الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (14)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين واعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد:

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:

"وكاغترار بعضهم بقوله تعالى في النار {لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [سورة الليل:15-16] وقوله تعالى {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [سورة البقرة:24] ولم يدر هذا المغتر أن قوله تعالى {فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} [سورة الليل:14] هي نار مخصوصة من جملة دركات جهنم ولو كانت جميع جهنم فهو سبحانه لم يقل لا يدخلها بل قال سبحانه {لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى} [سورة الليل:15] ولم يلزم من عدم صِلِيِّها عدم دخول.."

صَلْيِها صَلْيِها.

عفا الله عنك.

"ولا يلزم من عدم صَلْيِها عدم دخولها فإن الصَّلْيَ أخص من الدخول ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم ثم إن هذا المغتر لو تأمل الآية التي بعدها لعلم أنه غير داخل فيها فلا يكون مضمونا له أن يجنبها وأما قوله تعالى في النار {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [سورة البقرة:24] فقد قال في الجنة {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة آل عمران:133]."

إذًا ما الذي للفاسقين؟ إذا كانت النار أعدت للكافرين إذا كانت النار أعدت للكافرين والجنة أعدت للمتقين فماذا للفاسقين؟ لا شك أنهم لهم شيء حظ من النار ومآلهم إلى الجنة إن شاء الله تعالى فلا يغتر الإنسان بمثل قوله جل وعلا أعدت للكافرين أنها لا يدخلها إلا الكفار بل جائ في صريح القرآن {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} [سورة مريم:71] فالورود لا بد منه لكن ماذا عن الصدر الورود مضمون لكن الصَّدَر منها يحتاج إلى عمل يحتاج إلى احتياط واهتمام على كل حال الورود لا بد منه والمرور..

طالب: ...........

لا لا، المرور على الصراط المرور على الصراط لكن المرور المرور ما فيه شك أنه ورود المرور ورود ويبقى أن الإنسان كيف يتجاوز هذه المرحلة هل يتجاوزها بالأماني هل يتجاوز هذه المرحلة بالتفريط؟ ويقول مادام هو مسلم والمسلم مآله إلى الجنة نعم مآله إلى الجنة لكن يبقى أنه ارتكب ذنوبا رتبت عليها عقوبات رتبت عليها عقوبات {نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ} [سورة الحجر:49-50] لأن بعض الناس يغتر يقول مادام ما هنا خلود يدخل النار مدة ويطلع مآله إلى الجنة نقول نعم مآله إلى الجنة لكن من يصبر جرب شف أنت تصبر أو ما تصبر علما بأن هذه النار جزء من سبعين جزءا من نار الآخرة نسأل الله السلامة والعافية فالاغترار بمثل هذه النصوص والغفلة عن ما يقابلها من نصوص أيضًا صحيحة صريحة لا شك أنه تفريط.

"وأما قوله في النار {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [سورة البقرة:24] فقد قال في الجنة {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة آل عمران:133] ولا ينافي إعداد النار للكافرين أن يدخلها الفساق والظلمة ولا ينافي إعداد الجنة للمتقين أن يدخلها من في قلبه أدنى مثقال ذرة من الإيمان ولم يعمل خيرا قط وكاغترار بعضهم بالاعتماد على صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة حتى يقول بعضهم صوم يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر ولم يدر هذا المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجل من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر."

وجاء هذا القيد في كثير من النصوص وجاء أيضا ما لم تُغشَ كبيرة ما اجتُنبت الكبائر رمضان إلى رمضان «الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينها إذا اجتنبت الكبائر» وفي رواية «ما لم تُغشَ كبيرة» فإذا اغتر على مثل هذه الن صوص وغفل عن هذا القيد لا شك أنه مفرِّط ومعرِّض نفسه لعقوبة الله جل وعلا.

"فرمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة لا يقويان على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصغائر فكيف.."

قد تقوى هذه العبادات العظيمة على تكفير الصغائر قد تقوى هذه العبادات العظيمة على تكفير الصغائر ولو لم تجتنب الكبائر لكن اجتناب الكبائر اجتناب الكبائر كفيل بتكفير الصغائر فهو من المكفرات اجتناب الكبائر مكفِّر {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [سورة النساء:31] يعني الصغائر فرمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة والعمرة إلى العمرة والصلوات الخمس هذه كلها مكفرات للصغائر وأما الكبائر فلا بد لها من توبة وكذلك اجتناب الكبائر كفيل بتكفير الصغائر.

"فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصغائر فكيف يكفِّر صوم يوم تطوع كل كبيرة عملها العبد وهو مصرٌّ عليها غير تائب منها هذا محال على أنه لا يمتنع أن يكون صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء مكفرا لجميع ذنوب العام على عمومه وتكون من نصوص.."

ويكون ويكون ويكون من نصوص الوعد..

