شرح مختصر الخرقي - كتاب الطهارة (15)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب ما ينقض الطهارة، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "والذي ينقض الطهارة ما خرج من قبل أو دبر، وخروج الغائط والبول من غير مخرجهما، وزوال العقل إلا أن يكون النوم اليسير جالساً أو قاعداً، والارتداد عن الإسلام، ومس الفرج" وعرفنا أن في مس الفرج حديث بسرة ((من مس ذكره فليتوضأ)) وبعض الروايات: ((من مس فرجه)) فيدخل فيه القبل والدبر، وعبارة المؤلف -رحمه الله-: "ومس الفرج" يدخل فيه فرج نفسه وفرج غيره الصغير والكبير، مقتضى عبارة المؤلف، وهم يقولون: إذا كان ينتقض وضوؤه بمس فرجه فلئن ينتقض بمس فرج غيره من باب أولى، وعلى هذا الأمهات عند إرادة تنظيف الأولاد الصغار ومست الفرج من غير حائل على كلامه ينقض الوضوء، تنتقض الطهارة، وعرفنا أن في المسألة قولاً آخر، وهو أنه لا ينقض مطلقاً، وفيه حديث طلق بن علي لما سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الفرج وعن مسه، فقال: ((إنما هو بضعة منك)) يعني قطعة منك كأي قطعة من سائر الجسد، وأصحاب القول الأول يقولون: إن حديث طلق متقدم؛ لأنه جاء والنبي -عليه الصلاة والسلام- يعمل في المسجد في بناء المسجد مع صحابته -رضوان الله عليهم-، والمتأخر ينسخ المتقدم، ومنهم من صرف الأمر في حديث بسرة من الوجوب إلى الاستحباب، قال: والصارف حديث طلق، وكأن شيخ الإسلام -رحمه الله- يميل إلى هذا، يميل إلى أن إعادة الوضوء من مس الفرج على سبيل الاستحباب، والأمر صريح في حديث بسرة، لكن حديث طلق صارف، وإن نظرنا إلى الترجيح فحديث بسرة أرجح من حديث طلق من حيث القوة، وأيضاً هو المتأخر، فإن قلنا بالترجيح فحديث بسرة، إن قلنا بالنسخ حديث بسرة، وإن قلنا بالجمع بحمل حديث طلق على بيان الجواز وحديث بسرة على الاستحباب اتفق الحديثان، وعلى كل حال المسألة في النظر للقولين المعتمدين على الحديثين مسألة اجتهادية، فمن ترجح له أحدهما فليعمل به، وقول شيخ الإسلام وجيه؛ لأنهم لا يلجئون إلى الترجيح أو النسخ إلا إذا تعذر الجمع، وهنا الجمع ممكن، فيحمل حديث بسرة على الاستحباب، والصارف حديث طلق.

ثم بعد ذلك قال: "والقيء الفاحش، والدم الفاحش، والدود الفاحش" نعم؟

طالب:......

أيوه.

طالب:......

إيه قالوا: العلة في نقض الوضوء من مس الفرج إثارة الشهوة، فعلى هذا لو وجد ما يثير الشهوة غير الفرج منطقة من مناطق الجسم وهذا موجود مسه ينقض الوضوء لا ما ينقض، الآن الفرج وفيه الحديث فيه الخلاف القوي فكيف بغيره؟!

"والقيء الفاحش، والدم الفاحش، والدود الفاحش يخرج من الجروح" الخارج الفاحش النجس من الجسد، يعني من غير المخرجين، يخرج قيء فاحش مثلاً، والقيء معروف، وهو خروج الطعام من المعدة عن طريق الفم، والدم الفاحش سواءً كان بسبب جرح، أو كان أيضاً بطريق التقيؤ، أو بالحجامة؛ لأنه كثير، والدود الفاحش الذي يخرج من الجروح والقروح كل هذه إذا كثرت إلى أن وصلت إلى حد الفحش والكثرة فإنها تنقض الوضوء على المذهب، ومثل هذا التقدير للفاحش مثل تقدير الفاحش هذا مرده إلى العرف، فما عُد في العرف فاحشاً -يعني كثيراً- فإنه ينقض الوضوء، وما عد قليلاً لا ينقض الوضوء، وهذا أيضاً لا ينضبط عند كثير من الناس، منهم من يقول: إن هذا مرده إلى أوساط الناس لا أصحاب الابتذال كالجزارين ولا أرباب الوسوسة؛ لأن الموسوس يعتبر الشيء اليسير فاحش، والجزار لملابسته الدماء لا يعتبر، يعتبر الشيء الكثير قليل، وعلى كل حال إذا قيل بمثل هذا فمرده إلى أوساط الناس وإلى أعرافهم.

