الموقظة في علم مصطلح الحديث (02)

 

يقول المؤلف- رحمه الله تعالى- الحافظ الذهبي: فأعلى مراتب المجمع عليه مالك عن نافع عن ابن عمر، وهذا هو أصح الأسانيد عند الإمام البخاري، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

 

.........................

 

............... والمعتمَد

إمساكنا عن حكمنا على سند

 

بأنه أصح مطلقًا وقد

خاض به قوم فقيل مالك

 

عن نافع بما رواه الناسك

مولاه..................

 

.........................

هذا أصح الأسانيد عند الإمام البخاري، مالك عن نافع عن ابن عمر، هناك أقوال في المسألة، الإمام أحمد رحمه الله تعالى يرى الإسناد الثالث الذي معنا الزهري عن سالم عن أبيه.

وجزم ابن حنبل بالزهري

 

.........................

وجزم ابن حنبل بالزهري

 

عن سالم أي عن أبيه البرِّ

وهنا منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله هذا قول معتبَر عند أهل العلم في أصح الأسانيد، أو الزهري عن سالم عن أبيه، أو أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، هذه في أعلى درجات الصحيح، ومنهم من يطلق عليها أنها أصح الأسانيد، ويختلفون في الاختيار، لكن المعتمَد عند أهل العلم أنه لا يُحكَم على سند بأنه أصح مطلقًا من غيره، بدليل أنا لو استعرضنا الترجمة الأولى مالك عن نافع عن ابن عمر، والتي قال بها إمام الصنعة الإمام البخاري: مالك إذا نظرنا إلى طبقته وجدنا مالكًا نجم السنن، نافع في طبقته سالم، وسالم أجل منه عند الأكثر، أجل من نافع، وإذا نظرنا إلى ابن عمر وجدنا في طبقته من الصحابة من هو أجل منه من حيث الجلالة وجدنا أبو بكر وعمر أجل منه، لماذا لم نقل: مرويات أبي بكر وعمر أصح من غيرهما؟ وإذا نظرنا إلى الحفظ وجدنا أحفظ من ابن عمر وجدنا أبا هريرة وهو أحفظ من ابن عمر، ولذا يقرر أهل العلم أن المعتمَد الإمساك عن الحكم على سند من الأسانيد بأنه أصح مطلقًا من غيره، ثم بعده يعني مرتبة ثانية معمر عن همام عن أبي هريرة لا شك أن هذا السند أقل من الأسانيد السابقة، أو ابن أبي عروبة عن قتادة عن أنس كذلك، وابن جريج عن عطاء عن جابر وأمثاله، هذه مراتب دون التي في المرتبة الأولى، ومقتضى هذا أنه إذا جاءنا حديث مروي بأسانيد الطبقة الأولى يعارضه حديث مروي بأسانيد الطبقة الثانية أننا نرجح ما جاء من طريق رجال الطبقة الأولى على ما جاء من طريق رجال الطبقة الثانية.

 على أنه هذا الكلام لا يقال به بإطلاق لماذا؟ لأن عند أهل العلم قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقًا، لماذا لا نقول: إن معمرًا مثلاً ضبط، معمر ضبط هذا الحديث، بينما الزهري حفظ عليه أنه أخطأ في حروف، مع أنه من أضبط الناس وأتقنهم، حتى جزم بعضهم أنه لا يوجد له خطأ، طيب لماذا لا نقول: إن ابن جريج أتقن هذا الحديث وضبطه، ومالك حفظ عليه بعض الأحرف التي لم يضبطها، ولذا قد يعرض للمفوق وإن كان في الجملة هذا مرجحًا على هذا، لكن يبقى أنه قد يحتف بالثاني ما يرجحه على الأول، فالأمور تقريبية.

