مادام وصف الدعوة تحقَّق فيهم، وصاروا دعاة، فأظن مثل هذه النصيحة لا يحتاجون إليها، نعم قد يغفل الإنسان عن هذا الأمر المهم جدًّا، فالإخلاص عليه مدار القبول، وقد يُلاحظ عند بعض مَن يدعو وبعض مَن يُعلِّم شيء من الخلل في هذا الباب القلبي الذي لا يطَّلع عليه إلا الله -جل وعلا-، لكن هناك قرائن تدل على هذا الخلل، فمثلًا: يُدعى من الشباب داعية، ويجلس على الكرسي، وبجواره مَن يُقدِّم، وهذا الشاب قد أحضر سيرته في ورقة، ويعطيها المقدِّم من تحت الطاولة؛ ليقرأها، فيقرأها ويثني عليه ويمدحه، ثم بعد ذلك يُنكِر عليه بأنني لا أرضى بمثل هذا، سبحان الله! هذا أمر مكشوف، وما في القلوب لا يعلمه إلا علَّام الغيوب، والله أعلم بنيات الناس ومقاصدهم، لكن مثل هذا الأمر -نسأل الله العافية- خلل كبير جدًّا، ومناقض مناقضة تامة للإخلاص.
وابن القيم -رحمه الله تعالى- في (الفوائد) يقول ما معناه: (إذا حدَّثتك نفسك بالإخلاص، فاعمد إلى حبِّ المدح والثناء، فاذبحه بسكينِ علمك ويقينك أنه لا أحد ينفع مدحُه، ويضر ذمُّه، إلا الله -جل وعلا-)، ولما جاء الأعرابي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: يا رسول الله إن حمدي زين، وإن ذمِّي شين، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ذاك الله عز وجل» [الترمذي: 3267]، ومع الأسف أننا لا ننظر إلى مدح الله مثلما ننظر إلى مدح المخلوق، فلو أن واحدًا منا -مهما كانت منزلته، إلَّا من عصم الله- قيل له: (البارحة ونحن في مجلس فلان الأمير، أو فلان الوزير، مرَّ ذكرك، وأثنى عليك وبالغ في الثناء)، ففي الغالب أنه لا ينام من الفرح، فما عسى أن يفعل لك المسكين هذا؟ «اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك» [الترمذي: 2516]، ونغفل أو نتغافل عن «إن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملإٍ ذكرتُه في ملإٍ خيرٍ منهم» [البخاري: 7405]، فهذا ما يؤثِّر فينا مثل ذاك! هذا خلل، والله المستعان.