شرح منسك الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (02)

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف- رحمنا الله وإياه-: "فصل: اعلم أن آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلوات الخمس؛ لحديث ابن عمر وغيره «بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة» يعني بعد الشهادتين إقام الصلاة يقول: "اعلم أن آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلوات الخمس" ينبه الحاج الذي قطع المفاوز وتجشم المشاق أن يهتم بما افترض الله عليه مُقدمًا الأهم، فلا يتعب نفسه، ويكلف نفسه المشقة والتعب والخسائر ومفارقة الأهل والبلد، ثم بعد ذلك يرجع عليه لا له، بأن يضيع الصلوات أو يتكاسل عنها، فتكون خسارته أكثر من ربحه، "وأن أول ما يحاسب به العبد صلاته.. أول ما يحاسب به العبد صلاته" يعني إن صلحت وقبلت قبلت سائر أعماله، وإلا فلا، وهذا بالنسبة لحقوق الله- جل وعلا-، وأما بالنسبة لحقوق العباد فأول ما يقضى فيه الدماء، بالنسبة لحقوق العباد أول ما يقضى فيه الدماء، وبالنسبة لحقوق الله تعالى أول ما يحاسب به العبد صلاته.

يقول: "فمن حج من غير إقام الصلاة لا سيما إن كان حجه تطوعًا كان بمنزلة من سعى في ربح درهم وضيع رأس ماله وهو ألوف كثيرة"

قد يحج تطوعًا وهو عاق لوالديه مثل هذا ينطبق عليه المثل الذي ذكره الشيخ، وهذا يذكرنا بقصة الحاج من بغداد على قدميه ماشيًا ثلاث مرات يحج من بغداد ماشيًا ثلاث مرات، وبعد أن عاد من الحجة الثالثة، ووصل إلى بيته، دخل البيت فوجد أمه نائمة فاضطجع بجوارها فأحست به وشعرت به فقالت: يا فلان اسقني ماءً، ما رد عليها، كأنه ما سمعها، والماء قريب في ناحية البيت، والبيوت في السابق إلى وقت قريب محصورة الآن بيوت قائمة مساحتها خمسون مترًا وستون مترًا وما بلغ المائة يعني أربعمائة ذراع، مئة متر هذا قصر في عرفهم، فما أجابها، ثم نامت قليلاً فانتبهت فقالت: يا فلان اسقني ماءً، فكأنه لم يسمع وهو يسمع، فلما فعل ذلك في الثالثة قام فسقاها الماء، الآن يذهب إلى مكة ثلاث مرات ألوف الأميال على رجليه ذهابًا وإيابًا في حج تطوع، والماء وهو بضعة أذرع من ثلاثة أذرع أو أربعة أو خمسة تثقل عليه إجابة أمه، فراجع نفسه، فلما أصبح ذهب ليسأل فسأل شخصًا من أهل العلم فقال له: أعد حجة الإسلام، لماذا يعيد حجة الإسلام؟ لا شك أن ما حصل فيه دلالة على عدم الإخلاص في عمله؛ لأنه لو كان مخلصًا في عمله ما فعل ما فعل مع المشقة الشديدة في تطوع وترك الواجب، بل أوجب الواجبات بعد حقوق الله- جل وعلا- حق الأم، فقال له: أعد حجة الإسلام، لو سأل غير هذا الذي همه صلاح القلب والنية، لو سأل فقيهًا من فقهاء الظاهر على ما قالوا هم الظاهرية يعني الأعمال الظاهرة فالعمل مشتمل على الشروط والواجبات والأركان، الحج صحيح يعني أنه مسقط للطلب بمعنى أنه لا يطالب به مرة ثانية، لكن شرط القبول الذي هو الإخلاص القرائن القوية تدل على أنه غير متوفر.

يقول الشيخ: "في من حج تطوعًا من غير إقام الصلاة كان بمنزلة من سعى في ربح درهم وضيَّع رأس ماله، وهو ألوف كثيرة" فمن أهم ما على المسلم المحافظة على الصلوات في أوقاتها، ولو بالجمع بين الصلاتين المجموعتين في وقت إحداهما؛ لأن الوقت وقت للصلاتين، فلا يقال إنه ضيع الصلاة ولا صلاها في وقتها؛ لأن السبب والعذر الشرعي قائم يسوغ له ذلك ولو بالجمع بين الصلاتين المجموعتين في وقت إحداهما، فإنه لا يرخص لأحد أن يصلي صلاة الليل في النهار ولا صلاة النهار في الليل، لكن إذا قام السبب المبيح للجمع والقصر وسائر الرخص ساغ له أن يجمع صلاة الظهر مع العصر تقديمًا أو تأخيرًا، وكذلك المغرب مع العشاء تقديمًا أو تأخيرًا.

"فإنه لا يرخص لأحد أن يصلي صلاة الليل في النهار ولا صلاة النهار في الليل، وأن يصلي على ظهر دابته الصلاة المكتوبة" يعني ثبت عنه –عليه الصلاة والسلام- أنه يصلي صلاة الليل ويوتر على الدابة، وفي الحديث نفسه أنه كان لا يفعل ذلك في المكتوبة، "ولا يصلي على ظهر دابته الصلاة المكتوبة، ولا من خاف الانقطاع عن رفقته فإنه يصلي على الأرض إلى جهة القبلة ولو خاف الانقطاع" هذا رأي المؤلف "أو نحو ذلك، فمن خاف على نفسه ونحو ذلك ممن خاف على نفسه، فأما المريض ومن كان في ماءٍ وطين ففي صلاته على الراحلة اختلاف مشهور للعلماء، ومذهب أحمد- رحمه الله- أنها لا تصح على الراحلة الواقفة أو السائرة لمتأذٍّ بمطرٍ أو وحلٍّ أو ثلجٍ أو برد".

هذا ما اختاره المؤلف، وهو رواية في المذهب، والذي في المقنع لابن قدامة يقول: تجوز صلاة الفرض على الراحلة؛ خشية التأذي بالوحل وكذا بالمطر هذا المذهب، هذا هو المذهب أنه تجوز؛ لأنه إذا جاز الجمع بسبب المطر فالصلاة على الراحلة بسبب المطر والوحل تجوز؛ لأن المطر قد لا يعوق عن السير ومع ذلك يجمع بين الصلاتين، والتوقيت شرط لصحة الصلاة والصلاة على الأرض مع الركوع والسجود لا شك أن الركوع والسجود أركان والصلاة في وقتها شرط، وسقط الشرط حينئذٍ من أجل المطر، ومثله يسقط الركن بسبب التأذي بالمطر والوحل، وقال في المقنع: هذا هو المذهب، قال في المقنع: وتجوز عندنا صلاة الفرض على الراحلة؛ خشية التأذي بالوحل وكذا بالمطر هذا المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وقطع به كثير منهم، وعنه- يعني عن الإمام أحمد- الرواية الأخرى التي اختارها المؤلف: لا تصح، وعنه لا تصح يعني كما رجح المؤلف، "النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على الراحلة؛ لأن السماء من فوقهم والبِلَّةَ من أسفل منهم يعني الوحل، فصلى على الراحلة" رواه الإمام أحمد والترمذي من حديث يعلى بن أمية، الرواية الثانية التي تقول: لا تصح، استدلوا بحديث أن النبي –عليه الصلاة والسلام- في ليلة إحدى وعشرين صلى في ماءٍ وطين، صلى في ماءٍ وطين، كما في الصحيحين صلى في ماءٍ وطين، لكن في مسجده في ماءٍ.. السقف يكف من الماء، وأثره في الأرض مثل أثر المكان المكشوف من الماء والوحل والذي يؤثر على البدن كله، نعم النبي –عليه الصلاة والسلام- وجد أثر الماء على جبهته وأنفه، يعني كأنه شيء يسير أيضًا هذا في المسجد المسقوف، هل نقول: تأتي برواحل نصلي عليها في المسجد؟ نصلي على الراحلة في المسجد؟ فالدليل غير مطابق بخلاف حديث يعلى بن أمية المخرج في المسند والترمذي، وصححه الترمذي أنه في يومٍ مطير السماء من فوقهم والبلة من تحتهم، فصلى على الراحلة.

 المقصود أن هذا هو الصحيح لا سيما أن الوحل يعوق من إكمال الصلاة بركوعها وسجودها وخشوعها وحضور القلب فيها فلا مانع من أن يصلي على الراحلة والرخص جاء منها على أقل من ذلك كما قالوا في الجمع بين الصلاتين، وعلى هذا ما ذكره من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنها لا تصح على الراحلة الواقفة أو السائرة لمتأذٍّ بمطر أو وحلٍ أو ثلجٍ أو برد خلاف ما رجحه ابن قدامه ورأى أنه هو المذهب.

