العُزلَة والخُلطَة جَاءَت النُّصُوص بهذا وهذا، النُّصُوص الصَّحِيحَة جَاءَت بِالخُلطَة مُخَالَطَة النَّاس، ونَفعِ النَّاس، والصَّبر على آذَاهُم، وشُرِعَت الجُمع والجَمَاعَات والأعيَاد والحَجّ، كُل هذا من أجل الخُلطَة وهي الأصل؛ لكن إذا خُشِيَ الإنسَان على دِينِهِ؛ فالسَّلامةُ لا يَعدِلُها شيء، ((يُوشِكُ أَن يَكون خَير مال المُسلِم غَنَمٌ يَتبَعُ بِها شَعَفَ الجِبَال، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَن)) فَبَعضُ النَّاس المُتَّجِه في حَقِّهِ المُخَالَطَة، وبَعضُ النَّاس المُتَّجِه في حَقِّهِ العُزلَة، والشُّرَّاح مِنَ القَرنِ الثَّامِن، وهم يقولون: والمُتَعَيِّن في هذه الأزمَان العُزلَة! لِاستِحَالة خُلُوّ المَحَافِل من الجَرَائِم والمَعَاصِي، يعني مُجتَمَعَات النَّاس مَا تَسلَم فَكَيفَ بِهِم لَو رَأَوا زَمَنَنَا هَذَا؟!
العُزلَة لَا شَكَّ أَنَّها فِي حَقِّ بَعضِ النَّاس مُتَعَيِّنَة، وفِي حَقِّ آخَرِين مَمنُوعَة، وفِي حَقِّ أَقوَام فَاضِلَة، وفِي حَقِّ آخَرِين مَفضُولَة، ومَرَدُّ ذلك إِلَى التَّأثِير والتَّأَثُّر، فِإن كَانَ الشَّخص يَستَطِيع أَن يُؤَثِّر فِي النَّاس الخَير، ولَا يَتَأَثَّر بِشُُرورِهِم؛ هَذَا تَعَيَّنَت عَلَيهِ الخُلطَة ، يُخَالِطِ النَّاس، أمَّا إِذَا كَانَ بِالعَكس يَتَأَثَّر بِشُرُورِهِم، ولَا يَستَطِيع التَّأثِير بِهِم؛ هذا يَتَعَيَّن فِي حَقِّهِ العُزلَة، وبَقِيَّة النَّاس سِجَال، يُؤَثِّر ويَتَأَثَّر، والحُكم لِلغَالِب، وهُنا يقول: إن لَم يَكُن فِي مُجَالَسَةِ النَّاسِ ومُخَالَطَتُهُم خَير، إِذَا لَم تَستَفِد مِنَ النَّاس؛ فَالعُزلَةُ أَسلَم، إِذَا لَم تَكسِب مِنهُم خَير، وتَجنِي مِنهُم ثَمَرَات تَنفَعُك فِي دِينِك ودُنيَاك؛ وإِلَّا دِينُك دِينُك؛ الزَم، كُن حِلسَ بَيتِكَ إن استَطَعت، وإِن غَشَمَكَ النَّاس ذَهَبتَ إلى بَيتِكَ ومَا استَطَعتَ أن تَعتَزِل؛ وإِلَّا انتَقِل، واللهُ المُستَعَان.