بلوغ المرام - كتاب الصلاة (11)

"وعن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقام الحدود في المساجد, ولا يستقاد فيها)) رواه أحمد وأبو داود بسند ضعيف".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

حكيم بن حزام معروف من أشراف قريش، من مسلمة الفتح، عُمِّر مثل حسان الذي سبق، عاش مائة وعشرين سنة، على ما يقال: ستون منها في الجاهلية وستون في الإسلام، يقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقام الحدود في المساجد, ولا يستقاد فيها))  رواه أحمد وأبو داود بسند ضعيف".

المصنف في التلخيص قال: إسناده لا بأس به، ولذا حسنه جمع من أهل العلم، وممن حسنه الألباني في إرواء الغليل، فإذا وصل الحديث إلى درجة الحسن، قال الحافظ: إسناده لا بأس به، وقال الألباني: هو حديث حسن، صار صالحاً للاحتجاج فلا تقام الحدود في المساجد، لا يجلد الشارب، ولا يقطع السارق، ولا يرجم الزاني في المسجد، وذلكم بأن هذه الحدود في أثناء إقامتها لا بد من مزاولة ما يخل بما ينبغي للمسجد من حق الاحترام، فالمسجد مكان معظم شرعاً جاءت النصوص الدالة على أنه مما يحترم ولا يمتهن، فمزاولة هذه الأمور في المسجد، إقامة الحدود، الجلد مثلاً في المسجد يترتب عليه ما يترتب من الإخلال بحرمة هذا المكان، هذا إذا كان جلد فكيف إذا كان رجماً وقطعاً وما أشبه ذلك؟!

((ولا يستقاد فيها)) لا يستقاد في المساجد من الجاني، لا يقتل القاتل، ولا يقتص من الجاني في المسجد؛ لما ذُكر في الحدود؛ لأن هذه الأعمال تتطلب أثناء تنفيذها مما يخل بأدب المسجد وما ينبغي له من تعظيم، وعلى كل حال الحديث لا يسلم من مقال، واضطرب فيه قول الحافظ ضعف إسناده هنا، وفي التلخيص قال: إسناده لا بأس به، والألباني -رحمه الله- حسنه وهو قابل للتحسين، قابل للتحسين، فمثل هذه الأمور لا تقام في المسجد، لا إقامة الحدود ولا الاستقادة من الجناة، لا يستقاد، لا يقام القود في المساجد لما عرفنا، نعم.

"وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: أصيب سعد يوم الخندق فضرب عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيمة في المسجد ليعوده من قريب" متفق عليه".

"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: أصيب سعد" بن معاذ، سيد الأنصار، أصيب "يوم الخندق" بسهم في أكحله "فضرب له النبي -عليه الصلاة والسلام- خيمة في المسجد ليعوده من قريب" لأنه أصيب في سبيل الله، فإذا كانت عيادة المريض مشروعة بل قيل بوجوبها فلأن يعاد من كانت شكواه بسبب الدين، ورفع راية الدين، ونصر الدين تعين حقه، إذا كانت زيارة المريض مشروعة من جهة واحدة فمثل هذا شرعيته من جهات، فأصيب سعد بن معاذ يوم الخندق في السنة الخامسة من الهجرة فمات بعدها بشهر من إصابته، فضرب عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- ضرب له أو ضرب عليه -عليه الصلاة والسلام- خيمة في المسجد، فدل هذا على جواز مثل هذا الفعل ضرب الخيام عند الحاجة للمريض وللمعتكف إذا لم يكن هذا العمل عائقاً دون تحقيق الهدف الأصلي من إقامة المسجد، لكن لو وجد مجموعة من المرضى كلهم أصيب في سبيل الله، عشرة عشرين مريض، وأراد كل واحد يضرب خيمة، وما تركوا مجال لمزاولة المسجد ما أنيط به من أعمال شرعية، الأصل موجود النبي -عليه الصلاة والسلام- ضرب الخيمة لسعد، هذا أصل شرعي لجواز مثل هذا العمل، لكن إذا عاق مثل هذا العمل دون تحقيق هدف المسجد ورسالة المسجد، فإنه إذا لم يمكن تقليل مثل هذا العمل الذي بحيث يوفى بين جميع الأمور المشروعة فالمصلحة العامة مقدمة على الخاصة، لو أراد جمع من النسوة كما فعل أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- الاعتكاف، وضربنا الأخبية، وضيقن على المصلين، قال: شيلوه، شيلوا أخبيتكم، إن ما يكفيكم خباء واحد أو اثنين بحيث لا تضيقون على المصلين وإلا..، هذا الأمر متعذر؛ لأن الهدف الأصلي من إقامة المسجد هو للرجال، لكن أصل هذا العمل مشروع ما فيه إشكال، فإذا تعارضت المصالح قدم أعلى هذه المصالح، وإذا وجدت المفاسد درئت أعلى المفاسد وهكذا، وهذا أمر مقرر في الشرع، قد يكون الأمر مشروع أو على أقل الأحوال في الشرع ما يدل على جوازه وإباحته، إذا وجد أذى للمصلين من الأطفال وكان الأطفال يُحضَرون إلى المسجد في عهده -عليه الصلاة والسلام-، ويسمع بكاء الصبي، لكن وجد من هذا الصبي أذى للناس ما يُمنع؟ وإن كان الأصل على..، أو الدليل على جواز دخوله المسجد قائم، شخص يدخل بصبيه الذي لا يميز ولا يعقل ويصف مع الناس -الأب- ويترك الولد يمزق المصاحف، ويمتهن كلام الله -عز وجل-، يترك مثل هذا بناءً على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يسمع صياح الصبي؟ يُمنع؛ لأنه إذا تزاحمت الأوامر والنواهي لا يمنع أن يمنع هذا درءاً لمفسدته، فيمنع المباح إذا ترتب على مفسدة، إذا اشتمل على مفسدة فيمنع من هذه الحيثية، وهكذا الأخبية والخيام إذا كثرت، كل واحد يبي يجيب مريضه في المسجد على شان إيش؟ يقول: والله على شان هؤلاء الصالحون إذا دخلوا للصلاة يدعون لهم وإلا ينفثون عليهم وإلا شيء لن يعدموا الخير، لكن ضيقوا على الناس يمنعون، والله المستعان، وإلا فالأصل أنه يجوز أن يضرب الخباء وللمريض، والمريض أيضاً الذي يخرج منه ما يخرج مما يلوث المسجد مع إزالته فوراً، وأيضاً يجوز النوم في المسجد، يجوز النوم في المسجد للذكر والأنثى على ما سيأتي مع أمن الفتنة، مع أمن الفتنة، نعم.

"وعنها قالت: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد" .. الحديث، متفق عليه".

"وعنها" يعني عن عائشة -رضي الله عنها- راوية الحديث السابق "قالت: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسترني" كيف رأت النبي -عليه الصلاة والسلام- يسترها؟ لو شخص آخر قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستر عائشة نعم، لكن رأيته يسترني، يعني جعل نفسه ساتراً بيني وبين هؤلاء الحبشة، صار سترة وستارة بينها وبين هؤلاء الحبشة الذين يلعبون في المسجد، وكان لعبهم بالحراب والدرق، لا يستدل بهذا من يستدل لصبيان الأحياء والحارات أن يلعبوا الكرة في المسجد، يقول: ما في أنسب من حوش المسجد، ولا سيارات ولا عليهم خطر، ولا..، الحبشة يلعبون في المسجد، يقول: هؤلاء صبيان ويش اللي يمنع؟ ذولاك حبشة وهؤلاء أهل البلد ليش ما يلعبون في المسجد؟ نقول: لا، يلعبون بالحراب والدرق للتمرن على الجهاد، يعني إذا وجد من يتعلم ويتمرن على الجهاد في المسجد نعم له أصل، أما عبث في المسجد ممنوع، المساجد لم تبن لهذا.

في رواية عند البخاري: "وكان يوم عيد" والعيد لا شك أنه يوم فرح وسرور، ويتجاوز فيه ما لا يتجاوز في غيره، وأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- بشيء من هذا ليعلم العدو أن في الدين فسحة، وليس في هذا أيضاً دليل أن يتنازل عن شيء مما يطلبه الدين مراعاةً لحال العدو، إنما يكون هذا في حدود المباح، في حدود المباح، أما أن يرتكب المحرم ويتنازل عن الواجب لنظهر للعدو أن عندنا شيء من قبول ما يمليه علينا أو شيء من التسامح والتساهل في أمر ديننا والتنازل من أجل إرضاء العدو لا، ديننا دين اليسر، إن الدين يسر، ((بعثت بالحنيفية السمحة)) ((لن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) المقصود أن هذه سمة الدين، لكنه أيضاً هو دين تكاليف، دين حلال وحرام، دين منع وإلزام، لكن هو في كل ذلك دين يسر وسهولة، لم يكلف الناس بألف ركعة في اليوم؛ لأنه دين سهولة، لكن لا يجعل الناس فلت، لا يأتمرون بأوامر ولا ينتهون عن نواهي، يستدل المستدل بأن الدين يسر أنه يفعل ما يشاء لا، أقول: هو دين تكاليف، والتكليف إلزام ما فيه كلفة، وحفت الجنة بالمكاره، لكن لا يعني هذا أنه يكلف الإنسان ما لا يطيق، ويحمله ما لا يستطيع ((صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)).. إلى آخر الحديث {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحـج] كل هذا موجود في الشريعة، لكن ليس بدين انفلات وتنصل عن التكاليف، فالدين فيه فسحة، والعيد فيه مزيد من هذه الفسحة في حدود المشروع على ألا يتعدى ذلك إلى ما حرمه الله -عز وجل-، وبقدر ما فيه من فرح هو أيضاً يوم شكر لله -عز وجل- على إتمام عبادة قبله، فعيد الفطر يوم شكر لله -عز وجل- على إتمام نعمة الصيام، ويوم عيد الأضحى يوم الحج الأكبر شكر على ما أنعم به فيما قبله من أيام هي أفضل أيام العام ((ما من أيام العمل فيها خير وأحب إلى الله من هذه الأيام العشر)) بما في ذلك المناسك، مناسك الحج وغيرها من العبادات لغير الحجاج.