"القيء الفاحش" ((من قاء أو رعف فليتوضأ)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- جاء عنه أنه قاء فتوضأ، فالقيء من مبطلات الطهارة، والمسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يرى أن القيء لا ينقض الوضوء؛ لأنه على طهارة بيقين فلا ترتفع بمشكوك فيه، وكونه -عليه الصلاة والسلام- قاء فتوضأ يحتمل أمورا كثيرة أن الوضوء تعقب القيء ولو لم يكن بسببه، لكن مثل هذا يبطل مفاد الحديث، ومنهم من يقول: قاء فتوضأ وضوءاً لغوياً يعني تمضمض، وغسل إن كان أصابه شيء تطهر، فالتأويلات لأهل العلم، لكن ((من قاء أو رعف فليتوضأ)) وهذا الحديث صحيح أو ضعيف؟

طالب:......

كيف؟

طالب:......

الكلام فيه معروف، تكلم فيه، هو مضعف عند أهل العلم، ولو صح للزم القول به.

"والدم الفاحش" الدم الفاحش الذي يخرج من غير مخرج البول والغائط، وهو أيضاً محل خلاف بين أهل العلم، مبني على القول بطهارته ونجاسته، فالجمهور على نجاسة الدم، جماهير أهل العلم على نجاسته، وقال بعضهم وينصره كثير من المتأخرين: إنه طاهر، وليس بنجس، ولا يوجد ما يدل على نجاسته، وإن كان بعضهم ينقل الإجماع على أنه نجس، من حصل له أو جرح مثلاً أو طعن أو أصيب بإصابة وهو في الصلاة كعمر -رضي الله تعالى عنه-، جاء في الخبر أنه صلى وجرحه يثعب، فدل على أن الدم وإن كان فاحشاً كثيراً لا ينقض الطهارة، ولا يبطل الصلاة، وعلى هذا استدلالاً بهذا الحديث أنه ليس بنجس، لكن لا يتم الاستدلال بمثل هذا الحديث لأنه لا يمكن إيقافه، أثر جرح لا يمكن إيقافه، فحكمه حكم من حدثه دائم يصلي على حسب حاله، فلا يتم الاستدلال بمثل هذا، والمرجح عند جماهير أهل العلم أن الدم نجس، أما بالنسبة للدم المسفوح فنجاسته إجماع، الدم المسفوح إجماع، وغير المسفوح هو محل الخلاف {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] وفي قوله -جل علا-: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام] فعامة أهل العلم على تقييد الآية المطلقة {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] بالآية المقيدة {إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام] للاتحاد في الحكم والسبب، فمثل هذه الصورة يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، ولا يقال في غير المسفوح أنه في حكم المسفوح، فالمحرم {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] محمول على المسفوح، أما غير المسفوح كالذي يبقى في اللحم بعد الذبح فإنه لا يؤثر، فإذا وضع اللحم في القدر وعلا هذا الدم على الماء لا يؤثر عند أهل العلم، ولا يلزم غسل اللحم من هذا الدم؛ لأن التحريم مقتصر على المسفوح؛ لأننا حملنا المطلق على المقيد، وعرفنا أن هذا اتفاق للاتفاق في الحكم والسبب، فعلى هذا الدم غير المسفوح، الأصل فيه أنه قليل أو كثير؟ قليل، وقد جاء عن الصحابة -رضوان الله عليهم- بالنسبة للقليل اليسير ولذا يقول: الدم الفاحش في الكتاب، فالقيد معتبر، جاء عنهم من عصر البثرة خرج منه الدم ولم يتوضأ، ومنهم من حرك أنفه فخرج منه الدم ولم يتوضأ، ومنهم من حرك لثته باللسان فخرج منها الدم ولم يتوضأ، فدل على أن اليسير لا يتوضأ منه، وليس بنجس.

"والدم الفاحش، والدود الفاحش" نعم؟

طالب:......

الدم المسفوح هو الذي يخرج بعد الذبح، وهذا كثير.

طالب:......

نعم هو المتدفق هذا هو.

طالب: ما وقع على شيء.....

نعم، الحجامة مثلاً ويؤخذ من البدن التبرع بالدم، إذا أخذ منه لتر، ينتقض الوضوء أو ما ينتقض؟ على كلامه والدم الفاحش؟ ينتقض، وهل يدخل في المسفوح أو غير المسفوح؟ نعم؟

طالب:......

على القول بنجاسته لا إشكال، يعني سواءً كان مسفوحا أو غير مسفوح نجس عند الجمهور، لكن.... هاه؟

طالب:......

إيه، يعني التبرع بالدم على هذا يقفل بابه ((تداووا ولا تتداووا بحرام)) وهو نجس.

طالب:......

كيف؟

طالب:......

حديث عمر لا شك أنه في حكم من حدثه دائم، لا يمكن إيقافه بحال، فهو في حكم من حدثه دائم، أما التبرع، فما يحمل على هذا، التبرع أمره يسير، متى ما أردت يوقف، يسحب الإبرة ويقف، فليس في حكم من حدثه دائم، بل هو مقدور على إيقافه، نعم؟

طالب:......

يعني هل حكم الحدث الدائم ابتداءً مثل حكمه استمراراً؟ طيب مثل هذا الذي طُعن مثل عمر -رضي الله تعالى عنه- طعن، ونقول له: انتقض الوضوء روح توضأ، والجرح مستمر، يتجه أو ما يتجه؟ أولاً الوضع يختلف عن وضع مستحاضة و سلس ولا شيء من هذا، يختلف.

على كل حال مثل قصة عمر ما فيها إشكال -إن شاء الله تعالى-، لكن من جاء بطوعه واختياره وتمدد على السرير، وسحبوا منه لترا أو أكثر على القول بأن الدم الفاحش ينقض هذا ناقض بلا شك، وعلى القول بحمل المطلق على المقيد، وهو قول الجمهور فهو حرام للاتحاد في الحكم والسبب، والسبب هو النجاسة التي ينشأ عنها الضرر، فحملوا المطلق على المقيد، وعند من يقول بطهارته، وأنه لا يجد ما يدل على نجاسته، عند من يقول بطهارته يحمل المطلق على المقيد أو ما يحمله؟

طالب:......

كيف؟

طالب:......

الحكم واحد، كله تحريم، الحكم واحد، والسبب مختلف، يعني كوننا نحرم الدم المسفوح ظاهر وغير المسفوح قلنا: كلاهما محرم {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] حرام، والثاني: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام] الحكم واحد، وحينئذٍ يحمل المطلق على المقيد، عند الجمهور يحمل المطلق على المقيد في التحريم، لكن السبب مختلف، حكم واحد والسبب مختلف، فالجمهور على أنه يحمل المطلق على المقيد فيحرم كلاهما سواءً كان مسفوحاً أو غير مسفوح، التحريم ظاهر، ولو قلنا: إن السبب اختلف؛ لأن السبب إذا قلنا: إنه في المسفوح سببه النجاسة وغير المسفوح طاهر، قلنا: اختلف الحكم، لكن ما الدليل على أن المسفوح نجس؟ يعني هل من لازم التحريم النجاسة أو من لازم النجاسة التحريم؟ نعم من لازم النجاسة التحريم، لكن ليس من لازم التحريم النجاسة، يعني نظير ذلك الخمر، الخلاف معروف عند أهل العلم في أمور محرمة مقطوع بتحريمها وهي طاهرة، الأصنام مثلاً أو الحشيش أو ما شابه ذلك من الأمور اليابسة فهي طاهرة وإن كانت محرمة.

