شرح ألفية الحديث للحافظ العراقي (22)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال الإمام العراقي -رحمه الله تعالى-:

معرفة من تقبل روايته، ومن ترد

أجمع جمهور أئمة الأثر

بأن يكـون ضابطـًا معـدلًا

يحفظ إن حدث حفظًا يحوي

يعلم مـا في اللفظ من إحالـه

بأن يكون مسـلمًا ذا عقـل

من فسق أو خرم مروءة ومن

وصحح اكتفاؤهم بالواحد

وصححوا استغناء ذي الشهرة عن

ولابـن عبد البـر كل من عني

فإنـه عدل بقـول المصطفـى:

ومن يوافق غالبًا ذا الضبط

وصححـوا قبـول تعديـل بلا

ولم يرو قبـول جرح أبهمـا

استفسر الجرح فلم يقدح كما

هـذا الذي عليـه حفاظ الأثر
ج

 

والفقـه في قبـول ناقل الخبـر

أي يقُظـًا ولـم يكن مغفـلًا

كتابـه إن كـان منـه يـروي

إن يـرو بالمعنى وفي العدالـة

قـد بلـغ الحلم سـليم الفعل

زكَّـاه عدلان فعـدل مؤتمن

جرحًا وتعديلًا خلاف الشـاهد

تزكية كمالك نجم السـنن

بـحملـه العلـم ولـم يوهـن
((يحمل هـذا العلم)) لكن خولفـا

فضابط أو نادرًا فمخطي

ذكر لأسـباب له أن تثقلا

للخلف في أسبابه وربمـا

فسره شعبة بالركض فما

كشيخي الصحيح مع أهل النظر

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "معرفة من تقبل روايته، ومن ترد" معرفة من تقبل روايته، ومن ترد، يعني وما يتبع ذلك، وفيه ثلاثة عشر فصلًا:

الأول، الفصل الأول: أشار إليه الناظم بقوله -رحمه الله تعالى-:

أجمع جمهور أئمة الأثر
 

 

والفقه في قبول ناقل الخبر
 

"أجمع جمهور" بين هاتين الكلمتين تنافر معنوي، وإن كانت هي عبارة ابن الصلاح أصل النظم، لكن التنافر المعنوي موجود.

فالإجماع الأصل فيه أنه قول الكل، والجمهور قول الأكثر، فكيف يقول: "أجمع جمهور"؟! فيجمع بين هاتين اللفظتين المتنافرتين، لا شك أنه تساهل في التعبير، وتجوز فيه، وإلا إذا قصد الإجماع الذي هو قول الكل امتنع كونه قول الأكثر، وإذا قصد أن الجمهور يقولون بهذا امتنع حكاية الإجماع، فالجمع بينهما تنافر معنوي بلا شك؛ لأن مفاد الإجماع غير مفاد قول الجمهور، والعكس.

وليس الناظم، وقبله ابن الصلاح ممن يرى أن الإجماع قول الأكثر، كما أشرنا إلى قول ابن جرير سابقًا، فإنهما مع الجمهور، مع جماهير أهل العلم في كون الإجماع قول الكل:

أجمع جمهور أئمة الأثر
 

 

...................................

يعني من أهل الحديث "والفقه" يعني اتفق أهل الأثر، وأهل النظر، اتفقوا "في قبول ناقل الخبر" أي على قبوله، على قبول ناقل الخبر، أي الراوي له، الآثر له "في قبول ناقل الخبر" المحتج به، يعني قبول ناقل الخبر الذي يحتج به؛ لأن الخبر أعم من أن يكون محتجًّا به، أو غير محتج به، لكن القبول خاص بالمحتج به، القبول للاحتجاج أخص من كلمة خبر، الخبر يعم المقبول، وغير المقبول، والقبول قد يكون الاحتجاج به لذاته، وهو المراد هنا، وقد يكون القبول لا لذاته بل لما يشهد له كالحسن لغيره، لا تنطبق هذه الشروط على راويه؛ لأنه في الأصل ضعيف، ضعيف تعددت طرقه، وجبر بعضها بعضًا، فقبل لا لذاته، ولا لأن الشروط المذكورة اكتملت في راويه، إنما هذه الشروط لرواة الخبر المحتج به، المقبول، وهو أعم من أن يكون صحيحًا ليتناول الحسن –أيضًا-؛ لأنه مقبول.

بأن يكون ضابطًا معدلًا
 

 

...................................

"بأن يكون" أي بشرط أن يكون راويه "ضابطًا معدلًا" ضابطًا لما يرويه، معدلًا من قِبَل أئمة الحديث، فالضبط والعدالة شرطان لا بد منهما لقبول خبر الراوي، لا يكفي الضبط وحده؛ لأنه قد يكون ضابطًا، والعدالة مجروحة؛ فلا يؤمن حينئذٍ أن يكذب، ولا تكفي العدالة وحدها؛ لأنه قد يكون عدلًا مرضيًا في دينه، لكنه قد يخطئ مع عدالته، وديانته؛ ولذا لا بد من اجتماع الأمرين، وإذا اجتمع العدالة مع الضبط صار الراوي ثقة، فالثقة من الرواة من يجمع بين شرطي القبول اللذان هما العدالة مع الضبط.

وهذا تقدم في تعريف الصحيح:

بأن يكون ضابطًا معدلًا
 

 

...................................

ثم شرح الأخير، ثم عرج على الأول على سبيل اللف والنشر المشوش، يعني غير المرتب، أو مرتب؟

طالب:......

نعم على سبيل اللف والنشر المرتب؛ لأنه قدم الضبط، ثم ثنَّى بالعدالة، ثم فصل، ونشر ما يتعلق بالضبط، ثم ثنَّى بما يتعلق على سبيل التفصيل بالعدالة.

بأن يكون ضابطًا معدلًا
 

 

أي يقُظًا ..................
 

 بضم القاف، وكسرها، كما قال الجوهري في صحاحه، أي أن يكون في الضبط، أي بأن يكون في الضبط يقُظًا، يعني متيقظًا لما يتحمل؛ فلا يخل بشيء مما يسمع، و-أيضًا- متيقظًا عند الأداء، فإذا أخذ عن الشيوخ في حال التحمل لا بد أن يكون يقُظًا، يعني متيقظًا منتبهًا، لا غافلًا، ولا ساهيًا، ولا لاهيًا، وكذلك الحال عند الأداء للآخذين عنه أن يكون متيقظًا "ولم يكن مغفلًا" ولم يكن مغفلًا لا يميز الصواب من الخطأ "ولم يكن مغفلًا" يعني لا يميز الصواب من الخطأ، ولا يلقَن فيتلقن؛ لأن هذا هو مغفل، بعض الناس عنده غفلة، يقبل التلقين، فإذا قيل له: إن هذا الحديث من حديثك، ووثق بالقائل حدث به، قيل له: هذا حديثك عن فلان، فإذا وثق به حدث عنه، وتوجد –أيضًا- مثل هذه الغفلة، وقبول التلقين في الشهود، يعني في حياة الناس العامة قديمًا، وحديثًا، فبالإمكان أن تكسب شخصًا يشهد لك شهادة زور، وهو من خيار عباد الله، وينفر عن شهادة الزور أشد النفرة، لكنه يشهد إذا لُقِّن، يعني يأتي إليك زائرًا، فتقول له: أبشرك بأننا اشترينا هذه الأرض، وتصف له مكانها فيعرفه، ويقول: هذه أرض طيبة، وموقعها ممتاز على شوارع، وتصلح للاستثمار، وينتهي الحديث عند هذا، ثم تزوره، في المرة الأولى زارك، وفي المرة الثانية تزوره أنت، ثم تقول له: هذه الأرض دفعنا نصف قيمتها الآن، ثم بعد ذلك مرة ثالثة: والله أنا متردد في أن أنشئ عليها عمارة سكنية، أو تجارية، أو أسكنها، أو أبيع ما أدري –والله- إلى الآن ما بعد قررت شيئًا، ثم تأتي مرة ثالثة، أو رابعة، وتقول له: هذه الأرض ثيمت بكذا لكني عازم على استثمارها، وقد دفعنا بقية الثمن، ثم عشر زيارات، ثم تقول له: الآن نريد الإفراغ دفعنا القيمة، ومن خلال ما كررت عليه من الكلام تقرر في نفسه بما لا مجال فيه للشك أن الأرض لك، ثم تطلب منه الشهادة، ويذهب معك إلى المحكمة، ويشهد؛ لأنه مغفل يقبل التلقين، لكن لو قلت له من أول مرة: أنا عندي أرض تشهد عليها، ما قِبَل؛ لأنه رجل صالح، لكنه بهذا التلقين التدريجي قبل، فقر في نفسه أنك صادق، وأنت كل ما دار، والحاصل، ومن كثر ما تكرر عليه مثل هذا الكلام يزداد بك ثقة، ويقتنع بملكك للأرض، هذا هو معنى التلقين.

فتجد بعض الناس إذا قيل له: هذا حديثك عن فلان، ثم مرة ثانية، أو ثالثة، المرة الرابعة يحدث به عن فلان، هذا مغفل لا تقبل روايته.

وأن يكون مع ذلك "يحفظ" يعني متيقظ حال التحمل، وحال الأداء، وأن يكون غير مغفل، وهذا توضيح لليقظة وأن يكون –أيضًا- يحفظ، حافظته تسعفه يحفظ ما سمعه بأن يثبته في حفظه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء، بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء "يحفظ إن حدث حفظًا" يعني حفظ صدر "يحفظ إن حدث حفظًا" أي من حفظه في صدره عن ظهر قلبه:

....................... يحوي
 

 

كتابه إن كان منه يروي
 

"يحوي كتابه" يصونه عن تطرق التغيير إليه، وتكون صيانته، وحفظه له بنفسه، بنفسه يتولاه بنفسه، أو بثقة يعني طرأ عليه سفر، أو شيء يشغله عن حفظه بنفسه يودعه عند ثقة، وكم من شخص وقع الخلل في كتابه؛ لأنه يفرط فيه، فيعيره إلى غير ثقة، أو يحفظه غير ثقة، أو يكون له ولد يعبث بالكتب، أو ربيب، أو نسيب، صهر، أو ما أشبه ذلك، وهذا حصل لبعض الرواة، حصل لبعض الرواة أن أدخل في كتبهم ما ليس منها من قبل من يدخل على بيته دون استئذان، ويقلب النظر في كتبه، وقد يزيد، وقد ينقص، هذا ليس بضابط، الذي يهمل الكتاب الذي يروي منه إذا كان يعتمد عليه، إذا كان يعتمد على الرواية من الكتاب، وهذا هو النوع الثاني من أنواع الضبط، كما تقدم بيانه، وهو ضبط الكتاب.

إذا كان يحفظ عن ظهر قلب، وضبطه ضبط صدر، فلا بد أن يكون يحفظ بحيث يتمكن من الأداء، والاستحضار في أي وقت شاء، وإن كان ضبطه ضبط كتاب، يحدث من كتابه، فهذا، ولو لم يضبط، ولو لم يضبط في صدره، ولا يحفظ عن ظهر قلب، وإنما يتقن كتابه، بأن يعنى به أثناء الرواية، والكتابة، ثم بعد ذلك يحفظه، ويصونه عن أن يتطرق إليه خلل بزيادة، أو نقصان "إن كان منه يروي" يعني إن كان من كتابه يروي، وضبط الصدر هو الأصل، وضبط الكتاب معتبر عند عامة أهل العلم، ومنهم من شدد، فقال: لا يقبل إلا ضبط الصدر؛ لأنه الأصل، لكن المقرر عند أهل العلم لا سيما أهل الحديث أن ضبط الكتاب إن لم يكن أتقن من ضبط الصدر، فإنه ليس بدونه؛ لأن الحفظ خوَّان، قد يحاول يستذكر، فلا يذكر، أما ضبط الكتاب فهو يستحضره متى ما أراده يفتح الكتاب، وينظر فيه، ويحدث منه:

....................... يحوي
 

 

كتابه إن كان منه يروي
 

وأن يكون إضافة إلى ذلك إن كان يروي باللفظ لا بد أن يكون كما تقدم، وإن كان يروي بالمعنى، فلا بد بأن يكون، فلا بد من أن يكون:

يعلم ما في اللفظ من إحالة
 

 

...................................

يعلم ما في اللفظ من إحالة، بحيث يأمن من تغيير ما يرويه "إن يروي بالمعنى" إن يروي الخبر بالمعنى، إن كان يروي باللفظ، فلا بد أن يؤديه بحروفه كما سمعه، وإن كان يروي بالمعنى لا بد أن يكون ممن يعلم ما في اللفظ من إحالة، بحيث يأمن من تغيير ما يرويه، بعض الناس إذا روى بالمعنى خلط، وخبَّط في الحقائق، خبط، وخلط في الحقائق، فيرد عليه في اللفظ حقيقة شرعية، ثم يحيلها إلى حقيقة عرفية، أو لغوية، وهي غير مرادة في هذا السياق، لا بد أن يعرف ما يحيل المعاني، واللفظة الواحدة عند من يريد الرواية بالمعنى قد تحتمل معاني في لغة العرب، فلا بد أن يكون من تجوز له الرواية بالمعنى أن يعرف المعنى المراد في هذا السياق، المعنى المراد في هذا السياق، وقد يكون للفظة الواحدة أكثر من حقيقة شرعية، فمثلًا إذا روى حديث: ((من وجد ماله عند رجل قد؛ أفلس فهو أحق به))، لو فسر هذا الإفلاس بحديث: ((المفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال))، يقول: هذا الرجل مفلس، قد تكون عنده الأرصدة، والأموال، يعني غني من كبار الأغنياء، لكن يقول: هذا ليس هو المفلس في الحقيقة الشرعية، المفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال -وترى مثل هذه النغمة لا بد أن تغير؛ لأنها أشد من نغمة جرس الدواب الذي جاء منعه، فلا بد من تغييرها، وإن نازع من نازع أنها ليست موسيقى، إلا موسيقى يا أخي، هذه أشد من جرس الدواب الذي جاء المنع منه، فلا بد أن تغير، والحكم بيننا، وبينهم، نعم لا نعرف موسيقى، لكن قد ينازعون أنكم لا تعرفون تقولون: هذه موسيقى، لا، عندنا نصوص شرعية نحتكم إليها، جرس الدواب ممنوع، والذي نعتقده أن هذه أشد من جرس الدواب، فتمنع-.

هذا الذي روى هذا الحديث: ((من وجد ماله عند رجل قد أفلس))، وأراد أن يرويه بالمعنى، وقد سمع بحديث: ((أتدرون من المفلس؟))، قالوا: من لا درهم له، ولا متاع، قال: ((لا، المفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال، يأتي، وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا)) يقول: هذا هو المفلس يا أخي، فإذا كان من هذا النوع، إذا وجد ماله عند رجل موصوف بهذا الفلس الذي هو ظلم الناس، يقول: أنا أحق بمالي، طيب مالك أنت بعته، وهذه قيمته، قال: لا، لا هذا مفلس، وأنا أحق به، مثل هذا يعلم ما يحيل المعاني؟ لا، فمثل هذا لا يجوز له أن يروي بالمعنى.

المحروم، إذا أراد أن يفسر المحروم، ويفهم المحروم في النص على حقيقته العرفية التي مفادها أنه هو الرجل الذي عنده الأموال الطائلة، لكنه مقتِّر على نفسه، في العرف يسمى محروم، ولا شك أن مثل هذا حرمان، فيقول: مثل هذا تصرف له الزكاة، فيروي، ينزل المحروم على هذا، وقد يرويه بالمعنى، فيزيد الطين بلة، فمثل هذا الذي لا يعرف ما يحيل المعاني لا يجوز له أن يروي الحديث بالمعنى:

يعلم ما في اللفظ من إحالة
 

 

إن يروي بالمعنى ..........
 

يعني لا باللفظ، انتهينا من الشرط الأول، وهو الضبط "وفي العدالة" الشرط الثاني، أحد شقي التوثيق "وفي العدالة" بأن يكون في العدالة، والعدالة كما عرفها أهل العلم: ملكة تحمل صاحبها على ملازمة التقوى، والمروءة، ملكة تحمل على ملازمة التقوى، والمروءة، والملكة هي الصفة الثابتة الراسخة، ليست الصفة التي تطرأ، وتزول، بل هي الثابتة، الراسخة التي لا تتغير، وليس معنى هذا أنه يكون معصومًا ملازمًا للتقوى، بمعنى أنه لا يعصي، ولا يترك مأمورًا، لا، قد يعصي، قد يزل، ويتوب من ذلك، ويندم عليه، ليس بمعصوم، العصمة ليست مفترضة، ولا مشترطة في الرواة، وأنتم ترون بعض الناس، يعني يعيش سبعين سنة، ثمانين سنة بين الناس، وهو يحكم له بأنه رجل تقي، لكن لا يعني هذا أنه معصوم، لكن حاله مستقيمة على الجادة في الجملة، قد تحصل منه المعصية، قد تجده في مجلس، قد يذكر أحدًا بما لا يرضى، ويقع في عرضه، لكنه في الجملة مطيع لله -جل وعلا-، فحصل منه هذه الهفوة، وإذا تذكر ندم، ولذا لا يقال: إن هذه الملكة، وهي الصفة الثابتة الراسخة، التي لا تتغير، ليس معناها أنه لا يخطئ، بمعنى أنه لا يعصي، لا يترك مأمورًا، أو لا يرتكب محظورًا، قد يحصل منه شيء من هذا، لكنه في جملته ماثل مستقيم "وفي العدالة بأن يكون" يعني متصفًا بأوصاف:

بأن يكون مسلمًا ذا عقل
 

 

...................................