المقصود أنه يوم شكر، يوم العيد يوم فرح صحيح، لكنه أيضاً يوم شكر، بمعنى أن الإنسان يكون معتدلاً في تصرفاته، لا يكون يوم عرفة منقبض صائم متضرع إلى ربه متذلل مخبت إلى الله -عز وجل-، يرجو نفحات الله -عز وجل- عشية عرفة ثم إذا جاء يوم العيد انفلت من كل قيد، لا، هو في يوم العيد عنده فسحة لا يجوز له أن يصوم، ومع ذلكم في حدود ما شرعه الله -عز وجل-.

فكون الحبشة هؤلاء يلعبون في المسجد في يوم عيد يظهرون هذا الفرح والسرور، يلعبون بالحراب والدرق إظهاراً لقوة الإسلام، وأن الإسلام دين جد وعمل.

على كل حال "يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة" فيجوز مثل هذا العمل في المسجد، ولا يستدل به على تجاوز المشروع في المسجد، ما يقال: إن المسجد مكان مناسب مهيأ للعبث واللعب إذا منع البيع والشراء وإنشاد الضالة وتناشد الأشعار وغير ذلك يمنع ما هو أعظم، مُنع إقامة الحدود، يمنع ما هو أشد من ذلك من باب أولى.

نظر عائشة -رضي الله عنها- إلى الحبشة هو نظر إجمالي ليس معناه أنها تنظر إليهم واحداً واحداً، وإلا فالمرأة مأمورة بغض البصر كالرجل، لكنها ليست مأمورة بتغميض العينين كالرجل فتنظر إلى الرجال من حيث الجملة كما في المساجد والأسواق وغير ذلك، فهي تنظر إلى هؤلاء في جملتهم، لا تحدد في شخص بعينه من بينهم، أو تحدد فيهم واحداً واحداً، المرأة مأمورة بغض البصر، وليس في هذا ما يدل على جواز نظر المرأة إلى الرجال واحداً واحداً، لكن النظر الإجمالي لا شيء فيه، فنظر المرأة إلى جملة الناس من دون تفصيل لأفرادهم كما تنظر إذا خرجت لأمر مباح كالمسجد مثلاً، وعند ملاقاة الرجال في الطرقات، ماذا نقول للمرأة إذا كانت سائرة في طريق؟ نعم لا تعرض نفسها للرجال بحيث تكون سبباً لفتنتهم، ولا تنظر إليهم نظر دقيق لكل شخص شخص، لكن ما يمنع أنها تنظر إلى المجموع، والنظر إلى المجموع يختلف عن النظر إلى الأفراد، نعم.

"وعنها -رضي الله تعالى عنها-: "أن وليدة سوداء كان لها خباء في المسجد فكانت تأتيني فتحدث عندي" .. الحديث، متفق عليه".

"وعنها" أي عائشة -رضي الله تعالى عنها-: "أن وليدة" والوليدة: الأمة "سوداء" وليدة سوداء، أخطأت عائشة حينما قالت: سوداء؟ أبو ذر لما قال لغلامه: يا ابن السوداء أو لمن حصل معه من خلاف حتى قال بعضهم أنه بلال أو غيره قال: يا ابن السوداء، عيره بأمه، قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنك امرئ فيك جاهلية)) فهل عائشة لما قالت: أمة سوداء فيها جاهلية؟ أو لأن هذا مجرد وصف؟ هذا مجرد وصف، مجرد وصف لا يقصد منه الشين والعيب، ولذا الألقاب جاء النهي عن التنابز بالألقاب، لكن أهل العلم يقررون بل يزاولون ذكر الألقاب إذا كانت لمجرد التعريف لا للتنقص، جاء الأعرج والأعمى والأصم، نعم والأعور جاء، يعني مجرد أوصاف كاشفة ولا يقصد منها عيب الإنسان ولا شينه، ولذا قالت عائشة: "كانت وليدة سوداء"، "أن وليدة سوداء كان لها خباء في المسجد" والخباء: هو الخيمة إذا كانت من شعر خباء، "فكانت تأتيني فتحدث عندي" يعني تتحدث هذا الأصل، ثم تحذف التاء تخفيفاً، وهذا كثيراً مطرد، "فتحدث عندي".. الحديث، متفق عليه".