 ثم بعده في المرتبة الليث وزهير عن أبي الزبير عن جابر، الليث بن سعد، وزهير بن معاوية، عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المعروف بالرواية عن جابر، وهو مدلِّس، لا يقبل في روايته عن جابر إلا إذا صرح باستثناء الصحيح؛ لأن فيه أحاديث يرويها أبو الزبير عن جابر في صحيح مسلم بالعنعنة، لكنها محمولة على الاتصال ولا يتطاول عليها طالب علم ولا أحد؛ لأنه إذا لم يسلم منها الصحيحان ما سلم لنا شيء، والمطالبة بأن نبحث عن طرق فيها تصحيح أبي الزبير هذه لا شك أنها لها آثارها، يعني إذا تطاولنا على الصحيحين الذين تلقتهما الأمة بالقبول فما بعد ذلك أمره سهل، سهل أن يُنسف حديث في أبي داود وفي الترمذي وفي غيره، ولذا على طالب العلم أن يهاب ما جاء في الصحيحين، ويقرِّر جمع من أهل العلم أن عنعنات المدلسين في الصحيحين محمولة على الاتصال، منهم من يقول إحسانًا للظن بالشيخين، وأنهما أهل الانتقاء، فلا يرويان من أحاديث المدلسين إلا ما يجزمان بأنه تلقاه عنه مباشرة بدون واسطة، ومنهم من يقول: إن هذه العنعنات بُحثت في كتب أخرى فوجدت مصرحًا بها.

 أو سماك عن عكرمة عن ابن عباس، وعكرمة معروف الكلام فيه، أو أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق السبيعي عن البراء، أو العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ونحو ذلك من أفراد البخاري أو مسلم، فالطبقة الأولى متفق على التخريج لهما البخاري ومسلم، الطبقة الثانية ما تفرد به البخاري، الطبقة الثالثة ما تفرد به مسلم.

"عفا الله عنك.

الحسن وفي تحرير معناه اضطراب فقال الخطابي- رحمه الله-: هو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء، وهذه عبارة ليست على صناعة الحدود والتعريفات؛ إذ الصحيح ينطبق ذلك عليه أيضًا، لكن مراده مما لم يبلغ درجة الصحيح فأقول: الحسن ما ارتقى عن درجة الضعيف ولم يبلغ درجة الصحة. وإن شئت قلت: الحسن ما سلم من ضعف الرواة، فهو حينئذ داخل في قسم الصحيح، وحينئذ يكون الصحيح مراتب كما قدمناه، والحسن ذا رتبة دون تلك المراتب، فجاء الحسن مثلاً في آخر مراتب الصحيح. وأما الترمذي فهو أول من خص هذا النوع باسم الحسن، وذكر أنه يريد به أن يسلم راويه من أن يكون متهمًا، وأن يسلم من الشذوذ، وأن يروى نحوه من غير وجه، وهذا مشكل أيضًا على ما يقول فيه: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقيل: الحسن ما ضعفه محتمل، ويسوغ العمل به، وهذا أيضًا ليس مضبوطًا بضابط يتميز به الضعف المحتمل.

 وقال ابن الصلاح- رحمه الله-: إن الحسن قسمان أحدهما ما لا يخلو سنده من مستور لم تتحقق أهليته، لكنه غير مغفل ولا خطاء ولا متهم، ويكون المتن مع ذلك عرف مثله أو نحوه من وجه آخر اعتضد به. وثانيهما أن يكون راويه مشهورًا بالصدق والأمانة، لكنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح؛ لقصوره عنهم في الحفظ والإتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد تفرده منكرًا مع عدم الشذوذ والعلة. فهذا عليه مؤاخذات/ وقد قلت لك: إن الحسن ما قصر سنده قليلاً عن رتبة الصحيح، وسيظهر لك بأمثلة. ثم لا تطمع بأن للحسن قاعدة تندرج كل الأحاديث الحسان فيها، فأنا على إياس من ذلك، فكم من حديث تردد فيه الحفاظ هل هو حسن أو ضعيف أو صحيح، بل الحافظ الواحد يتغير اجتهاده في الحديث الواحد فيومًا يصفه بالصحة ويومًا يصفه بالحسن، ولربما استضعفه، وهذا حق، فإن الحديث الحسن يستضعفه الحافظ عن أن يرقيْه إلى رتبة الصحيح.."

يرقِّيَه..

عن أن يرقِّيْه..

يرقِّيَه..

"عن أن يرقِّيَه إلى رتبة الصحيح، فبهذا الاعتبار فيه ضعف ما، إذ الحسن لا ينفك عن ضعف ما، ولو انفك عن ذلك لصح باتفاق، وقول الترمذي: هذا حديث حسن صحيح عليه إشكال؛ لأن الحسن.."

قف على هذا.

تقسيم الأحاديث عند أهل العلم التسميات للأنواع موجودة عند المتقدمين، وتجدهم يقولون: هذا حديث صحيح، وهذا حديث حسن، ويقولون: هذا حديث ضعيف، ويقولون: هذا حديث مرسل، ويقولون: أعضله فلان، ويقولون: هذا منقطع، ويقولون: دلس فلان. التسميات موجودة عند المتقدمين، والترمذي أول من شهر الحسن، وإن كان التعبير بالحُسْن موجودًا عند طبقة شيوخ وشيوخهم، لكن الترمذي أول من شهر الحسن، وأول من حصر القسمة بالأنواع الثلاثة الخطابي أول من حصر القسمة يقول: الحديث ثلاثة أقسام صحيح وحسن وضعيف الخطابي في أواخر القرن الرابع.

 الحسن في درجة متوسطة بين الصحيح وبين الضعيف، هذا التوسط صَعُب على أهل العلم ضبطه، صَعُب على أهل العلم ضبطه، وكثر كلامهم، لماذا؟ لأنه متأرجح بين هذا وهذا، ولذا صعب عليهم ضبطه وتحريره، قد يستروح الإنسان في هذا الحديث إلى قربه من الصحيح، ويأتي آخر ينازعه في أن قربه إلى الضعيف أو تقريبه إلى الضعيف أولى من تقريبه إلى الصحيح، فلا شك أن الوقوف على حد له دقيق جامع مانع كما قال المؤلف أنا على إياس من ذلك، والسبب في ذلك تأرجحه بين الصحيح وبين الضعيف. أحيانًا ينقدح في ذهن الناقد أنه في المرتبة المتوسطة، ويأتي غيره فيستروح إلى أنه إلى الصحيح أقرب، فيُلحَق به، ويأتي آخر فينزله إلى مرتبة الضعيف، وهذا الذي جعلهم يضطربون بتعريفه، ولذا قالوا في تحرير معناه اضطراب. فقال الخطابي: ما عرف مخرجه واشتهر رجاله، هل هذا التعريف أو لا بد من ذكر قوله، وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبل أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء، يعني أين انتهى الحد؟ انتهى ويستعمله يعني بذكر الحكم، أو انتهى بالتصوير وما بعد ذلك حكم عليه، وهو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله، الحافظ العراقي يرى أن هذا هو التعريف عند الخطابي، والبقية حكم عليه.

الحسن المعروف مخرجًا وقد

 

اشتهرت رجاله بذاك حد

حمد ........................

 

............................

الذي هو الخطابي حمد بن محمد الخطابي البستي.

..........................

 

..............بذاك حد

حمد ......................

 

......................

اقتصر على الشق الأول من الكلام ما عرف مخرجه واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث هذا حكم، وهو الذي يقبله أكثر العلماء حكم ويستعمله عامة الفقهاء حكم، لكن هذا الحكم لا بد منه؛ لأنه ما عرفه مخرجه، الصحيح عرف مخرجه، الضعيف عرف مخرجه، اشتهر رجاله، الصحيح اشتهر رجاله بالثقة بالتوثيق، والضعيف اشتهر رجاله بالضعف، فهل هذا تعريف دقيق جامع مانع للحسن؟ لا، في بقية كلامه الذي يقبله أكثر العلماء يخرج الصحيح والضعيف لمَ؟ لأن الصحيح يقبله جميع العلماء، والضعيف لا يقبله العلماء، هذا الذي يجعل بعض أهل العلم يقول: كل هذا تعريف؛ لأنا نحتاجه في التعريف، ويستعمله عامة الفقهاء، والمراد بالفقهاء الذين عندهم تمييز، أما الفقيه الذي لا يميز تجده يشحن الكتاب بكل ما هب ودب من الأحاديث، المراد بالفقهاء الأئمة الكبار يستعملون الحسن، فيخرج بذلك الضعيف.

الحسن المعروف مخرجًا وقد

 

اشتهرت رجاله بذاك حد

حمد ........................

 

............................

يقول: وهذه عبارة ليست على صناعة الحدود والتعريفات، يعني التي من شأنها أن تكون جامعة مانعة مختصرة، تسوق لي نصف صفحة وتقول: هذا تعريف، ما هو بصحيح، أو تجمع لي كلامًا، ما يصلح، الحدود لها أصول وقواعد وضوابط ينبغي أن تكون بأخصر عبارة وأجمع كلام؛ إذ الصحيح ينطبق عليه أيضًا ذلك أنه عرف مخرجه واشتهرت رجاله، لكن مراده ما لم يبلغ درجة الصحيح، كيف عرفنا مراده بقوله، وهو الذي يقبله أكثر العلماء؛ لأن الصحيح يقبله جميع العلماء، أما الحسن فقد رده بعضهم، الحسن رده أبو حاتم، ولا يحتج به، أبو بكر بن العربي في العارضة كلامه يومئ بأن الحسن غير مقبول، الحديث إن لم يصح ما يقبل، لكن مراده ما لم يبلغ درجة الصحيح، الآن ما اقتنع بتعريف الخطابي وبذلك إذا بحثنا نستطيع أن ننزل هذا التعريف على الأسانيد التي ندرسها؟ فيه صعوبة، لا يميز لنا الحسن بدقة،

 فأقول: الحسن ما ارتقى عن درجة الضعيف، ولم يبلغ درجة الصحيح. هذا الذي يراه المؤلف، لكن هل هناك ضابط؟ يعني لو قسمنا الرواة على خمس طبقات الأولى في غاية الضبط والحفظ والإتقان، والثانية دونهم، والثالثة دونهم، والرابعة دونهم، والخامسة دونهم، يعني لو افترض أن الرواة قسموا على ثلاث طبقات قلنا: الحسن في الطبقة الثانية، لكن إذا قسموا على خمس طبقات، ماذا تقول في رواة الطبقة الثانية حديثهم ماذا؟ والطبقة الرابعة لايزال التأرجح باقيًا ما ينضبط بهذه الطريقة، ما ارتقى عن درجة الضعيف ولو قرب منه؟! ولم يبلغ درجة الصحيح ولو بعد عنه نسميه حسنًا؟! وقل مثل هذا لو قرب من الصحيح وبعد عن الضعيف! الحافظ العراقي لما ذكر أقوال العلماء في تعريف الحسن ذكر تعريف الخطابي الذي ذكرناه أكثر من مرة.

...........................

 

.......................... بذاك حد

حمد وقال الترمذي ما سلم

 

من الشذوذ مع راوٍ ما اتهم

بكذب ولم يكن فردًا ورد

 

قلت وقد حسن بعض ما انفرد

كما سيأتي.

وقيل ما ضعف قريب محتمل

 

..........................

على ما سيأتي.

وقيل ما ضعف قريب محتمَل

 

قلت وما بكل ذا حد حصل

كل الذي ذكرناه ما حصل به تعريف؛ لأن كل هذه التعريفات عليها مؤاخذات، ما تسلم.

وقال بان لي بإمعان النظر

 

أن له قسمين كل قد ذكر

قسما ................

 

........................

يعني الترمذي والخطابي.

وزاد كونهما عُلِّلا

 

ولا بنكر أو شذوذ شملا

ويبقى أنه حتى على كلام الحافظ العراقي وقبله ابن الصلاح يبقى أن الحسن باعتباره متذبذبًا بين النوعين الواضحين الجليين يبقى أنه يحتاج إلى حد مميِّز يميِّزه، ولا تطمع في ذلك، بل هو شيء كالاستحسان عند الفقهاء ينقدح في ذهن المجتهد، فيستروح إلى الحكم به من يتمرن على قواعد المتأخرين، المتأخرون قسموا الرواة، وجعلوهم طبقات، وجعلوا لهم مراتب في الجرح والتعديل، وأعطوا كل مرتبة ما يليق بها: أوثق الناس، ثقة ثقة، ثقة، صدوق، لا بأس به، إلى آخره، فهم قالوا لك الآن المرتبة الأولى والثانية والثالثة لا خلاف في الاحتجاج بهم، تحتج بهم وتجعلهم هم الصحيح، إذا نزلت إلى صدوق وجيد ولا بأس به وحسن الحديث تعطيه المرتبة المتوسطة، أنت تتمرن على هذا، لكن من يجزم بأن هذا اللفظ الذي وضع لهذا الراوي من قبل المتأخرين هو الذي يستحقه بالفعل، يعني لما يقول مثل الحافظ ابن حجر هم استقروا على أن الصدوق حديثه حسن، لكن من أين نأخذ كلمة صدوق نأخذها عن أبي حاتم أم عن ابن حجر؟ أبو حاتم لا يحتج بالصدوق؛ لأن الصدوق اللفظ لا يشعر بشريطة الضبط، إذا أخذنا حكم ابن حجر والذي يمرَّن عليه الطلاب، طيب ابن حجر نظر في أقوال الأئمة في هذا الراوي خمسة يقولون: ثقة، وخمسة يقولون: ضعيف، وواحد يقبله في حال دون حال، فتوسط ابن حجر فقال: صدوق يعني يقال مثل هذا الكلام لا للتيئيس لا، إنما هو يحد من الجرأة التي وجدت من بعض طلاب العلم.

 طيب ابن حجر لما قال: صدوق نقول: ولا الضالين آمين؟! فما رأيك أن ابن حجر قال في فتح الباري: عبيد الله بن أخنس وثقه الأئمة وشذ ابن حبان فقال: يخطئ، وقال في تقريب التهذيب الذي هو عمدة كبار العلماء من الألباني والشيخ ابن باز- رحمة الله على الجميع- وجميع من يعاني هذا الفن عمدتهم في الجملة التقريب قال: وثقه الأئمة، وشذ ابن حبان فقال: يخطئ. وقال: عبيد الله بن الأخنس في التقريب صدوق يخطئ. فماذا تقول في روايته؟ يا إخوان الجرأة على الحكم على الأحاديث لها ضريبة، فطالب العلم عليه أن يتحرى ويتثبت، ويجعل أحكام الأئمة نصب عينيه، ونجد من يجرح ويعدِّل ويوثق ويصحح ويضعف وينشر للناس، يا أخي إذا أخطأ وصححت ضعيفًا جعلت الأمة تعمل بحديث لا تجوز نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- جعلتهم يتعبدون بغير أصل، وعليك كفل من كل واحد، بسبب كل واحد يعمل بهذا الخبر، كما أنك إذا ضعفت حديثًا وهو صحيح حرمت الأمة من العمل بهذا الحديث، وعليك كفل من كل واحد بسبب كل واحد يفرِّط في هذا الحديث الذي تضمن أمرًا أو نهيًا.

 فعلى الإنسان أن يتحرى ويتأكد، ولا يحكم على الحديث حتى ينظر في أقوال العلماء، وهذا الحسن الذي كثير من شباب الأمة الآن يحكمون بحديث بكل بساطة يقول لك: حديث حسن، لماذا؟ لأنه وجد ابن حجر قال: صدوق، يعني هل حديث الصدوق حسن باتفاق؟ ألم يخالف في هذا أبو حاتم، وقال ابن أبي حاتم: ولا يحتج بالحسن، يكتب بالاعتبار؛ لأن لفظ الصدوق لا يشعر بشريطة الضبط، والضبط لا بد منه؟ وتبعه على هذا جمع من أهل العلم، يعني يحتاج إلى متابعة، وهم قالوا المتأخرون جَرَوا على أن حديث الصدوق يحتج به، وأنه مادام ليس بضعيف مقطوعًا بضعفه، وليس بثقة مقطوعًا بكونه ثقة ليكون حديثه صحيحًا، أقل الأحوال يتوسط في هذا يقول: وإن شئت قلت: الحسن ما سلم من ضعف الرواة، الحسن ما سلم من ضعف الرواة. فهو حينئذ داخل في قسم الصحيح، من أهل العلم من لا يرى الفرق بين الصحيح والحسن، ويجعل الحسن قسمًا من أقسام الصحيح، ولعل تساهل ابن حبان وابن خزيمة والحاكم سببه هذا؛ لأنهم لا يفرقون بين الصحيح والحسن، وحينئذ يكون الصحيح مراتب كما قدمنا، يعني في مراتب الرواة كلها من قبيل الصحيح، لكنه مراتب متفاوتة.

 يقول: وحينئذ يكون الصحيح مراتب كما قدمنا، والحسن ذا رتبة دون تلك المراتب، فجاء الحسن مثلاً في آخر مراتب الصحيح، وأما الترمذي فهو أول من خص هذا النوع باسم الحسن، لفظ الحسن موجود عند شيوخ الترمذي، وموجود في طبقة شيوخهم، لكن هل الحسن الذي يطلقون عليه الحسن عند المتقدمين هو الحسن عند الترمذي، أو قد يطلقون الحسن ويريدون الحُسْن اللغوي، فيدخل في ذلك الصحيح والضعيف؟ يحتمل هذا وهذا، لكن الذي شهر الحسن المتوسط الرتبة، وعرَّفه بتعريف يخصه الترمذي، وذكر أنه يريد به أن يسلم راويه من أن يكون متهمًا، وأن يسلم من الشذوذ، وأن يروى نحوه من غير وجه.

وقال الترمذي ما سلم

 

من الشذوذ مع راو ما اتهم

بكذب ولم يكن فردًا ورد

 

قلت وقد حسن بعض ما انفرد

أن يسلم راويه من أن يكون متهمًا اتهم بالكذب جرح خفيف أو شديد؟ شديد، هل يكفي أن ننفي الجرح الشديد ونقتصر على ما دونه؛ ليكون الحديث حسنًا؟ يعني لو قلنا: ضعيف قلنا: حديث فلان ضعيف إذًا حديثه ضعيف، قد يقول قائل: هو ما اتهم بكذب، ضعفه أقل من الاتهام بالكذب، فعلى تعريف الترمذي ينبغي أن يكون حسنًا؛ لأنه ما اتهم بالكذب؛ لأن التهمة بالكذب أقوى وأشد من مجرد الحكم بالضعف.

 بأن يكون راويه غير متهم، وأن يسلم من الشذوذ بأن لا يكون شاذًا، وأن يُروى نحوه من غير وجه.

........................

 

قلت وقد حسن بعض ما انفرد

حكم على أحاديث تفرد بها راويها وقال: هذا حديث حسن كيف يشترط أن يروى من غير وجه ويحسن الغرائب التي تفرد بها رواتها؟ ولذا قال المؤلف هنا: وهذا مشكل أيضًا على ما يقول فيه: حسن غريب، كيف حسن، وهو يشترط في الحسن أن يروى من غير وجه، ويقول: غريب والغريب ما تفرد به راويه، لا نعرفه إلا من هذا الوجه؟ تناقض أو ما هو تناقض؟ يعني اللفظان متفقان أم متنافران حسن غريب؟ لأنه يشترط في الحسن أن يروى من غير وجه، والغريب لا يروى من غير وجه، لفظان متفقان أم متنافران؟ متنافران، هذا يشكل عليه.

 قلت: وقد حسن بعض ما انفرد بعضهم يقول: إنه يحكم على الحسن، أو هذا التعريف ينطبق على ما يقول فيه حسن فقط، لا بد أن يكون مرويًا من غير وجه، أما ما يقول فيه: حسن غريب فليس داخلًا في الحد، وهذا مشكل أيضًا على ما يقول فيه: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، جاء تعريف ابن الجوزي: وقيل: الحسن ما ضعفه محتمَل، ويسوغ العمل به. وقيل ما ضعف قريب محتمل، هذاك تعريف ابن الجوزي، لكن هل ميز الضعف القريب المحتمل بضابط يميزه؟ يعني هل نستطيع أن نجعل علوم الحديث مثل الرياضات، واحد زائد واحد؟ لا يمكن لماذا؟ هل يمكن أن تصنِّف الرواة، تأتي بعشرة آلاف راوٍ وتقول: هؤلاء الألف كلهم على درجة واحدة من الحفظ والضبط والإتقان، يمكن؟ والألف في طبقة تليهم أقل؟ ما يمكن إطلاقًا، ولذلك وضعت المقاييس التي هي الاختبارات وصنف الطلاب من أجلها، هذا ترتيبه الأول وذا الثاني وذا الرابع والخامس، لكن لو بحثت في حقائق الأمور وجدت أنه قد يكون الخامس أفضل من الأول من وجوه، لكن هذه مقاييس مادية لا بد منها لكي يتم التمييز بين الناس. المحدثون لهم أنظار دقيقة في الرواة، وباعتبار إحاطتهم بالسنة وبرواتها تسنى لهم أن يحكموا وينزلوا الناس منازلهم، لكن من جاء بعدهم ممن لا يحفظ كحفظهم، ولا يعرف من الرواة القدر الذي يعرفون، مثل هذا كيف يتسنى له أن يحكم بأحكام المتقدمين؟

 لا يمكن، لا يمكن، إذًا الضعف القريب المحتمل، ما هو الضعف؟ إذا اعتبرنا أن الصحيح عندنا المتواتر المفيد العلم القطعي هذا نتيجته مائة بالمائة، ما نزل عنه إلى أي حد ليكون صحيحًا؟ إلى نسبة سبعين؟ ثمانين؟ ستين؟ يعني إن قالوا: مثلاً الممتاز من تسعين إلى مائة، والجيد جدًّا من ثمانين إلى تسعين، والجيد من سبعين إلى ثمانين، والمقبول من ستين إلى سبعين، هذه مقاييس مادية، وإن كان ضبطها فيه عسر من وجوه، يعني المدرس يصحح الورقة، هل يستحضر بدقة كل ما قاله هذا الطالب بما يفيده وينتفع به وبما يؤثر على جوابه؛ لنجزم أن هذا الذي أخذ ثمانين قطعًا من هذا الذي أخذ تسعًا وسبعين هذا جيد وهذا جيد جدًّا؟ ما يمكن، لكن هذه أمور تقريبية، لكن العلماء الذين عاصروا الرواة وخبروهم، وخبروا مروياتهم، وقارنوا بين روايات هذا الراوي، وعرضوها على روايات الثقات، فوجدوه يضبط بنسبة كذا، يعني ما هو عبث عمل أهل الحديث، لكن يبقى أنهم ليسوا بمعصومين، ولذا حكمهم على الأحاديث بأنها صحيحة أو ضعيفة فيما يظهر لهم.

وفي الصحيح والضعيف قصدوا

 

في ظاهر لا القطع..........

فهم يحكمون على الظاهر، ما للإنسان إلا الحكم على الظاهر، ويسوغ العمل، وهذا أيضًا يقول الحافظ الذهبي: وهذا أيضًا ليس مضبوطًا بضابط يتميز به الضعف المحتمَل.

 قد يأتي طالب ويضبط ما نسبته خمس وتسعين بالمائة من الجواب بالحرف، يأتي بخمس وتسعين بالمائة من الجواب، لكن هذه الخمسة بالمائة تدل على أنه من أغبى الناس، هل ترضى أن تعطيه خمسًا وتسعين بالمائة أنت في تقسيمك للدرجات يستحق خمسًا وتسعين، وهذه الخمس درجات أخطأ فيها، ما هو خطأ فقط، خطأ يدل على أنه لا شيء عنده، وطالب أتقن ستين بالمائة وهذه الأربعون يمكن يمشيها بعض الناس ويمكن.. لكنها ما تدل على غباء، بل في الستين ما يدل على أنه نابغة، فماذا تعطيه أنت بهذا التقدير؟

 الآن الإخوة جلهم مدرسون، ومر علينا وعلى غيرنا أمور تدل على أن هذا الطالب لا شك أنه هذا المقياس ما هو مائة بالمائة، طيب مثلاً قاعة فيها مائة طالب سألت عن مسألة قبل شرحها، فأجاب طالب بكل ما تريد قبل أن تشرح، ثم جئت بها في الامتحان فما أجاب هذا الطالب، وكل الطلاب أجابوا فماذا تفعل؟! لكن أنت تعرف أن هذا الطالب متميز ونابغة، ويعتريه ما يعتريه في هذا الجواب، يمكن نسيان، وأنت تجزم أنه أجاب هذا الجواب قبل أن تشرح، الطلاب ما عرفوه إلا بعد الشرح، أنا أريد أن أقرر أن وزن الرجال بالموازين الدقيقة، بالنسب المئوية، ما يمكن إلا أنها أمور تقريبية، وهذه أمور لا بد منها من أجل أن يتفاوت الناس وينزَّلون منازلهم على حسب ما يظهر لهم.