"والدم الفاحش، والدود الفاحش" نعم؟

طالب:......

هذه حاجة يعني هل تتصور أنه خرج للغزو في سبيل الله وهو بإمكانه أن يكون معه ثياب كثيرة يغير هذا ويلبس هذا، أو يتيسر له الماء بأن يغسل الدم، حالة ضرورة هذه.

طالب:......

ما يلزم أن يكون باستطاعته، ليس مثل الحضر، ما يلزم.

على كل حال الدم الفاحش نجس في المذهب، وناقض للوضوء، والخلاف مثلما سمعنا.

الدود الذي يخرج من القروح والجروح، القروح المتعفنة يخرج منها دود، والدود طاهر أو نجس؟

طالب:......

ما تولد من نجس فهو نجس، وما تولد من طاهر فهو طاهر، كسوس التمر مثلاً طاهر، لكن سوس ما تولد عن النجاسة فهو نجس، فهو عندهم متولد عن الدم والقيح والصديد فهو نجس عندهم، فإذا كثر وصار فاحشاً فإنه ينقض الوضوء.

"يخرج من الجروح" هل هذا له مفهوم؟ في دود يخرج من غير الجروح؟ المخرج انتهى، والذي ينقض الطهارة ما خرج من قبل أو دبر انتهى هذا.

طالب:......

يتقيأه، يعني قد... نعم؟

طالب:......

لا، لا، اترك القيء الكثير، يعني يمكن دسعة أو قلس أو شيء من هذا يخرج معه دود، ما خرج من المخرج هذا منتهي موضوعه.

طالب:......

إيه يمكن يتقيأ شيئاً يسيراً؛ لأن القيء إذا كان يسيراً لا ينقض الوضوء، فإذا صاحبه دود يسير أيضاً هاه؟ إذا خرج معه دود يسير على كلامه، لكنه إذا اجتمع قيء يسير مع دود يسير، يعني مقتضى كلام المؤلف أنه لا يؤثر.

طالب:......

هي مسائل مبني بعضها على بعض، هم نجسوا الدم، وفرعوا عليه هذه المسائل، نعم؟

طالب:......

إذا تولد من طاهر فهو طاهر مثل الصراصير وغيرها، مثل الحشرات، إذا تولدت من طاهر فهي طاهرة، وإذا تولدت من نجس فهي نجسة.

طالب:......

نعم، إيه.

"وأكل لحم الجزور" الجزور هو الجمل، الإبل، وفيه حديثان حديث البراء وحديث جابر بن سمرة "أنتوضأ من لحم الغنم؟ قال: ((إن شئت)) أنتوضأ من لحم الإبل؟ قال: ((نعم)) وفي رواية: ((توضئوا)) بالأمر، والحديثان صحيحان، والوضوء من أكل لحم الإبل من المفردات، يعني ما قال به إلا الحنابلة، وهو المذهب عندهم، وأما عند غيرهم فكثير من محققي الشافعية قالوا به، وخالفوا إمامهم في هذا، خالفوا الإمام الشافعي في هذا؛ لصحة الحديثين في الباب، وعدم المعارض الصريح؛ لأنه جاء في حديث: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار" وقالوا: هذا متأخر، فهو ناسخ للأمر بالوضوء من لحم الإبل، ناسخ له؛ لأنه متأخر، آخر الأمرين معروف، لكن إذا قلنا: بأن لحم الإبل نيئ ما مسته النار ينقض أو ما ينقض؟ ينقض، ولحم الإبل الجزور يشمل كل ما حواه الجلد، فيدخل في ذلك الكبد والمصران والكرش وما أشبه ذلك، فهي داخلة؛ لأنها يشملها جلده، يطلق اللحم على ما هو أعم من اللحم الأحمر، بدليل قوله -جل وعلا-: {وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ} [(173) سورة البقرة] ولا يستثنى مما حواه جلده شيء، لكن قد يحوي جلد الخنزير ما هو نجس إجماعاً، ويحوي جلد الإبل الجزور ما هو طاهر إجماعاً، والمسألة كما هو معلوم ليست في الطهارة والنجاسة، لكن أهل العلم حينما يوردون لحم الخنزير من أجل أن يقرروا أن اللحم يطلق على ما حواه الجلد، فكذلك في الجزور، فالوضوء متجه لمن أكل شيئاً مما حواه جلد الجزور سواءً كان ذلك من اللحم أو من المصران أو الكرش أو الكبد كله يقال له: لحم.