"مسلمًا ذا عقل" والإسلام شرط مجمع عليه، فلا تصح رواية، ولا تجوز رواية الكافر بحال، والمقصود بذلك حال الأداء، أما في حال التحمل، فقد يتحمل الخبر، وهو كافر، أما إذا أدى، فإنه لا يقبل خبره إلا إذا كان مسلمًا بالإجماع، في حال التحمل قد يتحمل، وهو كافر، جبير بن مطعم سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بالطور، في صلاة المغرب بالطور، وهو كافر جاء في فداء أسرى بدر، لكنه أدى هذه السنة بعد أن أسلم، وتلقاها الناس منه، وحملوها عنه، وأخرجت في الصحيح؛ لأن هذه الشروط شروط الأداء "بأن يكون مسلمًا" فلا يقبل الكافر، سواءٌ كان الكافر أصليًا، أو قد ارتكب بدعة مكفرة، على ما سيأتي في رواية المبتدع، فلا بد أن يكون مسلمًا ذا عقل، فالكافر لا تصح روايته، وكذلك المجنون لا تصح روايته، لا بد أن يكون ذا عقل، والعقل هو مناط التكليف؛ لأن المجنون غير مكلف، فلا يؤمن أن يكذب على من ينسب الخبر إليه، فلا بد أن يكون مسلمًا عاقلًا "قد بلغ الحلم" قد بلغ الحلم، يعني بلغ سن التكليف، والتكليف يكون بالإنزال، ويكون ببلوغ، بتمام الخمس عشرة سنة، ويكون بإنبات الشعر الخشن حول الفرج، وهذا مشترك، وتزيد المرأة بالحيض، فإذا حاضت كلفت، فإذا بلغ الحلم بمعنى أنه بلغ سن التكليف بواحد من هذه الأشياء، واتصف بالإسلام والعقل، وسلم من أسباب الفسق وخوارم المروءة فإنه تصح روايته "قد بلغ الحلم" وعلى هذا فرواية الصغير غير مقبولة، أما غير المميز فمحل إجماع، وأما المميز فجماهير أهل العلم على أن روايته لا تقبل ولو راهق، يعني قارب الاحتمال، ما لم يحتمل، يعني ما لم يكلف، فإن روايته حينئذٍ لا تكون مقبولة؛ لأنه يعرف أنه غير مكلف، قلم التكليف لم يجر عليه، وعلى هذا لا يكتب عليه سيئاته، ولا آثامه، فلا يؤمن حينئذٍ أن يكذب.

ما الذي يمنعه عن الكذب؟ الذي يمنع عن الكذب خشية الإثم، وهو لا إثم عليه؛ لأنه غير مكلف، إذن لا شيء يمنعه ويردعه عن الكذب، قبل بعضهم شهادة الصبيان بعضهم على بعض ما لم يتفرقوا، ولا يوجد غيرهم من المكلفين، وبعضهم قبل شهادة المراهق، ومن باب أولى قبلوا روايته، المقصود أن غير المكلف لا تقبل روايته، يعني هل حمل عن ابن عباس قبل التكليف شيء؟ هل حمل عن ابن الزبير قبل تكليفه شيء؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- مات قبل أن يكلفوا، سيأتي في وقت التحمل والأداء؛ متى يصح التحمل؟ فإن المحمود ابن الربيع عقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مجة مجها في وجهه من دلو، وهو ابن خمس سنين، أو أربع سنين على روايات، فيصح تحمل الصغير، لكن أداءه وروايته غير صحيحة؛ ولذا قال الناظم -رحمه الله- تعالى: "قد بلغ الحلم" بأن صار مكلفًا "سليم الفعل" سليم الفعل "من فسق" لا يرتكب كبيرة، ولا يصر على صغيرة "أو خرم مروءة" من فسق أو خرم مروءة، المروءة التخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه، التخلق بخلق أمثاله في زمانه وفي مكانه، فلا يشذ عن بني جنسه، وبني بلده بشيء ينتقد فيه.

وفهم من كلام الناظم -رحمه الله تعالى- عدم اشتراط الحرية، ولا الذكورية، ولا العدد، فالمرأة تصح روايتها، وتحمل الناس عن أمهات المؤمنين، وغيرهن من الصحابيات ومن التابعيات؛ تحملوا الحديث عنهن، وتداولوه فيما بينهم، فالذكورة لا تشترط فتصح رواية المرأة، وكذلك الحرية ليست بشرط؛ لأن الأحاديث والسنن نقلت عن أرقاء، فنقلت عن بلال، ونقلت عن بريرة، وهي أمة، وامرأة أيضًا، خلافًا لمن اشترط شيئًا من ذلك، وأن الرواية كالشهادة، وبما أن الشهادة لا تقبل من امرأة منفردة، ولا من رقيق فالرواية مثلها، والصواب أن هذا مما تختلف فيه الرواية مع الشهادة، فتقبل رواية المرأة، وكتب السنة طافحة بروايات النساء، وتقبل رواية الرقيق، فلا شرط الحرية ولا للذكورة، واشترط بعضهم أن يكون الراوي فقيهًا، ولا عبرة بهذا الاشتراط؛ لأننا لو تأملنا أحوال الرواة الذين حمل أهل العلم عنهم الأخبار وجدنا الفقهاء منهم قلة، حتى بعض الصحابة ممن يخفى عليه الأحكام الشرعية، تحملت عنهم الأخبار لا سيما ما يتعلق بهم، فبعضهم اشترط فقه الراوي، والحقيقة أن هذا الشرط لا دليل عليه، بل الواقع يرده، فمن الأعراب الذين وفدوا على النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يعرفون من الأحكام إلا الشيء القليل نقلوا عنه -عليه الصلاة والسلام- بعض الأحكام وتحملت عنهم.

الفصل الأول انتهى من الفصول الثلاثة عشر.

طالب:......

نعم؟

طالب: العمر مشترط؟

العمر، إذا لم يكلف قبل ذلك بإنزال أو إنبات لا بد من استكمال خمس عشرة سنة.

طالب:......

