شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (081)

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، المسمى: بمختصر صحيح البخاري، للإمام زين الدين أحمد بن عبد اللطيف الزبيدي، المتوفى سنة: 893 للهجرة -رحمه الله-. لا زلنا وإياكم في ثنايا هذا الكتاب الذي يتولى شرح أحاديثه صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا زلنا مع المستمعين الكرام في حديث طلحة بن عبيد الله -رضي الله تعالى عنه-، توقفنا عند قوله –صلى الله عليه وسلم- للرجل عندما ولى: «أفلح إن صدق».

لعلنا نستكمل ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

في قوله –عليه الصلاة والسلام-: «أفلح إن صدق» يقول ابن بطال: أفلح، أي فاز بالبقاء الدائم في الخير والنعيم الذي لا يبيد، والفلاح في اللغة البقاء، وهو معنى قول المؤذن: حي على الفلاح، أي هَلمُّوا إلى العمل المؤدي إلى البقاء، يقول الطيبي في شرح المشكاة: الفلاح قيل: هو الظفَر وإدراك البغية، وهو ضربان: دنيوي: وهو الظفَر بما تطيب به الحياة الدنيا، وأخروي: وهو إدراك ما يفوز به الرجل في الدار الآخرة.

ويقول ابن بطال أيضًا: دل قوله: «أفلح إن صدق» على أنه إن لم يصدق في التزامها أنه ليس بمفلح، وهذا خلاف قول المرجئة «أفلح إن صدق» مفهومه أنه إن لم يصدق لم يفلح، إن صدق في التزام هذه المأمورات التي هي خمس صلوات في اليوم والليلة وصيام رمضان والزكاة هذه أعمال، إن لم يعمل هذه الأعمال لم يفلح، فدل على أن الفلاح مربوط بعمل هذه الأعمال، فيقول ابن بطال: هذا خلاف قول المرجئة.

وهنا يقول النووي -رحمه الله تعالى-: فإن قيل: كيف قال: "لا أزيد على هذا" وليس في هذا جميع الواجبات ولا المنهيات ولا السنن المندوبات، وأقره النبي -صلى الله عليه وسلم- وزاده، فقال: «أفلح إن صدق» هذا إشكال للنووي -رحمه الله تعالى­-، يقول: فإن قيل: كيف قال: "لا أزيد على هذا" وليس في هذا جميع الواجبات ولا المنهيات ولا السنن المندوبات، وأقره النبي -صلى الله عليه وسلم- وزاده، فقال: «أفلح إن صدق» يعني تأكيد؟

فالجواب: أنه جاء في رواية البخاري في أول كتاب الصيام زيادة توضح المقصود، قال: "فأخبره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشرائع الإسلام، فقال: والذي أكرمك لا أتطوع شيئًا ولا أنقص مما فرض الله تعالى علَيَّ شيئًا" فعلى عموم قوله: "بشرائع الإسلام" وقوله: "مما فرض الله تعالى علَيَّ" يزول الإشكال في الفرائض، وفهمنا أنه من خلال هذه الرواية أنه سوف يلتزم بجميع الواجبات "ولا أنقص مما فرض الله تعالى علَيَّ شيئًا" فقال: "والذي أكرمك لا أتطوع شيئًا" فدل على أنه يلتزم بالواجبات، لكنه لا يزيد عليها من التطوعات شيئًا، وقيل: يحتمل أنه أراد لا أزيد في الفرض بتغيير صفته، كأنه قال: لا أصلي الظهر خمسًا، وتقدمت الإشارة إلى ذلك، لكن قال النووي: هذا تأويل ضعيف بل باطل؛ لأنه قال في رواية البخاري التي ذكرتها عن كتاب الصيام: "لا أتطوع" والجواب الصحيح: أنه على ظاهره، وأنه أراد أنه لا يصلي النوافل، بل يحافظ على جميع الفرائض، وهذا مفلح بلا شك، وإن كانت مواظبته على ترك النوافل مذمومة ترد بها شهادته إلا أنه ليس بآثم، بل هو مفلح ناجٍ، وإن كان فاعل النوافل أكمل فلاحًا منه، والله أعلم.

المقدم: لكن -أحسن الله إليك- الجواب هذا يكون على قوله: «أفلح إن صدق» أو على قوله هو: "والله لا أزيد عليها" أو على الأمرين؟

«أفلح إن صدق» هذا إقرار لقسمه: "والله لا أزيد على هذا ولا أنقص".

المقدم: لكن ما يحتمل...

الآن الحديث فيه جميع الواجبات؟ الحديث ليس فيه جميع الواجبات.

المقدم: صحيح.

فيه بر الوالدين؟ فيه الجهاد؟ فيه...؟ الأمور التي وجبت في الشرع.

المقدم: لكن ما يحتمل أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: «أفلح إن صدق» لأنه أثبت أن ما عليه من الواجبات إلا هذا، وليس مقصوده أن فلاحه أنه لا يأتي النوافل، ما يُفهَم هذا، وبالتالي يكون رد النووي أو غيره لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «أفلح إن صدق» فحسب؟

لا، كلام النووي لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقره على قسمه، وزاده تأكيدًا بقوله: «أفلح إن صدق» وليس في الحديث غير الواجبات الثلاثة: الصلاة والصيام والزكاة، أين بر الوالدين وهو من أوجب الواجبات؟ أين ترك المحرمات؟ هو لن يزيد على هذا ولن ينقص، إذًا الرواية التي توضِّح المقصود: "فأخبره بشرائع الإسلام" ثم قال: "والله لا أزيد" يعني على هذه الشرائع التي أخبره بها النبي -عليه الصلاة والسلام-، فدل على أنه لا يتطوع، يأتي بالفرائض ويترك المحرمات لكنه لا يزيد على ذلك من التطوعات، ولا ينقص من هذه الواجبات، ويكون في دائرة لأن الناجين أو الذين اصطفاهم الله -عز وجل- من هذه الأمة ثلاثة أقسام {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [سورة فاطر 32] فالظالم لنفسه الذي عنده أصل الإسلام، لكنه يفرِّط في بعض الواجبات، ويفعل بعض المحرمات، فهذا ظالم لنفسه؛ لكنه من جملة المصطفَين، مثل هذا تحت المشيئة يعاقَب بقدر معصيته، ثم مآله إلى الجنة، المقتصِد الذي يأتي بجميع الواجبات ويترك جميع المحرمات لكنه لا يزيد مندوبات، ولا يترك مكروهات، بحيث لا يترتب عليها إثم هذا مقتصد.

الثالث: السابق الذي يأتي بالوجبات، ويترك المحرمات، ويزيد على ذلك المندوبات، ويترك المكروهات إلى آخره.

هنا كلام لابن بطَّال يحسن إيراده يقول: فإن قيل: إن هذا الحديث ليس فيه فرض النهي عن المحارم وعن ركوب الكبائر، وليس فيه الأمر باتباع النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما سنه لأمته، فكيف يفلح من لم ينته عما نهاه الله، ولم يتبع ما سنه -عليه السلام-؟ وقد توعد الله على مخالفة نبيه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة النــور 63].

يقول ابن بطال: فالجواب أنه يحتمل أن يكون هذا الحديث في أول الإسلام قبل ورود فرائض النهي، واضح استشكاله؟ ماذا يقول ابن بطال؟ يقول: فإن قيل: إن هذا الحديث ليس فيه فرض النهي عن المحارم، وعن ركوب الكبائر، وليس فيه الأمر باتباع النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما سنه لأمته، الجواب عما سنه لأمته تقدَّم، لكن الجواب عن المحرمات وركوب الكبائر، يقول: فكيف يفلح من لم ينته عما نهاه الله عنه، ولم يتبع ما سنه -عليه السلام-، وقد توعد الله على مخالفة نبيه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة النور 63] يقول: فالجواب، يقوله ابن بطال: إنه يحتمل أن يكون هذا الحديث في أول الإسلام قبل ورود فرائض النهي، لكن ابن حجر يقول: هذا عجيب منه! لماذا؟ لأنه تقدَّم النقل عن ابن بطال أن السائل هو مَن؟ هو ضمام بن ثعلبة، يقول: هو عجيب منه لأنه جزم بأن السائل ضمام.

المقدم: ابن ثعلبة وهو متأخر في الإسلام.

نعم، وأقدم ما قيل فيه أنه وفد سنة خمس، وقيل: بعد ذلك، وقد كان أكثر المنهيات واقعًا قبل ذلك، والصواب يقول ابن حجر: أن ذلك داخل في عموم قوله: "فأخبره بشرائع الإسلام" هذا الجواب الكافي الشافي، وقال ابن حجر أيضًا، فإن قيل: كيف أقره على حلفه، وقد ورد النكير على من حلف ألا يفعل خيرًا، كيف وقع النكير؟ مَن يستحضر؟ كيف وقع النكير على من حلف ألا يفعل خيرًا؟ {وَلا يَأْتَلِ} [سورة النور 22].

المقدم: {أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ} نعم.

نعم، في قصة؟

المقدم: أبي بكر.

مع مَن؟

المقدم: مِسْطَح.

نعم {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ} [سورة النور 22] وقع النكير وهذا وليس بلازم، لا يلزم أبا بكر -رضي الله عنه- أن ينفق على مِسْطَح، لاسيما وقد حصل منه ما حصل، وقع النكير عليه.

فإن قيل: كيف أقره على حلفه وقد ورد النكير على من حلف ألا يفعل خيرًا؟ أجيب بأن ذلك مختلِف باختلاف الأحوال والأشخاص، وهذا جارٍ على الأصل بأنه لا إثم على غير تارك الفرائض فهو مفلح، وإن كان غيره أكثر فلاحًا منه، تقدم أن الذي يقتصر على الفرائض وإن لم يأت بالنوافل أنه مفلح ناجٍ وهو المقتصد.

وقال الطيبي: يحتمل أن يكون هذا الكلام صدر منه على طريق المبالغة في التصديق والقبول، صدر من هذا الأعرابي، صدر منه هذا الكلام وهذا الحلف "والله لا أزيد على هذا ولا أنقص" يحتمل أن يكون هذا الكلام صدر منه على طريق المبالغة في التصديق والقبول، أي قبلت كلامك قبولاً لا مزيد عليه من جهة السؤال، ولا نقصان فيه من طريق القبول.

في القطعة التي شرحها النووي -رحمه الله تعالى- لأوائل الصحيح يقول: في الحديث دلالة لِمَا تُرجِم له وهو كون الزكاة من الإسلام، وموضع الدلالة قوله: "فإذا هو يسأل عن الإسلام" في الحديث دلالة لِمَا تُرجِم له وهو كون الزكاة من الإسلام، وموضع الدلالة من الحديث قوله: "فإذا هو يسأل عن الإسلام" فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خمس صلوات» وذكر في صوم رمضان والزكاة مثله، وهذا دليل على كون هذه الأعمال من الإسلام، والإسلام والإيمان بمعنًى كما سبق، والإسلام والإيمان بمعنًى كما سبق على رأي مَن؟

المقدم: على رأي البخاري.

على رأي البخاري مطلقًا، عنده الإسلام والإيمان مترادفان، عند غيره متى يترادف الإسلام مع الإيمان؟

المقدم: إذا افترقا.

إذا افترقا، الآن مجتمعان أم مفترقان في الحديث؟

المقدم: لا، مفترقان.

مفترقان، لم يرد للإيمان ذكر، وإنما الوارد ذكر الإسلام، ويدخل فيه الإيمان.

وفيه أن الصلاة التي هي من أركان الإسلام، والتي أطلقت في باقي الأحاديث هي الصلوات الخمس، وأنها واجبة على كل مكلَّف بها، في كل يوم وليلة، ما قال: على كل مكلَّف، يقول: وقولنا: بها احتراز من الحائض والنفساء، هما مكلفتان، لكن ليستا بمكلفتين بها، وقولنا: بها احتراز من الحائض والنفساء فإنها مكلفة بأحكام الشرع إلا الصلاة، وما أُلحِق بها مما هو مقرَّر في كتب الفقه.

ويدخل في قولنا: مكلَّف بها الكافر، فإن المذهب المختار الذي عليه الأكثرون أنه مخاطَب بفروع الشرع، كما أنه مخاطَب بالتوحيد بالإجماع، وقيل: لا يخاطَب بالفروع، وقيل: يخاطَب بالنهي كالخمر والزنا، يعني يخاطَب بالنواهي دون الأوامر كالخمر والزنا؛ لأنه يصح منه الترك، يتصور منه ترك المحرمات، لكن هل يتصور منه فعل الواجبات وهو على كفره؟ لا، دون المأمور به، وهذه المذاهب مشهورة في الأصول، والمرجَّح عند أهل العلم أنه مخاطَب لأدلة كثيرة.

وفيه أن وجوب صلاة الليل منسوخ في حق الأمة، وهذا مجمع عليه، واختَلَف قول الشافعي -رحمه الله- في نسخه في حق الرسول -عليه الصلاة والسلام-، والأصح نسخه، وسنوضحه في موضعه في أبواب قيام الليل -إن شاء الله تعالى-، وفيه أن صلاة الوتر...

النووي -رحمه الله تعالى- يقول: وسنوضحه في موضعه في أبواب قيام الليل -إن شاء الله تعالى-، هذا على لسان النووي، ونحن نقول ذلك -إن شاء الله تعالى-، لكن النووي -رحمة الله عليه- قال: إن شاء الله تعالى، ومع ذلك ما وصل، فلا يلزم من ربطه بالمشيئة أن يصل، كما أنه قد يغفل عن المشيئة ويصل، بالمناسبة في الروض المربع قال: والطريدة وستأتي، ما قال: إن شاء الله ولا جاءت، في كتاب الصيد ما جاءت، يقول المحشُّون: لأنه لم يقل: إن شاء الله، على كل حال ربطه بالمشيئة طيِّب، لكن ما يلزم لا طردًا ولا عكسًا، لا يلزم من ذلك لا طردًا ولا عكسًا، لكن ربطه بالمشيئة مما ينبغي.

وفيه: أن صلاة الوتر والعيد ليست بواجبة، وهذا مذهب الجمهور، معروف أن مذهب الحنفية الوجوب، ويميل إليه شيخ الإسلام بالنسبة للعيد.

وفيه: أنه لا يجب صوم عاشوراء ولا غيره سوى رمضان، وهذا مجمع عليه، واختلف العلماء في صوم عاشوراء هل كان واجبًا قبل إيجاب رمضان أم كان ندبًا متأكدًا؟ فقال أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي: كان فرضًا، وقال أكثر أصحاب الشافعي: كان ندبًا.

وفيه: جواز قول رمضان من غير ذكر شهر، وسيأتي بسط هذه المسألة في كتاب الصيام -إن شاء الله تعالى-.

وفيه: أنه ليس في المال حق سوى الزكاة، وجاء عن عائشة الإثبات والنفي «ليس في المال حق سوى الزكاة» وجاء أيضًا الإثبات: «إن في المال لحقًا سوى الزكاة» هل في هذا تناقض؟

المقدم: لا، لعل مراده الأول الحق الواجب المفروض.

نعم.

المقدم: والثاني فيما يندب له المسلم من...

ألا يجب غير الزكاة؟ يعني عموم في أحوال الرخاء، في عموم الأحوال ليس في المال حق واجب سوى الزكاة، لكن في أوقات الأزمات وأوقات الشدائد ألا يجب على من كانت عنده جِدَة أن يتصدق على غيره؟

المقدم: بلى.

وفيه: جواز الحلف بالله -سبحانه وتعالى- من غير استحلاف ولا ضرورة؛ لأن الرجل حلف هكذا بحضرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم ينكر عليه، وزاد العيني على ما ذكره النووي أن السفر والارتحال من بلد إلى بلد لأجل تعلُّم علْم الدِّين والسؤال أمر مندوب، أن السفر والارتحال من بلد إلى بلد، هذا من أين جاء؟ "جاء رجل من أهل نجد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

أن السفر والارتحال من بلد إلى بلد لأجل تعلم علم الدين والسؤال عنه أمر مندوب، ومما زاده العيني يقول: صحة الاكتفاء بالاعتقاد من غير نظر ولا استدلال، لكنه يحتمل أن ذلك صح عنده بالدليل، وإنما أشكلت عليه الأحكام، يعني إذا قَبِل، عُرض عليه الإسلام فقبل، هل يحتاج إلى نظر واستدلال؟ إذا عُرض عليه الإسلام، ووقَر الإيمان في قلبه، ونطق بالشهادة، لا يحتاج إلى نظر ولا استدلال، ولا يحتاج إلى تقدم نظر ولا قصد إلى النظر، ولا شك ولا شيء مما يقوله المتكلمون، وإنما إذا نطق بالشهادة فمعناه أنه دخل في الإسلام، فيه أيضًا الرد على المرجئة، إذ شرَط في فلاحه ألا ينقص من الأعمال والفرائض المذكورة.

وفيه: استعمال الصدق في الخبر المستقبل «أفلح إن صدق» الآن أم في المستقبل؟

المقدم: في المستقبل.