طالب: عفا الله عنك إذاً لو حلف ألا يأكل لحماً وأكل من هؤلاء؟

نعم حلف أقسم ألا يأكل لحماً فأكل كبداً يحنث أو ما يحنث؟ نعم؟

طالب:......

إيه هذا على رأي المالكية يحمل على قصده، لكن الجمهور على أنه مرده إلى العرف، مرد مثل هذا إلى العرف، فإن كان في العرف يسمى لحما حنث وإلا فلا، وهو في العرف لا يسمى لحما، فلا يحنث، نعم.

طالب:......

عند المالكية قلنا: إن القصد له أثر في الأيمان والنذور، أما عند غيرهم فمرد ذلك إلى العرف.

عندنا الأمر بالوضوء من أكل لحم الجزور لا شك أنه خاص بلحم الجزور، لكنه عام فيما مسته النار وما لم تمسه النار، وآخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-ترك الوضوء مما مسته النار، عمومه في الجزور وغيره، وخصوصه فيما مسته النار، دلالته على لحم الجزور بالمنطوق أو بالمفهوم؟ بالمفهوم، ودلالة ((توضئوا من لحم الإبل)) بالمنطوق، عندنا نص متأخر ونص متقدم، وعندنا نص المتقدم بالمنطوق، والمتأخر بالمفهوم فهل ينسخ المنطوق بالمفهوم؟ لأن لدينا في الطرفين جهة قوة وجهة ضعف، جهة القوة في الحديثين حديثي الباب أنه منطوق، وفي الوقت نفسه خاص، وجهة الضعف أنه متقدم، وفي الطرف الثاني جهة القوة أنه متأخر، وجهة الضعف فيه أنه عام ومفهوم أيضاً، إذاً إذا قررنا أنه متأخر لقول الصحابي: "كان آخر الأمرين" فهل نقول: إن المتقدم ينسخ بالمتأخر ولو اختلفا في الرتبة بأن كان أحدهما منطوقاً أو مفهوماً خاصاً أو عاماً؟ منهم من يقيد النسخ بالاستواء، فمثلاً المحرم إذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين، هذا قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمدينة قبل الحج، سئل عما يلبس المحرم... إلى آخر الحديث، وخطب بعرفة وبين أن من لم يجد النعلين فإنه يلبس الخفين، يلبس الخفين من غير تقييد بالقطع، فهل نقول في مثل هذه الصورة: يحمل المطلق على المقيد للاتفاق في الحكم والسبب أو لا يحمل؟ لأنه أحياناً يحتاج المجتهد إلى أن يخرج عن بعض القواعد المقررة حتى في مذهبه لوجود عارض، فإذا قلنا بالنسخ قلنا: نسخ الأمر بالقطع؛ لأن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((فليلبس الخفين)) من غير تقييد بقطع، قلنا: هو متأخر بعرفة والمتأخر ينسخ المتقدم، وإذا قلنا: بالقطع حملنا المطلق على المقيد، والحكم واحد السبب واحد، فعندنا إما القول بالنسخ والمطلق متأخر بلا شك، أو نقول: بالتقييد وهو المتجه، فيقطع أسفل من الكعبين عملاً بالنص المقيد، لكن من أراد ترجيح القول السابق الأول وعدم القطع، قال: إنه مع تأخره أيضاً الحاجة داعية إلى البيان في مثل هذا الموطن؛ لأنه سمعه في المدينة يمكن ألف أو ألفين أو ثلاثة، لكن سمعه بعرفة كل من حج معه -عليه الصلاة والسلام-، وما سمعوا النص المقيد، ولو كان القيد لازماً لبين، وهذا وقت البيان، وهذا يقوي القول بأنه يلبس الخف من غير قطع.

