وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ

أحق الناس بإرث الشخص القريب، ولذا على الإنسان أن يُعنى بأولاده وأسرته أكثر من عنايته بغيرهم فهم أحق الناس ببره، أحق الناس بخيره، وقد يُلاحظ على بعض أهل العلم الذين يبذلون للناس أنّ أولادهم ونساءهم ومن تحت ولايتهم ما استفادوا منه شيئاً، وقد يكون هذا عن تفريط، وقد يكون عن عدم التفريط؛ لأن الله -جل وعلا- لم يكتب لهم هذا الأمر، فلا يُتهم أهل العلم بأنهم قصّروا في نصح أولادهم وذراريهم، وأنهم غفلوا عنهم بالانشغال بغيرهم، لا، بذلوا وحاولوا وجاهدوا ومع ذلك ما كتب الله لهم شيء، وهذا أيضاً موجود على مستوى الأنبياء، يعني نوح على طول ما بقي مع قومه امرأته وولده استفادوا وإلا ما استفادوا؟ ما استفادوا، لا يعني هذا أن نوح فشل في دعوته كما قال بعض الكُتّاب المعاصرين، يقول: نوح فشل في دعوته؛ لأنه ما استفاد منه أقرب الناس، حتى تطاول على النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: إنه فشل في دعوته في العهد المكي وفشل في الطائف ونجح في المدينة، هذا موجود في كتابات تُتداول بين أيدي الناس، وهذا ضلال -نسأل الله السلامة والعافية-، ما الذي على الداعية؟ ما الذي على النبي؟ ما عليه إلا البلاغ، هل عليه أن يهدي الناس؟ ما يستطيع {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(سورة القصص: 56)] هل استطاع النبي -عليه الصلاة والسلام- هداية عمّه؟ نعم يهدي {وإنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [(الشورى:52)] تهدي هداية الدلالة والإرشاد والبلاغ تهدي، لكن هداية التوفيق والقبول هذه بيد الله -جل وعلا-، فكون الإنسان يُمضي السنين الطويلة في تعليم الناس وما تخرج على يديه أحد من أهل العلم، قد يكون هذا خلل في طريقته في التعليم، وقد يكون الله -جل وعلا- ما كتب له القبول، ولم يتسنَ لأحد أن يحمل عنه هذا العلم، قد يكون ينفق السنين الطويلة في الأمر والنهي ومع ذلك ما تغيّر منكر، ولا استفاد أحد من أمره، هو عليه أن يبذل السبب وأجره مرّتب على بذل السبب، والنتائج بيد الله -جل وعلا-، فعلى الإنسان أن يهتم بالأقربين {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [(سورة الشعراء: 214)] يهتم بهم، ويوليهم نصحه وتوجيهه وعنايته، وتعليمهم وتبصيرهم ومع ذلك لا يلزم أن يستجيبوا له، النتائج بيد الله -جل وعلا-.