إن التأليف في فن علوم القرآن تأخّر جدًّا عن التأليف في أصول الفقه وعلوم الحديث بقرون، رغم أن هذا العلم يخدم القرآن، وعلم الحديث يخدم السنة، لكن كان التصنيف في علم الحديث ضروريًّا؛ لأنه وسيلة لحفظ النص، وتمييز الصحيح من الضعيف؛ أما القرآن فمضبوط محفوظ، فقد تكفّل اللَّه بحفظه من الزيادة والنقصان {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9]، وما دام مضبوطًا ومحفوظًا فليس بحاجة إلى أن يؤلَّف فيه ما يخدمه من حيث الثبوت وعدمه، بينما التأليف المتقدم في علوم الحديث كان من هذه الحيثية.
أما ما يحتاج إليه فيما يخدم القرآن من فهمه والاستنباط منه فهو موجود أيضًا في كتب أصول الفقه؛ لأن فيها مباحث تتعلق بعلوم القرآن، كمباحث العام والخاص، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ... إلى آخره، فالحاجة ليست داعية إليه مثل الحاجة الداعية إلى التأليف في أصول الفقه أو علوم الحديث؛ لأنه مصون، بخلاف السنة التي وجد فيها الوضع والدس منذ القرن الأول.