نعود إلى مسألتنا عندنا خاص بلحم الجزور، وعام بما مست النار، عندنا منطوق وعندنا مفهوم، عندنا متقدم ومتأخر، يعني هل الصحابي لما قال: كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار، ويتناول حديث جابر وحديث البراء بعمومه، هل قصده بذلك النسخ أو لا؟ يعني ظاهر النص أنه يقصد بذلك النسخ، لكن هل يلزم من قصده النسخ أن مراده بالمنسوخ لحم الجزور، أو مراده بالمنسوخ ما يطابق الحديث؛ لأنه جاء الأمر بالوضوء مما مست النار، وهذا في صحيح مسلم، فكان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار ناسخاً للأمر الأول الأمر بالوضوء مما مست النار، فإذا قابلنا هذا بهذا سلم لنا حديث جابر بن سمرة وحديث البراء في وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل، وهذا ظاهر جداً لمن تأمل، فالنسخ متجه إلى ما يوافق الخبر، ويبقى أن القول المرجح في هذه المسألة أن لحم الجزور ينقض الوضوء.

بعد هذا غسل الميت.

طالب:......

لا ما تدخل؛ لأنه سئل أنتوضأ من لحم الإبل.

طالب:......

ولا مرق إلا إذا وجد فيه لحم ولو كان يسيراً.

طالب:......

ينقض نعم، اليسير ينقض الوضوء.

طالب: وإن مما لا يلاك؟

لا شك أنه إذا أطلق عليه لحم فهو ينقض الوضوء.

طالب:......

أيوه؟

طالب:......

هو ناسخ لأول الأمرين وهو الأمر بالوضوء مما مست النار، ويبقى الأمر بالوضوء من لحم الإبل، وإن كان داخلاً في عموم ما مست النار إلا أنه يبقى سالما من المعارض؛ لأن الأمر آخر الأمرين وقع موقعه ونسخ الأمر المتقدم.

طالب:......

الشحم إذا أذيب صار حكمه حكم اللبن ما يضر أبداً، أكل لحم إبل وصلى ناسياً، نظراً لقوة الخلاف في المسألة يتجاوزون في مثل هذا وإلا فالأصل أنه يعيد كما لو صلى بغير وضوء، لكن نظراً لقوة الخلاف في المسألة، والمسألة يعني غلبة ظن اجتهاد، والقول الثاني له حظ من النظر يتجاوزون في مثل هذا، ولو أعاد هو الأصل، يعني يتوضأ من جديد وصلى، أحد المشايخ قال: شخص أكل من لحم الإبل وما دري أنه لحم إبل، فأجاب بأن الذي لا يفرق بين لحم الإبل وغيره من اللحوم هذا رجل مغفل، فقال له السائل: إذا كان بالسنبوسة، يعني مفروم في سنبوسة تفرق أو ما تفرق؟ قال: هذه خفيت علي المسألة، نعم؟

طالب:......

ما يدري، بعضهم يقول: ما الجزور من أصله، من طلاب العلم، قد يخفى عليه التسمية لأنه ما ألفها.

طالب:......

أنتوضأ؟ قال: ((نعم)).

طالب:......

إيه، مقارنة بقوله: أنتوضأ من لحم الغنم؟ قال: ((إن شئت)) ولو لم يرد الوجوب -عليه الصلاة والسلام- لقال: إن شئت، هذا واضح، نعم؟

طالب:......

لا، لا ما يأخذ حكم اللحم أبداً، والمرق إذا لم يكن فيه قطع من اللحم ما يضر، الكلام كله في اللحم.

طالب:......

لا هو الأصل فيه أنه ذائب، يعني في حكم الذائب ما ينقض لا.

طالب:......

نعم؟

طالب:......

إيه، يعني إذا شك فيه يسجد.

طالب:......

كيف؟

طالب:......