المميز، سيأتي -إن شاء الله تعالى- في متى يصح تحمل الصغير، المميز هو الذي يفهم الخطاب، ويرد الجواب هذا في الأمور التي ليست عامة، ليست عامة للأمة أما في الأمور التي تشمل الناس كلهم، فحدت بتمام سبع سنين، يعني في الرواية لو اختبرنا صبيًّا عمره ثلاث سنين، ووجدناه يضبط؛ ما المانع من تصحيح تحمله إذا وجدناه يضبط، وقد يصل إلى العشر، وهو لا يضبط، كما قال ابن الصلاح: وإن كان لا يفهم الجواب، ولا يرد الخطاب لم تصح روايته، ولو كان ابن خمس، بل ابن خمسين، بينما الصغير إذا اختبر وابتلي صحت روايته، وهذا في الأمور التي يصح التفرد فيها، أما الأمور التي جاءت أحكام عامة للمسلمين فإنها تحدد بحد: ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين)) يعني لو قيل: مروا أولادكم المميزين، على كل أب أن يأمر ولده إذا ميز؛ فتجد الولد عمره عشر سنوات وهو بباب المسجد، وإذا سئل أبوه قال: والله ما ميز، وتجد الآخر يؤذي الناس بطفله ذي السنتين أو الثلاث، ويقول: مميز، فما تترك هذه لاجتهاد الناس؛ لا، لكن في الرواية الله يقويه، قدامه الأداء، وقدامه الشروط عند التحديث، كونه يحضر مجلس السماع، ويستمع إن استفاد؛ وإلا ما هنا نقص، وما هنا مضرة، لكن كونه يصف مع الناس، ويؤذيهم، ويقطع الصفوف، ويشوش على الناس سنتين، ثلاث كما يأتي بعضهم بولده يتأذى الناس به، وقد شهدنا من ذلك ما يندى له الجبين، ويعتصر له القلب أسًى وألمًا، شخص أحضر طفلاً عمره ثلاث سنوات، ومعه بالصف لما كبر الناس ذهب الولد إلى المصاحف، وصار يعبث بها، يعبث بها عبثًا لا يقبله أحد، وأبوه لم يتحرك ولا يقدم ولا..، لما ذهب الولد إلى المروحة، مروحة بإمكانه أن يتناولها، فتؤذيه قطع الأب صلاته، وذهب ييحضره خوفًا عليه، فمثل هذا لا شك أنه يمنع ولا يترك مثل هذا لاجتهادات الناس؛ لأن كل واحد يبغي يقول: والله ولدي مميز الحمد لله، وبعضهم يقول: لا، ما مميز، إذا ما جاء قال: ما ميز، وإن حضر قال: مميز، ولو كان صغيرًا، فمثل هذه الأمور تضبط بضابط عام، ومثله التكليف، خلاص فيه أمور واضحة، فاصلة.

الفصل الثاني: ما تعرف به العدالة:

قال -رحمه الله تعالى-:

...............................ومن
 

 

زكاه عدلان فعدل مؤتمن
 

"ومن" والذي يزكيه؛ أي يعدله في روايته، ويشهد له بأنه عدل ضابط "عدلان" يعني اثنان "فعدل مؤتمن" تقبل روايته اتفاقًا، عدل، ضابط، إذا تناولت تزكيته العدالة والضبط قبلت روايته،

...............................ومن
 

 

زكاه عدلان فعدل مؤتمن
 

والمؤتمن تأكيد تكملة "وصحح اكتفائهم" أي جمهور أئمة الأثر بالواحد، وصحح اكتفائهم بالواحد، أي قبول التعديل، التزكية من شخص واحد، والواحد سواءٌ كان حرًّا، أو عبدًا، ذكرًا كان أو أنثى:

وصحح اكتفاؤهم بالواحد
 

 

جرحًا وتعديلًا خلاف الشاهد
 

الصحيح عندهم في الرواية أن التزكية يكتفى فيها بواحد، ولو امرأة، ولو أمة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- سأل بريرة عن عائشة، فأثنت عليها خيرًا وزكتها، فتقبل تزكية المرأة ولو كانت أَمَة، فضلًا عن كونها ذكرًا حرًا، أو عبدًا "خلاف الشاهد" فالصحيح عدم الاكتفاء بالواحد، الصحيح عندهم عدم الاكتفاء بتزكية الواحد للشاهد كالأصل، الرواية تقبل من واحد، فالتزكية تبعًا لها تقبل من واحد، الشهادة لا تقبل من واحد، فالتزكية لا تقبل بالنسبة للشاهد من واحد، وكل فرع له حكم أصله، هذه التزكية، وهي التي يحتاج إليها في معرفة ارتفاع الجهالة الباطنة "وصححوا" يعني مما تثبت به العدالة أيضًا، "صححوا استغناء ذي الشهرة"    بها بين أهل العلم والاستفاضة، إذا كان مشهورًا مستفيضًا بين أهل العلم أنه من أهل العدالة، ومن أهل الثقة، ومن أهل العلم، ومن أهل الفضل:

وصححوا استغناء ذي الشهرة عن
 

 

تزكية صريحة كمالك نجم السنن
 

كمالك نجم السنن، كما وصفه الإمام الشافعي بذلك، ومثل مالك شعبة، وأحمد، وابن معين، والسفيانين، وغيرهم، هؤلاء إذا وردوا في سند؛ جاءك في السند أحمد بن حنبل، أو سفيان بن عيينة، أو سفيان الثوري، أو مالك, أو... الأئمة الكبار؛ هؤلاء هل تحتاج إلى أن تذهب إلى كتب الجرح والتعديل؛ لتنظير ما قيل فيهم؟ ما يحتاج، هؤلاء استفاض فضلهم، وعلمهم، وضبطهم، وإتقانهم، وحفظهم، فلا يحتاجون إلى تزكية، بينما لو وجد في السند شخص لم يشتهر؛ أنت ما تعرفه؛ لا بد أن تبحث عنه في كتب الرجال، ولا بد أن تسأل عنه، لا بد من التزكية.

وصححوا استغناء ذي الشهرة عن
 

 

تزكية صريحة كمالك نجم السنن
 

فلا بد من التزكية في حق من لم يشتهر بها، ولم يستفض أمره بها، الإمام أحمد -رحمه الله- سئل عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، قال: إسحاق يسأل عنه؟! إسحاق يسأل عن الناس، ومثل هذا قال في أبي عبيدة وغيره، فالذين استفاض ذكرهم، واشتهر أمرهم لا يسأل عنهم، وتجدون –الآن- بعض الناس يسأل عن العلماء الكبار، يأتي سؤال ما رأيك بالشيخ ابن باز؟ هذا سؤال يُحتاج إليه؟! والله هذا حاصل، ومرة واحد يسأل في شرح أحاديث الفتن، يسأل يقول: ما رأيك بالشيخ ابن جبرين؟ قلت: لولا أن هذا السؤال من الفتن ما أجبت عنه، ويسألون عن مشايخ كبار، هؤلاء يحتاج، هؤلاء يسألون عن الناس، ما يسأل عنهم، فالذي استفاض في الناس ذكره، واشتهر فضله لا يسأل عنه، لا يسأل عنه مثل هذا؛ ولذا:

وصححوا استغناء ذي الشهرة عن
 

 

تزكية صريحة كمالك نجم السنن
 

ثم قال -رحمه الله-: "ولابن عبد البر" لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري الحافظ المتوفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة، وهي السنة التي توفي فيها الخطيب الحافظ، هذا حافظ المغرب، وذاك حافظ المشرق:

ولابن عبد البر كل من عني
 

 

بحمله العلم ولم يوهن
 

يعني لم يضعف "كل من عني" أي اهتم بحمل العلم بحيث صار من أهل العلم "ولم يوهن" لم يضعف، رأي ابن عبد البر أن مثل هذا عدل، لا يحتاج فيه إلى تزكية، ولا يحتاج إلى أن تراجع كتبًا ولا شيء:

ولابن عبد البر كل من عني
 

فإنه عدل بقول المصطفى
 

 

بحمله العلم ولم يوهن
 

...................................
 

