كتاب بدء الوحي من إرشاد الساري (06)

"قوله: قبل أن ينزِع بفتح أوّله وكسر الزاي أي يحن ويشتاق ويرجع إلى أهله عياله. (ويتزود لذلك) برفع الدال في اليونينية لأبوي ذر والوقت عطفًا على يتحنث".

وليست عطف على ينزِع لأنه يختل المعنى إذا عطفت على ينزِع.

طالب:  "عطفًا على يتحنث، أي يتخذ الزاد للخلوة أو التعبد. (ثم يرجع إلى خديجة) -رضي الله عنها- (فيتزود لمثلها) أي لمثل الليالي، وتخصيص خديجة بالذكر بعد أن عبر بالأهل يحتمل أنه تفسير بعد الإبهام، أو إشارة إلى اختصاص التزوّد بكونه من عندها دون غيرها، وفيه: أن الانقطاع الدائم عن الأهل ليس من السُّنّة؛ لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ".

لابد من الرجوع إلى الأهل لقضاء حوائجهم وتأنيسهم، أما الذي ينقطع عنهم فهذا ليس من السنة، الرسول –عليه الصلاة والسلام- خلا بربه، وقضى حاجة أهله، ورجع إليهم.

طالب: لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينقطع في الغار بالكلية، بل كان يرجع إلى أهله لضروراتهم ثم يخرج لتحنثه . (حتى جاءه) الأمر (الحق) وهو الوحي، (وهو في غار حراء، فجاءه الملك) جبريل يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من رمضان وهو ابن أربعين سنة كما رواه ابن سعد. وفاء فجاءه تفسيرية كهي".

فجاءه أو فجئه؟

طالب: عندي بالألف.

روايتان.

طالب: "وفاء فجاءه تفسيرية كهي في قوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54] وتفصيلية أيضًا؛ لأن المجيء تفصيل للمجمل الذي هو مجيء الحق. (فقال) له (اقرأ) يحتمل أن يكون هذا الأمر لمجرد التنبيه والتيقظ لما سيلقى إليه، وأن يكون على بابه من الطلب، فيُستدل به على تكليف ما لا يطاق في الحال، وإن قدر عليه بعد".

نعم أمره بالقراءة وليس بقارئ تكليف بما لا يطاق، لكن قد يقال: إن هذا ليس القصد من التكليف في بداية الأمر، وإنما يقصد منه التهيؤ.

طالب: "(قال) عليه الصلاة والسلام ولأبوي ذر والوقت قلت: (ما أنا بقارئ). وفي رواية: ما أحسن أن أقرأ. فما نافية واسمها أنا وخبرها بقارئ وضعف كونها استفهامية بدخول الباء في خبرها ".

مثل ليس، ما أنا بقارئ أنا لست بقارئ، ما استفهامية، ما أنا بقارئ ما أنا قارئ؟ يعني ماذا أقرأ؟ وبعضهم يقول: إنها امتناعية امتنع عن القراءة.

طالب: "وضعف كونها استفهامية بدخول الباء في خبرها وهي لا تدخل على ما الاستفهامية. وأجيب بأنها استفهامية بدليل رواية أبي الأسود في مغازيه". 

ماذا أقرأ؟

طالب: "عن عروة أنه قال: كيف أقرأ؟ وفي رواية عبيد بن عمير عند ابن إسحاق: ماذا أقرأ؟ وبأن الأخفش جوّز دخول الباء على الخبر المثبت، قال ابن مالك في بحسبك".

الأخفش ما اسمه؟

طالب: .....................

كيف؟

طالب: .....................

وأوسط الأخفش ثلاثة عشر ليس ثلاثة، ثلاثة عشر، إذا أطلق فالمقصود به من؟

طالب: ....................

إذا أطلق الأخفش فالمراد به الأوسط، هل تركت سعيد بن مسعدة؟

طالب: ....................

ما يصير فيه صغير وأوسط وأكبر؟

طالب: هم ثلاثة فقط.

وبينهم؟ صلاة الوسطى لازم يكون فيه أولى ووسطى وأخيرة؟ ما بينهن شيء؟

طالب: ...................

نعم.

طالب: "قال ابن مالك في بحسبك زيد إن زيدًا مبتدأ مؤخر؛ لأنه معرفة، وحسبك خبر مقدّم؛ لأنه نكرة، والباء زائدة فيه. وفي مرسل عبيد بن عمير أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: «أتاني جبريل بنمط من ديباج فيه كتاب، فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ». قال السهيلي، وقال بعض المفسرين أن قوله تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 1، 2] إشارة إلى الكتاب الذي جاء به جبريل -عليه السلام- حين قال له اقرأ. (قال) -عليه الصلاة والسلام- : (فأخذني) جبريل (فغطني) بالغين المعجمة ثم المهملة أي ضمني وعصرني".

بدل الطاء تاء فغتني وغمني فغمني أو فضمني، روايات.

طالب: "عند الطبري: فغتني بالمثناة الفوقية بدل الطاء وهو حب النفس. (حتى بلغ مني الجهد) بفتح الجيم ونصب الدال أي بلغ الغط مني الجهد أي غاية وسعي، فهو مفعول حذف فاعله. وفي شرح المشكاة أن المعنى على النصب أن جبريل بلغ في الجهد غايته، وتعقبه التوربِشتي بأنه يعود".

بكسر الراء التورِبشتي شارح المصابيح.

طالب: كسر الراء والباء، أحسن الله إليك.

الميسر شرح المصابيح ليس شرح المشكاة.

طالب: ................

نعم لها شروح شرح المرقاة والمرعاة والطيبي.

طالب: "وتعقبه التوربشتي بأنه يعود المعنى إلى جبريل غطه حتى استفرغ قوته وجهد جهده بحيث لم تبقَ فيه بقية، قال: وهذا قول غير سديد، فإن البنية البشرية لا تستدعي استنفاد القوة الملكية لا سيما في مبدأ الأمر، وقد دلت القصة على أنه اشمأز من ذلك، وداخله الرعب، وحينئذ فمن رواه بالنصب فقد وهم.

وأجاب الطيبي بأن جبريل في حال الغط لم يكن على صورته الحقيقية التي تجلى له بها عند سدرة المنتهى، فيكون استفراغ جهده بحسب الصورة التي تجلى له بها وغطه، وحينئذ فمضمحل الاستبعاد. انتهى.

ويروى الجهد بالضم والرفع أي بلغ مني الجهد مبلغه فهو فاعل بلغ. (ثم أرسلني) أي أطلقني. (فقال: اقرأ. قلت) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: فقلت: (ما أنا بقارىء فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد) بالفتح والنصب وبالضم والرفع كسابقه. (ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثالثة)، وهذا الغط؛ ليفترغ عن النظر إلى أمور الدنيا، ويقبل بكنيته إلى ما يلقى إليه. وكرره للمبالغة، واستدل به على أن المؤدب لا يضرب صبيًّا أكثر من ثلاث ضربات. وقيل: الغطة الأولى ليتخلى عن الدنيا، والثانية ليتفرغ لما يوحى إليه، والثالثة للمؤانسة. ولم يذكر الجهد هنا، نعم هو ثابت عنده في التفسير -كما سيأتي إن شاء الله تعالى- وعدّ بعضهم هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام؛ إذ لم يناقل عن أحد من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- أنه جرى له عند ابتداء الوحي إليه مثله.

(ثم أرسلني فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق).

قال الطيبي: هذا أمر بإيجاد القراءة مطلقًا، وهو لا يختص بمقروء دون مقروء، فقوله: باسم ربك حال. أي اقرأ مفتتحًا باسم ربك، أي قل بسم الله الرحمن الرحيم. وهذا يدل على أن البسملة مأمور بها في ابتداء كل قراءة. وقوله: ربك الذي خلق، وصف مناسب مُشعِر بعلية الحكم بالقراءة".

بعليّة العلة سبب القراءة.

طالب: "وقوله: ربك الذي خلق، وصف مناسب مُشعِر بعليَّة الحكم بالقراءة. والإطلاق في قوله خلق أوّلاً أو لا؟- كذا يا شيخ-؟ أولاً على منوال يعطي ويمنع، وجعله توطئة لقوله: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} ".

خلق خلق الإنسان مرتين.

"وجعله توطئة لقوله: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}) الزائد في الكرم على كل كريم، وفيه دليل للجمهور أنه أوّل ما نزل. روى الحافظ أبو عمرو الداني من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: أوّل شيء نزل من القرآن خمس آيات إلى {مَا لَمْ يَعْلَمْ}. وفي المرشد أوّل ما نزل من القرآن هذه السورة في نمط، فلما بلغ جبريل هذا الموضع {مَا لَمْ يَعْلَمْ} طوى النمط، ومن ثم قال القرّاء: إنه وقف تام. وقال: من علق، فجمع، ولم يقل من علقة؛ لأن الإنسان في معنى الجمع. وخص الإنسان بالذكر من بين ما يتناوله الخلق؛ لشرفه.

)فرجع بها) أي بالآيات (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى أهله حال كونه (يرجف) بضم الجيم يخفق ويضطرب (فؤاده) قلبه أو باطنه".

الرواية الأخرى بوادره.

طالب: "(فؤاده) قلبه أو باطنه أو غشاؤه لما فجأه من الأمر المخالف للعادة والمأَلوف، فنفر طبعه البشري وهاله ذلك، ولم يتمكن من التأمل في تلك الحالة؛ لأن النبوّة لا تزيل طباع البشرية كلها."