شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1428 هـ) - 09

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا زلنا في الحديث عن صيام أيام التشريق، وما جاء من أحكام في حديث عائشة وابن عمر -رضي الله عنهما-، لعلكم تتفضلون بإكمال ما تبقى -أحسن الله إليكم-.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

في الحلقة السابقة تكلمنا على الربط بين الترجمة والحديث في كلام طويل للعيني وابن حجر، في الحديث عن عائشة وابن عمر -رضي الله عنهم- قالا: لم يُرخص في أيام التشريق.

يقول ابن حجر: كذا رواه الحفاظ من أصحاب شعبة -بضم أوله على البناء لغير معين-، لم يُرخص، ووقع في رواية يحيى بن سلام عن شعبة عند الدارقطني واللفظ له والطحاوي: رخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للمتمتع، رخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للمتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق، وقال: إن يحيى بن سلام ليس بالقوي.

النص الذي عندنا: لم يرخص، وفي رواية الدارقطني والطحاوي: رخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للمتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق، وقال: إن يحيى بن سلام ليس بالقوي، ولم يذكر طريق عائشة، وأخرجه من وجه آخر ضعيف عن الزهري عن عروة عن عائشة، وإذا لم تصح هذه الطرق المصرحة بالرفع بقي الأمر على الاحتمال.

الرفع، الفرق بينهما أن رواية الباب: لم يُرخص بالبناء للمفعول مما يجعل الاحتمال في الفاعل واردًا، يعني هل هو النبي -عليه الصلاة والسلام- أو غيره؟ بينما رواية الدارقطني والطحاوي: رخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول: وإذا لم تصح هذه الطرق -التي ذكرها الدارقطني والطحاوي- المصرحة بالرفع بقي الأمر على الاحتمال، وقد اختلف علماء الحديث في قول الصحابي: أُمرنا بكذا، ونُهينا عن كذا، هل له حكم الرفع على أقوال، ثالثها، على أقوال، ثالثها.

الأول؟

المقدم: الأول: المنع مطلقًا، الثاني: الإباحة مطلقًا.

كيف؟ منع وإباحة؟

المقدم: في الصيام.

هنا، اختلف علماء الحديث في قول الصحابي: أُمرنا بكذا، ونُهينا عن كذا، هل له حكم الرفع؟ على أقوال، ثالثها.

المقدم: الأول: حكم الرفع. الثاني.

الوقف.

المقدم: الوقف.

نعم، ثالثها: التفصيل، يعني بعض الكتب المعتصرة، لا أقول المختصرة فقط، يعني بعض الكتب النحو يقول: إن وأن والثالث: أصلان.

المقدم: من باب الاعتصار وليس الاختصار.

نعم، إن وأن والثالث أصلان، ما معنى هذا الكلام؟ يعني عندك إن -بالكسر-، وأن -بالفتح، بفتح الهمزة-، والقول الثالث: الأصل، أيهما الأصل؟ إن أم أن؟

المقدم: إن، والثالث ماذا يقول يا شيخ؟

الثالث: أصلان، يعني هل الأصل: إن -بالكسر-، هذا قول، القول الثاني: أن الأصل أن، وتكسر في مواضع، القول الأول: الأصل إن وتفتح في مواضع، القول الثاني: الأصل أن وتكسر في مواضع، والثالث، القول الثالث: أنهما أصلان، كل واحد أصل برأسه.

وهنا على أقوال، ثالثها، يعني القولان المتقابلان الأول والثاني، القولان المتقابلان.

المقدم: حكم الرفع، وحكم الوقف؟

نعم، ثالثها: التفصيل، إن أضافه إلى عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فله حكم الرفع، أُمرنا بكذا، كنا نفعل في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، فله حكم الرفع، وإلا فلا، واختلف الترجيح فيما إذا لم يضفه، فيما إذا لم يضفه -يعني إلى عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أُمرنا، أو نُهينا.

المقدم: بدون أن يقول: في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-؟

نعم، أو كنا نفعل، بدون أن يقول في النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو رخص لنا، أو أبيح لنا، ومثله: من السنة.

قول الصحابي من السنة أو
 

 

نحو أمرنا حكمه الرفع، ولو
 

بعد النبي قاله بأعصر
 

 

على الصحيح، وهو قول الأكثر
 

هذا اختيار الحافظ العراقي -رحمه الله-.