لا، إذا كان ما عنده شك أنه لحم غنم أو بقر، يعني إذا كان الغالب على ظنه أنه لا ينقض الوضوء ما يلزم، المسألة معلقة بغلبة الظن، فإن شك أو ظن أنه لحم إبل يسأل.

طالب:......

يتعين عليه، ما دام، هذا يبطل صلاته.

طالب:......

لا، لا، هذا ما يدخل الوسواس، نعم؟

طالب:......

أيوه؟

طالب:......

القيء إذا كان عن عمد، من استقاء أفطر بلا شك، يعني إذا تعمد الاستقاء، قاء بنفسه يفطر، أما إذا قاء من غير تعمد فإنه لا يضره.

طالب:......

ما هو؟

طالب:......

إيه بالقوة كلها بقوة.

"وأكل لحم الجزور، وغسل الميت" يعني غسل الميت، إذا غسل ميتاً، وفيه الخبر ((من غسل ميتاً فليغتسل)) لكنه ضعيف، فتغسيل الميت لا يلزم منه غسل ولا وضوء؛ لأن حديث: ((من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ)) هذا الحديث خبر ضعيف، وهم يجعلونه مظنة، تغسيل الميت مظنة أن يمس شيئاً مما ينقض الوضوء من بدنه، لكن هو بذاته ليس بناقض، وعلى هذا فالمرجح أنه لا أثر له.

"وملاقاة جسم الرجل للمرأة بشهوة" ويعبرون في كثير من الكتب مس المرأة بشهوة، وهنا يقول: ملاقاة جسم الرجل للمرأة لشهوة، فهنا المسألة مبنية على الملامسة {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] فهو إن كان المراد به المس نفسه فالآية تدل على أنه ينقض الوضوء، وإن كان المراد بالملامسة الجماع كما قال ذلك جمع من الصحابة، فإن مجرد المس لا ينقض الوضوء، والمس مس المرأة إما أن يكون باليد، بالإفضاء بباطن الكف، أو بغيره من أجزاء البدن، ولا يخلو إما أن يكون لشهوة أو لغير شهوة، فكلامه مقيد بالشهوة، لو أفضى بيده إلى المرأة من غير شهوة ينتقض أو ما ينتقض؟ لا ينتقض، لكن لو مسها بمرفقه بشهوة انتقض، بينما المس إنما يراد به المس باليد بالإفضاء، هي التي يتحقق فيها الشهوة.

"ملاقاة جسم الرجل للمرأة لشهوة" لو لاقى جزءاً من بدنها بآلته بفرجه بشهوة أو بغير شهوة، يعني كلامه كلام المؤلف ملاقاة جسم الرجل للمرأة هو لا شك أن من أجزاء الجسم ما هو أشد من الإفضاء باليد، ومنها ما هو دونه، فلو لاقى جسم المرأة بشيء من جسمه كالذكر مثلاً، هذا أشد من اليد، لكن لو لاقاها بمرفقه مثلاً أو برجله هذا أخف من اليد، والمسألة مبناها على {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] فعلى هذا إذا كان المراد بالمسيس أو بالمس مجرد اللمس الدلالة ظاهرة من الآية، وإن كان المراد بها في الآية الجماع وهو الظاهر من السياق، وهو الذي قال به جمع من الصحابة فلا دلالة في الآية على مجرد المس، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه كان يقبل وهو صائم، ويخرج إلى الصلاة ولا يتوضأ، والتقبيل أشد من مجرد المس، والمسألة كما هو معروف عند الحنابلة مقيدة بالشهوة، وعند الشافعية مطلقاً لشهوة أو من دون شهوة، ولذلك يتحرجون حرجا شديدا في مواطن الزحام؛ لأنه في المطاف مثلاً يمس المرأة ولا بد ولغير شهوة، لكن عليه أن يخرج ويتوضأ عند الشافعية، وعند الحنابلة لا يتوضأ إلا إذا كان لشهوة، عند بقية أهل العلم المس لا أثر له ولا ينقض الوضوء سواءً كان لشهوة أو لغير شهوة، والمراد بالملامسة في الآية الجماع، ولا يوجد ما يدل على أنه ينقض الوضوء.

