معالم السنن

تصنيف الكتاب
كشاف الكتاب

 الخطابي عنده مخالفات عقدية، وكتابه على اختصاره من أنفس الشروح لإمامة مؤلفه، ورسوخ قدمه، ومن الإمامة في الدين، فهو شرح مبارك، فيه فوائد وطرائف ولطائف وأشياء يحتاجها طالب العلم، ولا يستغني عنها من يعنى بسنن أبي داود.
معالم السنن ألفه الخطابي إجابةً لمن سأله ذلك، جاء في مقدمته: أما بعد: فقد فهمت مسائلتكم -إخواني أكرمكم الله- وما طلبتموه من تفسير كتاب السنن لأبي داود سليمان بن الأشعث، وإيضاح ما يشكل من متون ألفاظه، وشرح ما يستغلق من مبانيه، وبيان وجوه أحكامه، والدلالة على مواضع الانتزاع والاستنباط من أحاديثه، والكشف عن معاني الفقه المنطوية في ضمنها؛ لتستفيدوا إلى ظاهر الرواية لها، باطن العلم والدراية بها"، يقول: "وقد رأيت الذي ندبتموني له، وسألتموني من ذلك أمراً لا يسعني تركه، كما أنه لا يسعكم جهله، ولا يجوز لي كتمانه، كما أنه لا يجوز لكم إغفاله وإهماله، فقد عاد الدين غريباً كما بدأ، وعاد هذا الشأن دَارِسَةً أعلامه، خاوية أطلاله، وأصبحت رباه مهجورةً، ومسالك طرقه مجهولة". ثم قسم من ينتسب إلى العلم في زمانه في القرن الرابع إلى قسمين: أهل حديث وأثر، وأصحاب فقهٍ ونظر، مع أن كلاً من الفقه والأثر والحديث والنظر لا يتميز كل منهما عن الآخر؛ لأن الحديث بمنزلة الأساس الذي هو الأصل، والفقه بمنزلة البناء الذي هو كالفرع، وكل بناءٍ لم يوضع له أساس فهو منهار، وكل أساس خلا عن بناء فهو قفر وخراب، يقول: "ووجدت هذين الفريقين إخواناً متهاجرين، وعلى سبيل الحق بلزوم التناصر والتعاون غير متظاهرين" ثم بيّن وجه التقصير من كل فريق، وجه تقصير من ينتسب إلى الحديث، ووجه التقصير عند من ينتسب إلى الفقه، يقول: "أهل الحديث مبلغ حاجتهم، وجل قصدهم جمع الروايات والطرق، وطلب الغريب والشاذ، لا يراعون المتون، ولا يتفهمون المعاني، وربما عابوا الفقهاء بمخالفة السنن، وأما أهل الفقه والنظر فإن أكثرهم لا يعرجون من الحديث إلا على أقله، ولا يكادون يميزون صحيحه من سقيمه، وقد اصطلحوا فيما بينهم على قبول الخبر الضعيف والحديث المنقطع، إذا كان ذلك قد اشتهر عندهم، وتعاورته الألسن فيما بينهم، من غير ثبتٍ فيه فكان ذلك ظلةً من الرأي، وغبناً فيه"، يقول: "وهؤلاء -يعني من ينتسب إلى الفقه من أتباع الأئمة-، يقول: وهؤلاء -وفقنا الله وإياهم- لو حكي لهم عن واحدٍ من رؤسائهم أو من رؤساء مذاهبهم وزعماء نحلهم قول يقوله باجتهادٍ من قبل نفسه طلبوا فيه الثقة، واستبرؤوا له العهدة"، ثم ذكر الثقاة من أصحاب الأئمة الذين يعول عليهم في نقل المذاهب.. إلى آخر كلامه -رحمه الله-، وهو كلام نفيس جداً. 
ثم أشاد بسنن أبي داود بكلامٍ نقلنا جله، ثم ذكر أقسام الحديث عند أهله، وأنه ثلاثة أقسام، صحيح وحسن وسقيم، وعرف الأقسام الثلاثة، تقسيمه للحديث وحصره الأقسام في الثلاثة حقيقةً لم يسبق إليه، يعني أول من قسم الحديث إلى ثلاثة أقسام هو الخطابي في مقدمة المعالم، نعم الأقسام الثلاثة موجودة في كلام الأئمة، وجد عندهم ذكر الصحيح، ووجد ذكر الحسن ووجد ذكر الضعيف؛ لكن من غير حصرٍ في الأقسام الثلاثة، ولذا انتقد الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- حصر الأقسام في الثلاثة، وقال: "إن كان هذا التقسيم يرجع إلى ما في نفس الأمر فليس إلا صحيح أو كذب ولا ثالث لهما، وإن كان راجع إلى استعمالهم فالأقسام عندهم أكثر من ذلك"، لكن الجواب أن هذا التقسيم بالنسبة إلى استعمال أهل العلم، وما عدا الأقسام الثلاثة داخل فيها، كما هو معلوم.
وكتاب المعالم للخطابي أجود من كتابه أعلام السنن أو أعلام الحديث الذي شرح فيه البخاري؛ لأن هذا الكتاب ألفه أصالةً للسنن، لشرح السنن وخدمتها، أما أعلام السنن أو أعلام الحديث فقد ألفه يريده كالتكملة لهذا الكتاب.
وشرح الخطابي أفضل شرح لسنن أبي داود، وهو الأصل في هذا الباب، وهو رغم اختصاره الشديد إلا أن فيه فوائد وقواعد وضوابط يحتاجها طالب العلم.
 
والكتاب مطبوع، طُبع في حلب، طبعه الشيخ محمد راغب الطباخ على انفراد في أربعة أجزاء صغيرة، وهي طبعة جيدة، معتنىً بها، مقابلة على نسخ خطية. وطبع أيضاً في مطبعة أنصار السنة مع مختصر المنذري وتهذيب ابن القيم في ثمانية أجزاء بعناية الشيخ أحمد شاكر ومحمد حامد الفقي طبعة نفيسة وجيدة، وهي أحسن طبعات معالم السنن.