يقول: واختلف الترجيح فيما إذا لم يضفه، ويلتحق به: رُخص لنا في كذا، وعُزم علينا ألا نفعل كذا، الكل في الحكم سواء، فمن يقول: إن له حكم الرفع، فغاية ما وقع في رواية يحيى بن سلام أنه رُوي بالمعنى، لكن قال الطحاوي: إن قول ابن عمر وعائشة: لم يُرخص، أخذاه من عموم قوله تعالى: { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ } [البقرة: 196].

الآن، قوله: لم يُرخص، هل هو معتمد على خبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو معتمد من فهم الآية، من فهم الصحابيين للآية؟ يعني مقتضى، كيف؟

المقدم: مقتضى السياق أنه من الآية.

هذا اللفظ: لم يُرخص، يعني بحثه في علوم الحديث، واختيار الأكثر أنه مرفوع، أنه مضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيكون له حكم الرفع، ولكن الطحاوي قال: إن قول ابن عمر وعائشة: لم يُرخص، أخذاه من عموم قوله تعالى: { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ } [البقرة: 196]؛ لأن قوله: { فِي الحَجِّ } [البقرة: 196]، يعم ما قبل يوم النحر وما بعده، فيدخل أيام التشريق، فعلى هذا؛ فليس بمرفوع، بل هو بطريق الاستنباط منهما عما فهماه من عموم الآية.

يعني نظير ذلك، نظير هذا الفهم الدقيق من الطحاوي، نظير هذا الفهم الدقيق، يعني قول ابن عباس في صحيح مسلم المقتضي لاختلاف المطالع؛ لأنه جاء كريب مولى ابن عباس إلى المدينة من الشام، وأخبره أنهم صاموا يوم الجمعة.

المقدم: قال: أما نحن فصمنا..

السبت، فلا نفطر حتى نراه، فقيل له: السنة؟ قال: السنة. يعني الذي يقولون باتحاد المطالع وهم أئمة، ولا يخفى عليهم قول ابن عباس، حملوا ذلك على أن قوله: من السنة، اعتمادًا على قوله: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته»، نحن ما رأيناه، فهم من الحديث، لا أنه خاص بأن المطالع مختلفة، فهذا نظير لما معنا.

المقدم: هذا ظاهر جدًّا، نعم.

يقول: قال، لكن قال الطحاوي: إن قول ابن عمر وعائشة: لم يُرخص، أخذاه من عموم قوله تعالى: { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ } [البقرة: 196]؛ لأن قوله: { فِي الحَجِّ } [البقرة: 196]، يعم ما قبل يوم النحر وما بعده.

طيب، إذا قلنا: إن هذا فهم ابن عباس في...

المقدم: في المطالع.

في المطالع، وفي أيام التشريق فهم ابن عمر وعائشة، يختلف الأمر أم ما يختلف؟ إذا قلنا: له حكم الرفع، فهو ملزم حجة، ملزم، وإذا قلنا: إن هذا فهمهما، فليس بملزم، لا سيما عند من لا يحتج بقول الصحابي.

المقدم: ألا يمكن أن يكون ما يعضد كونه من فهمهما ما رُوي عن عائشة من أنها تصوم؟ يعضد هذا؟

كيف تفهم من الآية أنه لم يُرخص ثم تصوم؟

المقدم: تبين لها فهم آخر، لو كانت ترفعه للنبي -صلى الله عليه وسلم- ما يمكن أن تصوم، لكن هذا فهم لها، ثم تبين فيما بعد؟

يعني تغير اجتهاد؟

المقدم: تغير اجتهاد.

يعني عدم الترخيص فهم، ثم رأت أن هذا الفهم لا يقوى على المنع؟

المقدم: نعم، فصامت.

دعنا نمشي على القول الذي يرجحه جمهور أهل العلم: إنه رخص ويرخص كذا، له حكم الرفع، وإن كان يعني هذا الفهم من الطحاوي لفتة دقيقة جدًّا يعني، طالب العلم لا بد من الانتباه لمثلها.

قال: وقد ثبت نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن صوم أيام التشريق، وهو عام في حق المتمتع وغيره، وعلى هذا فقد تعارض عموم المشعر بالإذن، عموم المشعر بالإذن { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ } [البقرة: 196]، عمومه الشامل لما قبل، لما قبل النحر، وما بعده، عموم الآية يشمل ما قبل وما بعد، تعارض.. قد ثبت نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن صوم أيام التشريق، وهو عام في حق المتمتع وغيره، وعلى هذا فقد تعارض عموم المشعر بالإذن، وعموم الحديث المشعر بالنهي، وعموم الحديث المشعر بالنهي.

أين عموم الحديث المشعر بالنهي؟

المقدم: لم يرخص، يمكن.