-صلى الله عليه وسلم-: ((يحمل هذا العلم..))، يعني ((..من كل خلف عدوله؛ ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)) هذا الحديث استدل به ابن عبد البر على أن كل من عرف بحمل العلم أنه عدل:

فإنه عدل بقول المصطفى
 

 

يحمل هذا العلم لكن خولفا
 

خولف ابن عبد البر -رحمه الله- في رأيه هذا، خولف؛ لماذا؟ لأن الواقع يشهد بخلاف ذلك؛ لوجود من يحمل العلم، وهو غير عدل، ولا ثقة، ولا مرضي، يحمل العلم، ويفتي في الأحكام، وقد يفسر القرآن، وقد يشرح السنة، ومع ذلك ليس بعدل، ولا مرضي؛ لأنه يرتكب محرمات، ويتساهل في واجبات، ولا نحتاج في عصرنا إلى تمثيل، يعني إذا وجد في السابق نادرًا فإنه في عصرنا كثيرًا، كثير من يرحل إليه، ويشار بأنه المحدث، وتطلب منه الإجازات؛ لأن سنده عال، وسماعه قديم، ومع ذلك الناس يصلون، وهو في بيته مع كل أسف، ويوجد من علامات الفسق عليه ظاهرة، وهو يدرس التفسير، أو الحديث، أو الفقه، أو غير ذلك، فالواقع يشهد بخلاف ما قاله ابن عبد البر -رحمه الله-، "ولم يوهن"،

فإنه عدل بقول المصطفى
 

 

يحمل هذا العلم لكن خولفا
 

لأن ابن عبد البر توسع في التعديل توسع غير مرض، والحديث مضعف عند أهل العلم، الأكثر على تضعيفه، وإن صححه الإمام أحمد فيما نقله الخطيب في شرف أهل الحديث، لكن طرقه كلها ضعيفة، قد يقال: إن تعدد الطرق تدل على أن له أصلًا، لكن مفرداتها ضعيفة ضعفًا شديدًا، فمن قبله نظرًا لكثرة طرقه، ومن رده فلضعف أفراده، ومع ذلكم لو صح هذا الخبر لكان أمرًا، وليس بخبر، لكان أمرًا للعدول؛ بأن يحملوا هذا العلم، ولا يتركوا فرصة للفساق أن يحملوا هذا العلم، ويتصدروا الناس، لا يترك أهل العلم، أهل العدالة، أهل الفضل، أهل الاستقامة فرصة للفساق أن يتصدروا الناس، فيكون معنى الحديث: ((ليحمل..)) يعني لفظه لفظ الخبر، ومفاده الأمر: ((ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله))، وجاءت هذه الرواية باللام عند ابن أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل، فدل على أن الحديث أمر للثقات بحمل العلم، وألا يتركوا المجال للفساق، ومن أهل العلم من ينازع في تسمية ما يحمله الفساق علم، بل الفاسق جاهل، ولو عرف جميع ما دون من أحكام، يعني لو حفظ الكتب كلها بأدلتها فهو جاهل؛ لأن العلم الذي لا ينفع صاحبه وجوده مثل عدمه، الوصف ما ارتفع؛ لأن العبرة بالعلم النافع، وهذا ليس بنافع علمه، الأمر الثاني: أن الله -جل وعلا- سمى الذي يعصي جاهلًا: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء]، هذا حصر للتوبة في الذين يعملون السوء حال جهلهم، طيب الذي يعرف أن الشرب شرب الخمر حرام، ومعه دليله من الكتاب والسنة، يحفظ الدليل من الكتاب والسنة؛ هذا جاهل، وإلا عالم؟ هذا يعرف الحكم بدليله؛ عالم، وإلا جاهل؟ لو قلنا: عالم قلنا: ما له توبة؛ لأن التوبة خاصة بالفساق، ولم يقل أحد بهذا القول، فدل على أنه جاهل، ولو عرف الحكم بدليله، فالفاسق الذي يحمل من العلم ما يحمل هذا جاهل، فالذين يحملون العلم هم العدول، يعني العاملون به، وأما الفساق فعلمهم ليس بعلم؛ ولذلك قال: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله؛ ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)) الفاسق حينما يحمل العلم؛ هل حمله بهذه النية: لينفي عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، أو ليتخذه مصدر رزق؟ لأنه لو جاء بهذه النية ارتدع عما يفعله من جرائم، أو يتركه من أوامر، فدل على أنه جاهل: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ} [(17) سورة النساء]، يعني قبل الموت، وقبل نزول علاماته "لكن خولف" عامة أهل العلم على خلافه، ووافقه بعض العلماء، كابن المواق، وابن سيد الناس، وقال الحافظ الذهبي: إنه حق، لكن من يقول بأنه حق، أو يوافق ابن عبد البر، أو حتى ابن عبد البر نفسه لا يمكن أن يصف فاسقًا بأنه عالم، إنما يحمل العلم على ما نفع؛ لأنه يقول: "ولم يوهن" ولم يوهن يعني ولم يضعف، والفاسق مضعف، فلا يدخل الفاسق في كلام ابن عبد البر، وعلى هذا يوافق إذا لم يدخل الفاسق، إذن هو من الأصل عدل، وإنما قد يستدل على عدالته بحمله العلم، ولو لم يزكى.

ثم في الفصل الثالث من الفصول الثلاثة عشر، نعم؟

طالب:......

وافقه ابن الموَّاق، كتاب اسمه: "بغية النقاد" لابن المواق، هذا على كتاب ابن القطان، ووافقه –أيضًا- ابن سيد الناس اليعمري أبو الفتح، ووافقه –أيضًا- الحافظ الذهبي.

