شرح الموطأ - كتاب الطهارة (3)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء.
قال الإمام يحيى:
باب: جامع الوضوء
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الاستطابة، فقال: ((أو لا يجد أحدكم ثلاثة أحجار؟)).
عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى المقبرة فقال: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت إني قد رأيت إخواننا)) فقالوا: يا رسول الله ألسنا بإخوانك؟ قال: ((بل، أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض)) فقالوا: يا رسول الله، كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: ((أرأيت لو كان لرجل خيل غُر محجلة، في خيل دُهم بُهم، ألا يعرف خيله؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((فإنهم يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، فلا يذادنّ رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم، ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: فسحقًا، فسحقًا، فسحقًا)).
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن حمران مولى عثمان بن عفان أن عثمان بن عفان جلس على المقاعد، فجاء المؤذن فآذنه بصلاة العصر، فدعا بماء فتوضأ، ثم قال: والله لأحدثنكم حديثًا لولا أنه في كتاب الله ما حدثتكموه، ثم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما من امرئ يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها)).
قال مالك: أراه يريد هذه الآية {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [(114) سورة هود].
عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فِيه، وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه، حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه)) قال: ((ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له)).
عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع أخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء، أو مع أخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء، أو مع أخر قطر الماء، حتى يخرج نقيًّا من الذنوب)).
عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس وضوءًا فلم يجدوه، فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوضوء في إناء، فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الإناء يده، ثم أمر الناس يتوضئون منه، قال أنس: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه، فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم.
عن مالك عن نعيم بن عبد الله المدني المجمر أنه سمع أبا هريرة يقول: من توضأ فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدًا إلى الصلاة فإنه في صلاة ما دام يعمد إلى الصلاة، وإنه يكتب له بإحدى خطوتيه حسنة، ويمحى عنه بالأخرى سيئة، فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا يسعَ، فإن أعظمكم أجرًا أبعدكم دارًا، قالوا: لم يا أبا هريرة؟ قال: من أجل كثرة الخطا.
عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يُسأل عن الوضوء من الغائط بالماء، فقال سعيد: إنما ذلك وضوء النساء.
عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات)).
عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((استقيموا ولن تحصوا، واعملوا، وخير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع الوضوء
الباب الذي يجمع الأحاديث الواردة في صفة الوضوء، والأحاديث أعم من أن تكون مرفوعة أو موقوفة.
يقول -رحمه الله-:
"حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الاستطابة" الاستطابة: السين والتاء للطلب، أي طلب الطيب، والإطابة: والمراد بها إزالة الأذى عن المخرج بالحجارة أو بالماء.
يقال: استطاب الرجل إذا استنجى أو استجمر، وإزالة الأقذار، والطهارة والنظافة والنزاهة من محاسن الدين، من محاسن هذا الدين العظيم، ومما يُبين أن هذا الدين وسط بين الأديان مثل هذا الباب، فقد كان النصارى يزاولون النجاسات، واليهود يشددون في أمرها، ولا يكفيهم إزالة الأثر بالماء، بل تقرض بالمقاريض، فديننا وسط -ولله الحمد- بين أثار وأغلال اليهود، وبين مباشرة النصارى لهذه القاذورات والنجاسات، ومما يذكر أن غسالًا يغسل الثياب في بلاد الحضارة في أمريكا والله المستعان، أسلم من غير دعوة، من غير أن يدعى فسئل عن السبب، فقال: تأتينا الثياب من قومه من النصارى فلا يطيق رائحتها، وتأتيه الثياب من المسلمين وليست لها رائحة، والسبب في ذلك هو الاستنجاء والاستطابة، فأسلم لهذا السبب، فالدين -ولله الحمد- هو دين النظافة من غير مبالغة، يعني بعض الناس يزيد في هذا الباب؛ ولذا جاء تنظيف وتسريح الشعر والترجل غبًّا؛ لأن بعض الناس يبالغ سواء كان في نظافة بدنه، أو في نظافة ثيابه مبالغة تعوقه عن تحصيل الأهم، بعض الناس يمكث وقتًا طويلًا، يمكث الساعات ينظف ويصفف، ووجد من كان عنده من الثياب بقدر عدد أيام السنة، بحيث إذا لبس ثوبًا لا يعود إليه، مثل هذا سرف وتبذير، فالدين وسط، لا يرضى لأتباعه أن يُزدروا ويُستقذروا، ولذا أبواب الطهارة تتصدر الكتب لأهميتها، وأيضًا لا تكون هذه الطهارة على حساب ما هو أهم منها؛ ولذا صح في الخبر: ((البذاذة من الإيمان)) من أجل أن تكسر ثورة حب الظهور بالمظهر الذي يغري بعض الناس فيعوقه عن تحصيل ما هو أهم من ذلك، فالدين وسط، فالاستطابة مطلوبة، لكن لا يبالغ الإنسان؛ ولذا نهى المسلم عن الإسراف، يعني غسل العضو عشر مرات أبلغ في التنظيف من غسله ثلاث مرات، لكن يجوز أن يغسله عشر مرات؟ لا، فالدين -ولله الحمد- وسط، يطلب هذه النظافة وهذه النزاهة، لكن لا يكون على حساب ما هو أهم منها، تجد بعض الناس يسرف يضيع عليه من الوقت في تصفيف شعره، والنظر في عطفه وملابسه الشيء الكثير، هذا مذموم، هذا يدخل في حيز السرف.
"فقال: ((أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار؟))" أولًا ما حكم الاستطابة؟ لو شخص بال ولم يستنج، توضأ وصلى، صلاته صحيحة أم باطلة؟ الاستنجاء عند مالك وأبي حنيفة سنة وليست واجبة، وعند الشافعي وأحمد واجب لا تصح الصلاة بدونه، والتأكيد في أمر الاستنجاء، وألا يقل العدد عن ثلاث دليل على وجوب إزالة هذا الخارج، وإذا أمر الإنسان بتطهير ثيابه {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [(4) سورة المدثر] فلئن يأمر بتطهير بدنه من باب أولى، فالراجح هو القول بالوجوب، ويصرح الفقهاء بأنه لا يصح قبل الاستنجاء أو الاستجمار وضوء ولا تيمم، بل لا بد من إزالة الأثر الخارج قبل الوضوء.
((أو لا يجد أحدكم ثلاثة أحجار؟)) هذا أقل ما يجزئ في العدد؛ ولذا لما جيء له -عليه الصلاة والسلام- بحجرين وروثة، ألقى الروثة، وقال: ((أبغني ثالثًا)) فدل على أنه لا بد من ثلاثة أحجار، وبهذا أيضًا قال الشافعي وأحمد، وعند مالك وأبي حنيفة الاستجمار يجزي بأقل من ثلاثة أحجار؛ لحديث: ((من استجمر فليوتر)) والوتر يقع على الواحد؛ لكنه محمول عند الشافعية والحنابلة على الحديث الآخر المفسر؛ لأن (فليوتر) مجمل، الوتر كما يطلق على الواحد يطلق الثلاثة، وعلى الخمسة، وعلى السبعة، يفسره طلب الحجر الثالث، ولو كان الحجر أو الاثنين تجزئ لما طلب ثالثًا عليه الصلاة والسلام.
الخشن الذي يزيل الأثر من خشب أو ورق خشن أو تراب أو ما أشبه ذلك هو في حكم الأحجار؟
طالب:.......
لا بد من الوتر، لا بد من قطعه على وتر، وأقله ثلاث مسحات.
طالب:.......
يكفي؛ لأن الحكم حكم الثلاثة.
يقول: "وحدثني عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه" الحديث السابق حديث مرسل، قال ابن عبد البر وغيره يقولون: مرسل هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مرسل، وهو موصول عند أبي داود والنسائي عن عائشة -رضي الله عنها-، وتجدون المراسيل بكثرة في هذا الكتاب؛ لأن الإمام مالك -كما أشرنا سابقًا- يحتج في المراسيل، وعلى كل حال الحديث موصول، ولا إشكال فيه.
الحديث الذي يليه:
يقول: "وحدثني عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى المقبرة" والباء مثلثة مقبَرة ومقبِرة ومقبُرة؛ ولذا يقال بالنسبة إليها: أبو سعيد المقبُري "فقال: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين))" بهذه الصيغة بالتعريف السلام، لكن لو قال: سلامٌ عليكم دار قوم مؤمنين يجزئ أم لا يجزئ؟ نعم؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
يعني ما مر عليكم في كتب الحنابلة: "ويخير بين تعريفه وتنكيره في سلام على الحي" ما مر هذا؟ مر أم لا؟ إذًا السلام على الميت يخير أم لا يخير؟ هنا السلام عليكم، يعني هل ورد سلام عليكم دار قومٍ مؤمنين بالتنكير؟ أما بالنسبة للحي وارد بلا أشكال {قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ} [(69) سورة هود] وأما بالنسبة للميت فلم يرد؛ ولذا لا يخير، وليس معنى أنهم لا يخيرون، إذا خيروا فمعناه الأمران على حد سواء، وإذا لم يخيروا فليس معناه اللزوم والوجوب، وإنما يكون الأرجح بحيث لا يكون التخيير على سبيل التسوية، الأرجح لزوم ما ورد، وهو التعريف.
((السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين)) السلام على من؟ على الدار أو على سكانها؟ كيف يقول: دار قوم مؤمنين؟ ((خير دور الأنصار بنو الأشهل))..... إذا قال: ديار رجعنا إلى الإشكال، فتطلق الدار ويراد بها القبيلة، والمساجد في الدور المراد بها المساجد في القبائل، وليس معنى أن كل واحد يبني لنفسه مسجدًا في بيته ويصلي فيه، أمر ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتتطيب معناه في القبائل كل قبيلة تبني مسجدًا وتصلي فيه.
((السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء لله بكم لاحقون)) هذا الاستثناء "إن شاء الله" هل مرده الشك في اللحاق أو أن اللحاق بهم مؤكد لا أحد يشك في الموت؟ لكن إما أن يكون التردد اللحوق بهم في هذا المكان، أو يكون هذا الاستثناء ليس على بابه، وإنما كما يقول جمع من الشراح: إنما هو للتبرك، في قوله -جل وعلا-: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ} [(27) سورة الفتح] هل هذا مرده إلى التردد؟ ليس ذلك أبدًا.
((وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أني قد رأيت إخواننا)) يقوله الرسول -عليه الصلاة والسلام-، تمنى أن رأى من يأتي بعده من أتباعه، كما أن المسلم في أي عصر يتمنى أن لو رأى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وخدم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا التمني هل يدخل في النهي الوارد {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(32) سورة النساء]؟ الصحابة فُضلوا علينا فهل تمنينا الصحبة ورؤية النبي -عليه الصلاة والسلام- وخدمة النبي -عليه الصلاة والسلام- من المنهي عنه؟ {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(32) سورة النساء]، الآية ليست على عمومها، الرسول -عليه الصلاة والسلام- تمنى الشهادة، تمنى أنه يقتل في سبيل الله، ثم يحيا ثم يقتل، تمنى الخير، ولو تمنى الإنسان أن لو كان مثل فلان الذي يعمل بعمل الخير صار له مثل أجره، لكن على الإنسان أن يرضى ويسلم بما كتب الله له، وما يدريك أن لو عاش في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصار في عداد المنافقين، ما يدريك، لكن على الإنسان أن يرضى ويسلم ويعمل.
"((وددت أني قد رأيت إخواننا)) قالوا: يا رسول الله ألسنا بإخوانك؟ قال: ((بل أنتم أصحابي))" قال: أنتم لكم مرتبة وشرف ومزية غير مزية وشرف الإخوان، فالصحبة شرف لا يداريه شرف، وفضل لا يلحقه فضل، فأدنى الصحابة خير من أفضل من يأتي بعده ((خير الناس قرني ثم الذين يلونهم)) وهذا معروف، قول عامة أهل العلم أن الصحابة أفضل من غيرهم مطلقًا، وإن كان ابن عبد البر يرى أنه قد يأتي بعد الصحابة ممن هو أفضل من بعض الصحابة، هذا رأي له، ويستدل بأحاديث منها تفضيل العمل في أخر الزمان، وأن العامل له أجر خمسين، ومنها نصوص، لكن وجه التفضيل في العمل، العمل في أخر الزمان مع قلة الأعوان وكثرة الصوارف والملهيات والمشغلات والفتن أفضل منه في الوقت الذي يكثر فيه المعين والمساعد، ويبقى فضل الصحبة لا يدانيه أي عمل، ولا يقرب منه أي عمل.
((بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض)) وأنا فرطهم: يعني متقدمهم، والأصل في الفرط الذي يتقدم القوم بحثًا عن مكان النزول المناسب، وعن أماكن الماء والموارد، هذا يسمونه فرط، والطفل إذا تقدم أبويه يقال له: فرط.
((وأنا فرطهم على الحوض)) والحوض معروف للنبي -عليه الصلاة والسلام-، جاء وصفه في صحيح السنة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [(1) سورة الكوثر] وتواترت الأخبار بثبوت الحوض، ومن يشرب منه.
"فقالوا: يا رسول الله كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟" كيف تعرف؟ يعني أشخاص لم ترهم، كيف تعرفهم؟ "قال: ((أرأيتَ))"، فقالوا: يا رسول الله، قال: أرأيتَ، قالوا: قال: أرأيتَ، الأصل أن يقول: أرأيتم؟ لكن كأن السائل واحد مع سكوت الجميع، فينسب إليهم؛ ولذا خص بالخطاب ((أرأيت لو كان لرجل خيل غير محجلة في خيل دهم بهم)) غُر في نواصيها البياض، محجلة في أطرفها بياض، في خيل دهم لا يخالطها لون آخر، والدهمة السواد، أو ما يقرب منه من الألوان، فهذه الخيل السوداء، أو ما يقرب منها إذا لم يخالطها بياض، إذا وجد معها ما خالطه البياض تميزت عن غيرها "((ألا يعرف خيله؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((فإنهم يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من الوضوء))" الغرة البياض في الوجه والجبهة، والتحجيل في الأطراف في اليدين والرجلين ((من الوضوء)) أخذ منه بعضهم أن الوضوء من خصائص هذه الأمة؛ لأنه إذا كان غيرهم يتوضئون ما صار لهذه الأمة مزية يعرفون بها، مع أنه ثبتت الأحاديث بأن الأمم السابقة كانت تتوضأ، في قصة جريج توضأ، في قصة سارة زوجة إبراهيم -عليه السلام- توضأت، وفي الحديث: ((هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي)) فعلى هذا تكون خصيصة هذه الأمة في الغرة والتحجيل من أثر الوضوء، مع أنه لم يأت بيان صفة وضوء الأمم السابقة، قد يكون وضوؤهم ليس على الصفة التي فرضت علينا.
((غرًّا محجلين من الوضوء)) يعني بسببه ((وأنا فرطهم على الحوض)) متقدمهم ((فلا يذادنّ رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال)) هكذا رواية يحيى ((فلا يذادنّ)) وأكثر الرواة على أنه: ((فليذادن)) تأكيد، ((فلا يذادن)) الآن ما فيه فرق؟ ما فيه فرق من حيث المعنى؟ ما فيه فرق بين {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [(8) سورة التكاثر] وبين: "لا تسألن يومئذٍ عن النعيم" ينقلب المعنى، وقد سمعت إمامًا يقرأها هكذا بالنفي، هذا لحن قبيح شنيع، هنا يقول: ((فلا يذادن)) هذه رواية يحيى التي معنا، أكثر الرواة على أنه باللام المؤكدة، مع نون التوكيد الثقيلة كأنها وقعت في جواب قسم محذوف، والله لا يذادن، وهذا خبر، فإذا كانت فلا يذادن، يقول ابن عبد البر -رحمه الله-: "قوله: ((فلا يذادن)) معناه فليبعدن وليطردن، وأما رواية يحيى: ((فلا يذادن))
على النهي، كيف ينهى؟ الآن لا يذادن، أنت تستطيع أن تنهى شخصًا ألا يذود الإبل الواردة على حوضه، أو على حوضك تنهى شخصًا، لكن كيف يتجه النهي هنا؟
طالب:.......
نعم يكون سببًا لطرده عن الحوض، لا يفعل فعلاً يكون سببًا لطرده، يقول ابن عبد البر: خرّج بعض شيوخنا معنى حسن لرواية يحيى أن يكون على النهي ألا يفعل أحد فعلًا يطرد بسببه عن الحوض.
((فلا يذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال)) البعير الضال الضائع، إذا وردت الإبل على حوض شخص لا شك أنه سوف يمكن إبله من الشرب، إذا انضم إليها غيرها ذادها وطردها، إثبات للذود، هذه نهي لئلا يفعل فعلًا يكون سببًا للذود، فيكون كأنه طرد نفسه؛ لأنه هو المتسبب، والتسبب أحيانًا يكون بقوة المباشرة، أنت الآن لما يقتل زيد عمرو، أو يأمر زيد شخصًا غير مكلف بقتل عمرو، الآن إذا قتله زيد باشر القتل هل لزيد أن يقول: أنا ما قتلت وقتله السلاح؟ نعم باشر القتل، لكن لو أمر شخصًا غير مكلف، أو ربط عمرًا وأرسل عليه أسدًا، هو ما باشر القتل، لكنه تسبب بسبب في قوة المباشرة، فإذا فعل فعلًا يكون بسببه مطرودًا عن الحوض هو الذي طرد نفسه، كما يقال: على نفسها جنت براقش، وينهى عن هذا الفعل الذي يكون سببًا، وهذا السبب في قوة المباشرة.
يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((أناديهم: ألا هلم، ألا هلم، ألا هلم)) هلم يعني: أقبلوا، ويستوي فيه المفرد والجمع والمذكر والمؤنث، هذا الأصل فيه، وتجوز فيه المطابقة "ألا هلم" والأصل أنهم جمع؛ ولذا قال: ولا يذادن رجال، جمع، ما قال: ألا هلموا ألا هلموا ألا هلموا؛ لأنه يستوي فيه الجمع والمفرد، ويستوي فيه المذكر والمؤنث، وتجوز المطابقة، ألا هلموا، ألا هلما، ألا هلمي، لكنه مفضول، المطابقة مفضولة، والإفراد لزوم الإفراد أفصح.
((فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك)) النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يدري ماذا يحدث الناس بعده؟ لا يعلم الغيب، ماذا يقول عيسى؟ {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} [(117) سورة المائدة] أما بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- لا يعلم ماذا أحدثوا بعده؟ والغلاة يزعمون أن علمه بعد وفاته كعلمه في حياته، بل ينفون أنه مات مصادمة لما جاء في القرآن، ويزعمون أنه يحضر اجتماعاتهم وموالدهم، الضلال نسأل الله العافية.
((فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: فسحقًا، فسحقًا، فسحقًا)) فسحقًا يعني بعدًا بعدًا، بدلوا وأحدثوا في الدين ما ليس منه، بدلوا في الدين فابتدعوا، بدلوا وغيروا في التشريع، يقول ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-: "كل من أحدث في الدين ما لا يرضاه الله فهو من المطرودين عن الحوض" ويقول أيضًا في الاستذكار: "وأشدهم من خالف جماعة المسلمين كالخوارج والروافض وأصحاب الأهواء، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور، وطمس الحق، والمعلنون بالكبائر، فكل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عنوا بهذا الخبر" يقول ابن القاسم: "قد يكونوا في غير أهل الأهواء من هو شر من أهل الأهواء" يقول ابن عبد البر: "وصدق ابن القاسم" نعم قد يتسلط على المسلمين من هو منهم ومن جلدتهم من لا يخالفهم في المعتقد، ومع ذلك يكون شرًّا من المخالفين لتعدي ضرره على الآخرين، هذا كلام ابن القاسم -رحمه الله-، على كل حال على الإنسان أن يحرص أن يكون عمله مطابقا لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-، موافقًا له، متبعًا لا مبتدعًا، ومن شرط قبول العمل أن يكون مع إخلاص عامله صوابًا على سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فإذا حرص على أن يكون عمله خالصًا لله –عز وجل-، لأن العمل وإن كانت صورته مطابقة لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام- إن لم يكن خالصًا فإنه ليس بمطابق لفعله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن فعله مع الإخلاص، فيحرص المسلم لا سيما طالب العلم أن يعرف من سنته -عليه الصلاة والسلام- ومن سيرته ما يمكنه من الاقتداء به؛ ولذا يقول بعض السلف: إن استعطت ألا تحك رأسك إلا بسنة فافعل" هنا تكون المتابعة، إما أن يعرض عن سنته وسيرته -عليه الصلاة والسلام-، ويزعم أنه من أهل العلم، أو من طلابه فضلًا عن كونه يعرف السنة، ويخالف السنة، فالأسوة والقدوة هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولا يتم الاقتداء والامتثال إلا بالعلم، والله المستعان، مثلما يأتي المنافق ومعه شيء من النور، ثم فجأة يفقده، لكن العمل وإن كان مشروعًا إذا لم تتوافر شروطه فلا يقبل، ما تترتب أثاره عليه، وأهل الأهواء متفاوتون، منهم من بدعته مكفرة، فمثل هؤلاء على خطر عظيم، نعم عندهم شيء من التأويل وعندهم قد يكون اعتمادهم على نصوص وعلى متشابه من النصوص، لكن يبقى أن البدع المكفرة خطر عظيم، ومن البدع ما هو دونها.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن حمران" حمران بن أبان مولى عثمان من سبي عين التمر، من خيار التابعين، وهذه الغزوة أو الوقعة في عين التمر حصل فيها خير عظيم في السبي، ابن سيرين إمام من أئمة المسلمين منهم، من سبي عين التمر، وحمران بن أبان منهم، المقصود أنها غزوة مباركة.
"مولى عثمان بن عفان أن عثمان بن عفان جلس على المقاعد" المقاعد شيء مرتفع مبني من الطين يقعد عليه، إما بجوار المسجد، أو بجوار بيت عثمان -رضي الله عنه-، يجلس فيه للفصل بين الناس، يقول: استشكل لا تدري ماذا أحدثوا بعدك؟ استشكل هذا مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((حياتي خير لكم، ومماتي خير لكم، تعرض علي أعمالكم، فما كان حسن حمدت الله عليه، وما كان من شيء استغفرت الله لكم)) على كل حال هذا إن صح -خرجه البزار بإسناد جيد-، إن صح فكونه يعرض شيء من الأعمال، ولا يقتضي أن يكون الجميع، لا يعني أنه يدري عن كل شيء، أو أنه لا يدري ماذا أحدثوا بعده؟ حتى يخبر بذلك -عليه الصلاة والسلام-.
"جلس على المقاعد، فجاء المؤذن فآذنه" جاء المؤذن فآذنه، الإذن غير الأذان، المؤذن أذن ليُعلم الناس بدخول الوقت، ثم يأتي فيؤذنه، فالخلفاء محتاجون إلى الإذن بعد الأذان؛ لما كانوا فيه من الشغل بأمور المسلمين، يغفل الإنسان، الإنسان يسمع الأذان ثم يغفل ينشغل فيأذن يعني يخبر بأن الإقامة قربت "فجاء المؤذن فأذنه بصلاة العصر، فدعا بماء فتوضأ، ثم قال: والله لأحدثنكم حديثًا لولا أنه في كتاب الله ما حدثتكموه" لولا أنه كذا عند مالك لولا أنه، وتفسير الإمام مالك الذي عقب به الخبر يدل على أنه يقصد، يعني ما وهم فيها، لولا أنه في كتاب الله ما حدثتكموه، ولذلك أورد بعد الأخير الآية: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [(114) سورة هود] هذا تأويل مالك، فيكون مفاد الخبر في كتاب الله، لولا أنه يعني ما يدل عليه هذا الحديث موجود في كتاب الله، يقول: ما حدثتكم، والذي في البخاري: لولا آية في كتاب الله ما حدثتكموه، قال عروة كما في الصحيح: والآية {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} [(159) سورة البقرة] ما دام عنده خبر يؤثره عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يجوز له كتمانه، فبذل العلم، ونشر العلم فرض، فرض كفاية، وقد يتعين على الشخص إذا لم يقم به غيره، فلولا هذه الآية {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} [(159) سورة البقرة] ما أخبر عثمان -رضي الله عنه- بهذا الخبر؛ لأنهم يتحرزون ويشددون في الرواية عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مخافة أن يزل اللسان، أو يخطئ الفهم بشيء ما قاله النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيقعون في الوعيد الشديد، أهل تحري وتثبت، ولولا هذا الوعيد الوارد في الآية {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} [(159) سورة البقرة] والذي عندنا في الكتاب: "لولا أنه في كتاب الله" لولا أنه يعني مفاد الحديث موجود في كتاب الله، وسنرى مطابقة الآية لمضمون الحديث، حصل تصحيف نظيره هذا التصحيف الذي معنا ((آية الإيمان حب الأنصار)) روي لكنه تصحيف بالاتفاق (إنه الإيمان حب الأنصار) فالرسم بين آية وإنه متقارب.
"لولا أنه في كتاب الله" يعني تصديق مفاد الخبر في كتاب الله "ما حدثتكموه".
"ثم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما من امرئ يتوضأ فيحسن وضوءه))" يحسنه، يسبغه، يتممه يأتي به على الوجه الأكمل بدليل الرواية الثانية: ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها))، ((من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة)) ثم جاء في الخبر في الصحيح: ((ولا تغتروا))، ((من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة من أي أبوابها الثمانية، ولا تغتروا)) يعني ما هو بمعنى أن الإنسان يضمن أنه إذا حصل منه شيء دخل الجنة، هناك أسباب وهذا سبب بلا شك، وهناك موانع، قد يكون عند الإنسان ما يمنع من قبول العمل فعليه حينئذٍ أن يكون خائفًا وجلًا مع عمله بما ورد عنه -عليه الصلاة والسلام- {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [(60) سورة المؤمنون] ((إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها)) غفر له ما بينه وبين..، ((الصلوات الخمس إلى الصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة)) أيضًا ((كفارة لما بينهما)) والمراد بما يكفر هنا الصغائر بدليل ((ما اجتنبت الكبائر)) ((ما لم تغش كبيرة)) قد يقول قائل: إذا لم توجد صغائر فهل تكفر الكبائر؟ وهذا الافتراض يمكن أن يقع؟ شخص يرتكب كبائر وليس عنده صغائر؟ لا يمكن؛ لأن مقدمات هذه الكبائر صغائر؛ لأنهم يفترضون أن الشخص الذي ليس عنده صغائر يخفف من الكبائر، لكن هذا ليس بوارد أصلًا، ليس بوارد إلا على قول من يقول: إنه يجب على الزاني أن يغض بصره، فلا يرتكب الصغيرة وإن ارتكب الكبيرة، لكن هذا ليس بصحيح أبدًا.
((إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها)) ومعروف أن هذا سبب للمغفرة، والسبب قد يتخلف أثره لوجود مانع.
"قال يحيى: قال مالك: أراه" يعني أظنه يعني عثمان "يريد هذه الآية: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [(114) سورة هود]" يعني هذا الوضوء والصلاة هذه الحسنات أذهبت ما بين هذه الصلوات والتي تليها من السيئات {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [(114) سورة هود] لكن هل يكون العكس السيئات يذهبن الحسنات؟ شخص فعل حسنات وعنده سيئات، لا شك أن الشرك {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر] هذا أمر مفروغ منه الشرك، لكن ما دون الشرك؟ عنده سرقة، عنده ربا، عنده زنا، وعنده صلاة وزكاة وصيام، يعني شخص له حسنات وسيئات، يعني صلى ثم زنا.
طالب:.......
لا، هو باب المقاصة والموازنة توضع الحسنات في كفة الحسنات والسيئات، هذا أمر آخر، هذا مفلس، هذا في باب المقاصة، الحسد يأكل الحسنات، قالوا في بعض الأعمال له أثر في الحسنات، كما أن بعض الحسنات لا أثر لغيرها فيها؛ ولذا يقولون: الصيام لا يدخل في المقاصة ((الصوم لي، وأنا أجزي به)) لا يدخل في المقاصة ((قذف محصنة -إن صح الخبر- يحبط عبادة ستين سنة)) نعم يبقى المسألة على النصوص، ثم بعد ذلك لم تقبل، معروف أن القبول هنا نفي الثواب المرتب على العبادة، لا يحبطها من أصلها.
طالب:.......
هو الحسنات باقية والسيئات، لكن أنت لو عندك مليون ريال، وأنت مدين بمليون، كأن ما عندك شيء، هذا قول المعتزلة، ويسمون الإحباطية، ينسبون إليه، وفي بعض الخطب -ما أدري خطب المخضوبي أو غيره- كانت تقرأ على الناس في يوم الجمعة، في أول خطبة من شهر شوال، يقول: الحمد لله الذي افتتح أشهر الحج بشهر شوال... إلى أن قال: فكما أن الحسنات يذهبن السيئات كذلك السيئات يذهبن صالح الأعمال، وهذا ليس على إطلاقه.
طالب:.......
توثر في باب المقاصة، وما ورد فيه بخصوص صلاة العصر أمر عظيم، تحبط، الحسد يأكل الحسنات، وغيرها من الأعمال؛ لأنه قد يعمل الإنسان عملًا يكون سببًا، أو مانعًا من قبول الأعمال الأخرى.
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فِيه، وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه، حتى تخرج من تحت أشفار عينيه))" ومعروف أن الخطايا معاني وليست بأجسام؛ ولذا لا يستقيم استدلال من يستدل بهذا الحديث على أن الماء المستعمل لا يرفع الحدث؛ لأن الخطايا ليست لها أجسام محسوسة تنتقل من العين إلى الماء إلى كذا، لا، وعلى كل حال يكفر عنه ما اجترحه من سيئات بهذه الجوارح، والجماهير على أنه محمول على الصغائر.
((وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه، حتى تخرج من أشفار عينيه)) والأشفار كما يقول ابن قتيبة: حروف العين، يعني أطرافها، التي هي منابت الشعر، وإن كان بعض الناس يطلقه على الشعر نفسه.
((فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه)) يستدل بهذا من يقول: إن الأذنين من الرأس ((فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه)) فدل على أن الأذنين من الرأس، وهذا قول الأكثر، وابن شهاب الزهري يرى أنهما من الوجه، ويستدل بحديث: ((سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره)) فأضاف السمع إلى الوجه، قال الشعبي: "ما أقبل منهما من الوجه، وما أدبر من الرأس" لكن الأكثر على أنهما من الرأس، وجاء الدليل بأن الأذنين..، حديث: ((الأذنان من الرأس)) وهو صحيح أم ضعيف؟ الأقرب الضعف.
((فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه)) الآن ما الباقي من الذنوب والخطايا؟ ما الجوارح التي يمكن أن تزاول بها الذنوب غير ما ذكر؟ هو الوضوء يشمل الفرجين؟ أما عند الزيدية فنعم من الوضوء.
طالب:.......
نعم أعمال القلوب الحقد والحسد والغل، لكن قوله في الحديث: ((ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له)) دليل على أن جميع الذنوب كفرت، لكن هذا ليس على إطلاقه عند الجمهور الذين يحملون الحديث وما جاء في معناه على الصغائر، هذا بالنسبة لمن لم يرتكب الكبائر، أما بالنسبة للكبائر فلا بد من التوبة، وأيضًا حقوق العباد لا بد من إيصالها إلى مستحقيها.
طالب:.......
البدل يقولون: له حكم المبدل.
يقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: سألت محمد بن إسماعيل -يعني البخاري- عن هذا الحديث، فقال لي: "وهم مالك في قوله: عن عبد الله الصنابحي، وإنما هو أبو عبد الله، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة، ولم يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو مرسل، قال أبو عمر بن عبد البر في الاستذكار: هو كما قال البخاري، لكن الحافظ ابن حجر في الإصابة ذكر في ترجمة عبد الله الصنابحي، وأنه غير أبي عبد الله، وأنه يروي عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وذكر له أربعة أحاديث، وأهل العلم يقولون:
إذا قالت حذام فصدقوها |
| ................................... |
البخاري إمام الصنعة، وأقره ابن عبد البر على سعة إطلاعه واتباعه لمالك، يعني لو وجد أدنى مدخل لنقد كلام البخاري ما تردد، المرجح قول البخاري -رحمه الله-.
ثم بعد هذا يقول: "وحدثني عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن))" شك من مالك، أو من غيره، والشك في جميع جمل الحديث، أو مع آخر قطر الماء، أو مع..، كله شك، وبعض الرواة يأتي بمثل هذا الشك وإن كان لا أثر له، المسلم أو المؤمن لتحري اللفظ النبوي، تحرج من أن يطلق لفظًا مع أنه لم يجزم به، هل قال النبي كذا أو قال كذا؟ ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- في قوله: ((إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن)) يقول: "المؤمن والمسلم عندنا واحد" يعني الإيمان والإسلام شيء واحد عندهم، وهو قول الإمام البخاري ومحمد بن نصر المروزي، وجمع من أهل العلم، والجمهور على التفريق بينهما.
يقول: "المؤمن والمسلم عندنا واحد؛ لقوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ} [(35-36) سورة الذاريات] دل على أن المسلمين هم المؤمنون، والمسألة مبسوطة في مواضع أخرى، النصوص تدل على أن هناك فرقًا بين الإسلام والإيمان، لا سيما إذا اجتمعا كما في حديث جبريل وغيره.
((فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر من الماء، فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع أخر قطر الماء))... إلى آخر الحديث ((حتى يخرج نقيًّا من الذنوب)) وهو مخرج في صحيح مسلم، وهو شاهد للحديث السابق.
"وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحانت صلاة العصر" يعني الواو هذه حالية على تقدير (قد) وقد حانت "فالتمس الناس وضوءًا فلم يجدوه" التمس الناس، وهم بالزوراء وضوءًا يعني: ماء يتوضؤن فيه، وكان العدد ثمانين فلم يجدوا ماء، وفي قصة الحديبية أكثر "فأتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوضوء في إناء" صغير، وفيه ماء يسير، والدليل على صغر الإناء أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يستطع بسط أصابعه في الإناء، إناء صغير، فيه ماء يسير "فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الإناء يده، ثم أمر الناس يتوضئون منه، قال أنس: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه -عليه الصلاة والسلام-" هذه معجزة، علم من أعلام نبوته -عليه الصلاة والسلام-، ومعجزة من معجزاته، يقول أهل العلم: هي أعظم مما أعطي موسى من المعجزة حينما أمر بضرب الحجر بعصاه، ما وجه كونها أعظم؟ من الحجارة ما يخرج منه الماء {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ} [(74) سورة البقرة] يعني عرف أن من الحجارة ما يخرج منه الماء، لكن هل عرف أن اليد يخرج منها الماء، ينبع من بين الأصابع؟ ولذا يقرر أهل العلم أن هذه المعجزة أعظم مما أعطي موسى -عليه السلام-، على كل حال هما يجتمعان في شيء، وهو أن كل منهما خارق للعادة.
"فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الإناء يده" فيه دليل على إن إدخال اليد وغمسها في الماء قبل غسلها لا يؤثر فيه، "ثم أمر الناس يتوضئون منه، قال أنس: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه -عليه الصلاة والسلام-، فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم" وكانوا ثمانين رجلًا، في إناء صغير، وماء يسير توضئوا من عند آخرهم، كيف توضئوا من عند آخرهم؟ (من) هذه و(عند) توضأ الناس حتى توضئوا، يقول الكرماني: حتى للتدريج يعني واحد بعد الآخر، يعني حتى وصلت النوبة إلى آخرهم، (حتى) للتدريج، و(من) للبيان، أي توضأ الناس حتى توضأ الذي عند آخرهم، وهو كناية عن جميعهم، قال: و(عند) بمعنى (في)، وقال التيمي: المعنى توضأ القوم حتى وصلت النوبة إلى الآخر، والحديث شهده جمع من الصحابة، يعني في هذه القضية شهده ثمانون، وفي قضية أخرى ثلاثمائة، لكنه لم يرو إلا من طريق أنس بن مالك -رضي الله عنه-، مع أنه شهده جمع غفير من الصحابة، هل هذا يقدح في الخبر؟ حديث: الأعمال بالنيات خطب به على المنبر، ومع ذلكم ما نقل إلا من طريق عمر، خطب به عمر على المنبر ما نقله عنه إلا علقمة وهكذا، فهم يكتفون براوية من تقوم به الحجة، أنس بن مالك -رضي الله عنه- طال عمره، عاش بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من ثمانين سنة، فاحتيج إلى ما عنده، والناس يطلبون العلو، قد يوجد عند بعض التابعين عن بعض الصحابة، لكن موجود أنس، فليسوا بحاجة إلى أن يرووه عن بعض التابعين عن بعض الصحابة ممن تقدمت وفياتهم، فالعلو مطلوب، ولا يقول قائل: إن هذا مما تتوفر الدواعي على نقله، كيف لا ينقل إلا من جهة شخص واحد؟ نقول: لا، أبدًا، إذا نقله من تقوم به الحجة كفى، وبهذا نعرف أن الدين محفوظ؛ لئلا يقول قائل: إنه عرف عن الأئمة أنهم يحفظون مئات الألوف من الأحاديث، فالإمام أحمد يحفظ سبعمائة ألف حديث، أين ذهبت؟ هل فرطوا عن الأمة بشيء من دينها، الدين محفوظ، ما يمكن تفرط بشيء، الأمة بمجموعها معصومة من التفريط بالدين، لكن بعضها يغني عن بعض، هذه الأحاديث بعضها يغني عن بعض، فنقل البعض المغني عن البعض الأخر كاف، يعني كون الحديث يصل من طريق أو من طريقين هل يلزم أن ننقله من مائة طريق؟ رب حديث واحد له أكثر من مائة طريق، فلا يلزم أن ينقل من هذه الطرق كلها.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نعيم بن عبد لله المدني المجمر" مجمر بالتخفيف من الإجمار، وبالتشديد من التجمير، مجمر وصف بذلك هو وأبوه لأنهما كانا يبخران مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- "أنه سمع أبا هريرة يقول: "من توضأ فأحسن وضوءه" إحسان الوضوء يكون في الإتيان بالفرائض والسنن "ثم خرج عامدًا إلى المسجد" يعني: قاصدًا المسجد ليؤدي الصلاة "عامدًا إلى الصلاة، فإنه في صلاة ما دام يعمد إلى الصلاة" ما دام ما ينهزه للخروج إلا الصلاة فهو في صلاة، فالوسائل تشترك مع المقاصد، ما الذي أخرجه إلى المسجد؟ الصلاة، إذًا هو في صلاة؛ ولذا ينهى عن تشبيك الأصابع؛ لأنه في حكم المصلي، هذا خرج احتسب له الأجر من خروجه، ما دام قاصدًا الصلاة، فهل نقول مثل هذا في حقوق الآدميين؟ يعني المقرر أن الدوام يبدأ سبع ونصف، نقول: ما دام خرجت من بيتك سبع ونصف فأنت في دوام، لو ما وصلت إلا عشر؟ نقول مثل هذا؟
طالب:.......
لا بل يطلع ثمان، الذي ما عنده إلا ثمان يطلع ثمان على هذا، لكن حقوق العباد مبنية على المشاحة، وأنت أجير لتشغل هذه المدة وهذه المدة لا تتم الواجب أدائها هذه المدة لا تتم إلا بأن تخرج قبلها بوقت يكفي.
"فإنه في صلاة ما دام –يقصد و- يعمد إلى الصلاة، وإنه يكتب له بإحدى خطوتيه حسنة" يقول بعضهم: باليمنى، برجله اليمنى تكتب حسنة، وبالخطوة اليسرى يمحى عنه سيئة، ولا شك أن اليمنى مناسبة للحسنة لشرفها، واليسرى مناسبة للسئية، لكنه استنباط هذا.
"فإذا سمع أحدكم الإقامة للصلاة فلا يسع" يعني لا يسرع كي يدرك تكبيرة الإحرام، أو يدرك الركعة، بل يمشي، وعليه السكينة والوقار، فما يدركه يصليه، وما يفوته يقضيه.
طالب:.......
خرج غير متوضئ "من توضأ فأحسن وضوءه" لكن إن كان هناك مانع من أن يتوضأ في بيته فتح الماء وما وجد ماء، ثم خرج، له الحكم -إن شاء الله-، لكن الوضوء موجود في البيت، وخرج بدون وضوء ما يترتب عليه.
طالب:.......
هذا تشبيه، هذا من باب التشبيه إن صح الخبر، الخبر فيه كلام، نعم، هذا من باب التشبيه، والتشبيه لا يلزم أن يكون من كل وجه.
"فإن أعظمكم أجرًا أبعدكم دارًا" نعم أبعدكم دارًا؛ لأنه واضح في الحديث كل خطوة حسنة، كل خطوة تمحى سيئة، فإذا كان أبعد كثرت الخطا فكثرت الأجور، وكثرت تكفير السيئات "قالوا: لم يا أبا هريرة؟" لأي شيء كان هذا الحكم؟ أعظكم أجرًا أبعدكم دارًا؟ "قال: من أجل كثرة الخطا".
قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لبني سلمة، وقد أرادوا الانتقال من بيوتهم إلى قرب المسجد، قال لهم -عليه الصلاة والسلام-: ((دياركم تكتب آثاركم)) دياركم يعني ألزموا دياركم، تكتب آثاركم، المقصود الخُطا، أما بالنسبة لكتابة الحسنات ومحي السيئات ما....، ولذلك في الصحيح لما أراد أن يشتري حمارًا يذهب به إلى الصلاة قال.....، في صحيح مسلم، فدل على أن الكتابة إنما تكون لمن يمشي على رجليه.
طالب:.......
هو قد يعتري، تكون هناك مفاضلة بين أمور، شخص أراد أن يشتري بيتًا هل يكون في ذهنه أن يشتري بيتًا بعيدًا عن المسجد من أجل الخطا، أو يشتري قريب من المسجد لكي يعينه على حضور جميع الصلوات؟ المسألة مفاضلة، كل إنسان يعرف همته، فإن كان إذا أبعد عن المسجد خطرًا على صلاة الجماعة، يعني بعض الأوقات ما يصلي هذا نقول....، وإذا كان عنده من الهمة والحرص على الخير نقول: لا بأس ((دياركم تكتب آثاركم)) وقد تتضافر المكفرات من أكثر من وجه، عندك الوضوء الصلوات الخمس، العمرة إلى العمرة، ما اجتنبت الكبائر، أمور مكفرات كثيرة، وفضل الله واسع، أوسع مما نتصور ونتخيل، لكن ذنوب العباد أيضًا لا نهاية لها، لا سيما مع انفتاح الدنيا على الناس.
"سمع أبا هريرة يقول: "من توضأ فأحسن..." إلى آخره، هذا ظاهره أنه موقوف على أبي هريرة، لكنه لا يقال من قبل الرأي، وهو أيضًا يروى مرفوعًا من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يُسأل عن الوضوء من الغائط بالماء، فقال: إنما ذلك وضوء النساء" ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استنجى بالماء، يقول أنس: "فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة فيها ماء" فثبت الاستنجاء من فعله -عليه الصلاة والسلام- بالماء، وسعيد يقول: "إنما ذلك وضوء النساء" يعني سعيد يخفى عليه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استنجى بالماء؟ ما يمكن، لكن المتوقع أن شخصًا قال: على طريقة النساء، وعلى أسلوب النساء، ما تسمح نفسه أنه يكتفي بالحجارة، هذا الشعور طريقة النساء، وأسلوب النساء، الذي يقول: ما يهنأ، فكأن سيعد -رحمه الله- ينكر على هذا الذي لا يكتفي بالحجارة، الرسول -عليه الصلاة والسلام- ثبت أنه استنجى بالماء، ولا يظن أن سعيد يخفى عليه مثل هذا أبدًا، لكن شخص قال له: أنا ما تكفيني الحجارة، الآن كل واحد من نفسه لو أعطى أمه أو أخته حجارة أو مناديل قال: خلاص يكفيكِ؟ وهو يجزئ، يجزئ بالإجماع، ما يكفيهم، يعني بعض النساء من حرصهم على الخير مع الجهل يصدر مثل هذه الأفعال، يعني يمكن تحج امرأة وترجع ما قبَّلت الحجر؟! كأنه ركن من الأركان، مع أنها ترتكب من المحظورات أكثر مما قصدته، فلو يقول لك واحد من زملائك: أنا والله ما يهناني إلا إذا قبلت الحجر، تقول: هذه طريقة النساء مع الزحام في الحج مثلًا؟ ما يمكن تجيبه بهذا؟ نعم النساء هن اللائي يصدر منهن مثل هذا، وإن كان في الأصل خير، طلب خير، لكن أيضًا الخير المعارض لما هو أقوى منه يعني تركه خير؛ ولذا عمر نهي من المزاحمة، وابن عمر -رضي الله وأرضاه- لشدة اقتدائه وائتسائه كان يزاحم حتى يرعف، الدم يخرج من أنفه مرارًا ويرجع، لكن هذا خير أم يُترك؟ يُترك.
يمكن يفهم منه أن سعيد يرى أن النساء لا تكتفي بالحجارة؟ إن كان بيانًا للواقع فهو صحيح، النساء لا تكتفي بالحجارة، لكن نظن أن سعيدًا يرى أنه لا يكفي الحجارة بالنسبة للنساء، ما نظن به، ما دام يكفي النبي -عليه الصلاة والسلام- وفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- هو ونساؤه، ما يظن فيه ذلك.
