المراتب التي رتَّبها أهل العلم، كالإمام المُجدِّد -رحمه الله-، وغيره من أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين: أنه لا بد أن يُبدأ بالعلم، ثم العمل به، ثم الدعوة إليه، لكن إذا عرفتَ مسألة بأدلتها، وعملتَ بها، صرتَ عالمًا بها، فادع إليها، ولا يلزم أن تحيط بالعلم كله حتى تزاول الدعوة، فأنت عرفتَ أن هذا حرام، أو أن هذا حلال، وطبَّقتَ على نفسك وعلى من تحت يدك، فتدعو الناس إلى مثل هذا، وما يلزم أن تحيط بجميع أبواب الدين من أجل أن تدعو أو تُنكر منكرًا رأيتَه وعرفتَ أنه منكر بالدليل، فلا تعارض بين طلب العلم، والعمل به، والدعوة إليه؛ لأن هذا الترتيب قد يَفهم منه بعض الناس أننا لا بد أن نتعلَّم، فإذا فرغنا من التعلُّم بدأنا بالعمل، وإذا فرغنا من العمل بدأنا بالدعوة، وهذا الكلام ليس بصحيح، وإلا فمعناه أنك تجلس عشر سنين تتعلَّم العلم ولا تعمل به؛ لأن هذه مرحلة ثانية بعد العلم! بل إذا تعلَّمتَ مسألة واحدة عملتَ بها ودعوتَ إليها، فما فيه تناقض.
نعم قد يكون التجرُّد للدعوة، وبذل الأوقات فيها، والضرب في الأرض من أجلها، قد يكون فيه ما يعوق عن شيء من التحصيل، فيقال: هذا يؤجَّل حتى يتمكن الإنسان من شيء من العلم يُعينه على مثل هذا، وإلا فلا تعارض بين طلب العلم والدعوة.