 ما ضعف قريب محتمل، انظر ماذا يقول: ثم لا تطمع بأن للحسن قاعدة تندرج كل الأحاديث الحسان فيها، فإنا على إياس من ذلك، قاله الذهبي، وقاله غيره، ولذا يرى بعضهم أن تقسيم الحديث أصلاً إلى ثلاثة أقسام فيه ما فيه، إما صحيح مقبول، أو ضعيف مردود. لمَ تكلفنا بهذا التعريف الحسن الذي تجعله بين المرتبتين، ويكون عائرًا لا إلى هذا؟ ولا إلى هذا، يعني لو أردنا أن نمثل بالأمثلة المحسوسة قلنا: هذا مؤمن خالص الإيمان، ما تشك في أنه من أولياء الله، وهذا كافر واضح من ينطق بالكفر ويعمل بالكفر، هذا ما تشك أنه عدو لله، لكن هذا المتردد المتذبذب لا إلى هؤلاء، مرة تشوفه مع هؤلاء، ومرة مع هؤلاء ... هذا الذي يسبب لنا شكوكًا هذا ما يكلفك شيئًا، وقل مثل هذا عندك ابن بار لا يرفض لك طلبًا، كل ما أمرت وكل ما نهيت، وواحد عاق لا يأتمر ولا ينتهي مائة بالمائة، وواحد يومًا كذا، ويومًا كذا، ويومًا كذا، هذا ما تقدر أن تصنفه، ولو أردت أن تمنحهم أو تعطيهم، أو تعلِّق على البر، أو توصي للابن البار، هذاك يدخل دخولًا لا إشكال فيه، وذاك لا يدخل في الوصية لا إشكال فيه، فهذا الذي مرة يشوفه مرة طائع لأبيه ومرة لأمه، ومرة ضارب بهما عرض الحائط وتاركهم، وهذا مثل الحسن. هذا يقرب.

 وكل هذا الكلام وأهل العلم يبحثون هذه المسائل، ويتعبون عليها، ويقررونها، ولا يطمعون بأن له شيئًا يميزه، بمعنى أنه ليست النسبة من خمسين فما دون هذا مردود ضعيف؛ لأن الذي يغلب على الظن عدم ثبوته عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم تأتي من خمسين إلى سبعين أو إلى ثمانين هذا حسن، ومن ثمانين فما فوق هذا صحيح، ما يمكن، لكن طالب العلم إذا أكثر النظر في أقوال الأئمة، والنظر في أحوال الرجال، والنظر في التخريج، وأكثر من دراسة الأسانيد لا بد أن يتضح له الطريق، لا بد أن يبين له الطريق، أما إذا كانت المسألة مجرد نظرية من غير تطبيق، هذا العلم تطبيقي، هذا العلم تطبيقي، يعني إذا كان يدرس المصطلح ولا يطبق مثل ماذا؟ مثل الذي يقرأ المجلدات الكثيرة عن السباحة فيها مصنفات السباحة، لكنه ما يسبح، فهل تستطيع أن تقول: هذا حافظ كتب الدنيا كلها بالسباحة.. فهل تأمن عليه السباحة؟ قرأ مائة مجلد في السباحة، ما تقدر، لكن الذي نزل مرة مرتين ثلاثًا وهو ما يقرأ، أمي لا يقرأ ولا يكتب، ويعرف يسبح، هذا الذي يعرف؛ لأن هذه العلوم عملية، وكم من شخص أمي لا يقرأ ولا يكتب في الورش يستحق براءات، ما هي براءة، براءات اختراع، وكم من شخص تخصص في أدق التقنيات، ومع ذلك أقل ودرس الدراسات النظامية والأكاديمية والعليا والدنيا، لكن لأن العلم يحتاج إلى معاناة، وهذا العلم عملي، يكفي من الإنسان إذا قرأ النخبة وأتقنها، وقرأ شروحها، واطلع على اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، وقرأ ألفية العراقي بشروحها، ثم يدش يا الله اسبح اشتغل فإذا اشتغل ونظر في كلام العلماء النظري وقرنه بمواقع استعمال الأئمة في أحكامهم على الأحاديث، وقارن بين العملي والنظري أبدًا هذا شق الطريق ويرجى أن يكون محدثًا كبيرًا مبرِّزًا في الحديث؟

 فالمسألة تحتاج إلى عمل، وإلا فالذي يقرأ هذا الكلام يقول: نحن لن نفعل شيئًا أبد! فهذا الكلام الفائدة منه ما هو مسألة تحطيم أو تيئيس، لا، هذا يفتح لك آفاق؛ لأنه وجد في عصور متأخرة ما شاء الله الآن يوجد شباب كثير غث عندهم جرأة ويصحِّحون ويضعِّفون، لكن يوجد شباب مؤصَّل، شق الطريق من أوله، وعنده علم، وقد يكون راسخًا في هذا العلم، موجودون الآن السبب أنهم عملوا، فهذا العلم عملي، أكثر من أنه نظري.

 وقال ابن الصلاح: إن الحسن قسمان.

وقال بان لي بإمعان النظر

 

أن له قسمين كل قد ذكر

يعني الخطابي والترمذي، ما لا يخلو سنده..