في المستقبل.

يقول: فيه استعمال الصدق في الخبر المستقبل، وقال ابن قتيبة: الكذب مخالفة الخبر في الماضي، إذا قيل: جاء زيد، هل يقصد القائل هذا أنه جاء في الماضي أو في المستقبل؟

المقدم: في الماضي.

في الماضي، لماذا؟ لأن الفعل...

المقدم: فعل ماض.

فعل ماض، وهنا «أفلح إن صدق» صدق في ماذا؟

المقدم: في المستقبل. الفعل نفسه صدق؟

نعم.

المقدم: فعل ماض.

لكن (إن) شرطية.

المقدم: يعني تحوله إلى المستقبل.

تحيله إلى المستقبل.

فيه: استعمال الصدق في الخبر المستقبل، وقال ابن قتيبة: الكذب مخالفة الخبر في الماضي، والحلف في مخالفته في المستقبل، الكذب مخالفة الخبر في الماضي، متى يثبت صدق خبره وكذبه هذا الرجل الذي جاء إلى رسول الله؟

المقدم: في المستقبل.

في المستقبل، يثبت صدقه عما أخبر به في الماضي، ثبوت الصدق والكذب في المستقبل لكن مطابقة خبره للماضي؛ لِمَا التزم به في الماضي.

وقال ابن قتيبة: الكذب مخالفة الخبر في الماضي، والحلف مخالفته في المستقبل، فيجب على هذا أن يكون الصدق في الخبر عن الماضي، والوفاء في المستقبل، وفي هذا الحديث ما يرُدُّ عليه، مع قوله تعالى: {ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [سورة هود 65] وهو أيضًا مستقبل أو ماض؟ مستقبل.

والحديث خرَّجه الإمام البخاري في أربعة مواضع:

الأول: هنا في كتاب الإيمان، بابٌ الزكاة من الإسلام، وسبق ذكر الترجمة، وسند الحديث، والمناسبة، وأوردنا إسناد الحديث من أجل ماذا؟

المقدم: العنعنة، في قوله: عن طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- عنه يقول...

رضي الله عنه يقول.

المقدم: عنه يقول.

قلنا: إن الأسلوب فيه ركة، والإسناد كامل عن طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- يقول ماذا؟

المقدم: يعني قلنا.

ما قلنا: إن في الإسناد ركة؟

المقدم: لأنه "يقول" قلنا لا تناسب العنعنة.

لأن المختصِر التزم، التزم ماذا؟

المقدم: عدم تغيير النص.

عدم تغيير ما جاء في الأصل من صيغ الأداء، لكن الذي في الأصل "عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول" مناسب جدًّا "سمع يقول" لكن "عن يقول"..

المقدم: ما تناسب.

ولهذا أوردنا الإسناد كاملاً في أول الكلام على الحديث، وذكرنا المناسبة هناك.

الثاني: في كتاب الصوم، بابُ: وجوب صوم رمضان، وقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة 183] قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله أن أعرابيًّا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثائر الرأس... الحديث، وفيه: "فأخبره بشرائع الإسلام" الرواية التي أوردناها مرارًا للحاجة إليها.

وفي آخره قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أفلح إن صدق» أو «دخل الجنة إن صدق» دخل الجنة ما معنى دخل الجنة إن صدق؟ يعني أن مآله إلى الجنة، وهذا خبر من لا يَكذِب الصادق المصدوق «دخل الجنة» يعني لتحقق دخوله الجنة عبر بالماضي.

والمناسبة ظاهرة بين وجوب صوم رمضان وقوله في الحديث: "أخبرني بما فرض الله علَيَّ من الصيام" باب وجوب صوم رمضان، وفي الحديث: "أخبرني بما فرض الله علَيَّ من الصيام؟ فقال: «شهر رمضان».

الموضع الثالث: في كتاب الشهادات، بابٌ كيف يُستحلَف أو يَستحلِف، بابٌ كيف يُستحلَف، قال تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ} [سورة التوبة 62] وقول الله -عز وجل-: {ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [سورة النساء 62] يقول: بالله وتالله ووالله، هذا كلام البخاري -رحمه الله-، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «ورجل حلف بالله كاذبًا بعد العصر ولا يُحلَف بغير الله» ثم ساق الحديث قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الله، قال: حدثني مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- يقول: "جاء رجل" الحديث، وفيه: "فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص" الحديث، وهنا إشارة خفية، انظر الآن الإمام البخاري -رحمه الله- أثبت الحديث في هذا الباب، بابٌ: كيف يُستحلَف، وقال تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ} [سورة التوبة 62] يقول: بالله وتالله ووالله، واستدل بقول الأعرابي: "والله لا أزيد".