ويقول: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات))" إذا شرب يقول ابن حجر: كذا هو في الموطأ، والمشهور عن أبي هريرة من رواية جمهور أصحابه: ((إذا ولغ)) وهو المعروف في اللغة، يقال: ولغ يلغ بالفتح فيهما إذا شرب بطرف لسانه، أو أدخل لسانه فيه فحركه، هذا بالنسبة للمائع كالماء ونحوه، يلغ فيه، وفي غير الماء يقال: لعقه، وفي الإناء الفارغ يقال: لحسه، والأكثر على قياس بقية البدن على اللسان والفم؛ لأنه إذا أمر بالغسل من مباشرة الفم وهو أشرف ما فيه فلئن يؤمر بالغسل من بقية الأعضاء من باب أولى، وإن كان بعضهم يرى أن التسبيع والتشديد إنما هو للفم فقط على جهة التعبد، ويضاف أيضًا إلى التسبيع التتريب، وإن لم يقع في رواية مالك التتريب، لكنه ثابت من حديث ابن سيرين عن أبي هريرة، وإن اختلفت الرواية في محله، هل هو في الأولى؟ أولاهن أو إحداهن أو أخراهن أو عفروه السابعة أو عفروه الثامنة؟ اختلاف بين الرواة في محله، والمرجح من حيث كثرة الرواة وضبطهم: أولاهن، وهو الموافق للمعنى؛ لأنه إذا وضع التراب في الغسلة الأولى أزال أثره ما بعده من الغسلات، لكن لو جعلته في الأخيرة احتجت إلى غسلة زائدة؛ لتنظيف الإناء من أثر التراب.
((إذا شرب الكلب في إناء أحدكم)) إناء أحدكم هذه الإضافة مقصودة أم غير مقصودة؟ إذا قلنا: مقصودة ما تغسل إلا إناءك أنت الذي تملكه أنت، بحيث لو استعرت إناء من جارك وولغ فيه كلب تعطيه إياه وتقول: ترى ولغ فيه الكلب، ما تغسله، تصير مقصودة أو غير مقصودة؟ غير مقصودة، لكن المسألة أغلبية، الغالب أن الإناء الذي عنده هو في ملكه فيكون إناءه، جاء في رواية مسلم: ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه)) الأمر بالإراقة بعضهم يقول: إنها غير محفوظة، لكن إذا قلنا: إن الأمر بالغسل من أجل النجاسة فالماء تنجس لا بد من إراقته، لا سيما إذا كان مائعًا، أما إذا كان جامدًا وولغ فيه الكلب، أو لعقه كما تقدم يلقى ما لعقه، وما حوله كالفأرة تقع في السمن.
((إذا شرب الكلب -أو ولغ الكلب- في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات)) والأمر بالغسل للنجاسة عند الأكثر، وللتعبد عند الإمام مالك؛ لأنه يرى أن الكلب طاهر، فالأمر بغسله سبعًا للتعبد، والحنفية يقولون: بالغسل ثلاثًا كغيرها من الأنجاس، تغسل ثلاثًا، ما يحتاج سبع، ويؤيدون قولهم بفعل أبي هريرة وفتواه، بفتوى أبي هريرة راوي الحديث، ويقولون: الراوي أعرف بما روى، والجمهور يقولون: العبرة بما روى لا بما رأى، مع أنه ثبت عنه أنه أفتى بالغسل سبعًا، ففتواه الموافقة للنص أولى بالعمل من فتواه المخالفة، عرفنا أن الغسل للنجاسة عند الجمهور، وعند المالكية تعبد؛ لأن الكلب طاهر عندهم.
إذا ولغ في الإناء يجب غسله، ماذا عن الصيد إذا صاد بفمه، ولا يصيد إلا بفمه؟ يغسل سبعًا ويترب أم لا يحتاج؟ المالكية من أقوى أدلتهم الصيد، أنه ما يؤمر بغسله ولا بتتريبه؛ لأنه إذا كان للنجاسة ما اختلف الأمر من الإناء ولا صيد ولا غيره، إذا كانت العلة معقولة، لكن الأولى تطرد، لكن هل الذين يقولون: إن الغسل للنجاسة يأمرون بغسل الصيد سبع مرات بالتراب؟ لكن جوابهم عن هذا أن الصيد يأتي عليه ما هو أشد من هذا وهو الطبخ، لكن لو قدر أن إنسانًا يريد أن يأكل الصيد نيئ بدون طبخ قيل له: اغسله، نعم لا بد أن يغسله، التتريب أولاهن بالتراب، أما عفروهن الثامنة، هم يقولون: يجعل في إحدى الغسلات تراب، فكأن الغسلة المصاحبة للتراب عن غسلتين؛ ولذا لا تخالف هذا الرواية رواية السبع، والمرجح أنه يكون في الغسلة الأولى لما سمعنا، والتتريب لا بد منه، ولا يغني عن التراب غيره من المنظفات، قد يقول قائل: أنا عندي صابون يكفي عن التراب، أبلغ من التراب يكفي أو ما يكفي؟ ما يكفي، وقد أظهر ذلك الطب، قالوا: إن في لعاب الكلب دودة أو جرثومة لا يقضي عليها إلا التراب، لكن مع الغلي تموت قطعًا، لكن مع صابون ما تموت، نعم، هذا يقول: نحن نغلي القدر، نطبخ القدر، نضع على النار يكفي عن التراب أو يكفي عن الماء والتراب؟ لماذا؟ النجاسة لا تزول إلا بالماء، لكن التراب ما قلنا: إن الغلي يقوم مقام التراب؟ يقتل هذه الجرثومة؟ على كل حال مثلما قلنا مرارًا: الحكم في ذلك النص، فالصيد له وضعه، والإناء له وضعه.
طالب:.......
وهذا هو الظاهر، وقول عامة أهل العلم، نعم كلهم، لكن يابس تلمسه وهو يابس ما ينجس، اليابس ما ينجس اليابس، لكن لو رطب، أو باشر شيئًا رطب ينجس.
ترى المسألة تحتاج ....، إلى الآن خمسة أحاديث.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((استقيموا ولن تحصوا، واعملوا، وخير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن))" الحديث مفاوز بين مالك والنبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه موصول عند ابن ماجه من طرق، وهذه الطرق كلها لا تسلم من ضعف، لكن بمجموعها تدل على أن له أصلًا.
((استقيموا)) على الجادة، أو على الطريق، أو على المنهج والمحجة، والأمر بالاستقامة، والخبر عن أصحابها مستفيض في الكتاب والسنة {فَاسْتَقِمْ} [(112) سورة هود] أمر للنبي -عليه الصلاة والسلام-، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [(13) سورة الأحقاف] ((قل: أمنت بالله، ثم استقم)) فعلى المسلم على أن يستقيم، ويلزم الطريقة والمحجة متبعين في ذلك خطا القدوة والأسوة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ممتثلين ما أمرتم به، مجتنبين ما نهيتم عنه ((ولن تحصوا)) يعني لن تطيقوا أن تعملوا بجميع ما أمرتم به، لن تحصوا، لكن سددوا وقاربوا، قد يقول قائل: ما دمنا لن نحصي ولن نطيق كيف نعمل؟ جاء الأمر بعد ذلك بقوله: ((واعملوا)) لا تيأسوا، أنتم لن تحصوا، لكن لا تيأسوا، والإحصاء كما يفهم منه عدم الإطاقة أيضًا أن الإحصاء بدقة غير ممكن، يعني المحاسبة والمراقبة أمر مطلوب {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [(18) سورة الحشر] يقول عمر -رضي الله عنه-: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا" فعلى الإنسان أن يحاسب نفسه، ويراقب ويديم النظر في عمله، ويصحح خطأه، لكن مع ذلكم قد يراقب نعم من اتق الله -جل وعلا- حسب استطاعته وقدرته لن يخيب الله رجاءه، لكن قد تكون عند الإنسان دسيسة في قلبه تخونه {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [(47) سورة الزمر] الإنسان جالس في المسجد يقرأ القرآن، وعنده أنه مع السفرة الكرام البررة، وفي قلبه شيء يمنع من ترتب الآثار، شخص يعلم الناس وعنده أنه تصلي عليه كل شيء، حتى ويدعو له.... إلى آخره، وفي النهاية يتمنى السلامة كفاف لا له ولا عليه؛ لأن هذا العلم أمره وشأنه خطير، يعني من علوم الآخرة المحضة، لا يجوز فيه التشريك، وأول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة ومنهم العالم، نسأل الله العافية.
فلن تحصوا الإنسان يظن أن المسألة أمور الدنيا يمكن إحصاؤها، تحسب الأرباح والخسائر، وعندك آلات، وعندك من يساعدك على هذا، لكن أمور الآخرة؛ ولذا هذا الأمر مقلق بالنسبة للمخلصين الصادقين ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) يعني هل السلف قالوا: هذا حديث مطلق يقيد بالحديث الآخر: ((فيما يبدو للناس)) ويظهر للناس، وعملنا صحيح ومناسب، ومخلصين وموافق لما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا، الخوف يساورهم، وجاء الخبر عنهم أنهم جمعوا بين إتقان العمل وإحسانه الخوف والوجل، بخلاف من جاء بعدهم ممن يغلب عليه إساءة العمل مع الأمن.