المقصود أن لها خباء في المسجد، سعد ضرب له خيمة في المسجد، وهو رجل يبيت في المسجد، ينام في المسجد، امرأة هذه أمة سوداء لها خباء في المسجد تبيت فيه في الليل والنهار مع أمن الفتنة لا بأس، فالمقام في المسجد..، المبيت في المسجد لا بأس به، مثل ما ذكرنا سابقاً إذا خيف الفتنة منعت من البيتوتة في المسجد، ولو كان له أصل شرعي، إذا خيف من الرجل الذي يبيت في المسجد، خيف على المسجد أو ممتلكات المسجد، أو جيران المسجد من هذا الشخص يخرج من المسجد، هذه المرأة، المرأة السوداء الوليدة قصتها كما في البخاري: وليدة سوداء كانت لحي من أحياء العرب، فكانت معهم أعتقوها فجلست عندهم، كثير من الأرقاء إذا تم عتقه يجلس عند أسياده، عند سيده وأولاده؛ لأنه قد يضعف عن الاكتساب، فإذا تركهم ضاع احتاج إلى غيرهم، لا سيما إذا كانت معاملتهم له قبل العتق حسنة، وظروفهم طيبة يجلس عندهم، هذه جلست عند أهلها بعد أن أعتقوها، فكانت معهم فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور من جلد، وشاح، قالت: فوضته أو وقع منها، فوضت الوشاح أو وقع منها، فجاءت الحدية -الحدأة- فظنته لحماً فاختطفته وطارت به، افتقدوا هذا الوشاح، يعني جرت العادة أن المفقود وين يروح؟ المأخوذ لا بد له من آخذ، المضروب لا بد له من ضارب، فلا بد لأمر ما حصل لهذا الوشاح أين يذهب؟ هل يتهمون أولادهم وبناتهم؟ نعم، يعني عندهم من وجهة نظرهم، وجهة نظر الناس عموماً من أول من يتهم بهذا هذه الوليدة، والاتهام شأنه عظيم يا الإخوان إذا لم يقم عليه الدليل، الآن إذا سرق في البيت رأساً من يتهم؟ الخادمة، وأنت ما عندك دليل ولا برهان على أن هذه الخادمة لها سوابق أو دلت القرائن على أنها..، هذا حرام، اتهموها، وهذه التهم لها أضرارها ومفاسدها، هي حرام، ويترتب عليها آثار، كم من بيت حلت به المصائب والكوارث بسبب هذه الاتهامات، تتهم الخادمة وهي بريئة، ومن أثقل الأمور أن يتهم البريء، من أشنع الأمور أن يتهم البريء، تكون ثقيلة على نفسه إذا لم يكن أهل لذلك، لكن لو كان هناك سوابق سرق قبل هذا ثم اتهم وهو بريء، يعني الأمر أخف، أنت لديك..، عندك قرينة من سابقة، وهو أيضاً موطن نفسه على هذا الطرف الآخر.

ما رأيكم في شخص شاب صغير اتجه إلى حفظ القرآن فحفظ البقرة وآل عمران، ثم لما جاءت الجوائز والجوائز كلها من عشرة ريالات، فقد واحدة فاتهم شخص بها، وهو من أبعد الناس عنها، وترك الحلقة، بعيد كل البعد عن هذه التهمة، ترك حفظ القرآن من أجل هذه التهم، وهذا الكلام قبل سنين، فالاتهام أمره عظيم، فهذه التهمة أعظم من الغيبة، هذا هو البهت، هذا بهت الإنسان، وهو من أشق الأمور عليه، نعم بالمقابل يعني هذا بالنسبة للمتهم أما المتهم فمن قبله أيضاً أن يسعى لبراءة نفسه بقدر استطاعته، ويجزم بأن هذه بلوى من الله -عز وجل-، ومحنة واختبار هل يصبر ويتابع في قصة صاحبنا الحفظ ويستمر؟ أو ينقطع من أجل هذا فيحرم وهو المباشر لهذا الحرمان وإن كان المتهم متسبب؟ فمثل هذه المسائل ينظر إليها من زاويتين: المتهِم له حكم، والمتهَم عليه أن يصبر كغيره ممن ابتلي.