قال -رحمه الله- في الفصل الثالث: ما يعرف به الضبط:

ومن يوافق غالبًا ذا الضبط
 

 

فضابط أو نادرًا فمخطي
 

يعرف الضبط بالامتحان كما تقدم في المقلوب، بمَ عرف ضبط الإمام البخاري؟ لما امتحنه أهل بغداد، فالامتحان أقرب وسيلة لمعرفة الضبط، وكثير ممن ينتسب إلى العلم، أو يدعي العلم إذا امتحن رسب في الامتحان، يسأل كم سؤال ثم لا يجيب، أو يجيب جوابًا يدل على جهله، فيستدل به على أنه ليس بضابط، كما أنه يعرف الضبط بعرض رواية الراوي على روايات الثقات، فإن وافقهم فهو ضابط، إن وافقهم في جميع ما يرويه، أو في غالب ما يرويه فإنه ضابط، وإن وافقهم نادرًا، أو لم يوافقهم "فمخطي" يعني ليس بضابط.

ومن يوافق غالبًا ذا الضبط
 

 

فضابط .......................
 

"من يوافق" دائمًا، أو "غالبًا" في المعنى، أو اللفظ "ذا الضبط فضابط" يحتج به "أو" يوافقه "نادرًا فمخطي" ليس بضابط؛ فلا يحتج به.

ثم بعد ذلك الفصل الرابع: الفصل الرابع في الجرح والتعديل، وهل يقبلان دون بيان أو لا بد من بيانهما:

يعني بيان الأسباب؛ هل يقبل الجرح والتعديل من غير بيان الأسباب، أو لا بد من بيان أسباب الجرح والتعديل، أو لا بد من بيان أسباب الجرح دون التعديل، أو لا بد من بيان أسباب التعديل دون الجرح فالقسمة رباعية:

وصححوا قبل تعديل بلا
 

 

ذكر لأسباب له أن تثقلا
 

"وصححوا" يعني جمهور أئمة الأثر "قبول تعديل" هذا هو القول الأول في المسألة، قبول تعديل "بلا ذكر لأسباب له" خشية "أن تثقلا" ويشق ذكرها؛ لأنها كثيرة، إذا لزم بيان أسباب التعديل فإذا قال أحمد: ثقة؛ ثقة لماذا؟ يحتاج الإمام أحمد أن يقول: ثقة؛ لأنه لم يتلبس ببدعة، ثقة؛ لأنه يصلي، لأنه يزكي، لأنه يصوم، لأنه يحج، لأنه يأمر بالمعروف، لأنه لا يرتكب كذا، ولا يفعل كذا، ولا يغش، ولا يرابي، ولا..، فيلزمه أن يعدد جميع الواجبات؛ لإثباتها، ويعدد جميع المحرمات؛ لنفيها، هذا إذا اشترطنا بيان سبب التعديل؛ ولذا قال:

وصححوا قبل تعديل بلا
 

 

ذكر لأسباب له أن تثقلا
 

يعني مخالفة أو خشية أن تثقل؛ لأن كل راو من الرواة يحتاج إلى أن يسرد فيه ما يسرد في جميع الرواة في التعديل، فينفى عنه كل ما يجرح في العدالة بالتفصيل؛ ولهذا قال جمهور أهل العلم: إن أسباب العدالة لا يلزم ذكرها بل يكتفى بقول الإمام عدل، أو ثقة، ثم إن عورض هذا القول بقول إمام آخر اطلع على ما لم يطلع عليه هذا الإمام من جرح ننظر، فإن فسر الجرح بأمر مقبول قدم على التعديل على ما سيأتي في تعارض الجرح والتعديل؛ لأن الجارح معه زيادة علم، هذا ما عرف أنه يشرب الخمر، المعدل، لكن الجارح يقول: يشرب، أنا رأيته، والمسألة مفترضة في معدل ثقة، فهذا معه زيادة علم خفيت على المعدل.

وصححوا قبل تعديل بلا
 

ولم يروا قبول جرح أبهما
 

 

ذكر لأسباب له أن تثقلا
 

للخلف في أسبابه وربما
 

ولم يرو قبول جرح أبهما من غير ذكر لسببه، يعني جرح غير مفسر لا يقبل، بل لا بد من ذكر سبب الجرح؛ لأن ذكر سبب الجرح لا يثقل، كذكر سبب التعديل؛ لأنه يحصل بواحد، العدالة لا تحصل بواحد؛ لو قال: يصلي ما يكفي، لكن الجرح لو قال: يشرب الخمر، أو يفعل كذا، أو يفعل كذا من المحرمات، أو يخل ببعض الواجبات يكفي، ما يحتاج يعدد:

ولم يروا قبول جرح أبهما
 

 

للخلف.............................
 

بين الناس "في أسبابه" أسباب الجرح؛ أولًا: لكونه لا يثقل كأسباب التعديل، ولأن الناس يختلفون في أسباب الجرح، قد يجرح يقول: ليس بثقة، وليس بعدل، ولا مرضي، طيب وما السبب؟ قد يذكر سببًا ليس بجارح، فلذا لا بد من بيان الجرح:

...................................
 

 

للخلف في أسبابه وربما
 

يعني مما يدل على عدم قبول الجرح مبهمًا أنه ربما استفسر الجرح كما قال -رحمه الله-:

استفسر الجرح فلم يقدح كما
 

 

فسره شعبة بالركض فما
 

طالب:......

نعم؟ كيف؟

طالب:......

لا بد من..، تأتي الأقوال الأخرى، لكن هذا قول معتبر عند أهل العلم، وقول الأكثر؛ لأنه قد يستفصل، ويقال: ليس بثقة لماذا؟ شعبة قال: فلان لا يؤخذ عنه العلم، يعني ليس بثقة؛ لماذا؟ قال: رأيته يركض على برذون، يعني يسرع، يسرع في دابته.

