عاجل بشرى المؤمن

عن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- قال‏:‏ ‏‏قيل‏:‏ يا رسول الله، أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده -أو يحبه- الناس عليه‏؟‏ قال‏:‏ ((تلك عاجل بشرى المؤمن‏))‏ [رواه مسلم]‏.

نعم، يعني بالمقابل بدلاً من أن يسعى أن يحمده الناس على ذلك، ويعمل من أجل الناس إذا مدحه الناس وحمدوه من غير سببٍ منه، هو يفعل الخير لله -جل وعلا-، يعمل الخير، "أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير" مخلصاً في ذلك لله -جل وعلا- ثم بعد ذلك الناس يمدحونه، ترتب على ذلك مدح الناس وحمدهم، قال: إذا لم له سبب من ذلك، ولا أثر له في نفسه، لا شك أن هذه عاجل بشرى المؤمن؛ لأن الناس إذا اتفقت ألسنتهم على مدح شخص، هم شهود الله في أرضه، شهداء الله في أرضه، لما أثنوا على الجنازة خيراً قال -عليه الصلاة والسلام-: ((وجبت، وجبت، وجبت)) يعني وجبت له الجنة، هذا إذا لم يكن بتعرضٍ منه؛ لأن بعض الناس يحب المدح والثناء، ولا شك أن هذا قادح، أما إذا حصل المدح والثناء من غير تعرضٍ ومن غير محبة، ومن غير تأثير عليه، فلا شك أن هذه عاجل بشرى المؤمن.

يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- في الفوائد: "إذا حدثتك نفسك بالإخلاص، فاعمد إلى حب المدح والثناء فاذبحه بسكين علمك أنه لا أحد ينفع مدحه ولا يضر ذمه إلا الله -جل وعلا-"، كما قال الأعرابي للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "أعطني يا محمد فإن مدحي زين وذمي شين" قال: ((ذاك الله -عز وجل-)) ما هو بأنت، فالإنسان يكون على بينةٍ من هذا، والقلوب بيد الله -جل وعلا-، يعني شخص ما نفعك بشيءٍ طول عمرك، أو ما تعدى نفعه إلى كثيرٍ من الناس؛ لكن بينه وبين ربه معاملة خفية، تجد جنازته مشهودة، تذهل كيف حضر الناس؟ من أجل إيش؟ الناس شهداء الله في أرضه، والله -جل وعلا- هو الذي يصرف ألسنة الناس، وأفعال الناس، الناس ما يساقون بالعصي.

جاء شخص إلى يزيد بن عبد الملك فقال له: إن أباك أعطاني أرضاً في المحل الفلاني -عبد الملك- فجاء عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فأخذها، قال: عجب، الذي أعطاك ما قلت: رحمه الله، والذي أخذها تقول: رحمه الله؟ قال: يا أخي ما هو أنا الذي أقول، الناس كلهم تقوله؟ نعم يا أخي الإنسان ما يستطيع أن يقدم لنفسه شيء؛ لكن عليه أن يقدم ما يرضي الله -جل وعلا-، والله -جل وعلا- هو الذي يجعل الناس يحبونه ويمدحونه؛ لكن لا، الحذر من أن يكون لهذا المدح أو الأثر أثر، أن يكون له أثر، أو استشراف، أو يحب أن يمدحه الناس، في الحديث: ((ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لهما على العبد المؤمن من حب الشرف والمال)) حب رئاسة، يحب مال، وده يصير رئيس، وده يصير مدير، علشان إيش؟ والله المستعان.