((واعملوا، وخير أعمالكم الصلاة)) خير الأعمال الصلاة؛ لأنها أهم أركان الإسلام، والخطاب لمن يلفظ بالشهادتين، أهم الأعمال وخيرها وأكثرها أجرًا وأعظمها الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن، الذي ليس بمؤمن لا يحافظ على الوضوء، وأشد منه الغسل، لا سيما مع المشقة والمكاره.
أحسن الله إليك
باب: ما جاء في المسح بالرأس والأُذنين
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يأخذ الماء بأصبعيه لأذنيه.
عن مالك انه بلغه أن جابر بن عبد الله الأنصاري سئل عن المسح على العمامة فقال: لا، حتى يمسح الشعر بالماء.
عن مالك عن هشام بن عروة أن أبا عروة بن الزبير كان ينزع العمامة، ويمسح رأسه بالماء.
عن مالك عن نافع أنه رأى صفية بنت أبي عبيد امرأة عبد الله بن عمر تنزع خمارها، وتمسح على رأسها بالماء، ونافع يومئذٍ صغير.
وسئل مالك عن المسح على العمامة والخمار، فقال: لا ينبغي أن يمسح الرجل ولا المرأة على عمامة ولا خمار، وليمسحا على رؤوسهما.
وسئل مالك عن رجل توضأ فنسي أن يمسح على رأسه حتى جف وضوؤه، قال: أرى أن يمسح برأسه، وإن كان قد صلى أن يعيد الصلاة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المسح بالرأس والأُذنين.
المسح بالرأس والأذنين، يعني دون الحوائل من عمامة وخمار ونحوهما، وهذا رأيه -رحمه الله-.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يأخذ الماء بأصبعيه لأذنيه" بأصبعيه لأذنيه يعني كل أذن أصبع وإلا كل أذن أصبعين؟ شوف النص: "كان يأخذ الماء بأصبعيه لأذنيه" كل أصبع لها أذن؟ يعني مقابلة التثنية بالتثنية مثل الجمع بالجمع؟ كل أذن لها أصبعها.
طالب:.......
نعم، لكن اللفظ ما فيه ما يدل على هذا.
طالب:.......
هو المراد بلا شك، وسبق الكلام في الأذنين، وأنهما من الرأس؛ لقوله في الحديث السابق: ((فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من أذنيه)) والخلاف في ذلك معروف، تقدم الكلام فيه.
يقول: "وحدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن جابر بن عبد الله سئل عن المسح على العمامة، فقال: لا حتى يمسح الشعر بالماء" هذا رأي جابر -رضي الله عنه- أنه لا يرى المسح علي العمامة، بل لا بد أن يمسح الشعر بالماء؛ امتثالًا للآية: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة].
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن أبا عروة بن الزبير كان ينزع العمامة، ويمسح على رأسه بالماء" والمسح على العمامة مسألة خلافية بين أهل العلم، فروي عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم أجازوا المسح على العمامة، وهو ثابت مرفوعًا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من حديث عمرو بن أمية وبلال والمغيرة وأنس، وهذا مذهب أحمد -رحمه الله-، المسح على العمامة، وذهب الجمهور إلى أن الاقتصار على مسح العمامة لا يكفي، ولا يجزئ حتى يمسح جزءًا من الرأس مع العمامة، عندنا الخبر عن جابر ما جاء أيضًا عن أبي عروة بن الزبير أنه كان ينزع العمامة، مذهب الجمهور أن المسح على العمامة لا يكفي وحده، بل لا بد أن يمسح معها جزء من الرأس، ومذهب الإمام أحمد أنه يكفي المسح على العمامة، وهو مروي عن جمع من الصحابة والتابعين، وفيه أحاديث كما سمعنا، وقياسًا على الخُف، العمامة إذا كانت محنكة يشق نزعها هي بمثابة الخُف، مع ما جاء فيها من الأخبار المرفوعة، ولا يعني هذا أن الإنسان يتوسع فيمسح على كل ما غطى الرأس، كما زعم بعضهم، يمسح على الطاقية، يمسح على الشماغ، لا بد أن تكون على الطهارة.
يقول: "وعن مالك عن نافع أنه رأى صفية بنت أبي عبيد امرأة عبد الله ابن عمر" العابد الناسك زوجته صفية بنت أبي عبيد الثقفية، أخت المختار بن أبي عبيد الذي ادعى النبوة، وليس في هذا مستمسك لأحد، يقصد البيوت التي ليست على شرطه احتجاجًا بأن صفية أخت المختار، بعض الناس ما يهمه أن يكون البيت بيت استقامة وفضل وخير وصلاح، يقول: مهما كان لن يصيروا مثل المختار، والدافع لذلك ما هو؟
طالب:.......
نعم، الدافع ما هو بنفس البيت.
طالب:.......
لا، لا؛ لأن هذه على وجه الخصوص تعجبه، فيقال له: انتظر يا أخي، ابحث عن أهل الخير وفضل واستقامة، يعينونك على صلاح امرأتك، وصلاح ذريتك، يقول: لن يصيروا أردأ من المختار، والسبب الباعث له على ذلك كون هذه المرأة أعجبته، أو مدحت له، نقول: يا أخي هذا خطر، تعرض أنت نفسك للخطر، فضلًا عن زوجتك وأولادك، فعلى الإنسان إذا أراد أن يتزوج أن يختار المرأة الصالحة من البيت الصالح الذي يعينه على نفسه، وعلى أسرته، يسافر وهو مرتاح مطمئن إذا ذهب الأولاد إلى بيت محفوظ، ولا يقول: هذا خيار الأمة فعل، وما يدريك أنه المختار حصل منه ما حصل بعد الزواج، يعني أنت إذا تزوجت وحرصت على أن تختار، ثم بعد ذلك انحرف من انحرف من إخوة الزوجة ما أنت بمسئول عنه، لكن الكلام لما يكون الخيار بيدك، عليك أن تحتاط لنفسك ولنسلك، وما تبرأ به ذمتك، وما يعينك على خير الدنيا والآخرة.
"أنه رأى صفية بنت أبي عبيد -امرأة عبد الله بن عمر- تنزع خمارها، وتمسح على رأسها بالماء" ولا شك أن خمار المرأة لا سيما إذا شق نزعه ملحق بالعمامة، وإن كان بعضهم يرى أن الأصل غسل الرأس، والعمامة جاءت على خلاف الأصل، فلا يقاس عليها الخمار، وتمسح على رأسها بالماء، ونافع يومئذٍ صغير، صغير دون سن التكليف، ولا مانع من أن يروي الصغير، لكن لا تقبل روايته وهو صغير حتى يكّلف إذا ضبط وأتقن وهو صغير ثم أدى ما حفظه وضبطه وأتقنه بعد البلوغ قُبِل، فتُقبل رواية الصغير، وتُقبل رواية الفاسق إذا أدى بعد الاستقامة، تُقبل رواية الكافر إذا أدى بعد الإسلام، ففي حال التحمل لا يشترط شيء، إنما الشروط في حال الأداء.
"وسئل مالك عن المسح على العمامة والخمار، فقال: لا ينبغي أن يمسح الرجل والمرأة على عمامة، ولا خمار، وليمسحا على رؤوسهما" وبذلك قال أبو حنيفة والشافعي "وليمسحا على رؤوسهما" يمسح الرجل والمرأة على رؤوسهما، وليمسحا على رؤوسهما، ما قال: على رأسيهما، توالي التثنية ثقيل، ولذا جاء {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [(4) سورة التحريم] ما قال: قلباكما، توالي التثنيات ثقيل؛ ولذا قال: على رؤوسهما، إذًا ما الأصح في التخريج أن نقول: رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما أو في صحاحهما؟ هذا الأصل صحيحيهما، لكن توالت التثنية، إذا أردنا أن نطبق قلوبكما، صغت قلوبكما، قلنا: في صحاحهما، يعني تستثقل في بعض الكلمات دون بعض؟ ما الفرق بين صحيحيهما ورأسيهما؟
طالب:.......
{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [(9) سورة الحجرات] يعني أنت نظرت إلى الأفراد، أفراد الرجال كثير، وأفراد النساء..، نعم فالرؤوس كثيرة والقلوب للمرأتين كثيرة أم قليلة؟ يعني إذا وجهنا ما جاء عندنا لن نستطيع توجيه الآية، على كل حال الأصل التثنية صحيحيهما هذا هو الأصل، نعم إذا أوقع خلاف الأصل في لبس فالمعتمد الأصل؛ لأنه لن يلتبس بغيره، لكن لو قلنا: في صحاحهما يمكن للبخاري أكثر من صحيح، ولمسلم أكثر من صحيح محتمل، لكن القلوب لا يمكن أن يفهم منها أكثر من هذا.
