اختلاف الروايات في مساحة حوض النبي صلى الله عليه وسلم

جاء في صحيح مسلم أن مساحة الحوض «ما بين عَمّان إلى أيلة» [مسلم (2300)]، وفي الصحيحين: «كما بين صنعاء والمدينة» [البخاري (6591)، ومسلم (2298)]، وفي رواية: «ما بين المدينة وعمّان» [مسلم (42-2303)]، وفي رواية أخرى: «كما بين أيلة وصنعاء من اليمن» [البخاري (6580)، ومسلم ( 39- 2303)]، وفي مسلم من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه «كما بين صنعاء وأيلة» [مسلم (44- 2305)]، وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حوضي مسيرة شهر» [البخاري (6579)، ومسلم (2292)].

وجاء التحديد بأماكن أخرى، ولا شك أن هذه المسافات متفاوتة تفاوتًا كبيرًا إلا أنها كلها مسيرها نحو شهر، وهذه الأحاديث كلها صحيحة.

فما بين عمّان إلى أيلة أقصر بكثير مما بين أيلة وصنعاء اليمن، وما بين صنعاء والمدينة أقصر، ولهذا ظن بعضهم أن هذا يعدُّ اضطرابًا، والاضطراب يضعف الحديث، فالحديث المضطرب هو الذي يروى على أوجه مختلفة مع عدم إمكان الجمع أو الترجيح.

وهل الاضطراب متحقق في هذا الحديث؟ لا؛ فقد روي على أوجه مختلفة، لكنها غير متساوية، فمنها ما هو في الصحيحين، ومنها ما تفرد به البخاري، ومنها ما تفرد به مسلم، وعلى هذا إذا قلنا: إن بعضها أرجح من بعض لننفي الاضطراب، قلنا: يقدم ما في الصحيحين، هذا إذا تعذر الجمع، أما إذا أمكن الجمع فلا يُلجأ إلى مثل هذا التعليل للأحاديث الثابتة في الصحيح، والجمع هنا ممكن فلا اضطراب.

فإذا قدرنا هذا الحوض بالمسافات المختلفة المتفاوتة في هذه الأحاديث، فيمكن الجمع بما قاله القرطبي [التذكرة (ص: 706)]، بأنه خاطب كل أناس بما يفهمونه، وليس المراد التقدير الدقيق، فيخاطب الشامي بما يناسبه مما يعرفه من بلاده، واليمني بما يعرفه من البلدان، وهكذا.

وأيضًا يمكن أن يجاب عن هذا الاختلاف في تحديد المسافة بأن هذه المسافات تختلف من حيث الطول لكنها تتحد من حيث الزمان، فالسير يختلف من شخصٍ إلى آخر، ومن وسيلةٍ إلى أخرى، فإذا قلنا: بسير الإبل حملناه على أطول المسافات، وإذا قلنا: بسير الجواد المضمر حملناه على أقل المسافات.

وكذلك لا يمنع أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن الحوض أولًا بأقل المسافات، ثم بعد ذلك زيد في مساحة الحوض؛ زيادةً لشرفه صلى الله عليه وسلم إلى أن بلغ أكبر المسافات، فصارت مساحته أوسع مما كانت عليه، وهذا يمكن أن يقال في مثل هذا الموضع للجمع والتوفيق بين هذه الأحاديث.