ولا أعظم في الاتهام على مر تاريخ الأمة من اتهام عائشة -رضي الله عنها- صبرت واحتسبت ثم نزلت براءتها من السماء، وكثير من الناس من الشباب والشابات قد يتهم، وقد يسجل عليه كلام، وقد يصور بتصوير وهو بريء مما ألصق به، فيكون هذا وسيلة ضغط عليه ليستجر لأمور، لكن عليه أن يصبر ويحتسب ويصدق اللجأ إلى الله -عز وجل- وسوف تظهر براءته، وإياه إياه أن يستجيب للضغوط، فيقع في أسوأ من هذه التهم، يعني بدلاً من أن تكون التهمة نظرية تكون حقيقية، كثير من القضايا الآن فيها تصوير، يتعرض بعض الشباب وبعض..؛ لأن الآن تفنن أهل الإجرام في جرائمهم، والتصوير أمره سهل، آلات مصحوبة صغيرة يصور الإنسان وهو لا يشعر، يصور وجهه ويدبلج على وجهه جسداً آخر ويعرض معرضاً قبيح، وهو من أبعد الناس مما اتهم به، من أجل أن يضغط عليه، نقول: وصيتنا: إياك إياك أن تستجيب، مهما كانت الضغوط، مهما كانت أنواع..، أو هددت به من فضائح، نقول: الله -سبحانه وتعالى- إذا علم صدقك، هو امتحان بلا شك، يكون امتحان تكفير لخطيئة وقعت فيها، أو رفع لدرجة، أنت على كل حال كسبان، لا تتمنى أن يقع لك مثل هذا وبادر إلى التخلص منه بالوسائل المتاحة، لكن أيضاً قد يكون من المصلحة أن يبتلى الإنسان، وقد ابتلي الأنبياء وقذفت زوجة نبي، أفضل الأنبياء وأفضل النساء ((فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)) ومع ذلكم نزلت براءتها من السماء، كان هذا من مناقبها، نقول: إن الاتهام أمره خطير، هذا بالنسبة للمتهِم، أما المتهَم عليه أن يبذل الأسباب إذا كان صادق في براءته، أما إذا لم يكن صادق في براءته ووقعت التهمة موقعها عليه أن يتبرأ مما اتهم به.

"فمرت حدياة وهو ملقى –الوشاح- فحسبته لحماً فخطفته، قالت: فالتمسوه فلم يجدوه فاتهموني به، فجعلوا يفتشوني حتى فتشوا قبلها، يبحثون، نعم أهل الشر الذين يسرقون بعض الأشياء يضعونه في مثل هذه الأماكن، وهذه الأماكن مظنة لأن يوضع فيها شيء مسروق، حتى فتشوا قبلها، قالت: والله إني لقائمة معهم إذ مرت الحدياة فألقته فيما بينهم، فقلت: هذا الذي اتهمتموني به، وأنا بريئة منه، وها هو ذا، لكن بعد هذ الاتهام وبعد هذا التفتيش هل تطيق البقاء معهم والمكث عندهم؟ ما تطيق، فجاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت قالت عائشة: "فكان لها خباء في المسجد أو حفش فكانت تأتيني فتحدث عندي، قالت: فلا تجلس إلا قالت:

ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا

 

 

 

ألا إنه من دارة الكفر نجاني
ج

يعني هذا سبب إسلامي، صارت هذه المحنة خير، خير عظيم لها في الدنيا والآخرة، أسلمت، وانتقلت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، شوف ما أورثت هذه المحنة؟ أورثت منحة من أعظم المنح الإلهية، صحيح أن الإنسان لا يتمنى مثل هذه الأمور، لكن إذا وقعت يصبر ويحتسب ويجزم بالثواب والأجر المرتب على هذه المحنة، قالت عائشة: قلت لها: ما شأنك لا تقعدين إلا قلت هذا؟ فحدثتني بهذا الحديث.

فالحديث دليل على إباحة مقام المرأة في المسجد، ومبيتها في المسجد، شريطة أن تؤمن الفتنة، عند أمن الفتنة، والفتنة كما تكون من المرأة تكون أيضاً من الرجل، فإذا خشيت الفتنة من أي..، لو شاب أراد أن يضرب خباء في المسجد فخيف عليه يُمنع، لكن مع أمن الفتنة ويش المانع؟

الحديث الذي يليه:

"وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)) متفق عليه".

تقدم ما يتعلق بالبصاق، وأنه محرم في المسجد، وأن من احتاج إلى ذلك وهو في صلاته..، في المسجد المنع مطلقاً، لا أمامه ولا عن يمنيه ولا عن شماله، ولا تحت قدمه، حملاً للحديث على عمومه، على ما تقدم في ما قال النووي، وفي الصلاة يبصق عن يمينه تحت قدمه خارج المسجد، هنا، قال: ((البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)) فدل على أن البصاق خطيئة، فهو ممنوع مطلقاً لا عن يمينه و لا عن شماله ولا تحت قدمه، فضلاً عن جهة القبلة، هذه الخطيئة إذا وقعت كفارتها دفنها؛ لأن المساجد كانت أرضها من تراب، ورمل، يفيد فيها الدفن، لكن من أراد أن يبصق يفتح يرفع طرف الفرشة ويبصق في المساجد المفروشة هل نقول: كفارتها دفنها؟ نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:......

لا يبصق أصلاً، لا يبصق أصلاً في مثل هذا، فإما أن يصطحب المناديل أو في ثوبه ويفرك طرفه في الآخر على ما تقدم، فالبصاق في المسجد خطيئة، لكن لها كفارة على ما تقدم.

