سنن أبي داود

تصنيف الكتاب
كشاف الكتاب

كتاب سنن أبي داود أحد الأصول الستة اتفاقاً، وهو كتاب نفيس لا يستغني عنه طالب علم، والضعيف فيه أقل مما في جامع الترمذي، ومما في سنن النسائي وابن ماجه، ولذا استحق أن يكون ثالث الكتب
وقد جمع فيه مؤلفه أحاديث الأحكام حتى بلغ أربعة آلاف وثمانمائة حديث، انتقاها من بين ستمائة ألف حديث، وتحرى فيها، ويقول في وصفه: إنه ذكر فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وما سكت عنه فهو صالح. والخلاف في معنى كلمة صالح بين أهل العلم معروف، هل الصلاحية للاحتجاج، أو لما هو أعم من ذلك من الاستشهاد؟ والكلام في المسألة مبسوط في كتب علوم الحديث.
وهناك ترتيب غريب جداً في سنن أبي داود، فإنه بدأ بكتاب الطهارة، ثم الثاني: الصلاة، ثم الثالث: الزكاة، ثم الرابع: اللقطة، والخامس: المناسك، والسادس: النكاح، والسابع: الطلاق، والثامن: الصيام، ... وعلى كل حال يوجد في بعض روايات سنن أبي داود تقديم بعض الكتب على بعض؛ لكن المتداول الآن على هذا الترتيب.
 كتاب السنن اعتنى به العلماء وأشادوا به، يقول ابن القيم -رحمه الله- في مقدمة تهذيبه: "ولما كان كتاب السنن لأبي داود -رحمه الله- من الإسلام بالموضع الذي خصه الله به، بحيث صار حكماً بين أهل الإسلام، وفصلاً في موارد النزاع والخصام، فإليه يتحاكم المنصفون، وبحكمه يرضى المحققون، فإنه جمع شمل أحاديث الأحكام، ورتبها أحسن ترتيب، ونظمها أحسن نظام، مع انتقائها أحسن انتقاء، واطراحه منها أحاديث المجروحين والضعفاء". ويقول المنذري: "فإنه يعني -سنن أبي داود- أحد الكتب المشهورة في الأقطار، وحفظ مصنفه وإتقانه وتقدمه محفوظ عند حفاظ الأمصار، وثناء الأئمة عليه وعلى مصنفه مأثور عن رواة الآثار"، والكتاب بالمحل المعروف عند أهل الحديث، وهو ثالث الكتب عند جماهير العلماء، وبعض أهل العلم يرجح النسائي؛ لأنه أقوى في الشرط بالنسبة للرواة، وأكثر فوائد من حيث الصناعة، في بيان العلل وغيرها، ومنهم من يرجح الترمذي لكثرة فوائده الحديثية في أبوابه، وفي أنواع علوم الحديث كلها، فيجعل الترمذي هو الثالث، لكن الأكثر على أن سنن أبي داود يقدم لأن شرطه أقوى من شرط النسائي، وهو أيضاً أقوى من شرط الترمذي وقد أضَربَ عن رواة خرج لهم الترمذي، فهو ثالث الكتب بعد الصحيحين. وقد زعم ابن سيد الناس أن سنن أبي داود بمنزلة أو قريب من صحيح مسلم، ولا شك أن ابن سيد الناس لم يوافق على ذلك؛ لأن أبا داود لم يكلف نفسه انتقاء الرواة والروايات مثل الإمام مسلم. والدهلوي يقول: "ينبغي أن يعنى طالب العلم في البداية بسنن أبي داود والترمذي، ثم في البخاري ومسلم، ثم للنسائي وابن ماجه على هذا الترتيب" وإن كانت الأولوية عند أهل العلم البخاري ثم مسلم ثم أبي داود ثم الترمذي ثم النسائي ثم ابن ماجه.
ويقول أبو سليمان الخطابي في معالم السنن: "كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف، لم يصنف في علم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من الناس كافةً، فقد صار حكماً بين فرق العلماء، وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، وعليه معول أهل العراق، وأهل مصر وبلاد المغرب، وكثير من أقطار الأرض" يقول: "وأما أهل خراسان فقد أولع أكثرهم بصحيحي البخاري ومسلم، ومن نحا نحوهم في جمع الصحيح على شرطهما إلا أن كتاب أبي داود أحسن رصفاً، وأكثر فقهاً".
وهو –حقيقةً- أقرب فائدة لمن أراد أن يتناولها بدون عناء من صحيح البخاري، صحيح البخاري فيه شيء من المشقة للطالب المبتدئ، أما سنن أبي داود فالفائدة منه متيسرة، لكن دون هذه الفائدة النظر في ثبوت الحديث بخلاف ما في الصحيحين من أحاديث فإنه لا يحتاج إلى أن ينظر فيهما.
ويقول ابن رسلان في مقدمة شرحه: "ينبغي للمشتغل بالفقه وبغيره الاعتناء بسنن أبي داود، فإن معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه مع سهولة تناوله وتلخيص أحاديثه، وبراعة مصنفه واعتنائه بتهذيبه" ولا شك أن سنن أبي داود مظنة للأحاديث الصحيحة والحسنة وفيه الضعيف، خفيف الضعف، وفيه شديد الضعف، إلا أن ما كان ضعفه شديداً فقد التزم الإمام أبو داود بيانه، كما في رسالته إلى أهل مكة، قال:
ومن مظنة للحسنِ *** جمع أبي داود أي في السننِ
فإنه قال جمعت فيهْ *** ما صح أو قارب أو يحكيهْ
وما به ضعف شديد قلتهُ *** وحيث لا فصالح خرجتهُ
ولأهمية هذا الكتاب حظي من العلماء قديماً وحديثاً بالشروح والتعليقات والمختصرات، فشرحه جماعة من الأئمة واختصره آخرون، فممن شرحه أبو سليمان الخطابي في كتابه الشهير: (معالم السنن)، شرحه أيضاً النووي لكن شرحه لم يتم، وشرحه مسعود بن أحمد الحارثي، وهو أيضاً لم يكمل، وممن شرحه مغلطاي وهو أيضاً لم يكمل، وممن شرحه أحمد بن محمد بن هلال المقدسي، وشرحه أيضاً الإمام أبو زرعة أحمد بن الحافظ العراقي، ولكنه أيضاً لم يكمل، وممن شرحه أحمد بن رسلان الرملي الشافعي، وهذا شرحه كامل وموجود، وممن شرحه أيضاً بدر الدين العيني، كتابه أيضاً طبع أخيراً وهو ناقص، وشرحه أيضاً باختصارٍ شديد السيوطي في (مرقاة الصعود)، وهناك حاشية لأبي الحسن السندي اسمها: (فتح الودود)، وهناك أيضاً شرح لم يكمل أيضاً لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي اسمه: (غاية المقصود)، وأيضاً هناك (عون المعبود) على خلافٍ في مؤلفه؛ لكن الأكثر على أنه لصاحب (غاية المقصود)، وهناك كتاب اسمه: (بذل المجهود) لخليل بن أحمد السهارنفوري.
وشرحه من المتأخرين الشيخ محمود خطابي السبكي في كتابه (المنهل العذب المورود).
 
