أولًا: لا يُتصوَّر ولا يُتوقَّع من عالم أو من داعية أن يكون معصومًا، ولا يُتصوَّر في الآمر والناهي ألَّا يكون عنده شيء من الخلل؛ لأننا لو اشترطنا هذا عطَّلنا كل الأعمال، ولا عصمة بعد رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فحسب الإنسان أن يدخل فيمن خلَط عملًا صالحًا وآخر سيئًا، عسى الله أن يعفو عنه، فمثل هذا يدعو إلى الله وعنده الخلل، ولا إشكال، لكن لا يدعو إلى شيء، أو إلى ترك شيء، وهو يرتكبه، {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44]؛ لأن هذا ضرب من الاستهزاء، إلَّا إذا عجز عن تركه؛ لأن بعض الآباء تجده يُدخِّن، ويدعو أولاده، وينهاهم، وينصحهم، ويوجِّههم، ويدعو غيرهم إلى ترك الدخان، فيقولون له: (أنت تُدخِّن)، فيقول: (والله حاولتُ وعجزتُ)، مع أنه لو صدق مع الله -جل وعلا- أعانه على ترك الدخان. وإذا تَصوَّر الناس أن مثل هذا يعجز، فكيف يُتصوَّر أن يلتفت مَن هو على كرسي حلاقٍ يحلق لحيته إلى جاره على الكرسي الثاني، ويقول له: (اتقِ الله لا تحلق لحيتك)؟! هذا استهزاء واستهتار، لكن يبقى أنه لا يُتصوَّر ولا يُفترض العصمة في أحد، فتجد الإنسان يدعو الناس إلى أبواب من أبواب الخير، وعنده خلل في أبواب أخرى، فهذا له أجره، وعليه وزره، والجهة منفكَّة، لكن الإشكال في كونه ينهى عن ذنبٍ وهو يرتكبه.
لا تنهَ عنْ خُلقٍ وتأتيَ مثلَهُ |
|
عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ |