إذا جَمع المغرب والعشاء لمسوِّغ الجمع كالمطر الذي يشق بسببه الخروج إلى الصلاة مرة أخرى أو السفر فإن وقت الوتر يدخل من بعد صلاة العشاء مباشرة ولو جُمعت جمع تقديم، فله أن يوتر بعد أن يصلي العشاء، هذا أول وقته، ومعلوم أن الأفضل في آخر الليل، لكن بعض الناس ليس عنده من الحرص على الأفضل ما يجعله يؤخر الوتر إلى آخر الليل، أو لا يضمن القيام في آخر الليل فيوتر بعد صلاة العشاء مباشرة، كما لو كانت في وقتها، ونرى من هذا النوع أناسًا في المسجد يصلون الوتر بعد صلاة العشاء مباشرة، مثل هؤلاء إذا صلوا العشاء ولو كانت مجموعة جمع تقديم مع المغرب فإنه يدخل وقتها من بعد صلاة العشاء، سواء كانت في وقتها الأصلي أو في وقتها الاضطراري في حال الجمع.
ومن جاء وهو لم يصلِّ المغرب بعدُ ووجد الناس يصلون العشاء يدخل معهم بنية المغرب، وإذا قاموا إلى الرابعة جلس، وينتظر الإمام حتى يسلم فيسلم معه، وإن نوى الانفراد وسلَّم قبله فلا بأس، المقصود أنه يصلي المغرب قبل العشاء؛ لأن الترتيب واجب، ولا يسقط -كما يقول أهل العلم- إلا بنسيانه، فلو ذهل ودخل ووجد الناس يصلون العشاء وصلى معهم العشاء ناسيًا لصلاة المغرب صحت صلاته، ويصلي بعدها المغرب، لكن إذا كان ذاكرًا ولم يخف فوات وقت الاختيار فإنه يلزمه الترتيب، فيصلي المغرب أولًا، ثم يأتي بصلاة العشاء، وإن أمكن مع جماعة أخرى كان أفضل، ولو كانوا يصلون المغرب ويزيد ركعة فيصلي معهم، وهذا أولى وأوجب؛ لأن صلاة الجماعة واجبة إذا أمكنه ذلك، أما إذا لم يمكنه ذلك ولم يجد من يصلي معه وصلى مباشرة بعد صلاته المغرب منفردًا فاته فضل الجماعة، وإن أخَّرها إلى وقتها ووجد من يصلي معه جماعة كان أفضل وأولى إذا لم يشق ذلك عليه، المقصود أنه يلزمه أن يصلي المغرب قبل العشاء، وأما صلاة العشاء إن وجد من يصلي معه جماعة فيلزمه ذلك، وإن لم يجد ورأى في تأخير العشاء إلى وقتها مشقة وصلى العشاء منفردًا باعتبار وجود الرخصة فلا مانع من ذلك -إن شاء الله تعالى-، وإن أخَّر العشاء قليلًا حتى يحضر من يصلي معه بعد ذلك فالإشكال أنه لا بد في جمع التقديم من التوالي، ولا يجوز تأخير الصلاة الثانية؛ لأنه إذا أخرها لا يصح الجمع حينئذٍ إذا كان الجمع في وقت الأولى، بخلاف ما إذا كان الجمع في وقت الثانية، وشيخ الإسلام ابن تيمية وجمع من أهل العلم يقولون: لا فرق بينهما، فيصلي في الوقت جمعًا سواء كان تقديمًا أم تأخيرًا متواليتين أم متفرقتين.