"وأما صلاة النافلة فإنها تصح من المسافر على الراحلة ولو لم يتأذَّ بمطر أو نحوه" لأنها نفل، والنوافل مبناها على التخفيف، وقد كان النبي –عليه الصلاة والسلام- يصلي من الليل على الراحلة، ويوتر عليها، ولا يفعل ذلك في الفريضة، يبقى صلاة النافلة على الراحلة في الحضر، تعرفون الآن السيارات وازدحام السيارات، وقد يمكث الإنسان الوقت الطويل ومن عادته أن يصلي من النوافل ويكثر منها، فإن أخرها إلى أن يصل فات وقتها، فهل يصلي النافلة على الراحلة؟ ما أثر عن النبي –عليه الصلاة والسلام- أنه صلى النافلة في الحضر، وإنما يصليها في السفر، لكن الداعي لذلك في وقتنا أقوى من الداعي في وقتهم، إذ إن المسافات عندهم قصيرة، ولا زحام ولا شيء، الآن في رحلة واحدة في المدن الكبرى تمكث ساعتين وثلاثًا ويمر بك أوقات صلوات مؤكدة قد يفوت وقتها، فرخص بعضهم في ذلك، وقد روي عن أنس –رضي الله عنه-.

"وقد كان السلف يواظبون في الحج على نوافل الصلاة على نوافل الصلاة" معلوم أن المسافر كالمريض يكتب له ما كان يعمله صحيحًا مقيمًا، ورجح كثير من أهل العلم عدم صلاة الرواتب في السفر؛ لأنها تكتب له، وما أثر عنه –عليه الصلاة والسلام- صلى الرواتب في السفر، بخلاف الرواتب المطلقة، ويذكر عن ابن عمر –رضي الله عنه- يقول: "لو كنت مسبحًا لأتممت" يعني لو كنت متنفلاً لأتممت الصلاة، والمسألة خلافية فمن أهل العلم من يقول يصلي الرواتب ويحرص عليها في السفر والحضر، لكن المشقة تجلب التيسير إذا كان في سفره يشق عليه أداء هذه الرواتب تكتب له كما جاء في الحديث "وكان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يواظب على قيام الليل على راحلته في أسفاره كلها، ويوتر عليها، ولو كانت الراحلة مما لا يؤكل كالبغل والحمار ما لم يباشر ببدنه أو ثوبه الدابة النجسة" فالمذهب أن البغل والحمار نجسة؛ لكن يبقى أنها إذا وضع عليها حائل ولم يباشرها بثوبه أو بدنه صحت صلاته عليها، وعلى كل حال القول المرجح عند أهل العلم أن اليابس لا ينجس اليابس، ما دامت الدابة يابسة فلا تنجس.

 "وتصح إلى جهة سيره ولو ماشيًا ولو كان السفر قصيرًا" يعني ولو إلى غير القبلة يصلي على الدابة ولو إلى غير جهة القبلة على جهة سيره، "ولو كان السفر قصيرًا" لا يبلغ مسافة القصر، "ومتى عدل عن جهة سيره مع علمه أو مع العذر بطلت" لأن الأصل أن يصلي مستقبل القبلة الأصل أن يصلي مستقبل القبلة، استقبال القبلة شرط، لكن عفيَ عن هذا الشرط للمشقة، مشقة السير إلى جهة أو إلى غير جهة القبلة، "ومتى عدل عن جهة سيره" هو يسير إلى جهة القبلة إذا مال عنها يمينًا أو شمالاً دل على أنه غير محتاج إلى هذا السير سيره إلى جهة قصده، طيب، هو ماشٍ على دابته والسيارة في حكمها احتاج إلى بنزين إلى محطة بنزين عن يمينه أو عن شماله ماذا يصنع؟

 على كلامه أنه لا ينحرف لا يمينًا ولا شمالًا "ومتى عدل عن جهة سيره مع علمه أو مع العذر" كيف يكون مع العذر؟ أو لو مع عذر لو مع العذر في غير هذا؟ على كل حال نفترض أن هذا المسافر يتنفل على سيارته وهو ماشٍ من مكة إلى الرياض إلى غير جهة القبلة، فاحتاج محطة البنزين، البنزين انتهى، والمحطة لازم يلف يمينًا أو يسارًا على كلام المؤلف إن مال وحاد عن جهة سيره؛ لأن جهة سيره صار بمنزلة القبلة، فإذا انحرف عنها بطلت صلاته، قال: "ما لم يكن عدولاً إلى القبلة" هو يمشي إلى غير جهة القبلة، وصلاته صحيحة على الدابة، ثم احتاج إلى محطة بنزين إلى جهة القبلة هذا ما فيه إشكال، لكن إذا كان إلى جهة غير جهة القبلة وإلى غير جهة سيره يقول المؤلف: الصلاة حينئذ تبطل، والمسألة مادام أنه رخّص له أن يصلي إلى غير القبلة للحاجة، وحاجته إلى المحطة حاجة بلا شك، فيتجوز فيها كما تجوز في صلاته إلى غير جهة القبلة؛ لحاجته إلى السير عليها.