المقدم: وهو لم يستحلف.

أين؟

المقدم: الأعرابي لم يستحلف.

لكن هناك لطيفة، وهي كأن البخاري بهذا كله يشير إلى أن قوله في بعض الروايات: «أفلح وأبيه» لا تثبت عنده.

المقدم: لأنه لم يأتي إلا....

هذا استنباط؛ لماذا أدخل البخاري -رحمه الله تعالى- هذا الحديث، وترجم عليه كيف يستحلف؟ قال تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ} [سورة التوبة 62] وقول الله -عز وجل-: {ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ} [سورة النساء 62] يقال: بالله وتالله ووالله، كل هذا تأكيد «ورجل حلف بالله» ثم يورد هذا الحديث، وفيه: «أفلح وأبيه» هذه إشارة من الإمام البخاري أن هذه اللفظة لم تثبت عنده.

المناسبة ظاهرة بين قوله: "والله لا أزيد على هذا ولا أنقص" فإنه يستفاد منه الاقتصار على الحلف بالله دون زيادة.

ويستفاد من رواية الباب تصريح الراوي عن طلحة، الراوي عن طلحة مَن هو؟ مالك بن أبي عامر، جد الإمام مالك بن أنس، بالسماع من طلحة؛ لأنه ماذا قال؟ أنه سمع طلحة بن عبيد الله، يستفاد من رواية الباب تصريح الراوي عن طلحة وهو مالك بن أبي عامر جد الإمام مالك بن أنس بالسماع من طلحة خلافًا للدمياطي حيث قال في سماعه من طلحة نظر.

قال ابن حجر: وتُعُقِّب بأنه ثبت سماعه من عمر، فكيف يكون في سماعه من طلحة نظر؟

الموضع الرابع: في كتاب الحِيَل، بابٌ في الزكاة، وألا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين مفرق خشية الصدقة، قال: حدثنا قتيبة، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله: "أن أعرابيًّا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-..." فذكر الحديث.

المقدم: في كتاب الحِيَل؟

في كتاب الحِيَل، بابٌ في الزكاة، انظر الجمع بين الأمور التي هي في بادئ الرأي بعيدة كل البُعْد، في باب كتاب الحِيَل، بابٌ في الزكاة وألا يجمع بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة، الجمع بين متفرق، والتفريق بين مجتمع حيلة، مناسبتها لكتاب الحِيَل ظاهرة، لكن ما الذي يدل عليها من الحديث؟ يقول الإمام البخاري: حدثنا قتيبة، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل عن أبيه عن طلحة بين عبيد الله أن أعرابيًّا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-... فذكر الحديث.

أقول: المناسبة على بُعْد، وهي أن الزكاة لما كانت واجبة بل هي أحد أركان الإسلام وجب على المسلم الخروج من عهدتها بيقين، بلا حيلة فرار ولا غيره، إذ المتحايل على إسقاطها لم يخرج من العهدة بيقين لأهميتها، هذا أنا استنبطته على بُعْد.

المناسبة على بُعْد هي أن الزكاة لما كانت واجبة، وذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الزكاة "قال: هل علَيَّ غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تطوع»" والزكاة فريضة، بل ركن من أركان الإسلام، وعلى هذا هذه الفريضة يجب على المسلم أن يخرج من عهدتها بيقين، المتحايل على إسقاطها بالجمع والتفريق هذا يخرج من عهدتها بيقين؟ لا يخرج من عهدتها بيقين.

أقول: لما كانت الزكاة واجبة، بل هي أحد أركان الإسلام وجب على المسلم الخروج من عهدتها بيقين، بلا حيلة فرار ولا غيره، فإذا تحايل على إسقاطها لم يخرج من عهدتها لأهميتها.

والحديث مخرَّج في صحيح مسلم، فهو متفق عليه.

المقدم: شكر الله لكم يا شيخ على هذا البيان، ولعلنا بهذا نصل وإياكم مستمعي الكرام إلى ختام حلقتنا هذه. نلقاكم -بإذن الله تعالى- في حلقة قادمة وأنتم على خير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.