وطبعة سنن أبي داود المطبوعة مع عون المعبود فيها أخطاء وأوهام؛ وذلك لأن الطابع أو الناشر أو المحقق ليسوا على المستوى المطلوب لتحقيق مثل هذه الكتب، لكن أخطاؤهم في عون المعبود أسهل وأقل من تحفة الأحوذي. وطبعة الدعاس أفضل من التي مع عون المعبود وأنا عمدتي على طبعة عزة عبيد الدعاس، وهي طبعة مرقمة ومفهرسة ومخرجة الأحاديث، والأخطاء فيها قليلة. وظهر مؤخراً طبعة جديدة لمحمد عوامة، اعتمد فيها على نسخة ابن حجر فلعلها أمثل النسخ وهي جيدة من حيث ضبط النص، وقد قابل محققها مقابلة طيبة، على أن فيها شيء من بعض التعليقات لا يسلم من شوب البدعة، وفيها بعض الأمور غير المناسبة، من تصرف المحقق أحياناً، لكنها بالنسبة لضبطها هي أفضل الطبعات، وكونه علق بتعليقات لا يوافق عليها، هذه مسألة أخرى لا ترجع إلى أصل الكتاب، وإن كان منهجه -وأنا لم أقف على شيء من المخالفة- في سنن أبي داود مثل منهجه في مصنف ابن أبي شيبه: أنه قد يصحح بناءً على ترجيحه لبعض الألفاظ التي قد لا توجد في بعض الأصول، وهذا خلل في منهج التحقيق، لكن يبقى أنه طبع عن نسخة الحافظ ابن حجر، فلو قورنت طبعته بطبعة الدعاس يحصل لنا نسخة نثق بها، فمن جمع بين الطبعتين انتفع إن شاء الله تعالى.