قال- رحمه الله- في الصحيحين "فصل في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أفضل الأعمال إيمانٌ بالله ورسوله وجهادٌ في سبيله ثم حج مبرور»" الإيمان لا شك أنه لا يصح عمل بدونه، وجهاد في سبيله ثم حج مبرور، وقد اختلفت أجوبته– صلى الله عليه وسلم- لما سئل عن أفضل الأعمال، وقد أفتى من سأله في أسئلة متعددة بأجوبة متعددة مختلفة، فمن أهل العلم من يقدر "مِن" أفضل الأعمال إيمان بالله وكذا وكذا، يقول: مِن أفضل الأعمال كذا وكذا ما ذكر؛ لأن الأجوبة مختلفة، فإذا قدر مِن انتفى الإشكال، ومنهم من يقول: إن النبي- عليه الصلاة والسلام- يلاحظ أحوال السائلين، فمثل من أجيب بهذا الجواب إيمان بالله هذا يجاب به كل أحد، هذا لا أفضل منه الإيمان بالله، ولا يصح عمل بدونه، لكن مثل هذا السائل كأنه فيه شجاعة وإقدام وقوة وصبر قال بعد الإيمان الجهاد في سبيل الله ثم بعد ذلك الحج المبرور، يأتي شخص ضعيف البنية عليه آثار النعمة والثراء يوجهه إلى الإنفاق في سبيل الله هذا أليق به، يذهب للجهاد فيقتل ما الفائدة؟ لأنه ضعيف، لكن عنده أموال يوجه إلى الإنفاق في سبيل الله، سائل يسأل فيقول: ما أفضل الأعمال؟ فالمجيب يتوسم فيه النباهة والذكاء يوجهه إلى العلم وطلب العلم، فكل يُجاب بحسبه، ولذلك جاءت أجوبته –عليه الصلاة والسلام- مختلفة.

"وثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، وفي معنى الحديث قوله -جل وعلا-: { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ }[سورة البقرة_203] فإذا حقق التقوى بفعل المأمورات وترك المحظورات، ولم يرفث ولم يفسق فإنه يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، خرج لا إثم عليه سواء خرج متعجلاً أو متأخرًا.

"وإنما يكون مبرورًا" يعني الحج المبرور "إنما يكون مبرورًا باجتماع أمرين، أحدهما بمعنى الإحسان إلى الناس، وكان ابن عمر يقول: «البر شيء هيّن، وجه طلق وكلام ليّن» هذا هين، لكن على من؟ على من يسره الله عليه، وإلا فتجده بالنسبة لبعض الناس من أصعب الأمور وأشقها، حسان بن أبي سنان، يقول: "ما أهون الورع، دع ما لا يريبك إلى ما لا يريبك" بالنسبة له هيّن، وصل إلى مرحلة لا تنازعه نفسه في اكتساب الأموال إلا من الحل، بعض الناس ما يستطيع أن يترك ما يريبه وما يشك فيه، في صراع نفسي وتغلبه نفسه إلى أن يتناول ما فيه شبهة وما فيه كراهة، وقد يتعدى ذلك إلى ما هو محرم، وقد يتخطى ذلك إلى المجمع على تحريمه، والإنسان على ما جبل نفسه وعوَّدها عليه، "ما أهون الورع، دع ما لا يريبك إلى ما لا يريبك".

 كل يتحدث على حسب منزلته ومقامه، يعني بعض الناس تقول له: "من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج كيوم ولدته أمه" يقول: الحج أربعة أيام، ما المانع أن الواحد يمسك لسانه، ويمسك بصره وسمعه، ولا يسترسل في هذه الأمور، لكن إذا كان ما تعود طول العام، فهل يستطيع أن يمسك لسانه، ويمسك سمعه وبصره؟ لا يستطيع، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، كان ابن عمر يقول: "البر شيء هيّن وجه طلق وكلام ليّن".

"وهذا مما يُحتاج إليه في الحج كثيرًا"؛ لأنه مع الضيق في الأماكن وفي الأوقات تضيق الأخلاق، وتسوء الأخلاق، والاحتمال يكون قليلاً ضعيفًا في النفوس، لكن من تحلى بهذه الأخلاق وجُبل عليه فهنيئًا له.

"وهذا مما يحتاج إليه في الحج كثيرًا، وهو معاملة الناس بالإحسان بالقول والفعل. ومن أجمع خصال البر التي يحتاج إليه الحاج وغيره ما وصى به النبي –صلى الله عليه وسلم- أبا جري الهجيمي" واسمه جابر بن سليم أو سليم بن جابر قال له النبي –عليه الصلاة والسلام-: «لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي» عند البئر الذي معه دلو وسبب حبل يسمونه رشاءً يستنبط به الماء من البئر، وبعض الناس ما عنده دلو معه إناء يريد أن يشرب أو يتوضأ تفرغ من دلوك لهذا المستقي «لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي، ولو أن تعطي صلة الحبل»، هذا يريد أن يستقي ومعه حبل دلو، لكن الحبل لا يوصل الدلو إلى الماء، تعطيه قطعة حبل؛ ليصل بها حبله فيستقي، «ولو أن تعطي شسع النعال» يعني انقطع شسع نعاله فتعطيه إذا كان لديك زيادة تعطيه، «ولو أن تنحي الشيء من طريق الناس يؤذيهم»، وهذه من شعب الإيمان المنصوص عليها، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، «ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منطلق»، ولو أن تلقى أخاك المسلم فتسلم عليه «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على أمرٍ إذا فعتلموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم»، وإفشاء السلام على العالم على من تعرف ومن لم تعرف، وجاء في الحديث: «خيرهم الذي يبدأ بالسلام».