طالب:......

كيف؟

طالب:......

القيد؛ لأن المس ليس بحدث، كما قيدوا أو نوم في حديث صفوان بن عسال بالمستغرق؛ لأن هذه ليست أحداث وإنما هي مظنة، ولا تكون مظنة إذا لم يوجد شهوة، كما لو قبل ابنته أو أمه، وإن كان بعضهم يطرد فيقول: التقبيل أو المس لجميع الجنس جنس النساء، طيب الممسوس يعني مسته امرأته هل ينتقض وضوؤه أو لا ينتقض؟ معروف عند المتأخرين من الحنابلة أنه لا ينتقض وضوء ملموس ولو وجد منه شهوة، ولو وجدت منه شهوة، والمتوسطون منهم يقولون: إنه إذا وجدت الشهوة انتقض وضوء الملموس وإلا فلا، نعم؟

طالب:......

لا يلزم إلا إذا مس فرجه على القول بأن مس الفرج ينقض، المؤمن طاهر حياً وميتاً، لكن تغسيله تعبد ما هو بنجس.

طالب:......

إن خرج منه شيء انتقض وضوؤه وإلا فلا، بعض المتأخرين يذكرون من النواقض زوال عذر المستحاضة ونحوها، زوال عذر من به حدث دائم، توضأ مع أن المذي يخرج منه، أو السلس يخرج منه باستمرار ما يقف، أو الدم يخرج من المستحاضة باستمرار، إذا زال عذره يتوضأ، فجعلوه من النواقض، وجعلوا من النواقض خروج وقت الصلاة لمن تيمم لها، وهذا كما هو معروف في المسألتين هل الوضوء المقترن بعذر أو رخصة كالتيمم هل هو رافع أو مبيح؟ فمن يقول: إن وضوء المستحاضة ومن به حدث دائم مبيح مجرد إباحة فإنه لا بد أن يتوضأ، كمن مسح على الخف ((الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته)) وهذه إذا ارتفع عنها دم الاستحاضة تتوضأ، تتقي الله وتمسه بشرتها، وكذلك من انقطع حدثه الدائم، وكذلك من تيمم كلهم إذا انتهى العذر يتوضئون ((فليتق الله وليمسه بشرته)).

"بطلان المسح بفراغ مدته أو خلع حائله أو نحو ذلك" يقول بعضهم بأنه ينقض الطهارة، والصواب أنه ليس بناقض، لكنها طهارة ناقصة، فإذا تمت المدة وعليه الخف، انتهت المدة المأذون بها شرعاً، والخف مازال ملبوسا فإنه حينئذٍ يتوضأ، يلزمه خلع الخف ويتوضأ؛ لأنه يصلي بخف غير مأذون في مسحه، وكذلك خلع الخف، هو ليس بناقض، لكنه إذا تطهر ومسح على الخف وخلعه يكون حينئذٍ يصلي بطهارة ناقصة، الرجل ليست مغسولة ولا ممسوحة في هذه الصورة.

برء محل الجبيرة، فإذا برئ محلها وجب نزعها ثم بعد ذلك يتق الله وليمس الماء بشرته.

رؤية الماء للمتيمم العادم له، وهذا كله مبني على أن التيمم مبيح أو رافع؟ مبيح، ويبقى حتى من قال بأنه رافع منهم من يقول: إنه يرفع رفعا مطلقا مثل الماء، ومنهم من يقول: هو يرفع رفعاً مؤقتاً إلى أن يجد الماء، ولعل هذا هو الأوجه لحديث: ((فليتق الله وليمسه بشرته)) فإذا رأى المتيمم العادم للماء رأى الماء فإنه يلزمه أن يتوضأ، ويلغزون بهذا، ويقولون: نهق حمار فبطلت صلاة؛ لأن الحمار يحمل الماء، فلما نهق عرف المصلي أنه قادر على الماء على وجوده وعلى استعماله، ومع ذلك يقطع صلاته ثم يتوضأ ويصلي من جديد.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.