقلُ، والنفسُ، والنسبُ، والمال، فرفعُ العلمِ مُخلٌّ بحفظ الدين، وشُربِ الخمر، مُخلٌّ بالعقِل وبالمالِ أيضًا، وقلة الرجالِ بسببِ الفِتن، وظهور الزنا بالنسب، وكذا بالمالِ غالِبًا، يعني كلام ابن حجر مأخوذٌ في جملته من كلام الكرماني، فهو أصل هذه الشروح المتداوَلة، على أوهامٍ فيه، فإن قلت: لما كان اختلال هذه الأمور من علاماتها؟  لما كان اختلال هذه الأمور من علاماتها- يعنى علامات الساعة-؟

المقدم: الساعة.

 قلت: لأن الخلائق لا يُتركون سُدى، ولا نبي بعد هذا الزمان، يعني بعد محمد- عليه الصلاة والسلام-، فتعين خراب العالم وقُرب القيامة.

المقدم: الله المستعان.

يعني إذا انتهكت الضرورات الخمس، ولا نبي بعد مُحمد- عليه الصلاة والسلام- هي انتهكت في الفترة، نعم، لكن الناس يترقبون ظهور نبي، الآن إذا انتهكت في آخر الزمان، ماذا يترقبون؟ ما بعد هذا إلا خرابُ العالم وقيامُ الساعة، ظاهرة المناسبة.

يقول القرطبي في المُفهِم: في هذا الحديث علم من أعلام النبوة؛ إذ أخبر النبي- عليه الصلاة والسلام- عن أمورٍ ستقع خصوصًا، فوقعت خصوصًا في هذا الزمان، القرطبي، في أوائل السابِع، وقال القرطبي في التذكِرة: هناك في المُفهِم، وهُنا في التذكِرة، واحد أم اثنان؟

الأخ الحاضر: ......

نعم القرطبي، قال القرطبي: في المُفهِم وقال القرطبي: في التذكِرة.

الأخ الحاضر: اثنان.

نعم، اثنان صاحِبُ المُفهِم أبو العباس شيخ لصاحب التذكِرة الذي هو صاحِب التفسير الكبير، يقول القرطبي: في التذكرة يحتمل أن يراد بالقيم من يقوم عليهن سواء كنَّ موطوآت أم لا، من يقومُ عليهِن سواء كنَّ موطوآت أم لا، ويُحتملُ أن يكون ذلك يقعُ في الزمان الذي لا يبقى فيه من يقول الله الله، يعني لاسيما إذا كُنَ موطوآت الخمسين، فيتزوج الواحد بغير عددٍ جهلاً بالحُكم الشرعي، يتزوج خمسين جهلاً بحُكم الشرع، وهذا مُناسب للزمن الذي لا يقال فيه: الله الله.

أما على احتمال الأول أن يُراد بالقيم من يقوم عليهن سواءٌ كُنا موطوآت أم لا، فلا يمنع أن يقوم الإنسان على نسائِهِ، من أقاربه، ومعارفه، وجيرانهِ، ما فيه مانع من هذا؛ لكثرة الحُرُوب التي تحصد الرجال- نسأل الله السلامة والعافية- يقول: فيتزوج الواحد بغير عددٍ جهلاً بالحُكم الشرعي، يقول ابن حجر: وقد وُجد ذلك من بعض أمراء التركمان وغيرهم مِن أهل هذا الزمان مع دعواه الإسلام، والله المستعان، وقد وُجد ذلك من بعض أمراء التركمان وغيرهِم مِن أهلِ هذا الزمان مع دعواه الإسلام، والله المستعان، يعني تزوج عددًا كبيرًا، في ترجمة تيمور من المنهل الصافي، ادعى الإسلام.

المقدم: نعم.

وهو معروف بظلمهِ.

المقدم: نعم.

ففرح أهل الإسلام بذلك، فتبين أن عندهُ نسوة هن كن زوجات أبيه، كن زوجات أبيه عندهم بالإرث، يتزوج زوجات أبيه، الذي تولى المُلك بعده، يتزوج زوجاته، ما الموقف من مثلِ هذا؟  رجُل ظالم، وادعى الإسلام، ماذا يُقال له؟

المقدم: وإن يُنكر عليه يا شيخ بطش.

ورجع.

المقدم: ورجع وارتد.

وارتد، فالأكثر من أهل العلم قالوا: إن النكاح هذا باطل، ولا يجوز البقاء عنده ولا لحظة، فقال أحدهُم: نُخرج المسألة تخريجاً شرعيًّا؛ نظرًا لأن المصلحة تقتضي ذلك، كيف؟ يقول عقد الوالد عليهن باطل، عقد الأب عليهن باطل.

المقدم: لسن بزوجاتٍ للأب.

نعم.

الأخ الحاضر:........

طبعًا نكاح كُفار، نكاح كُفار، فهو في حُكم الباطل، لكن هل مثل هذا التبرير مقبول؟

المقدم: ليس بمقبول.

نعم نعترف بأن هذا مُنكر عظيم، وشنيع، وإذا رأينا أن المصلحة في عدم إنكاره لبطش الرجُل، وخشية مِن انتقامه من الأُمَّة بكامِلها، فالسكوت فيه مندوحة، لكن لا يُبرر مثل هذا العمل بحيث يُشرعَ له، وإلا فمُجرد الوطءِ من قِبلِ الأب يُحرمُها على الابن ولو زنا، ولذا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: النِّكاح المنهي عنهُ، يصدق على العقدِ فقط، والوطءِ فقط، فمثلاً في قولهِ -جل وعلا-:

المقدم: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [سورة النساء:23].

{وَلا تَنكِحُوا} [سورة النساء: 22] مُناسب هُنا.

المقدم: نعم.

{وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [سورة النساء: 22].

المقدم: طيب.

هذا نكاح منهي عنه، إذًا ينصرف إلى ما عقد عليها الأب فقط.

المقدم: وما وطِئها.

ولو لم يطأ، وما وطئها ولو بزنا فقط.

المقدم: نعم.

فالنكاح المنهي عنه يتحقق النهي، أو يتجه النهي إلى العقد فقط.

المقدم: أو إلى الوطء.

أو إلى الوطء فقط، أو هما معًا من باب أولى، بينما النكاح المأمور به لا يتحقق إلا باتفاق الأمرين، بوجود الأمرين معًا، ولذا فالمأمور به «يا معشر الشباب من استطاع منكُم الباءة فليتزوج»، هل يستطيع أن يقول شاب أنا عقدت، وطلقت، وامتثلت هذا الأمر؟

المقدم: لا.

ما يكفي، أو يقول: أنا غلطت ووطئت.

المقدم: وحققت هذا الأمر.

وحققت هذا الأمر والله يعفو ويسامحه وليس هو متزوج، نقول: لا، لا بد من الجمع بين الأمرين الذي هو العقد، والوطء معًا، بينما المنهي عنهُ يتجه النهي إلى العقد فقط، وإلى الوطء فقط، وإلى هما معًا من باب أولى.

 والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدم: اللهم صلِّ وسلم على رسولك، أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام حلقتنا، من برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، نستكمل بإذن الله تعالى في حلقةٍ قادمة، وأنتم على خير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.