«ولو أن تؤنس وحشان» تؤنس وحشان، هذا الحديث رواه النسائي في الكبرى، وفيه سهم بن المعتمر ليس بمعروف قال ابن حجر: مقبول، ما معنى مقبول؟ المقبول من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت في حقه ما يُترَك حديثه من أجله، فإن تُوبع فمقبول وإلا فليّن، وقد توبع، والحديث له طريق أخرى رواها عبدالله بن أحمد في زوائد المسند، وهو قابل للتحسين. "وقال ربيعة: المروءة في السفر بذل الزاد بذل الزاد، وقلة الخلاف على الأصحاب". المروءة في السفر بذل الزاد؛ لأن الناس في الحضر حاجتهم إلى المعونة أقل من حاجتهم إليها في السفر، قد ينتهي الزاد وقد يُنسى مثلاً بعض المسافرين ينسى متاعه، فيحتاج إلى من يبذل له ما يعينه على طريقه، المروءة في السفر بذل الزاد وقلة الخلاف على الأصحاب، الكلام الذي لا داعي له ولو لم توافق صاحبه عليه لكن ما يترتب عليه شيء، واحد من الأصحاب يقول: قدم محمد، واحد يقول: ما قدم كلهم محمد لا حاجة لهما به، أو قال: قدم العصر ثم قال: لا لا قدم الظهر ثم تطول المسألة ويحصل اللجاج والغضب، قلة الخلاف على الأصحاب، وجاء: «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج» الجدال الذي لا ثمرة له، ويسمونه بالأسلوب العصري الجدال العقيم، هذا منهي عنه.

 "وقلة الخلاف على الأصحاب والإحسان إلى الرفقة في السفر.. يقول:.. انتهى كلام ربيعة هنا، المروءة في السفر بذل الزاد وقلة الخلاف على الأصحاب" ثم كلام جديد، "والإحسان إلى الرفقة في السفر أفضل من العبادة القاصرة"؛ لأنه نفع متعدٍّ، والقاعدة أن ما كان نفعه متعديًا أفضل مما نفعه قاصرًا، هذا الأصل، ويبقى أن بعض العبادات القاصرة في أوقات معينة أفضل من النفع المتعدي، وبعض العبادات القاصرة التي هي من الأركان أو من الواجبات أفضل من المتعدي، الصلاة أفضل من الزكاة، فالقاعدة ليست على إطلاقها "لاسيما إن احتاج العبد إلى خدمة إخوانه" شخص محتاج إلى الخدمة مريض أو معاق أو ما أشبه ذلك، فإن خدمته أنفع من بعض العبادات القاصرة.

 "والمعنى الثاني مما يراد بالبر: فعل الطاعات كلها" الحج المبرور تقدم المعنى الأول للبر بر الحج والمعنى الثاني: "فعل الطاعات كلها وضده الإثم، وقد فسر الله البر بذلك في قوله: { لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [سورة البقرة:117]  إلى آخر الآية، فذكر ستة أنواع كلها يحتاج إليها، ومن أهمها بعد الإيمان إقام الصلاة، ومن أعظم أنواع بر الحج كثرة ذكر الله تعالى، وقد أمر الله تعالى بكثرة ذكره في مناسك الحج مرة بعد أخرى في جميع المواطن شرعت المناسك لإقامة ذكر الله، ومع كل منسك ذكر، وتختم المناسك بالذكر {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا } [سورة البقرة: 200]. "الأمر الثاني مما يكمل به الحج: اجتناب أفعال الإثم فيه من الرفث والفسوق والمعاصي ومن أعظم ما يجب على الحاج اتقاؤه من الحرام أن تطيب نفقته في الحج" يعني أن يحج من مال حلال؛ "لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، فمن حج بمال حرام سحت، الجمهور على أن حجه صحيح، لكن الأجر المرتب عليه لا يحصل له يقول:

إذَا حَجَجْتَ بِمَالٍ أْصلُهُ سُحْتٌ .. فَمَا حَجَجْتَ وَلكِنْ حَجَّت العِيرُ

تتقرب إلى الله- جل وعلا- بما حرم عليك، من أهل العلم من يقول: كل حرام مبطل للعمل، ومنهم من يقول: إن الجهة منفكة، والميزان له كفتان، العمل الصالح له أجره، والحرام عليه وزره، وهكذا المقصود أن الجمهور على أن حجه صحيح، لكنه آثم، والأجر المرتب على الحج لا يحصل له، "أن تطيب نفقته في الحج ولا يجعلها من كسب حرام، ومما يجب اجتنابه على الحاج وبه يكتمل بر حجه ألا يقصد بحجه رياءً ولا سمعة ولا مباهاة ولا فخرًا ولا خيلاء، ولا يقصد به إلا وجه الله تعالى ورضوانه، ويتواضع في حجه، ويتمسكن ويخشع لربه"؛ لأنه إذا حج رياءً أو سمعة أو مباهاة أو فخرًا فهذا قادح، بل منافٍ للشرط الأول من شروط القبول وهو الإخلاص لله جل وعلا.

"ولا فخرًا ولا خيلاء" كلها داخله فيما يخدش الإخلاص، ولا يقصد به إلا وجه الله تعالى؛ لأن «من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركَه».

وتواضع في حجه؛ لأن بعض الناس قد أوتي شيئًا من القوة في البدن أو البسطة في المال أو الجاه، ويرى من فئام المسلمين الحجاج أنواعًا من بلدان متفرقة، يظهر عليهم الضعف أو الفقر أو الحاجة، فيتكبر عليهم ويزدريهم، هذا كله لا يجوز، وخادش في الإخلاص، بل عليه أن يتواضع مهما كان موقعه في الحياة ومهما أوتي من قوة ومال وجاه، عليه أن يتواضع في حجه، بل في سائر أحواله، ويتمسكن ويخشع لربه.

ثم قال- رحمه الله تعالى-: "كتاب المناسك" الآن دخل في المقصود، وما تقدم كله مقدمات "الحج والعمرة واجبان في العمر مرة بشروط خمسة، الحج ركن من أركان الإسلام جاء ذكره في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، وهو ركن من أركان الإسلام بالإجماع، حديث عبد الله بن عمر: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان»، والرواية الأخرى: «وصوم رمضان والحج»"، وكلها في الصحيح مرة بتقديم الحج في الرواية المتفق عليها، والأخرى وهي عند مسلم وهي بتقديم الصوم على الحج، ولذا يختلف العلماء في الأهم والأقوى والمقدم هل هو الصيام أو الحج، وعلى كل حال جمهور أهل العلم بنوا ترتيب كتبهم على تقديم الصيام على الحج، مما يدل على أنه أهم عندهم، وهو مقدم على الحج، والبخاري قدم الحج على الصيام، البخاري قدم الحج على الصيام، مما يوحي ويدل على أن الحج أهم عنده من الصوم، وعلى كل حال سواء كان الركن الرابع أو الخامس فهو ركن وقاعدة من قواعد الإسلام ومن دعائمه ومبانيه العظام سواء قلنا: هو الرابع أو الخامس، والعلماء يتفقون على كفر من لم ينطق بالشهادتين كما أن الأدلة الصحيحة الصريحة تدل على كفر تارك الصلاة، وأما بقية الأركان العملية فقد اختلف العلماء على كفر تاركها من الزكاة والصوم والحج، فقال بكفره جمع من أهل العلم، وهو قول معروف عند المالكية، ورواية عند الإمام أحمد، يعني تارك الصوم يكفر، تارك الحج يكفر، تارك الزكاة يكفر. والجمهور على خلاف ذلك، على أمر عظيم وهفوة عظيمة وزلة كبيرة وموبقة من الموبقات، وعلى خطر عظيم، ولكن عند الجمهور لا يكفر.

 

 وأما العمرة فمختلف فيها، فمنهم من يقول بوجوبها، والأدلة على ذلك صحيحة، وليس وجوبها مثل وجوب الحج، فالواجبات تتفاوت، الحج ركن من أركان الإسلام، والعمرة واجبة ووجوبها مختلف فيه، لكن يأثم تاركها. والقول الثاني: إنها سنة، وأنها دخلت في الحج إلى يوم القيامة، والمرجح من حيث الأدلة: الوجوب، وأنه لابد أن يعتمر في عمره مرة واحدة.

"الحج والعمرة واجبان في العمر مرة بشروط خمسة" لما قيل له رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لما ذكر شروط الحج قيل له: «أفي كل عام يا رسول الله؟ قال: لا، ولو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم».

"بشروط خمسة الإسلام والعقل والبلوغ" وهذه الشروط الثلاثة مشتركة في جميع العبادات "وكمال الحرية" فلا يدخل المبعَّض الذي بعضه حر وبعضه رقيق فضلاً على من كله رقيق، فلا يجب عليه الحج، اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك.

 

يقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: "كتاب المناسك" وبعضهم يعبر بكتاب الحج، ولا شك أن المناسك أولى؛ لشمولها العمرة يقول: "الحج والعمرة واجبان في العمر مرة واحدة" يعني ما زاد عن المرة فهو تطوع، ولا يجب حجة ثانية ولا عمرة ثانية إلا بالنذر "بشروط خمسة، الإسلام" فلا يجب على كافر، ولا يصح منه لو أداه حال كفره، مع أنه مطالب بفروع الشريعة، لكنه لا يطالب به حال كفره، ولا يصح منه لو أداه. "والعقل" فلا يجب على مجنون. "وكذلك البلوغ" لا يجب على صبي حتى يبلغ. "وكمال الحرية" فلا يجب على رقيق ولا مبعّض بعضه حر وبعضه رقيق، لابد أن تكون حريته كاملة. "والاستطاعة" والاستطاعة وجاء تفسيرها بأنها الزاد والراحلة من ملك زادًا وراحلة وجب عليه الحج.  "وهي زاد وراحلة تصلح لمثله فاضلاً عما يحتاجه وعن مئونته ومئونة عياله على الدوام" لا يفرط بمئونة من تلزمه مئونتهم، بل لابد من توفير ذلك لهم، ثم بعد ذلك يحج بالزائد.

"وراحلة تصلح لمثله فاضلاً عما يحتاجه وعن مئونته ومئونة عياله على الدوام وبعد الحوائج الأصلية" الحوائج الأصلية التي يحتاج إليها ويحتاج إليها من يمونه ويعوله قال: " من كتب" يعني طالب العلم يحتاج كتبًا هل يقال له: بع من كتبك وحج؟ على كلام المؤلف لا، الكتب التي يحتاج إليها، لكن إذا كان عنده قدر زائد من الكتب لا يحتاج إليه لزمه أن يبيعها، ويحج بثمنها "من كتب، ومسكن" ما يقال له بع البيت واستأجر وحج؛ لأن المسكن حاجة أصلية، "ولباس" الثياب لا تباع من أجل الحج؛ لأنها حاجة أصلية، وتؤخذ لها الزكاة، "ولا يصير مستطيعًا ببذل غيره له" شخص لا يستطيع الحج؛ لأنه ليس لديه تكاليف الحج، يعني الآن الحج الحملات تحتاج خمسة آلاف، ستة آلاف، عشرة آلاف، بعض الحملات لو جاء شخص غني لفقير وقال: هذه عشرة آلاف حج، يلزمه الحج أو ما يلزمه؟

 يلزم أو ما يلزم؟ لا يلزم؛ لأنها لا تخلو من منة.

 "ويعتبر أمن الطريق على النفس والمال" أمن الطريق لا يعرض نفسه للتهلكة، وكانت الطرق والسبل غير آمنة، يذهب الحجاج في المفاوز والفلوات والقفار ويعدو عليهم القطّاع وينبهون ما ينهبون، مثل هذا إذا كان الطريق غير آمن فالحج غير لازم، وفي الفترة التي كانت قبل توحيد المملكة على عهد الملك عبدالعزيز يوجد نوع من خوف الطريق، وقوبل مع شخصٍ مسن من أهل الشرق من أهل الأحساء، وسئل عن حجه ووسيلة الحج في حجته الأولى قبل ثمانين سنة؛ لأنه توفي قبل وقت فقال: كنا نحج عن طريق البحرين على البحر نروح للبحرين ونحج مع حجاج البحرين على البحر؛ لأن طريق البر غير آمن، يقول: فذهبنا إلى البحرين؛ لنحج معهم على البحر فقالوا: والله ما عندنا حجاج هذه السنة، طيب كيف نحج؟ قال: لابد أن تذهبوا على البحر لبيباي بالهند وتحجون مع حجاج الهند كم من الوقت يمضي في الوصول إلى مكة بهذه الطريقة؟ وبالمقابل قبل خمس سنوات شخص كبير السن في بيته في الرياض صائم يوم عرفة بين أولاده، ورأى الإنصراف بعد غروب الشمس بعد فطره بالتلفزيون انصراف الناس من عرفات فبكى فقال له ولده: ما يبكيك يا أبت؟ قال: الناس يحجون، وأنا جالس بالرياض، قال: ودك أن تحج؟ قال: نعم، قال: اركب، أصلح له مكانًا في السيارة وحمله عليها ومر به أحرم، ومر على عرفة في آخر الليل، يعني أدرك الحج، وذهب إلى مزدلفة في طريقه ومنى، وحج مع الناس، وهو صائم يوم عرفة، ما فطر يوم عرفة ما عنده نية حج.