بعض الناس يغتر يقول «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة« «ومن حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه» تجده يزاول المنكرات ثم يحج ويرى أن هذا الحج يكفر لجميع ما ارتكبه هذا اغترار بل غرور وفي الحديث الصحيح في البخاري لما ذكر حديث «من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة من أي أبواب الجنة الثمانية شاء ولا تغتروا» نعم لا يغتر الإنسان بمثل هذا النص لأن هناك نصوص وعيد هذا من نصوص الوعد لكن هناك أيضا نصوص وعيد ولا بد من التوازن في حال المسلم لا بد من النظر إليهما بعين العدل والإنصاف فكما يعمل بنصوص الوعد ويرجو ما رتب عليها أيضا يجتنب ما جاء في نصوص الوعيد ويخشى من عاقبتها.

عفا الله عنك.

"ويكون من نصوص الوعد التي لها شروط وموانع ويكون إصراره على الكبائر مانعا من التكفير."

نعم هذه أسباب للتكفير أسباب لتكفير الذنوب لكن يبقى أن الأسباب لا تترتب عليها آثارها حتى تنتفي الموانع لا بد من انتفاء الموانع أما إذا لم تنتف الموانع فإن الأسباب لا تعمل عملها لا تعمل عملها.

"ويكون من نصوص الوعد التي لها شروط وموانع ويكون إصراره على الكبائر مانعا من التكفير فإذا لم يصر على الكبائر ساعد الصومُ وعدم الإصرار وتعاونا على عموم التكفير كما كان رمضان والصلوات الخمس مع اجتناب الكبائر متساعدين متعاونين على تكفير الصغائر مع أن الله سبحانه قد قال {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [سورة النساء:31] فعلم أن جعل الشيء سببا للتكفير لا يمتنع أن يتساعد هو وسبب آخر على التكفير ويكون التكفير مع اجتماع السببين أقوى وأتم منه وأتم منه مع انفراد أحدهما وكلما قويت أسباب التكفير كان أقوى وأتم وأشمل."

نعم مثال ذلك شخص في حال برد شديد في حال برد شديد قل درجة الحرارة صفر مثلا ولبس من الثياب ما يعينه على دفع هذا البرد وأوقد النار فاجتمع أكثر من سبب النار التي ينبعث منها الدفء والثياب التي تدفع البرد أيضًا اجتمع هذان السببان لكن افترض أن عنده نار وليس عنده ثياب وهو في البر النار إذا أدفأت الوجه وما في سمته فالظهر وما حوله معرَّض ولو افترضنا أن عليه ثياب وليست عنده نار وبرد شديد وهو في البر مثلا لا شك أنه قد لا يعمل السبب الواحد عمله فإذا تضافر أكثر من سبب استفاد بإذن الله جل وعلا وقد يوجد ويتضافر أكثر من سبب يعارضها مانع أقوى منها فلا تؤتي هذه الأسباب ثمارها فلا بد من توافر الأسباب التي تقاوِم ما جُعلت سببا له ولا بد أن تنتفي الموانع التي تمنع من تأثير السبب وترتب الأثر على السبب.

"وكاتكال بعضهم على قوله -صلى الله عليه وسلم- حاكيا عن ربه «أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء» يعني ما كان في ظنه فإني فاعله به ولا ريب أن حسن الظن إنما يكون مع الإحسان فإن المحسن حسن الظن بربه أنه يجازيه على إحسانه ولا يخلف وعده ويقبل توبته وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه وهذا موجود في الشاهد فإن.."

الكلام الكلام النظري قد يُتصوَّر قد يقول قائل صح الحديث عنه -عليه الصلاة والسلام- أن من حج فلم يفسق ولم يرفث رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ويرتكب المعاصي والفواحش والمنكرات ثم يحج ويقول لن أرفث ولن أفسق ألا يدري هذا المسكين أنه لا يمكن أن يوفَّق للحج دون رفث ولا فسوق وقد استرسل في المعاصي لن يوفَّق شخص حياته وطول عمره في القيل والقال في الكلام الذي لا قيمة له بل في الكلام الحرام أحيانًا وهذا يريد أن يحج ولا يرفث ولا يفسق هذا لا يمكن أن يوفق لهذا والشواهد ظاهرة كم من إنسان يريد الوعد الذي رتب على الحج المبرور لكن هل يوفق ولم يقدم في حال الرخاء ما يعينه على بر الحج؟ لا يمكن إلا إذا تدارك الله جل وعلا الإنسان في لحظة من لحظاته خاضعا بين يديه منكسرا منطرحا ثم بعد ذلك يتدارك بتوبة نصوح هذا فضل الله.

"وهذا موجود في الشاهد فإن العبد الآبق المسيء الخارج عن طاعة سيده لا يحسن الظنُّ به.."

لا يحسن الظنَّ.

"لا يحسن الظنَّ به."

عفا الله عنك.

"ولا يجامع وحدة الإساءة إحسان الظن أبدًا فإن المسيء مستوحش بقدر إساءته وأحسن الناس ظنًّا بربه أطوعهم له كما قال الحسن البصري رحمه الله: إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل."

يكفي يكفي.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك...