الاقتصار في تفسير القرآن على رأي علماء الإسلام المتقدمين فقط

Question
اختلفنا في معنى آية من القرآن الكريم، حيث ذَكر أحد الإخوة معنىً لها، فردَّ عليه آخر بأن (الثابت عند متقدمي العلماء والمفسرين هو معنيان فقط، وعليه فلا يجوز أن تأتي بهذا المعنى من عندك)، فذكر له أنه سمعه من أحد العلماء المعتبَرين، وسؤالي: هل يُقتصر في تفسير القرآن على رأي علماء الإسلام المتقدمين فقط؟
Answer

جاء الترهيب والوعيد الشديد على مَن فسَّر القرآن برأيه، ومَن قال في القرآن برأيه لا شك أن هذا فيه وعيد شديد، ولا يجوز للإنسان أن يتصدى لتفسير القرآن بمجرد الرأي، بل لا بد أن يكون له أصل يرجع إليه، وعلى كل حال إذا نظرنا إلى تفاسير الأئمة وجدنا فيها التفسير المرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ووجدنا فيها المأثور عن الصحابة والتابعين، ووجدنا فيها ما يفسِّره الأئمة استنادًا إلى ما عرفوه من لغة العرب وما فهموه من عمومات الشريعة وأدلتها، وقد تجد عند بعضهم مكأمكن الجمع

ما لا يوجَد له في كلام المتقدمين سلف، لكن هؤلاء العلماء من إدامة نظرهم وسعة اطِّلاعهم على نصوص الشريعة وعلى قواعدها العامة تتكون لديهم المَلَكَة التي تؤهِّلهم إلى فهم كلام الله -جل وعلا- وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ بناءً على ما تكوَّن لديهم من ملكة، وحينئذٍ قد تجد لشيخ الإسلام ابن تيمية كلامًا في بعض الآيات لو بحثتَ عنه في كلام مَن تقدم ما وجدتَ له دليلًا يدل عليه بخصوصه، لكن العمومات -عمومات الشريعة- وما تقدَّم في كلام أهل العلم حول هذه الآية أو هذا النص تجد فيه قُربًا، وإلا فآحاد المتعلمين وطلاب العلم لا يجوز لهم أن يَخرجوا عما أُثر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن صحابته وعن سلف الأمة؛ لأنهم لم يصلوا إلى مرتبةٍ يتأهلون فيها إلى أن تتكون لديهم الأهلية للكلام أو القول في كلام الله -جل وعلا-. وعلى كل حال هذا معروف ومطروق عند الأئمة، والتفاسير شاهدة بذلك، لكن ليس لكل أحد أن يتعرَّض لتفسير القرآن مِن غير سلف، وقد تحكم على هذا القول من هذا العالِم ومن هذا المفسِّر أنه ليس له سلف، لكنه من خلال سعة اطِّلاعه على نصوص الشريعة وقواعدها العامة وكلياتها وما أُثِر عن العلماء في هذا الباب قد تكوَّن لديه الأهلية التي يتأهل بها لتفسير القرآن، وإلا فالوارِد في تفسير القرآن بالرأي شديد «من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار» [الترمذي: 2951]، وقد يُشكل عليه أننا نجد في كثير من التفاسير حتى في (تفسير الطبري) وغيره من تفاسير الأثر أنه قد يُرجِّح أو يستروح ويميل إلى قول هو خارج عن جميع الأقوال التي أوردها، والله أعلم.

ويبقى أن الموضوع مزلة قدم، وعلى طالب العلم أن يحتاط لنفسه في هذا الباب، نعم يمكن أن يُتسامَح في أسلوب الترجِّي، يعني لو أن مجموعة من طلاب العلم اجتمعوا في مجلس وطرحوا آية أو حديثًا وبحثوا عن معناها، وليس لديهم مرجع أو عالم يرجعون إليه في هذا المجلس، على ألَّا ينتهوا إلى قولٍ فصلٍ جازمٍ في مراد الله أو مراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، بل قالوا: (لعل المراد كذا)، (لعل المراد كذا)، (لعل معنى الآية كذا)، أو (معنى الحديث كذا)، فمثل هذا الأسلوب يُتسامح فيه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أَخبر الصحابة -رضي الله عنهم- عن السبعين الألف، ثم دخل البيت، باتوا يدوكون، يعني: يبحثون في المراد: (لعلهم كذا)، (لعلهم كذا)، (لعلهم كذا)، فخرج النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يُثرِّب عليهم، بل أخبرهم بالقول الفصل من كلامه -عليه الصلاة والسلام- [البخاري: 5705].

وكذلك ما يحاول أن يستنبطه البعض من الآية مِن تَقدُّمِ كلمةٍ على كلمة أخرى، أو مِن ختام الآية باسمٍ من أسماء الله -عز وجل-، أو اقتران اسمين من الأسماء الحسنى، فيستنبط من ذلك معانيَ لم يُسبَق إليها، فهو من هذا النوع الذي ذكرناه، لكن إذا كانت لديه الأهلية، ولديه من سعة الاطلاع على النصوص وعلى كلام السلف، ومن الإحاطة بلغة العرب؛ لأنه بلسان عربي مبين، وتكوَّنت لديه الأهلية التي سَبق أن أشرنا إليها فلا مانع، على أن الأولى ألَّا يجزم أن هذا مراد الله من هذه الآية أو من هذه الكلمة.