النفح الشذي في شرح جامع الترمذي

تصنيف الكتاب
كشاف الكتاب

المؤلف له آراء وإضافات من تلقائه، حيث يأتي باستنباطات من عنده، فهو مجدد في باب الشرح، وليس بنقال كما هي سمة كثير من الشراح، وهو إمام في الصناعة الحديثية، وتنقل أقواله كثيراً في كتب المصطلح، وشرحه شرح نفيس مملوء بالفوائد والشوارد من الأحكام الفقهية والصناعة الحديثية، أبان عن إمامة مؤلفه إلا أنه لم يُكمل، حيث وقف ابن سيد الناس في شرحه عند: باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام.
ثم شرع الحافظ العراقي في إكماله على طريقة مؤلفه بل أوسع؛ لكنه كسابقه مات قبل إتمامه، فشرع ابنه الحافظ أبو زرعة في تكميله وكسابقيه لم يُكمله، ثم ذكر السخاوي في ترجمته لنفسه من الضوء اللامع أن من مؤلفاته تكملة شرح الترمذي للعراقي، وذكر أنه كتب منه أكثر من مجلدين في عدة أوراق من المتن، فأصل هذا الكتاب وتتماته سمتها الطول والاستقصاء والتتبع؛ لذا جاء كتاباً حافلاً عظيماً، وهو من أفضل شروح جامع الترمذي وأمتعها وأنفسها.
ويتلخص منهج ابن سيد الناس في شرحه بما يلي:
يذكر نص الترجمة ويشرحها، ويذكر المتن ويخرج الأحاديث ويستطرد في ذلك، ويبين درجة الأحاديث، ويدرس الأسانيد، ويبين معاني الألفاظ ويضبطها ويعربها إعراباً وافياً، ويبين الأحكام المستفادة من الحديث، وحكمة التشريع منها، ويبين ويستطرد في ذكر المباحث الأصولية المتعلقة بالحديث، ويأتي باستنباطات من عنده. ويمتاز هذا الشرح بتوسعه في الشرح عموماً. ومقدمة ابن سيد الناس فيها لفتات واختيارات اصطلاحية لا توجد عند غيره، نقل كثير منها إلى كتب المصطلح.
 أما تكملة الحافظ العراقي فهي على نمطه إن لم تكن أجود، وأما تكملة الابن أبي زرعة والسخاوي فلم أطلع عليهما. والمقصود أن هذا الكتاب أبدع فيه ابن سيد الناس، وأيضاً لا يقل دونه إبداع الحافظ العراقي.
 
والكتاب - مع الأسف - على أهميته ونفاسته لم يطبع منه سوى مجلدين، والثالث منذ سنين تحت الطبع، فلا يدرى ما مصيره! والذي يعوق عن إتمام مثل هذه المشاريع طول النفس في التعاليق، فالذي طبع الكتاب وحققه وعلق عليه - في مجلدين فقط - الأستاذ البارع الشيخ أحمد معبد -حفظه الله -، وهو دكتور من خيار من عرفناهم، وله وقفات، ولمسات، وله تحقيقات لا توجد عند غيره، وهو من أهل هذا الشأن، وقد أطال النفس في تعاليقه على هذا الكتاب، واستطرد في التعليق على بعض المسائل الاصطلاحية وبعض الرواة، حتى إن بعض الرواة استغرقت تراجمهم عند الشيخ في التعليق سبعين صفحة، فمثل هذا العمل -والله أعلم- ما يتم على هذه الطريقة، ولا يمكن أن يتم، فلا إفراط ولا تفريط، فالأولى أن يُعتنى بكتب أهل العلم وتُخرج كما يريده مؤلفوها من الصحة والضبط والإتقان، ويعلق عليها بتعليقٍ خفيف في مواطن الحاجة، ويحال على ما يحتاج إليه من مواضع الكتب، نعم تعاليق الشيخ ما تقاس بتعاليق غيره ممن همه تسويد الورق وتكثير الصفحات، فالشيخ كلامه مفيد؛ لكنه يعوق عن إخراج الكتاب وإتمامه.