الآن ثلاثة أرباع طلاب العلم ما تقبل رواياتهم، إذا ركبوا السيارة جابوا الطبلون، رأيي هذا ليس بجارح هذا، اللهم إلا من جهة مخالفة الولي، ولي الأمر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا وجد فجوة نص، وعلى كل حال ربما استفسر الجارح؛ لأن بعض الناس يصير عنده شيء من التشدد، فيجرح بما ليس بجارح، وبعض الناس تخطب منه ابنته، وتمكث السنين، ويردد الأخيار؛ لأن له نظرة تختلف عن نظرات الناس، جماعة في مسجد يطلبون إمامًا، فجاءهم إمام من خيار الشباب، وقراءته طيبة، لكنه نسي أن يطفئ مكبر الصوت؛ لأن في فيش جنبه نسي وقام، قال واحد من الجماعة: هذا ما يصلح؛ قام ما طفأ، هذا جرح ذا، يعني بعض الناس لهم نظرات غريبة، يعني يقدح بما ليس بقادح، فلهذا جمهور أهل العلم يقولون: لا بد من بيان سبب الجرح، ولذا قال: "وربما استفسر الجرح" يعني عن الجرح من قبل الجارح ببيان سببه فذكر ما لم يقدح "استفسر الجرح فلم يقدح" بناءً على ما يعتقد أنه يقدح "كما فسره شعبة" ابن الحجاج، وهو إمام من أئمة المسلمين

................................كما
 

 

فسره شعبة بالركض فما
 

  يعني حين قيل له: لم تركت حديث فلان؟ قال: رأيته يركض على برذون! رأيته يركض على برذون! وأيضًا سئل بعضهم: لم تركت الرواية عن فلان؟ قال: لأنه رأيته يبول قائمًا، نعم إن كان بمرأى من الناس هذا ترد روايته، وإن كان لذات البول قائمًا، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- انتهى إلى سباطة قوم فبال قائمًا، ويروى عن شعبة أنه أتى المنهال بن عمرو يعني ليروي عنه، فسمع صوتًا من داره؛ فتركه، يعني سمع صوتًا، ويختلفون في هذا الصوت؛ بعضهم يقول: صوت طمبور، يعني آلة لهو، وهذا إن كان هو الذي يستعملها، أو تستعمل بعلمه قادح، ومنهم من يقول: إنه يقرأ بالألحان، يقرأ القرآن بالألحان، يعني يمد مدودًا زائدة، ويقرأ بالتطريب، يعني كصنيع كثير من القراء الآن، فلم يسمع منه شعبة، وهذا جرح إذا ترتب عليه زيادة في المدود ينشأ عنها زيادة حروف؛ قادح هذا، والمنهال هذا وثقه جماعة من أهل العلم منهم ابن معين، والنسائي، واحتج به البخاري، بل وعلق عنه البخاري في صحيحه من رواية شعبة نفسه، فعلى هذا شعبة لم يترك الرواية عنه، ومنهم من يقول: السبب في ذلك أن الرواية لهذا الخبر عن شعبة عن المنهال كانت قبل هذه الحادثة، قبل أن يسمع منه صوت الطمبور أو الصوت، أو لعله تاب من ذلك، فحمل عنه شعبة؛ لأنه زال المانع، فبان بما ذكر أن البيان مزيل لهذا المحذور، يعني قد تختلف أنت وشخص، يعني قد تسمع شخصًا يقول حكمًا شرعيًّا؛ إما حرام، أو يقول: يجب، ثم إذا قلت له: ما الدليل، ذكر دليل لا ترضى به أنت، فإذا استفسرته ذكر ما لا يصلح أن يكون دليلًا كما هنا، قد يذكر ما لا يصلح أن يكون قادحًا.

من العجائب أن ابن حزم ضعف المنهال في أوائل المحلى، وتضعيفه إنما هو بسبب سماع الصوت، وابن حزم يحرم الصوت، وإلا يجيزه؟ يجيزه بجميع آلاته، وأشكاله وألحانه؛ فكيف يضعف المنهال وهو مضعف بأمر لا يراه؟! هذه من العجائب.

القول الثاني في هذه المسألة عكسه، أنه لا بد من ذكر سبب التعديل دون الجرح، قالوا: لأن أسباب العدالة يكثر التصنع فيها، فلا بد من ذكر العدالة، يعني تجد الإنسان هيبة؛ لحية وثوب قصير، ولحية حمراء محناة، وما أدري ماذا؟ كل ما تشترطه موجود، لكنه في حقيقة الحال ليس على مظهره، ليس على ظاهره؛ ولذا قال بعضهم -عن عبد الله بن عمر العمري المكبر المضعف عند أهل العلم-: لا يجرحه إلا رافضي مبغض لآبائه، ولو رأيت هيئته ولحيته علمت أنه ثقة، وسئل مالك -رحمه الله- عن روايته عن عبد الكريم بن أبي المخارق أبي أمية، فقال: غرني بكثرة جلوسه في المسجد، فأسباب العدالة قد يتصنع فيها الراوي، ويظهر على خلاف حقيقته، فعلى هذا من عدل يقال له: فسر تعديلك هذا؛ حتى ما يفسره بشيء ظاهر، مثل ما قيل عن عبد الله بن عمر العمري، هذا قول ثان في المسألة.

القول الثالث: أنه لا بد من تفسير الأمرين التعديل والتجريح؛ لأن تفسير التجريح قد يذكر فيه ما ليس بجارح، فلا بد منه، وتفسير التعديل قد يذكر فيه ما لا يقتضي العدالة كالاغترار بالظاهر، فلا بد من تفسيرهما، والقول الرابع عكسه أنه لا يفسر لا جرح ولا تعديل، وهذا إذا أطلقه إمام عارف بأسباب الجرح والتعديل.

القول الأول: وهو أنه لا بد من تفسير الجرح دون التعديل قال عنه الحافظ العراقي:

هذا الذي عليه حفاظ الأثر
 

 

...................................
 

يعني هذا هو تفسير الجرح دون التعديل، هذا الذي عليه حفاظ الأثر "كشيخي الصحيح" البخاري ومسلم "مع أهل النظر" مع أهل النظر الذي هم أهل الرأي، كالفقهاء مثلًا، ومنهم الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-، فالناظم كم ذكر من قول؟ قولًا واحدًا، وعكسه معروف، والجمع بين القولين في التفسير معروف، وعكسه –أيضًا- هو القول الرابع لا سيما إذا صدر الجرح، أو التعديل من عارف بأسبابهما من إمام معروف عند أهل العلم، وهو عارف بصير بالأسباب، يعني لا يجرح بغير جارح، ولا يعدل بالظاهر، والإشكال على القول الذي ذكره أنه لا بد من التفسير، يأتي في قوله:

فإن يقل قل بيان من جرح
 

 

...................................

لأنك تقرأ في كتب الرجال تجد الإمام أحمد يقول: ضعيف، يقول ابن معين: ثقة، لا الإمام أحمد يفسر، ولا ابن معين يفسر، وهذه مسألة، وهو إشكال يأتي بيانه غدًا -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.