شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (294)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم إلى حلقة جديدة في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

في بداية حلقتنا نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا في حديث عائشة –رضي الله عنها-: توقفنا عند قولها «فكان عمر يقول للنبي– صلى الله عليه وسلم-: احجب نساءك».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد،

ففي قوله: «كان عمر –رضي الله عنه- يقول للنبي –عليه الصلاة والسلام: احجب نساءك» ذكرنا قول ابن حجر، وأن المراد: امنعهن من الخروج من بيوتهن، بدليل: أن عمر –رضي الله عنه- بعد نزول آية الحجاب قال لسودة ما قال كما سيأتي، يعني: قوله: «ألا قد عرفناك يا سودة» حرصًا على أن ينزل الحجاب، فدل هذا على أنه قبل نزول الحجاب، على ما سيأتي يعني في سبب نزول الحجاب وأنه أحد أمورٍ ثلاثة، سيأتي هذا.

قال: ويحتمل أن يكون أراد أولًا الأمرَ بستر وجوههن، «احجب نساءك» يحتمل أن يكون أراد أولًا الأمر بستر وجوههن، فلما وقع الأمر بوفق ما أراد جاء الأمر بستر وجوههن أحب أيضًا أن يُحجب أشخاصهن، يحتمل أن يكون أراد أولًا الأمر بستر وجوههن؛ لأن عمر تكرر منه ذلك؛ لأن المسألة مقررة بعد نزول آية الحجاب، قال له: «احجب نساءك».

المقدم: قد يكون المراد احجب نساءك قبل النزول يا شيخ؟

وبعده، الحجاب الأول الذي هو ستر الوجه.

المقدم: ثم أراد أن يحجبهن يمنعهن من الخروج..

نعم، الخروج بالكلية.

ولذلك قال: «قد عرفناكِ».

 قال: ويحتمل أن يكون قد أراد أولًا الأمر بستر وجوههن، فلما وقع الأمر بوفق ما أراد من الأمر بستر الوجوه، نركز على مسألة الأمر بستر الوجوه في كلام ابن حجر، وهو شافعي المذهب، وسيأتي نفسه بستر الوجوه في كلام العيني، وهو حنفي المذهب، والمسألة معروفة عند الحنابلة الأمر بستر الوجوه، يعني: فكيف يقال: إن مذهب الجمهور على عدم ستر الوجه وهؤلاء  -أعني الذين ذكرت أقوالهم- هم أقرب أصحاب المذاهب إلى معرفة الحديث؛ لأنهم بصدد شرح السنة؟!

أولًا: الأمر بستر وجوههن، فلما وقع الأمر بوفق ما أراد أحب أيضًا أن يُحجب أشخاصهن مبالغةً في التستر، فلم يُجب لأجل الضرورة، وهذا أظهر الاحتمالين، لم يجب ستر أشخاصهن، لأنه قد تدعو الضرورة إلى الخروج، كما هنا، لأن الضرورة تدعو إلى الخروج، لأن ما في البيوت كنفًا، فقضاء الحاجة.. أيضًا جاء الأمر بخروجهن لصلاة العيد، «أمرنا أن نخرج العواتق والحيّض وذوات الخدور يشهدن الخير ودعوة المسلمين» كما هو معروف في الحديث الصحيح.

قال العيني لأنه قال –أي: يقول ابن حجر- وهذا أظهر الاحتمالين، حجب الأشخاص لا حجب الوجوه، قال العيني: قلت: ليس الأظهر إلا ما قلنا، يعني: منعهن من الخروج من البيوت، وسياق الكلام يدل على هذا المعنى بشهادة سياق الكلام، والاحتمال الذي ذكره لا يدل عليه هذا الحديث، وإنما الذي يدل عليه هو حديث آخر، سيأتي رد ابن حجر على هذا الكلام، لكن ننظر إلى كلام العيني، وأن الحجب وقع على ثلاث مراحل، الحجب والحجاب وقع على ثلاث مراحل، قال: لأن الحجب ثلاثة:

الأول: الأمر بستر وجوههن، نعرف العيني حنفي، ومن فقهاء الحنفية، وله ارتباط بالسنة، يعني ما هي مسألة اجتهادية منه، وابن حجر تقدم.. الأمر بستر وجوههن بنص كلام ابن حجر، قال: الأول الأمر بستر وجوههن يدل عليه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59] الآية.

الثاني: الأمر بإرخاء الحجاب بينهن وبين الناس يدل عليه قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53].

الثالث: الأمر بمنعهن من الخروج من البيوت إلا لضرورة شرعية، فإذا خرجن لا يظهر شخصهن كما فعلت حفصة يوم مات أبوها سترت شخصها حين خرجت، وزينب عُملت لها قبة لما توفيت، وكان لهن في التستر عند قضاء الحاجة ثلاث حالات:

الأولى: بالظلمة، يعني: من العجائب أن الحالات هذه العيني رد على ابن حجر ثم نقل عنه هذه الحالات بحروفها، ولم ينسبها إليه، ووقع فيها خطأ، اعتذر عنه ابن حجر فيما بعد، ونسيه العيني- الله يعفو عن الجميع، عنا وعنهم- قال: وكان لهن في التستر عند قضاء الحاجة ثلاث حالات:

الأولى: بالظلمة؛ لأنهن كن يخرجن بالليل دون النهار، كما قالت عائشة –رضي الله عنها- في هذا الحديث: «كن يخرجن بالليل»، وبحديثها في قصة الإفك: «وكنا لا نخرج إلا ليلًا».

ثم نزل الحجاب –الحالة الثانية- تسترن بالثياب، لكن ربما كانت أشخاصهن تتميز، ولهذا قال عمر– رضي الله عنه-: «قد عرفناكِ يا سودة»، وهذه الحالة الثانية.

ثم لما اتخذت الكنف في البيوت مُنعن عن الخروج منها، وهي الثالثة، فدل عليه حديث عائشة– رضي الله عنها- في قصة الإفك: فإن فيها «وذلك قبل أن تتخذ الكنف» قال: وكانت قصة الإفك كانت قبل نزول آية الحجاب، والنص في قصة الإفك: «وكان يعرفني قبل الحجاب» إذًا قصة الإفك قبل أو بعد؟

المقدم: بعد.

 بعد بلا شك، هذا لا يحتمل، ونقلها العيني بحروفها من ابن حجر، وكانت قصة الإفك قبل نزول آية الحجاب.

أقول: من العجب أن العيني نقل عن ابن حجر ما وهم فيه ابن حجر، ونبه عليه ابن حجر في كتاب التفسير قال: وقد كنت أمليت في أوائل كتاب الوضوء: أن قصة الإفك وقعت قبل نزول آية الحجاب، وهو سهوٌ، والصواب: بعد نزول الحجاب فليصلح هناك، نستفيد من هذا: أن ابن حجر يملي إملاءً، يملي الكتاب إملاءً، ما يكتب بقلمه؛ لأنه قال: وكنت أمليت في أوائل كتاب الوضوء: أن قصة الإفك وقعت قبل نزول الحجاب، وهذا سهو، والصواب: بعد نزول الحجاب فليصلح هناك، رجعت إلى كتاب التفسير من العيني، قلت: لعله نبه، فما نبه، ولم ينبه العيني على هذا الوهم في موضعه في تفسير سورة النور.

المقدم: ونقل في تفسير سورة النور مواضع عن ابن حجر جزمًا.

ونقل بعض الأشياء نعم.

المقدم: يعني اطلع على اعتذاره؟

لكن العيني في التفسير، يعني في الثلث الأول أو الربع الأول من عمدة القارئ فيه شيء من الاستطراد، لكن ثلاثة الأرباع اختصر كثيرًا، حتى كان في الأخير يعلق تعليقات يسيرة، ما استوعب قراءة ابن حجر، ابن حجر يشرح الحديث في الموضع الأخير بحسب ما يُحتاج إليه بنفس النفس الذي يشرحه به في الموضع الأول، يعني ما رأيت مثله في هذا الباب، يعني تجد كثيرًا من المفسرين يستطرد في أوائل الكتاب، ثم بعد ذلك يضعف يضعف، يتضاءل، الشراح كذلك، يعني ما وجدت من نفسه متقارب...

المقدم: مثل ابن حجر.

مثل ابن حجر، وأيضًا القرطبي في تفسيره على هذا المنحى، يعني: تفسيره لأواخر التفسير مثل تفسيره لأوله، إلا أن الإحالات كثرت، لكن يبقى أن نفسه، يعني أعرف أن المفصل فيه أربعة مجلدات، مع أن المفصل سبع القرآن، والكتاب عشرون مجلدًا، فتح الباري شرح في آخر الكتاب أحاديث بنفسٍ قد يكون بقدر أو أكثر مما شرح به في أول الكتاب أو على حسب ما يقتضيه الحال، العيني على طريقة الغالب؛ لأن الإنسان يبدأ بهمة ونشاط، ثم بعد ذلك يفتر.

 ولذا بعض المفسرين ما يبدأ من أول القرآن، يعني: ابن كثير بدأ بكتاب التفسير من سورة الأنعام؛ لأنه إن بدأ بهمة ونشاط انتهت هذه الهمة في تفسير البقرة، لكنه بدأ بالأنعام والبقرة في غاية الأهمية، وينشط إذا انتهى ورد من جديد، والجلالان بدآ من الكهف، وهذه لو تقارن بين المجلد الأول والثاني بالتاسع والعشرين والثلاثين من تفسير الطبري وجدت أن التاسع والعشرين والثلاثين وإن ضممت إليها الثامن والعشرين ما تعادل الأول أو الثاني.

قال ابن حجر في انتقاض الاعتراض على قول العيني وانتقاده السابق لأنه قال: وهذا أظهر الاحتمالين قال العيني: قلت: ليس الأظهر إلا ما قلنا، يعني يمنعهن من الخروج من البيوت، وسياق الكلام.. إلى آخره، يقول ابن حجر في انتقاض الاعتراض: قلت: كأنه ظن أن المراد بالأظهر الظاهر، يقول: كأنه ظن أن المراد بالأظهر الظاهر، وأيهما أبلغ: أفعل التفضيل أو اسم الفاعل؟ يعني: أيهما أبلغ أن يقول ابن حجر: وهذا هو الظاهر، أو يقول: أظهر؟

المقدم: الأظهر أقوى.

أقوى، العكس، لماذا؟ لأن الأظهر أفعل تفضيل تقتضي أن الأمرين كلاهما ظاهر، لكن هذا الذي ذكرناه أرجح، ولذلك ظاهر راجح الثاني، وأما لو قال: هذا هو الظاهر، فمعناه: أن الثاني ليس بظاهر، ظاهر؟

المقدم: جيد.

قال: كأنه ظن أن المراد بالأظهر الظاهر وليس كذلك، وإنما المراد به الأرجح، يعني: فرق بين أن نقول: أصح وبين أن نقول: صحيح، يعني صحيح يقابله غير صحيح، وأصح يقابله صحيح، لكنه مرجوح.

المقدم: أقل منه.

نعم، وليس كذلك، وإنما المراد به الأرجح، وقد سلَّم ما نفاه باعترافه أنه في حديثٍ آخر، وإنما تلقاه من قول الشارح، إنما تلقاه، وقد سلم ما نفاه باعترافه أنه في حديث آخر، وإنما تلقاه من قول الشارح، كما سيأتي قريبًا –يعني: من ذكر الحالات الثلاث- تلقاها من قول الشارح، الشارح من؟ ابن حجر، يعني: نفسه، يعني: هو أخذها بحروفه منه، وذكرنا أن المسألة تزداد انتقادًا في حق العيني حينما وقع في الوهم نفسه ورجع عنه ابن حجر ولم يرجع عنه.

على كل حال: لو نبه العيني في تفسير سورة النور على أنه وقع منا كذا، صارت المسألة متابعة مطلقة، وهذا لا يليق بمثل العيني، أتصور لو أن العيني وقف على كلام ابن حجر الثاني لمسح هذا مسحًا بالكلية، أو صححه في موضعه؛ لأن المتابع حذو القذة بالقذة من مثل العيني يعني: بالحرف، ليست مناسبة..

وإنما تلقاه من قول الشارع، كما سيأتي قريبًا، يعني: الحالات الثلاث التي سبق أن ذكرناها مأخوذة من كلام ابن حجر بحروفه.

يقول ابن حجر في الانتقاض: وهذا مما يتعجب منه الناظر في كلامه، فعليه أن يطالع كلام من يعترض عليه ويوهيه فيراه قد نقله بعينه موهمًا أنه من تصرفه غير ناسب له لمن أتعب فيه خاطره، وأسهر فيه ناظره، والله يحكم بينهما بعدله، لكن نقول: الله يحكم بينهما بفضله، والله يحكم بينهما وبيننا وبينهم أيضًا بالفضل، وأما العدل فخطر عظيم، لو أن الله –جلَّ وعلا- استعمل عدله في خلقه يمكن ما ينجو منهم إلا.. أو ما ينجو أحد؛ لأن أعمال العباد لا تقابل نعمة من نعم الله –جلَّ وعلا-، لكن الفضل هو المأمول.

في شرح ابن بطال يقول المهلّب: فيه مراجعة الأدون للأعلى، يعني: مراجعة عمر –رضي الله عنه- للنبي –صلى الله عليه وسلم-، فيه مراجعة الأدون للأعلى في الشيء يتبين للأدون، يعني: تظهر، تلوح حكمته ومصلحته للأدون، يعني مفهوم الكلام: أن هذه المصلحة ما تبينت للأعلى الذي هو النبي –صلى الله عليه وسلم- وتبينت لعمر؟

المقدم: ما يمكن أن نقول.

أو نقول: إنها تبينت، لكنه لما ينزل عليه فيها شيء، وينتظر الوحي في ذلك، وفيه فضل المراجعة، إذا لم يقصد بها التعنيت، فيه فضل المراجعة، عمر مرارًا يتردد في هذا الموضوع وفي غيره، إذا لم يقصد به التعنيت، وأنه قد تبين فيها من العلم ما خفي؛ لأن نزول الآية كان سبب المراجعة، وفيه فضل عمر –رضي الله عنه- قالوا: وهذه من إحدى الثلاث، يعني: التي نص عليها، قال: «وافقت ربي في ثلاث»، لكن الموافقات كثيرة، تبلغ نحو العشرين على ما سيأتي.

قال: وهذه إحدى الثلاث التي وافق فيها ربه، وفي شرح ابن بطال في قول عمر: «احجب نساءك» التزام النصيحة لله ورسوله، فلم يكن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يفعل، أي: ما قاله عمر– رضي الله عنه- لماذا؟ لأنه ينتظر الوحي، فخرجت سودة بنت زمعة أم المؤمنين، سبق التعريف بها بإيجاز، ليلةً من الليالي عشاءً، بكسر العين والمد والنصب، بدل من قوله ليلةً، وكانت أي: سودة.

المقدم: امرأة طويلة.

امرأة طويلة، فناداها عمر –رضي الله عنه- لماذا ناداها؟ ليسير الموضوع من جديد.

المقدم: حرصًا على أن ينزل الحجاب.

نعم، ليسير الموضوع من جديد، فتشتكي إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- فينزل الوحي. «ألا» بفتح الهمزة وتخفيف اللام، حرف استفتاح ينبه به على تحقيق ما بعده، قاله القسطلاني، «قد عرفناكِ يا سودة» بالبناء على الضم، «يا سودةُ» بالبناء على الضم؛ لأنه منادى مفرد معرفة.

قال ابن بطال: وفيه دليل على أنه قد يجوز الإغلاظ في القول والعتاب إذا كان القصد الخير، حرصًا بالنصب مفعول لأجله معمول لقوله: فناداها، على أن ينزل أو يُنزَّل، يقول القسطلاني: بضم المثناة، مبنيًا للمفعول على أن يُنزَل، وسقط لفظ "على" للأصيلي، وفي نسخة الفرع أن ينزل، فرع اليونينية، تقدم أن القسطلاني قابل نسخته على الفرع.

المقدم: وبعد وجد الأصل.

ثم بعد ذلك وجد المجلد الثاني من الأصل فقابل عليه، ثم وجد المجلد الأول من الأصل فقابل عليه، يقول: لا تختلف الفرع عن الأصل ولا بنقطة، ولذلك ما استغنى بالأصل عن الفرع، وقد يقول قائل: إن هذا نزول، يعني تقابل على فرع والأصل بين يديك، أعد المقابلة على الأصل والغ الفرع، هذا من الاعتراف؛ لأن الإنسان قد ينزل معترفًا بفضل من أفاده، يعني استفاد من الفرع قبل أن يقف على الأصل، فلا يحسن أن يطوي؛ ولذا تجد بعض الرواة يروي الحديث نازلًا، ومرة يرويه عاليًا، يرويه عن زيد عن عمرو، ثم يرويه عن عمرو، ولا يهمل زيدًا في بعض الطرق، يبيّن أن له فضلًا عليه؛ لأنه رواه عن زيد عن عمرو بواسطة زيد، ثم لقي عَمْرًا فسمعه منه مباشرة، بخلاف ما يفعله كثير من الباحثين وقد نفعل، يعني: نجد فائدة في شرح متأخر، في فتح الباري مثلًا، ثم نقف على نفس الفائدة في ما هو أعلى منه عند الخطابي مثلًا.

المقدم: فنغفل شرحه.

نعم نغفل، ما توصلنا إلى الخطابي إلا بواسطة ابن حجر؛ ولذا ابن حجر أحيانًا يقول: إنه ينص على أنه توصل إلى هذه الفائدة بفكره، يعني: توصل إليها بنفسه، ثم بعد ذلك وقف عليها في كتاب فلان، في مثل هذه الحالة، يعني: لو حذف أنه توصل إليها ما يُلام؛ لأن هذا هضم لنفسه، لكن كونه يشير إلى أنه توصل إليها باجتهاده وتحريره ثم وقف عليها، لا شك أن هذا فيه من جهة تعليم للطلاب أن يستعملوا الأذهان، وفيه أيضًا بيان شكر الله –جلَّ وعلا-، ولذلك يقول في بعض المواضع: إن هذه المسألة حررتها بنفسي ثم وقفت عليها من كذا، أو وقفت على ما يدل عليها من كذا، فالحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله، يكرر هذا، اعتراف بفضل الله ومنته.

وفي نسخة الفرع: أن ينزل مبنيًّا للفاعل، وأن مصدرية يعني، أي: على نزول الحجاب، فأنزل الله الحجاب، قال ابن حجر: وللمستملي آية الحجاب. زاد أبو عوانة في صحيحه من طريق الزبيدي عن ابن شهاب: فأنزل الله الحجاب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية، وسيأتي في تفسير الأحزاب أن سبب نزولها قصة زينب بنت جحش لما أولم عليها وتأخر النفر الثلاثة في البيت، واستحيا النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يأمرهم بالخروج، فنزلت آية الحجاب.

وسيأتي أيضًا حديث عمر أيضًا، «قلت: يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب».

وروى ابن جرير في تفسيره من طريق مجاهد، قال: «بينا النبي –صلى الله عليه وسلم- يأكل ومعه بعض أصحابه وعائشة تأكل معهم، إذ أصابت يد رجلٍ منهم يدها، فكره النبي –صلى الله عليه وسلم- ذلك، فنزلت آية الحجاب». يعني الآن النازل واحد، والسبب متعدد. يقول ابن حجر: وطريق الجمع بينها أن أسباب نزول الحجاب تعددت، وكانت قصة زينب آخرها؛ للنص على قصتها في الآية، والمراد بآية الحجاب في بعضها قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ}.

يقول الكرماني: فأنزل الله تعالى آية الحجاب، يحتمل أن يراد بآية الحجاب الجنس، فيتناول الآيات الثلاث، يعني: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}، وقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}، وقوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31]، وأن يراد بها العهد، يعني: يحتمل آية الحجاب يراد بها الجنس، جميع ما نزل في الحجاب، وأن يراد بها العهد، من واحدةٍ من هذه الثلاث آيات.

قال التيمي: الحجاب ها هنا استتارهن بالثياب حتى لا يرى منهن شيء عند خروجهن، وأما الحجاب الثاني: فهو إرخاؤهن الحجاب بينهن وبين الرجال، يعني: يسدل الحجاب بينهن وبين الرجال.

يقول العيني: قلت رواية أبي عوانة تخدش هذا الكلام على ما لا يخفى، يعني: التي خرجها أبو عوانة في صحيحه من طريق الزبيدي عن ابن شهاب، فأنزل الله آية الحجاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية.

ثم اعلم –يقول العيني- أن الحجاب كان في السنة الخامسة في قول قتادة، وقال أبو عبيد في الثالثة، وقال ابن إسحاق: بعد أم سلمة، وعند ابن سعد في الرابعة في ذي القعدة، يعني: اختلف في وقت نزول الحجاب.

المواضع التي وافق فيها عمر –رضي الله عنه- نزول القرآن نذكرها في أول الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.

المقدم: شكر الله لكم، وجزاكم خيرًا.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

 

شكرًا لطيب متابعتكم، نلقاكم بإذن الله تعالى وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.