هدي النبي في رمضان (10)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

أيها الإخوة المستمعون: الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم إلى هذا اللقاء الجديد في هذا البرنامج الذي نستضيف فيه فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله ونرحب به في مطلع هذا اللقاء فأهلاً وسهلاً بكم يا شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم.

لايزال الحديث مستمعينا الكرام حول هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان ومن هذا الهدي هديه -صلى الله عليه وسلم- في إدخال شهر رمضان وثبوت هذا الشهر مسألة الرؤية فضيلة الشيخ تحدث عنها ابن القيم بعد الحديث عن الحكم وعن فضل هذا الشهر العظيم وتنوع العبادات فيه هلا تطرقتم وفقكم إجمالاً لما ذكره الشيخ حيث أطال الشيخ كثيرًا في هذه المسألة.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فمسألة إدخال الشهر أفاض ابن القيم -رحمه الله تعالى- فيها واستطرد ويمكن إجمال الكلام فيما يجب به صوم شهر رمضان، قرر أهل العلم ابن القيم منهم أن صيام شهر رمضان يجب بأحد أمرين: الأول رؤية الهلال ولذا قال ابن القيم وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- ألا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محققة ولو بشهادة شاهد واحد، الأول رؤية الهلال ولو من قبل واحد لكن لا بد أن يكون عدلاً من المسلمين لما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» وثبت عن ابن عمر -رضي الله عنه-ما أنه قال تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته فصام وأمر الناس بالصيام ويشهد لحديث ابن عمر حديث الأعرابي الذي شهد عند النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه رأى الهلال فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أتشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله» قال نعم فأمر بالصيام فالهلال إذا رآه عدل بالنسبة لدخول الشهر وجب الصيام، وأما خروج الشهر فلا بد من شاهدين عدلين كسائر الشهود فلا تثبت إلا بشهادة عدلين لما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال «فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا» وعلى هذا يكون دخول الشهر بواحد لأنه ملحق بالإخبار بالإخبار لا الشهادة دخول الشهر لأنها شهادة على مسألة دينية عبادة فهي مثل نقل الأخبار فيصح نقل الخبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من قبل شخص واحد يثبت الخبر عنه -عليه الصلاة والسلام- من قبل شخص واحد ولا يشترط التعدد في الرواية، بينما الشهادة في الحقوق حقوق العباد لا بد منها من شاهدين، ويشهد له فإن شهد أنه قال..، فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا ويشهد له حديث الحارث بن حاطب -رضي الله عنه- أنه قال: عهد إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما، ويشهد له أيضًا ما رواه أبو داود عن ربعي بن حراش عن رجل من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: اختلف الناس في آخر يوم من رمضان فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- بالله لا أهل الهلال أمس عشيةً فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس أن يفطروا فقدم أعرابيان، هذا أيضًا يشهد للحديثين السابقين وعموم هذه الأحاديث التي تجعل قبول الخبر لا بد فيه من اثنين مخصوص بحديثي ابن عمر والأعرابي فيكون ثبوت دخول شهر رمضان بواحد خاص به دون سائر الشهور والحكمة في ذلك الاحتياط للعبادة في الدخول والخروج، ومن رأى الهلال ولم يعمل بشهادته بل ردت شهادته فإنه لا يصوم وحده ولا يفطر وحده بل يصوم مع الناس ويفطر مع الناس لحديث «الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحّون»، الأمر الثاني مما يجب به صيام رمضان إن لم ير هلال فيجب بإكمال شهر شعبان ثلاثين يومًا لقوله -عليه الصلاة والسلام- «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا رواه البخاري من حديث أبي هريرة، وروى مسلم من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين» وبهذا يفسر حديث «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له» متفق عليه فيكون معنى «فاقدروا له» أي احسبوا له المدة المفسرة في الروايات الأخرى وهي ثلاثون يوما وليس معنى ذلك كما قال بعضهم أي ضيقوا عليه فاجعلوا شعبان تسعة وعشرين يومًا؛ لأنه جاء الحديث مفسرًا «فاقدروا له ثلاثين» وإن لم ير الهلال لغيم أو قتر فلا يجوز حينئذٍ الصيام لأنه هو لأنه هو الشك الذي صح النهي عنه من حديث عمار قال من صام هذا اليوم يعني الذي يشك فيه من شعبان أو رمضان فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- رواه أهل السنن بإسناد صحيح، وما اختاره بعض العلماء من أنه إن حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر وجب الصوم احتياطًا لاحتمال أن يكون الهلال قد ظهر لكن لكن لم لم ير لوجود الغير أو القتر أو غير ذلك ويتسدلون على ذلك أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا كان يوم الثلاثين من شعبان وحال دونه غيم أو قتر أصبح صائمًا قال وابن عمر -رضي الله عنه-ما هو راوي الحديث «إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له» وفعله يدل على أن معنى فاقدروا له أي ضيقوا له العدد أخذًا من قوله تعالى: ومن قدر عليه رزقه،  أي ضيق عليه وتضييق العدد بأن يجعل شعبان تسعة وعشرين، لكن ابن عمر أشار ابن القيم -رحمه الله- أن له احتياطات أن له احتياطات لكنه لم يكن يوافق عليها، له أيضًا تشديدات بأشياء لا يوافقه عليها الصحابة، ذكر ابن القيم أنه كان يغسل عينيه في الوضوء حتى عمي من ذلك وكان إذا مسح رأسه أفرد أذنيه بماء جديد وكان يمنع من دخول الحمام وكان إذا دخله واغتسل منه.. إلى آخره، المهم المقصود أن ابن عمر له اجتهادات لم يوافق عليها وكونه احتياط يجاب عنه أن الاحتياط في مثل يوقع في مخالفة النص الصحيح الثابت المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والاحتياط إذا أدى إلى ترك مأمور أو فعل محظور فإن الا حتياط في ترك هذا الاحتياط كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- وفعل ابن عمر اجتهاد منه في مقابل النص وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم -صلى الله عليه وسلم- وحينئذٍ فلا بد من الرؤية أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما والرؤية المراد بها ما كان بالعين المجردة هذا هو الأصل فيها لكن لو استعمل فيها ما يساعد على الوضوح كالدرابي والمراصد مثلاً فالأدلة تدل على عدم تكليف الناس لأن الله لا يكلف نفسًا إلى ما آتاها ولكن من طالع الهلال وجزم بأنه رآه بواسطتها بعد غروب الشمس وهو مسلم عدل فقد قال الشيخ ابن باز -رحمه الله- لا أعلم مانعًا من العمل برؤيته للهلال لأنها من رؤية العين المجردة، وأما الحساب فلا يعوَّل عليه ولا يعتمد على التقاويم في دخول الشهر ولا خروجه وقد ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- الإجماع على أنه لا يجوز العمل بالحساب في إثبات الأهلة ونقل ابن حجر في فتح الباري عن أبي الوليد الباجي إجماع السلف على عدم الاعتداد بالحساب وإجماعهم حجة على من بعدهم، هنا مسألة مسألة اختلاف المطالع قد يقول قائل إذا رئي الهلال في المشرق هل يلزم أهل المغرب الصيام؟ إذا رئي في وسط البلاد الإسلامية هل يلزمن من في الأطراف الصيام أو لا يلزمهم؟ لم يختلف أحد من المسلمين في اختلاف المطالع بل المطالع مختلفة إجماعًا بل ذلك من الأمور التي علمت بالضرورة حسّاً وعقلاً وإنما الخلاف بين علماء المسلمين في اعتبار اختلاف المطالع في ابتداء شهر صوم شهر رمضان والفطر منه وعدم اعتباره وسبب ذلك أن هذه المسألة من المسائل النظرية التي للاجتهاد فيها مجال والخلاف فيها سائغ؛ لأن قوله -عليه الصلاة والسلام- صوموا لرؤيته يحتمل الأمرين أن يكون خطابًا لجميع الأمة بكمالها في شرق الأرض وغربها فإذا رآه من في المشرق صح أنهم رأوه أن الأمة رأت الهلال وإذا رآه من في المغرب صح أن الأمة رأوه وحينئذٍ يلزم الجميع الصيام يحتمل أن يكون خطابًا لجميع الأمة بكمالها وأن يكون خطابًا لمن تمكنه الرؤية ولذا اختلف علماء المسلمين قديمًا وحديثًا على قولين فمنهم من رأى اعتبار اختلاف المطالع وقال لكل أهل بلد رؤيتهم ومنهم من لم يعتبر ذلك فإذا رأى الهلال المسلم العدل في أي بلد من بلدان المسلمين لزم المسلمين كلهم الصوم بعدوا أو قربوا واستدل الفريقان بالنص الواحد كاشتراكهما في الاستدلال بقوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) وقوله تعالى : ((ويسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج))   وبقوله -عليه الصلاة والسلام- «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» ومجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة يرون أن يكون لكل دولة إسلامية حق اختيار ما تراه بواسطة علمائها من الرأيين المذكورين إذ لكل منهما أدلته ومستنداته والخلاف في هذه المسألة ليست له آثار تخشى عواقبها فقد مضى على ظهور هذا الدين أربعة عشر قرنًا لا يعلم فيها جرى فيها توحيد الأمة الإسلامية على رؤية واحدة، ولا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حين قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» لم يقصد أهل المدينة فقط وإنما قصد عموم المسلمين من الأدلة التي يحتج بها من قال باختلاف الرؤية تبعًا للمطالع ما رواه مسلم عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-ما ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال؟ فقلت رأيناه ليلة الجمعة فقال أنت رأيته؟ فقلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال ابن عباس لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه فقلت أولا تكتفي برؤية معاوية وصيام فقال لا هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهذا يدل على أن ابن عباس -رضي الله عنه-ما يرى أن الرؤية لا تعم وأن لكل أهل بلد رؤيتهم إذا اختلفت المطالع، وقالوا إن المطالع في منطقة المدينة غير متحدة مع المطالع في الشام وقال آخرون لعله لم يعمل برؤية أهل الشام لأنه لم يشهد بها عنده إلا كريب وحده والشاهد الواحد لا يعمل بشهادته في الخروج وإنما يعمل بها في الدخول وفيها نظر؛ لأن شهادة كريب في الدخول لا في الخروج، والخروج تابع للدخول، ففيه دلالة قوية على نصرة القول بالعمل باختلاف المطالع لاسيما وقد رفعه ابن عباس ونسبه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.

أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ وأثابكم على هذا الاستعراض وهذا الإجمال لهذا الكلام الطويل الذي أورده العلامة ابن القيم في الزاد، نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا وبما قلنا إنه سميع مجيب، نشكر في ختام هذه الحلقة فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله، ونشكركم أنتم مستمعينا الكرام نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقة مقبلة، ودمتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.