"وسئل مالك عن رجل توضأ فنسي أن يمسح على رأسه حتى جف وضوؤه، فقال: أرى أن يمسح برأسه" يعني وحده، يقول المالكية: لأن الفور إنما يجب مع الذكر لا مع النسيان "وإن كان قد صلى يعيد الصلاة" لماذا؟ لأنه قد ترك فرض من فرائض الوضوء، فلا يجزئه، كما لو ترك غسل الوجه، أو غسل الرجلين، لا بد من الإعادة.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"نعم فيه عدد كبير جدًّا تجاوزت الخمسين طريقًا، بدليل أنك تسمع مئات الألوف مما يحفظه الأئمة سبعمائة ألف، ولو أردت أن تحصي ما جاء من غير تكرار ما جاوزت العشرين والثلاثين الألف، وكثير منها غرائب، فدل على أن البقية لها طرق كثيرة، وإذا نظرت في كتب الرجال، وجمعت جميع ما في كتب التراجم لا تتجاوز الثلاثين أو الأربعين ألف، مع أنه وجد في بعض البرامج من رواة الأحاديث، يعني بالتكرار أكثر من ثلاثة ملايين راوٍ، فهذا يدل على أن هناك طرق كثيرة جدًّا للحديث الواحد، بل ذكر أبو إسماعيل الهروي أنه روى حديث: الأعمال بالنيات عن يحيى بن سعيد أكثر من سبعمائة راوٍ، مع أنه وجد أيضًا ما هو أكثر من ذلك.
نعم، له أن يصوم الست من شوال، وله أن يصوم عشر ذي الحجة، ويؤخر ذلك إلى ما تيسر، على أن يغلب على ظنه أنه يعيش إلى ذلك الوقت، أما إذا كان قد قرر أن فيه مرض لا يستطيع معه الصيام، وأنه على خطر، أو يغلب على الظن أنه لا يدرك الصيام فعليه أن يصوم الكفارة، ويقدمها على غيرها من النوافل.
مسألة التنشيف عند الحاجة سواء كان في الغسل أو في الوضوء، إذا احتيج إلى ذلك لبرودة الجو لا بأس، مع أنه يجوز التنشيف مطلقًا، عرض عليه -عليه الصلاة والسلام- المنشفة لم يردها؛ لأنه ليس بحاجة إليها، لكن لو قامت الحاجة إليها فلا مانع منها، وإلا فالأصل أن يترك الماء كما هو لتخرج الذنوب مع آخر قطر الماء.
إن كان المقصود الفوائت فالترتيب لا بد منه واجب عند عامة أهل العلم، ولا يسقط إلا بالنسيان.
أما بالنسبة للمرق فليس بداخل أصلًا، ولم يقل به أحد، أما عدا ذلك مما حواه الجلد فيدخل في مسمى اللحم، وإن كان من غير اللحم كالكبد والطحال والمصران والكرش، بدليل أن المحرم لحم الخنزير، المنصوص عليه لحم الخنزير، ويراد به جميع ما حواه جلده، فكذلك الإبل، مع أن المعروف عند الحنابلة أنه خاص باللحم.
طالب:.......
اللبن ما في شيء، اللبن والمرق....
نعم في سنن أبي دواد وغيره أذكار خاصة لسجود التلاوة.
نعم، معروف ((لا تدري ما أحدثوا بعدك)) لكن فيه كلام ليس بواضح، على كل حال بالنسبة للصحابة من ثبت على إسلامه وهم الأصل وهم الأكثر هؤلاء لا كلام لأحد فيهم؛ لأن الله -جل وعلا- عدلهم في كتابه، وجاءت النصوص القطعية عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنهم خير الناس، وهم حملة الدين، فالطعن فيهم طعن في الدين، والمقاصد واضحة جلية؛ ولذا تجدون من يطعن يعمد إلى شخص تجده أكثر الناس حملًا للدين، أكثر من تعرض للنقد أبو هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- في القديم والحديث من المبتدعة، وليس المراد شخص أبي هريرة، الذي دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يحببه الله إلى الناس، ويحبب الناس إليه، إنما المقصود ما يحمله أبو هريرة من دين وشرع؛ ولذا لا تجد من يطعن في أبيض بن حمال الذي لم يرو إلا حديث واحد، هذا يتعبهم في التتبع مثل هذا؛ ولذا الذي يظهر من صنيعهم، وتفوح الروائح من خلال كلامهم أن المراد الطعن في الدين، وليس المراد الطعن في الأشخاص، نعم ارتد بعض الصحابة بعده -عليه الصلاة والسلام-، والردة أمرها معروف، لكن لم يردنا شيء من الدين من طريق أحد قد أرتد، ولا عن طريق أحد ممن وصف بالنفاق، ولله الحمد والمنة.
على كل حال هو حياته -عليه الصلاة والسلام- وحياة الأنبياء أكمل من حياة الشهداء بلا شك، لكنها حياة برزخية، فارقت الروح البدن، وحياة الله أعلم بكيفيتها، حياة تختلف عن حياة الأحياء، وهي فوق حياة الشهداء، حياة برزخية الله أعلم بكيفيتها، ومن المقطوع به أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد مات {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [(30) سورة الزمر] "من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات" ولا شك أن روحه فارقت جسده عليه الصلاة والسلام، وفاة حقيقة، لكن كونه ترد عليه روحه يبلغه سلام من يسلم عليه، هذا حياة الله أعلم بكيفيتها، لم يرد تفصيلها.
فالظاهر أن الحديث بقاؤهم على الدين، كونه لا يستنزه من بوله، أو لا يستبرئ من بوله لا يلزم أن يكون البول باقٍ في محله، إنما قد يكون عدم الاستبراء من رشاش ونحوه، على أن ما سمعتم في مذهب أبي حنيفة ومالك أن الاستنجاء ليس بشرط، الرشاش مهما كان حتى قال أهل العلم: حتى ما يشبه رؤوس الإبر هذا لا يعفى عنه بالنسبة للبول، على كل حال المشقة تجلب التيسير هذا الأصل، لكن يبقى أن على الإنسان أن يحتاط، وأن يستنزه، وأن يستبرئ.
وغالبًا المسائل تكون من الغرائب، يعني مسائل غربية، أو تطرح من جهة واحدة كحلق اللحية، وحكم التصوير، وسماع الأغاني، والحجاب، وغالب من يشارك هم من المتطفلة على موائد العلم.
أقول: طرح مثل هذه القضايا الهامة الشرعية التي لا يستفتى فيها غوغاء الناس، بل مردها إلى أهل العلم الراسخين فيه، الذين عرفوا بالعلم والعمل والورع، لا يكفي أن يكون الإنسان عنده شيء من العلم، بل لا بد أن يقترن بذلك العلم العمل، الدين، الورع.
وليس في فتواه مفتٍ متبع
ما لم يضف للعلم والدين الورع
ج
وكون مسائل الدين تطرح للاستفتاء، وتحشد لها الأصوات هذه كارثة، هذا يتخذ الناس الرؤساء أو الرؤوس الجهال كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- يُسألون فيفتون بغير علم، مثل هؤلاء لا ينبغي أن يسألوا، بل لا يجوز سؤالهم، إنما السؤال لمن هو من أهل العلم والعمل، وإذا كانت المسائل العلمية تطرح للاستفتاء، أو لحشد الأقوال والأصوات يقع ما أخبر به النبي -عليه الصلاة والسلام- من كونه يسأل من لا علم له فيَضل ويضل بهذه الطريقة، والله المستعان.
هو يريد أن يقرن هذا بالحديث "ألسنا إخوانك"؟ قال: ((أنتم أصحابي)) الصحبة والصحابة بالنسبة لمن عاصره ورآه -عليه الصلاة والسلام-، هذا اصطلاح شرعي قد يختلف عن الاصطلاح الآخر، ما قال: إنما المؤمنون صحابة، قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [(10) سورة الحجرات] ولا شك أن الأخوة في الدين أعظم من مجرد الصحبة.
الإنترنت معروف أنه فيه الشر، وهو الكثير الغالب، وفيه الخير، الدروس العلمية تنشر من قبل أو عبر الإنترنت، لكن غالبه الشر، نعم إذا كان الإنسان يضمن نفسه بألا يستعمله إلا فيما ينفع في الدروس فقط، لكن أنى له ذلك؟ والمواقع وما يقذف فيها يستهويه بعضها، ويجر بعضها إلى بعض، كثير من الناس اليوم يمضي الساعات الطوال أمام هذه الشبكات، وهي حبائل ضل بسببها كثير من أهل الخير والاستقامة، بسبب ما يقذف فيها من الشبهات، وفيها أيضًا ما يثير الشهوات، لا شك أن ضررها أكثر من نفعها، لكن إذا كان الإنسان من أهل الحزم، وقال: إنه يقتني هذه الآلة من أجل سماع الدروس فقط، ويعرف مواعيدها، ويعرف كيف يصل إليها دون أن يعترضه في طريقه شيء مما يكدر صفو العلم، هذا قد يتجاوز في حقه، لكن الغالب أنها شر، والله المستعان.
هذا حكمه حكم السلس، تصلي على حسب حالها، إذا اغتسلت ثم توضأت لكل صلاة لا يضرها ما يخرج بعد ذلك.
معروف أن رفع الأصبع من أجل الشهادة، أو من أجل الدعاء، يدعى بها.
إذا كانت لا تعيش إلا في الماء فحكمها حكم ميتة البحر.
إذا كان عند الشخص كبائر وصغائر فالصغائر تكفرها الصلوات الخمس، ورمضان والعمرة، وما جاء في النصوص من المكفرات، وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة، كما أن الصغائر تكفر بمجرد اجتناب الكبائر، فاجتناب الكبائر مكفر من المكفرات كالصلوات الخمس.
من شروع الإمام فيها، يبدأ من شروعه، إذا شرع فيها وانقطع نفسه تابعه المأموم على ذلك، وينتهي وقتها بشروع الإمام في الركن الثاني بقراءة الفاتحة.