أَثَرُ المَعَاصِي فِي تَحْصِيلِ العِلْم

مِمَّا يَلْزم لطلب العلم تقوى الله -جلَّ وعلا-،  {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} [سورة البقرة/ (282)] لا بد لطالب العلم أنْ يجتنب المُحرَّمات، وأنْ يفعل جميع المأمُورات التِّي يستطيعها، أمَّا الذِّي لا يستطيعهُ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منهُ ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه))، {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} [سورة البقرة/(282)] من أعظم الوسائل في تحصيل العلم تقوى الله -جلَّ وعلا-، ومن أعظم الصَّوَادّ والصَّوارف المعاصي، يَشْكُو كثير من الناس ضَعف الحافظة، ولا يدري أنَّ هذهِ عُقوبة من الله -جلَّ وعلا-، لا شكَّ أنَّ المَلَكات تتفاوت بينَ النَّاس، والذِّي قَسَمها بين النَّاس هو الذِّي قَسَمَ الأرزاق؛ لكن يبقَى أنَّ الإنسان لهُ كَسْب في هذا الباب زيادةً ونقصاً، فإذا قَصَّر في المأمُورات، أوْ انْتَهك بعض المُحرَّمات؛ لا شكَّ أنَّ لهذا أثراً بالِغاً على تَحْصِيلِهِ، يقول الإمام الشَّافعي -رحمهُ اللهُ تعالى-:

شكوتُ إلى وكيعٍ سُوءَ حِفْظِي وقال اعلم بأنَّ العلم نُورٌ

 

فأرْشَدَنِي إلى تركِ المَعَاصِي ونُورُ اللهِ لا يُؤْتَاهُ عاصِي

من المعاصي: المعاصي الظَّاهرة، هذه لا تحتاج إلى تنبيه؛ لكن هناك معاصي هي من أعمال القلوب، ونحتاج منها إلى أمرين: هما العُجب والإعجاب بالنَّفس، والكِبْر، الإعجاب بالنَّفس هذا يلزم منهُ ازْدِراء الآخرين، والكِبْر بطر الحق وغَمْطُ النَّاس، فَيَلْزَم من الإعجاب بالنَّفس الكِبْر..

والعُجب؛ فَاحْذَرْهُ إنَّ العُجب مُجترفٌ

 

أعمالَ صَاحِبِهِ في سَيْلِهِ العَرِمِ

وأما الكِبْر فهو صِفةُ إبليس، ومَنْ مِنَ المُسلمين يَوَدّ أنْ يكون مُتَّصِفاً بِصِفَةِ إبْلِيس؟! وهو من أعظم الصَّوارف عن العلم الشَّرعي، اللهُ -جلَّ وعلا- يقول: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ} [سورة الأعراف/ (146)] والشَّيطان لهُ مَدَاخِل، ومسالك دقيقة، وهو كما أخبر الله -جلَّ وعلا- عنه عَدو، فَعَلَيْنَا أنْ نَتَّخِذُهُ عَدُوَّا، لهُ مَسَالِك دقيقة بحيث يَتَصَيَّد غَفْلَةِ الإنسان فَيَقْتَنِصَهُ! تجد الإنسان وهو جالس في المسجد يَقْرَأُ القرآن، يَقْرَأُ القرآن جالس في المسجد يعني من أفضل العبادات..

خيرُ مقامِ قُمْتَ فيهِ وحِلْيَةٌ

 

تَحَلَّيْتَها ذِكْرُ الإلَهِ بِمَسْجِدِ

من أفضل العبادات؛ لكنْ مع الأسف تَجِدُهُ إذا طَلَع شخص، الْتَفَتْ على جارُهُ قال: هذا وش معجله وين يبي؟! إذا شاف واحد ما يقرى، قال: هذا محروم! هذا ما أدري وشو! لا يترك النَّاس من شَرِّه!! إنْ كان عندك مُلاحظة لِأَحَد أو نَصِيحَة تُسْدِيها إليه والدِّينُ النَّصِيحة بينك وبينُهُ كلَّمه، قل لهُ: والله يا أخي وش أنت عاجلٍ عليه؟! أما إذا طَلَع أتْبَعْتَهُ بَصَرك حتَّى يخرج من المسجد ثم تقول وش عاجلٍ عليه! وما يُدريك لعل عنده عمل أو شغل! أو سوف يَشْتَغل بِشُغلٍ أو عمل للآخرة أعظم من عملك! ما يُدريك؟ فَيَبْقَى أنَّ الإنسان عليهِ أنْ يَشْتَغِل بِعُيُوبِهِ عَنْ عُيُوبِ غَيْرِهِ، ومِمَّا يُؤْسَفُ لهُ أنَّ بعض منْ يَنْتَسِب إلى طَلَبِ العلم اشْتَغَلَ بِعُيُوبِ النَّاس، وغَفَلَ عَنْ عُيُوب نَفْسِهِ، فَكَأَنَّهُ يَشْهَدُ بِلِسَانِ حَالِهِ لِنَفْسِهِ بالكمال! ويَشْهَدُ على غَيْرِهِ بالنَّقْصْ، وأنَّهُ هُو المُصِيبْ المُحِقّ، وأنَّ غَيْرَهُ مُخطئ! وما يُدْرِيك يا أخي؟! ولِذا غَابَتْ البَسْمَة والاسْتِقْبَال الحَسَنْ مِنْ وُجُوهِ بعض طُلَّابِ العلم ((لا تَحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيئاً ولو أنْ تَلْقَ أخاكَ بِوَجْهٍ طَلِقْ))، ((تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أخِيكَ صَدَقَة)) فضلاً عن كونك تتواضع لهُ، وتَعْتَرِفْ لهُ بالخير، ولِنَفْسِكْ بالعَجْز والتَّقْصِير؛ لأَّنكَ جُبِلْتْ على الظُّلْم والجهل؛ لكنْ مثل ما ذَكَرْنا الشَّيْطَانْ لهُ مَدَاخِلْ، بعض منْ تَرْجَم نَبَز شيخ الإسلام -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- بالكِبْر! يعني يَقْرَأ هذا العلم الهَائل مِنْ شيخ الإسلام والرَّد بِقُوَّة، ويَتَصَوَّر هذهِ القُوَّة في الرَّد وفي العلم - نعم – قُوَّةٌ بَدَنِيَّة وفَتْل عضلات ما هو بصحيح هذا، وقَدْ دَافَعَ عن شيخ الإسلام في كلامٍ لم أجِدْهُ لغيرِهِ في هذهِ المسألة مُفتي حَضرموت عبد الرحمن بن عُبيد الله السَّقَّاف، قال: أبداً، لا يُمْكِنْ أنْ يَتَّصِفْ شيخ الإسلام ابن تيمية بالكِبْر؛ لأنَّ القرآن على طَرَفِ لِسَانِهِ وأسلةِ بَنَانِهِ، واللهُ -جلَّ وعلا- يقول: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ} [سورة الأعراف/ (146)] كيف يُوصف بالكِبر والقُرآن على لِسَانِهِ؟! هذهِ الأُمُور في غايَةِ الأهَمِّيَّة، يَنْبَغِي أنْ يَسْتَصْحِبها طالب العلم، ولا يَغْفل عنها.