منهم من يقول: إن المراد بدفنها نقلها عن المسجد، والجامع بين النقل والدفن إخفاؤها عن النظر؛ لأنها مؤذية، منظرها مؤذي، فإذا نقلت عن المسجد هذه كفارتها؛ لأن هذه الخطيئة لكنه قول صريح الحديث يرده، فإذا دفنت ولو في المسجد كفرت هذه الخطيئة، وعلى الإنسان ألا يرتكب الخطيئة أصلاً، ما يرتكب خطيئة ليكفرها، ما يقصد إلى يمين فيحلف ثم يقول: أنا بحلف على هذه اليمين ويقدم عليها ويعرف أنه سوف يحنث ثم يكفر، نقول: لا، لا تحلف لتكفر، لكن إن حلفت على شيء فلم تفعله كفر عن يمينك، والتكفير يدل على أنك ارتكبت ما يقتضيه من محظور كما هنا.

جاء عن أبي عبيدة بن الجراح أحد العشرة المشهود لهم بالجنة كما في سنن سعيد بن منصور، ومصنف بن أبي شيبة وعبد الرزاق أنه تنخم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها، نسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله، فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها، بحث عنها، والبحث عن مثل هذه في الظلام يصعب، طلبها حتى وجدها، يعني تعب في طلبها، حتى دفنها، وقال: الحمد لله حيث لم تكتب علي خطيئة الليلة، يعني هي كتبت خطيئة لكنها محيت بالدفن، بالكفارة، نعم.

"وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد)) أخرجه الخمسة إلا الترمذي, وصححه ابن خزيمة".

وعن ابن عباس..

"وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أمرت بتشييد المساجد)) أخرجه أبو داود, وصححه ابن حبان".

نعم، الحديث حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى يتباهى -يتفاخر- الناس في المساجد)) وقد حصل ما أخبر به النبي -عليه الصلاة والسلام- بلسان الحال كثيراً، وقد وقع منه ما وقع بلسان المقال حتى قال بعضهم: مسجدنا أكبر من مسجدكم، ومسجدنا أجمل من مسجدكم وإلى آخر الكلام، يتباهون.

أما بلسان الحال فحدث ولا حرج، كل إنسان يعمر مسجد ويبالغ في تزويقه وزخرفته؛ ليكون..؛ ليحتل المركز الأول في البلد ولو في نفسه، ليقال: فلان عمر أكبر مسجد أو أجمل مسجد أو..، نقول: هذا من أمارات وعلامات الساعة وقد حصل، وهذه قرائن وإن كانت النوايا لا يطلع عليها إلا الله -عز وجل-، لكن هذا السرف وهذا البذخ يدل دلالة على أن النيات مدخولة، وإذا كان أهل العلم يقررون أن من بنى مسجداً وكتب عليه اسمه هذا مسجد فلان بن فلان، يقولون: هذا حظه من الأجر، نسأل الله العافية، ذكروا هذا، الأصل أن يبني لله، وأن يخفي عمله هذا الأصل، والأمور بمقاصدها، يعني لو جاء شخص وبنى مسجد، نعم وأراد من إظهاره أن يقتدي به غيره؛ لأن الناس مجبولون على هذا، الناس مجبولون على تقليد بعضهم بعضاً، والغيرة من بعضهم على بعض، وقد يدخل هذا في المسابقة المأمور بها، والمسارعة التي جاء الحث عليها، المنافسة {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [(26) سورة المطففين] المقصود أن مثل هذا إذا كان إظهاره لقصد أن يقتدى به له حكم، وإن كان إظهاره ليقال: إن فلان بنى مسجد، إن فلان فعل كذا، إن فلان..، فليس له إلا ما قد قيل، والله المستعان.

((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس)) بأن يقول الواحد: مسجدي أحسن من مسجدك، مسجدي أكبر من مسجدك، أنا عمرت المسجد على هذه البقعة التي موقعها استراتيجي، وضحيت بالمصالح الدنيوية، ولو جعلته محلات تجارية لحصل كذا، هذا في الغالب الإخلاص عنده ضعيف، فالتباهي هنا معناه تفاعل، بأن يحصل بين طرفين أو أكثر بأن يقول أحدهم كذا، وأحدهم يقول كذا، وقد يحصل التفاعل من طرف آخر، المفاعلة قد تكون من طرف واحد، وهذا الذم يتجه لمن عمر المسجد أو صارت له يد في المسجد، أو يرجو ثواب هذا المسجد، لكن لو أهل الحي ما لهم علاقة بعمارة المسجد، عمر المسجد واحد من المحسنين مع أهل حي واحد قالوا: مسجدنا أكبر من مسجدكم هذا له علاقة بالاخلاص؟ لأن للمقول له أن يقول: مسجدكم أنتم اللي عمرتوه؟ ما فعلتوا شيء حتى جاء فلان أو علان تصدق...

