التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

تصنيف الكتاب
كشاف الكتاب

المؤلف أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النَّمَري، المتوفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة، النَّمِر هذا الاسم، فالنسبة إليه نَمَري، مثل بني سلِمة بالكسر النسبة إليها سَلَمي، هذا هو الصحيح.
وابن عبد البر إمام مالكي يشرف طالب العلم أن يقرأ له حقيقة؛ لأن هذا العلم دين، فانظر عن من تأخذ دينك، وهذا إمام من أئمة المسلمين، وهو حافظ المغرب رحمه الله وقد مكث في تأليف هذا الكتاب ثلاثين عاماً وهو يحرره وينقحه، حتى خرج الكتاب محرراً منقحاً مضبوطاً متقناً وأودعه من نفائس الفنون والعلوم ما يعجز اللسان عن وصفه حتى قال ابن حزم وغيره: إنه لا يعرف في الكلام على فقه الحديث كتاباً مثله، ولا ما يقاربه ولا يدانيه.
فهذا الكتاب كتاب عظيم فريد في بابه، من أنفس ما كتب في شروح الأحاديث، وهو أفضل شروح الموطأ على الإطلاق، ويعتبر موسوعة شاملة في الفقه والحديث والرجال، وأنموذجاً فذاً في أسلوبه ومنهجه، رتبه مؤلفه على الأسانيد مرتباً إياها على أسماء شيوخ الإمام مالك - رحمه الله - الذي روى عنهم ما في الموطأ من الأحاديث، وذكر ما رواه عن كل شيخٍ مرتباً إياهم على حروف المعجم، فبدأ أولاً بمن اسمه إبراهيم ثم إسحاق فإسماعيل فأيوب وختم الحروف بيحيى ويعقوب ويونس ثم ختم الكتاب بالكنى والبلاغات.
ولذا يصعب الوقوف على الأحاديث المرادة منه إلا بعد معرفة الشيخ الذي روى الحديث، ثم الشيوخ رتبهم على حروف الهجاء على طريقة المغاربة، وهي أيضاً تختلف عن ترتيب طريقة المشارقة، فالصعوبة من جهتين: من كونه مرتب على الشيوخ، ولو رتب على الأبواب لكان أولى، على ترتيب مالك -رحمه الله- لكن هذه وجهة نظر الإمام ابن عبد البر، والجهة الثانية من كونه مرتباً على طريقة المغاربة.
فالكتاب عني بالموطأ، وبأقوال مالك، ومذهب مالك، وأشار إلى المذاهب الأخرى، وله فيها اختيارات وترجيحات، والإمام ابن عبد البر -رحمه الله- اقتصر في شرحه على الأحاديث المرفوعة، لم يتعرض للموقوفات ولا المقطوعات ولا أقوال الإمام مالك، إنما اقتصر على شرح ما يضاف إلى النبي عليه الصلاة والسلام سواء كان بأسانيد متصلة أو منقطعة، فتكلم على الأحاديث الموصولة، وتكلم على المراسيل، وتكلم على البلاغات، ولم يتكلم على ما جاء موقوفاً على الصحابة أو مقطوعاً عن التابعين، وحيث أمضى ابن عبد البر - رحمه الله- في تصنيف الكتاب أكثر من ثلاثين سنة، فقد جاء كتاباً بديعاً متقناً فيه من البحوث الحديثية ما يستفيد منه طالب العلم فائدة لا تقدر، وهو يعتني في هذا الكتاب بالمعاني؛ معاني الأحاديث وأسانيدها والروايات، كذلك بحث المسائل الفقهية بتجرد، وإن كان الإمام ابن عبد البر مالكي المذهب؛ لكنه يرجح غير ما يراه الإمام مالك تبعاً للدليل.
وقد رتب الموطأ بعد ذلك بترتيبات كثيرة، منها - وهو أول ما خرج- ترتيب المغراوي-حفظه الله-، من شيوخ المغرب، موجود هناك، ويأتي كثيراً هنا، وقد ابتكر هذا الترتيب، قدم فيه مسائل الاعتقاد، وعنايته بالعقيدة معروفة، لكني كنت أتمنى أن يرتب الكتاب على ترتيب الموطأ نفسه.
وقد خرج له أكثر من ترتيب على ترتيب الموطأ، ومن أفضل ما وقفت عليه من هذه الترتيبات ترتيب الشيخ عطية سالم، وله عناية فائقة بالموطأ، وعناية بالإمام مالك على وجه الخصوص، فأفاد وأجاد، وجاء ترتيبه على الوجه المناسب، وهو من أهل الخبرة بالموطأ، وله معرفة بكتب ابن عبد البر.
الإمام ابن عبد البر عني بشرح الأحاديث المرفوعة في هذا الكتاب، وأبدع في كتابه، وكمله بكتاب آخر، أسماه كتاب (الاستذكار في بيان مذاهب فقهاء الأمصار)، تكميلاً للتمهيد الذي هو لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، فهذه الصفة الغالبة عليه، وفيه كلام على فقه الحديث كثير، لكن الكلام على الأحكام في الاستذكار أظهر حيث أفاض في ذكر مذاهب علماء الأمصار ، فهما عبارة عن كتاب واحد متكامل من كل وجه، فإذا قرئ كلام ابن عبد البر في التمهيد، وكلامه في الاستذكار فذلك نور على نور، ويكون بذلك تكاملاً.
ترتيب الشيخ عطية سالم طُبع قبل عدة سنوات، وحيث استغرقت طباعة الموطأ ربع قرن، فالشيخ عطية -رحمه الله- كلما يخرج جزء يرقم الحديث برقم الموطأ، ثم بعد ذلك يرتب هذه الأحاديث في دوسيات، ثم إذا خرج الجزء الثاني أضاف ما فيه من أحاديث على الطريقة التي اتبعها، ثم خرج كتاب التمهيد مرتباً ترتيب الموطأ، وهذا عمل جليل، نعم قد يبدو في ظاهر الأمر أنه ليس بشيء إلا مجرد تقديم وتأخير وترتيب؛ لكنه عمل جيد مفيد يفيد طالب العلم كثيراً.
والأصل في الطبعات بالنسبة للتمهيد هي الطبعة المغربية التي اعتمد فيها على النسخ، وجاءت في أربعةٍ وعشرين جزءًا، إلا أنها طبعة متوسع فيها قليلاً، والبياضات فيها كثيرة، وكان بالإمكان أن يطبع في عشرة مجلدات تقريباً، بحروفٍ ليست صغيرة إنما متوسطة، وورق متوسط الحجم. وظهر طبعة أخيرة ذكرها بعض الإخوان، وأنها مقابلة على نسخ لم يطلع عليها من حقق الكتاب من المغاربة، وأنا لم أرَ هذه الطبعة.
 
ابن عبد البر -رحمه الله - لما رأى تقاصر الهمم عن تحصيل التمهيد اختصره في كتاب سماه (تجريد التمهيد) مطبوع في مجلدٍ واحد، ويسمى ( التقصي) وهو أشبه ما يكون بالفهرس للتمهيد، وترتيبه لأحاديث الموطأ هو مجرد ترتيب على طريقة التمهيد.