 نعمة من أعظم النعم أن نتفيأ مثل هذا الحج في ثلاثة أيام أو أقل بكل راحة وكل يسر وسهولة، يعني ما يدرك مثل هذا إلا الذين أدركوا الوقت الماضي، أو قرأوا، نحن قرأنا في الرحلات شيئًا مهولًا ممن يأتي للحج من المشرق والمغرب، وكان يقدم علينا في بلدان نجد من المشرق أناس كبار السن، يأتون يمشون من سنين من بلدانهم، والذي على ظهره آلة، وواحد مكينة خياطة، وشخص يحمل على ظهره المسن للسكانين وغيرها؛ ليقتات منها إذا مر بهذا البلد شحذ سكاكينهم، وأخذ أجرة توصله على البلد الذي يليه من أجل أن يحج، يؤدي فريضة الحج، ومع الأسف أنه يوجد في بلادنا من توافرت فيه الشروط، وطالب في الجامعة تقول له: تحج هذه السنة يقول: لا والله هذه السنة ربيع، نريد أن نطلع رحلات ونزهات، والقادمة نجح، أو يقول مع الأسف طالب شرعي يقول: والله تسليم البحث بعد الحج مباشرة، أنا سأبحث، والقادمة نحج، والحج على الفور.

 أولئك الفقراء كبار السن من سنين يجمعون للحج ويأتون على الأقدام يمر عليه موسم، موسمان، ثلاثة وهو في الطريق {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى }[سورة الليل:4]، فرق بين هذا وهذا الذي يتعذر بربيع، أو ببحث أو بشيء في مقابل ركن من أركان الإسلام مع صحة في البدن وأموال فائضة وأمن في طريق، وكل شيء متيسر، ولله الحمد، الله المستعان.

"ويعتبر أمن الطريق على النفس والمال خاليًا من خفارة" خفارة كانت تؤخذ على الحجاج رسوم، تؤخذ عليهم رسوم بسبب الحج؛ لأنه يؤخذ أحيانًا رسوم على كل مسافر، أو تؤخذ عليه لدخول كل بلد لأمور تنظيمية لا تشق عليهم، وصارت عرفًا، لكن على الحجاج بالذات تؤخذ خفارة وإتاوه من أناس ليست لديهم صبغة من قطاع طريق وغيرهم، ويأخذون وبعض الناس يتولى حراسة الحاج ويأخذ عليهم مقابلاً إذا كان الأمر يسيرًا فيبذله المسلم من أجل تحقيق هذه المصلحة، لكن إذا كان يشق عليه، فسبق أن ذكر المؤلف أنه لا يصير مستطيعًا ببذل غيره له، فكيف بمن يأخذ من ماله؟

 قد يقول قائل: ما يصدق على الجواز إلا برسم، وهذا عام لكل مسافر نقول: هذه خفارة للحاج؟ لا، ليست خفارة، ليست بالنسبة للحاج، هذا غير الخفارة التي يأخذها من يتولى حراسة الحاج في الطريق، وتكون في الغالب باهظ،ة أو يأخذها حاكم ظالم يمرون ببلده، فيأخذون عليهم ما يشق عليهم. "وتزيد المرأة على الرجل زيادة" يعني شرطًا سادسًا "وهو وجود المحرم"، ووجود المحرم هذا شرط سادس تزيده المرأة على الرجل؛ لحديث ابن عباس: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم».

"وهو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد"، ولا يكون التحريم مؤقت، كزوج الأخت مثلاً أو زوج العمة أو الخالة؛ لأنه إذا طلق الأخت جاز له نكاح أختها، أما التحريم المؤبد فيصلح أن يكون محرمًا يحج معها ويسافر بها، "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، وهو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح"، وذكرت امرأة للنبي- عليه الصلاة والسلام- أنها تريد الحج، وأن زوجها اكتتب في الجهاد، فأمره النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يحج مع زوجته ويترك الجهاد، مما يدل على أن المحرم وجوده أمر لابد منه، والمخالفة محرمة، وهذا الشرط شرط وجوب، بمعنى أنها لو حجت من غير محرم أثمت، وصح حجها.

 طيب هذا يسأل يقول: ما الحكم في شخص دخل مكة غير محرم؟

هذا سيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى، والخلاف في حكم الدخول لمكة بغير إحرام لمن لا يريد الحج والعمرة سيأتي ذكره، وعلى كل حال إذا كان قصده الحج أو العمرة فلا بد أن يحرم من الميقات الذي حدد له، ويمر به، فإن تجاوزه فلابد أن يرجع إليه، وإن أحرم من مكانه بعد مجاوزة الميقات فعليه دم، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه آجمعين.