لكن استثناء..، تخصيص، وفي تخصيص عموم المتواتر بعموم الآحاد نظر، لو كان الحديث مرفوعًا، فكيف وفي كونه مرفوعًا نظر.

الآن، قلنا: إن المرجح عند جمهور أهل العلم أنه له حكم الرفع، الأمر الثاني: مسألة الاستثناء «إلا لمن لم يجد الهدي»، فليس تعارض عموم مع عموم، إنما هو تعارض عموم مع خصوص، إن كان ينازع في تخصيص المتواتر بالآحاد، فهذا شيء؛ لأنه عندهم قد يدخل في الزيادة على النص، والزيادة عندهم على النص نسخ، والآحاد لا ينسخ المتواتر، يعني هذا يمكن أن يمشى على مذهب الحنفية، أما تعارض عموم بعموم، لا، هو تعارض عموم بخصوص؛ لأن الاستثناء من المخصصات.

قال ابن حجر: فعلى هذا يترجح القول بالجواز، وإلى هذا جنح البخاري، والله أعلم.

قال العيني متعقبًا ابن حجر: كيف يترجح الجواز مع رواية جماعة من الصحابة ما يناهز ثلاثين صحابيًّا النهي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصوم في أيام التشريق؟ ومع هذا؛ فالبخاري ما روى في هذا الباب إلا ثلاثة، إلا ثلاثة من الآثار موقوفة.

قال ابن حجر: فعلى هذا يترجح القول بالجواز، وإلى هذا جنح البخاري.

وما عندنا: حديث عائشة مطلق، يعني فعلها، والذي يليه: حديثها مع حديث ابن عمر مقيد أو مخصص بمن لم يجد الهدي، وحديث ابن عمر -ثالث أخبار الباب- قال: الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة، فإن لم يجد هديًا ولم يصم صام أيام منى.

المقدم: مرفوع يا شيخ؟

لا، هذا موقوف.

كيف نقول: إنه ثلاثة أحاديث موقوفة، ثلاثة من الآثار موقوفة؟ العيني، أولًا ابن حجر يقول: فعلى هذا يترجح القول بالجواز، وإلى هذا جنح البخاري -يعني صومه، صومها بالنسبة لمن لم يجد الهدي-، والعيني متعقبًا ابن حجر يقول: كيف يترجح الجواز مع رواية جماعة من الصحابة ما يناهز ثلاثين صحابيًّا النهي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الصوم في أيام التشريق؟ -يأتي بعضها-، ومع هذا فالبخاري ما روى في هذا الباب إلا ثلاثة من الآثار موقوفة.

مع أنه قال: لم يُرخص، يعني الخلاف في هذه الصيغة.

المقدم: عند العيني، هذا كلام العيني؟

نعم.

المقدم: يرجح أنها ليس لها حكم المرفوع أيضًا؟

نعم؛ لأنه تبع فيه الطحاوي، وهو من أئمة الحنفية: أن هذا استناد إلى الآية.

المقدم: فهم.

فهم من الآية، فتكون كل الأخبار الموجودة في الباب؟

المقدم: آثارًا.

آثارًا موقوفة.

المقدم: موقوفة.

إلا ثلاثة من الآثار موقوفة.

«إلا لمن لم يجد الهدي»، في رواية أبي عوانة عن عبد الله بن عيسى عند الطحاوي: إلا لمتمتع أو محصر.

يقول ابن حجر: استدل بهذا الحديث على أن أيام التشريق ثلاثة، من أين؟

المقدم: { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196].

نعم، إذا قرنا الآية مع الحديث ظهرت النتيجة أن أيام التشريق ثلاثة.

قال ابن حجر: استدل بهذا الحديث على أن أيام التشريق ثلاثة غير يوم عيد الأضحى؛ لأن يوم عيد الأضحى لا يُصام بالاتفاق، وصيام أيام التشريق هي المختلف في جوازها، والمستدل بالجواز أخذه من عموم الآية كما تقدم، فاقتضى ذلك أنها ثلاثة؛ لأنه القدر الذي تضمنته الآية، والله أعلم.

يعني يمكن أن يورد إشكال {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ } [البقرة: 196]، { فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ } [البقرة: 196]، الجمهور -يعني الحنفية والشافعية والحنابلة- أشهر الحج، متى؟ شوال، ذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، هذه أشهر الحج، وأيام التشريق هل من أشهر الحج؟ لا، فكيف يقول: { ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ } [البقرة: 196]، ونقول: إن أيام التشريق ليست من الحج؟ ليست من أشهر الحج؟ إشكال؟

المقدم: إشكال.

هم يقولون: إن المراد بأشهر الحج التي يصح فيها الإحرام، هل يصح الإحرام في أيام التشريق؟

المقدم: لا.

أو حتى في يوم العيد؟

المقدم: لا.

لا يصح.

المقدم: بينما في الآية المراد به؟

كيف؟ { فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ } [البقرة: 196]؟ يعني في أعمال الحج، أعمال الحج تستمر إلى الثالث عشر قولًا واحدًا.

لكن يمكن أن يرد هذا الإشكال.

طيب رأي الإمام مالك أن أشهر الحج ثلاثة أشهر إلى آخر ذي الحجة، هل معنى أنها تصام إلى آخر ذي الحجة؟ نعم، مقتضى هذا ما فيه ما يمنع، مقتضى هذا أنه إلى آخر الأيام، إلى آخر شهر ذي الحجة.

المقدم: السبعة أم الثلاثة؟

الثلاثة، { ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ } [البقرة: 196]، يعني مقتضى قوله: إن أشهر الحج تمتد إلى نهاية الحج، أنه ما فيه ما يمنع أنها تصام بعد أيام التشريق، ويخرج بهذا عن الإشكال.

المقدم: أما السبعة فلا مشكلة في تأخيرها؟

نعم، { وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } [البقرة: 196]، { وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } [البقرة: 196]، ولذلك يورد هذه العشرة الكاملة مثال للصيام المفرق؛ لأن عندك صيامًا مأمورًا به مطلقًا، وصيامًا مأمورًا به مقيدًا بماذا؟ بالتتابع، وصيامًا مأمورًا به مقيدًا بالتفريق، وهذا مثاله: { فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } [البقرة: 196]، وقد يقول المالكية مثلًا: إنه لا يصح صيامها بعد أيام التشريق؛ لأن قوله: { فِي الحَجِّ } [البقرة: 196] التي فيها أعمال الحج، وهي تنتهي بالثالث عشر.

وفي شرح ابن بطال: قال ابن المنذر: واختلف العلماء في صيامها -يعني أيام التشريق-، فرُوي عن ابن الزبير أنه كان يصومها، وعن الأسود بن يزيد مثله، وقال أنس: كان أبو طلحة قلما رأيته يفطر إلا يوم فطر أو أضحى، وكذلك كان ابن سيرين يصوم الدهر غير هذين اليومين، كان ابن سيرين يصوم الدهر غير هذين اليومين.

يعني نظير ما جاء في صيام يوم عرفة النبي -عليه الصلاة والسلام- أفطر في يوم عرفة، وجاء النهي عن صوم يوم عرفة بعرفة لكن فيه كلام لأهل العلم، الحديث مضعف، لكن مع فطره -عليه الصلاة والسلام- علنًا وأنه شرب بمرأى الناس كلهم للاستعانة بذلك على وظائف يوم عرفة حكم جمع من أهل العلم بأن صيام يوم عرفة بعرفة حرام، وأن صائمه آثم.

في شرح ابن بطال: قال ابن المنذر: واختلف العلماء في صيامها -يعني صيام أيام التشريق-، فرُوي عن ابن الزبير أنه كان يصومها، وعن الأسود بن يزيد مثله، وقال أنس: كان أبو طلحة قلما رأيته يفطر إلا يوم فطر أو أضحى، وكذلك كان ابن سيرين يصوم الدهر غير هذين اليومين، وكان مالك والشافعي يكرهان صوم أيام التشريق إلا للمتمتع الذي لا يجد الهدي، فيصوم هذه الثلاثة أيام؛ لأنها في الحج إذا لم يصمها في العشر على ما جاء عن عائشة وابن عمر، ورُوي ذلك عن عبيد بن عمير وعروة، وهو قول الأوزاعي وإسحاق، ذكره ابن المنذر، وذكر الطحاوي أن هؤلاء أباحوا صيام أيام التشريق للمتمتع والقارن والمحصر إذا لم يجد هديًا، ولم يكونوا صاموا قبل ذلك، ومنعوا منها من سواهم، وخالفهم آخرون، فقالوا: ليس لهؤلاء ولا لغيرهم، ليس لهؤلاء ولا لغيرهم من الناس أن يصوموا هذه الأيام عن شيء من ذلك ولا عن كفارة ولا في تطوع لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، ولكن على المتمتع والقارن الهدي لتمتعهما وقرانهما، وهدي آخر، وهدي آخر؛ لأنهما حلا بغير صوم، هذا قول الكوفيين، وهو أحد قولي الشافعي.

يعني يلزمهم هدي، يعني إذا جاء يوم عرفة وهم ما صاموا قبل عرفة ثلاثة أيام، يلزمهم اثنان، هدي التمتع والقران، وهدي لأنهم حلوا بدون صيام.

قال: هذا قول الكوفيين، وهو أحد قولي الشافعي، وذكر ابن المنذر عن علي بن أبي طالب أن المتمتع إذا لم يجد الهدي لم يصم الثلاثة أيام في العشر، يصومها بعد أيام التشريق، بعد أيام التشريق -في الرابع عشر، والخامس عشر، والسادس عشر-، وهو قول الحسن وعطاء، احتج الكوفيون بما رواه إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده قال: أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أنادي أيام منًى: «إنها أيام أكل وشرب، ولا صوم فيها» يعني أيام التشريق، وروته عائشة وعمرو بن العاص وعبد الله بن حذافة وأبو هريرة كلهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما تواترت هذه الآثار بالنهي عن صيام أيام التشريق، وكان نهيه عن ذلك بمنًى، والحاج مقيمون بها، وفيهم المتمتعون والقارنون، ولم يستثن منهم أحدًا، دخل في ذلك المتمتعون والقارنون وغيرهم.

الآن النداء هذا الذي حصل عن أيام التشريق، وأنها أيام أكل وشرب، كان بمنى، ويوم منى معروف أنه اليوم الثامن، وجزمًا بأن أولئك المتمتعين والقارنين من لم يصم منهم قبل، من لم يصم منهم قبل التروية، يدخل في النهي، قد يقول قائل: إنه لا يدخل؛ لأنه مستثنى -وهذه تحتاج إلى انتباه-، يعني لما...

المقدم: لما نادى.

لما نادى، وثبت النهي عن جمع من الصحابة، سعد، حديث سعد بن أبي وقاص: أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أنادي أيام منًى: «أنها أيام أكل وشرب، ولا صوم فيها» يعني أيام التشريق، وروته عائشة وعمرو بن العاص وعبد الله بن حذافة وأبو هريرة كلهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقول: فلما تواترت هذه الآثار بالنهي عن صيام أيام التشريق، وكان نهيه عن ذلك بمنًى، والحاج مقيمون بها، وفيهم المتمتعون والقارنون، ولم يستثن من ذلك أحدًا، دخل في ذلك المتمتعون والقارنون وغيرهم.

يقول: قال ابن القصار: ومن حجة مالك قوله تعالى: { فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ } [البقرة: 196]، ولا خلاف بين العلماء أن هذه الآية نزلت يوم التروية، وهو ثامن ذي الحجة، فعلم أنه أباح لهم صومها، وأنهم صاموا فيها؛ لأن الذي بقي من العشر الثامن والتاسع، والثامن الذي نزلت فيه الآية لا يصح صومه؛ لأنه يحتاج إلى تبييت من الليل، والعاشر يوم النحر، والإجماع على أنه لا يصام، فعلم على أنهم صاموا بعد ذلك.

الآن عندنا حجتان قويتان، يعني المناداة في أيام منى، يوم التروية، «أن هذه الأيام أيام أكل وشرب ولا صوم فيها»، مع أن عموم هذا دخول المتمتع والقارن في عموم النداء هذا معارض بخصوص: «إلا لمن لم يجد الهدي»، «إلا لمن لم يجد الهدي»، متى قال النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الكلام؟ أو متى استثنى؟ قبل أم بعد؟ قبل حجته أو بعدها؟ الله أعلم، يعني هذا نظير الأمر بقطع الخف لمن لم يجد النعل، قاله بالمدينة -عليه الصلاة والسلام-، ولما خطب بعرفة ما قيد بالقطع.

المقدم: مع أن الحاجة أولى هنا.

الحاجة داعية؛ لأنه حضر بعرفة أناس لم يسمعوا كلامه بالمدينة، فلذلك قال بعضهم: إنه لا بد، إنها لا تقطع، ولم يحملوا المطلق على المقيد، عندنا مطلق ومقيد، لكن عندنا مطلق فيه قوة، وفيه يلزم عليه أيضًا قوته من لزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة، بينما المقيد، صحيح أن قوته من حيث التقييد، لكن يقابله قوة المطلق لتضمنه تأخير البيان لو قلنا بالتقييد عن وقت الحاجة، وهذه المسألة حقيقة تحتاج إلى مزيد عناية -إن شاء الله تعالى-.

المقدم: نبدأ بها -إن شاء الله- في الحلقة القادمة -بإذن الله تعالى-، شكر الله لكم، ونسأل الله -تعالى- أن يوفقنا وإياكم لكل خير، أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل إلى ختام حلقتنا، نستكمل -بإذن الله- ما تبقى في حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب المتابعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.