المقصود أنه يتباهى من يرجو ثواب هذا المسجد، المقصود أن مثل هذا يقدح في الإخلاص، وكلام أهل العلم في الإخلاص ودقته وما يقدح فيه من أقوال وأفعال دقيق جداً من أراد أن يطلع على شيء من ذلك فعليه بما يكتبه ابن القيم في هذه الأبواب، وأيضاً هذه البحوث أعني أعمال القلوب موجودة في كتب ابن القيم، كتب ابن رجب -رحمه الله تعالى-، وفي الإحياء -إحياء علوم الدين- ومختصراته، على ما فيه من ملاحظات، لكنه بحث في هذه الأمور بحوث طيبة يستفاد منها، على ما عنده من مخالفات، فالحديث علم من أعلام النبوة حيث وقع ما ذكره النبي -عليه الصلاة والسلام-.

أما حديث "ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أمرت بتشييد المساجد)) أخرجه أبو داود, وصححه ابن حبان" وعلقه البخاري موقوفاً على ابن عباس مجزوماً به، المقصود أن الحديث صحيح ((ما أمرت بتشييد المساجد)) المعنى العرفي للتشييد هو رفع البناء، المعنى العرفي الناس يقولون: شيد بناء يعني رفعه، لكن المقصود تزيينه بالشيد وهو الجص، وفي حكمه الألوان التي تستعمل في البنايات سواءً كانت المساجد وغير المساجد، فما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بتشييد المساجد لا برفعها، وقد كان مسجده -عليه الصلاة والسلام- باللبن والطين والجريد، وأعمدته من جذوع النخل، وارتفاعه تمسه اليد، هذا المسجد، يكن من الحر والقر، أما أن يجعل المسجد متحف كما هو واقع بعض مساجد المسلمين فهذا مما لم يؤمر به النبي -عليه الصلاة والسلام-، والحديث ظاهر في المنع من التشييد والرفع والزخرفة، ابن عباس يقول: "لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى" وله حكم الرفع، وقد حصل، والسبب في ذلك أنها تشغل المصلي، تشغل المصلي، وتأخذ بلبه وقلبه وعقله عما هو بصدده من إقبال على ربه -عز وجل-.

مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- كان على عهده مبني باللبن وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، لم يزد فيه، أبو بكر -رضي الله عنه- ما زاد فيه شيئاً، زاد فيه عمر وبناه بنفس المواد التي بني به في عهده -عليه الصلاة والسلام-، عثمان -رضي الله عنه- وسع المسجد، لكنه أدخل عليه بعض التحسينات التي يقول أهل العلم: إنها لا تدخل في حيز المنهي عنه، لما كانت أمور المسلمين ماشية على هذه الوتيرة من بساطة في أمور الدنيا؛ لأنها ممر ومعبر إلى الآخرة كانت أمورهم متيسرة، المسجد يمكن أن يقام في أسبوع بدلاً من أن ينتظر الناس يصلون في مسجد مؤقت لمدة سنة أو سنتين، البيت يقف المسلم عند باب المسجد ويطلب الإعانة لبنة وطين وينتهي، ما يبي شي، أقل من أسبوع، ابن عمر بنى بيته بنفسه، هو الذي بناه، هنا يحتاج المسلم ليسكن مسكن متوسط في عرف الناس أن يموت وهو مدين بسببه، هذه مشكلة إذا نظرنا إلى الدنيا ومتاع الدنيا إلى أنه هو الهدف، نعم على الإنسان أن يسعى فيما يعينه على أمور الآخرة، ومما يعينه على أمور الآخرة البيت المريح، لكن ليس معنى هذا أن يرهن ذمته، ويأخذ أموال الناس من أجل أن يشيد بها مسكن فوق حاجته، نعم.

"وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد)) رواه أبو داود والترمذي واستغربه, وصححه ابن خزيمة".

أنس -رضي الله عنه- يقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد))" لا شك أن تنظيف المسجد دلت أحاديث البصاق وما في معناها دل مفهومها على أن التنظيف لما كان التلويث خطيئة التنظيف حسنة، وأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ببناء المساجد في الدور، وأمر أن تنظف وتطيب، فتنظيفها مطلوب، لكن حديث الباب ضعيف، ضعيف، فالقذاة تطلق على أدنى شيء يلوث المسجد حتى قال أهل العلم أن المعتكف إذا أراد أن يقلم أظافره فليخرج من المسجد؛ لئلا يسقط من أظافره شيء يقع في المسجد وهو لا يشعر به، فالمسجد هو بيت الله، ينبغي أن يعمل فيه ما يناسب وضعه باعتباره بيت الله من التقدير والاحترام على ما تقدم في أحاديث كثيرة، وتقدم لنا أنه ما دام تلويث المسجد بالأمور الطاهرة خطيئة فضلاً عن الأمور المحرمة فتنظيفه من هذه الأمور لا شك أنه قربة وطاعة وعليه الأجر العظيم، وجاء في الخبر أن تنظيف المساجد مهور الحور العين، جاء فيه وإن كان فيه ما فيه، وحديث الباب ضعيف، نعم.

