((وإنْ أفتاك النَّاسُ وأفْتَوْك)) عملت عملاً توقَّعت أنَّ فيه جزاء أو كفَّارة، ثُمَّ ذَهَبْتَ تَسْأَلْ، فَبَانَ لَكَ بِقَرَائِنْ أَنَّ هذا الشَّخص الذِّي اسْتَفْتَيْتَهُ من المتساهلين في الفتوى، فقال لا شيء عليك، ما زالت النَّفس يتردد فيها هذا الأمر؛ لكن لو سألت شخص من أهل التَّحري وأنت من العوام فرضُك التَّقليد وتبرأ ذمَّتُك بتقليد أهل العلم، إذا اسْتَفتيت من تبرأ الذِّمَّة بتقليده يكفي؛ لكن كونك تذهب إلى هذا المُتساهل ثم يُفتيك بأنَّهُ لا شيء عليك، لا بد أنْ يبقى في نفسك ما يبقى، فضلاً عن كونك تسأل أهل التَّحري والتَّثبُّت؛ فيُلْزِمُونك بالكَفَّارة، ثُمَّ تذهب إلى المُتساهلين؛ لكي يُعفُوكَ منها! واللهُ المُستعان، وكثير من النَّاس يسأل أكثر من عالم، نعم، بعض النَّاس؛ لِيَطمئنَّ قلبُهُ استفتَى فقيل لهُ ما عليك شيء، فما ارتاح ذهب ليطمئنّ، يسأل ثاني ثالث ليطمئن لكنْ إذا قيل لهُ عليكَ كفَّارة، ثُم ذهب ليسأل عَلُّهُ أنْ يجد من أهل التَّسامُح والتَّساهل من يُعْفِيهِ من هذهِ الكَفَّارة هذا هو الإثم! حتَّى لو قيل لهُ فعلتَ كذا وسألت الشيخ الفُلاني فقال عليك كفَّارة فقيل لك إن في مذهب أبي حنيفة أو الشَّافعي ما عليك كفَّارة، فتقول أبو حنيفة إمام من أئِمَّة المُسلمين تبرأ الذِّمَّة بِتقلِيدِهِ، ثُمَّ في مسألةٍ أخرى تُلزم بشيء، تُلزم بقضاء، ثم يُقال لك مالك ما يُلزمك بالقضاء، تقول: مالك إمام في أئمَّة المُسلمين، ثُمَّ في مسألة ثالثة تسأل، فيُقال: عليك كذا، ثُمَّ يُقال لك: مذهب الشَّافعي ما عليك شيء، تقول: الشَّافعي إمام من أئِمَّة المُسلمين تبرأ الذِّمَّة بتقليده!، هذا تَتَبُّع الرُّخَصْ، الذِّي قال أهلُ العلم فيهِ مَنْ تَتَبَّعَ الرُّخَصْ فَقَدْ تَزَنْدَقْ، كيف يتزندق؟! مُسلم يقتدي بإمام من أئِمَّة المُسلمين! نقول: نعم، يخرُج من الدِّين بالكُلِّيَّة وهو لا يَشْعُر! لأنَّ هذه المذاهب فيها المُلزم وفيها المُعفي؛ لكنْ في مسألةٍ أخرى العكس، هذا الذِّي أعفاك يُلزمُك والذِّي ألْزَمَك هنا يُعْفِيكْ هُناك؛ لكن كونك تبحث عن الذِّي يُعفِيك في جميع المسائل!!! معناه أنَّك تخرج من الدِّين بالكُلِّيَّة، تبحث عمَّا يُعْفِيك في جميع مسائل الدِّينْ؛ إذنْ ما تَدَيَّنْتْ بدين!!! ولم تَتَّبِعْ ما جاء عن الله وعن رسُولِهِ، ولم يَكُنْ هواك تَبَعاً لما جاء بِهِ النبي -عليه الصَّلاةُ والسَّلام-؛ إنَّما الذِّي يَسُوقُك ويُشَرِّعُ لك هواك! هذا وجهُ قولهم: (مَنْ تَتَبَّعَ الرُّخَصْ فَقَدْ تَزَنْدَقْ)، وأنتم تسمعُون مِمَّا يُطْرَح الآن وبِقُوَّة على السَّاحة من التَّساهُل في الفتوى، وفقه التَّيسير على النَّاس من هذا الباب، تجده يقول لماذا نقول بقول الجُمهُور مثلاً: يُلزمُون النَّاس بالبقاء والمُكْثْ في منى إلى أنْ تَزُول الشَّمس، الحمد لله قال أبو حنيفة يجُوز الرَّمي يوم النَّفر الأول، والرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما))، نقول: نعم، ((الرسُول ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيْسَرَهُما))، ((والدِّين يُسْر، ولن يُشَادَّ الدِّينَ أحدٌ إلاَّ غَلَبَهُ))، ((اكْلَفُوا من العمل ما تُطِيقُونْ))، لا شكَّ أنَّ الدِّينَ يُسْر؛ لكنْ أيضاً هو دِينْ تَكالِيفْ، فيهِ الحلال وفيه الحرام، فيهِ الإلْزَام أيضاً، والجنَّة حُفَّتْ بالمَكَارِهْ، ((ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما)) هذا قبل اسْتِقْرَار الحُكم، أمَّا إذا اسْتَقَرَّ الحُكم، فَلَيْسَ للمُسْلِمِ أنْ يَخْتَار؛ إنَّما يجبُ عليهِ أنْ يعمل بالقولِ الرَّاجِح، فإنْ كان مِمَّنْ يَسْتَطِيع الوُصُول إلى القولِ الرَّاجِحْ بِدَلِيلِهِ بِنَفْسِهِ؛ تَعَيَّنَ عليهِ، وإلاَّ فعليهِ أنْ يَسْأَلْ ويختار أهل العلم مع الدِّينِ والوَرَعْ ، لا بُدَّ من توافُرِ ثلاثة أُمُور:
وليْسَ في فَتْوَاهُ مُفْتٍ مُتَّبَعْ |
|
مَا لَمْ يُضِفْ للعِلْمِ والدِّينِ الوَرَعْ |
إذا أفْتَاك من تبرأ ذمَّتُك بتقلِيدِهِ الحمدُ لله، لا أحد سيقول لك الْزِمْ نفسك بأشَدِّ الأقوال في كُلِّ مسألة – لا - ، المسألة راجِح ومَرْجُوحْ، فَعَليكَ أنْ تَعْمَل بالرَّاجِحْ سَواءً ألْزَمَكَ أوْ أَعْفَاكْ، وعلى كُلِّ مُسْلِم أنْ يَعْمَلْ بالقولِ الرَّاجِحْ، سَواءً كان مِنْ أهلِ النَّظر في المسائل العِلْمِيَّة بحيث يَصِلْ إلى القولِ الرَّاجحْ بِنفْسِهِ، هذا يَتَعَيَّنْ عليهِ، أوْ كان من فَرْضُهُ التَّقليد، عليهِ أنْ يَسْأل أهل العلم المَوْثُوقِينْ، أهل العلم والتَّحَرِّي والتَّثَبُّتْ والوَرَعْ، لا يَبْحَثْ عن الرُّخَصْ وعن المُتَساهِلِين – لا – كونُ الدِّينْ يُسْر – نعم يسر – الحمدُ لله الدِّينْ يُسْر، ما أَلْزمنا بخمسين صلاة في اليوم واللَّيلة! يُسْر، ألْزَمنا خمس صلوات؛ لكن هل تستطيع أنْ تقول الدِّين يُسر وأنا لن أُصلِّي إلاَّ أربع صلوات؟! هل يُمكن أنْ يُقال مثل هذا الدِّين يُسْر؟ أبي أصلي فرض وأترُك فرض والدِّين يُسْر والله الحمد، نقول: لا يا أخي هل يُمكن أنْ يُقال الدِّين يُسْر بدل ما تُصلِّي أربع ركعات الظُّهُر تُصلِّي ثلاث؟! نقول: لا يا أخي، فبعضُ النَّاس يسمع بوصفِ الشَّريعة باليُسْر، هي يُسْر بلا شك؛ لكنْ إذا قَارَنَّا هذه الشَّريعة بغيرها من الشَّرائع؛ تَبَيَّن لنا يُسْر هذهِ الشَّرِيعة ((بُعِثْتُ بالحَنِيفِيَّة السَّمْحَة))، ((خمسُ صلوات كَتَبَهُنَّ الله في اليوم واللَّيلة، هُنَّ خمس، وهُنَّ خمسُون)) {لا يُبدَّلُ القولُ لَدَيَّ}، في العمل خمس، وفي الأجر خمسين، خمسُون صلاة؛ لكنْ هل يجُوز أنْ يَتَرَخَّص الإنسان في تَرْكِ شيءٍ من الخَمْسْ؟! بِنَاءً على أنَّ الدِّين يُسْر! أبداً، هل للإنسان مندُوحة على أنْ لا يَصُوم شهر رمضان لأنَّ الصِّيام فيهِ مَشَقَّة؟! نعم فيهِ مَشَقَّة، التَّكاليف كُلَّها فيها مَشَقَّة؛ لأنَّها على خِلافِ ما تَهْوَاهُ النُّفُوسْ ((والجَنَّةُ حُفَّتْ بالمَكَارِهْ)).