سَبَقَ المُفَرِّدُونْ

القرآن من أعظم الأذكار، وأخص الأذكار، وأفضل الأذكار، وجاء وصفه، وتفضيله على سائر الكلام، وأن فضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه.

هو الكتاب الذي من قام يقرؤه

 

كأنما خاطب الرحمن بالكلمِ

ويكفيه أنه كلام الله، فعلى طالب العلم أن يكون ديدنه النظر في كلام الله -جل وعلا-، وذكرنا مراراً مع الأسف الشديد أن كثيراً من طلاب العلم وإن حفظوا القرآن فقد هجروه، لا يكون لهم ورد يومي من تلاوة ونظر وتدبر وعلم وعمل، على الطريقة التي ذكرت سابقاً عن الصحابة وسلف هذه الأمة وخيارها. الذكر شأنه عظيم، {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [(35) سورة الأحزاب] ((سبق المفردون)) جاء في فضله نصوص كثيرة جداً، وهو من أسهل الأعمال وأيسرها، بالإمكان والإنسان جالس قائم قاعد {يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] لا يكلف شيء، ولو عود المسلم نفسه على أن يكون لسانه رطباً بذكر الله -جل وعلا- ما دب اليأس إلى قلبه، ولا حزن، ولا لحقه هم ولا نصب؛ لأنه يحزن على إيش؟ إن فاته شيء من أمر الدنيا فالباقيات الصالحات خير من الدنيا كلها، وإن جلس ينتظر، ومن أشق الأمور على النفس الانتظار؛ لكن إذا كان يذكر الله وهو ينتظر لا يضيره أن يتأخر صاحبه ساعة أو أكثر أو أقل؛ بل إذا جرب الذكر وأنس بالله -جل وعلا- يتمنى أن صاحبه لا يحضر، يتمنى أن يتأخر صاحبه، وفي الذكر أكثر من مائة فائدة، ذكرها العلامة ابن القيم في الوابل الصيب، ومن أهمها يقول: أنه يطرد الشيطان، ويقمعه، ويكسره، ومنها: أنه يرضي الرحمن -عز وجل-، ومنها: أنه يزيل الهم والغم عن القلب، ومنها: أنه يجلب للقلب الفرح والسرور، ومنها: أنه يقوي القلب والبدن، ومنها: أنه ينور الوجه والقلب، ويجلب الرزق، ويكسو الذاكر المهابة والنضرة، ومنها: أنه يورث المحبة التي هي روح الإسلام، وقطب رحى الدين، ومدار السعادة والنجاة، ومنها: أنه يورث المراقبة، الذي ديدنه ذكر الله -جل وعلا-، ولسانه دائماً رطب بذكر الله -جل وعلا-، لا شك أن الذي بعثه على ذلك مراقبة الله -جل وعلا-، فالإكثار من ذكر الله -جل وعلا- يورث المراقبة، فيدخل الإنسان في مرتبة الإحسان، إلى غير ذلك مما ذكره ابن القيم -رحمه الله تعالى-.

الذكر: الذكر باللسان فقط يترتب عليه ما وعد به من قال كذا فله كذا، يترتب عليه هذا؛ لكن إذا صحب الذكر باللسان حضور القلب والتدبر والعمل بما يقتضيه هذه الأذكار فقدر زائد لا يعرف قدره إلا الله -جل وعلا-، ولذا جاء فيه ما يأتي من الفضل العظيم، يعني: ((أفضل من أن تلقوا عدوكم))، ((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)) يعني لو أن واحداً منا -وهذا يوجد على كافة المستويات- لو أن الملك مثلاً أو أمير جالس مع أحد من أهل العلم أو كذا، وقال: فلان ماذا فعل؟ وفلان..، ثم يخبر فلان بأن الملك ذكره، ما ينام تلك الليلة، ما يجيه النوم، قطعاً ما ينام، هذا شيء شاهدناه، ومن الذي ذكره؟ مخلوق لا يقدم ولا يؤخر، لا يقدم ولا يؤخر؛ لكن إذا ذكره الله -جل وعلا-: ((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي))، والله المستعان.