"وعن أبي قتادة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) متفق عليه".

نعم ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) هذه تحية المسجد، تحية المسجد، وجماهير أهل العلم على أن التحية سنة، وقال أهل الظاهر بوجوبها، ذكر أهل العلم من الصوارف حديث الثلاثة الذين دخلوا والنبي -عليه الصلاة والسلام- يعظ أصحابه، وحديث: ((من دخل والإمام يخطب)) المقصود أن أهل العلم صرفوا مثل هذا من الوجوب إلى الاستحباب، وعامة أهل العلم على أن ركعتي تحية المسجد سنة، وهي مربوطة بسبب وهو دخول المسجد، سببها دخول المسجد.

الرجل الذي دخل وتخطى الرقاب يوم الجمعة قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اجلس فقد آذيت)) فلم يأمره بصلاتهما، والاحتمال قائم أنه صلاهما في آخر المسجد، ورآه النبي -عليه الصلاة والسلام- يصليهما ثم قام وتخطى رقاب الناس، ولذا دخل أبو ذر المسجد فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ركعت ركعتين؟)) قال: لا، قال: ((قم فاركعهما)) المقصود أن هذه الصلاة من آكد الصلوات تحية المسجد، في الأوقات المطلقة لا يختلفون في المشروعية في الأوقات المطلقة، أما في أوقات النهي فعندنا ما يسمى بذوات الأسباب كتحية المسجد، وركعتي الطواف وركعتي الوضوء وغير ذلك، وعندنا أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى طلوع الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وحديث عقبة: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" وبين هذه الأحاديث -أعني أحاديث ذوات الأسباب- والأمر بهذه الصلوات عند حصول أسبابها وبين النهي في هذه الأوقات، وكلام أهل العلم طويل، لكن خلاصته أن الحنفية والمالكية والحنابلة يرون أنه لا يصلى شيء من هذه الصلوات في هذه الأوقات، ويجعلون أحاديث ذوات الأسباب عامة وأحاديث النهي خاصة، والخاص مقدم على العام، يقابلهم الشافعية الذين يرون أن هذه الصلوات المربوطة بالأسباب تفعل في أوقات النهي، ويقولون: إن أحاديث النهي عامة وهذه الأحاديث الواردة في الصلوات ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات، أحاديث ذوات الأسباب خاصة بهذه الصلوات.

الطرف الآخر الأئمة الثلاثة يقولون: أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، وأحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات فما الذي يرجح؟

طالب:......

كيف؟

طالب:......

لماذا؟

طالب:......

نعم، أو لأن شيخ الإسلام قال به، وإذا قالت حذام فصدقوها، ونهدر أئمة أئمة الإسلام ثلاثة، مع أتباعهم اثنا عشر قرن أو ثلاثة عشر قرن؟ نعم؟

طالب:......

كيف؟

طالب:......

حديث إيش؟

طالب:......

نعم؟

طالب:......

طيب، كونه صلى راتبة الصبح بعد صلاة الصبح قضاءً ويش اللي يعمل؟ يعني هل له أن يصلي غير هاتين الركعتين؟ إحنا نقول: ما زلنا بصدد تقرير الاستدلال من هذه الأحاديث لهؤلاء الأئمة، يعني إذا قال من يقول بأن ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي لأن أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، الخاص مقدم على العام، يقال له: سواءً بسواء، أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، إذا دخلت المسجد صلِ ركعتين في أي وقت من الأوقات، لكن هذه الأوقات المنصوص عليها خاصة، لا تصلي في هذه الأوقات، يعني القولان كفرسي رهان بالنسبة للأدلة، والصواب أنه ليس العموم والخصوص بين هذه النصوص مطلق، هو عموم وخصوص وجهي، عموم وخصوص وجهي، فأحاديث النهي عامة من وجه عامة في جميع الصلوات خاصة بالأوقات، عامة في جميع الصلوات خاصة بالأوقات والعكس أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات خاصة في هذه الصلوات، إذا وجد عندنا التعارض من هذا النوع عموم وخصوص وجهي، وهذا أصعب أنواع العموم والخصوص، فنحتاج حينئذٍ إلى إيش؟ مرجح خارجي، نحتاج إلى مرجح خارجي، نحتاج إلى مرجح خارجي، ما المرجح الخارجي؟ عندنا من باب التنظير وإن كان الوقت ضاق، وإن أردتم أن نبدأ بالمسألة في بداية الدرس القادم لتكون أنشط شوي فلا بأس، نعم؟

طالب:.......

 

والوقت معنا الآن، خليها في البداية بدل الإجابة على الأسئلة؛ لأن المسألة في غاية الأهمية، وإن كنا تعرضنا لها في دروس كثيرة منها في هذه الدورات، لكن لا يمنع من إعادتها...